مصابيح الظلام - ج ١

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ١

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-1-9
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٤٦٢

حينئذ الغسل على ما هو المقرّر في الكثيرة ، وقلنا متى تغيّر الدم وصار أكثر لزم حكم الأكثر ، إذ عرفت أنّ الدم إذا ظهر عن القطنة لا يقف غالبا ، بل يجي‌ء حتىّ يتجاوز ، سيّما إذا كان الخروج من جهة غلبة الدم دفعة ، على ما هو المفروض.

نعم ، إذا كان فيما بينه وبين الصلاة ظهر عليها أنّه لا يزيد ، يكفي الوضوء في غير الغداة ، وأمّا في الغداة فيجب الغسل البتة

على أيّ تقدير ، فتأمّل جدّا! وإن كان عقيب الغسل لا يوجب إعادة الغسل وإن كان فعل للمتوسّطة وبنيّتها ، مع احتمال لزوم الإعادة بقصد الكثيرة ، وعلى أيّ تقدير ، لا بدّ من الشدّ والربط والاستظهار في منع الدم عن التعدّي لأجل الصلاة ، وإن كان الخروج من جهة تقصيرها في الشدّ ، قيل : بطل الوضوء (١) ، وفيه تأمّل ، وكذا الحال في الغسل.

وأمّا إذا كان الخروج في الصلاة فلا يبعد بطلانها إذا أتت بشي‌ء منها وهي عالمة به.

وبالجملة ؛ حاله حال النجاسة العارضة في أثناء الصلاة ، وسيجي‌ء.

وقيل بوجوب هذا الاستظهار ، لأجل الصوم أيضا في النهار (٢) ، ولم نجد له وجها.

__________________

(١) قال به الشهيد الثاني رحمه‌الله في روض الجنان : ٨٨.

(٢) ذهب إليه الشهيد الثاني رحمه‌الله في روض الجنان : ٨٨.

٢٦١
٢٦٢

٤ ـ مفتاح

[أحكام النفاس]

النفاس دم الولادة ، وإنّما يكون معها أو بعدها ، وليس لأقلّه حدّ في الشرع ، وأكثره لذات العادة عادتها على الأصحّ ، للصحاح المستفيضة (١) ، وتستظهر بيومين كما في أكثرها.

وللمبتدئة عشرة من دون استظهار ، وقيل : ثمانية عشر ، وقيل بالعشرة مطلقا ، وقيل بالثمانية عشر كذلك ، وقيل : أحد وعشرون (٢).

والنصوص مختلفة ، وفي بعضها ثلاثون وأربعون إلى خمسين (٣). والأولى حمل ما دلّ منها على أزيد من العشرة (٤) على التقيّة ، وهي أقرب محاملها.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢ / ٣٨٢ الباب ٢ و ٣ من أبواب النفاس.

(٢) لاحظ! مجمع الفائدة والبرهان : ١ / ١٦٩.

(٣) وسائل الشيعة : ٢ / ٣٨٧ الحديث ٢٤٢٤.

(٤) وسائل الشيعة : ٢ / ٣٨٢ الباب ٣ من أبواب النفاس.

٢٦٣
٢٦٤

قوله : (معها أو بعدها).

وربّما يظهر من بعض الفقهاء أنّه الذي يخرج عقيب الولادة (١) ، فربّما يظهر منه الاختصاص بما بعدها ، وحمل على أنّ مرادهم بعد خروج شي‌ء من الولد وظهوره ، فإنّه أيضا عقيب الولادة ، وأنّ كلامهم وارد مورد الغالب (٢).

وفي الموثّق عن عمّار ، عن الصادق عليه‌السلام : المرأة يصيبها الطلق أيّاما أو يوما أو يومين فترى الصفرة أو دما؟ قال : «تصلّي ما لم تلد ، فإن غلبها الوجع ففاتتها صلاة لم تقدر على أن تصلّيها من الوجع فعليها قضاء تلك الصلاة بعد ما تطهر» (٣).

وهذه حجّة كما عرفت ، سيّما مع الانجبار بالفتاوى والإطلاقات والعمومات ، فظهر أنّ ما تراه في أيّام الطلق ليس بنفاس ما لم تلد.

والظاهر أنّه إذا ظهر شي‌ء من الولد مع الدم يكون داخلا في الغاية وهي الولادة ، إذ هي أعم من كونها مع الولادة أو بعدها ، مع أنّ إيجاب الصلاة عليها مع الولادة مستبعد جدّا.

وغلبة الوجع متفرّعة على حالة وجوب الصلاة عليها ، مع أنّه عليه‌السلام شرط في القضاء كون الفوت لغلبة الوجع ، وهي غير نفس الولادة ، مع أنّ النفاس لغة وعرفا شامل له (٤) ، مضافا إلى ما ستعرف ، وظهر أيضا أنّه ليس بحيض أيضا.

__________________

(١) الناصريّات : ١٧٣ المسألة ٦٤ ، الرسائل العشر (الجمل والعقود) : ١٦٥ ، المعتبر : ١ / ٢٥٢ ، ذخيرة المعاد : ٧٧.

(٢) مدارك الأحكام : ٢ / ٤٣.

