مصابيح الظلام - ج ١

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ١

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-1-9
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٤٦٢

تسع سنين فكذلك ، وذلك أنّها تحيض لتسع سنين» (١).

ورواه الشيخ أيضا في الموثّق عنه هكذا قال : سأله ـ يعني الصادق عليه‌السلام ـ أبي ـ وأنا حاضر ـ عن قول الله عزوجل (حَتّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ) (٢)؟ قال : «الاحتلام» فقال : يحتلم في ستّ عشرة وسبع عشرة سنة ونحوها؟ فقال : «لا ، إذا أتت عليه ثلاث عشرة سنة كتبت له الحسنات ، وكتبت عليه السيّئات ، وجاز أمره إلّا أن يكون سفيها أو ضعيفا» (٣).

فهذه الروايات وإن كان أصلها واحدا عن عبد الله بن سنان ، وعبد الله لا تأمّل في وثاقته وجلالته ، إلّا أنّها رويت عنه بطريق موثّق أو حسن ، وهما حجّة عند من يقول بحجّيتهما ، بل لعلّ المشهور كذلك.

ويؤيّدها ما روي ـ في الضعيف ـ عن الثمالي ، عن الباقر عليه‌السلام : «يجري الأحكام على الصبيان في ثلاث عشرة سنة أو أربع عشرة سنة ، وإن لم يحتلم ، فإنّ الأحكام تجري عليه» (٤) ، والجمع المحلّى باللام ظاهر في العموم.

قلت : إجراء الأحكام في ثلاث عشرة سنة أو أربع عشرة سنة باطل قطعا ، لعدم التعيين ، لمكان كلمة «أو» الدالّة على الترديد ، فتعيّن أن يكون المراد ما ذكرنا سابقا عند الكلام في صحيحة معاوية ، وموثّقة عمّار ، فتأمّل!

سيّما وربّما يخفون الاحتلام خوفا من إجراء الأحكام ، وهو أمر لا يطّلع عليه إلّا خالق الأنام ، فربّما يترتّب على ترك إجراء الأحكام بالمرّة المفاسد والفتن.

__________________

(١) لم نعثر على هذه الرواية في «من لا يحضره الفقيه» ، نسب إليه الحدائق الناضرة : ١٣ / ١٨٣.

نعم ؛ وردت في تهذيب الأحكام : ٩ / ١٨٤ الحديث ٧٤١ ، وسائل الشيعة : ١٩ / ٣٦٥ الحديث ٢٤٧٧٢.

(٢) الأحقاف (٤٦) : ١٥.

(٣) تهذيب الأحكام : ٩ / ١٨٢ الحديث ٧٣١ ، وسائل الشيعة : ١٩ / ٣٦٣ الحديث ٢٤٧٦٨.

(٤) تهذيب الأحكام : ٦ / ٣١٠ الحديث ٨٥٦ ، وسائل الشيعة : ١٩ / ٣٦٧ الحديث ٢٤٧٧٥ نقل بالمعنى.

١٠١

والحسن والموثّق عند من يقول بحجّيتهما يشترط أن لا يكونا شاذّين ، بل الصحيح الشاذّ ليس بحجّة فضلا عنهما ، وقد ظهر لك الشذوذ ، سلّمنا عدم الشذوذ ، لكن لا يعارضان الصحيح والمنجبر بعمل الأصحاب البتة ، بل الصحيح لا يعارض المنجبر المذكور ، كما هو المعروف المشهور من فقهائنا المتقدّمين والمتأخّرين ، وحقّقناه وأثبتناه في ملحقات «الفوائد الحائريّة» (١) فما ظنّك بغير الصحيح؟ سيّما مع انضمام المنجبر بالصحيح الذي عرفت ، وخصوصا مع اعتضادهما بالاصول الأصيلة الثابتة وغيرها ، مثل أنّ الظاهر من الكتاب وغير واحد من الأخبار أنّ البلوغ منحصر في الحلم ، خرج ما خرج بالإجماع وبقي الباقي.

وظهر لك ظاهر الكتاب ، وبعض الأخبار مثل : «رفع القلم عن الصبي حتّى يحتلم» (٢) ، ومثل : «إذا بلغوا الحلم كتبت عليهم السيّئات» (٣) ، وغيرهما مثل ما ورد من أنّه : «على الصبي الصيام إذا احتلم» (٤) إلى غير ذلك.

وممّا يؤيّد أيضا أنّ أحاديث الباقر عليه‌السلام أبعد عن التقيّة ، ولم تكن مخالفة للحقّ بالعقل والنقل.

أمّا الثاني : فلمّا ورد من أنّ الباقر عليه‌السلام كان يفتي أصحابه بمرّ الحقّ (٥).

وأمّا الأوّل : فلأنّ بني اميّة كانوا مشغولين بمحاربة بني العبّاس ، وكذا

__________________

(١) الفوائد الحائريّة : ٤٨٧ الفائدة ٣١.

(٢) الخصال : ١ / ٩٣ الحديث ٤٠ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٥ الحديث ٨١ نقل بالمضمون.

(٣) الكافي : ٦ / ٣ الحديث ٨ ، التوحيد للصدوق : ٣٩٢ الحديث ٣ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٢ الحديث ٧١.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ٢ / ٧٦ الحديث ٣٣٣ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٥ الحديث ٨٠.

