مرآة العقول - ج ٢٥

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول - ج ٢٥

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


المحقق: السيد جعفر الحسيني
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٢

مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ » (١) في مناقب لو ذكرتها لعظم بها الارتفاع فطال لها الاستماع ولئن تقمصها دوني الأشقيان ونازعاني فيما ليس لهما بحق وركباها ضلالة واعتقداها جهالة فلبئس ما عليه وردا ولبئس ما لأنفسهما مهدا يتلاعنان في دورهما ويتبرأ كل واحد منهما من صاحبه يقول لقرينه إذا التقيا « يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ

______________________________________________________

أن المولى الذي أثبت لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو بالمعنى الذي أثبته الله لنفسه ، في قوله « مَوْلاهُمُ الْحَقِّ » أي السيد المطاع ، والأولى بالنفس والمال. والثاني : أن يكون المراد إنزال الآية اللاحقة بأن يكون مولاهم مبتدأ ، والحق خبره ، ويكون المراد بالمولى أمير المؤمنين عليه‌السلام كما ورد به بعض الأخبار في تفسيرها ، ويكون في قراءة أهل البيت عليهم‌السلام الحق بالرفع ، ويمكن توجيهه على القراءة المشهورة التي هي بالجر أيضا بهذا المعنى ، بأن يكون مولاهم بدل اشتمال للجلالة ، والرد إليه تعالى يكون على المجاز ، والمعنى الرد إلى حججه للحساب ، وقد شاع أن الملوك ينسبون إلى أنفسهم ما يرتكبه خدمهم كما ورد في تفسير قوله تعالى : « إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ » (٢) أنهم عليهم‌السلام قالوا : إلينا إياب الخلق ، وعلينا حسابهم ، والحق خلاف الباطل ، والثابت الباقي ، وقيل : هو بمعنى المحق.

قوله عليه‌السلام : « في مناقب » متعلق بأول الكلام أي قائلا في محفلة هذا في جملة مناقب ، ويمكن أن يقرأ « في » بالتشديد ومناقب بالضم بأن يكون مبتدأ والظرف خبره.

قوله عليه‌السلام : « ولئن تقمصها » يقال : تقمص القميص أي لبسه ، والضمير راجع إلى الخلافة أي لبسوها كالقميص.

قوله عليه‌السلام : « واعتقداها » أي حفظاها وشداها على أنفسهما أو اعتقدا وظنا أنها لهما ، قال الجوهري (٣) : اعتقد ضيعة ومالا أي اقتناهما واعتقد كذا بقلبه.

قوله عليه‌السلام : « يتلاعنان في دورهما » أي في نار البرزخ ونار الخلد أقول

__________________

(١) الأنعام : ٦٢.

(٢) الغاشية : ٢٥.

(٣) الصحاح : ج ١ ص ٥٠٧.

٦١

الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ » فيجيبه الأشقى على رثوثة يا ليتني لم أتخذك خليلا لقد أضللتني « عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً » فأنا الذكر الذي عنه ضل والسبيل الذي عنه مال والإيمان الذي به كفر والقرآن الذي إياه هجر والدين الذي به كذب والصراط الذي عنه نكب ولئن رتعا في الحطام المنصرم والغرور المنقطع وكانا منه « عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ » لهما على شر ورود في أخيب وفود وألعن مورود يتصارخان باللعنة ويتناعقان بالحسرة ما لهما من راحة ولا عن عذابهما

______________________________________________________

ظاهر هذه الفقرات أن هذه الخطبة كانت بعد انقضاء دولتهما ووصولهما إلى عذاب الله وهو ينافي ما مر في أول الخبر أنها كانت بعد سبعة أيام من وفاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيحمل على أنها إخبار عما يكون من حالهما بعد ذهابهما إلى عذاب الله « يقول لقرينة » أي أبو بكر لعمر ، والأشقى هو عمر ، والرثوثة : البذاذة وسوء الحال ، وقد ورد في الأخبار (١) أن المراد « بغلان » في الآية أبو بكر ، والذكر هو ولاية علي عليه‌السلام.

قوله عليه‌السلام : « والحطام » الحطام المتسكر من الخشب ، والحشيش والنبات ويشبه به الدنيا ، لعدم ثباتها وكونها مشوبة بما يكدرها.

قوله عليه‌السلام : « لهما » في موضع جزاء الشرط ، واللام لجواب القسم المقدس قوله عليه‌السلام : « في أخيب وفود » الوفود : الورود ، وجمع الوافد ، والمراد هنا الثاني ، قوله عليه‌السلام : « وألعن مورود » والظاهر أن « ألعن » هنا مشتق من المبني للمفعول على خلاف القياس كأعذر وأشهر وأعرف : أي يدخلون في قوم مورود عليهم هم أكثر الناس استحقاقا للعن ، ويحتمل أن يكون مشتقا من المبني للفاعل أي القوم الذين هم يردون عليهم يلعنونهم أشد اللعن.

قوله عليه‌السلام : « ويتناعقان » النعيق : صوت الغراب ، والصوت الذي يزجر به الغنم وقد شاع في عرف العرب والعجم تشبيه الصوت الذي يصدر عند غاية الشدة بصوت البهائم.

__________________

(١) البرهان في تفسير القرآن : ج ٣ ص ١٦٢ ـ ١٦٥. الأحاديث ٤ و ٥ و ٩ و ١٠.

٦٢

من مندوحة إن القوم لم يزالوا عباد أصنام وسدنة أوثان يقيمون لها المناسك وينصبون لها العتائر ويتخذون لها القربان ويجعلون لها البحيرة والوصيلة والسائبة

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « من مندوحة » المندوحة السعة.

قوله عليه‌السلام : « وسدنة أوثان » قال الجوهري (١) : السادن : خادم الكعبة وبيت الأصنام ، والجمع السدنة.

قوله عليه‌السلام : « يقيمون لها المناسك » أي الذبائح والقرابين ويحتمل مناسك الحج وسائر العبادات أيضا.

قوله عليه‌السلام : « وينصبون لها العتائر » قال في النهاية (٢) : وفيه على كل مسلم أضحاة وعتيرة كان الرجل من العرب ينذر النذر ، يقول إذا كان كذا وكذا ، أو بلغ شاءه كذا ، فعليه أن يذبح من كل عشرة منها في رجب كذا ، وكانوا يسمونها العتائر ، وقد عتر يعتر عترا إذا ذبح العتيرة ، وهكذا كان في صدر الإسلام وأوله ثم نسخ ، وقد تكرر ذكرها في الحديث ، قال الخطابي : العتيرة تفسيرها في الحديث أنها شاة تذبح في رجب ، وهذا هو الذي يشبه معنى الحديث ، ويليق بحكم الدين وأما العتيرة التي كانت تعترها الجاهلية فهي الذبيحة التي كانت تذبح للأصنام فيصب دمها على رأسها.

