مصابيح الظلام - ج ١

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ١

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-1-9
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٤٦٢

٢ ـ مفتاح

[ما يتحقّق به التكليف]

التكليف إنّما يتحقّق بالبلوغ والعقل ، بالنصّ (١) والضرورة من الدين ، ويعلم البلوغ بخروج المني ، وبإنبات الشعر الخشن على العانة بالنصّ (٢) والإجماع ، وإن اختلف في كون الثاني دليلا على البلوغ كالأوّل والسنّ ، أو أمارة على سبقه كالحيض والحمل ، وببلوغ خمس عشرة سنة كاملة للذكر ، وتسع سنين للأنثى على المشهور للنصّ (٣).

وقيل : بالدخول في الرابع عشر في الذكر للمعتبرة (٤) ولا يخلو من قوّة ، وبالحيض والحمل للأنثى بلا خلاف يعرف ، ولا في كونهما دليلين على سبقه ، للصحيح في الأوّل والمسبوقيّة بالإنزال في الثاني.

ويستحب تمرين الصبي بالصلاة لسبع سنين ، للحسن (٥) ، والتوفيق بين

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١ / ٣٩ الباب ٣ ، ٤٦ الباب ٤ من أبواب مقدّمة العبادات.

(٢) وسائل الشيعة : ١ / ٤٣ الحديث ٧٢.

(٣) وسائل الشيعة : ١ / ٤٣ الحديث ٧٢ و ٧٣.

(٤) وسائل الشيعة : ١٠ / ٢٣٧ الحديث ١٣٣١٠.

(٥) وسائل الشيعة : ٤ / ١٩ الحديث ٤٤٠١.

٨١

الأخبار يقتضي اختلاف معنى البلوغ بحسب السنّ بالإضافة إلى أنواع التكاليف ، كما يظهر ممّا روي في باب الصيام : أنّه لا يجب على الانثى قبل إكمالها الثلاث عشرة سنة ، إلّا إذا حاضت قبل ذلك (١) ، وما روي في باب الحدود : أنّ الانثى تؤخذ بها وهي تؤخذ لها تامّة ، إذا أكملت تسع سنين (٢).

إلى غير ذلك ممّا ورد في الوصيّة والعتق ونحوهما (٣) أنّها تصحّ من ذي العشرة.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١ / ٤٥ الحديث ٨٢ ، والحديث ورد في باب الصلاة لا في باب الصيام.

(٢) وسائل الشيعة : ٢٨ / ٢٠ الحديث ٣٤١١٦ نقل بالمعنى.

(٣) وسائل الشيعة : ١٩ / ٣٦١ الحديث ٢٤٧٦٢ ـ ٢٤٧٦٦ ، ٢٣ / ٩١ الحديث ٢٩١٧٣.

٨٢

قوله : (التكليف). إلى آخره.

هذا الكلام منه بعد ما قال في المفتاح السابق : (ويجب على كلّ مكلّف) ظاهر في أنّ الكفار أيضا مكلّفون بالفروع عنده ، كما هو المتّفق عليه بين المسلمين كافّة سوى أبي حنيفة (١) ، لشبهة رديّة حصلت له ، وهي أنّ العبادات لا تقبل من الكفّار ، فكيف يكون مكلّفا بها؟ لأنّه تكليف بما لا يطاق (٢).

وفيه ؛ أنّه قادر على الإيمان الذي هو شرط قبول العبادة ، وليس مكلّفا بإيقاعها حال الكفر وبشرط الكفر حتّى يلزم تكليف ما لا يطاق.

ونسب إلى المصنّف رحمه‌الله أنّه يقول بأنّ الكافر غير مكلّف بالفروع مطلقا (٣) ، وهو باطل قطعا ، لإجماع الشيعة على كونهم مكلّفين بها ، وللعمومات الدالّة على ذلك ، ولأنّ ما دلّ على التكليف بكلّ واحد واحد من الفروع عامّ غالبا.

وكذا ما دلّ على ذمّ التارك أو الفاعل وعقابهما ، ولما دلّ على خصوص المقامات ، أو مثل قوله تعالى حكاية عن الكفّار (لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) (٤). إلى آخر الآية ، وقوله تعالى (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ) (٥). إلى آخرها ، وقوله تعالى (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ) (٦). إلى آخر الآيات ، وقوله تعالى (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ) (٧) الآية.

__________________

(١) لاحظ! منتهى المطلب : ٢ / ١٨٨.

(٢) لاحظ! فواتح الرحموت : ١ / ١٣٠ و ١٣١ مع اختلاف يسير.

(٣) لم نعثر عليه.

(٤) المدّثّر (٧٤) : ٤٣.

(٥) المائدة (٥) : ٣٣.

(٦) المائدة (٥) : ٤٥.

(٧) التوبة (٩) : ٣١.

٨٣

وورد في الأخبار : أنّه ليس المراد الربّ الحقيقي ، بل تصديقهم في كلّ ما قالوا ، وكلّ ما أفتوا (١) وقوله تعالى (إِنّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ) (٢) الآيات ـ فتأمّل جدّا ـ ، إلى غير ذلك من الآيات الظاهرة في الكفّار خاصّة ، أو الكفّار أيضا في الفروع خاصّة ، أو فيهما أيضا.

وكذلك الأخبار الظاهرة فيهم خاصّة ، أو فيهم أيضا في الفروع خاصّة ، أو فيهما أيضا ، فلاحظ وتتبّع.

