مرآة العقول - ج ٢٥

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول - ج ٢٥

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


المحقق: السيد جعفر الحسيني
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٢

عرف الاختلاف فليس بضعيف وسألت عن الشهادات لهم فأقم الشهادة لله عز وجل ولو على نفسك والوالدين والأقربين فيما بينك وبينهم فإن خفت على أخيك ضيما فلا وادع إلى شرائط الله عز ذكره بمعرفتنا من رجوت إجابته ولا تحصن بحصن رياء ووال آل محمد ولا تقل لما بلغك عنا ونسب إلينا هذا باطل وإن كنت تعرف منا خلافه ـ

______________________________________________________

المؤمنين ، ويحبون الأئمة ولا يتبرءون من أعدائهم ، وقد مر تحقيق ذلك في شرح كتاب الإيمان والكفر (١).

قوله عليه‌السلام : « فيما بينك وبينهم » لعل المراد أنه وإن كانت الشهادة فيما بينك وبينهم ولم يعلم بها أحد يلزمك أيضا إقامتها ، ويدل ظاهرا على جواز إقامة الشهادة عند المخالفين وقضاة الجور ، وقيل : المراد بقوله : « فيما بينك وبينهم » أنه لا يلزمك إقامة الشهادة عند قضاتهم ، بل يلزمك إظهار الحق فيما بينك وبينهم ولا يخفى بعده.

قوله عليه‌السلام : « وإن خفت على أخيك ضيما » أي ظلما بأن كان يعلم مثلا أن المدعى عليه معسر ، ويعلم أنه مع شهادته يجبره الحاكم على أدائه فلا يلزم إقامة تلك الشهادة.

قوله عليه‌السلام : « وادع إلى شرائط الله تعالى بمعرفتنا » أي إلى الشرائط التي اشترطها الله على الناس بسبب معرفة الأئمة من ولايتهم ومحبتهم وإطاعتهم ، والتبري من أعدائهم ومخالفيهم ، ويحتمل أن يكون المراد بالشرائط الوعد والوعيد والتأكيد والتهديد الذي ورد في أصل المعرفة وتركها.

قوله عليه‌السلام : « ولا تحصن بحصن رياء » أي لا تتحصن من ملامة الخلق بحصن الأعمال الريائية ، وفي بعض النسخ « ولا تحضر حصن زناء » فالمراد به النهي عن ارتكاب الزنا بأبلغ وجه وفيه بعد.

__________________

(١) لاحظ : ج ١١ ص ٢٠١.

٣٠١

فإنك لا تدري لما قلناه وعلى أي وجه وصفناه آمن بما أخبرك ولا تفش ما استكتمناك من خبرك إن من واجب حق أخيك أن لا تكتمه شيئا تنفعه به لأمر دنياه وآخرته ولا تحقد عليه وإن أساء وأجب دعوته إذا دعاك ولا تخل بينه وبين عدوه من الناس وإن كان أقرب إليه منك وعده في مرضه ليس من أخلاق المؤمنين الغش ولا الأذى ولا الخيانة ولا الكبر ولا الخنا ولا الفحش ولا الأمر به فإذا رأيت المشوه الأعرابي في

______________________________________________________

ويمكن أن يقرأ زناء بالتشديد ، أي هؤلاء المرتكبين للزناء بغصب حقوق أهل البيت عليهم‌السلام ، وفي بعض النسخ « ولا تحضر حصن زناد آل محمد عليهم‌السلام » الزناد جمع الزند وهو العود الذي يقدح به النار ، وزند تزنيدا كذب وعاقب فوق حقه فالمعنى لا تحضر حصنا ، توقد فيه نار الفتنة على أهل البيت عليهم‌السلام.

ولعل الكل تصحيف قوله عليه‌السلام : « إن كان أقرب إليه منك » ، لعل المراد بالعدو العدو في الدين من أهل الباطل المضلين ، ويحتمل الأعم أيضا وإن كان ذلك العدو أقرب إليه منك في النسب ، فلا تكله إليه ، ويحتمل أن يكون ـ كان ـ تامة أي وإن وجد من هو أقرب إليه منك ويقدر على نصره فلا تكله إليه ، وانصره بنفسك.

