مرآة العقول - ج ٢٥

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول - ج ٢٥

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


المحقق: السيد جعفر الحسيني
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٢

المنصف قال فقيل له متى ذاك يا أمير المؤمنين فقال إذا اتخذت الأمانة مغنما والزكاة مغرما والعبادة استطالة والصلة منا قال فقيل متى ذلك يا أمير المؤمنين فقال إذا تسلطن النساء وسلطن الإماء وأمر الصبيان.

٢٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن يعقوب بن يزيد ، عن محمد بن جعفر العقبي رفعه قال خطب أمير المؤمنين عليه‌السلام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس إن آدم لم يلد عبدا ولا أمة وإن الناس كلهم أحرار ولكن الله خول بعضكم بعضا فمن كان له بلاء فصبر في الخير فلا يمن به على الله عز وجل ألا وقد حضر شيء ونحن مسوون فيه بين الأسود والأحمر فقال مروان لطلحة والزبير ـ ما أراد بهذا غيركما قال

______________________________________________________

كما في أكثر نسخ النهج [ الماحل ] قال الجوهري : المحل : المكر والكيد يقال : محل به إذا سعى به إلى السلطان ، فهو ماحل ومحول (١).

قوله عليه‌السلام : « ويضعف فيه المنصف » قال ابن ميثم : أي إذا رأوا إنسانا عنده ورع وإنصاف في معاملة الناس عدوه ضعيفا ، ونسبوه إلى الوهن والرخاوة أو يستصغرون عقله ، ويعدونه ضعيف العقل كأنه تارك حق ينبغي له أن يأخذه.

الحديث السادس والعشرون : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « ولكن الله خول » قال الجزري : في حديث العبيد : هم إخوانكم وخولكم جعلهم الله تحت أيديكم ، الخول : حشم الرجل وأتباعه وأحدهم خائل وقد يكون واحدا ويقع على العبد والأمة ، وهو مأخوذ من التخويل : التمليك ، وقيل : من الرعاية.

قوله عليه‌السلام : « فمن كان له بلاء » أي نعمة ومال ، فصير في الخير أي جعله في مصارف الخبر ، وفي أكثر النسخ « فصبر » بالباء أي من كان له نعمة على الإسلام بأن صبر على الشدائد في سبل الخير ، كالجهاد والفقر وأذى الأعادي فلا يمن به على الله ، بل الله يمن عليه ، لكن يعطيه الله أجره في الآخرة والغرض أنه لا ينبغي أن يطلب الإنسان بسبب أعماله فضلا في القسم التي حكم الله فيها ، أن يقسم بالسوية بين المسلمين ، بل ينبغي أن يرضى بقسم الله.

__________________

(١) الصحاح : ج ٥ ص ١٨١٧.

١٦١

فأعطى كل واحد ثلاثة دنانير وأعطى رجلا من الأنصار ثلاثة دنانير وجاء بعد غلام أسود فأعطاه ثلاثة دنانير فقال الأنصاري يا أمير المؤمنين هذا غلام أعتقته بالأمس تجعلني وإياه سواء فقال إني نظرت في كتاب الله فلم أجد لولد إسماعيل على ولد إسحاق فضلا.

( حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حين عرضت عليه الخيل )

٢٧ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن سالم وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن أحمد بن النضر ومحمد بن يحيى ، عن محمد بن أبي القاسم ، عن الحسين بن أبي قتادة جميعا ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعرض الخيل فمر بقبر أبي أحيحة فقال أبو بكر لعن الله صاحب هذا القبر فو الله إن كان ليصد عن سبيل الله ويكذب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال خالد ابنه بل لعن الله أبا قحافة فو الله ما كان يقري الضيف ولا يقاتل العدو فلعن الله أهونهما على العشيرة فقدا فألقى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خطام راحلته على غاربها ـ ثم قال إذا أنتم تناولتم المشركين فعموا ولا تخصوا

______________________________________________________

قوله : « أعتقه » يحتمل التكلم والخطاب ، قوله « على ولد إسحاق » لعل العبد كان من بني إسرائيل كما هو الأغلب فيهم ، ويحتمل أن يكون المراد عدم الفضل في القسمة ، لا مطلقا مع أنه لا استبعاد في أن لا يكون بينهما فضل مطلقا إلا بالفضائل.

الحديث السابع والعشرون : حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين عرضت عليه الخيل ضعيف.

وعلي بن إبراهيم ومحمد بن يحيى كلاهما معطوفان على أبي علي الأشعري.

قوله : « أهونهما على العشيرة » أي من يكون فقده وموته أهون وأسهل على عشيرته ولا يبالون بموته.

قوله عليه‌السلام : « على غاربها » الغارب ما بين السنام والعنق ، وكأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ألقاه

١٦٢

فيغضب ولده ثم وقف فعرضت عليه الخيل فمر به فرس فقال عيينة بن حصن إن من أمر هذا الفرس كيت وكيت فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذرنا فأنا أعلم بالخيل منك فقال عيينة وأنا أعلم بالرجال منك فغضب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى ظهر الدم في وجهه فقال له فأي الرجال أفضل فقال عيينة بن حصن رجال يكونون بنجد يضعون سيوفهم على عواتقهم ورماحهم على كواثب خيلهم ثم يضربون بها قدما قدما فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كذبت بل رجال أهل اليمن أفضل الإيمان يماني والحكمة يمانية ولو لا الهجرة لكنت امرأ

______________________________________________________

للغضب لأن يسير البعير.

قوله : « على كواثب خيولهم » قال الجزري (١) فيه : « يضعون رماحهم على كواثب خيولهم » الكواثب : جمع كاثبة وهي من الفرس مجتمع كتفيه قدام السرج.

قوله : « يضربون بها قدما » قال الفيروزآبادي (٢) : معنى قدما بضم الدال : لم يعرج ولم ينثن.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الإيمان يماني » قال الجزري (٣) : فيه الإيمان يمان والحكمة يمانية ، إنما قال ذلك ، لأن الإيمان بدأ من مكة. وهي من تهامة من أرض اليمن ، ولهذا يقال : الكعبة اليمانية ، وقيل : إنه قال هذا القول للأنصار ، لأنهم يمانون ، وهم نصروا الإيمان والمؤمنين وآووهم ، فنسب الإيمان إليهم.