(٣) الكافي : ٣ / ١٠٠ الحديث ٣ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٤٠٣ الحديث ١٢٦١ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٣٩١ الحديث ٢٤٤٠ مع اختلاف يسير.

(٤) لسان العرب : ٦ / ٢٣٨ و ٢٣٩.

٢٦٥

وربّما يؤيّد هذا أنّ الحيض لا يجتمع مع الحمل في هذه الأوقات ـ يعني أواخر الحمل ـ فيكون ردّا على من قال بالاجتماع مطلقا (١).

وتصدق الولادة بخروج آدمي بالبديهة ، أو جزء منه كما عرفت ، أو خروج مبدء نشوء آدمي على اليقين ، ولو كان مضغة على ما قطع به الفاضلان (٢).

ولعلّه لأنّه يقال عرفا : إنّها ولدت كذا وكذا ، لكن الشأن في كونه من الأفراد المتبادرة ، بل في مثل كون المضغة ولدا تأمّل ظاهر ، إلّا أن يظهر دليل آخر لهما ، أو أنّه في العرف يقال له : النفاس ودم النفاس على سبيل الحقيقة ، أو أنّه الطريقة المستمرّة بين المسلمين ، أو الشيعة في الأعصار والأمصار.

وأمّا النطفة والعلقة وهي القطعة من الدم الغليظ ، فقد قطع جماعة منهم الفاضلان بعدم ترتّب الحكم عليهما (٣).

وفي «الذكرى» : لو علم كونه مبدءا لنشوء إنسان بقول أربع من القوابل ، كان نفاسا (٤) ، وتوقّف فيه بعض المحقّقين (٥).

واعترضه الشهيد الثاني رحمه‌الله بأنّه لا وجه للتوقّف بعد العلم (٦).

وفيه ؛ أنّ العلم بكونه مبدء على تقدير حصوله لا يقتضي صدق الولادة والنفاس عرفا ، وربّما كان نظرهم في ذلك إلى أنّ النفاس هو دم الحيض احتبس لنشوء الآدمي ، كما مرّ وسيجي‌ء ، وكما يظهر من الأخبار والاعتبار ، وسيجي‌ء

__________________

(١) مختلف الشيعة : ١ / ٣٥٦.

(٢) المعتبر : ١ / ٢٥٢ ، منتهى المطلب : ٢ / ٤٢٧ ، تذكرة الفقهاء : ١ / ٣٢٦ ، تحرير الأحكام : ١ / ١٦.

(٣) المعتبر : ١ / ٢٥٢ ، تذكرة الفقهاء : ١ / ٣٢٦.

(٤) ذكرى الشيعة : ١ / ٢٥٩.

(٥) منهم المحقّق الكركي في جامع المقاصد : ١ / ٣٤٦.

(٦) روض الجنان : ٨٨.

٢٦٦

أيضا أنّه حيض في المعنى عند الفقهاء ، ولذا يترتّب عليه ما يترتّب ، لكن يحتاج إلى تأمّل ، وفي ذلك كفاية.

قوله : (وليس لأقلّه حدّ).

هذا مذهب علمائنا (١) وأكثر العامّة (٢) ، فيجوز أن يكون لحظة ، ولأنّه لم يرد تحديد له في الشرع ، ولو لم ترد ما لم يكن لها نفاس عند الشيعة ، لما عرفت من أنّه الدم الخارج ، وأصالة استصحاب الحالة السابقة ، وغير ذلك.

وقال بعض العامّة بوجوب الغسل بخروج الولد (٣) ، وبعضهم بوجوب الوضوء (٤) ، وفيهما ما فيهما.

قوله : (وأكثره). إلى آخره.

اختلف الأصحاب فيه ، فذهب الشيخ في «النهاية» إلى أنّه لا يجوز لها ترك الصلاة والصوم إلّا في الأيّام التي كانت تعتاد فيها الحيض ، ثمّ قال بعد ذلك : ولا يكون حكم نفاسها أكثر من عشرة (٥) ، ونحوه قال في «الجمل» و «المبسوط» (٦).

وقال المفيد في «المقنعة» : أكثره ثمانية عشر يوما ، ثمّ قال : وقد جاءت الأخبار المعتمدة على أنّ أقصى مدّة النفاس عشرة أيّام وعليها العمل ، لوضوحها عندي (٧).

__________________

(١) تذكرة الفقهاء : ١ / ٣٢٦.

(٢) بداية المجتهد : ١ / ٥٣ ، مغني المحتاج : ١ / ١١٩.

(٣) المجموع للنووي : ٢ / ٥٢٣.

(٤) شرح العناية (شرح فتح القدير) : ١ / ١٨٨.

(٥) النهاية للشيخ الطوسي : ٢٩.

(٦) الرسائل العشر (الجمل والعقود) : ١٦٥ ، المبسوط : ١ / ٦٩.

(٧) المقنعة : ٥٧.

٢٦٧

ويحتمل أن يكون قوله : (وقد جاءت) .. إلى آخره من كلام الشيخ رحمه‌الله ، كما ستعرف.

وقال المرتضى رحمه‌الله : أكثره ثمانية عشر يوما (١) ، وإليه ذهب ابن بابويه (٢) وابن الجنيد (٣) وسلّار (٤).