قوله عليه‌السلام : « ويجعلون لها البحيرة » قال الشيخ الطبرسي (٣) « ره » : البحيرة الناقة إذا نتجت خمسة أبطن ، فإن كان آخرها ذكرا بحروا أذنها أي شقوها ، وحرموا ركوبها ، ولا تطرد عن ماء ولا مرعى ، ولو لقيها المعيي لم يركبها ، والسائبة ما كانوا يسيبونه كان الرجل يقول إذا قدمت من سفري أو برئت من مرضي فناقتي سائبة ، فكانت كالبحيرة في تحريم الانتفاع بها ، وكان الرجل إذا أعتق عبدا قال : هو سائبة ولا عقل بينهما ولا ميراث ، وكانوا يسيبونهما لطواغيتهم ، ولسدنة الأصنام والوصيلة في الغنم كانت الشاة إذا ولدت أنثى ، فهي لهم وإذا ولدت ذكرا ذبحوه لآلهتهم ، فإن ولدت ذكرا وأنثى قالوا وصلت أخاها فلم يذبحوا الذكر لآلهتهم. والحامي : هو

__________________

(١) الصحاح : ج ٥ ص ٢١٣٥.

(٢) النهاية : ج ٣ ص ١٧٨.

(٣) مجمع البيان ج ٣ ص ٢٥٢ باختلاف وتلخيص. « المائدة : ١٠٣ ».

٦٣

والحام ويستقسمون بالأزلام عامهين عن الله عز ذكره حائرين عن الرشاد مهطعين إلى البعاد وقد « اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ » وغمرتهم سوداء الجاهلية ورضعوها جهالة و

______________________________________________________

الفحل إذا أنتجت من صلبه عشرة أبطن ، قالوا : قد حمي ظهره فلا يركب ولا يحمل عليه ، ولا يمنع من ماء ولا مرعى انتهى ، وقد ذكر المفسرون واللغويون لكل منها معاني أخرى لا طائل في ذكرها.

قوله عليه‌السلام : « ويستقسمون بالأزلام » قال الشيخ الطبرسي (١) « ره » : هي قداح كانت لهم مكتوب على بعضها أمرني ربي وعلى بعضها نهاني ربي ، وعلى بعضها غفل ، فمعنى الاستقسام بالأزلام طلب معرفة ما يقسم له بالأزلام مما لم يقسم له بالأزلام ، وقيل : هو الميسر وقسمتهم الجزور على القداح العشرة فالقذ له سهم والتوأم له سهمان ، والمسبل له ثلاثة أسهم والنافس له أربعة أسهم ، والحلس له خمسة أسهم ، والرقيب له ستة أسهم ، والمعلى له سبعة أسهم والسفيح والمنيح والوعد لا أنصباء لها وكانوا يدفعون القداح إلى رجل يقسمها ، وكان ثمن الجزور على من لم يخرج هذه الثلاثة التي لا أنصباء لها ، وهو القمار الذي حرمه الله تعالى ، وقيل هو الشطرنج والنرد.

قوله عليه‌السلام : « عامهين عن الله » قال الجزري (٢) : العمة في البصيرة كالعمى في البصر.

قوله عليه‌السلام : « مهطعين إلى العباد » يقال : أقطع في عدوه أي أسرع أي سرعين إلى ما يبعدهم عن الله ، وعن الحق والرشاد.

قوله عليه‌السلام : « قد استحوذ » قال الجوهري : استحوذ عليه الشيطان أي غلب وهذا جاء بالواو على أصله كما جاء استروح واستصوب ، وقال أبو زيد : هذا الباب كله يجوز أن يتكلم به على الأصل تقول العرب استصاب واستصوب ، واستجاب واستجوب ، وهو قياس مطرد عندهم (٣).

قوله عليه‌السلام : « وغمرتهم سوداء الجاهلية » لعلمه (٤) من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف أي الجاهلية السوداء ، ويشبه الجهل والكفر والضلال بالسواد ، ويحتمل أن يكون

__________________

(١) مجمع البيان ج ٣ ص ١٥٨ باختلاف يسير وتلخيص « المائدة : ٣ ».

(٢) النهاية : ج ٣ ص ٣٠٤. (٣) الصحاح ج ٢ ص ٥٦٣.

(٤) في النسخة المخطوطة « لعله ».

٦٤

انفطموها ضلالة فأخرجنا الله إليهم رحمة وأطلعنا عليهم رأفة وأسفر بنا عن الحجب نورا لمن اقتبسه وفضلا لمن اتبعه وتأييدا لمن صدقه فتبوءوا العز بعد الذلة والكثرة بعد القلة وهابتهم القلوب والأبصار وأذعنت لهم الجبابرة وطوائفها وصاروا أهل نعمة مذكورة وكرامة ميسورة وأمن بعد خوف وجمع بعد كوف وأضاءت بنا مفاخر

______________________________________________________

السوداء كناية عن البدع المظلمة أو الملل الباطلة المضلة مضافة إلى الجاهلية.

قوله عليه‌السلام : « ورضعوها جهالة وانفطموها ضلالة » أي كانوا في صغرهم وكبرهم في الجهالة والضلالة أو أنها تمكنت الضلالة والجهالة فيهم كأنهما كانتا غذاء هم الذي اشتد عليهم عظمهم ، ونبت عليه لحمهم أو أنهم جاهلون في كل أمر شرعوا فيه ضالون عند إقلاعهم عنه ، أي مبنى كل أمورهم على الجهل والضلال ، وفي بعض النسخ وانتظموها ضلالة ، فالضمير راجع إلى الجهالة أي انتظموا مع الجهالة في سلك ، أو الضمير مبهم يفسره قوله ضلالة ، أي صاروا ضلالة ولعله تصحيف.

قوله عليه‌السلام : « وأسفر بنا عن الحجب » إلى آخره. أي ظهر بسببنا كاشفا عن حجب الغيب التي أحاطت بنا فقوله : نورا مفعول للأسفار ، والمراد أنه أظهر بكل منا نورا ، والمراد بالنور ذواتهم عليهم‌السلام على سبيل التجريد من قبيل لقيت بزيد أسدا أو علومهم وبركاتهم وآثارهم ، ويحتمل أن يكون المراد بالنور الرسول ، صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعلى الأخير يحتمل أن يكون الباء للمعية ، ويحتمل أن يكون الباء للتعدية إذ الغالب أن الأسفار يستعمل لازما بمعنى الإضاءة فقوله نورا ، حال وإنما أفرد للإشعار بأنهم نور واحد تنزيلا للجميع منزلة شخص واحد.

