مصابيح الظلام - ج ١

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ١

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-1-9
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٤٦٢

الرضا عليه‌السلام ما يدلّ على اشتراط الفقاهة في إمام الجمعة (١) ـ بحيث لو لم تكن لم تتحقّق صلاة الجمعة ـ كالعدالة.

هذا ؛ مع أنّ الإجماع حجّة يقينيّة لمدّعيه ، والمنقول بخبر الواحد حجّة لغيره ، فقوله : (وإلّا فلا مأخذ له). إلى آخره ، فيه ما فيه.

واعلم (٢)! أنّه يظهر من كلام بعض أنّ هذا القول من خصائص المحقّق الشيخ علي (٣) ، وليس كذلك ، إذ يظهر عن «مقنعة» المفيد ـ أيضا ـ في باب الأمر بالمعروف حيث قال : وللفقهاء من شيعة الأئمّة عليهم‌السلام أن يجمعوا (٤).

وفي «نهاية» الشيخ أيضا : لفقهاء أهل الحقّ أن يجمعوا ، وفي باب الجمعة منه : لفقهاء المؤمنين إقامتها (٥).

وفي «دروس» الشهيد : تجمع الفقهاء (٦).

وفي «الذكرى» : الفقهاء يباشرون ما هو أعظمه (٧).

وفي «المختلف» : الفقيه المأمون منصوب (٨).

وفي كلام سلّار : لفقهاء الطائفة أن يصلّوا في الأعياد (٩). إلى غير ذلك من عباراتهم في اعتبار الفقاهة في إمام العيد والجمعة.

__________________

(١) علل الشرائع : ١ / ٢٦٥ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٣١٢ الحديث ٩٤٤٠.

(٢) لم ترد في (د ٢) من قوله : واعلم. إلى قوله : في كتابه «الإشراف» أيضا.

(٣) ذخيرة المعاد : ٣٠٧.

(٤) المقنعة : ٨١١.

(٥) النهاية للشيخ الطوسي : ٣٠٢ ، ١٠٧ وفيه : ولا بأس أن يجتمع المؤمنون.

(٦) الدروس الشرعيّة : ١ / ١٨٦.

(٧) ذكرى الشيعة : ٤ / ١٠٤.

(٨) مختلف الشيعة : ٢ / ٢٣٩.

(٩) المراسم : ٢٦١.

٤٢١

وعبارة الفقهاء : أن يصلّوا ، ظاهرة في الوجوب التخييري ، لأنّ قولهم : أن يفعلوا ، ينادي بحظر متوهّم وأنّ هذا الكلام رفع توهّم ذلك الحظر ، لا أنّه يجب عليهم.

ويظهر من الخارج أيضا أنّ رأي صاحب العبارة ذلك سوى المفيد ، فيظهر منه ـ أيضا ـ أنّ رأيه كذلك في «المقنعة» أيضا ، فيشهد على ما ذكرناه في كتابه «الإشراف» (١) أيضا.

وقوله : (فإن اريد اشتراط الاستفتاء منه) ، فيه أيضا ما فيه ، لأنّه كيف يتفرّع على اشتراط الفقيه في أصل الوجوب؟ وكيف يحسن هذه الإرادة من ذلك القول؟

مضافا إلى أنّ جميع المسائل الفقهيّة تتوقّف على فتوى الفقيه وإن لم تكن خلافيّة ، ولا خصوصيّة له بالمقام ، فلا وجه للتعرّض فيه خاصّة ، بل الظهر أيضا كذلك تخييريّا أو عينيّا.

مع أنّ ذلك إجماعي عند العامّة أيضا ، فإنّ المسائل منصب الفقيه عندهم أيضا ، مع أنّه ضروري أنّ المقام ليس بضروري ، والنظري يتوقّف على الاستدلال بالضرورة ، والاستدلال لا يتيسّر لغير الفقيه بالضرورة عند المجتهدين ، فلا وجه للتعرّض هاهنا ، سيّما في مقابل الأقوال المختلفة في المقام ، وخصوصا أن يثبت بدعوى أصحابنا الإجماع.

مع أنّك عرفت أنّ فعل الجمعة لا يتوقّف على فتوى الفقيه ، فإن لم يقلّد ولم يجتهد يجب عليه أيضا ، وكذا غيره من الأصناف المذكورة.

نعم ، الاكتفاء بالجمعة يتوقّف على فتواه ، فتأمّل جدّا!

__________________

(١) مصنّفات الشيخ المفيد (الإشراف) : ٩ / ٢٥.

٤٢٢

٧ ـ مفتاح

[ما يثبت به الإيمان والعدالة]

يثبت كلّ من الإيمان والعدالة وطهارة المولد بعدم ظهور خلافه عند جماعة من القدماء (١) ، لظواهر كثير من الروايات (٢) ، وعند المتأخّرين لا بدّ في الأوّلين من المعاشرة ، أو شهادة عدلين (٣).

وفي الصحيح : «بم تعرف عدالة الرجل من المسلمين حتّى تقبل شهادته لهم وعليهم؟ فقال : أن تعرفوه بالستر والعفاف ، وكفّ البطن والفرج واليد واللسان ، وباجتناب الكبائر التي أوعد الله عزوجل عليها النار ، من شرب الخمر والزنا والربا وعقوق الوالدين والفرار من الزحف (٤) ، وغير ذلك. والدليل عليه أن يكون ساترا لعيوبه ، حتّى يحرم على المسلمين تفتيش ما وراء ذلك من عثراته وعيوبه. ويجب عليهم تزكيته وإظهار عدالته في الناس ، وأن لا يتخلف عن جماعة المسلمين في مصلّاهم إلّا من علّة. فإذا سئل عنه في قبيلته

__________________

(١) مصنفات الشيخ المفيد (الإشراف) : ٩ / ٢٥ ، الخلاف : ٦ / ٢١٧ المسألة ١٠ ، الاستبصار : ٣ / ١٤.