(٥) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٣٥ الحديث ٥٢٦ ، الاستبصار : ١ / ٢٨٥ الحديث ١٠٤٣ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٢٦٤ الحديث ٥١٠٨.

١٠٢

تبعتهم ، ومن هذا حصل له ـ صلوات الله عليه ـ الفرصة في إظهار الحقّ ، وكان الأمر في أوائل زمان الصادق عليه‌السلام أيضا كذلك ، وبعد استقلال بني العبّاس عاد الأمر كما كان.

وأيضا الباقر عليه‌السلام ، بسبب صحبته مع جابر بن عبد الله ، كان العامّة يزعمون أنّه كان يأخذ من جابر ، وأيضا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلّغ إليه السلام ، ولقّبه بالباقر عليه‌السلام ، وأنّه يبقر علم الدين بقرا ، وكان جابر يجاهر بهذا على رءوس الأشهاد (١).

وأيضا في زمانه لم يظهر بعد مذهب الشيعة ، والعامّة كانوا في غاية الاختلاف ، ولم يظهر بعد التعصّبات والمعاندات ما بين الشيعة وأهل السنّة ، بل ولم يؤسّس بعد مذاهب (٢) أهل السنّة.

لا يقال : رواية الثمالي (٣) أيضا عن الباقر عليه‌السلام.

لأنّا نقول : مع شدّة ضعفها ، وكثرة ما يمنع عن العمل بها قد عرفت حال دلالتها.

وأيضا معلوم أنّ التقيّة إنّما تكون من المذهب المتداول في ذلك الزمان كما حقّق في محلّه ، والشافعي لم يكن في زمان الباقر عليه‌السلام ، ولا زمان الصادق عليه‌السلام ، بل كان أواخر زمان الكاظم عليه‌السلام ، ومع ذلك ما اشتهر رأيه.

هذا ؛ مع أنّ الشافعي فروعه فروع الشيعة إلّا ما قلّ.

وأيضا قد عرفت أنّ الخمس عشرة سنة شعار الشيعة ، والمعصوم ـ صلوات

__________________

(١) راجع! بحار الأنوار : ٤٦ / ٢٢٣ ، باب مناقب الباقر عليه‌السلام وأخبار جابر بن عبد الله الأنصاري.

(٢) في (ز ٣) و (د ١ ، ٢) : مذهب.

(٣) وسائل الشيعة : ١٩ / ٣٦٧ الحديث ٢٤٧٧٥.

١٠٣

الله عليه ـ أمرنا بالأخذ بما اشتهر بين أصحابه عليه‌السلام (١). إلى غير ذلك من المؤيّدات ، والاحتياط واضح ، والحمد لله.

__________________

(١) عوالي اللآلي : ٤ / ١٣٣ الحديث ٢٢٩.

١٠٤

٣ ـ مفتاح

[أحكام الحيض]

الحيض دم أسود حارّ يخرج بحرقة ، تعتاد المرأة كلّ شهر غالبا ، وأقلّه ثلاثة أيّام ، وأكثره عشرة كأقلّ الطهر ، للإجماع والصحاح المستفيضة (١).

ويسقط اعتبار الصفة مع العادة الثابتة بتكرّره مرّتين متساويتين ، كما في الخبر الصحيح (٢) ، ولإطلاق ما دلّ على اعتبار العادة (٣) خلافا «للنهاية» (٤).

وذات العادة إن استمرّ بها الدم حتّى تجاوز عادتها ، تستظهر بترك العبادة إجماعا يوما أو يومين أو ثلاثة على الأشهر ، للصحاح (٥) ، وإلى تمام العشرة على قول (٦) للموثّق وغيره (٧) ، ثم بعده مستحاضة للصحاح (٨) ، خلافا للمشهور ،

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢ / ٢٩١ الحديث ٢١٦٠ و ٢٩٣ الباب ١٠ من أبواب الحيض.

(٢) وسائل الشيعة : ٢ / ٢٨٦ الحديث ٢١٥٥ و ٣٠٤ الحديث ٢٢٠٢.

(٣) وسائل الشيعة : ٢ / ٢٨١ الباب ٥ من أبواب الحيض.

(٤) النهاية للشيخ الطوسي : ٢٤.

(٥) وسائل الشيعة : ٢ / ٣٠٤ الباب ١٤ من أبواب الحيض.

(٦) النهاية للشيخ الطوسي : ٢٦ ، مدارك الأحكام : ١ / ٣٢٠.

(٧) وسائل الشيعة : ٢ / ٣٠٣ الحديث ٢١٩٨.

(٨) وسائل الشيعة : ٢ / ٣٠٠ الباب ١٣ من أبواب الحيض.

١٠٥

حيث قيل : إن لم يتجاوز العشرة فالجميع حيض ، وإن تجاوزها فالزيادة على العادة كلّها طهر ، وعليها قضاء عبادة الاستظهار (١) ، ولم نجد دليله من النصّ وإن كان أحوط.