وقال الجوهري : اليمن بلاد للعرب ، والنسبة إليها يمني ، ويمان مخففة والألف عوض من ياء النسب ، فلا يجتمعان. قال سيبويه : وبعضهم يقول : يماني بالتشديد (٤) وقال في محيي السنة : هذا ثناء على أهل اليمن لإسراعهم إلى الإيمان وحسن قبولهم إياه.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لو لا الهجرة » لعل المراد لو لا أني هجرت عن مكة لكنت اليوم من أهل اليمن ، إذ مكة منها ، أو المراد أنه لو لا أن المدينة كانت أولا دار هجرتي واخترتها بأمر الله لاتخذت اليمن وطنا ، أو المراد أنه لو لا أن الهجرة أشرف

__________________

(١) النهاية : ج ٤ ص ١٥٢.

(٢) القاموس : ج ٤ ص ١٦٢. « ط مصر » وفي المصدر القُدُم بضمّتين : المضيّ أمامَ أمامَ.

(٣) النهاية ج ٥ ص ٣٠٠. باختلاف يسير.

(٤) الصحاح : ج ٦ ص ٢٢١٩.

١٦٣

من أهل اليمن الجفاء والقسوة في الفدادين أصحاب الوبر ـ ربيعة ومضر من حيث يطلع

______________________________________________________

لعددت نفسي من الأنصار ، ويؤيد الأخير ما رواه الطبرسي في مجمع البيان (١) في قصة حنين « أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : فو الذي نفسي بيده لو أن الناس سلكوا شعبا وسلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار ولو لا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار إلى آخر الخبر.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إن الجفاء والقسوة » قال الجزري (٢) : فيه « إن الجفاء والقسوة في الفدادين » الفدادون بالتشديد : الذين تعلو أصواتهم في حروثهم ومواشيهم ، واحدهم. فداد يقال : فد الرجل يفد فديدا إذا اشتد صوته ، وقيل : هم المكثرون من الإبل ، وقيل : هم الجمالون ، والبقارون والحمارون والرعيان ، وقيل : إنما هو الفدادين مخففا ، واحدها فدان مشددا ، وهو البقر التي يحرث بها وأهلها أهل جفاء وقسوة.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أصحاب الوبر » أي أهل البواري ، فإن بيوتهم يتخذونها منه.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من حيث يطلع قرن الشمس » قال الجوهري : قرن الشمس أعلاها ، وأول ما يبدو منها في الطلوع ، لعل المراد أهل البواري من هاتين القبيلتين الكائنتين في مطلع الشمس أي في شرقي المدينة (٣).

وروي في (٤) محيي السنة بإسناده عن عقبة بن عمر « وقال : أشار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بيده نحو اليمن ، فقال : الإيمان يمان ، هيهنا إلا أن القسوة وغلظ القلوب في الفدادين عند أصول أذناب الإبل ، حيث يطلع قرنا الشيطان في ربيعة ومضر (٥) » وبإسناده عن أبي هريرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : رأس الكفر نحو المشرق ، والفخر والخيلاء في أهل الخيل والإبل والفدادين أهل الوبر ، والسكينة في أهل الغنم (٦) ، وبإسناده عن ابن عمر أنه قال : رأيت رسول الله ، يشير إلى المشرق ويقول : إن الفتنة هيهنا ، إن الفتنة هنا من حيث يطلع قرن الشيطان. وقال النووي : قرنا الشيطان قبل المشرق ، أي جمعاه المغويان اللذان يغريهما بإضلال الناس وقيل : شيعتاه من

__________________

(١) المجمع : ج ٥ ص ١٩. « التوبة : ٢٥ ». (٢) النهاية : ج ٣ ص ٤١٩.

(٣) الصحاح : ج ٦ ص ٢١٨.

(٤) الظاهر زيادة « فى » من النسّاخ لأنّ ـ مُحي السُنة ـ لقب للبغوي. وقد تقدم توضيحه ص ١٦٣.

(٥ و ٦) مصابيح السنة للبغوى : ج ٢ ص ٢٩٠. « ط مصر ». باختلاف يسير.

١٦٤

قرن الشمس ومذحج أكثر قبيل يدخلون الجنة وحضرموت خير من عامر بن صعصعة وروى بعضهم خير من الحارث بن معاوية وبجيلة خير من رعل وذكوان وإن يهلك لحيان فلا أبالي ثم قال لعن الله الملوك الأربعة جمدا ومخوسا ومشرحا وأبضعة وأختهم العمردة لعن الله المحلل والمحلل له

______________________________________________________

الكفار ، يريد مزيد تسلطه في المشرق ، وكان ذلك في عهده صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويكون حين يخرج الدجال من المشرق ، وهو فيما بين ذلك منشأ الفتن العظيمة ، ومثار الترك العاتية (١). انتهى ، ولا يبعد أن يكون في هذا الخبر أيضا قرن الشيطان فصحف.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ومذحج » كمسجد أبو قبيلة من اليمن ، وقال (٢) : حضرموت اسم بلد وقبيلة أيضا ، وقال : عامر بن صعصعة أبو قبيلة ، وهو عامر بن صعصعة بن معاوية ابن بكر بن هوازن. وفي القاموس (٣) : بجيلة كسفينة : حي باليمن من معد ، وقال : رعل وذكوان قبيلتان من سليم (٤) ، وقال : لحيان أبو قبيلة ، وقال : مخوس كمنبر : ومشرح ، وجمد ، وأبضعة : بنو معديكرب ، الملوك الأربعة الذين لعنهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولعن أختهم العمردة ، وفدوا مع الأشعث ، فأسلموا ثم. ارتدوا فقتلوا يوم النجير ، فقالت نائحتهم يا عين بكي لي الملوك الأربعة (٥).

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لعن الله المحلل والمحلل له » قال في النهاية (٦) : وفيه « لعن الله المحلل والمحلل له » وفي رواية المحل والمحل له ، وفي حديث بعض الصحابة « لا أوتي بحال ولا محلل إلا رجمتهما » جعل الزمخشري هذا الأخير حديثا لا أثرا ، وفي هذه اللفظة ثلاث لغات : حللت وأحللت وحللت ، فعلى الأولى جاء الحديث الأول يقال : حلل فهو محلل ومحلل له ، وعلى الثانية جاء الثاني : تقول أحل فهو محل ومحل له ، وعلى الثالثة جاء الثالث تقول حللت فأنا حال ، وهو محلول له ، وقيل أراد بقوله لا أوتي بحال : أي بذي إحلال مثل قولهم ريح لاقح أي ذات إلقاح ، والمعنى في الجميع : هو أن يطلق الرجل امرأته ثلاثا فيتزوجها رجل آخر على شريطة أن يطلقها بعد وطئها ، لتحل لزوجها الأول ، وقيل : سمي محللا بقصده إلى التحليل كما

__________________

(١ و ٢) صحيح مسلم بشرح النووي : ج ٣ ص ٣٤. باختلاف يسير.