(٢) وسائل الشيعة : ٢٧ / ٣٩٧ الحديث ٣٤٠٤٩ ، الحدائق الناضرة : ١ / ٣٤ ـ ٤١.

(٣) الروضة البهيّة : ١ / ٣٧٩ ، مجمع الفائدة والبرهان : ١٢ / ٣٢٤.

(٤) الزحف ـ بالزاي والحاء المهملة الساكنة ـ : العسكر «منه رحمه‌الله».

٤٢٣

ومحلّته قالوا : ما رأينا منه إلّا خيرا ، مواظبا على الصلوات ، متعاهدا لأوقاتها في مصلّاه» (١).

وأمّا ما يدلّ على الاكتفاء في إمام الصلاة بأقلّ من ذلك من الروايات الواردة فيه (٢) بالخصوص ، فمعارض بمثله (٣).

والحزم أن لا يصلّي خلف من لا يثق بدينه وأمانته ، كما ورد في المعتبر (٤).

وكيف كان ؛ فلا يقدح فيها فعل الصغيرة نادرا ، كما ظهر من الحديث المذكور ، كيف؟ ولو قدح للزم الحرج والضيق ، لتعذّر الانفكاك عنها إلّا فيما يقلّ.

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ٣ / ٢٤ الحديث ٦٥ ، وسائل الشيعة : ٢٧ / ٣٩١ الحديث ٣٤٠٣٢.

(٢) مثل ما رواه الشيخ بسنده عن مولانا الباقر عليه‌السلام قال : «إذا كان الرجل لا تعرفه يؤمّ الناس ويقرأ القرآن ، فلا تقرأ واعتدّ بصلاته». (رجال الكشّي : ٩٥٠ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣١٩ الحديث ١٠٧٨١). وما رواه الصدوق عن مولانا الصادق عليه‌السلام قال : «ثلاثة لا يصلّى خلفهم : المجهول والغالي وإن كان يقول بقولك والمجاهر بالفسق وإن كان مقتصدا». (من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٤٨ الحديث ١١١١ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣١٤ الحديث ١٠٧٦٧).

فإنّ المراد بالمجهول من جهل مذهبه في أمر الدين ، وكذا المقتصد ؛ المقتصد في الاعتقاد ، كما لا يخفى على من له دراية في الحديث.

فمفهوم هذا الخبر جواز الصلاة خلف الفاسق إن لم يكن مجاهرا بفسقه ، والمعارض ما ذكرناه في المتن.

وروى عمر بن يزيد ـ في الصحيح ـ عن مولانا الصادق عليه‌السلام قال : سألته عن إمام لا بأس به ، عارف في جميع اموره ، غير أنّه يسمع أبويه الكلام الغليظ ، قال : «لا تقرأ خلفه ما لم يكن عاقّا قاطعا» (من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٤٨ الحديث ١١١٤ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣١٣ الحديث ١٠٧٦٤) «منه رحمه‌الله».

(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ٨ / ٣١٣ الباب ١١ ، ٣١٩ الباب ١٢ من أبواب صلاة الجماعة.

(٤) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٦٦ الحديث ٧٥٥ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣١٥ الحديث ١٠٧٧١.

٤٢٤

نعم ؛ يقدح فيها الإصرار عليها ، إذ لا صغيرة مع الإصرار ، كما لا كبيرة مع الاستغفار (١) ، وكذا التظاهر ببغض المؤمن وحسده.

وهل يقدح فيها فعل ما ينافي المروّة ؛ كلبس الفقيه لباس الجندي ، والتاجر لباس الحمّالين في موضع لم تجر عادتهما فيه بذلك ، والتضايق في اليسير الذي لا يستقصى فيه ونحو ذلك؟ المشهور نعم ، لأنّ أمثال ذلك إمّا لخبل ونقصان عقل أو قلّة مبالاة وحياء ، وعلى التقديرين لا ثقة بقوله وفعله. ومنهم من توقّف في ذلك ، لأنّه يخالف العادة لا الشرع.

أمّا الصنائع المكروهة والحرف الدنيّة ؛ فغير قادح عندنا ، وكذا ترك المندوبات إلّا إذا بلغ حدّا يؤذن بالتهاون بالدين وقلّة المبالاة بكمالات الشرع.

__________________

(١) هذا إشارة إلى قول الصادق عليه‌السلام ، كما رواه الكليني رحمه‌الله في الكافي : ٢ / ٢٨٨ الحديث ١.

٤٢٥
٤٢٦

قوله : (يثبت كلّ). إلى آخره.

الإيمان ؛ هو الاعتقاد باصول الدين الخمسة بالدليل لا بالتقليد عند علمائنا (١) إلّا شاذّا منهم (٢) ، ودلّ عليه العقل والنقل ، كما أشرنا إليه في «الفوائد» (٣).

وأمّا فروع الدين فضروريّات الدين ـ كوجوب الفرائض اليوميّة وغيرها ، وهي كثيرة ـ وضروريّات المذهب ـ كحلّية المتعة ، وغيرها وهي أيضا كثيرة ـ ونظريّات كلّ واحد منهما في مقابل ضروريّاته ، ولا بدّ في تحقّق الإيمان من عدم إنكار كلّ واحد من الضروريّات جميعا.

وأمّا طهارة المولد ؛ فبأن تكون من العقد الصحيح الدائم أو المنقطع ، أو من ملك اليمين أو التحليل ، على ما سيجي‌ء في كتاب النكاح ، أو من وطئ الشبهة ، فإنّه طهارة من الزنا البتة ، وكذا ولد الحيض ، والمتولّد من اللقمة الحرام ، وأمثال ذلك.