قوله عليه‌السلام : « فتبوءوا العز بعد الذلة » أي اسكنوا واستقروا في العز.

قوله عليه‌السلام : « أهل نعمة مذكورة » أي يذكرها الناس على وجه التعظيم.

قوله عليه‌السلام : « وكرامة ميسورة » أي حصلت بهم بالسير قوله : « بعد كوف » أي تفرق وتقطع قال الفيروزآبادي (١) : كوفت الأديم : قطعته.

__________________

(١) القاموس المحيط : ج ٣ ص ١٩٣ « ط مصر ».

٦٥

معد بن عدنان وأولجناهم باب الهدى وأدخلناهم دار السلام وأشملناهم ثوب الإيمان وفلجوا بنا في العالمين وأبدت لهم أيام الرسول آثار الصالحين من حام مجاهد ومصل قانت ومعتكف زاهد يظهرون الأمانة ويأتون المثابة حتى إذا دعا الله عز وجل نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله ورفعه إليه لم يك ذلك بعده إلا كلمحة من خفقة أو وميض من برقة إلى أن رجعوا على الأعقاب وانتكصوا على الأدبار وطلبوا بالأوتار وأظهروا الكتائب وردموا الباب وفلوا

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « معد بن عدنان » هو أبو العرب أي ظهر بنا فخر العرب وعزهم عليه‌السلام.

قوله عليه‌السلام : « وأولجناهم » أي أدخلناهم قوله : « دار السلام » أي الجنة لسلامة من من يدخلها عن الآفات أو بيت السلامة والأمن في الدنيا.

قوله عليه‌السلام : « وأشملناهم » أي ألبسناهم وأعطيناهم.

قوله عليه‌السلام : « وفلجوا » الفلج الظفر والفوز.

قوله عليه‌السلام : « من حام » أي من يحمى الدين بالجهاد.

قوله عليه‌السلام : « ويأتون المثابة » أي الكعبة لقوله تعالى : « وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ » (١) أي مرجعا لهم أو محلا لتحصيل الثواب.

قوله عليه‌السلام : « إلا كلحة من خفقة » اللمح سرعة الإبصار والخفقة النفسة والاضطراب ، ويقال : خفق السراب أي اضطرب ولمع ، والحاصل المبالغة في سرعة ارتدادهم عن الدين بعد فوت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووميض البرق لمعانه.

قوله عليه‌السلام : « وانتكصوا » أي رجعوا قهقرى.

قوله عليه‌السلام : « وطلبوا بالأوتار » الأوتار جمع وتر بالكسر ، وهي الجناية أي طلبوا دعاء من قتل من الكفار بسيف أمير المؤمنين وسائر المؤمنين وطلبوا تدارك ما وصل من الرسول إلى عشائرهم في أهل بيته.

قوله عليه‌السلام : « وأظهروا الكتائب » هي جمع كتيبة بمعنى الجيش أي رتبوا الجيوش لغزاء أهل بيت الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن خالفوهم.

قوله عليه‌السلام : « وردموا الباب » والردم السد سدوا باب بيت الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) البقرة : ١٢٥.

٦٦

الديار وغيروا آثار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ورغبوا عن أحكامه وبعدوا من أنواره واستبدلوا بمستخلفه بديلا « اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ » وزعموا أن من اختاروا من آل أبي قحافة أولى بمقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ممن اختار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لمقامه وأن مهاجر آل أبي قحافة خير من المهاجري الأنصاري الرباني ناموس هاشم بن عبد مناف ألا وإن أول شهادة زور وقعت في

______________________________________________________

كناية عن منع إتيان الناس إلى باب بيته ورجوعهم إلى أهل بيته.

قوله عليه‌السلام : « وفلوا » بالفاء واللام المشددة أي كسروا إشارة إلى ما فعله قنفذ بأمر عمر أو كناية عن السعي في تزلزل بنيانهم ، وبذل الجهد في خذلانهم وفي بعض النسخ بالقاف أي أبغضوا داره وأظهروا عداوة صاحب البيت.

قوله عليه‌السلام : « وبعدوا » من أنواره أي علومه وأحكامه أو الأئمة المنشعبين عن نوره.

قوله عليه‌السلام : « من المهاجري الأنصاري » أي المنسوب إلى طائفة المهاجرين الداخل في الأنصار ، لنصرة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معهم ، وفي بعض النسخ من مهاجر الأنصاري فيكون بفتح الجيم مصدرا في الموضعين وهو أظهر.

قوله عليه‌السلام : « ناموس هاشم » أي صاحب أسرار الله وأسرار الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بني هاشم ، قال الفيروزآبادي (١) : الناموس : صاحب السر المطلع على باطن أمرك ، أو صاحب سر الخير ، وجبرئيل عليه‌السلام والحاذق ومن يلطف مدخله ، وقال الجزري (٢) : في حديث المبعث « أنه ليأتيه الناموس الأكبر » الناموس : صاحب سر الملك ، وقيل الناموس : صاحب سر الخير ، والجاسوس صاحب سر الشر ، وأراد به جبرئيل ، لأن الله تعالى خصه بالوحي والغيب اللذين لا يطلع عليهما غيره.

قوله عليه‌السلام : « ألا وإن أول شهادة زور » إلخ ، لم أر دعواهم النص على أبي بكر في غير هذا الخبر ، وهو غريب.

قوله عليه‌السلام : « عن قليل يجدون غب ما يعملون (٣) » عن : هنا بمعنى بعد كما صرح به الفيروزآبادي ، والغب بالكسر : عاقبة الشيء.

__________________

(١) القاموس المحيط : ج ٢ ص ٢٥٦. (٢) النهاية : ج ٥ ص ١١٩.

(٣) في بعض النسخ المتن : « وعن قليل يجدون غبّ ما يعملون ، وسيجد التالون غبّ ما أسّسه الأوّلون ».