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الإسلام يجبّ ما قبله» (٣) والمقامات التي ذكر فيها صريح فيما ذكرنا ، مع أنّه كيف يجوّز عاقل أنّ الكفّار يكونون مثل المجانين خارجين عن التكليف في قتلهم وضربهم ، وأكل أموال الناس ، والزنا واللواط بنسائهم وأطفالهم من المسلمين وأهل الذمّة وغيرهم ، وكذا إذا تداينوا لا يكون الأداء واجبا عليهم ، وكذا إذا اشتروا شيئا لا يكون أداء الثمن واجبا عليهم ، وإذا باعوا لا يكون أداء المبيع واجبا عليهم ، وكذا الحال إذا آجروا أو استأجروا ، وكذا الحال في جميع المعاملات.

بل كيف يكون الحال في قتالهم مع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمسلمين ، ونهب أموالهم أي المسلمين وتخريب ديارهم وإحراق زروعهم وأشجارهم وأمثالها ، وأسر نسائهم واسترقاقهنّ (٤) واسترقاق أطفالهم ، واستباحة فروجهنّ (٥) وفروجهم ، وأمثال ذلك.

__________________

(١) البرهان في تفسير القرآن : ٢ / ١٢٠ الحديث ١ ـ ١٠.

(٢) الزخرف (٤٣) : ٢٣.

(٣) عوالي اللآلي : ٢ / ٥٤ ، الحديث ١٤٥.

(٤) في (ز ١ ، ٢) و (ط) : واسترقاقها.

(٥) في (د ١) و (ز ١ ، ٢) و (ط) : فروجها.

٨٤

بل أهل الذمّة أيضا من الكفّار ، فإذا كانوا غير مكلّفين بالفروع ، فكيف يصير حالهم في الامور التي أشرنا إليها إذا صدرت منهم أو أرادوا صدورها ، أو فعلوا بأنفسهم ما لا يوافق شرعهم ، أو أرادوا ذلك؟

وأيضا عندنا أنّ الحسن والقبح عقليّان وذاتيّان ، مثلا : الكذب قبيح عقلا وذاتا ، لا أنّه قبيح من المسلم (١) ، بل ربّما كان بعض الامور من الكافر (٢) أقبح ، فتأمّل جدّا ، كما يشير إليه قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «رفع عن أمّتي الخطأ ، والنسيان ، وما لا يعلمون» (٣) وغيره (٤) الظاهر في أنّ الامور المذكورة مرفوعة عن امّته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاصّة ، فإذا كان المرفوع عنهم لم يرفع عن الكفّار ، فما ظنّك بما لم يرفع عن امّته أيضا؟ وكذا الحال في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «بعثت على الملّة الحنيفيّة السهلة السمحة» (٥) وأمثاله فتأمّل جدّا (٦)!

ويدلّ أيضا معاملة جميع المسلمين في جميع الأعصار والأمصار.

ويعضده أيضا مثل : «رفع القلم عن الصبي حتّى يبلغ ، والمجنون حتّى يفيق» (٧) وأمثال ذلك ، ومنها ؛ ما ورد عنهم عليهم‌السلام من العلل في حرمة الأشياء ووجوبها (٨) وغير ذلك.

وبالجملة ؛ لا شبهة في فساد عدم كونهم مكلّفين في الفروع ، ولا حاجة إلى

__________________

(١) في (د ١) : لا أنّه قبيح من المسلمين.

(٢) في (د ٢) و (ز ١) : الكفّار.

(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٥ / ٣٦٩ الباب ٥٦ من أبواب جهاد النفس.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٣ / ٢٣٧ و ٢٣٨ الحديث ٢٩٤٦٦ ـ ٢٩٤٦٩.

(٥) عوالى اللآلي : ١ / ٣٨١ الحديث ٣ ، وسائل الشيعة : ٨ / ١١٦ الحديث ١٠٢٠٨ مع اختلاف.

(٦) لم ترد في (ز ٢) و (ط) : فتأمّل جدّا.

(٧) عوالي اللآلي : ١ / ٢٠٩ الحديث ٤٨ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٥ الحديث ٨١ ، مع اختلاف.

(٨) لاحظ! علل الشرائع : ٢٨١ و ٣٠٥ و ٤٧٤ ـ ٤٨٥.

٨٥

التطويل ، ولا يمكن الاحتجاج بظواهر بعض الأخبار لإثبات عدم كونهم مكلّفين بالفروع ، لأنّ الظاهر لا يعارض اليقين ، فكيف يعارض اليقينيّات ، مضافا إلى الظنّيات ، بل الظنّيات أيضا بالتلاحق تصير يقينيّة اخرى كما لا يخفى.

مع أنّ الظاهر المذكور ليس بظاهر ، كما حقّقناه في حاشيتنا على «الوافي» (١).

قوله : (بالنصّ والضرورة من الدين). إلى آخره.

النصّ هو ما أشرنا من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «رفع القلم» ، إذ مقتضاه ومقتضى الضرورة عدم تكليفهما بالواجب والحرام ، أمّا التكليف بالمستحبّ والمكروه ؛ فلا مانع منهما ولا من أمر آخر ، بل ربّما كان الظاهر من الأخبار ـ مضافا إلى العمومات مثل قول الله تعالى (لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ) (٢) وغيره ، ومثل من فعل كذا فعليه كذا ، وغير ذلك ـ أنّ عبادة الصبي المميّز شرعيّة مطلوبة شرعا ، وأنّه يثاب بعباداته وطاعاته ، لا أنّها مجرّد تمرين ، وسنذكر بعض الأخبار الصريحة في ذلك في شرح هذا المفتاح.

والفقهاء منهم من قال بالأوّل (٣) ، ومنهم من قال بالثاني ، باعتبار رفع القلم (٤) ، وفيه ما فيه.

قوله : (ويعلم البلوغ بخروج المني). إلى آخره.