ومن ذلك كونه من بني اميّة أو الأشاعثة أو الأكراد ، أو أمثال ذلك ، لكن إذا صار بحيث يتنفّر الطباع عنه ، يحتمل أن يكون إمامته مكروهة ، كما مرّ في من تناله الألسن (٤).

ويحتمل المنع بالنسبة إلى بعض ما ذكر ، لحطّ مرتبته عن هذا المنصب الجليل على ما ظهر ، ويظهر من تضاعيف الأحكام.

وأمّا الزنا من أحد الطرفين ، فليس بطهارة المولد ، كالزنا من الطرفين.

__________________

(١) الباب الحادي عشر : ١٣ ـ ١٧.

(٢) عدّة الاصول : ٢ / ٧٣١.

(٣) الفوائد الحائريّة : ٤٥٥ الفائدة ٢٥.

(٤) راجع! الصفحة : ٣٠٢ من هذا الكتاب.

٤٢٧

وأمّا العدالة ؛ فهي عدم ظهور الفسق ، نسب ذلك إلى القدماء بأنّهم كانوا يقولون : معروفيّة مجرّد الإسلام يكفي (١) ، ومع ذلك (٢) مرادهم من الإسلام الإيمان ، أو هي الملكة ، أي الهيئة الراسخة في النفس تبعث على ملازمة التقوى والمروّة ، وهذا هو المشهور بين الأصحاب (٣) ، إذ عرّفوها في كتب الاصول والفقه بذلك.

أمّا ملازمة التقوى ؛ فبترك الكبائر والإصرار على الصغائر.

وأمّا المروّة ؛ فبأن يصون نفسه عن الأدناس وما يشينه عند الناس ، أو أن يتحرّز عمّا يسخر منه ، أو أن يسلك سلوك أمثاله عادة في زمانه ومكانه ، لا ما يخالف ذلك ، كلبس الفقيه [لباس] الجندي وبالعكس ، والتاجر لباس الحمّالين ، وأمثال ذلك ، مثل المشي في الأسواق مكشوف الرأس والبدن ، والكون بهذه الحالات في مجامع الناس ، ومدّ الرجلين فيها ، والأكل في الأسواق لغير السوقي ، وقبلة الزوجة والأمة بين الناس ، وحكاية ما جرى بينهما في الخلوة ، والإكثار من الحكايات المضحكة ، وأمثال ما ذكر ، والأشخاص والأزمنة والأمكنة متفاوتة في ذلك.

ومنهم من ترك قيد ملازمة المروّة (٤) ، ومنهم من جعله شرطا لقبول الشهادة (٥) ، ومنهم من جعله شطرا وشرطا جميعا (٦) ، ومنهم من جعل العدالة هي

__________________

(١) المقنعة : ٧٢٥ ، مختلف الشيعة : ٨ / ٤٨١.

(٢) في (د ٢) : ولعلّ.

(٣) لاحظ! مختلف الشيعة : ٨ / ٤٨١ ، مجمع الفائدة والبرهان : ٢ / ٣٥١ ، جامع المقاصد : ٢ / ٣٧٢ ، ذكرى الشيعة : ٤ / ١٠١.

(٤) مدارك الأحكام : ٤ / ٦٨ ، ذخيرة المعاد : ٣٠٣ ، الحدائق الناضرة : ١٠ / ١٦.

(٥) قواعد الأحكام : ٢ / ٢٣٧.

(٦) مسالك الأفهام : ١٤ / ١٦٩.

٤٢٨

حسن الظاهر (١) ، والعمدة هي الدليل.

استدلّ القدماء بالإجماع الذي نقله الشيخ في «الخلاف» (٢) ، وقوله تعالى : (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ) (٣) الآية.

وصحيحة حريز عن الصادق عليه‌السلام في أربعة شهدوا على رجل محصن بالزنا فعدل اثنان ولم يعدل الآخران ، فقال : «إذا كانوا أربعة من المسلمين ليس يعرفون بشهادة الزور أجيزت شهادتهم جميعا». إلى أن قال : «وعلى الوالي أن يجيز شهادتهم إلّا أن يكونوا معروفين بالفسق» (٤).

وما ورد في شهادة اللاعب بالحمام أنّه : «لا بأس بها إذا لم يعرف بفسق» (٥).

ورواية سلمة بن كهيل : أنّ عليّا عليه‌السلام كان يقول لشريح : «واعلم أنّ المسلمين عدول بعضهم على بعض إلّا محدودا في حدّ لم يتب منه ، أو معروف بشهادة زور أو ظنين» (٦).

وفي «أمالي» الصدوق رحمه‌الله بسنده عن علقمة ، قال : قلت للصادق عليه‌السلام : أخبرني عمّن تقبل شهادته ومن لا تقبل؟ قال : «كلّ من كان على فطرة الإسلام جازت شهادته» ، فقلت : تقبل شهادة المعترف بالذنوب؟ فقال : «يا علقمة! لو لم تقبل شهادة المعترفين بالذنوب لما قبلت شهادة إلّا شهادة الأنبياء

__________________

(١) ذخيرة المعاد : ٣٠٥.

(٢) الخلاف : ٦ / ٢١٧ و ٢١٨ المسألة ١٠.

(٣) البقرة (٢) : ٢٨٢.

(٤) الكافي : ٧ / ٤٠٣ الحديث ٥ ، تهذيب الأحكام : ٦ / ٢٨٦ الحديث ٧٩٣ ، الاستبصار : ٣ / ١٤ الحديث ٣٦ ، وسائل الشيعة : ٢٧ / ٣٩٧ الحديث ٣٤٠٤٩.

(٥) تهذيب الأحكام : ٦ / ٢٨٤ الحديث ٧٨٤ ، وسائل الشيعة : ٢٧ / ٤١٢ الحديث ٣٤٠٨٥ مع اختلاف يسير.