وقال ابن أبي عقيل : أيّامها عند آل الرسول عليهم‌السلام أيّام حيضها ، وأكثره أحد وعشرون يوما ، فإن انقطع دمها في تمام حيضها صلّت وصامت ، وإن لم ينقطع صبرت ثمانية عشر يوما واستظهرت بيوم أو يومين ، وإن كانت كثيرة الدم صبرت ثلاثة ثمّ اغتسلت واحتشت واستثفرت وصلّت (٥).

وحكى في «المبسوط» : أنّ ما زاد عن ثمانية عشر لا خلاف بين الأصحاب أنّ حكمه حكم الاستحاضة (٦).

وذهب جماعة ـ منهم العلّامة والشهيد ـ إلى أنّ ذات العادة في الحيض تتنفس (٧) بقدر عادتها والمبتدئة بعشرة أيّام (٨).

وفي «المختلف» اختار أنّ ذات العادة ترجع إلى عادتها ، والمبتدئة تصبر ثمانية عشر يوما (٩).

__________________

(١) الانتصار : ٣٥.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٥٥ ذيل الحديث ٢٠٩.

(٣) نقل عنه في مختلف الشيعة : ١ / ٣٧٨.

(٤) المراسم : ٤٤.

(٥) نقل عنه في منتهى المطلب : ٢ / ٤٣٢ و ٤٣٣.

(٦) المبسوط : ١ / ٦٩.

(٧) في (د ٢) : تنتظر.

(٨) مختلف الشيعة : ١ / ٣٧٨ ، قواعد الأحكام : ١ / ١٦ ، الروضة البهيّة : ١ / ١١٤ و ١١٥.

(٩) مختلف الشيعة : ١ / ٣٧٨ و ٣٧٩.

٢٦٨

ونقل ابن إدريس عن المرتضى رحمه‌الله : أنّه قال ـ في «المسائل الخلافيّة» ـ : عندنا أنّ الحدّ في نفاس المرأة أيّام حيضها التي تعهدها ، وقد روي أنّها تستظهر بيوم أو يومين ، وروي في أكثره خمسة عشر يوما ، وروي أكثر من ذلك ، وإلّا ثبت ما تقدّم (١) ، انتهى.

ونقل أقوال اخر.

والأخبار في هذه مختلفة :

منها : صحيحة زرارة ، عن أحدهما عليهما‌السلام : «النفساء تكفّ عن الصلاة أيّامها التي كانت تمكث فيها ثمّ تغتسل كما تغتسل المستحاضة» (٢).

وصحيحته الاخرى : النفساء متى تصلّي؟ قال : «تقعد بقدر حيضها وتستظهر بيومين ، فإن انقطع الدم ، وإلّا اغتسلت واحتشت واستثفرت وصلّت» (٣).

وحسنة زرارة والفضيل ، عن أحدهما عليهما‌السلام : «النفساء تكفّ عن الصلاة أيّام أقرائها التي كانت تمكث فيها ثمّ تغتسل وتعمل كما تعمل المستحاضة» (٤).

وصحيحة يونس بن يعقوب ، عن الصادق عليه‌السلام : «النفساء تجلس أيّام حيضها التي كانت تحيض ، ثمّ تستظهر وتغتسل وتصلّي» (٥).

__________________

(١) السرائر : ١ / ١٥٤ ، انظر! وسائل الشيعة : ٢ / ٣٨٢ الباب ٣ من أبواب النفاس.

(٢) الكافي : ٣ / ٩٧ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١٧٣ الحديث ٤٩٥ ، الاستبصار : ١ / ١٥١ الحديث ٥٢٤ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٣٨٢ الحديث ٢٤١٢.

(٣) الكافي : ٣ / ٩٩ الحديث ٤ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١٧٣ الحديث ٤٩٦ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٣٨٣ الحديث ٢٤١٣.

(٤) الاستبصار : ١ / ١٥١ الحديث ٥٢٤ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٣٨٢ الحديث ٢٤١٢.

(٥) الكافي : ٣ / ٩٩ الحديث ٥ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١٧٥ الحديث ٥٠٠ ، الاستبصار : ١ / ١٥٠ الحديث ٥٢٠ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٣٨٥ الحديث ٢٤١٩.

٢٦٩

إلى غير ذلك ، مثل موثّقة زرارة ، عن الصادق عليه‌السلام (١) ، وموثّقة يونس عنه عليه‌السلام (٢) ، وصحيحة عبد الرحمن ، عن الكاظم عليه‌السلام ـ على ما في «التهذيب» (٣) ـ وقويّة عبد الرحمن بن أعين (٤) ، وموثّقة مالك بن أعين ، عن الباقر عليه‌السلام (٥) وغير ذلك.

ومنها : ما يدلّ على ثمانية عشرة يوما ، كصحيحة ابن مسلم ، عن الصادق عليه‌السلام : كم تقعد النفساء حتّى تصلّي؟ قال : «ثمان عشرة ، سبع عشرة ، ثمّ تغتسل وتحتشي وتصلّي» (٦).

وصحيحته الاخرى عنه عليه‌السلام : عن النفساء كم تقعد؟ فقال : «إنّ أسماء بنت عميس أمرها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن تغتسل لثماني عشرة ، ولا بأس أن تستظهر بيوم أو يومين» (٧).