قوله عليه‌السلام : « آمر به » أي ليس تلك من أخلاق المؤمنين لآمر بها أن توقعوها بالنسبة إلى المخالفين ، أو آمر بتركها وإفراد الضمير باعتبار إرجاعه إلى كل واحد ولعل فيه تصحيفا وفي بعض النسخ « ولا الأمر به » قوله عليه‌السلام : « في جحفل » هو كجعفر الجيش الكبير ، ويقال : كتيبة جرارة أي ثقيلة السير لكثرتها ، ويمكن أن يكون المراد بالأعرابي السفياني ، وقد يطلق الأعرابي على من يسكن البادية من العجم أيضا ، ويمكن أن يكون المراد إشارة إلى هلاكو.

٣٠٢

جحفل جرار فانتظر فرجك ولشيعتك المؤمنين وإذا انكسفت الشمس فارفع بصرك إلى السماء وانظر ما فعل الله عز وجل بالمجرمين فقد فسرت لك جملا مجملا وصلى الله على محمد وآله الأخيار.

( حديث نادر )

٩٦ ـ حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمد بن سماعة ، عن محمد بن أيوب وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال أتى أبو ذر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال يا رسول الله إني قد اجتويت المدينة أفتأذن لي أن أخرج أنا وابن أخي إلى مزينة فنكون بها فقال إني أخشى أن يغير عليك خيل من العرب فيقتل ابن أخيك فتأتيني شعثا فتقوم بين يدي متكئا

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « فإذا انكسفت الشمس » إشارة إلى الانكسار في غير زمانه الذي هو من علامات ظهور القائم عليه‌السلام.

حديث نادر

الحديث السادس والتسعون : حسن أو موثق كالصحيح.

قوله : « اجتويت المدينة » قال الجوهري : اجتويت البلد : إذا كرهت المقام به (١).

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « شعثا » بكسر العين قال الفيروزآبادي : انشعث محركة انتشار الأمر (٢).

__________________

(١) الصحاح : ج ٥ ص ٢٢٠٦.

(٢) القاموس : ج ١ ص ١٦٨.

٣٠٣

على عصاك فتقول قتل ابن أخي وأخذ السرح فقال يا رسول الله بل لا يكون إلا خيرا إن شاء الله فأذن له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فخرج هو وابن أخيه وامرأته فلم يلبث هناك إلا يسيرا حتى غارت خيل لبني فزارة فيها عيينة بن حصن فأخذت السرح وقتل ابن أخيه وأخذت امرأته من بني غفار وأقبل أبو ذر يشتد حتى وقف بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبه طعنة جائفة فاعتمد على عصاه وقال صدق الله ورسوله أخذ السرح وقتل ابن أخي وقمت بين يديك على عصاي فصاح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في المسلمين فخرجوا في الطلب فردوا السرح وقتلوا نفرا من المشركين.

٩٧ ـ أبان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام نزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في غزوة ذات الرقاع تحت شجرة على شفير واد فأقبل سيل فحال بينه وبين أصحابه

______________________________________________________

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « وأخذ السرح » السرح بالفتح الماشية.

قوله : « لا يكون إلا خيرا » أي لا يكون الأمر شيئا إلا خيرا لعله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم ينهه عن الخروج ، وإنما أخبر بوقوع ذلك ، واحتمل أبو ذر أن لا يكون ذلك من التقديرات الحتمية ، أو اختار خير الآخرة بتحمل مشاق الدنيا ، والصبر عليها لو كان في بدو إسلامه ، ولما يكمل في الإيمان واليقين ومعرفة كمال سيد المرسلين ، والأول أنسب برفعة شأنه.

قوله : « يشتد » أي يعدو ويسرع في المشي ، قوله : « وبه طعنة جائفة » أي بلغت جوفه.

الحديث السابع والتسعون : حسن أو موثق كالصحيح ، وهو معطوف على السند السابق.

وهذه الواقعة من المشهورات بين الخاصة (١) ، ورواه الواقدي في تفسير قوله

__________________

(١) لاحظ بحار الأنوار : ج ٢٠ ص ٣ و ١٧٥.