أي من الموضع المعتاد بالوجه المعتاد ، لأنّ الإجماع إنّما ثبت في ذلك ،

__________________

(١) لاحظ! الحاشية على الوافي : ٦.

(٢) آل عمران (٣) : ١٩٥.

(٣) المبسوط : ١ / ٢٧٨ ، شرائع الإسلام : ١ / ١٩٧ ، الحدائق الناضرة : ١٣ / ٥٥.

(٤) إيضاح الفوائد : ١ / ٢٤٣ ، جامع المقاصد : ٣ / ٨٢ ، مسالك الأفهام : ٢ / ١٥.

٨٦

وإطلاق الكتاب والسنّة يرجع إلى المعتاد كما حقّق في محلّه ، وهو قوله تعالى (وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ) (١) الآية ، (وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ) (٢) الآية ، (حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ) (٣) الآية.

وفي «التذكرة» : عبّر عن البلوغ بالنكاح (٤) ، ولعلّه بناء على تبادر شهوة النكاح وهي بالمني عادة ، وعن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «رفع القلم عن الصبي حتّى يحتلم» (٥).

وفي «الفقيه» عن الرضا عليه‌السلام في الصحيح : «يؤخذ الغلام بالصلاة وهو ابن سبع سنين ولا تغطّي المرأة شعرها منه حتّى يحتلم» (٦).

والقدر الثابت من الإطلاقات خروجه من الذكر في المنام ، لأنّ الحلم مخصوص به ـ لغة ـ ، إلّا أنّ الأصحاب عمّموا وأجروا في الإناث والخنثى وغيرهما أيضا ، وكذا في اليقظة وعلى أيّ حال أيضا ، لعدم القائل بالفصل ، وللإجماع المذكور ، بل ظاهر «التذكرة» : إنّه إجماع من العلماء كافّة غير ما نقل عن الشافعي من عدم كون خروج المني عن النساء علامة لبلوغهنّ لكونه نادرا فلا عبرة به (٧). وفيه ما فيه.

وما يظهر من بعض الفقهاء من تقييد المني بما يتكوّن منه الولد (٨) ، وتعريف

__________________

(١) النور (٢٤) : ٥٩.

(٢) النور (٢٤) : ٥٨.

(٣) النور (٢٤) : ٥٩.

(٤) تذكرة الفقهاء : ٢ / ٧٣ ط. ق.

(٥) وسائل الشيعة : ١ / ٤٥ الحديث ٨١.

(٦) من لا يحضره الفقيه : ٣ / ٢٧٦ الحديث ١٣٠٨.

(٧) تذكرة الفقهاء : ٢ / ٧٤ ط. ق.

(٨) شرائع الإسلام : ٢ / ٩٩ ، تحرير الأحكام : ١ / ٢١٨.

٨٧

بعضهم ذلك بأن يوضع في الماء فيرسب فيه أيضا (١) ، فيه ما فيه ، لأنّه تقييد للأدلّة من غير دليل ، بل هو خلاف طريقة المسلمين في الأعصار والأمصار أيضا ، وإنّه لا يكاد يثبت البلوغ منه إلّا نادرا غاية الندرة ، مضافا إلى عدم حجّة شرعيّة على ذلك التعريف أيضا.

واعلم! أنّه ذكر في «المسالك» : أنّه لا بدّ في الخنثى من خروجه عن فرجيه جميعا ، ولا يكفي الواحد ، لجواز كونه من غير الأصلي ، فيكون حكمه حكم ما لو خرج من غير المعتاد (٢).

وهذا لا يخلو عن إشكال وتأمّل ، إلّا أنّه مقتضى الاصول ، فتأمّل!

ولو حاض من فرج الإناث ، وأمنى من فرج الذكر حكم ببلوغه.

قوله : (وبإنبات الشعر). إلى آخره.

هذا أيضا دليل بلوغ الذكر والانثى وغيرهما بإجماع جميع علماء الشيعة (٣) ، والأخبار من الخاصة والعامّة ، مثل رواية حمران عن الباقر عليه‌السلام (٤) ، ورواية يزيد (٥) الكناسي عنه عليه‌السلام (٦) أيضا ، وسنذكرهما.

قال في «التذكرة» : الإنبات مختصّ بشعر العانة (٧).

__________________

(١) مسالك الأفهام : ٤ / ١٤٢.

(٢) مسالك الأفهام : ٤ / ١٤٧.

(٣) تذكرة الفقهاء : ٢ / ٧٣ ط. ق.

(٤) الكافي : ٧ / ١٩٧ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ١٨ / ٤١٠ الحديث ٢٣٩٤٦.

(٥) في (د ٢) : بريد.

(٦) تهذيب الأحكام : ٧ / ٣٨٢ الحديث ١٥٤٤ ، الاستبصار : ٣ / ٢٣٧ الحديث ٨٥٥ ، وسائل الشيعة : ٢٠ / ٢٧٨ الحديث ٢٥٦٢٦.

(٧) تذكرة الفقهاء : ٢ / ٧٣ ط. ق.

٨٨

قال في «المسالك» : فلا عبرة بشعر الإبط والشارب واللحية عندنا ، وإن كان الأغلب تأخّرها عن البلوغ ، إذ لم يثبت كون ذلك دليلا شرعا ، خلافا لبعض العامّة ، واستقرب في «التحرير» كون نبات اللحية دليلا دون غيره من الشعور ، انتهى (١).

قلت : رواية حمران تضمّنت كون الإشعار والإنبات دليلا على البلوغ من دون تخصيص بالعانة ، ورواية الكناسي تدلّ على اعتبار شعر الوجه أيضا ، حيث قال فيها : (أو يشعر في وجهه أو ينبت في عانته) ، ولذا استقرب في «التحرير» (٢) ما استقرب.