وصحيحة ابن سنان عنه عليه‌السلام : «تقعد النفساء تسع عشرة ليلة ، فإن رأت

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٩٩ الحديث ٦ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١٧٥ الحديث ٥٠١ ، الاستبصار : ١ / ١٥١ الحديث ٥٢١ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٣٨٤ الحديث ٢٤١٦.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ١٧٥ الحديث ٥٠٢ ، الاستبصار : ١ / ١٥١ الحديث ٥٢٢ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٣٨٣ الحديث ٢٤١٤.

(٣) تهذيب الأحكام : ١ / ١٧٦ الحديث ٥٠٣ ، الاستبصار : ١ / ١٥١ الحديث ٥٢٣ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٣٩٣ الحديث ٢٤٤٤.

(٤) الكافي : ٣ / ٩٨ الحديث ٢ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٣٨٥ الحديث ٢٤٢٠.

(٥) تهذيب الأحكام : ١ / ١٧٦ الحديث ٥٠٥ ، الاستبصار : ١ / ١٥٢ الحديث ٥٢٥ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٣٨٣ الحديث ٢٤١٥.

(٦) تهذيب الأحكام : ١ / ١٧٧ الحديث ٥٠٨ ، الاستبصار : ١ / ١٥٢ الحديث ٥٢٩ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٣٨٦ الحديث ٢٤٢٣.

(٧) تهذيب الأحكام : ١ / ١٧٨ الحديث ٥١١ ، الاستبصار : ١ / ١٥٣ الحديث ٥٣١ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٣٨٧ الحديث ٢٤٢٦.

٢٧٠

دما صنعت كما تصنع المستحاضة» (١).

وفي «عيون أخبار الرضا عليه‌السلام» عن أحمد بن عبدوس ، عن علي بن محمّد بن قتيبة ، عن الفضل بن شاذان قال : سأل المأمون علي بن موسى الرضا عليه‌السلام أن يكتب له محض الإسلام فكتب ، وفيما كتب : «والنفساء لا تقعد [عن الصلاة] أكثر من ثمانية عشر يوما فإن طهرت قبل ذلك صلّت ، وإن لم تطهر حتّى تجاوز ثمانية عشر يوما اغتسلت وصلّت وعملت ما تعمله المستحاضة» (٢) ، روى هذه الرواية بطرق متعدّدة.

وروى الصدوق رحمه‌الله ـ في الصحيح ـ عن معاوية بن عمّار ، عن الصادق عليه‌السلام حكاية أسماء بنت عميس ، وأنّ جلوسها كان سبعة عشر يوما ، ثمّ بعدها أمرها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالاغتسال والطواف (٣).

ولا يخفى أنّ حمل هذه الأخبار على التقيّة متعيّن ، لأنّها أبعد عن طريقة الشيعة وأقرب إلى العامّة ، بل ربّما كان منهم من أفتى بها (٤) ، بل ربّما كان الظاهر كذلك ، والمعتبر في التقيّة زمان صدور الأخبار ، مع أنّ هذه الحكاية بالنسبة إلى أسماء بنت عميس صدرت على رءوس الأشهاد ، فبعيد غاية البعد عدم ذهاب أحد من العامّة إليها مع وجودها في كتبهم.

مع أنّ القدماء (٥) ـ مثل الشيخ حملوها على التقيّة (٦) وهم أعرف بها ، مع أنّه

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ١٧٧ الحديث ٥١٠ ، الاستبصار : ١ / ١٥٢ الحديث ٥٣٠ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٣٨٧ الحديث ٢٤٢٥.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ٢ / ١٣٣ الباب ٣٥ ، الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٣٩٠ الحديث ٢٤٣٥.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ٢ / ٢٣٩ الحديث ١١٤٢ ، وسائل الشيعة : ١٢ / ٤٠١ الحديث ١٦٦٢١.

(٤) الخلاف : ١ / ٢٤٢ المسألة ٢١١.

(٥) في (د ٢) و (ز ٣) : الفقهاء.

(٦) تهذيب الأحكام : ١ / ١٧٨ ذيل الحديث ٥١١.

٢٧١

من جهة صدورها والمعروفيّة عندهم يمكن أن يكون التمسّك بها لأجل تقليل المخالفة للحقّ مهما أمكن ، مع اندفاع الضرر بالمشهوريّة عندهم وتلقّيهم بالقبول.

وأمّا الأخبار السابقة ؛ ففي غاية الكثرة والصحّة ، وغير الصحيحة منها في غاية الاعتبار مع نهاية بعدها عن مذهب العامّة ، بحيث يحصل القطع بأنّه لا تقيّة فيها.

مضافا إلى أنّ النفاس هو الحيض المحتبس لغذاء الولد ، وحفظه عن الصدمات ، يخرج بعد خروجه ، ولذا في الغالب حكمهما واحد إلّا فيما ندر ـ كما ستعرف وتعرف الدليل ـ ويظهر منه التأييد لما ذكرنا.

وعرفت أنّ مقتضاها رجوع ذات العادة إلى عادتها ، فمقتضاها أنّ أكثره عشرة كالحيض ، إذ كثيرا ما يصير العادة عشرة ، فيظهر منها أنّ المبتدئة أكثر نفاسها العشرة.