(٣ و ٤) القاموس المحيط : ج ٣ ص ٣٣٣ و ٣٨٥ « ط مصر ١٣٨٨ ».

(٥) نفس المصدر : ج ٢ ص ٢١٢ ـ ٢١٣.

(٦) النهاية : ج ١ ص ٤٣١.

١٦٥

ومن يوالي غير مواليه ومن ادعى نسبا لا يعرف والمتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال ومن أحدث حدثا في الإسلام أو آوى

______________________________________________________

يسمى مشتريا إذا قصد الشراء (١). انتهى ، وقال الطيبي في شرح المشكاة : وإنما لعن لأنه هتك مروة وقلة حية وخسة نفس ، وهو بالنسبة إلى المحلل له ظاهر ، وأما المحلل فإنه كالتيس يعير نفسه بالوطء لغرض الغير.

أقول : مع الاشتراط ذهب أكثر العامة إلى بطلان النكاح ، فلذا فسروا التحليل بقصد التحليل ، ولا يبعد القول بالبطلان على أصول أصحابنا أيضا ، ثم اعلم أنه يمكن أن يحمل هذا الكلام على معنى آخر غير ما حملوه عليه ، بأن يكون المراد النسيء في الأشهر الحرم.

قال الزمخشري : كان جنادة بن عوف الكناني مطاعا في الجاهلية ، وكان يقوم على جمل في الموسم ، فيقول بأعلى صوته إن آلهتكم قد أحلت لكم المحرم فأحلوه ، ثم يقوم في القابل فيقول : إن آلهتكم قد حرمت عليكم المحرم ، فحرموه (٢).

وقال علي بن إبراهيم : كان رجل من كنانة يقف في الموسم فيقول : قد أحللت دماء المحلين من طيئ وخثعم في شهر المحرم وأنسأته ، وحرمت بدله صفر ، فإذا كان العام المقبل يقول : قد أحللت صفر أو أنسأته ، وحرمت بدله شهر المحرم انتهى (٣).

ولعل هذا أوفق بروايات أصحابنا وأصولهم ، ويحتمل أن يكون المراد مطلق تحليل ما حرم الله.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ومن يوالي غير مواليه » فسر أكثر العامة بالانتساب إلى غير من انتسب إليه من ذي نسب ، أو معتق ، وبعضهم خصه بولاء العتق فقط ، وهو هنا أنسب ، لعطف. من ادعى نسبا عليه ، وفسر في أخبارنا بالانتساب إلى غير أئمة الحق وتركهم واتخاذ غيرهم أئمة ، قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يعرف » يحتمل البناء للفاعل والمفعول.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « والمتشبهين من الرجال بالنساء » بأن يلبس الثياب المختصة بهن ، ويتزين بما يختصهن ، وبالعكس والمشهور بين علمائنا الحرمة فيهما.

__________________

(١) لاحظ تفسير الخازن : ج ٣ ص ٢١٥ « ط مصر ».

(٢) الكشّاف : ج ٢ ص ٢٧٠.

(٣) تفسير القمّيّ : ج ١ ص ٢٩٠.

١٦٦

محدثا ومن قتل غير قاتله أو ضرب غير ضاربه ومن لعن أبويه فقال رجل يا رسول الله أيوجد رجل يلعن أبويه فقال نعم يلعن آباء الرجال وأمهاتهم فيلعنون أبويه لعن الله رعلا وذكوان وعضلا ولحيان والمجذمين من أسد وغطفان وأبا سفيان بن حرب وشهبلا ذا الأسنان وابني مليكة بن جزيم ومروان وهوذة وهونة.

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « ومن أحدث حدثا » إلخ. أي بدعة أو أمرا منكرا ، وورد في بعض الأخبار تفسيره بالقتل ، قال الجزري (١) : في حديث المدينة « من أحدث فيها حدثا ، أو آوى محدثا » الحدث : الأمر الحادث المنكر الذي ليس بمعتاد ولا معروف في السنة ، والمحدث يروي بكسر الدال وفتحها على البناء للفاعل أو المفعول فمعنى الكسر : من نصر جانيا أو آواه وأجاره من خصمه ، وحال بينه وبين أن يقتص منه ، والفتح : هو الأمر المبتدع نفسه ، ويكون معنى الإيواء فيه الرضا به ، والصبر عليه فإنه إذا رضي بالبدعة وأقر فاعلها ، ولم ينكرها عليه فقد آواه.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ومن قتل غير قاتله » أي غير مريد قتله أو غير قاتل من هو ولي دمه ، فكأنما قتل نفسه.

قوله عليه‌السلام : « أو ضرب غير ضاربه » أي مريد ضربه أو من يضربه.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ومن لعن أبويه » لعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله هيهنا أبا بكر فإنه ـ لعنه الله ـ تسبب إلى اللعن لأبيه كما مر (٢).

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « وعضلا » هو بالتحريك أبو قبيلة ، قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « والمجذمين » لعل المراد المنسوبين إلى الجذيمة ، ولعل أسدا وغطفان كلتيهما منسوبتان إليها.

قال الجوهري (٣) : جذيمة قبيلة من عبد القيس ينسب إليهم جذمي بالتحريك ، وكذلك إلى جذيمة أسد ، وقال الفيروزآبادي : غطفان محركة حي من قيس (٤) ، قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « وشهبلا » بالشين المعجمة والباء الموحدة وفي بعض النسخ بالسين المهملة والياء المثناة ، ولعله اسم رجل وكذا ما ذكر بعده إلى آخر الخبر.

__________________

(١) النهاية : ج ١ ص ٣٥١.

(٢) لاحظ ص ١٦٢.

(٣) الصحاح : ج ٥ ص ١٨٨٤.

(٤) القاموس المحيط : ج ٣ ص ١٨١. « ط مصر ».