٦٧

الإسلام شهادتهم أن صاحبهم مستخلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلما كان من أمر سعد بن عبادة ما كان رجعوا عن ذلك وقالوا إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مضى ولم يستخلف فكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الطيب المبارك أول مشهود عليه بالزور في الإسلام وعن قليل يجدون غب ماعلمون وسيجدون التالون غب ما أسسه الأولون ولئن كانوا في مندوحة من المهل وشفاء من الأجل وسعة من المنقلب واستدراج من الغرور وسكون من الحال وإدراك من الأمل فقد أمهل الله عز وجل شداد بن عاد وثمود بن عبود وبلعم بن باعور وأسبغ عليهم « نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً » وأمدهم بالأموال والأعمار وأتتهم الأرض ببركاتها ليذكروا آلاء الله وليعرفوا الإهابة له والإنابة إليه ولينتهوا عن الاستكبار فلما بلغوا المدة واستتموا الأكلة أخذهم الله عز وجل واصطلمهم فمنهم من حصب « وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ » ومنهم من أحرقته الظلة ومنهم من أودته الرجفة ومنهم من أردته الخسفة « فَما كانَ

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « ولئن كانوا في مندوحة من المهل » أي سعة من المهلة.

قوله عليه‌السلام : « وشفاء » أي قليل قوله عليه‌السلام « : وسعة من المنقلب » أي الانقلاب والرجوع إلى الله بالموت.

قوله عليه‌السلام : « وثمود بن عبود » عبود كتنور وثمود اسم قوم صالح النبي عليه‌السلام.

قوله عليه‌السلام : « وليعترفوا الإهابة له » الإهابة لعلها ، بمعنى الهيبة والمخافة وما وجدته فيما عندي من كتب اللغة.

قوله عليه‌السلام : « فلما بلغوا المدة » أي آخرها.

قوله عليه‌السلام : « واستتموا الأكلة » أي الرزق المقدر لهم.

قوله عليه‌السلام : « فمنهم من حصب » على البناء للمفعول من المجرد أي رمي بالحصباء ، وهي الحصى من السماء. والظلة : السحاب ، وفي بعض النسخ الظلمة قوله عليه‌السلام : « ومنهم من أودته الرجفة » أي أهلكته الزلزلة.

قوله عليه‌السلام : « ومنهم من أردته الخسفة » أي أهلكته الخسف والسوخ في الأرض كقارون.

٦٨

اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ » (١) ألا وإن لكل أجل كتابا فإذا بلغ الكتاب أجله لو كشف لك عما هوى إليه الظالمون وآل إليه الأخسرون لهربت إلى الله عز وجل مما هم عليه مقيمون وإليه صائرون ألا وإني فيكم أيها الناس كهارون في آل فرعون وكباب حطة في بني إسرائيل وكسفينة نوح في قوم نوح إني النبأ العظيم والصديق الأكبر وعن قليل ستعلمون ما توعدون وهل هي إلا كلعقة الآكل ومذقة الشارب وخفقة الوسنان ثم تلزمهم المعرات خزيا في الدنيا « وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ » فما جزاء من تنكب محجته وأنكر حجته وخالف هداته وحاد عن نوره واقتحم في ظلمه واستبدل بالماء السراب وبالنعيم العذاب وبالفوز الشقاء

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ » أي مكتوب كتب فيه ذلك الأجل فإذا بلغ الكتاب أجله يحتمل أن يكون بدلا من الكتاب ، أي إذا بلغ أجل الكتاب ، وأن يكون كتاب مفعولا ، أي إذا بلغ الأجل والعمر الحد الذي كتب في الكتاب ، ويحتمل أن يكون المراد بالكتاب الكتاب الذي فيه جميع تقديرات الشخص ، فإذا تحقق جميع ما قدر عليه وبلغ الأجل الذي هو آخر التقادير.

قوله عليه‌السلام : « فلو كشف لك عما هوى » أي نزل إليه الظالمون بعد انقضاء آجالهم وموتهم.

قوله عليه‌السلام : « وهل هي » أي دنياهم وما يتمتعون فيها في سرعة انقضائها وقلة تمتعهم بها إلا كلعقة لعقها آكل بإصبعه مرة أو كشربة شربها جرعة ، أو كنعسة نعسها والوسنان أي النائم الذي لم يستغرق في النوم ، والمعرة : الإثم والأذى والغرم والدية والجناية ، وتلزمهم على باب الأفعال « والمعرات » فاعله ، وخزيا أو جزاء على اختلاف النسخ مفعوله ، ويحتمل أن يكون على بناء المجرد ، ويكون جزاء مفعولا لأجله.

قوله عليه‌السلام : « من تنكب محجته » أي عدله عن طريقه الواضح.

قوله عليه‌السلام : « وحاد » أي مال.

__________________

(١) سورة العنكبوت : ٤٠.

٦٩

وبالسراء الضراء وبالسعة الضنك إلا جزاء اقترافه وسوء خلافه فليوقنوا بالوعد على حقيقته وليستيقنوا بما يوعدون يوم تأتي « الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً » إلى آخر السورة (١)

( خطبة الطالوتية )

٥ ـ محمد بن علي بن معمر ، عن محمد بن علي قال حدثنا عبد الله بن أيوب الأشعري ، عن عمرو الأوزاعي ، عن عمرو بن شمر ، عن سلمة بن كهيل ، عن أبي الهيثم بن التيهان أن أمير المؤمنين عليه‌السلام خطب الناس بالمدينة فقال الحمد لله الذي لا إله إلا هو كان حيا بلا

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « واقتحم » الاقتحام الدخول في الأرض من غير روية.

قوله عليه‌السلام : « إلا جزاء » استثناء من النفي المفهوم من قوله : « فما جزاء ».

خطبة الطالوتية

الحديث الخامس : ضعيف. على مصطلح القوم لكن بلاغة الكلام ، وغرابة الأسلوب والنظام تأبى عن صدوره عن غير الإمام عليه‌السلام ، وإنما سميت بالطالوتية لذكره فيها.

قوله عليه‌السلام : « كان حيا بلا كيف » أي بلا الحياة زائدة يتكيف بها ، ولا كيفية من الكيفيات التي تتبع الحياة في المخلوقين ، بل حياته علمه وقدرته وهما غير زائدتين على ذاته.

قوله عليه‌السلام : « ولم يكن له كان » الظاهر أن « كان » اسم « لم يكن » لأنه لما قال عليه‌السلام « كان » أو هم العبارة زمانا ، فنفى عليه‌السلام ذلك ، بأنه كان بلا زمان ، أو لأن الكون يتبادر منه الحدوث عرفا ، ويخترع الوهم للكون مبدأ نفي عليه‌السلام ذلك بأن وجوده تعالى أزلي لا يمكن أن يقال حدث في ذلك الزمان ، فالمراد بكان على التقديرين ما يفهم ويتبادر أو يتوهم منه.

__________________

(١) سورة ق : ٤٢. وفيها « يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ».