فظهر أنّ ما قاله المفيد والشيخ أصوب.

أمّا الشيخ ؛ فظاهر.

وأمّا المفيد ؛ فلأنّه قال : أقصى مدّة النفاس عشرة يعني ليس أزيد منها ، ويصير ردّا على القول بثمانية عشر ، ولم يقل : إنّ كلّ نفاس عشرة ، وينادي إلى ذلك أنّه قال : وقد جاءت الأخبار المعتمدة (١).

إذ لا شكّ في أنّ مراده تلك الأخبار المذكورة ، إذ لم يوجد خبر واحد يدلّ على أنّ كلّ نفاس عشرة ، أو يشير ، فضلا أن يكون معتبرا ، فضلا أن يكون كثيرة ، سيّما بحيث يرفع اليد بسببه عن الأخبار الصحاح والمعتبرة المشهورة عند القدماء ، مع أنّ كلّ نفاس يكون عشرة باطل بالبديهة ، إذ لا حدّ لأقلّه جزما.

__________________

(١) المقنعة : ٥٧.

٢٧٢

وإن كان مراده أنّ كلّ نفاس أقصاه عشرة فهو كلام حقّ ، لأنّ ذات العادة أيضا لا يزيد عادتها عن العشرة قطعا.

هذا كلّه (١) على تقدير كون قوله : (وقد جاءت الأخبار). إلى آخره من كلام المفيد رحمه‌الله على ما قال بعض المحقّقين (٢) ، وقيل : إنّه من الشيخ لما يظهر من نسخ «التهذيب» (٣).

ويمكن تأويل بعض هذه الأخبار ؛ بأنّ أسماء ما أخبرت الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالواقعة وجلست هذا القدر ، ثمّ أخبرت الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأمرها بالغسل والطواف وغيره ، ولو كانت أخبرته قبل هذا ، لكان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأمرها بالغسل والعبادة.

روى هذا المعنى صريحا الكليني والشيخ ـ في المرفوع ـ ، عن الصادق عليه‌السلام إنّه سألته امرأة وقالت : إنّي كنت أقعد في نفاسي عشرين حتّى أفتوني بثمانية عشر فقال عليه‌السلام : «ولم أفتوك»؟ فقال رجل : للحديث الذي روي عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال لأسماء بنت عميس حين نفست بمحمّد بن أبي بكر ، فقال : «إنّها سألت الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد أتى لها بثمانية عشر يوما ، ولو سألته قبل ذلك لأمرها أن تغتسل» (٤).

وفي «المنتقى» ـ بعد نقل هذا الحديث ـ : وجدت في كتاب الأغسال حديثا مسندا يشبه أن يكون هذا المرفوع اختصارا له. إلى أن قال : صورة الحديث

__________________

(١) لم ترد في (ز ٣) من قوله : هذا كلّه. إلى قوله : من نسخ «التهذيب».

(٢) المقنعة : ٧ ، لاحظ! مدارك الأحكام : ٢ / ٤٥.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١ / ١٧٠ ، مدارك الأحكام : ٢ / ٤٥.

(٤) الكافي : ٣ / ٩٨ الحديث ٣ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١٧٨ الحديث ٥١٢ ، الاستبصار : ١ / ١٥٣ الحديث ٥٣٢ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٣٨٤ الحديث ٢٤١٨ مع اختلاف يسير.

٢٧٣

هكذا :

حدّثني أحمد بن محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن يحيى ، عن سعد بن عبد الله ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن عثمان بن عيسى ، عن ابن اذينة ، عن حمران بن أعين : إنّ امرأة محمّد بن مسلم كانت ولودا ، قالت له : اقرأ أبا جعفر عنّي السلام وأخبره أنّي كنت أقعد في نفاسي أربعين يوما ، وأنّ أصحابنا ضيّقوا عليّ فجعلوها ثمانية عشر فقال عليه‌السلام : «من أفتاها بثمانية عشر»؟

قال : قلت : للرواية التي رووها في أسماء بنت عميس أنّها نفست بمحمّد بن أبي بكر بذي الحليفة ، فقالت : يا رسول الله كيف أصنع؟ فقال : «اغتسلي واحتشي بالكرسف وأهلّي بالحجّ» ، فاغتسلت واحتشت ودخلت مكّة ولم تطف ولم تسع حتّى انقضى الحجّ فرجعت إلى مكّة فأتت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت : يا رسول الله! إنّي أحرمت ولم أطف ولم أسع ، فقال : «وكم لك اليوم»؟ فقالت : ثمانية عشر ، فقال لها : «فاخرجي الساعة واغتسلي واحتشي وطوفي واسعي» فطافت وسعت وأحلّت.

فقال أبو جعفر عليه‌السلام : «إنّها لو سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل ذلك وأخبرته لأمرها بما أمرها» ، قلت : فما حدّ النفاس؟ فقال : «تقعد أيّامها التي كانت تطمث فيهنّ أيّام قرئها ، وإن هي طهرت وإلّا استظهرت بيومين أو ثلاثة ثمّ اغتسلت واحتشت ، فإن كان انقطع الدم فقد طهرت ، وإن لم ينقطع فهي بمنزلة المستحاضة تغتسل لكلّ صلاتين وصلاة الفجر» (١).