وقال الشهيد الثاني ـ في شرحه على اللمعة في كتاب الصوم ـ : وفي إلحاق اخضرار الشارب وإنبات اللحية بالعانة قول قويّ (٣) ، انتهى.

وهو كما قال لما ستعرف ، وظاهر «اللمعة» أيضا موافقته لهما ، ولعلّ من لم يتعرّض لهما ليس من جهة توقّفه فيهما ، بل من جهة أنّهما بعد إنبات العانة بمدّة ـ عادة ـ ، كما أنّهم لا يتعرّضون لذكر الحمل إلّا قليل منهم ، فتأمّل جدّا!

قوله : (وإن اختلف).

في «المسالك» : المشهور الثاني ، لتعليق الأحكام في الكتاب والسنّة على الحلم والاحتلام ، فلو كان الإنبات أيضا بلوغا بنفسه لم يختصّ بذلك ، ولأنّ البلوغ غير مكتسب ، والإنبات قد يكتسب بالدواء ، ولحصوله على التدريج ، والبلوغ لا يكون كذلك ، ووجه الأوّل ترتّب أحكام البلوغ عليه ، وهو أعمّ

__________________

(١) مسالك الأفهام : ٤ / ١٤١.

(٢) تحرير الأحكام : ١ / ٢١٨.

(٣) الروضة البهيّة : ٢ / ١٤٥.

٨٩

من المدّعى (١) ، انتهى.

أقول : العلم بابتداء البلوغ لا يحصل منه عادة بلا شبهة ، إلّا أن يبنى على أصالة تأخّر الحادث ، فتأمّل!

قوله : (كالحيض والحمل).

أمّا الحيض فلأنّ شرط كون الدم حيضا كونه بعد البلوغ ، وما لم يبلغ يكون استحاضة ـ كما ستعرف ـ وليس هاهنا دور كما توهّم ، لأنّ الاشتراط المذكور إنّما هو بحسب الواقع ، والدلالة على البلوغ إنّما هي بالنظر إلى الظاهر الذي اعتبره الشارع لأجل الإثبات والحكم بالوقوع شرعا ، وبالنسبة إلى القاعدة الشرعيّة المقتضية للثبوت والوقوع بظاهر الشرع ، فإنّ الدم الخارج عنها إذا كان خروجه في وقت أمكن أن يكون حيضا باستجماعه صفات الحيض وشرائطه ، فلا شكّ في أنّ الظاهر والراجح كونه حيضا ، إلّا أن يثبت عدم كونه حيضا بثبوت عدم بلوغها.

ولا شبهة في أنّ الشارع اعتبر ذلك الظهور والرجحان في الموضع الذي لم يثبت كونه حيضا ـ كما ستعرف ـ فالحيض الظاهري دليل شرعي على البلوغ ، وعلى سبقه ـ أيضا ـ كما عرفت.

وأمّا تعيين ابتداء البلوغ ، فبالأصول والقواعد المسلّمة مثل أصالة تأخّر الحادث ، وبقاء ما كان على ما كان ، وبراءة الذمّة عن الواجبات والمحرّمات حتّى يثبت خلافها.

وأمّا الحمل ، فلا شكّ في دلالته على سبق إنزال منيّها ، إذ ما لم ينزل لا يتحقّق حملها بالنصّ والإجماع ، بل النصوص الكثيرة (٢) بعد ظاهر الآيتين ، وهو قوله

__________________

(١) مسالك الأفهام : ٤ / ١٤١.

(٢) راجع! بحار الأنوار : ٥٧ / ٣١٧ باب بدء خلق الإنسان في الرحم إلى آخر أحواله.

٩٠

سبحانه وتعالى (مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ) (١) وقوله تعالى (مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ) (٢) فلاحظ تفسيرهما ، ويدلّ أيضا قول أهل الخبرة والتجربة ، والوجدان والمشاهدة.

وابتداء البلوغ يعرف بابتداء الحمل إن عرف ، وإلّا فبضميمة الاصول المذكورة ، ويجعل أقصى مدّة الحمل ستّة أشهر.

وممّا ذكر عرف حال ما إذا أسقطت الولد أو ما علم أنّه مبدأ نشوئه.

قوله : (وببلوغ خمس عشرة) .. إلى آخره.

هذا هو المشهور بين علمائنا ، بل كاد أن يكون إجماعا ، بل في «كنز العرفان» : أنّه إجماعي (٣) ، وأنّه من شعار الشيعة والشافعيّة ، وسنشير إلى ما يؤيّده ، فلاحظ.

ويدلّ عليه الاصول مثل البراءة ، وأصل عدم البلوغ ، واستصحاب عدم التكليف السابق ، واستصحاب عدم صحّة العقود والإيقاعات ، وأصالة بقاء ما كان على ما كان.

ورواية حمران عن الباقر عليه‌السلام إنّه قال له : متى يجب على الغلام أن يؤخذ بالحدود التامّة ويؤخذ بها؟ قال : «إذا خرج عنه اليتم وأدرك» ، قلت : فلذلك حدّ يعرّف؟ فقال عليه‌السلام : «إذا احتلم ، أو بلغ خمس عشرة سنة ، أو أشعر ، أو أنبت قبل ذلك ، اقيمت عليه الحدود التامّة ، واخذ بها ، واخذت له» ، قلت : فالجارية متى تجب عليها الحدود التامّة واخذت لها؟ قال : «إنّ الجارية ليست مثل الغلام ، إنّ الجارية إذا تزوّجت ودخل بها ولها تسع سنين ذهب عنها اليتم ، ودفع إليها مالها ،

__________________

(١) الدهر (٧٦) : ٢.