والتي لا عادة لها مستقرّة إنّ أمكنها الرجوع إلى الصفة ، بأن يكون ما بالصفة لا ينقص عن ثلاثة أيّام ولا يزيد على عشرة ، وما ليس بالصفة وحده أو مع النقاء عشرة فما زاد ، ترجع إليها ، لإطلاق الصحاح (٢) الدالّة على اعتبارها ، ومقتضاها لزوم ترك العبادة عليها بمجرّد الرؤية بالصفة ، ويؤيّده الموثّق (٣) ، وقيل : بل تحتاط حتّى تمضي لها ثلاثة أيّام (٤).

وإن لم يمكنها الرجوع إلى الصفة ـ بأن يكون بخلاف ذلك ـ فالمشهور أنّه إن كانت مبتدأة ترجع إلى عادة نسائها إن أمكن ، وإلّا تحيّضت هي كالمضطربة في كلّ شهر سبعة أيّام ، أو عشرة من شهر وثلاثة من آخر ، وقيل فيه : أقوال اخر (٥) ، ومستند الكلّ ضعيف.

قال المحقّق : الوجه عندي أن تتحيّض كلّ واحدة منهما ثلاثة أيّام ، لأنّه اليقين في الحيض ، وتصلّي وتصوم بقيّة الشهر استظهارا أو عملا بالأصل في لزوم العبادة (٦).

__________________

(١) روض الجنان : ٦٣.

(٢) وسائل الشيعة : ٢ / ٣٠٠ الباب ١٣ من أبواب الحيض.

(٣) وسائل الشيعة : ٢ / ٣٠٠ الحديث ٢١٨٧.

(٤) المبسوط : ١ / ٥٨ ، قواعد الأحكام : ١ / ١٥.

(٥) لاحظ! تذكرة الفقهاء : ١ / ٢٥٦ و ٢٥٧.

(٦) المعتبر : ١ / ٢١٠.

١٠٦

وهو حسن إلّا في الدور الأوّل للمبتدأة فعشرة ، للموثّق (١).

ويستحب للحائض أن تتوضّأ في وقت كلّ صلاة ، فتذكر الله عزوجل بمقدار الصلاة ، للمعتبرة (٢) ، وأوجبه الصدوق (٣).

__________________

(١) هو ما رواه عبد الله بن بكير عن مولانا الصادق عليه‌السلام قال : «إذا رأت الدم في أوّل حيضها واستمرّ الدم ، تركت الصلاة عشرة أيّام ، ثمّ تصلّي عشرين يوما ، فإن استمرّ بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة ثلاثة أيّام ، وصلّت سبعة وعشرين يوما». (وسائل الشيعة : ٢ / ٢٩١ الحديث ٢١٦٢) ، وفي رواية اخرى له مثله. (وسائل الشيعة. ٢ / ٢٩١ الحديث ٢١٦١) «منه رحمه‌الله».

(٢) الكافي : ٣ / ١٠١ الحديث ٢ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٣٤٥ الباب ٤٠ من أبواب الحيض.

(٣) الهداية : ١٠٠.

١٠٧
١٠٨

قوله : (الحيض دم). إلى آخره.

لا شبهة في أنّه دم طبيعي خلقه الله تعالى لأجل تكوّن الولد وبقاء النوع ، كالمني ، فإنّ تكوّنه من هذا الدم أزيد ، لأنّ ما زاد عن قدر المني فهو من الحيض ، وغذاؤه أيضا إلى الفطام ، لأنّ اللبن أيضا من الحيض ، فهو من جملة موضوعات الأحكام التي ليست بتوقيفيّة ، كالمني والبول والغائط.

والعرب كانوا قبل الشرع وبعده يسمّونه بالحيض والطمث والقرء ، وكذا العجم يسمّونه باسم آخر ، والكلّ يعرفونه.

وأوّل حدوثه في النساء مذكور في بعض الأخبار (١) ، وكذا علّة حدوثه في كلّ شهر (٢) ، والامم السابقة أيضا كانوا يعرفونه ، وكانوا يجعلون له أحكاما ، منهم من كان يهاجر الحائض هجرة تامّة ، ومنهم من كان يقاربهنّ بلا تفاوت بين حال الحيض وغيره ، بل ربّما كان حال الحيض أزيد. إلى غير ذلك من الأحكام المعروفة الواردة كثيرة منها في أخبارنا (٣).

فكان الشارع إذا قال : لا تقربوهنّ في الحيض ، ويحرم على الحائض الصلاة والصوم ودخول المسجدين ، والمكث في سائر المساجد. وأمثال ذلك ، كانوا يعرفون الحائض بلا تأمّل ، وما كانوا يسألون الحيض ما هو؟ والحائض من هي؟ كالمني والجنب.

نعم ؛ ربّما كان يحصل لهم اشتباه بين الحيض والاستحاضة ، وهو الدم الفاسد

__________________

(١) لم ترد في (ز ١ ، ٢) و (ط) : بعض.

(٢) علل الشرائع : ١ / ٢٩٠ باب علّة الطمث.

(٣) تفسير الكشّاف : ١ / ٢٦٥.

١٠٩

غير الطبيعي الحاصل من آفة في الباطن الخارج من العرق العاذل لآفة فيه ، فاعتبر الشارع للتمييز بينهما الصفات الغالبة في الحيض ، والصفات الغالبة في الاستحاضة.