والحقّ أنّ هذا التأويل حسن وجيه بالنسبة إلى أصل الحكاية والواقعة ، وبعض الأخبار السابقة ، مثل صحيحة معاوية ، وما رواه الشيخ عن الفضلاء ، عن

__________________

(١) منتقى الجمان : ١ / ٢٣٥ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٣٨٦ الحديث ٢٤٢٢ ، مع اختلاف.

٢٧٤

الباقر عليه‌السلام : أنّ أسماء نفست بمحمّد بن أبي بكر. إلى أن قال : فلمّا قدموا ونسكوا المناسك سألت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الطواف فقال : «منذ كم ولدت»؟ فقالت : ثمانية عشر ، فأمرها أن تغتسل وتطوف (١).

وأمّا بالنسبة إلى الأخبار الاخر فلا ، بل التوجيه هو التقيّة لا غير.

وممّا ذكر ظهر أنّ الذي اختاره في «المختلف» أيضا بعيد ، حيث قال : إنّ المعارضة بين الأخبار مخصوصة بذات العادة ، وأمّا المبتدئة فلا معارض فيها (٢).

وفيه ؛ أنّ حمل أخبار الثمانية عشر على خصوص المبتدئة مع ندرة وجودها ، فيه ما فيه ، والأئمّة عليهم‌السلام استندوا في الثمانية عشر إلى حكاية أسماء ، والظاهر أنّها لم تكن مبتدئة ، لأنّها ولدت عند جعفر الطيّار عدّة أولاد فيبعد عدم تحقّق شهرين متساوين لها في عدد الحيض.

مع أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يستفصل (٣) في مقام السؤال ، وكذا الأئمة عليهم‌السلام ، وكذا أصحاب الأئمّة عليهم‌السلام الذين أفتوا بثمانية عشر.

بل الرواية التي نقلها في «المنتقى» صريحة في أنّ حدّ نفاس مثل أسماء كان أيّام عادتها (٤) ، مع أنّها لو كانت مبتدئة لكانوا يقولون : إنّها كانت مبتدئة ، ولذا أمرها الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالغسل بعد ثمانية عشر ، وذات العادة ليس كذلك ، مع أنّهم عليهم‌السلام كانوا يقولون : لو كانت تسأل لكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأمرها بالغسل.

وممّا يؤيّده عدم تعرّضهم لحال المبتدئة مطلقا في مطلق الأخبار ، وليس ذلك إلّا لندرتها ، مع أنّه في «الفقه الرضوي» : «والنفساء تدع الصلاة أكثره ، مثل أيّام

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ١٧٩ الحديث ٥١٤ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٣٨٨ الحديث ٢٤٣٠ مع اختلاف يسير.

(٢) مختلف الشيعة : ١ / ٣٨٠ نقل بالمعنى.

(٣) في (د ١) و (ز ١ ، ٢) و (ط) : ترك الاستفصال.

(٤) مرّ آنفا.

٢٧٥

حيضها وهي عشرة أيّام ، وتستظهر بثلاثة أيّام ، ثمّ تغتسل» (١) الحديث.

وأيضا عرفت أنّه إذا انقطع الحيض على العشرة يكون الكلّ حيضا وإن كانت ذات عادة وعادتها أقلّ.

ويؤيّده أيضا قوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة : والحائض «مثل ذلك سواء». إلى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الصلاه عماد دينكم» (٢).

مضافا إلى ما عرفت من أنّ أخبار الثمانية عشر عليلة بأنّها وردت تقيّة ، أو أنّه اتّفق وقوع سؤالها بعد الثمانية عشر.

هذا ؛ مضافا إلى الاستبعاد التامّ في أنّ ذات العادة لا يمكن أن يكون حيضها في المعنى ثمانية عشر ، وإذا لم يتحقّق لها عادة (٣) فيمكن ، بل ويتعيّن ، مع ما بينهما من التفاوت الزائد.

وفي موثّقة أبي بصير ، عن الصادق عليه‌السلام : «النفساء إذا ابتليت بأيّام كثيرة مكثت مثل أيّامها التي كانت تجلس قبل ذلك واستظهرت بمثل ثلثي أيّامها ، ثمّ تغتسل وتحتشي وتضع كما تصنع المستحاضة ، وإن كانت لا تعرف أيّام نفاسها فابتليت جلست بمثل أيّام امّها أو اختها أو خالتها واستظهرت بثلثي ذلك ثمّ صنعت كما تصنع المستحاضة» (٤).

ولا يخفى أنّ هذه شاذّة كالأخبار الواردة في أنّ حدّها ثلاثون ، أو أربعون ، أو خمسون (٥) ، وأمثال ذلك ، وكلّها محمولة على التقيّة ، كما هو ظاهر.

__________________

(١) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ١٩١ ، مستدرك الوسائل : ٢ / ٤٧ الحديث ١٣٦٤.

(٢) الكافي : ٣ / ٩٩ الحديث ٤ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١٧٣ الحديث ٤٩٦ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٣٧٣ الحديث ٢٣٩٤.