(٢) الدهر (٧٦) : ٢.

(٣) كنز العرفان : ٢ / ١٠٢.

٩١

وجاز أمرها في الشراء والبيع ، واقيمت عليها الحدود التامّة واخذت لها وبها» ، قال : «والغلام لا يجوز أمره في الشراء والبيع ، ولا يخرج من اليتم حتّى يبلغ خمس عشرة سنة ، أو يحتلم أو يشعر أو ينبت قبل ذلك» (١).

ورواية يزيد الكناسي عن الباقر عليه‌السلام : «الجارية إذا بلغت تسع سنين ذهب عنها اليتم ، وتزوّجت ودفع إليها مالها ، واقيمت الحدود التامّة عليها ولها» فقلت : الغلام يجري في ذلك مجرى الجارية؟ فقال : «الغلام إذا زوّجه أبوه ولم يدرك كان له الخيار إذا أدرك وبلغ خمس عشرة سنة ، أو يشعر في وجهه ، أو ينبت في عانته قبل ذلك». إلى أن قال : «يجلد في الحدود كلّها على قدر مبلغ سنّه ، فيؤخذ بذلك ما بينه وبين خمس عشرة سنة» (٢). إلى آخر الحديث ، فلاحظ.

والروايتان منجبرتان بالشهرة العظيمة التي كادت أن تكون إجماعا ، لو لم نقل بأنّه إجماع ، مع أنّ الرواية الاولى ليست فيها من يتوقّف في عدالته ، سوى «حمران» الممدوح بمدح كالتوثيق ، و «عبد العزيز العبدي» ، والنجاشي وإن نقل ضعفه عن ابن نوح ، وأسنده إليه ، إلّا أنّه قال : له كتاب يرويه جماعة (٣).

وقد ذكرنا في التعليقة (٤) أنّ مثل هذا دليل الاعتماد عندهم سيّما [عند] النجاشي ، ثمّ ذكر أنّ الحسن بن محبوب ممّن يرويه ، والحسن من جملة من أجمعت العصابة على قوله (٥).

وأمّا الرواية الثانية ، فلا توقّف فيها إلّا في «يزيد» وقد ذكر الدار قطني : أنّه

__________________

(١) الكافي : ٧ / ١٩٧ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٣ الحديث ٧٢ مع اختلاف يسير.

(٢) تهذيب الأحكام : ٧ / ٣٨٣ الحديث ١٥٤٤ ، وسائل الشيعة : ٢٠ / ٢٧٨ الحديث ٢٥٦٢٦ مع اختلاف يسير.

(٣) رجال النجاشي : ٢٤٤ الرقم ٦٤١.

(٤) انظر! مقدّمة تعليقات على منهج المقال : ٧.

(٥) رجال الكشّي : ٢ / ٨٣٠ الرقم ١٠٥٠.

٩٢

شيخ من شيوخ الشيعة ، يروي عن الباقر والصادق عليهما‌السلام (١) ، بل لا يبعد اتّحاده مع أبي خالد القماط الثقة ، كما لا يخفى على من لاحظ طريقة الشيخ في رجاله ، وما نبّهنا عليه في التعليقة (٢).

مع أنّه يروي عنه الأجلّة مثل هشام بن سالم ، وأبي أيّوب ، مع أنّ في طريق هذه الرواية الحسن بن محبوب ، والطريق إليه صحيح ، كما أنّ في الرواية السابقة أيضا كذلك.

ويدلّ عليه أيضا صحيحة معاوية بن وهب المذكورة في «التهذيب» و «الاستبصار» و «الفقيه» أنّه سأل الصادق عليه‌السلام : في كم يؤخذ الصبي بالصيام؟ قال : «ما بينه وبين خمس عشرة سنة ، أو أربع عشرة سنة ، فإن هو صام قبل ذلك فدعه» (٣).

إذ هذه الصحيحة تنادي بأن الصبيّ لا يجب عليه قبل خمس عشرة سنة ، إذ صريحة في أنّه لا يؤخذ بالصوم قبل خمس عشرة على سبيل التعيين والإلزام الذي لا اختيار في الترك فإنّ كلمة «أو» تفيد التخيير ، والتخيير ينافي الإلزام المذكور ، وأيضا البلوغ وقت وجوب الصوم وغيره على التعيين ، فلا بدّ من أن يكون معيّنا خالصا عن شوب الترديد والتخيير ، وقبل الخمس عشرة لا يكون كذلك بنصّ هذه الصحيحة ، فتأمّل!

على أنّ صدر الرواية هكذا : في كم يؤخذ الصبي بالصلاة؟ فقال : «في ما بين

__________________

(١) لسان الميزان : ٢ / ١٤ الرقم ١٥٥٢ ، نقلا عن الدار قطني.

(٢) تعليقات على منهج المقال : ١٨٠.

(٣) الكافي : ٤ / ١٢٥ الحديث ٢ ، من لا يحضره الفقيه : ٢ / ٧٦ الحديث ٣٣٢ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٨١ الحديث ١٥٩٠ ، الاستبصار : ١ / ٤٠٩ الحديث ١٥٦٣ ، وسائل الشيعة : ١٠ / ٢٣٣ الحديث ١٣٢٩٧.

٩٣

سبع وستّة سنين» (١) فقال : في كم يؤخذ بالصيام؟ فقال : .. إلى آخر ما ذكرنا.

فهذا صريح في أنّ هذا الأخذ ؛ أخذ الولي للطفل المستحب ، فالمستحب (٢) يتفاوت مرتبته لا الواجب ، ولذا قال في الصلاة : «ما بين سبع وستّ» كما قال هنا : «خمس عشرة أو أربع عشرة».