(٦) الكافي : ٧ / ٤١٢ الحديث ١ ، من لا يحضره الفقيه : ٣ / ٨ الحديث ٢٨ ، تهذيب الأحكام : ٦ / ٢٢٥ الحديث ٥٤١ ، وسائل الشيعة : ٢٧ / ٢١١ الحديث ٣٣٦١٨ مع اختلاف يسير.

٤٢٩

والأوصياء عليهم‌السلام ، لأنّهم المعصومون دون سائر الخلق ، فمن لم تره بعينك يرتكب ذنبا ، أو لم يشهد عليه بذلك شاهدان فهو من أهل العدالة والستر ، وشهادته مقبولة وإن كان في نفسه مذنبا ، ومن اغتابه بما فيه فهو خارج من ولاية الله ـ جلّ ذكره ـ داخل في ولاية الشيطان» (١) الحديث.

وصحيحة أبي بصير : أنّه سأل الصادق عليه‌السلام عمّا يرد من الشهود؟ فقال : «الظنين والمتّهم والخصم» ، قال : فالفاسق والخائن؟ قال : «كلّ هذا يدخل في الظنين» (٢).

ويمكن الجواب من الإجماع بأنّا نرى القدماء يذكرون الأخبار الدالّة على اشتراط حسن الظاهر ، وعدم كفاية مجرّد الإسلام على وجه الاستناد والاعتماد.

ومنها : رواية ابن أبي يعفور وغيرها (٣) على ما سنذكره ، والشيخ أيضا من جملتهم ، بل في كتاب نهايته صرّح بما هو مضمون رواية ابن أبي يعفور في تعريفه للعدالة (٤).

فلعلّ مراد المجمعين كلّهم أو بعضهم : المسلم الذي يعاشر ويختلط ويعرف ومع ذلك لم ير فسق منه ، بل الذي ببالي أنّ ابن الجنيد متفرّد بذلك القول (٥).

وأمّا باقي القدماء ؛ فيقولون باشتراط حسن الظاهر (٦) ، كما ذكرنا ، وصرّح

__________________

(١) أمالي الصدوق : ٩١ الحديث ٣ ، وسائل الشيعة : ٢٧ / ٣٩٥ الحديث ٣٤٠٤٤ مع اختلاف يسير.

(٢) الكافي : ٧ / ٣٩٥ الحديث ٣ ، تهذيب الأحكام : ٦ / ٢٤٢ الحديث ٥٩٨ ، وسائل الشيعة : ٢٧ / ٣٧٣ الحديث ٣٣٩٧٩.

(٣) وسائل الشيعة : ٢٧ / ٣٩١ و ٣٩٢ الحديث ٣٤٠٣٢ و ٣٤٠٣٤ و ٣٤٠٣٥.

(٤) النهاية للشيخ الطوسي : ٣٢٥.

(٥) نقل عنه في مختلف الشيعة : ٣ / ٨٨ ، الدروس الشرعيّة : ١ / ٢١٨.

(٦) المقنعة : ٧٣٠.

٤٣٠

بعض المحقّقين بهذا (١) ، مع أنّه لا بدّ من معروفيّة كونه مسلما مؤمنا ، حتّى يقال : يكفي مجرّد الإسلام ـ يعني المرادف للإيمان ـ ومعرفة الإسلام لا يتحقّق غالبا وعلى سبيل التعارف إلّا بالمعاشرة والمعروفيّة.

ولو لم يعرف أصلا من أين يعلم أنّه مسلم مؤمن؟ سيّما في ذلك الزمان المؤمن كان في غاية القلّة وشدّة التقيّة وستر المذهب ، إلّا من كان معروفا معاشرا ، فإذا لم يشاهد من مثله الفسق ، فهو عين حسن الظاهر ، لأنّ المعاشر المعروف إن ظهر منه فسق وصدر في حضور الناس ، لا جرم في مقام الدعوى يظهر ذلك على القاضي ، لأنّ الخصم في غاية بذل الجهد في قدحه وجرحه وإبطال شهادته ، فهو في مقام التفتيش والتجسّس عن حاله ، ولا يكاد يصدر منه فسق بمحضر الناس إلّا ويبرز ، والفقهاء أجمعوا على أنّه إن قدح المدّعى عليه في الشاهد يجب على القاضي الفحص (٢) عن حال الشاهد ، فكيف لا يظهر فسقه حينئذ؟

وإن أخفى فسقه ، فهو من أهل الستر والعفاف ، ويحرم على المسلمين تفتيش ما وراء ذلك من عثراته وعيوبه ، ويحرم إظهار عيوبه ، وإن أظهر مظهر (٣) يكون فاسقا مردود القول يجب ردّه.

ويشهد على ما ذكرنا رواية ابن أبي يعفور وغيرها من الروايات الآتية.

بل في رواية علقمة المذكورة أيضا إشارة ، حيث قال عليه‌السلام : «فهو من أهل العدالة والستر» ، إذ ظاهر أنّه لو لم يكن فسقه بحضرة الناس يصير حسن الظاهر ، على ما نطقت به الأخبار وشهد عليه الاعتبار ، وإلّا يصير غير أهل العدالة

__________________

(١) النهاية ونكتها : ٢ / ٥٢ ، مختلف الشيعة : ٨ / ٤٨١ المهذّب : ٢ / ٥٥٦.

(٢) في (ز ٣) (د ٢) : التحقيق.

(٣) لم ترد في (د ٢) و (ز ٣) : مظهر.

٤٣١

والستر ، على ما ذكرناه ، ويشهد عليه (١) الأخبار والاعتبار.

وأمّا الذي لم يكن من المعاشرين ولا المعروفين ؛ فلا يكاد يعرف كونه من أهل الإيمان أيضا ، على ما أشرنا.