٣٠٤

فرآه رجل من المشركين والمسلمون قيام على شفير الوادي ينتظرون متى ينقطع السيل فقال رجل من المشركين لقومه أنا أقتل محمدا فجاء وشد على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالسيف ثم قال من ينجيك مني يا محمد فقال ربي وربك فنسفه جبرئيل عليه‌السلام عن فرسه فسقط على ظهره فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأخذ السيف وجلس على صدره وقال من ينجيك مني يا غورث فقال جودك وكرمك يا محمد فتركه فقام وهو يقول والله لأنت

______________________________________________________

تعالى : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ » (١) إن رسول الله غزا جمعا من بني ذبيان ومحارب بذي أمر ، فتحصنوا برءوس الجبال ونزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحيث يراهم ، فذهب لحاجته فأصابه مطر فبل ثوبه فنشره على شجرة واضطجع تحته والأعراب ينظرون إليه ، فجاء سيدهم دعثور بن الحرث حتى وقف على رأسه بالسيف مشهورا ، فقال : يا محمد من يمنعك مني اليوم؟ فقال : الله ، فدفع جبرئيل عليه‌السلام في صدره ووقع السيف من يده فأخذه رسول الله وقام على رأسه ، وقال من يمنعك مني اليوم ، فقال : لا أحد وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فنزلت الآية.

وروى ابن شهرآشوب عن الثمالي نحوا من ذلك ، وزاد في آخره فسئل بعد انصرافه عن حاله؟ فقال : نظرت إلى رجل طويل أبيض دفع في صدري فعرفت أنه ملك ويقال أنه أسلم وجعل يدعو قومه إلى الإسلام.

قوله عليه‌السلام : « وشد » قال الجوهري : شد عليه في الحرب يشد شدا أي حمل عليه (٢) قوله عليه‌السلام : « فنسفه » أي قلعه.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « يا غورث » هذا كان اسم ذلك الرجل ، قال الفيروزآبادي

__________________

(١) المائدة : ١١.

(٢) الصحاح : ج ٢ ص ٤٩٣.

٣٠٥

خير مني وأكرم.

٩٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن القاسم بن محمد [ وعلي بن محمد ، عن القاسم بن محمد ] ، عن سليمان بن داود المنقري ، عن حفص بن غياث ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال إن قدرتم أن لا تعرفوا فافعلوا وما عليك إن لم يثن الناس عليك وما عليك أن تكون مذموما عند الناس إذا كنت محمودا عند الله تبارك وتعالى : إن أمير المؤمنين عليه‌السلام كان يقول لا خير في الدنيا إلا لأحد رجلين رجل يزداد فيها كل يوم إحسانا ورجل يتدارك منيته بالتوبة وأنى له بالتوبة فو الله أن لو سجد حتى ينقطع عنقه ما قبل الله عز وجل منه عملا إلا بولايتنا أهل البيت ألا ومن عرف حقنا أو رجا الثواب بنا ورضي بقوته نصف مد كل يوم وما يستر به عورته وما أكن به رأسه وهم مع ذلك والله خائفون وجلون ودوا أنه حظهم من الدنيا وكذلك وصفهم الله عز وجل حيث يقول « وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ

______________________________________________________

غورث بن الحارث : سل سيف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليفتك به فرماه الله تعالى بزلخة (١) بين كتفيه (٢).

الحديث الثامن والتسعون : ضعيف.

قوله : « ورجل يتدارك منيته » المنية الموت ، والمراد تدارك أمر منيته ، والتهيئة لنزوله ، ويحتمل أن تكون منصوبة بنزع الخافض أي يتدارك ذنوبه لمنيته ، وقد مر هذا الجزء من الخبر في كتاب الإيمان والكفر (٣) ، وكان فيه « يتدارك سيئته بالتوبة ».

قوله عليه‌السلام : « وأنى له » لعل الضمير راجع إلى المخالفين المعهودين.

قوله عليه‌السلام : « ألا ومن عرف حقنا » كان الخبر مقدر أي هو ناج ، أو نحوه ويحتمل أن يكون قوله عليه‌السلام « ودوا » خبرا لكنه بعيد.

قوله عليه‌السلام : « وما أكن به رأسه » أي ستره وصانه عن الحر والبرد.

قوله عليه‌السلام : « ودوا أنه حظهم » أي هم راضون بما قدر لهم من التقتير في

__________________

(١) الزّلّخة : بضمّ الزاي وتشديد اللام وفتحها : وجع يأخذ في الظهر لا يتحرك الإنسان من شدّته. « النهاية ، ج ٢ ص ٣٠٨ ».