وفي بعض النسخ كلمة «واو» بدل «أو» (٣) ، والمقدّس الأردبيلي نقل الرواية هكذا : فيما بين خمس عشرة وأربع عشرة (٤).

فالدلالة حينئذ واضح وأوضح ، مع أنّ الوجوب التخييري هنا لا معنى له ، بل وهو خلاف ضروري الدين.

ويمكن أن يكون الترديد مبنيّا على صورتي البلوغ ، بأنّ المراد خمس عشرة سنة إلّا أن يبلغ قبل ذلك ـ موافقا لما ورد في الأخبار ـ والبلوغ قبل ذلك يكون بالأربع عشرة لا أقلّ منه ، كما ورد عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : «الصبي يحتلم لأربع عشرة سنة» (٥) ، وليس المراد أنّه يحتلم البتة ، لفساده بالمشاهدة ، بل المراد قابليّة الاحتلام ، ويؤيّده عدم وجدان من يحتلم قبله ، وسيجي‌ء أيضا ما يؤكّده ، وتقديم الخمس عشرة على الأربع عشرة ـ مع أنّ قاعدة الوضع خلافه ـ تشير إلى ذلك.

ويدلّ أيضا عليه ما رواه الكليني بسنده إلى طلحة بن زيد عن الصادق عليه‌السلام :

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٤ / ١٨ الحديث ٤٣٩٧.

(٢) في (ز ٢) و (ط) : فإنّ المستحب.

(٣) كما في تهذيب الأحكام : ٤ / ٣٢٦ الحديث ١٠١٢.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ / ١٨٩.

(٥) الكافي : ٧ / ٦٩ الحديث ٨ ، تهذيب الأحكام : ٩ / ١٨٣ الحديث ٧٣٨ ، وسائل الشيعة : ١٩ / ٣٦٤ الحديث ٢٤٧٧٠.

٩٤

«إنّ أولاد المسلمين إذا بلغوا اثنتي عشرة سنة كتبت لهم الحسنات ، فإذا بلغوا الحلم كتبت عليهم السيّئات» (١).

ويظهر من عدّة الشيخ : أنّ الشيعة أجمعوا على العمل برواية طلحة هذا وأمثاله من العامّة (٢).

وجه الدلالة أنّ كتابة السيّئات مشروط بالحلم ، والمشروط عدم عند عدم شرطه ، خرج الخمس عشرة بالإجماع والأدلّة ، وبقي الباقي.

ومثل هذه الرواية كلّما دلّ على اشتراط البلوغ بالحلم بالآيات والأخبار التي مرّت في البلوغ بخروج المني ، فإنّ الكلّ دليل المشهور ، كما عرفت.

ويدلّ أيضا الأخبار الكثيرة الدالّة على أنّ الانثى تبلغ بالتسع ، مذكورة في كتاب النكاح (٣) وغيره (٤) ، فيكون بلوغ الذكر بالخمس عشرة ، لعدم القائل بالفصل ، فإنّ كلّ من يقول بالتسع في الانثى ، يقول بالخمس عشرة في الذكور ، كما ستعرف فتأمّل!

ثمّ لا يخفى أنّ المتبادر من الأخبار بلوغ مجموع تسع سنين في الانثى ، ومجموع خمس عشرة في الذكور ، لا الدخول في التسع وخمس عشرة ، والاصول أيضا تقتضي ما ذكرنا ، والإجماع ما تمّ إلّا فيه ، فما قال بعض : من أنّ الشروع في الخامس عشرة يكفي (٥) فيه ما فيه.

__________________

(١) الكافي : ٦ / ٣ الحديث ٨ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٢ الحديث ٧١ مع اختلاف يسير.

(٢) عدّة الاصول : ١ / ١٤٩ و ١٥٠ ، لاحظ! الفهرست للشيخ الطوسي : ٨٦ الرقم ٣٦٢.

(٣) راجع! وسائل الشيعة : ٢٠ / ١٠١ الباب ٤٥ من أبواب مقدّمات النكاح وآدابه.

(٤) راجع! وسائل الشيعة : ١ / ٤٢ الباب ٤ من أبواب مقدّمة العبادات.

(٥) الحدائق الناضرة : ١٣ / ١٨٥.

٩٥

قوله : (ويستحبّ). إلى آخره.

قد عرفت المستند ، وأنّه صحيح ، وإن ورد في حسنة الحلبي أيضا أنّ الصادق عليه‌السلام قال : «إنّا نأمر صبياننا بالصلاة إذا كانوا بني خمس سنين ، فمروا صبيانكم بها إذا كانوا بني سبع سنين» (١) ، ومرّ في رواية معاوية فيما بين ستّ أو سبع ، والمقام مقام الاستحباب ، فربّما يتفاوت مرتبته.

قوله : (والتوفيق). إلى آخره.

لا يخفى فساد ما ذكره من وجوه :

الأوّل : أنّه خلاف المجمع عليه بين الشيعة كما عرفت ، بل بين جميع المسلمين بل خلاف ضروري الدين والمذهب ، فإنّ النساء والأطفال ـ فضلا عن الجهّال ـ جازمون بأنّ البلوغ حدّ واحد حقيقي لا حدود كثيرة مختلفة إضافيّة ، وحالهم في ذلك حالهم في غيره من الضروريّات ، مثل : استحباب التسليم وأمثاله فاستعلم. ومثل هذا الإجماع حجّة عنده بلا شبهة ، بل أقوى من الإجماعات التي ذكرها ، واعتمد عليها ونبّهت عليها ، فلاحظ وتأمّل جدّا!