وممّا ذكر ظهر الجواب عن الأخبار ، فإنّ قوله عليه‌السلام : «ليسوا يعرفون بشهادة الزور» ظاهره أنّهم معروفون ، إلّا أنّهم ليسوا يعرفون بشهادة الزور ، لا أنّهم ليسوا معروفين أصلا ، مع كونهم معروفين ، بالإسلام المرادف للإيمان ، ومثل ذلك الكلام في رواية سلمة.

وأمّا الروايات الدالّة على ردّ شهادة الفاسق ؛ فيمكن الجواب عنها ، بأنّ الفاسق اسم من خرج عن الطاعة واقعا (٢) ، لا من ثبت فسقه ، فإنّه ليس معناه لغة وعرفا ، وهذا يقتضي الملكة أو حسن الظاهر ـ كما ستعرف ـ فإنّه (٣) مثل الزاني والسارق وغيرهما اسم لمن صدر منه المبدأ من غير مدخليّة الثبوت فيه ، ولذا يقال عرفا : إنّ مجهول الحال يحتمل أن يكون فاسقا ، أو غير فاسق.

نعم ، لا يقال : هذا فاسق إلّا بعد الثبوت كالسارق وغيره من المشتقّات ، على أنّ ما ذكرناه لو لم يكن ظاهرا ، فلا أقلّ من حسنه في مقام الجمع بين الأدلّة ، وليس جمع أقرب منه وأظهر بلا شبهة ، إن لم تحمل تلك الأخبار على التقيّة.

مع أنّ سند أكثرها ضعيف ، وما يكون صحيحا ربّما يكون ظاهرا فيما ذكرنا ، مع أنّ الاحتمال لا أقلّ منه ، فلا يثبت ما يعارض ما سيجي‌ء من الأدلّة المعتبرة.

مع أنّه ربّما يظهر ما ذكرناه من ملاحظة الأخبار الدالّة على اشتراط حسن

__________________

(١) في (ز ١) و (ز ١) و (ط) : على ذلك ، بدلا من : عليه.

(٢) لسان العرب : ١٠ / ٣٠٨ ، مجمع البحرين : ٥ / ٢٢٨.

(٣) لم ترد في (ز ٣) من قوله : فإنّه. إلى قوله : وغيره من المشتقّات.

٤٣٢

الظاهر على ما ستعرف.

وممّا ذكر ظهر الجواب عن الآية أيضا ، مع أنّه ورد في الآية قوله تعالى : (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ) (١).

مع أنّه روي عنهم عليهم‌السلام في تفسير قوله تعالى (شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ) (٢) أنّهم عليهم‌السلام قالوا : «ليكونوا من المسلمين منكم ، فإنّ الله إنّما شرّف المسلمين العدول بقبول شهادتهم وجعل ذلك من الشرف العاجل» (٣).

وفي الآية الاخرى (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) (٤) ولا قائل بالفصل.

مع أنّ الأخبار الظاهرة في عدم كفاية مجرّد الإسلام لعلّها تبلغ حدّ التواتر.

منها : الصحيح الذي رواه المصنّف (٥) ، وهو عن ابن أبي يعفور ، عن الصادق عليه‌السلام ، وهو طويل رواه الصدوق (٦) ، ورواه الشيخ بطريق غير صحيح (٧) يتفاوت في المتن ، والدلالة في غاية الصراحة.

ومنها : أيحلّ للقاضي أن يقضي بقول الشهود إذا لم يعرفهم؟ قال : «خمسة أشياء يجب على الناس الأخذ بظاهر الحكم : الولايات والمناكح والمواريث والذبائح والشهادات ، فإذا كان ظاهره ظاهرا مأمونا جازت شهادته ولا يسأل عن باطنه» (٨).

__________________

(١) البقرة (٢) : ٢٨٢.

(٢) البقرة (٢) : ٢٨٢.

(٣) البرهان في تفسير القرآن : ١ / ٢٦٣ الحديث ٤ ، وسائل الشيعة : ٢٧ / ٣٩٩ الحديث ٣٤٠٥٣.

(٤) الطلاق (٦٥) : ٢.

(٥) راجع! الصفحة : ٤٢٣ و ٤٢٤ من هذا الكتاب.

(٦) من لا يحضره الفقيه : ٣ / ٢٤ الحديث ٦٥ وسائل الشيعة : ٢٧ / ٣٩١ الحديث ٣٤٠٣٢.

(٧) تهذيب الأحكام : ٦ / ٢٤١ الحديث ٥٩٦ ، الاستبصار : ٣ / ١٢ الحديث ٣٣ ، وسائل الشيعة : ٢٧ / ٣٩٢ الحديث ٣٤٠٣٣.

(٨) الكافي : ٧ / ٤٣١ الحديث ١٥ ، من لا يحضره الفقيه : ٣ / ٩ الحديث ٢٩ ، تهذيب الأحكام : ٦ / ٢٨٣ الحديث ٧٨١ ، وسائل الشيعة : ٢٧ / ٣٩٢ الحديث ٣٤٠٣٤ مع اختلاف يسير.

٤٣٣

ومنها : رواية عبد الكريم بن أبي يعفور ، عن الباقر عليه‌السلام قال : «تقبل شهادة المرأة والنسوة إذا كنّ مستورات من أهل البيوتات ، معروفات بالستر والعفاف ، مطيعات للأزواج ، تاركات للبذاء والتبرّج إلى الرجال في أنديتهم» (١).

وصحيحة الصفّار أنّه كتب إلى أبي محمّد عليه‌السلام : هل تقبل شهادة الوصي للميّت بدين له على رجل مع شاهد آخر عدل؟ فوقّع عليه‌السلام : «إذا شهد معه آخر عدل فعلى المدّعي يمين».