١٦٧

٢٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن مولى لأمير المؤمنين عليه‌السلام سأله مالا فقال يخرج عطائي فأقاسمك هو فقال لا أكتفي وخرج إلى معاوية فوصله فكتب إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام يخبره بما أصاب من المال فكتب إليه أمير المؤمنين عليه‌السلام أما بعد فإن ما في يدك من المال قد كان له أهل قبلك وهو صائر إلى أهله بعدك وإنما لك منه ما مهدت لنفسك فآثر نفسك على صلاح ولدك فإنما أنت جامع لأحد رجلين إما رجل عمل فيه بطاعة الله فسعد بما شقيت وإما رجل عمل فيه بمعصية الله فشقي بما جمعت له وليس من هذين أحد بأهل أن تؤثره على نفسك ولا تبرد له على ظهرك فارج لمن مضى رحمة الله وثق لمن بقي برزق الله.

( كلام علي بن الحسين عليهما‌السلام )

٢٩ ـ حدثني محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبد الله بن غالب الأسدي ، عن أبيه ، عن سعيد بن المسيب قال كان علي بن الحسين عليه‌السلام يعظ الناس ويزهدهم في الدنيا ويرغبهم في أعمال الآخرة بهذا الكلام في كل جمعة في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وحفظ عنه وكتب كان يقول أيها الناس اتقوا الله واعلموا أنكم إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ فتَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ في

______________________________________________________

الحديث الثامن والعشرون : مرسل.

قوله : « فأقاسمك هو » الظاهر فأقاسمكه ، ولعله تصحيف.

قوله : « فلا تبرد » قال الجوهري (١) : يقال : ما برد لك على فلان أي ما ثبت ووجب. انتهى ، أي لا تثبت له وزرا على ظهرك ، وفي بعض نسخ نهج البلاغة (٢) وتحمل له على ظهرك ، وفي بعض النسخ ولا تحمل له على ظهرك.

قوله عليه‌السلام : « فارج لمن مضى » أي من أولادك.

كلام علي بن الحسين عليهما‌السلام الحديث التاسع والعشرون : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « فتجد كل نفس » إلى آخره إشارة إلى قوله تعالى : « يَوْمَ تَجِدُ

__________________

(١) الصحاح : ج ١ ص ٤٤٣.

(٢) نهج البلاغة : تحقيق صبحي الصالح ص ٥٤٩ « المختار من الحكم ـ ٤١٦ ». شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ٢٠ ص ٥٤ « المختار من الحكم ـ ٤٢٤ ».

١٦٨

هذه الدنيا « مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ » ويحك يا ابن آدم الغافل وليس بمغفول عنه.

يا ابن آدم إن أجلك أسرع شيء إليك قد أقبل نحوك حثيثا يطلبك ويوشك أن يدركك وكأن قد أوفيت أجلك وقبض الملك روحك وصرت إلى قبرك وحيدا فرد إليك فيه روحك واقتحم عليك فيه ملكان ـ ناكر ونكير لمساءلتك وشديد امتحانك ألا وإن أول ما يسألانك عن ربك الذي كنت تعبده وعن نبيك الذي أرسل إليك وعن دينك الذي كنت تدين به وعن كتابك الذي كنت تتلوه وعن إمامك الذي كنت تتولاه ثم عن عمرك فيما كنت أفنيته ومالك من أين اكتسبته وفيما أنت أنفقته فخذ حذرك وانظر لنفسك وأعد الجواب قبل الامتحان والمساءلة والاختبار فإن تك

______________________________________________________

كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ » (١) قال البيضاوي « يوم » منصوب بتود ، أي تتمنى كل نفس يوم تجد صحائف أعمالها أو جزاء أعمالها من الخير والشر حاضرة لو أن بينها وبين ذلك اليوم وهو له أمدا بعيدا ، أو بمضمر نحو « أذكر » وتود حال من الضمير في عملت ، أو خبر لما عملت من سوء ، وتجد مقصور على ما عملت من خير ، ولا تكون ما شرطية لارتفاع تود. وقرئ ودت وعلى هذا يصح أن تكون شرطية ولكن الحمل على الخبر أوقع معنى لأنه حكاية كائن وأوفق للقراءة المشهورة (٢) أقول : الخبر ينفى الوجه الأول.

قوله عليه‌السلام : « حثيثا » أي سريعا.

قوله عليه‌السلام : « كان قد أوفيت » مخفف كان أو هو من الأفعال الناقصة.

قوله عليه‌السلام : « ثم عن عمرك » إلى آخره يدل على أنه يسأل عن الأعمال أيضا في القبر وقد سبق الكلام فيه في كتاب الجنائز.

قوله عليه‌السلام : « فخذ حذرك » قال الزمخشري (٣) في قوله تعالى : « خُذُوا حِذْرَكُمْ » (٤)

__________________

(١) آل عمران : ٣٠.

(٢) أنوار التنزيل : ج ١ ص ١٥٦. « ط مصر ١٣٨٨ ».

(٣) الكشّاف : ج ١ ص ٥٣٢.

(٤) سورة النساء : ٧١.

١٦٩

مؤمنا عارفا بدينك متبعا للصادقين مواليا لأولياء الله لقاك الله حجتك وأنطق لسانك بالصواب وأحسنت الجواب وبشرت بالرضوان والجنة من الله عز وجل واستقبلتك الملائكة بالروح والريحان وإن لم تكن كذلك تلجلج لسانك ودحضت حجتك وعييت عن الجواب وبشرت بالنار واستقبلتك ملائكة العذاب بنزل من حميم وتصلية جحيم.

واعلم يا ابن آدم أن من وراء هذا أعظم وأفظع وأوجع للقلوب يوم القيامة « ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ » يجمع الله عز وجل فيه الأولين والآخرين ذلك يوم

______________________________________________________

الحذر والحذر بمعنى كالأثر والأثر يقال : أخذ حذره إذا تيقظ واحترز من الخوف كأنه جعل الحذر آلته التي يقي بها نفسه ويعصم بها روحه.

قوله عليه‌السلام : « لقاك الله حجتك » أي يرسلها إليك قبال وجهك كناية عن التلقين والإفهام والإلهام ، قال الفيروزآبادي : لقاه (١) الشيء : ألقاه إليه.

قوله عليه‌السلام : « بالروح » قال الفيروزآبادي (٢) : الروح بالفتح : الراحة والرحمة ونسيم الريح.

قوله عليه‌السلام : « تلجلج لسانك » قال الجوهري (٣) : اللجلجة والتلجلج : التردد في الكلام.

قوله عليه‌السلام : « ودحضت حجتك » قال الفيروزآبادي (٤) : ودحضت الحجة دحوضا : بطلت.

قوله عليه‌السلام : « وعييت » أي عجزت.