٧٠

كيف ولم يكن له كان ولا كان لكانه كيف ولا كان له أين ولا كان في شيء ولا كان على شيء ولا ابتدع لكانه مكانا ولا قوي بعد ما كون شيئا ولا كان ضعيفا قبل أن يكون شيئا ولا كان مستوحشا قبل أن يبتدع شيئا ولا يشبه شيئا ولا كان خلوا عن الملك قبل إنشائه ولا يكون خلوا منه بعد ذهابه كان إلها حيا بلا حياة ومالكا قبل أن

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « ولا كان لكانه » يحتمل أن يكون المراد لكونه ، ويكون القلب على لغة أبي الحرث بن كعب حيث جوز قلب الواو والياء الساكنتين أيضا مع انفتاح ما قبلهما ألفا أي ليس له وجود زائد يتكيف به الذات أو ليس وجوده كوجود الممكنات مقرونا بالكيفيات ، ويؤيده ما رواه في كتاب (١) التوحيد في خبر شبيه بصدر هذه الخطبة عن أبي جعفر عليه‌السلام : « كان لم يزل حيا بلا كيف ، ولم يكن له كان ، ولا كان لكونه كون كيف ولا كان له أين ، ولا كان في شيء ولا كان على شيء ولا ابتدع لكونه [ لكانه ] مكانا إلى آخر الخبر. ويحتمل أن يكون من الأفعال الناقصة ، والمعنى أنه ليس بزماني أو ليس وجوده مقرونا بالكيفيات المتغيرة الزائدة. وإدخال اللام والإضافة بتأويل الجملة مفردا ، أي هذا اللفظ كقولك لزيد قائم معنى.

قوله عليه‌السلام : « ولا كان له أين » أي مكان ، ولا كان في شيء لا كون الجزئي في الكلي ، ولا كون الجزء في الكل ، ولا كون الحال في المحل ولا كون المتمكن في المكان.

قوله عليه‌السلام : « ولا كان على شيء » هو نفي المكان العرفي كالسرير ، كما أن الأول كان لنفي المكان الذي هو مصطلح المتكلمين والحكماء.

قوله عليه‌السلام : « ولا ابتدع لكانه مكانا » يجري فيه ما ذكرنا من الوجهين وفيما نقلنا من الخبر سابقا « لمكانة » أي ليكون مكانا له أو لمنزلته أو لمكانة بالتنوين.

قوله عليه‌السلام : « ولا كان خلوا عن الملك قبل إنشائه » الملك بالضم والكسر يكون بمعنى السلطنة والمالكية والعظمة ، وبمعنى ما يملك ، والضم في الأول أشهر فيحتمل أن يكون المراد عند ذكره وعند إرجاع الضمير إليه معا هو الأول ، أي كان سلطانا

__________________

(١) التوحيد للصدوق « ره » : ص ١١٤.

٧١

ينشئ شيئا ومالكا بعد إنشائه للكون وليس يكون لله كيف ولا أين ولا حد يعرف ولا شيء يشبهه ولا يهرم لطول بقائه ولا يضعف لذعرة ولا يخاف كما تخاف خليقته من شيء ولكن سميع بغير سمع وبصير بغير بصر وقوي بغير قوة من خلقه لا تدركه حدق الناظرين ولا يحيط بسمعه سمع السامعين إذا أراد شيئا كان بلا مشورة ولا

______________________________________________________

عظيما قبل خلق السلاطين وسلطنتهم وعظمتهم ، ويحتمل أن يكون المراد عند ذكره المعنى الأول ، وعند إرجاع الضمير إليه المعنى الثاني على طريقة الاستخدام ، وهو أظهر معنى ، ويحتمل أن يكون الضمير راجعا إلى الله بالإضافة إلى الفاعل أي قبل إنشائه الأشياء ، لكنه لا يناسب الفقرة الثانية كما لا يخفى ، والحاصل على التقادير إن سلطنته تعالى ليس لخلق الأشياء لغناه عنها ، وعدم تقويه بها بل بقدرته على خلقها ، وخلق أضعاف أضعافها ، وهذه القدرة لا تنفك عنه تعالى ، وفيه رد على القائلين بالقدم ، ودلالة هذه الفقرات على الحدوث ظاهرة.

قوله عليه‌السلام : « بلا حياة » أي بذاته.

قوله عليه‌السلام : « ولا حد » أي من الحدود الجسمية يوصف ويعرف بها ، أو من الحدود العقلية المركبة من الجنس والفصل ليعرف به ، إذ كنه الأشياء يعرف بحدودها كما هو المشهور ، ففيه استدلال على عدم إمكان معرفة كنهه تعالى ، والأول أظهر.

قوله عليه‌السلام : « ولا يضعف » وفي بعض النسخ « ولا يصعق » قال الجوهري (١) : صعق الرجل أي غشي عليه ، والذعر بالضم : الخوف ، وبالتحريك : الدهش.

قوله عليه‌السلام : « بغير قوة من خلقه » أي بأن يتقوى بمخلوقاته كما يتقوى المملوك بجيوشهم وحراسهم [ وخزائنهم ] أو بغير قوة زائدة قائمة به ، وهذه القوة تكون مخلوقة له فيكون محتاجا إلى مخلوق ممكن ، وهو ينافي وجوب الوجود.

قوله عليه‌السلام : « حدق الناظرين » قال الجوهري (٢) : حدقة العين : سوادها الأعظم والجمع حدق وحداق.

قوله : « ولا يحيط بسمعه » كأنه مصدر مضاف إلى المفعول ، والمعنى أنه تعالى

__________________

(١) الصحاح ج ٤ ص ١٥٠٦.

(٢) نفس المصدر : ج ٤ ص ١٤٥٦.

٧٢

مظاهرة ولا مخابرة ولا يسأل أحدا عن شيء من خلقه أراده « لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ».

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله « بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ » فبلغ الرسالة وأنهج الدلالة صلى‌الله‌عليه‌وآله.

أيها الأمة التي خدعت فانخدعت وعرفت خديعة من خدعها فأصرت على ما عرفت واتبعت أهواءها وضربت في عشواء غوايتها وقد استبان لها الحق فصدت عنه

______________________________________________________

ليس من المسموعات ، كما أن الفقرة السابقة دلت على أنه ليس من المبصرات ، ويمكن أن يراد أنه لا يحيط سمع جميع السامعين بمسموعاته.

قوله عليه‌السلام : « ولا مظاهرة » أي معاونة ، قوله عليه‌السلام : « ولا مخابرة » المخابرة في اللغة المزارعة على النصف ، ولعل المراد نفي المشاركة أي لم يشاركه أحد في الخلق ، ويحتمل أن يكون مشتقا من الخبر بمعنى العلم أو الاختبار.