فإنّ الحيض في الغالب حارّ أسود يخرج بحرقة ـ بضمّ الحاء ـ ، وهي اللذع الحاصل في المخرج ، بسبب دفعه وحرارته ، فإنّ من صفاته الغالبة أنّه يخرج بدفع ، كما أنّ من صفات الاستحاضة في الغالب أنّه يخرج بفتور ، وأنّه أصفر وبارد.

وربّما عدّ من صفات الحيض الغالبة كونه عبيطا ـ أي طريّا ـ كما هو حال الدماء الطبيعيّة ، بخلاف الدماء الفاسدة ، فإنّها ليست بعبيطة.

ولمّا كان الغلبة تورث الظهور والمظنّة اعتبرها الشارع ، كما أنّه اعتبر كثيرا من الظواهر والظنون ، مثل كون شي‌ء في يد شخص أنّه منه حتّى يثبت خلافه ، وكالظنون في أعداد ركعات الصلاة وأفعالها ، إلى غير ذلك ممّا لا يحصى كثرة.

ولهذا لما قال المعصوم عليه‌السلام الصفات المذكورة ، قالت السامعة : لو كان امرأة ما زاد على هذا (١).

وقالت الاخرى في اخرى بعد ما سمعت : أرأيت كان امرأة مرّة ، وفيها أيضا عنه : «دم الحيض ليس به خفاء» (٢). إلى غير ذلك مثل ما في مرسلة يونس : «دم الحيض أسود يعرف» (٣).

وإذا وقع الاشتباه بين الحيض والعذرة ـ دون الاستحاضة ـ ، لم تنفع تلك الصفات للتمييز ، لأنّها تنفع إذا كانت العذرة في الغالب لم تكن كذلك ، بل وتكون

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢ / ٢٧٥ الحديث ٢١٣٣.

(٢) وسائل الشيعة : ٢ / ٢٧٥ الحديث ٢١٣٤ مع اختلاف يسير.

(٣) الكافي : ٣ / ٨٣ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٣٨١ الحديث ١١٨٣ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٧٦ الحديث ٢١٣٥.

١١٠

في الأكثر على خلافها ، والظاهر أنّه ليس كذلك فاحتياج إلى مميّز آخر ، وهو التطوّق في العذرة ، والاستنقاع في الحيض ، كما ورد في الأخبار (١) وشهد عليه الاعتبار.

وإذا وقع الاشتباه بين الحيض والقرحة خاصّة ، فنفع تلك الصفات ـ أيضا ـ مبنيّ على كون القرحة في الغالب لم تكن كذلك ، بل وتكون في الأكثر على خلافها ولم يظهر ذلك ، بل ربّما كان الظاهر خلافه.

فلذا ورد في الخبر : التمييز حينئذ بالخروج من الأيمن والأيسر (٢) ، بأنّه إن خرج من الأيسر فهو حيض ، لأنّه واقعا كذلك أو في الغالب ، وإن خرج من الأيمن فهو قرحة لما ذكر ، وإن احتمل كون القرحة من الأيسر تغليبا لجانب الحيض ، أو غير ذلك كما ستعرف.

وممّا ذكر ظهر أنّ ما فعله الفقهاء أحسن ، حيث قالوا : الحيض في الأغلب كذا وكذا ، والاستحاضة في الأغلب كذا وكذا ، وحال الحيض والاستحاضة حال المني ، بأنّه إن علم أنّه حيض فلا إشكال ، وإن علم أنّه استحاضة فلا إشكال أيضا ، وإن اشتبها اعتبر الصفات الغالبة ، وهكذا قالوا في التمييز بين العذرة والقرحة ، وجعلوا المميّز كما أشرنا ، إلّا أن يجعل قول المصنّف : (غالبا) قيدا للكلّ ، لكنّه خلاف الظاهر ، لأنّه (٣) أسقط اعتبار الصفات في ذات العادة خاصّة ، فتأمّل!

فلنذكر ما ورد في المميّزات :

روى معاوية بن عمّار ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه‌السلام : «أنّ دم الاستحاضة

__________________

(١) راجع! وسائل الشيعة : ٢ / ٢٧٢ الباب ٢ من أبواب الحيض.

(٢) وسائل الشيعة : ٢ / ٣٠٧ الحديث ٢٢١٠.

(٣) في (ز ١) : إلّا أنّه ، وفي (د ٢) : لا أنّه.

١١١

والحيض ليس يخرجان من مكان واحد ، لأنّ دم الاستحاضة بارد ، ودم الحيض حارّ» (١).

وفي الصحيح أيضا عن إسحاق بن جرير عنه ـ وهو طويل ـ في آخره : «دم الحيض ليس به خفاء ، وهو دم حارّ تجد له حرقة ، ودم الاستحاضة دم فاسد بارد» (٢).

وفي الحسن ب ـ إبراهيم بن هاشم ـ عن حفص بن البختري ، عنه ـ صلوات الله عليه ـ أيضا : امرأة سألته عن المرأة يستمرّ بها الدم ، فلا تدري حيض هو أو غيره؟ فقال لها : «إنّ دم الحيض حارّ عبيط أسود له دفع وحرارة ، ودم الاستحاضة أصفر بارد ، فإذا كان للدم حرارة ودفع وسواد ، فلتدع الصلاة» ، قال : فخرجت وهي تقول : والله لو كان امرأة ما زاد على هذا (٣).