قوله عليه‌السلام : « بنزل من حميم » النزل بضمتين : ما هيئ للضيف قبل أن ينزل عليه ، أطلق هنا على سبيل التهكم ، والحميم : الشراب المغلي في قدور جهنم ، و « تصلية جحيم » إما بإدخال نار البرزخ أو بشارة نار الخلد.

قوله عليه‌السلام : « وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ » أي مشهود فيه ، يشهد ويحضر فيه الخلائق

__________________

(١) القاموس المحيط : ج ٤ ص ٣٨٦ « ط مصر ».

(٢) نفس المصدر : ج ١ ص ٢٢٤.

(٣) الصحاح : ج ١ ص ٣٣٧.

(٤) القاموس المحيط : ج ٢ ص ٣٣٠.

١٧٠

يُنْفَخُ فِي الصُّورِ » وتبعثر فيه القبور وذلك يوم الآزفة « إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ » وذلك يوم لا تقال فيه عثرة ولا يؤخذ من أحد فدية ولا تقبل من أحد معذرة ولا لأحد فيه مستقبل توبة ليس إلا الجزاء بالحسنات والجزاء بالسيئات فمن كان من المؤمنين عمل في هذه الدنيا مثقال ذرة من خير وجده ومن كان من المؤمنين عمل في هذه الدنيا مثقال ذرة من شر وجده.

فاحذروا أيها الناس من الذنوب والمعاصي ما قد نهاكم الله عنها وحذركموها في كتابه الصادق والبيان الناطق ولا تأمنوا مكر الله وتحذيره وتهديده عند ما يدعوكم الشيطان اللعين إليه من عاجل الشهوات واللذات في هذه الدنيا فإن الله عز وجل يقول « إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ » (١)

______________________________________________________

للحساب أو يشهد فيه على الخلائق بما عملوا.

قوله عليه‌السلام : « وتبعثر فيه القبور » قال الجوهري (٢) : يقال : بعثرت الشيء وبعثرته إذا استخرجته وكشفته. وقال أبو عبيدة في قوله تعالى : « بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ » (٣) أثير وأخرج وقال تقول : بعثرت حوضي : أي هدمته وجعلت أسفله أعلاه.

قوله عليه‌السلام : « وذلك يوم الآزفة » سميت القيامة بها لأزوفها : أي لقربها « إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ » فإنها ترتفع عن أماكنها فتلتصق بحلوقهم ، فلا تعود فيتروحوا فلا تخرج فيستريحوا « كاظِمِينَ » على الغم حال من أصحاب القلوب على المعنى ، لأنه على الإضافة أو منها ومن ضميرها في لدي وجمعه كذلك ، لأن الكظم من أفعال العقلاء كقوله تعالى : « فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ ». (٤) قوله عليه‌السلام : « لا تقبل من أحد معذرة » أي عذر ليس صاحبه فيه صادقا أو توبة.

قوله عليه‌السلام : « من الذنوب والمعاصي » بيان للموصول بعده ، أو الموصول بدل من الذنوب ، قوله تعالى : « طائِفٌ » قال البيضاوي : أي لمة منه وهو اسم فاعل من طاف

__________________

(١) الأعراف : ٢٠١.

(٢) الصحاح : ج ٢ ص ٥٩٣ ـ ٥٩٤.

(٣) سورة العاديات : ٩. والآية « إِذا بُعْثِرَ ... ».

(٤) سورة الشعراء : ٤.

١٧١

وأشعروا قلوبكم خوف الله وتذكروا ما قد وعدكم الله في مرجعكم إليه من حسن ثوابه كما قد خوفكم من شديد العقاب فإنه من خاف شيئا حذره ومن حذر شيئا تركه ولا تكونوا من الغافلين المائلين إلى زهرة الدنيا الذين مكروا السيئات فإن الله يقول في محكم كتابه : « أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ » (١) فاحذروا ما حذركم الله بما فعل بالظلمة في كتابه ولا تأمنوا أن ينزل بكم بعض ما تواعد به القوم الظالمين في الكتاب والله لقد وعظكم الله في كتابه بغيركم فإن السعيد من وعظ بغيره ولقد أسمعكم الله في كتابه ما قد فعل بالقوم الظالمين من أهل القرى قبلكم حيث قال « وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً » وإنما عنى بالقرية أهلها حيث يقول « وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ » فقال عز وجل « فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ » يعني يهربون قال « لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ » فلما أتاهم العذاب « قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ

______________________________________________________

يطوف ، كأنها طافت بهم ودارت حولهم فلم تقدر أن تؤثر فيهم ، أو من طاف بهم الخيال يطيف طيفا (٢).

قوله عليه‌السلام : « وأشعروا » الشعار : الثوب الملاصق للجلد والشعر ، أي اجعلوا خوف الله شعار قلوبكم ملازما لها غير مفارق عنها ، قوله تعالى : « أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ » أي المكراة السيئات ، وهم الذين احتالوا لهلاك الأنبياء ، أو الذين مكروا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وراموا صد أصحابه عن الإيمان « أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ » كما خسف بقارون ، أو « يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ » بغتة من جانب السماء كما فعل بقوم لوط « أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ » أي متقلبين في معائشهم ومتاجرهم « فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ » لله عما أراد بهم « أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ » على مخافة بأن يهلك قوما قبلهم فيتخوفوا « فيأتيهم العذاب » وهم متخوفون ، أو على تنقص شيئا بعد شيء في أنفسهم وأموالهم ، حتى يهلكوا من تخوفته إذا انتقصته قوله تعالى : « فَلَمَّا

__________________

(١) سورة النحل : ٤٤ ـ ٤٧.

(٢) أنوار التنزيل : ج ١ ص ٣٨٢ « ط مصر ١٣٨٨ ».

١٧٢

حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ » (١) وايم الله إن هذه عظة لكم وتخويف إن اتعظتم وخفتم ثم رجع القول من الله في الكتاب على أهل المعاصي والذنوب فقال عز وجل « وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ » (٢) فإن قلتم أيها الناس إن الله عز وجل إنما عنى بهذا أهل الشرك فكيف ذلك وهو يقول « وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ » (٣).