(٢) القاموس : ج ١ ص ١٧١.

(٣) لاحظ : ج ١١ ص ٣٦٩. وفيه « يتدارك منيّته بالتوبة ».

٣٠٦

ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ » (١) ما الذي أتوا به أتوا والله بالطاعة مع المحبة والولاية وهم في ذلك خائفون أن لا يقبل منهم وليس والله خوفهم خوف شك فيما هم فيه من إصابة الدين ولكنهم خافوا أن يكونوا مقصرين في محبتنا وطاعتنا.

ثم قال إن قدرت أن لا تخرج من بيتك فافعل فإن عليك في خروجك أن لا تغتاب ولا تكذب ولا تحسد ولا ترائي ولا تتصنع ولا تداهن

______________________________________________________

الدنيا ، ولا يريدن أكثر من ذلك حذرا من أن يصير سببا لطغيانهم ، قوله تعالى : « يُؤْتُونَ ما آتَوْا » قال مجمع البيان : أي يعطون ما أعطوا من الزكاة والصدقة وقيل : أعمال البر كلها « وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ » أي خائفة عن قتادة ، وقال الحسن : المؤمن جمع إحسانا وشفقة ، والمنافق جمع إساءة وأمنا.

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : معناه خائفة أن لا يقبل منهم ، وفي رواية أخرى يؤتي ما آتى وهو خائف راج ، وقيل : إن في الكلام حذفا وإضمارا وتأويله قلوبهم وجلة أن لا يقبل منهم ، لعلمهم « أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ » أي لأنهم يوقنون بأنهم يرجعون إلى الله تعالى يخافون أن لا يقبل منهم ، وإنما يخافون ذلك لأنهم لا يأمنون التفريط (٢).

قوله : « إن قدرت أن لا تخرج » أي لغير ما يلزم الخروج له ، كطلب المعاش وأداء الجمعات والجماعات وطلب العلم ، وتشييع الجنائز وعيادة المرضى كما يقتضيه الجمع بين الأخبار.

قوله عليه‌السلام : « فإن عليك في خروجك » أي يلزمك عند الخروج كف النفس عن هذه الأشياء ليتيسر أسبابها بخلاف ما إذا كنت في بيتك ، فإنه لا يتيسر غالبا أسبابها لك فلا يلزمك التكلف في تركها.

قوله عليه‌السلام : « ولا تتصنع » كأنه تأكيد لقوله : « ولا ترائي » ويحتمل أن يكون

__________________

(١) المؤمنون : ٦٠.

(٢) مجمع البيان : ج ٧ ص ١١٠.

٣٠٧

ثم قال نعم صومعة المسلم بيته يكف فيه بصره ولسانه ونفسه وفرجه إن من عرف نعمة الله بقلبه استوجب المزيد من الله عز وجل قبل أن يظهر شكرها على لسانه ومن ذهب يرى أن له على الآخر فضلا فهو من المستكبرين فقلت له إنما يرى أن له عليه فضلا بالعافية إذا رآه مرتكبا للمعاصي فقال هيهات هيهات فلعله أن يكون قد غفر له ما أتى وأنت موقوف محاسب أما تلوت قصة سحرة موسى عليه‌السلام ثم قال كم من مغرور بما قد أنعم الله عليه وكم من مستدرج بستر الله عليه وكم من مفتون بثناء الناس عليه ثم قال إني لأرجو النجاة لمن عرف حقنا من هذه الأمة إلا لأحد ثلاثة صاحب سلطان جائر وصاحب هوى والفاسق المعلن.

______________________________________________________

المراد بالتصنع التزين للناس ، والإسراف في اللباس ، قال الفيروزآبادي : التصنع تكلف حسن السمت والتزين.

قوله عليه‌السلام : « نعم صومعة المسلم بيته » الصومعة : معابد النصارى أو مطلق المعابد.

قوله عليه‌السلام : « أن من عرف » فضل النعمة وأن المنعم به هو الله تعالى فهو شاكر داخل في قوله تعالى : « لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ » (١) فيستوجب المزيد منه تعالى.

قوله عليه‌السلام : « بالعافية » أي من المعاصي.