وفي مرسلة يونس الطويلة : «أنّ دم الحيض أسود يعرف» (٤).

وورد في الحامل التي ترى الدم : إن كان أحمر كثيرا فلا تصلّي ، وإن كان قليلا أصفر صلّت (٥).

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٩١ الحديث ٢ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١٥١ الحديث ٤٣٠ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٧٥ الحديث ٢١٣٢ مع اختلاف يسير.

(٢) الكافي : ٣ / ٩١ الحديث ٣ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١٥١ الحديث ٤٣١ ، مستطرفات السرائر : ١٠٥ و ١٠٦ الحديث ٤٨ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٧٥ الحديث ٢١٣٤.

(٣) الكافي : ٣ / ٩١ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١٥١ الحديث ٤٢٩ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٧٥ الحديث ٢١٣٣ مع اختلاف يسير.

(٤) الكافي : ٣ / ٨٣ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٣٨١ الحديث ١١٨٣ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٧٦ الحديث ٢١٣٥.

(٥) الكافي : ٣ / ٩٦ الحديث ٢ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٣٣٤ الحديث ٢٢٩٢ نقل بالمعنى.

١١٢

وفي اخرى : «إن كان عبيطا فلا تصلّي ، وإن كان صفرة صلّت» (١).

ولا تتوهّم التعارض بين هذه الأخبار ، لأنّ الصفات المذكورة فيها متلازمة غالبا ، وقد عرفت أنّ منشأ اعتبارها الغلبة ، وعرفت أنّ اعتبارها بالقياس إلى ما يكون في الغالب بصفة اخرى ، ولذا في بعض الأخبار اكتفي بالحمرة (٢) ، لأنّ الاستحاضة أصفر غالبا ، فكما يكون الأسود ليس باستحاضة ، كذلك الأحمر.

وعرفت أنّ هذه الصفات للامتياز عن الاستحاضة ، وعرفت وجهه ، ويظهر ذلك من ملاحظة الأخبار أيضا ، فإنّهم عليهم‌السلام في تمييز الحيض عن العذرة وعن القرحة اعتبروا أمرا آخر ، وما اعتبروا هذه الصفات أصلا ، وعرفت وجه هذا أيضا ، لأنّ التمييز بها عنهما فرع أن لا يكونا (٣) بصفة من هذه الصفات غالبا ، وإلّا فكيف يتأتّى التمييز؟

وعرفت أنّهم عليهم‌السلام قالوا : «الحيض ليس به خفاء» وأنّه : «أسود يعرف» إلى غير ذلك.

فما قاله في «المدارك» (٤) وتبعه غيره (٥) ـ من أنّ كلّ ما يكون بالصفات حيض إلّا فيما ثبت خلافه ، وكلّ ما لا يكون بها ليس بحيض إلّا فيما ثبت خلافه ، وكذا قال في الاستحاضة (٦) ـ محلّ نظر ظاهر ، لأنّه حيض بالقياس إلى ما لا يكون

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ٣٨٧ الحديث ١١٩٢ ، الاستبصار : ١ / ١٤١ الحديث ٤٨٣ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٣٣١ الحديث ٢٢٨٢ نقل بالمعنى.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ١٥١ الحديث ٤٢٩.

(٣) في (ز ١ ، ٢) و (ط) : يكون.

(٤) مدارك الأحكام : ١ / ٣١٣.

(٥) ذخيرة المعاد : ٦٢.

(٦) مدارك الأحكام : ٢ / ١٤.

١١٣

في الغالب بها ، وكذا الحال في الاستحاضة ، وعرفت أنّ اعتبارها إنّما هو في مقام الإشكال ، كصفات المني.

وأمّا ما ورد في تمييز الحيض عن العذرة ، فهو صحيحة زياد بن سوقة ، عن الصادق عليه‌السلام : في رجل افتضّ امرأته أو أمته ، فرأت دما كثيرا لا ينقطع عنها يومها ، كيف تصنع بالصلاة؟ قال : «تمسك الكرسف فإن خرجت القطنة مطوّقة بالدم ، فإنّه من العذرة ، تغتسل وتمسك معها قطنة وتصلّي ، فإن خرج الكرسف منغمسا [بالدم] فهو من الطمث تقعد عن الصلاة أيّام الحيض» (١).

وصحيح خلف بن حمّاد عن الكاظم عليه‌السلام : «تستدخل القطنة ثمّ تدعها مليّا ، ثمّ تخرجها [إخراجا] رفيقا ، فإن كان الدم مطوقا في القطنة ، فهو من العذرة ، وإن كان مستنقعا فيها فهو من الحيض» (٢).

ويدلّ عليه العقل أيضا ، وربّما استشكل في صورة الاستنقاء ، لعدم اختصاص الحيض به.

أقول : إذا كان الإشكال واقعا بين الحيض والعذرة خاصّة ، كما هو الغالب في أحوال النساء ، فلا إشكال ، وأمّا إذا احتمل غير الحيض أيضا ، ففيه ؛ أنّ غير الحيض حينئذ منحصر في القرحة والاستحاضة بحسب الظاهر ، إذ لا دم سوى الدماء المذكورة ظاهرا.

مضافا إلى أصالة العدم ، وسيجي‌ء حال القرحة ، ومضى حال الاستحاضة ، وهذا الدمان الأصل عدمهما ، لأنّهما فرع عيب وآفة ، كما عرفت وستعرف.