اعلموا عباد الله أن أهل الشرك لا ينصب لهم الموازين ولا ينشر لهم الدواوين و

______________________________________________________

أَحَسُّوا بَأْسَنا » مر تفسيرها في الحديث الخامس عشر قوله تعالى : « وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ » قال البيضاوي : أي أدنى شيء ، وفيه مبالغات ذكر المس وما في النفحة من معنى القلة ، فإن أصل النفح هبوب رائحة الشيء ، والبناء الدال على المرة « من عذاب ربك » من الذي ينذرون به ليقولن « يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ » لدعوا على أنفسهم بالويل واعترفوا عليها بالظلم (٤) قوله تعالى : « وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ » قال البيضاوي : أي العدل يوزن بها صحائف الأعمال ، وقيل : وضع الموازين تمثيل لإرصاد الحساب السوي ، والجزاء على حسب الأعمال بالعدل ، وإفراد القسط ، لأنه مصدر وصف به للمبالغة « لِيَوْمِ الْقِيامَةِ » لجزاء يوم القيامة أو لأهله ، أو فيه كقولك جئت لخمس خلون من الشهر « فَلا تُظْلَمُ » فلا تنقص « نَفْسٌ شَيْئاً » من حقه أو لا تظلم شيئا من الظلم ، « وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ » أي وإن كان العمل أو الظلم مثقال حبة ورفع نافع ـ مثقال حبة ـ على كان التامة « أَتَيْنا بِها » أحضرناها ، والضمير للمثقال ، وتأنيثه لإضافته إلى الحبة « وَكَفى بِنا حاسِبِينَ » إذ لا مزيد على علمنا وعدلنا (٥).

قوله عليه‌السلام : « لا تنصب لهم الموازين » لا ينافي ذلك معاقبتهم على سيئات أعمالهم ، وكونهم مكلفين بالفروع ، وإذ يعاملهم الله بعلمه ، وإنما يوضع الموازين للمسلمين تشريفا لهم ، أو لأنهم لما كانوا مطيعين في أصول الدين ، أو بعضها يوضع لهم

__________________

(١) سورة الأنبياء : ١١ ـ ١٥.

(٢) سورة الأنبياء : ٤٦.

(٣) سورة الأنبياء : ٤٧.

(٤) أنوار التنزيل : ج ٢ ص ٧٤ « ط مصر ١٣٨٨ ».

(٥) أنوار التنزيل : ج ٢ ص ٧٤ « ط مصر ١٣٨٨ ».

١٧٣

إنما يحشرون « إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً » وإنما نصب الموازين ونشر الدواوين لأهل الإسلام.

فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الله عز وجل لم يحب زهرة الدنيا وعاجلها لأحد من أوليائه ولم يرغبهم فيها وفي عاجل زهرتها وظاهر بهجتها وإنما خلق الدنيا وخلق أهلها ليبلوهم فيها « أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً » لآخرته وايم الله لقد ضرب لكم فيه الأمثال وصرف الآيات لقوم يعقلون و « لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ ».

فازهدوا فيما زهدكم الله عز وجل فيه من عاجل الحياة الدنيا فإن الله عز وجل يقول وقوله الحق : « إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ

______________________________________________________

الميزان ، لئلا يزعم زاعم أنهم ظلموا في عقوبتهم.

قوله عليه‌السلام : « زمرا » قال الفيروزآبادي (١) الزمرة بالضم : الفوج ، والجماعة في تفرقة ، والجمع زمر.

قوله عليه‌السلام : « زهرة الدنيا » أي بهجتها ونضارتها وحسنها.

قوله عليه‌السلام : « وصرف الآيات » قال الفيروزآبادي : تصريف الآيات تبيينها (٢).

قوله عليه‌السلام : « فإن الله يقول » إلى آخره. قال البيضاوي : « إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا » حالها العجيبة في سرعة تقضيها وذهاب نعيمها بعد إقبالها واغترار الناس بها « كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ » فاشتبك بسببه حتى خالط بعضه بعضا « مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ » من الزروع والبقول والحشيش « حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ » بأصناف النبات وإشكالها وألوانها المختلفة كعروس أخذت من ألوان الثياب والزينة « فتزينت بها وازينت : أصله تزينت فأدغم وقد قرئ على الأصل وازينت على أفعلت من غير إعلال كأغيلت ، والمعنى صارت ذات زينة ، وازيانت كابياضت « وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها » متمكنون من حصدها ورفع غلتها « أَتاها أَمْرُنا » ضرب زرعها ما يحتاجه « لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها » جعلنا زرعها « حَصِيداً » شبيها بما حصد من أصله « كَأَنْ لَمْ تَغْنَ » كان لم يغن زرعها أي لم تنبت ،

__________________

(١) القاموس المحيط : ج ٢ ص ٤٠ « ط مصر ».

(٢) نفس المصدر : ج ٣ ص ١٦٢.

١٧٤

بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ » (١) فكونوا عباد الله من القوم الذين يتفكرون ولا تركنوا إلى الدنيا فإن الله عز وجل قال لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله : « وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ » (٢) ولا تركنوا إلى زهرة الدنيا وما فيها ركون من اتخذها دار قرار ومنزل استيطان فإنها دار بلغة ومنزل قلعة ودار عمل فتزودوا الأعمال الصالحة فيها قبل تفرق أيامها وقبل الإذن من الله في خرابها فكان قد أخربها الذي عمرها أول مرة وابتدأها وهو ولي ميراثها فأسأل الله العون لنا ولكم على تزود التقوى والزهد فيها جعلنا الله وإياكم من الزاهدين في عاجل زهرة الحياة الدنيا الراغبين لآجل ثواب الآخرة فإنما نحن به وله وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

______________________________________________________

والمضاف محذوف في الموضعين للمبالغة ، وقرأ بالياء على الأصل « بِالْأَمْسِ » لا فيما (٣) قبله ، وهو مثل في الوقت القريب ، والممثل به مضمون الحكاية ، وهو زوال خضرة النبات فجأة وذهابه حطاما بعد ما كان غضا ، والتف وزين الأرض حتى طمع فيه أهله وظنوا أنه قد سلم من الحوائج (٤) ، لا الماء ، وإن وليه حرف التشبيه ، لأنه من التشبيه المركب « كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ » فإنهم المنتفعون به (٥).

قوله : « وَلا تَرْكَنُوا » قال الفيروزآبادي (٦) : ركن إليه كنصر وعلم ومنع ركونا : مال وسكن.

قوله عليه‌السلام : « دار بلغة » البلغة بالضم : ما يتبلغ به من العيش أي دار ينبغي أن يكتفي فيها بقدر الكفاية أو ينبغي أن يؤخذ منها ما يبلغ به إلى نعيم الآخرة ودرجاتها ، وقال الجوهري (٧) : هذا منزل قلعة أي ليس بمستوطن ومجلس قلعة إذا كان صاحبه يحتاج إلى أن يقوم مرة بعد مرة ، ويقال أيضا : هم على قلعة أي على رحلة.