(٣) في (د ١) ، (ز ١) و (ز ٢) و (ط) : لم يتحقّق العادة.

(٤) تهذيب الأحكام : ١ / ٤٠٣ الحديث ١٢٦٢ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٣٨٩ الحديث ٢٤٣١.

(٥) وسائل الشيعة : ٢ / ٣٨٧ الحديث ٢٤٢٤ و ٢٤٢٧ ، ٣٨٨ الحديث ٢٤٢٨ و ٢٤٢٩.

٢٧٦

ولا يخفى أنّه صرّح الشهيد رحمه‌الله بأنّ الرجوع إلى العادة إنّما يكون عند تجاوز العشرة ، وأمّا إذا انقطع الدم على العشرة فالجميع نفاس (١) ، ومستنده ما سيجي‌ء من أنّ النفاس حكمه حكم الحيض إلّا ما أخرجه الدليل ، ولأنّ بعض ما ذكرنا في الحيض جار هنا أيضا ، فلاحظ.

فلو رأته ثمّ انقطع ثمّ رأته في العشرة فهما وما بينهما نفاس ، لما عرفت من أنّ الحيض كذلك ، ولأنّ أهل العرف يعدّون المجموع نفاسا مستندا إلى الولادة ، وكذا لو لم تر دما ثمّ رأت في العاشر ، ولأصالة الصحّة وعدم آفة ـ كما مرّ في الحيض ـ ولحدوثه في الزمان الذي حكم بكونه من أزمنة نفاسها شرعا وأنّ دمها فيها نفاس ، فتأمّل!

وإن تأمّل في «المدارك» في الأخير قائلا بأنّ العلم باستناد هذا الدم إلى الولادة مفقود ، وعدم ثبوت الإضافة إليها عرفا (٢).

ويحرم على النفساء جميع ما يحرم على الحائض ، قال في «المعتبر» : إنّه مذهب أهل العلم كافّة (٣) ، بل ذكر جمع من الأصحاب أنّها كالحائض في جميع الأحكام (٤) ، مثل تحريم الصلاة ، والطواف ، والصوم ـ فرضا كان أو نفلا ـ ومسّ كتابة القرآن ، وألحق به مسّ اسم الله تعالى ، أو مسّ اسم نبي أو إمام عليه‌السلام ، وسيجي‌ء تمام الكلام في ذلك في الجنب.

وتحريم دخول المساجد إلّا اجتيازا سوى المسجدين فيحرم دخولها مطلقا ،

__________________

(١) ذكرى الشيعة : ١ / ٢٦٣.

(٢) مدارك الأحكام : ٢ / ٥٠.

(٣) المعتبر : ١ / ٢٥٧.

(٤) المراسم : ٤٤ ، غنية النزوع : ٤٠ ، الوسيلة إلى نيل الفضيلة : ٦١ ، منتهى المطلب : ٢ / ٤٤٩.

٢٧٧

ووضع شي‌ء في المساجد ، لما ورد في الصحيح في الحائض (١) ، وتحريم الوطء قبلا ، وتحريم الاستمتاع بما بين السرّة والركبة عند السيّد رحمه‌الله (٢) ، والأظهر الكراهة ، وتعزير الواطئ ، وتكفيره إن كان في أوّل النفاس بدينار ، وفي وسطه بنصف ، وفي آخره بربع ، ولو عجز استغفر الله على حسب ما مرّ في الحائض (٣) ، ولو كانت أمته (٤) تصدّق بما مرّ.

وكراهة وطئها قبل الغسل ، أو تحريمه على القولين الذين مرّا في الحائض أو الثلاثة ، وتحريم طلاقها مع الدخول بها بالنحو الذي مرّ ، ويبطل أيضا ، ولا يرتفع حدثها بوضوء ولا غسل ، وإن ورد في بعض الأخبار في الحائض : تخييرها بين الغسل وعدمه فيما إذا كانت جنبا فحاضت (٥) ، وفي بعض آخر في النفساء : أنّها تغتسل (٦) ، والشيخ جوّز غسلها (٧) إلّا أنّه لا يرتفع حدثها بالضرورة.

ويحرم عليها قراءة العزائم وأبعاضها ، كما سيجي‌ء في الجنب ، وتقضي صومها ولا تقضي صلاتها إلّا أن تكون منذورة ففاتها لمكان الحدثين ، فإنّ بعض الأصحاب قائل بالقضاء ، منهم الشهيد في «الدروس» (٨).

ويظهر من بعض الأخبار الواردة في النذر أنّ المنذور إذا تعذر فعله لمانع

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢ / ٣٤٠ الباب ٣٥ من أبواب الحيض.

(٢) نقل عنه الشهيد في ذكرى الشيعة : ١ / ٢٧١ ، مدارك الأحكام : ١ / ٣٥١.

(٣) راجع! الصفحة : ٢٠٤ ـ ٢٠٦ من هذا الكتاب.

(٤) في (ز ٣) : أمة.

(٥) تهذيب الأحكام : ١ / ٣٩٦ الحديث ١٢٢٩ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٣١٥ الحديث ٢٢٢٨.

(٦) تهذيب الأحكام : ١ / ١٦٧ الحديث ٤٧٩ و ١٧٦ الحديث ٥٠٥ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٣٩٥ الحديث ٢٤٤٨ و ٢٤٥٠.