وكتب : هل يجوز للوصي أن يشهد لوارث الميّت صغيرا أو كبيرا ـ بحقّ له على الميّت أو غيره وهو القابض للوارث الصغير وليس للكبير بقابض؟ فوقّع عليه‌السلام : «نعم ، ينبغي للوصي أن يشهد بالحقّ ولا يكتم الشهادة» ، وكتب : أو تقبل شهادة الوصي على الميّت مع شاهد آخر؟ فوقّع عليه‌السلام : «نعم بعد يمين» (٢) ، فتأمّل!

وحسنة ابن المغيرة ، عن الرضا عليه‌السلام أنّه قال : «من ولد على الفطرة وعرف بالصلاح في نفسه جازت شهادته» (٣).

وصحيحة عمّار بن مروان : أنّه سأل الصادق عليه‌السلام ، أو سأله بعض أصحابه عن الرجل يشهد لابنه أو الأخر لأخيه أو الرجل لامرأته قال : «لا بأس بذلك إذا

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٦ / ٢٤٢ الحديث ٥٩٧ ، الاستبصار : ٣ / ١٣ الحديث ٣٤ ، وسائل الشيعة : ٢٧ / ٣٩٨ الحديث ٣٤٠٥١.

(٢) الكافي : ٧ / ٣٩٤ الحديث ٣ ، من لا يحضره الفقيه : ٣ / ٤٣ الحديث ١٤٧ ، تهذيب الأحكام : ٦ / ٢٤٧ الحديث ٦٢٦ ، وسائل الشيعة : ٢٧ / ٣٧١ الحديث ٣٣٩٧٣.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ٣ / ٢٨ الحديث ٨٣ ، تهذيب الأحكام : ٦ / ٢٨٣ الحديث ٧٧٨ ، الاستبصار : ٣ / ١٤ الحديث ٣٧ ، وسائل الشيعة : ٢٧ / ٣٩٣ الحديث ٣٤٠٣٦.

٤٣٤

كان خيّرا» (١) ، الحديث.

ورواية أبي بصير ، عن الصادق عليه‌السلام : «لا بأس بشهادة الضيف إذا كان عفيفا صائنا» (٢).

ورواية العلاء بن سيّابة ، عن الصادق عليه‌السلام : «عن الملّاح والمكاري والجمّال ، قال : «وما بأس بهم ، تقبل شهادتهم إذا كانوا صلحاء» (٣).

وحسنة عبد الرحمن بن الحجّاج ، عن الصادق عليه‌السلام : أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : «لا بأس بشهادة المملوك إذا كان عدلا» (٤).

وقويّة محمّد بن مسلم ، عن الصادق عليه‌السلام في شهادة المملوك ، فقال : «إذا كان عدلا فهو جائز الشهادة» (٥) الخبر.

فإنّ العدل ـ لغة وعرفا ـ ليس مجرّد العقيدة ، بل لعلّه ليس للعقيدة مدخليّة فيه ، وكذا ليس عندهم مجرّد عدم ظهور شي‌ء ، وقد عرفت أنّهما المرجع والمحكم في ألفاظ الآية والحديث.

فيبطل كون العدالة عدم ظهور الفسق وأنّها الأصل ، لأنّ الظاهر منها ؛ أنّ

__________________

(١) الكافي : ٧ / ٣٩٣ الحديث ٤ ، من لا يحضره الفقيه : ٣ / ٢٦ الحديث ٧٠ ، تهذيب الأحكام : ٦ / ٢٤٨ الحديث ٦٣١ ، وسائل الشيعة : ٢٧ / ٣٦٧ الحديث ٣٣٩٦٤.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ٣ / ٢٧ الحديث ٧٧ ، تهذيب الأحكام : ٦ / ٢٥٨ الحديث ٦٧٦ ، الاستبصار : ٣ / ٢١ الحديث ٦٤ ، وسائل الشيعة : ٢٧ / ٣٧٢ الحديث ٣٣٩٧٦.

(٣) الكافي : ٧ / ٣٩٦ الحديث ١٠ ، من لا يحضره الفقيه : ٣ / ٢٨ الحديث ٨٢ ، تهذيب الأحكام : ٦ / ٢٤٣ الحديث ٦٠٥ ، وسائل الشيعة : ٢٧ / ٣٨١ الحديث ٣٤٠٠٣.

(٤) الكافي : ٧ / ٣٨٩ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ٦ / ٢٤٨ الحديث ٦٣٤ ، الاستبصار : ٣ / ١٥ الحديث ٤٢ ، وسائل الشيعة : ٢٧ / ٣٤٥ الحديث ٣٣٩٨٤.

(٥) تهذيب الأحكام : ٦ / ٢٤٨ الحديث ٦٣٣ ، الاستبصار : ٣ / ١٥ الحديث ٤١ ، وسائل الشيعة : ٢٧ / ٣٤٥ الحديث ٣٣٨٩٦.

٤٣٥

قبول الشهادة له شرط لا بدّ من أن يتحقّق ، لا أنّها لا تحتاج إلى شرط بل الفسق مانع ، كما نسب إلى القدماء (١).

وأيضا الإطلاق ينصرف إلى الغالب ، والغالب في المملوك الذي يسألون عن قبول شهادته هو المسلم.

مع أنّ الظاهر أنّهم ما كانوا يسألون عن قبول شهادة الكافر ، فضلا عن مملوك كافر ، بل كان نظرهم إلى أنّ الحريّة شرط أم لا (٢).

وأمّا الظهور في حسن الظاهر ؛ فلأنّ المملوك الذي يكون له ملكة فعل جميع الواجبات وترك جميع المحرّمات ، ممّا لا يكاد يوجد ، فضلا أن يكون له ملكة المروّة.