قوله عليه‌السلام : « وكم من مستدرج » قال الفيروزآبادي (٢) : استدرجه خدعه ، واستدراج الله تعالى العبد أنه كلما جدد خطيئة جدد له نعمة وأنساه الاستغفار وأن يأخذه قليلا قليلا ولا يباغته ، وفي بعض النسخ « بستر الله » بالباء الموحدة ، وفي بعضها بالياء.

قوله عليه‌السلام : « صاحب سلطان » أي سلطنته.

قوله عليه‌السلام : « وصاحب هوى » أي رأي مبتدع اتبع فيه هواه بغير هدى

__________________

(١) سورة إبراهيم : ٧.

(٢) القاموس : ج ١ ص ٣٨٧.

٣٠٨

ثم تلا « قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ » (١) ثم قال يا حفص الحب أفضل من الخوف ثم قال والله ما أحب الله من أحب الدنيا ووالى غيرنا ومن عرف حقنا وأحبنا فقد أحب الله تبارك وتعالى فبكى رجل فقال أتبكي لو أن أهل السماوات والأرض كلهم اجتمعوا يتضرعون إلى الله عز وجل أن ينجيك من النار ويدخلك الجنة لم يشفعوا فيك [ ثم كان لك قلب حي لكنت أخوف الناس لله عز وجل في تلك الحال ] ثم قال له يا حفص كن ذنبا ولا تكن رأسا يا حفص قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من خاف الله كل لسانه.

ثم قال بينا موسى بن عمران عليه‌السلام يعظ أصحابه إذ قام رجل فشق قميصه فأوحى الله عز وجل إليه يا موسى قل له لا تشق قميصك ولكن اشرح لي عن قلبك.

ثم قال مر موسى بن عمران عليه‌السلام برجل من أصحابه وهو ساجد فانصرف من حاجته وهو ساجد على حاله فقال له موسى عليه‌السلام لو كانت حاجتك بيدي لقضيتها لك فأوحى الله عز وجل إليه يا موسى لو سجد حتى ينقطع عنقه ما قبلته حتى يتحول عما أكره إلى ما أحب.

______________________________________________________

من الله.

قوله عليه‌السلام : « فبكى رجل » هو كان مخالفا غير موال للأئمة عليهم‌السلام ، فلذا قال له عليه‌السلام : إنه لا ينفعه شفاعة الشافعين ، لعدم كونه على دين الحق.

قوله عليه‌السلام : « كن ذنبا » أي تابعا لأهل الحق ، ولا تكن رأسا أي متبوعا لأهل الباطل.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « كل لسانه » أي عن غير ما ينفعه ، قوله تعالى : « ولكن اشرح لي عن قلبك » الشرح : الكشف والفتح أي أظهر لي ما كتمته من المساوي في قلبك ليعرفك الناس ، والغرض توبيخه بما ستره في جوفه من المساوي ، ويظهر للناس من محاسن الأخلاق ، أو المراد اجعل قلبك طاهرا من الأدناس لأراها كذلك ، قوله تعالى : « عما أكره » لعل المراد الدين الفاسد ويحتمل الأعمال أيضا.

__________________

(١) سورة آل عمران : ٣١.

٣٠٩

( حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله )

٩٩ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم وغيره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ما كان شيء أحب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من أن يظل جائعا خائفا في الله.

١٠٠ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد وأبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار جميعا ، عن ابن فضال ، عن علي بن عقبة ، عن سعيد بن عمرو الجعفي ، عن محمد بن مسلم قال دخلت على أبي جعفر عليه‌السلام ذات يوم وهو يأكل متكئا ـ قال وقد كان يبلغنا أن ذلك يكره فجعلت أنظر إليه فدعاني إلى طعامه فلما فرغ قال يا محمد لعلك ترى أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما رأته عين وهو يأكل وهو متكئ من أن بعثه الله إلى أن قبضه قال ثم رد على نفسه فقال لا والله ما رأته عين يأكل وهو متكئ من أن بعثه الله إلى أن قبضه ثم قال يا محمد لعلك ترى أنه شبع من خبز البر ثلاثة أيام متوالية من أن بعثه الله إلى أن قبضه ثم رد على نفسه ثم قال لا والله ما شبع من خبز البر ثلاثة أيام متوالية منذ بعثه الله إلى أن قبضه أما إني لا أقول إنه كان لا يجد لقد كان يجيز الرجل الواحد بالمائة

______________________________________________________

الحديث التاسع والتسعون : حسن.