قوله عليه‌السلام : « فإنما نحن به وله » الظاهر أن الضمير راجع إلى ثواب الآخرة أي نحن متلبسون به كناية عن قربه ، وله أي خلقنا وكلفنا لأجله ، ويحتمل إرجاع

__________________

(١) سورة يونس : ٢٤.

(٢) سورة هود : ١١٣.

(٣) في المصدر : فيما فيله.

(٤) في المصدر : من الحوائج.

(٥) أنوار التنزيل : ج ١ ص ٤٤٤ ـ ٤٤٥.

(٦) القاموس المحيط : ج ٤ ص ٢٢٩ « ط مصر ».

(٧) الصحاح : ج ٣ ص ٣٧١.

١٧٥

( حديث الشيخ مع الباقر عليه‌السلام )

٣٠ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن سنان ، عن إسحاق بن عمار قال حدثني رجل من أصحابنا ، عن الحكم بن عتيبة قال بينا أنا مع أبي جعفر عليه‌السلام والبيت غاص بأهله إذ أقبل شيخ يتوكأ على عنزة له حتى وقف على باب البيت فقال السلام عليك يا ابن رسول الله ورحمة الله وبركاته ثم سكت فقال أبو جعفر عليه‌السلام وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ثم أقبل الشيخ بوجهه على أهل البيت وقال السلام عليكم ثم سكت حتى أجابه القوم جميعا وردوا عليه‌السلام ثم أقبل بوجهه على أبي جعفر عليه‌السلام ثم قال يا ابن رسول الله أدنني منك جعلني الله فداك فو الله إني لأحبكم وأحب من يحبكم وو الله ما أحبكم وأحب من يحبكم لطمع في دنيا و [ الله ] إني لأبغض عدوكم وأبرأ منه وو الله ما أبغضه وأبرأ منه لوتر كان بيني وبينه والله إني لأحل حلالكم وأحرم حرامكم وأنتظر أمركم فهل ترجو لي جعلني الله فداك فقال أبو جعفر عليه‌السلام إلي إلي حتى أقعده إلى جنبه ثم قال أيها الشيخ إن أبي علي بن الحسين عليه‌السلام أتاه رجل فسأله عن مثل الذي سألتني عنه فقال له أبي عليه‌السلام إن تمت ترد على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ويثلج قلبك ويبرد فؤادك وتقر عينك وتستقبل بالروح

______________________________________________________

الضمير إلى الله تعالى أي نحن موجودون به ، وباستعانته تعالى ، وينبغي أن نخلص أعمالنا له تعالى ، والأول أظهر.

الحديث الثلاثون حديث الشيخ مع الباقر عليه‌السلام : حديث الشيخ مع الباقر عليه‌السلام ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « والبيت غاص » قال الجوهري : المنزل غاص بالقوم : أي ممتلئ بهم ، قوله « عنزة » العنزة بالتحريك : أطول من العصا وأقصر من الرمح ، قوله : « لوتر » الوتر : الجناية التي يجنيها الرجل على غيره من قتل أو نهب أو سبي.

قوله : « إلى إلى » أي أقبل أو أقرب إلى.

قوله عليه‌السلام : « ويثلج قلبك » أي يطمئن قلبك وتفرح فؤادك ، وتسر عينك ،

١٧٦

والريحان مع الكرام الكاتبين لو قد بلغت نفسك هاهنا وأهوى بيده إلى حلقه وإن تعش ترى ما يقر الله به عينك وتكون معنا في السنام الأعلى فقال الشيخ كيف قلت يا أبا جعفر فأعاد عليه الكلام فقال الشيخ الله أكبر يا أبا جعفر إن أنا مت أرد على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين عليه‌السلام وتقر عيني ويثلج قلبي ويبرد فؤادي وأستقبل بالروح والريحان مع الكرام الكاتبين لو قد بلغت نفسي إلى هاهنا وإن أعش أرى ما يقر الله به عيني فأكون معكم في السنام الأعلى ثم أقبل الشيخ ينتحب ينشج ها ها ها حتى لصق بالأرض وأقبل أهل البيت ينتحبون وينشجون لما يرون من حال الشيخ وأقبل أبو جعفر عليه‌السلام يمسح بإصبعه الدموع من حماليق عينيه وينفضها ثم رفع الشيخ رأسه فقال لأبي جعفر عليه‌السلام يا ابن رسول الله ناولني

______________________________________________________

والعرب تعبر عن الراحة ، والفرح والسرور بالبرد ، قال الفيروزآبادي (١) : ثلجت نفسي كنصر وفرح : اطمأنت كأثلجت ، وقال : عيش بارد هنيء ، وقال الجزري (٢) : فيه « ول حارها من تولى قارها » جعل الحر كناية عن الشر والشدة ، والبرد كناية عن الخير والهين ، وقال الجوهري (٣) : قرت عينه : تقر وتقر نقيض سخنت ، وأقر الله عينه : أي أعطاه حتى تقر فلا تطمح إلى من هو فوقه ، ويقال : حتى تبرد ولا تسخن ، فللسرور دمعة باردة ، وللحزن دمعة حارة.

قوله عليه‌السلام : « وإن تعش ترى ما تقر به عينك » أي في ظهور دولتهم عليهم‌السلام.

قوله عليه‌السلام : « وتكون معنا في السنام الأعلى » أي في أعلى درجات الجنان ، قال الجزري (٤) : سنام كل شيء أعلاه.

قوله عليه‌السلام : « ينتحب » قال الجوهري : النحيب رفع الصوت بالبكاء ، والانتحاب مثله (٥) ، وقال : نشج الباكي ينشج نشجا إذا غص بالبكاء في حلقه من غير انتحاب (٦).

قوله عليه‌السلام : « من حماليق عينيه » قال الفيروزآبادي (٧) : حملاق : العين بالضم والكسر وكعصفور : باطن أجفانها الذي تسود بالكحل ، أو ما غطته الأجفان من بياض المقلة ، أو باطن الجفن الأحمر الذي إذا قلب للكحل بدت حمرته ، أو ما لزم بالعين من موضع

__________________

(١) القاموس المحيط : ج ١ ص ١٨١. (٢) النهاية : ج ١ ص ٢٦٤.

(٣) الصحاح : ج ٢ ص ٧٩٠. (٤) النهاية : ج ٢ ص ٤٠٩.