__________________

(١) المحاسن : ٢ / ١٩ الحديث ١٠٩٢ ، الكافي : ٣ / ٩٤ الحديث ٢ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١٥٢ الحديث ٤٣٢ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٧٣ الحديث ٢١٣٠ مع اختلاف يسير.

(٢) المحاسن : ٢ / ١٩ الحديث ١٠٩٣ ، الكافي : ٣ / ٩٢ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٧٢ الحديث ٢١٢٩.

١١٤

ومع ذلك نقول : على القول بأنّ ما يمكن أن يكون حيضا فهو حيض ، فلا إشكال أيضا ، وهذان الصحيحان من جملة ما يدلّ على ذلك ، وسيجي‌ء الكلام فيه.

مع أنّ كونه حيضا إنّما هو بالصفات الغالبة فيه ، واحتمال الاستحاضة إنّما هو من الصفات الغالبة فيها ، وهما لا يجتمعان ، فظهر أنّ هذا الدم تصلح للحيضيّة والقرحة ، لاستجماعه صفات الحيض ، وعدم إباء القرحة عنها ، فتأمّل!

وما ورد في تمييز الحيض عن القرحة ما رواه في «الكافي» ، والشيخ في «التهذيب» ، ووافقهما الصدوق رحمهم‌الله عن أبان عن الصادق عليه‌السلام : فتاة منّا بها قرحة في جوفها ، والدم سائل لا تدري من الحيض أو من القرحة؟ فقال : «مرها فلتستلق على ظهرها ثمّ ترفع رجليها ثمّ تدخل (١) إصبعها الوسطى ، فإن خرج الدم من الجانب الأيسر ، فهو من الحيض ، وإن خرج من الأيمن ، فهو من القرحة» (٢).

لكن ما في نسخ «الكافي» : «إن خرج من الأيمن فهو من الحيض ، وإن خرج من الأيسر فهو من القرحة» (٣).

والأقرب والأظهر ترجيح الأوّل ، للشهرة بين الأصحاب (٤) إلّا قليل منهم ، فإنّهم أفتوا كذلك ، حتّى أنّ المحقّق نسب ما في «الكافي» إلى الوهم من النسّاخ (٥) ،

__________________

(١) في من لا يحضره الفقيه وتهذيب الأحكام ووسائل الشيعة : بدل ثمّ تدخل : وتستدخل ، وفي الكافي : ثمّ تستدخل.

(٢) الكافي : ٣ / ٩٤ الحديث ٣ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٥٤ الحديث ٢٠٣ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٣٨٥ الحديث ١١٨٥ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٣٠٧ الحديث ٢٢٠٩ مع اختلاف يسير.

(٣) الكافي : ٣ / ٩٤ الحديث ٣.

(٤) النهاية للشيخ الطوسي : ٢٤ ، السرائر : ١ / ١٤٦ ، مختلف الشيعة : ١ / ٣٥٥ ، منتهى المطلب : ٢ / ٢٦٩ ، الجامع للشرائع : ٤١ ، جامع المقاصد : ١ / ٢٨٣ ، مسالك الأفهام : ١ / ٦١.

(٥) المعتبر : ١ / ١٩٨ و ١٩٩.

١١٥

ولموافقة الصدوق مع الشيخ ، وكذا المفيد رحمهم‌الله (١) وللموافقة مع «الفقه الرضوي» (٢) ، ولأنّ الشيخ رحمه‌الله في جميع كتب فتاواه أفتى موافقا للمشهور (٣) ، ولأنّ المعروف من النساء والمشهور بينهنّ أنّ الأمر كذلك ، فاستعلم منهنّ.

وممّا يؤيّد أيضا أنّ ابن طاوس رحمه‌الله لم ينقل عنه مخالفة المشهور ، مع أنّه قيل : ظاهر كلام ابن طاوس رحمه‌الله أنّ نسخ «التهذيب» القديمة كلّها موافقة للكافي (٤) ، ومن هذا رجّح البعض ما في «الكافي» (٥).

مضافا إلى ما قيل من أن الشهيد رحمه‌الله في «الذكرى» و «الدروس» أفتى به (٦) ، وذكر أنّه وجد الرواية في كثير من نسخ «التهذيب» كما في «الكافي» (٧).

وفيهما ؛ أنّه لو كان كذلك ، فكيف أفتى الشيخ في كتب فتاواه بخلافه؟ مع قطع النظر عمّا ذكرنا ممّا عرفت ، مضافا إلى أنّه كيف اتّفق جميع نسخ «التهذيب» على خلاف ما ذكرا على القدر الذي وجدناه ، وكذا ما سألنا غيرنا؟ وكذا ما ذكره المحشّون للتهذيب ، فإنّهم ما نقلوا نسخة اخرى ، مع أنّ ديدنهم نقلها ، ولو كانت على سبيل الندرة.

واعترف بعض المحقّقين باتّفاق نسخ «التهذيب» على ما وجدنا ، مع أنّهما كيف أمكنهما الاطّلاع على جميع نسخ «التهذيب» مع انتشارها في الأقطار والأمصار؟

__________________

(١) المقنعة : ٥٥.