قوله عليه‌السلام : « يظل جائعا » قال الفيروزآبادي : ظل نهاره يفعل كذا وليله سمع في الشعر يظل بالفتح (١) ، وفي بعض النسخ « يصل » من الصلة والإحسان.

الحديث المائة : مجهول.

قوله : « وهو يأكل متكئا » لعله كان فعله عليه‌السلام إما لبيان الجواز أو لعذر وضعف.

قوله عليه‌السلام : « ولقد كان يجيز » من الجائزة بمعنى العطية.

__________________

(١) القاموس : ج ٤ ص ١٠.

٣١٠

من الإبل فلو أراد أن يأكل لأكل ولقد أتاه جبرئيل عليه‌السلام بمفاتيح خزائن الأرض ثلاث مرات يخيره من غير أن ينقصه الله تبارك وتعالى مما أعد الله له يوم القيامة شيئا فيختار التواضع لربه جل وعز وما سئل شيئا قط فيقول لا إن كان أعطى وإن لم يكن قال يكون وما أعطى على الله شيئا قط إلا سلم ذلك إليه حتى إن كان ليعطي الرجل الجنة فيسلم الله ذلك له ثم تناولني بيده وقال وإن كان صاحبكم ليجلس جلسة العبد ويأكل إكلة العبد ويطعم الناس خبز البر واللحم ويرجع إلى أهله فيأكل الخبز والزيت وإن كان ليشتري القميص السنبلاني ثم يخير غلامه خيرهما ثم

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « قال : يكون » أي يحصل بعد ذلك فنعطيك.

قوله عليه‌السلام : « وما أعطى على الله » أي معتمدا ومتوكلا على الله ، ويحتمل أن تكون « على » بمعنى « عن » أي عنه ، ومن قبله تعالى.

قوله : « ثم تناولني بيده » وفي كثير من النسخ « من يناوله بيده » فلعله بيان وتفسير ، أو بدل لقوله ذلك ، أو الباء السببية فيه مقدرة ، أي يسلم ذلك له بأن يبعث إليه من يعطيه بيده ، ولعله تصحيف.

قوله عليه‌السلام : « وإن كان صاحبكم » يعني أمير المؤمنين عليه‌السلام وإن مخففة.

قوله عليه‌السلام : « ليجلس جلسة العبد » يظهر من بعض الأخبار أن المراد بها الجثو على الركبتين ، وب « أكلة العبد » الأكل على الحضيض من غير أن يجلس على فرش مختص به ، أو من غير خوان يضع الطعام عليه.

قوله عليه‌السلام : « القميص السنبلاني » قال الفيروزآبادي (١) : قميص سنبلاني سابغ الطول أو منسوب إلى بلد بالروم ، وفي أمالي الصدوق (٢) بسند آخر عنه عليه‌السلام « القميصين السنبلانيين » وهو أظهر.

__________________

(١) القاموس : ج ٣ ص ٣٩٨.

(٢) الأمالي : ص ٢٣٢ « ط النجف الأشرف ».

٣١١

يلبس الباقي فإذا جاز أصابعه قطعه وإذا جاز كعبه حذفه وما ورد عليه أمران قط كلاهما لله رضا إلا أخذ بأشدهما على بدنه ولقد ولي الناس خمس سنين فما وضع آجرة على آجرة ولا لبنة على لبنة ولا أقطع قطيعة ولا أورث بيضاء ولا حمراء إلا سبعمائة درهم فضلت من عطاياه أراد أن يبتاع لأهله بها خادما وما أطاق أحد عمله وإن كان علي بن الحسين عليه‌السلام لينظر في الكتاب من كتب علي عليه‌السلام فيضرب به الأرض ويقول من يطيق هذا.

١٠١ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن حماد بن عثمان قال حدثني علي بن المغيرة قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول إن جبرئيل عليه‌السلام أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فخيره وأشار عليه بالتواضع وكان له ناصحا فكان رسول

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « فإذا جاز أصابعه قطعه » إلى آخره لأنه عليه‌السلام كان لا يحب الفضول في الثوب وكانت من علامات الكبر قوله عليه‌السلام : « ولا أقطع قطيعة » أي لنفسه وأهله أو مطلقا بأن يكون الإقطاع من خصائص الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأول أظهر.