(٧) تهذيب الأحكام : ١ / ٣٩٦ ذيل الحديث ١٢٢٨ ، الاستبصار : ١ / ١٤٧ ذيل الحديث ٥٠٥.

(٨) الدروس الشرعيّة : ١ / ١٠١.

٢٧٨

شرعي يفعل بعد رفع المانع (١).

وبالجملة ؛ الظاهر اتّحاد أحكامهما إلّا فيما ثبت خلافه.

وربّما يدلّ على اتّحاد أحكامهما ما رواه الشيخ في كتاب الحج ـ في الصحيح ـ عن صفوان ، عن إسحاق بن عمّار قال : سألت الصادق عليه‌السلام عن الحائض تسعى بين الصفا والمروة؟ فقال : «إي لعمري لقد أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أسماء بنت عميس فاستثفرت وطافت بين الصفا والمروة» (٢).

وجه الدلالة ؛ أنّ أسماء كانت نفساء فلو لم يكن حكمهما واحدا والاتّحاد ظاهرا بعنوان الكليّة ، لما كان للتعليل المذكور وجه ، ولما صحّ الاستناد المذكور فتأمّل جدّا!

وربّما يؤيّده صحيحة ابن المغيرة ـ أو كالصحيحة ـ عن الكاظم عليه‌السلام : في امرأة نفست وتركت الصلاة ثلاثين يوما ثمّ طهرت ثمّ رأت الدم قال : «تدع الصلاة ، لأنّ أيّام الطهر جازت مع أيّام النفاس» (٣).

وهذه تدلّ على لزوم تخلّل أقلّ الطهر بين النفاس والحيض كما أفتى به بعض الأصحاب (٤).

وتدلّ عليه أيضا إطلاقات الأخبار الكثيرة (٥) في أنّها بعد أيّام عادتها (٦)

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢٣ / ٣١٠ الحديث ٢٩٦٢٩.

(٢) تهذيب الأحكام : ٥ / ٣٩٦ الحديث ١٣٧٨ ، الاستبصار : ٢ / ٣١٦ الحديث ١١١٩ ، وسائل الشيعة : ١٣ / ٤٦٠ الحديث ١٨٢١١ مع اختلاف يسير.

(٣) الكافي : ٣ / ١٠٠ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٤٠٢ الحديث ١٢٦٠ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٣٩٣ الحديث ٢٤٤٣ مع اختلاف يسير.

(٤) الخلاف : ١ / ٢٤٩ المسألة ٢٢٠ ، روض الجنان : ٧٣.

(٥) وسائل الشيعة : ٢ / ٣٨٢ الباب ٣ من أبواب النفاس.

(٦) في (د ١) و (ز ١) : في أنّهما بعد أيّام عادتهما.

٢٧٩

مستحاضة تعمل عملها مطلقا ، فتأمّل البعض في ذلك ، لا وجه له.

ويؤيّده الأمر باستظهار اليوم أو يومين أو ثلاثة ، أو إلى تمام العشرة بعين ما ورد في الحيض ، وهذا يؤيّد اتّحاد حكمهما أيضا.

مضافا إلى ما مرّ سابقا من أنّه في الحقيقة دم الحيض حبس لغذاء الولد وتكوينه وحفظه عن الصدمات ، مضافا إلى الاستقراء في غالب أحكامهما ، إذ يظهر من الأخبار والإجماعات كون أحكامها بعينها أحكامها ، فلاحظ الأخبار والإجماعات ، وتأمّل فيهما.

مع أنّه قال في «المنتهى» : حكم النفساء حكم الحائض في جميع ما يحرم عليها ويكره ويباح ، ويسقط عنها من الواجبات ويستحب ، وتحريم وطئها وجواز الاستمتاع بما دون الفرج ، لا نعلم في ذلك خلافا بين أهل العلم (١) ، وعرفت كلام المحقّق أيضا.

وصرّحوا أيضا بأنّ النفاس في الحقيقة دم الحيض ، ذكر ذلك في «المختلف» (٢) وغيره في غيره (٣) ، ولهذا بعد أيّام العادة تبني على الاستظهار ، وبعد الاستظهار على الاستحاضة ، كما ورد في الأخبار (٤) ، وأفتى به الأخيار.

مع أنّ ما يمكن أن يكون حيضا فهو حيض ، وخصوصا إذا كان بصفة الحيض وشرائطه.

وباقي الفقهاء من المتأخّرين (٥) والقدماء (٦) صرّحوا في كتبهم الفقهيّة

__________________

(١) منتهى المطلب : ٢ / ٤٤٩.

(٢) مختلف الشيعة : ١ / ٣٧٩ ، تذكرة الفقهاء : ١ / ٣٣٢.

(٣) المعتبر : ١ / ٢٥٥.

(٤) وسائل الشيعة : ٢ / ٣٨٢ الباب ٣ من أبواب النفاس.

(٥) تحرير الأحكام : ١ / ١٦ ، روض الجنان : ٩٠.

(٦) لم ترد في (ز ٣) من قوله : وصرّحوا أيضا. إلى قوله : والقدماء.

٢٨٠