والثاني : أنّه مخالف لما يظهر من الأخبار المتواترة في أنّ الذكر والانثى قبل إدراكهما يكونان كذا وكذا ، وبعد إدراكهما كذا وكذا ، وربّما ذكر موضع الإدراك لفظ البلوغ وأمثاله من الألفاظ ، ومن ملاحظة المجموع يظهر ظهورا تامّا أنّ البلوغ والإدراك حدّ واحد فلاحظ الأخبار ، منها مذكورة في تزويج الولي إيّاهما ، ومنها في غيره ، مثل تزويج البكر البالغة نفسها ، وغيره من كتاب النكاح (٢) ،

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٤٠٩ الحديث ١ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٨٢ الحديث ٨٦١ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٨٠ الحديث ١٥٨٤ ، الاستبصار : ١ / ٤٠٩ الحديث ١٥٦٤ ، وسائل الشيعة : ٤ / ١٩ الحديث ٤٤٠١.

(٢) راجع! وسائل الشيعة : ٢٠ / ٢٧٥ الباب ٦ من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد.

٩٦

والوصيّة (١) وغيرهما (٢) ، فلاحظ وتأمّل!

والثالث : أنّه مخالف لما أثبتناه من الأخبار والاصول وغيرهما.

والرابع : أنّ ما ورد من أنّ الوصيّة والعتق ونحوهما تصحّ من ذي العشر (٣) ، لا يظهر منه أنّ البلوغ يتحقّق به على قياس ما مر من أنّه إذا بلغ ستّ سنين يؤخذ بالصلاة ، فيلزم على ما ذكره كون الستّ أيضا بلوغا ، وفيه ما فيه ، بل في غاية الظهور في كثير من المواضع أنّه غير بالغ وصبيّ جزما ، إلّا أنّه يصحّ ما ذكر منه ، وجمع من الفقهاء أفتوا بصحّتها من غير البالغ من الصبيّ مصرّحين بذلك (٤) ، كما هو مضمون الأخبار.

وأمّا ما دلّ على أنّ الصوم لا يجب عليها قبل إكمالها الثلاث عشرة سنة (٥) ، فهو ضعيف شاذّ ، فلا يكون حجّة قطعا ، فكيف يمكن أن يؤتى به في مقابل الأدلّة الكثيرة الواضحة المفتى بها عند الفقهاء؟ سيّما وأن يغلب عليها وأن تأوّل تلك بسببه.

وعلى تقدير الصحّة والحجيّة ، لعلّه محمول على من لم يستطع قبل إكمال الثلاث عشرة سنة ، بأنّها تكون من أهل البلاد الحارّة الشديدة الحرارة ، ويكون الصوم في أيّام القيظ (٦) وطول النهار ، ولم يكن لها بنية قويّة.

وقيل بعدم عقلها ، وحصول الإنبات والاحتلام للغلام (٧) ، لأنّ هذا الخبر

__________________

(١) راجع! وسائل الشيعة : ١٩ / ٣٦٠ الباب ٤٤ أبواب أحكام الوصايا.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ١ / ٤٢ ـ ٤٦ الباب ٤ الباب من أبواب مقدمة العبادات.

(٣) وسائل الشيعة : ٢٣ / ٩١ الباب ٥٦ من أبواب العتق ، ١٩ / ٣٦١ الباب ٤٤ من أبواب أحكام الوصايا.

(٤) المقنعة : ٦٦٧ ، النهاية للشيخ الطوسي : ٦١١ ، المهذّب لابن البرّاج : ٢ / ١١٩ ، المختصر النافع : ١٦٣.

(٥) وسائل الشيعة : ١ / ٤٥ الحديث ٨٢.

(٦) في (ز ١ ود ٢) : الصيف.

(٧) لاحظ! وسائل الشيعة : ١ / ٤٥ ذيل الحديث ٨٢.

٩٧

يدلّ على أنّ الغلام أيضا مثل الجارية يجب الصوم عليه إذا بلغ ثلاث عشرة سنة ، فتأمّل!

وبالجملة ؛ الأخبار الدالّة على أنّ الانثى بعد تسع سنين تكون بالغة ـ مطلقا ـ وصلت حدّ التواتر ، ومنها : تزويج عائشة والدخول بها ، ولم ينقل من أحد من العلماء التأمّل في ذلك ، وفي «التذكرة» : أنّه إجماعيّ عندنا (١) ، وإن نقل الخلاف في الذكور بأنّ شاذّا قال بالثلاث عشرة سنة فيه (٢).

قيل : وهو الظاهر من «التهذيب» و «الاستبصار» ، حيث ذكر فيهما رواية عمّار (٣) ـ وهي الرواية المذكورة ـ ثمّ نقل ما دلّ على وجوب الصلاة عليه لستّ وسبع ، وقال : فالوجه حمله على الاستحباب ، والأوّل على الوجوب ، لئلّا تتناقض الأخبار (٤) ، انتهى.

أقول : ما نسب إليه لم نجده إلّا في «الاستبصار» (٥) ، ومع ذلك ؛ الظاهر منه أنّه لمجرّد الجمع ورفع التناقض ، لا أنّ مذهبه كون البلوغ ثلاث عشرة في الانثى والذكر ، كيف ولم ينسب هذا القول إلى أحد أصلا؟ ومسلّم عند القائل أيضا أنّه لم يقع خلاف في الانثى في كون بلوغها بالتسع بحسب السنّ ، وإنّما أشار إلى وقوع الخلاف الشاذّ في الذكور خاصّة.

وأيضا الشيخ رحمه‌الله ما اختار هذا في كتاب من كتب فتاواه ، بل ذكر في الكلّ

__________________

(١) تذكرة الفقهاء : ٢ / ٧٥ ، ط. ق.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ / ١٨٨ و ١٨٩.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٨٠ الحديث ١٥٨٨ ، الاستبصار : ١ / ٤٠٨ الحديث ١٥٦٠ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٥ الحديث ٨٢.