قوله عليه‌السلام : « في الكتاب من كتب علي عليه‌السلام » أي من كتب سيره وتواريخه أو من كتب أعماله التي كان يعمل بها.

الحديث الحادي والمائة : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « وأشار عليه » أي جبرئيل عليه‌السلام قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « في الرفيق الأعلى » أي أحب أن أكون في الرفيق الأعلى ، قال الجزري : في حديث الدعاء « وألحقني بالرفيق الأعلى » الرفيق : جماعة الأنبياء الذين يسكنون أعلى عليين ، وهو اسم جاء على فعيل ، ومعناه الجماعة كالصديق والخليط يقع على الواحد والجمع ، ومنه قوله تعالى : « وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً » (١) وقيل معنى ألحقني بالرفيق الأعلى ، أي بالله

__________________

(١) النساء ٦٩.

٣١٢

الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يأكل إكلة العبد ويجلس جلسة العبد تواضعا لله تبارك وتعالى ثم أتاه عند الموت بمفاتيح خزائن الدنيا فقال هذه مفاتيح خزائن الدنيا بعث بها إليك ربك ليكون لك ما أقلت الأرض من غير أن ينقصك شيئا فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الرفيق الأعلى.

١٠٢ ـ سهل بن زياد ، عن ابن فضال ، عن علي بن عقبة ، عن عبد المؤمن الأنصاري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عرضت علي بطحاء مكة ذهبا فقلت يا رب لا ولكن أشبع يوما وأجوع يوما فإذا شبعت حمدتك وشكرتك وإذا جعت دعوتك وذكرتك.

( حديث عيسى ابن مريم عليهما‌السلام )

١٠٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن علي بن أسباط عنهم عليهم‌السلام قال فيما وعظ الله عز وجل به عيسى عليه‌السلام

______________________________________________________

تعالى يقال : الله رفيق بعباده من الرفق والرأفة ، فهو فعيل بمعنى فاعل. ومنه حديث عائشة ، سمعته يقول عند موته : بل الرفيق الأعلى ، وذلك أنه خير بين البقاء في الدنيا وبين ما عند الله ، فاختار ما عند الله (١).

الحديث الثاني والمائة : ضعيف.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « عرضت على بطحاء مكة ذهبا » البطحاء : مسيل واسع فيه دقاق الحصى ، أي قيل له : إن أردت نجعل لك تلك البطحاء مملوءة من الذهب أو نجعل أرضها وحصاها ذهبا أو جعلت له كذلك ، فلما لم يرد عاد إلى ما كان عليه.

الحديث الثالث والمائة : حديث عيسى بن مريم حسن أو موثق. إلا أن الظاهر أن فيه إرسالا.

ورواه الصدوق (٢) : في أماليه ، عن محمد بن موسى بن المتوكل عن عبد الله

__________________

(١) النهاية : ج ٢ ص ٢٤٦.

(٢) الأمالي : ص ٤١٦ « ط النجف الأشرف ».

٣١٣

يا عيسى أنا ربك ورب آبائك اسمي واحد وأنا الأحد المتفرد بخلق كل شيء وكل شيء من صنعي وكل إلي راجعون.

يا عيسى أنت المسيح بأمري وأنت تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني وأنت تحيي الموتى بكلامي فكن إلي راغبا ومني راهبا ولن تجد مني ملجأ إلا إلي.

يا عيسى أوصيك وصية المتحنن عليك بالرحمة حتى حقت لك مني الولاية بتحريك مني المسرة فبوركت كبيرا وبوركت صغيرا حيث ما كنت أشهد أنك

______________________________________________________

ابن جعفر الحميري عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن علي بن أسباط عن علي ابن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، فالخبر موثق على الأظهر ، وهو يؤيد الإرسال هيهنا.

قوله تعالى : « أنت المسيح بأمري » قال الجزري : قد تكرر فيه ذكر المسيح عليه‌السلام فسمي به ، لأنه كان لا يمسح بيده ذا عاهة إلا بريء وقيل : لأنه كان يمسح الأرض أي يقطعها ، وقيل : المسيح. الصديق ، وقيل : هو بالعبرانية مشيحا فعرب (١).