قوله عليه‌السلام : « أرسله بالهدي » أي بالحجج والبينات والدلائل والبراهين « وَدِينِ الْحَقِّ » وهو الإسلام وما تضمنه من الشرائع « لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ » والضمير في ليظهره للدين الحق ، أي ليعلى دين الإسلام على جميع الأديان بالحجة والغلبة والقهر لها ، أو للرسول أي يجعله غالبا على جميع أهل الأديان وورد في أخبارنا أنه يكون تمام هذه الوعد عند قيام القائم عليه‌السلام.

قوله عليه‌السلام : « وأنهج الدلالة » أي أوضحها.

قوله عليه‌السلام : « وضربت في عشواء غوائها » وفي بعض النسخ « غوايتها » وهو أصوب ، والضرب في الأرض السير فيها ، والعشواء بالفتح : ممدودا الظلمة ، والناقة التي لا تبصر أمامها فهي تخبط بيديها كل شيء ، ركب فلان العشواء إذا خبط أمره ويقال : أيضا خبط خبط عشواء ، والظاهر أن المراد هنا الظلمة ، أي سارت الأمة في ظلمة غوايتها وضلالتها ، وإن كان بالمعنى الثاني فيحتمل أن يكون في بمعنى على

٧٣

والطريق الواضح فتنكبته أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو اقتبستم العلم من معدنه وشربتم الماء بعذوبته وادخرتم الخير من موضعه وأخذتم الطريق من واضحه وسلكتم من الحق نهجه لنهجت بكم السبل وبدت لكم الأعلام وأضاء لكم الإسلام فأكلتم رغدا وما عال فيكم عائل ولا ظلم منكم مسلم ولا معاهد ولكن سلكتم

______________________________________________________

أي سار راكبا على عشواء غوايتها.

قوله عليه‌السلام : « فصدعت » وفي بعض النسخ « فصدت » والصد : المنع ، ويقال : صدع عنه أي صرفه.

قوله عليه‌السلام : « فلق الحبة » أي شقها. وأخرج منها أنواع النبات « وبرأ النسمة » أي خلق ذوات الأرواح ، والتخصيص بهذين لأنهما عدة المخلوقات المحسوسة المشاهدة ، ويظهر آثار الصنع فيهما أكثر من غيرهما.

قوله عليه‌السلام : « لو اقتبستم العلم من معدنه » يقال اقتبست النار والعلم أي استفدته ، وشربتم الحكم بعذوبته ، شبه العلم والإيمان بالماء لكونهما سببين للحياة المعنوي ، وعذوبته خلوصه عن التحريفات والبدع والجهالات.

قوله : « وسلكتم من الحق نهجه » قال الفيروزآبادي : النهج : الطريق الواضح كالمنهج ، والمنهاج وأنهج وضح وأوضح ونهج كمنع وضح وأوضح ، والطريق سلكه واستنهج الطريق سار نهجا كأنهج (١) ، وفي بعض النسخ « لنهجت بكم السبيل » أي وضحت لكم أو بسببكم أي كنتم هداة للخلق ، وفي بعضها لتنهجت وهو قريب مما سبق ، أي اتضحت وفي بعضها لابتهجت ، والابتهاج : السرور أي كانت سبل الحق راضية عنكم مسرورة بكم ، حيث سلكتموها حق سلوكها.

قوله عليه‌السلام : « وأضاء » يتعدى ولا يتعدى وكلاهما مناسب.

قوله عليه‌السلام : « فأكلتم رغدا » قال الجوهري (٢) : عيشة رغد ورغد أي واسعة طيبة.

قوله عليه‌السلام : « وما عال » يقال : عال يعيل عيلة وعيولا إذا افتقر.

__________________

(١) القاموس المحيط : ج ١ ص ٢١٠.

(٢) الصحاح : ج ٢ ص ٤٧٢.

٧٤

سبيل الظلام فأظلمت عليكم دنياكم برحبها وسدت عليكم أبواب العلم فقلتم بأهوائكم واختلفتم في دينكم فأفتيتم في دين الله بغير علم واتبعتم الغواة فأغوتكم وتركتم الأئمة فتركوكم فأصبحتم تحكمون بأهوائكم إذا ذكر الأمر سألتم أهل الذكر فإذا أفتوكم قلتم هو العلم بعينه فكيف وقد تركتموه ـ ونبذتموه وخالفتموه رويدا عما قليل تحصدون جميع ما زرعتم وتجدون وخيم ما اجترمتم وما اجتلبتم والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لقد علمتم أني صاحبكم والذي به أمرتم وأني عالمكم والذي بعلمه نجاتكم ووصي نبيكم وخيرة ربكم ولسان نوركم والعالم بما يصلحكم فعن قليل رويدا ينزل

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « أو معاهد » بفتح الهاء أي من هو في عهد وأمان كأهل الذمة.

قوله عليه‌السلام : « دنياكم برحبها » دنياكم : فاعل أظلمت ، والرحب : بالضم السعة أي مع سعتها.

قوله عليه‌السلام : « فكيف وقد تركتموه » أي كيف ينفعكم هذا الإقرار والإذعان وقد تركتم متابعة قائله ، أو كيف تقولون هذا مع أنه مخالف لأفعالكم؟ والضمائر إما راجعة إلى الإمام أو إلى علمه ، ورويدا : أي مهلا.

قوله عليه‌السلام : « عما قليل » أي بعد زمان قليل ، وما زائدة ، لتوكيد معنى القلة أو نكرة موصوفة.

قوله عليه‌السلام : « وخيم ما اجترمتم » قال في النهاية (١) : يقال هذا الأمر وخيم العاقبة : أي ثقيل رديء والاجترام : اكتساب الجرم والذنب ، والاجتلاب : جلب الشيء إلى النفس وفي بعض النسخ « اجتنيتم » من اجتناء الثمرة ، أو بمعنى كسب الجرم والجناية ، والأخير أنسب لكنه لم يرد في اللغة.

قوله عليه‌السلام : « صاحبكم » أي أمامكم والذي به أمرتم أي بمتابعته.

قوله عليه‌السلام : « وخيرة » بكسر الخاء وفتح الياء وسكونها أي مختار ربكم من بين سائر الخلق بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

قوله عليه‌السلام : « ولسان نوركم » المراد بالنور إما الرسول ، أو الهداية والعلم أو

__________________

(١) النهاية : ج ٥ ص ١٦٤.

٧٥

بكم ما وعدتم وما نزل بالأمم قبلكم وسيسألكم الله عز وجل عن أئمتكم معهم تحشرون وإلى الله عز وجل غدا تصيرون أما والله لو كان لي عدة أصحاب طالوت أو عدة أهل بدر وهم أعداؤكم لضربتكم بالسيف حتى تئولوا إلى الحق وتنيبوا للصدق فكان أرتق للفتق وآخذ بالرفق اللهم فاحكم بيننا بالحق وأنت خير الحاكمين.