وستعرف أنّها شرط أو شطر ، ومن اطّلع على أحوال المماليك يظهر له الظهور المذكور ، مع أنّا سنبطل اعتبار الملكة.

وصحيحة ابن سنان ، عن الصادق عليه‌السلام في رجل شهد على شهادة رجل فجاء الرجل فقال : لم أشهده ، فقال : «تجوز شهادة أعدلهما ، ولو كان أعدلهما واحدا لم تجز شهادته» (٣).

ورواية عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن الباقر عليه‌السلام قال : «شهادة القابلة جائزة على أنّه استهلّ أو برز ميّتا إذا سئل عنها فعدلت» (٤).

وصحيحة ابن مسلم ، عن الصادق عليه‌السلام : «إنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يجيز [في

__________________

(١) ذخيرة المعاد : ٣٠٢ و ٣٠٣.

(٢) في (د ٢) : شرط في الشاهد أم لا.

(٣) الكافي : ٧ / ٣٩٩ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ٦ / ٢٥٦ الحديث ٦٧٠ ، وسائل الشيعة : ٢٧ / ٤٠٥ الحديث ٣٤٠٧٢.

(٤) تهذيب الأحكام : ٦ / ٢٧١ الحديث ٧٣٧ ، وسائل الشيعة : ٢٧ / ٣٦٢ الحديث ٣٣٩٤٦.

٤٣٦

الدين] شهادة واحد ويمين صاحب الدّين ، ولم يجز في الهلال إلّا شاهدي عدل» (١). والأخبار الصحيحة في مثلها كثيرة (٢).

وفي «أمالي الصدوق» بسنده عن الكاظم عليه‌السلام : «من صلّى خمس صلوات في اليوم والليلة في جماعة ، فظنّوا به خيرا ، وأجيزوا شهادته» (٣).

وفي «الكافي» ـ في باب علامات المؤمن ـ عن عثمان ، عن سماعة ، عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «من عامل الناس فلم يظلمهم ، وحدّثهم فلم يكذبهم ، ووعدهم فلم يخلفهم كان ممّن حرمت غيبته ، وكملت مروّته ، وظهر عدله ، ووجب أخوّته» (٤) ، ورواه في «العيون» بسنده إلى الرضا عليه‌السلام (٥).

وقال علي عليه‌السلام ـ في قوله تعالى (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ) (٦) ـ : «من ترضون دينه وأمانته وصلاحه وعفّته وتحصيله وتمييزه ، فما كلّ صالح مميّزا [ولا محصّلا] ، ولا كلّ محصل مميّز» (٧).

إلى غير ذلك من الأخبار الدالّة على اشتراط عدالة الشاهد وعدم كفاية مجرّد إسلامه.

وفي «هداية الامّة» لشيخنا الحرّ رحمه‌الله : وروي أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا تخاصم

__________________

(١) الكافي : ٧ / ٣٨٦ الحديث ٨ ، تهذيب الأحكام : ٦ / ٢٧٢ الحديث ٧٤٠ ، الاستبصار : ٣ / ٣٢ الحديث ١٠٨ ، وسائل الشيعة : ٢٧ / ٢٦٤ الحديث ٣٣٧٣٢.

(٢) وسائل الشيعة : ٢٧ / ٢٦٤ الباب ١٤ من أبواب كيفيّة الحكم.

(٣) أمالي الصدوق : ٢٧٨ الحديث ٢٣ ، وسائل الشيعة : ٢٧ / ٣٩٥ الحديث ٣٤٠٤٣ ، وفيهما عن الصادق عليه‌السلام.

(٤) الكافي : ٢ / ٢٣٩ الحديث ٢٨ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣١٥ الحديث ١٠٧٧٢.

(٥) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ٢ / ٣٣ الحديث ٣٤ ، وسائل الشيعة : ٢٧ / ٣٩٦ الحديث ٣٤٠٤٦.

(٦) البقرة (٢) : ٢٨٢.

(٧) وسائل الشيعة : ٢٧ / ٣٩٩ الحديث ٣٤٠٥٤ مع اختلاف يسير.

٤٣٧

إليه رجلان. إلى أن قال : وإذا جاء بشهود لا يعرفهم بخير ولا شرّ ، بعث رجلين من أخيار أصحابه يسأل كلّ منهما من حيث لا يشعر الآخر عن حال الشهود في قبائلهم ومحلّاتهم ، فإذا أثنوا عليه قضى حينئذ على المدّعى عليه ، وإن رجعا بخبر سيّئ وثناء قبيح لم يفضحهم ، ولكن يدعو الخصمين إلى الصلح ، وإن [لا] يعرف لهم قبيلة سأل عنهما الخصم ، فإن قال : ما علمت منهما إلّا خيرا ، أنفذ شهادتهما (١).

هذا كلّه ؛ مضافا إلى الآيات الدالّة على اعتبار العدالة في الشاهد (٢) ، أو كونه ممّن يرضى بشهادته على النهج الذي عرفت ، مضافا إلى الأخبار الكثيرة الواردة في عدالة إمام الجماعة (٣) ، وقد ذكرنا كثيرا منها.

وممّا ذكرنا ظهر ما في كلام الشيخ ـ على ما نقل عنه : أنّه ادّعى الإجماع في «الخلاف» على كفاية مجرّد الإسلام ، بأنّ الصحابة والتابعين ما كانوا يبحثون عن حال الشهود ، وأنّ البحث استحدثه شريك بن عبد الله من قضاة العامّة (٤) ، إذ عرفت أنّ كفاية مجرّد الإسلام غير معلوم أنّه مذهب أحد سوى ابن الجنيد (٥).

ولهذا هو رحمه‌الله أيضا في باقي كتبه اختار عدالة رواية (٦) ابن أبي يعفور (٧) وحسن الظاهر (٨).