(٢) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ١٩٣ ، مستدرك الوسائل : ٢ / ١٤ الحديث ١٢٧٤.

(٣) النهاية للشيخ الطوسي : ٢٤ ، المبسوط : ١ / ٤٣.

(٤) قال به صاحب مدارك الأحكام : ١ / ٣١٨.

(٥) مدارك الأحكام : ١ / ٣١٧.

(٦) لاحظ! ذكرى الشيعة : ١ / ٢٢٩ ، الدروس الشرعيّة : ١ / ٩٧.

(٧) مدارك الأحكام : ١ / ٣١٧.

١١٦

ويؤيّد ما ذكرنا أنّ الشهيد في «البيان» (١) أفتى موافقا للمشهور ، و «البيان» متأخّر ، فيظهر أنّه ظهر عليه خطأ ما قال سابقا ، ولذا رجع.

وربّما قيل بأنّ «الكافي» أضبط ، سيّما ووافقه ابن الجنيد (٢).

وفيه ؛ أنّه وإن كان كذلك بالنسبة إلى خصوص كلام الشيخ رحمه‌الله ، إلّا أنّه بالقياس إلى ضمّ الصدوق والمفيد رحمهما‌الله وغيرهما من الفقهاء ، وغير ذلك ممّا ذكرنا ، ظهر أنّ في المقام ضبط الشيخ أحسن ، موافق لكثير من المقامات على ما أظنّ.

وفي «المدارك» : أنّ الأحوط اطراح هذه الرواية ، كما ذكره في «المعتبر» (٣) ، لضعفها وإرسالها واضطرابها ومخالفتها للاعتبار ، لأنّ القرحة يحتمل كونها في كلّ من الجانبين ، والأولى الرجوع إلى الأصل واعتبار الأوصاف (٤) ، انتهى ، ووافقه غيره (٥) أيضا.

وفيه ؛ أنّ حكاية الاضطراب قد عرفت حاله ، وأنّه لا ضرر لمكان الترجيح ـ كما هو الحال في جلّ المقامات الفقهيّة ـ وأمّا الضعف فهو منجبر بالشهرة بين القدماء والمتأخّرين رواية وفتوى لو لم نقل بالإجماع ، وحقّقنا في «الفوائد» (٦) وغيره (٧) أنّ مثله حجّة ، بل وراجح على الصحيح غير المنجبر ، مضافا إلى أنّ الكليني رحمه‌الله والصدوق رحمه‌الله قالا في أوّل كتابيهما ما قالا (٨).

__________________

(١) البيان : ٥٧.

(٢) مدارك الأحكام : ١ / ٣١٨.

(٣) المعتبر : ١ / ١٩٩.

(٤) مدارك الأحكام : ١ / ٣١٨.

(٥) ذخيرة المعاد : ٦٢.

(٦) الفوائد الحائريّة : ٤٨٧ الفائدة ٣١.

(٧) الرسائل الاصوليّة : ١٧٣ و ١٧٤.

(٨) الكافي : ١ / ٨ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣.

١١٧

وأمّا مخالفة الاعتبار فقد أشرنا إلى فسادها ، وأنّه لا مخالفة بعد القول بأنّ ما يمكن أن يكون حيضا فهو حيض ، والمراد بعد العجز عن استعلام الحال بالأمارات ، والمحقّق ادّعى على ذلك الإجماع (١).

وهذه الرواية أيضا تدلّ على ذلك ، مضافا إلى الصحيحتين السابقتين ، وغيرهما من الأخبار ، وغيرها ممّا ستعرف ، مع أنّ خلقة النساء وأرحامهنّ ربّما يكون لو استلقين على أظهرهنّ ورفعن أرجلهنّ يقع الرحم على الجانب الأيسر ، بحيث لو كانت قرحة لخرج دمها من الجانب الآخر ، فتأمّل!

ثمّ اعلم! أنّ الظاهر من بعض الفقهاء (٢) ، والصريح من غيره (٣) أنّ اعتبار الجانب ليس مثل الصفات ، لأنّها معتبرة حال الاشتباه والإشكال خاصّة كما عرفت ، واعتبار الجانب مطلقا ، واستقربه في «المدارك» بأنّ الجانب إن كان له مدخل في الحيض وجب اطّراده ، وإلّا فلا (٤).

وفيه ؛ أنّه ربّما كان الغالب خروجه من الجانب لا مطلقا كما هو الحال في الصفات ، وما دلّ عليها أكثر وأظهر وأشهر في كون الحيض كذلك مطلقا ، ومع ذلك ظهر أنّ المراد الغلبة وأنّها تكفي ، إلّا أن يقال هنا : لم يظهر خلاف الظاهر.

ويمكن أن يقال : مدار المسلمين ، بل وغيرهم أيضا في الأعصار والأمصار على عدم الاقتصار في الجانب ، وكذا المسلمات والكافرات ، وعدم الامتحان في كلّ حيض حيض حين بنائهم على أنّه إن خرج من الجانب فهو ، وإلّا فلا ، إذ من البديهيّات أنّه لم يكن أمرهم وأمرهنّ على الاقتصار والامتحان ، والقطع حاصل

__________________

(١) المعتبر : ١ / ٢٠٣.

(٢) شرائع الإسلام : ١ / ٢٩.