قال ثم خرج من المسجد فمر بصيرة فيها نحو من ثلاثين شاة فقال والله لو أن لي رجالا ينصحون لله عز وجل ولرسوله بعدد هذه الشياه لأزلت ابن آكلة الذبان عن ملكه.

______________________________________________________

نور الأنوار تعالى.

قوله عليه‌السلام : « عدة أصحاب طالوت » أي الذين لم يشربوا الماء وحضروا لجهاد جالوت ، وروي عن الصادق عليه‌السلام (١) أنهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا عدة أهل بدر ، فكلمة « أو » بمعنى الواو للتفسير.

قوله عليه‌السلام : « وهم أعداؤكم » أي لم يكونوا مثلكم منافقين ، بل كانوا ناصرين للحق محبين له معاندين لكم لكفركم ، وفي بعض النسخ وهم أعدادكم ولم أعرف له معنى ، ولعله كان أعدادهم أي أصحاب بدر كانوا بعدد أصحاب طالوت ، وإنما كررت للتوضيح فصحف.

قوله : « حتى تؤولوا » أي ترجعوا وتنيبوا من الإنابة ، وهي الرجوع ، وفي بعض النسخ وتنبأوا على البناء للمفعول ، أي تخبروا بالصدق ، وتذعنوا به.

قوله عليه‌السلام : « فكان ارتق للفتق » الفتق : الشق والرتق ضده ، أي كان تنسد الخلال والفرج التي حدثت في الدين ، وكان الأخذ بالرفق واللطف للناس أكثر.

قوله عليه‌السلام : « فمر بصيرة » الصيرة بالكسر : حظيرة الغنم.

قوله عليه‌السلام : « لأزلت ابن أكلة الذبان » وفي بعض النسخ « الذباب » بكسر الذال وتشديد الياء جمع الذباب ، والمراد به أبو بكر ، ولعله إشارة إلى واقعة كذلك كان اشتهر بها ، ويحتمل أن يكون كناية عن دناءة أصله ورداءة نسبه وحسبه.

__________________

(١) تفسير البرهان في تفسير القرآن : ج ١ ص ٢٣٥ ـ ٢٣٦ ح ٤ ـ ٦.

٧٦

قال فلما أمسى بايعه ثلاثمائة وستون رجلا على الموت فقال لهم أمير المؤمنين عليه‌السلام اغدوا بنا إلى أحجار الزيت محلقين وحلق أمير المؤمنين عليه‌السلام فما وافى من القوم محلقا إلا أبو ذر والمقداد وحذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر وجاء سلمان في آخر القوم فرفع يده إلى السماء فقال : اللهم إن القوم استضعفوني كما استضعفت بنو إسرائيل

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « على الموت » أي على أن يلتزموا الموت ويقتلوا في نصرة ، وقال الفيروزآبادي (١) : أحجار الزيت موضع بالمدينة.

قوله عليه‌السلام : « أما والبيت والمفضي إلى البيت » قال الجوهري (٢) : الفضاء : الساحة وما اتسع من الأرض ، يقال أفضيت : إذا خرج إلى الفضاء ، وأفضيت إلى فلان بسري وأفضى الرجل إلى امرأته باشرها ، وأفضى بيده إلى الأرض إذا مسها بباطن راحته في سجوده انتهى.

فيحتمل أن يكون المراد القسم بمن يدخل في الفضاء أي الصحراء متوجها إلى البيت أي الحاج والمعتمر. أو من يفضي إسراره إلى البيت أي إلى ربه ، ويدعو الله عند البيت. أو من يفضي الناس إلى البيت ويوصلهم إليه ، وهو الله تعالى. أو على صيغة المفعول أي الحاج الواصلين إلى البيت ، أو على بناء الفاعل أيضا من الإفضاء بمعنى مس الأرض بالراحة ، أي المسلمين بأحجار البيت ، أو من يفضي إلى الأرض بالسجود في أطراف الأرض متوجها إلى البيت.

وقال في النهاية (٣) : في حديث دعائه للنابغة « لا يفضي الله فاك » ومعناه أن لا يجعله فضاء لا سن فيه ، والفضاء : الخالي الفارغ الواسع من الأرض انتهى : فيحتمل أن يكون المراد من جعل من أربعة جوانب فضاء غير معمور إلى البيت ليشق على الناس قطعها ، فيكثر ثوابهم وهو الله تعالى.

قوله عليه‌السلام : « والخفاف إلى التجمير » التجمير : رمي الجمار ، والخفاف إما جمع الخف ، أي خف الإنسان إذ خف البعير لا يجمع على خفاف ، بل على أخفاف ، والمراد أثر الخفاف وأثر أقدام الماشين إلى التجمير. أو جمع الخفيف أي السائرين بخفة وشوق

__________________

(١) القاموس المحيط : ج ٢ ص ٥. وفي المصدر « ... داخل المدينة ».

(٢) الصحاح : ج ٦ ص ٢٤٥٥.

(٣) النهاية : ج ٣ ص ٤٥٦.

٧٧

هارون اللهم فإِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ وَما يَخْفى عليك شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ، أما والبيت والمفضي إلى البيت وفي نسخة والمزدلفة والخفاف إلى التجمير لو لا عهد عهده إلي النبي الأمي صلى‌الله‌عليه‌وآله لأوردت المخالفين خليج المنية ولأرسلت عليهم شآبيب صواعق الموت وعن قليل سيعلمون.

٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن سليمان ، عن أبيه قال كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام إذ دخل عليه أبو بصير وقد خفره النفس فلما أخذ مجلسه قال له أبو عبد الله عليه‌السلام يا أبا محمد ما هذا النفس العالي فقال جعلت فداك يا ابن رسول الله كبر سني ودق عظمي واقترب أجلي مع أنني لست أدري ما أرد عليه من أمر آخرتي فقال أبو عبد الله عليه‌السلام يا أبا محمد وإنك لتقول هذا قال جعلت فداك وكيف لا أقول هذا فقال يا أبا محمد أما علمت أن الله تعالى يكرم الشباب منكم ويستحيي من الكهول قال قلت جعلت فداك فكيف يكرم الشباب

______________________________________________________

إلى التجمير ، وفيه دلالة على جواز الحلف بشعائر الله وحرماته ، وقد مر الكلام فيه في كتاب الأيمان.