(٤) لاحظ! مجمع الفائدة والبرهان : ٩ / ١٨٩.

(٥) الاستبصار : ١ / ٤٠٩ ذيل الحديث ١٥٦٤.

٩٨

خلافه (١) ، ولم يشر في كتابه «الخلاف» إليه ، ولم ينسب إلى أحد.

فعلى تقدير أن يكون ما قاله مذهبه في «الاستبصار» ، فلا شكّ في رجوعه عنه ، وذلك ليس إلّا لأنّه ظهر عليه خطاؤه ، فلذا تركه في جميع فتاواه.

فإذا ظهر عليه أنّه خطأ إلى أن تركه بالمرّة ، ولم يشر إلى كونه قولا واحتمالا لأحد في وقت من الأوقات ، ولم يبق اعتداد به لنفس الشيخ رحمه‌الله أصلا ورأسا ، فأيّ اعتداد يبقى لنا به؟

هذا ؛ مع أنّه رحمه‌الله صرّح في «التهذيب» بأنّ الوجوب عندنا على ضربين : ضرب على تركه العقاب ، وضرب آخر على تركه العتاب (٢) فلم يظهر أنّه قال به في وقت من الأوقات ، بل قال بعض المحقّقين : إنّ مذهب الشيخ لا يظهر من كتابيه ، وإنّ غرضه منهما الجمع بين الأخبار خاصّة (٣).

والظاهر أنّ مراده عدم الظهور من مجرّد الذكر والقول ، وإن كان يظهر في بعض المقامات بمعونة القرينة ، ولذا نرى المحقّقين لا ينسبون إلى الشيخ رحمه‌الله ما ذكره فيهما في الأكثر ، وربّما ينسبون إليه في كثير من المقامات.

وممّا يؤيّد أنّ أحد الأخبار الدالّة التي حملها على الوجوب رواية علي بن جعفر عن أخيه : إنّ الغلام يجب عليه الصوم والصلاة إذا راهق الحلم ، وعرف الصلاة والصوم (٤).

فإنّ الوجوب بالمعنى المعروف لا يناسبه ، لأنّه فرع تعيين الوقت وتشخيصه ، بحيث لا يحتمل التفاوت أصلا ، فتأمّل!

__________________

(١) المبسوط : ١ / ٢٦٦ ، الخلاف : ٣ / ٢٨٢.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ١١٢ ، ٤ / ٢٨١.

(٣) السرائر : ١ / ٥٢ و ٨٣ و ٩٣.

(٤) انظر! تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٨٠ الحديث ١٥٨٧ ، وسائل الشيعة : ٤ / ١٩ الحديث ٤٣٩٩ نقل بالمعنى.

٩٩

وممّا ذكرنا ظهر أنّ هذا الخبر وما وافقه ـ ممّا ظهر منه بلوغ الذكر بأنقص من خمس عشرة سنة بحسب السنّ ـ ليس بحجّة ولا اعتداد به ، بل تحمل على التقيّة ، أو على توهّم الراوي ، أو على أنّ المراد شدّة تأكّد التكليفات ، أو أنّه من باب الاحتياط في الدين ، لأنّه إذا بلغ هذا السنّ بلغ وقتا يمكن أن يحتلم فيه ، أو يشعر ، أو ينبت فربّما لا يتفطّن بالاحتلام ، لسبب كثرة رطوبات دماغه ، وعدم وقوفه واطّلاعه ومعرفته بالاحتلام ، كما نشاهد بعض الأطفال ما يعرفون الاحتلام كيف هو ، إلى مدّة مديدة؟ وكذا ربّما لا يتفطّنون لخشونة شعر عانتهم الحادثة.

أو أنّه يجري عليه الحدود بحسب مقدار سنّه ، لا تامّة ، كما يشير إليه لفظ التامّة فيما هو مستند الفقهاء ، والخلو عن هذه اللفظة في غيره ، مع التصريح بأنّه يجري عليه الحدود بحسب مقدار سنّه قبل البلوغ ، كما في مستند الفقهاء.

على أنّ الحديث ما لم يكن صحيحا أو منجبرا بما يجبر ضعفه ، لم يكن حجّة أصلا ، فكيف يعارض به أدلّة الفقهاء؟!

فإن قلت : هذا الخبر موثّق ، وفي الصحيح عن الوشّاء ، عن عبد الله بن سنان ، عن الصادق عليه‌السلام قال : «إذا بلغ أشدّه ثلاث عشرة سنة ، ودخل في الأربع عشرة وجب عليه ما وجب على المحتلمين ، احتلم أو لم يحتلم ، وكتبت عليه السيّئات [وكتبت له بالحسنات] وجاز له كلّ شي‌ء إلّا أن يكون سفيها أو ضعيفا» (١).

ورواه الصدوق رحمه‌الله في الموثّق عنه ، عن الصادق عليه‌السلام هكذا : «إذا بلغ الغلام ثلاث عشرة سنة كتب له الحسنة وكتب له السيّئة وعوقب ، وإذا بلغت الجارية

__________________

(١) الكافي : ٧ / ٦٩ الحديث ٧ ، من لا يحضره الفقيه : ٤ / ١٦٤ الحديث ٥٧١ ، الخصال : ٢ / ٤٩٥ الحديث ٤ ، تهذيب الأحكام : ٩ / ١٨٣ الحديث ٧٣٩ ، وسائل الشيعة : ١٩ / ٣٦٤ الحديث ٢٤٧٧١.

١٠٠