مع أنّ الفقهاء منعوا ما ذكره من عدم بحث الصحابة والتابعين ، بل ادّعوا

__________________

(١) لم نعثر عليه ، لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٧ / ٢٣٩ الحديث ٣٣٦٧٨.

(٢) البقرة (٢) : ٢٨٢ ، المائدة (٥) : ١٠٦ ، الطلاق (٦٥) : ٢.

(٣) وسائل الشيعة : ٨ / ٣٠٩ الباب ١٠ ، ٣١٣ الباب ١١ من أبواب صلاة الجماعة.

(٤) الخلاف : ٦ / ٢١٧ و ٢١٨ المسألة ١٠.

(٥) نقل عنه في الحدائق الناضرة : ١٠ / ١٨.

(٦) يعني : العدالة المذكورة في رواية ابن أبي يعفور.

(٧) من لا يحضره الفقيه : ٣ / ٢٤ الحديث ٦٥ ، وسائل الشيعة ٢٧ / ٣٩١ الحديث ٣٤٠٣٢.

(٨) المبسوط : ٨ / ٢١٧ ، النهاية للشيخ الطوسي : ٣٢٥.

٤٣٨

الإجماع على وجوب الفحص بعد قدح المنكر (١) ، فتأمّل!

مع أنّ الإسلام الذي كان الصحابة والتابعين يعتبرونه لا ينفعنا جزما ، لاشتراط الإيمان قطعا عند الشيخ (٢) وعند غيره من فقهائنا (٣) ، سوى ما قوّاه الشهيد الثاني في خصوص الطلاق (٤) من توهّمه ذلك من حسنة ابن المغيرة المذكورة.

ولا شبهة على أحد من أهل الفطنة والتأمّل في أنّه رحمه‌الله توهّم ، حيث فهم كفاية الإسلام بالمعنى الأعم ـ مع صلاح وخيريّة في مذهبه ـ من تلك الحسنة هذا.

ومن جميع ما ذكرناه علم مستند من قال بحسن الظاهر.

وأمّا من قال بالملكة ؛ فمستنده بحسب الظاهر أنّ العدالة ـ بحسب اللغة ـ هي الاستقامة وعدم الميل إلى جانب أصلا ، فإنّ الفسق ميل عن الحقّ والطريق المستقيم (٥).

وموضوعات الألفاظ يرجع فيها إلى اللغة والعرف ، فلا بدّ أن يكون في الواقع استقامة ، لأنّ الألفاظ أسام للمعاني الواقعيّة ، لا أنّه يثبت شرعا أو يظهر عرفا ، لأنّ ذلك خارج عن معنى اللفظ جزما ، فحيث صارت العدالة شرطا ، فلا بدّ من ثبوتها والعلم بها ، لأنّ الشكّ في الشرط يقتضي الشكّ في المشروط ، فمقتضى ذلك العلم بعدم الميل بحسب نفس الأمر.

__________________

(١) الخلاف : ٦ / ٢١٧ و ٢١٨ المسألة ١٠ ، مجمع الفائدة والبرهان : ١٢ / ٥٨.

(٢) المبسوط : ٨ / ١٨٧.

(٣) شرائع الإسلام : ٤ / ١٢٦ ، منتهى المطلب : ٥ / ٣٨٢ ، قواعد الأحكام : ١ / ٣٦ ، مجمع الفائدة والبرهان : ٢ / ٣٥٠ ، مدارك الأحكام : ٤ / ٦٥.

(٤) مسالك الأفهام : ٩ / ١١٥.

(٥) لسان العرب : ١٠ / ٣٠٨.

٤٣٩

ولا يحصل ذلك إلّا بالمعاشرة الباطنيّة ، بحيث يحصل من ملاحظة حاله الوثوق والاطمينان بأنّه في الباطن ما يميل ، ولا يحصل ذلك إلّا بوجدان الملكة والهيئة الراسخة.

وكذا الحال في لفظ الفاسق ، فإنّ الإجماع (١) والآية (٢) ، والأخبار المتواترة (٣) تدلّ على عدم قبول شهادة الفاسق ، وعدم جواز إمامته.

والفسق اسم للخروج عن الطاعة بحسب نفس الأمر ، كالزنا واللواط والقتل ، فإنّها أسام للأفعال بحسب نفس الأمر ، فلا بدّ من عدمه بحسب نفس الأمر والوثوق به كذلك على قياس ما قلناه في العدالة ، ولا يوجد الوثوق إلّا بالهيئة الراسخة ، كما ترى.

ونجزم أنّ كثيرا من الناس لهم حالة لا يقتلون النفس المحترمة عمدا ، ولا يزنون بذات البعل ولا بغيرها أيضا ، ولا يرقصون ، ولا يشربون الخمر ، ولا يلوطون بالغلام ، ولا يجامعون الحيوان ، ولا يزنون بالامّ والاخت والبنت.

وكذا الحال في الواجبات بأنّهم لا يتركون الصلاة ، والصيام ، وردّ السلام ، وأمثال ذلك عمدا.

وبالجملة ؛ كلّ الناس لهم ملكة في ترك بعض المعاصي جزما ، مثل عدم الزنا بالبنت والامّ وأمثال ذلك.

وكثيرا منهم لهم ملكة في كثير ، على تفاوت مراتبهم في الصلاح والسداد والعفّة ، والخوف من الله تعالى ، وشرّ يوم القيامة ، بل بعض الناس لهم ملكة

__________________

(١) لاحظ! مسالك الأفهام : ١٤ / ١٦٩.

(٢) الحجرات (٤٩) : ٦.

(٣) وسائل الشيعة : ٨ / ٣١٣ الباب ١١ من أبواب صلاة الجماعة ، ٢٧ / ٣٧٣ الباب ٣٠ من أبواب الشهادات.

٤٤٠