قوله عليه‌السلام : « لو لا عهد عهده » وهو ما ورد في الأخبار (١) المتواترة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوصى إليه عليه‌السلام أنك إن لم تجد ناصرا فوادعهم وصالحهم حتى تجد أعوانا وأيضا نزل كتاب من السماء مختوم بخواتيم بعدة الأئمة كان يعمل كل منهم بما يخصه (٢).

قوله عليه‌السلام : « خليج المنية » والخليج : شعبة من البحر والنهر ، والمنية : الموت والشآبيب جمع شؤبوب بالضم مهموزا ، وهو الدفعة من المطر وغيره.

الحديث السادس : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « وقد حفزه النفس » قال الجزري (٣) : الحفز الحث والإعجال ومنه حديث أبي بكرة إنه دب إلى الصف راكعا وقد حفزه النفس ».

قوله عليه‌السلام : « يكرم الشباب منكم » الشباب بالفتح جمع شاب ، وقال الفيروزآبادي : الكهل : من وخطه الشيب ، ورأيت له بجالة ، أو من جاوز الثلاثين أو أربعا وثلاثين إلى إحدى وخمسين (٤).

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢٢ ص ٤٥٥ ـ ٥٠٣. أحاديث الباب.

(٢) أصول الكافي : ج ١ ص ٢٧٩ ـ ٢٨٣ ـ أحاديث الباب.

(٣) النهاية : ج ١ ص ٤٠٧. (٤) القاموس المحيط : ج ٤ ص ٤٧.

٧٨

ويستحيي من الكهول فقال يكرم الله الشباب أن يعذبهم ويستحيي من الكهول أن يحاسبهم قال قلت جعلت فداك هذا لنا خاصة أم لأهل التوحيد قال فقال لا والله إلا لكم خاصة دون العالم قال قلت جعلت فداك فإنا قد نبزنا نبزا انكسرت له ظهورنا وماتت له أفئدتنا واستحلت له الولاة دماءنا في حديث رواه لهم فقهاؤهم قال فقال أبو عبد الله عليه‌السلام الرافضة قال قلت نعم قال لا والله ما هم سموكم ولكن الله سماكم به أما علمت يا أبا محمد أن سبعين رجلا من بني إسرائيل رفضوا فرعون وقومه لما استبان لهم ضلالهم فلحقوا بموسى عليه‌السلام لما استبان لهم هداه فسموا في عسكر موسى الرافضة لأنهم رفضوا فرعون وكانوا أشد أهل ذلك العسكر عبادة وأشدهم حبا لموسى وهارون وذريتهما عليه‌السلام فأوحى الله عز وجل إلى موسى عليه‌السلام أن أثبت لهم هذا الاسم في التوراة فإني قد سميتهم به ونحلتهم إياه فأثبت موسى عليه‌السلام الاسم لهم ثم ذخر الله عز وجل لكم هذا الاسم حتى نحلكموه يا أبا محمد رفضوا الخير ورفضتم الشر افترق الناس كل فرقة وتشعبوا كل شعبة فانشعبتم مع أهل بيت نبيكم ص وذهبتم حيث ذهبوا واخترتم من اختار الله لكم وأردتم من أراد الله فأبشروا ثم أبشروا فأنتم والله المرحومون المتقبل من محسنكم والمتجاوز عن مسيئكم من لم يأت الله عز وجل بما أنتم عليه يوم القيامة لم يتقبل منه حسنة ولم يتجاوز له عن سيئة يا أبا محمد فهل سررتك قال قلت جعلت فداك زدني ـ فقال يا أبا محمد إن لله عز وجل ملائكة يسقطون الذنوب عن ظهور شيعتنا كما يسقط الريح الورق في أوان سقوطه وذلك قوله عز وجل : « الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا » استغفارهم والله لكم دون هذا الخلق يا أبا محمد فهل سررتك قال قلت جعلت فداك زدني قال يا أبا محمد لقد ذكركم الله في كتابه فقال « مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « وقد نبزنا نبزا » النبز بالتحريك : اللقب ، والنبز بالتسكين المصدر ، يقال : نبزه ونبزه نبزا أي لقبه.

قوله عليه‌السلام : « فأبشروا » قال الجوهري (١) : يقال : بشرته بمولود ، فأبشر إبشارا

__________________

(١) الصحاح ج ١ ص ٥٩٠.

٧٩

اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً » (١) إنكم وفيتم بما أخذ الله عليه ميثاقكم من ولايتنا وإنكم لم تبدلوا بنا غيرنا ولو لم تفعلوا لعيركم الله كما عيرهم حيث يقول جل ذكره : « وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ » (٢) يا أبا محمد فهل سررتك قال قلت جعلت فداك زدني فقال يا أبا محمد لقد ذكركم الله في كتابه فقال « إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ » (٣) والله ما أراد بهذا غيركم يا أبا محمد فهل سررتك قال قلت جعلت فداك زدني فقال يا أبا محمد : « الْأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ » (٤) والله ما أراد بهذا غيركم يا أبا محمد فهل سررتك قال قلت جعلت فداك زدني فقال يا أبا محمد لقد ذكرنا الله عز وجل وشيعتنا وعدونا في آية من كتابه فقال عز وجل : « هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ » (٥) فنحن « الَّذِينَ يَعْلَمُونَ » وعدونا « الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ » وشيعتنا هم « أُولُوا الْأَلْبابِ » يا أبا محمد فهل سررتك قال قلت جعلت فداك زدني فقال يا أبا محمد والله ما استثنى الله عز وجل بأحد من أوصياء الأنبياء ولا أتباعهم ما خلا أمير المؤمنين عليه‌السلام وشيعته فقال في كتابه وقوله الحق : « يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ اللهُ » (٦) يعني بذلك عليا عليه‌السلام وشيعته يا أبا محمد فهل سررتك قال قلت جعلت فداك زدني قال يا أبا محمد لقد ذكركم الله تعالى في كتابه إذ يقول : « يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ » (٧) والله ما أراد بهذا غيركم فهل سررتك يا أبا محمد قال قلت

______________________________________________________

قوله تعالى : « فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ » النحب : المدة وو الوقت ، يقال قضى فلان نحبه : إذا مات ، كذا ذكره الجوهري (٨).

قوله تعالى : « أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ » أي أفرطوا في الجناية عليها بالإسراف

__________________

(١) سورة الأحزاب : ٢٣. (٢) سورة الأعراف : ١٠٢.

(٣) سورة الحجر : ٤٧. (٤) سورة الزخرف : ٦٧.

(٥) سورة الزمر : ٩.

(٦) سورة الدخان : ٤٢ ـ ٤٣.

(٧) سورة الزمر : ٥٣.

(٨) الصحاح : ج ١ ص ٢٢٢.

٨٠