(٥ و ٦) الصحاح : ج ١ ص ٢٢٢ و ٣٤٤. (٧) القاموس المحيط : ج ١ ص ٢٠٩.

١٧٧

يدك جعلني الله فداك فناوله يده فقبلها ووضعها على عينيه وخده ثم حسر عن بطنه وصدره ثم قام فقال : السلام عليكم وأقبل أبو جعفر عليه‌السلام ينظر في قفاه وهو مدبر ثم أقبل بوجهه على القوم فقال من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا فقال الحكم بن عتيبة لم أر مأتما قط يشبه ذلك المجلس.

( قصة صاحب الزيت )

٣١ ـ عنه ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال كان رجل يبيع الزيت وكان يحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حبا شديدا كان إذا أراد أن يذهب في حاجته لم يمض حتى ينظر إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد عرف ذلك منه فإذا جاء تطاول له حتى ينظر إليه حتى إذا كانت ذات يوم دخل عليه فتطاول له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى نظر إليه ثم مضى في حاجته فلم يكن بأسرع من أن رجع فلما رآه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد فعل ذلك أشار إليه بيده اجلس فجلس بين يديه فقال ما لك فعلت اليوم شيئا

______________________________________________________

الكحل من باطن ، جمعه حماليق.

قوله عليه‌السلام : « ثم حسر » أي كشف الشيخ الثوب عن بطنه وصدره ، فوضع يده عليه‌السلام عليهما للتيمن والبركة والتخلص من العذاب.

قوله : « لم أر مأتما » أي لكثرة بكاء الناس.

الحديث الحادي والثلاثون : مرسل.

قوله عليه‌السلام : « قد عرف » على المعلوم أي الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو على المجهول أي صار بذلك معروفا بين الناس.

قوله عليه‌السلام : « تطاول » أي كان إذا جاء هذا الرجل تطاول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ورفع رأسه ومد عنقه من بين الناس ليراه الرجل.

١٧٨

لم تكن تفعله قبل ذلك فقال يا رسول الله والذي بعثك بالحق نبيا لغشي قلبي شيء من ذكرك حتى ما استطعت أن أمضي في حاجتي حتى رجعت إليك فدعا له وقال له خيرا ثم مكث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أياما لا يراه فلما فقده سأل عنه فقيل يا رسول الله ما رأيناه منذ أيام فانتعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وانتعل معه أصحابه وانطلق حتى أتوا سوق الزيت فإذا دكان الرجل ليس فيه أحد فسأل عنه جيرته فقالوا يا رسول الله مات ولقد كان عندنا أمينا صدوقا إلا أنه قد كان فيه خصلة قال وما هي قالوا كان يرهق يعنون يتبع النساء فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : رحمه الله والله لقد كان يحبني حبا لو كان نخاسا لغفر الله له.

٣٢ ـ علي بن محمد ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن عثمان بن عيسى ، عن ميسر قال دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام فقال كيف أصحابك فقلت جعلت فداك لنحن عندهم أشر من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا قال وكان متكئا فاستوى جالسا ثم قال كيف قلت قلت والله لنحن عندهم أشر من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا فقال أما والله لا تدخل النار منكم اثنان لا والله ولا واحد والله إنكم الذين قال الله عز وجل : « وَقالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ » (١) ثم قال طلبوكم والله في النار فما وجدوا منكم أحدا

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « لغشي » قال الجوهري (٢) : غشيه شيء : جاءه والمعنى أنه ورد على قلبي شيء من ذكرك وحبك حتى تركت حاجتي ورجعت إليك.

قوله : « كان يرهق » قال الفيروزآبادي : رهقه كفرح : غشيه ولحقه أو دنا منه ، سواء أخذه أو لم يأخذه ، والرهق محركة : ركوب الشر والظلم ، وغشيان المحارم ، وكعظم الموصوف بالرهق ومن يظن به السوء (٣) ، قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لو كان نخاسا لغفر الله له » فيه ذم عظيم للنخاس ، ولعل المراد من يبيع الأحرار عمدا.

الحديث الثاني والثلاثون : موثق على الظاهر ، وقد مر (٤) تفسيره في خبر أبي بصير.

__________________

(١) ص : ٦١ ـ ٦٤.

(٢) الصحاح : ج ٦ ص ٢٤٤٧. وفي المصدر « وغشيه غشيانا أي جاءه ».

(٣) القاموس المحيط : ج ٣ ص ٢٣٩ « ط مصر ».

(٤) تقدم ص : ٧٨ ـ ٨٢.

١٧٩

( وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لأمير المؤمنين عليه‌السلام )

٣٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن النعمان ، عن معاوية بن عمار قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول كان في وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام أن قال يا علي أوصيك في نفسك بخصال فاحفظها عني ثم قال اللهم أعنه أما الأولى فالصدق ولا تخرجن من فيك كذبة أبدا والثانية الورع ولا تجترئ على خيانة أبدا والثالثة الخوف من الله عز ذكره كأنك تراه والرابعة كثرة البكاء من خشية الله يبنى لك بكل دمعة ألف بيت في الجنة والخامسة بذلك مالك ودمك دون دينك والسادسة الأخذ بسنتي في صلاتي وصومي وصدقتي أما الصلاة فالخمسون ركعة وأما الصيام فثلاثة أيام في الشهر ـ الخميس في أوله والأربعاء في وسطه والخميس في آخره وأما الصدقة فجهدك حتى تقول قد أسرفت ولم تسرف وعليك بصلاة الليل وعليك بصلاة الزوال وعليك بصلاة الزوال وعليك بصلاة الزوال وعليك بتلاوة

______________________________________________________

الحديث الثالث والثلاثون : صحيح.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أوصيك في نفسك » أي هذه أمور تتعلق بنفسك لا بمعاشرة الناس.

قوله عليه‌السلام : « دون دينك » أي عند حفظ دينك أو غيره.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « فجهدك » أي كلما تطيقه وتقدر عليه.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « وعليك بصلاة الزوال » الظاهر أن المراد نافلة الزوال قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « وعليك برفع يديك » أي في التكبيرات ، والمراد بتقليبها إما ردهما بعد الرفع أو تقليبهما في أحوال الصلاة بأن يضعهما في كل حال على ما ينبغي أن تكونا عليه ، ويحتمل أن يكون المراد رفعهما في القنوت ، وتقليبهما بالتضرع والتبتل

١٨٠