(٣) جامع المقاصد : ١ / ٢٨٤ ، لاحظ! جواهر الكلام : ٣ / ١٤٦.

(٤) مدارك الأحكام : ١ / ٣١٨.

١١٨

بأنّهن في زمان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم‌السلام ، لم يكن أمرهنّ على الاقتصار والامتحان ، وكانوا يقرّرونهنّ ، بل الأخبار المتواترة أيضا ظاهرة في ذلك (١).

منها ما مرّ في المميّزات واعتبارها ، ومرّ وسيجي‌ء أيضا الإجماع والأدلّة على أنّ ما يمكن أن يكون حيضا فهو حيض ، على وجه يظهر منه عدم الامتحان ثمّ الاقتصار فلاحظ! وقول المصنّف : (وتعتاد كلّ شهر غالبا) يظهر من تضاعيف الأخبار ، مضافا إلى الاعتبار.

قوله : (للإجماع والصحاح). إلى آخره.

لا شبهة في كون الأحكام الثلاثة إجماعيّة عند الشيعة ، وممّن نقل الإجماع عليها الصدوق رحمه‌الله في أماليه ، حيث جعلها من دين الإمامية الذي يجب الإقرار به (٢).

وأمّا الصحاح ؛ فصحيحة يعقوب بن يقطين ، عن الكاظم عليه‌السلام : «أدنى الحيض ثلاثة وأقصاه عشرة» (٣).

وصحيحة صفوان عنه أيضا بذلك المضمون (٤) ، وكالصحيحة عن معاوية ابن عمّار أيضا كذلك (٥) ، ومعتبرة البزنطي أيضا كذلك (٦).

فما في صحيحة ابن سنان ، عن الصادق عليه‌السلام من «أنّ أكثر ما يكون الحيض

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢ / ٢٧٢ الباب ٢ ، ٢٧٥ الباب ٣ من أبواب الحيض.

(٢) أمالي الصدوق : ٥١٦.

(٣) تهذيب الأحكام : ١ / ١٥٦ الحديث ٤٤٧ ، الاستبصار : ١ / ١٣٠ الحديث ٤٤٨ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٩٦ الحديث ٢١٧٥.

(٤) الكافي : ٣ / ٧٥ الحديث ٣ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١٥٦ الحديث ٤٤٦ ، الاستبصار : ١ / ١٣٠ الحديث ٤٤٧ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٩٤ الحديث ٢١٦٧.

(٥) الكافي : ٣ / ٧٥ الحديث ٢ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٩٣ الحديث ٢١٦٦.

(٦) الكافي : ٣ / ٧٥ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١٥٦ الحديث ٤٤٥ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٩٤ الحديث ٢١٦٨.

١١٩

ثمان» (١) ، محمول على أكثرية التحقّق ، كما يشير إليه قوله عليه‌السلام : «أكثر ما يكون» ، ويمكن الحمل على التقيّة.

وأمّا أقلّ الطهر فربّما استدلّ عليه (٢) بحسنة ابن مسلم ، عن الباقر عليه‌السلام : «إذا رأت المرأة الدم قبل عشرة أيّام فهو من الحيضة الاولى ، وإن كان بعد العشرة فهو من الحيضة المستقبلة» (٣) ، والدلالة لا تخلو عن مناقشة.

نعم ، يدلّ عليه صحيحته الاخرى عنه عليه‌السلام قال : «لا يكون القرء في أقلّ من عشرة أيّام فما زاد ، أقلّ ما يكون عشرة من حين تطهر إلى أن ترى الدم» (٤).

ومرسلة يونس عن الصادق عليه‌السلام : «أدنى الطهر عشرة أيّام» (٥) الحديث.

وهل يشترط التوالي في أقلّ ما يتحقّق (٦) الحيض أم يكفي كونها في جملة عشرة؟ المشهور الأوّل (٧).

وقال الشيخ رحمه‌الله في «النهاية» : إن رأت يوما أو يومين ثمّ رأت قبل انقضاء العشرة ما يتمّ به ثلاثة فهو حيض (٨).

وعبارته ـ على ما وجدتها ـ ظاهرة في أنّ المجموع من الدم والنقاء المتخلل

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ١٥٧ الحديث ٤٥٠ ، الاستبصار : ١ / ١٣١ الحديث ٤٥١ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٩٧ الحديث ٢١٧٩.

(٢) منتهى المطلب : ٢ / ٢٨٧.

(٣) الكافي : ٣ / ٧٧ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١٥٩ الحديث ٤٥٤ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٩٨ الحديث ٢١٨٢.

(٤) الكافي : ٣ / ٧٦ الحديث ٤ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١٥٧ الحديث ٤٥١ ، الاستبصار : ١ / ١٣١ الحديث ٤٥٢ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٩٧ الحديث ٢١٨٠.

(٥) الكافي : ٣ / ٧٦ الحديث ٥ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١٥٧ الحديث ٤٥٢ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٩٤ الحديث ٢١٦٩.

(٦) في (د ١ ، ٢) : يتحقّق به.

(٧) المبسوط : ١ / ٤٢ ، الهداية : ٩٨ ، قواعد الأحكام : ١ / ١٤ ، ذكرى الشيعة : ١ / ٢٣٠ ، روض الجنان : ٦٠.

(٨) النهاية للشيخ الطوسي : ٢٦.

١٢٠