قوله تعالى : « أوصيك وصية المتحنن » التحنن : الترحم واللطف (٢) والحاصل أني أوصيك وقد أحسنت إليك برحمتي وربيتك في درجات الكمال بلطفي « حتى حقت » أي ثبتت ووجبت لك ولايتي ومحبتي بسبب أنك تطلب مسرتي ، ولا تفعل إلا ما هو موجب لرضاي ، ففي قوله : « مني » التفات ، وفي الأمالي « حين حقت » قوله تعالى : « فبوركت كبيرا » البركة النمو والزيادة أي زيد في علمك وقربك وكمالك في صغرك وكبرك ، أو جعلتك ذا بركة في صغرك وكبرك ، فإنه عليه‌السلام ، كانت إحدى معجزاته البركة في يده ولسانه بإحياء الموتى وإبراء ذوي العاهات ، وتكثير القليل من الطعام والشراب.

__________________

(١) النهاية : ج ٤ ص ٣٢٦.

(٢) المصباح : ج ٢ ص ١٨٩.

٣١٤

عبدي ابن أمتي أنزلني من نفسك كهمك واجعل ذكري لمعادك وتقرب إلي بالنوافل وتوكل علي أكفك ولا توكل على غيري فآخذ لك.

يا عيسى اصبر على البلاء وارض بالقضاء وكن كمسرتي فيك فإن مسرتي أن أطاع فلا أعصى.

يا عيسى أحي ذكري بلسانك وليكن ودي في قلبك.

يا عيسى تيقظ في ساعات الغفلة واحكم لي لطيف الحكمة.

يا عيسى كن راغبا راهبا وأمت قلبك بالخشية.

يا عيسى راع الليل لتحري مسرتي وأظمئ نهارك ليوم حاجتك عندي.

يا عيسى نافس في الخير جهدك ـ تعرف بالخير حيثما توجهت

______________________________________________________

قوله تعالى : « أنزلني من نفسك كهمك » أي اجعلني قريبا منك أو اتخذني قريبا منك كقرب همك ، وما يخطر ببالك منك ، أو اهتم بأوامري كما تهتم بأمور نفسك.

قوله تعالى : « واجعل ذكري لمعادك » أي اذكرني ليكون ذخيرة لمعادك.

قوله تعالى : « ولا تول غيري » (١) أي لا تتخذ غيري ولي أمرك ، أو لا تجعل حبك لغيري فأخذلك ، أي أترك نصرك.

قوله تعالى : « وكن كمسرتي فيك » أي كن كما يسرني أن تكون عليه.

قوله تعالى : « وأحكم لي لطيف الحكمة » أي أتقن لطائف الحكمة وبينها للخلق خالصا لوجهي ، وفي الأمالي « وأحكم لي بلطيف الحكمة » أي اقض واحكم بين الخلق بما علمتك من لطائف الحكمة.

قوله تعالى : « وأمت قلبك » أي شهوات قلبك أو قلبك عن الشهوات.

قوله تعالى : « نافس بالخير » (٢) قال الجزري : المنافسة : الرغبة في الشيء

__________________

(١) في المتن « ولا توكّل على غيري » وفي الأمالي « ولا تولّ غيري ».

(٢) في المتن « نافس على الخير ».

٣١٥

يا عيسى احكم في عبادي بنصحي وقم فيهم بعدلي فقد أنزلت عليك شفاء لما في الصدور من مرض الشيطان.

يا عيسى لا تكن جليسا لكل مفتون.

يا عيسى حقا أقول ما آمنت بي خليقة إلا خشعت لي ولا خشعت لي إلا رجت ثوابي فأشهد أنها آمنة من عقابي ما لم تبدل أو تغير سنتي.

يا عيسى ابن البكر البتول ابك على نفسك بكاء من ودع الأهل وقلى الدنيا وتركها لأهلها وصارت رغبته فيما عند إلهه.

______________________________________________________

والانفراد به وهو من الشيء النفيس الجيد في نوعه. ونافست في الشيء منافسة ونفاسا إذا رغبت فيه (١).

قوله تعالى : « جهدك » أي بقدر وسعك وطاقتك لتكون معروفا بالخير حيث توجهت.

قوله تعالى : « بنصحي » أي بما علمتك للحكم بينهم لنصحي لهم أو كما أني لك ناصح فكن أنت ناصحا لهم.

قوله تعالى : « بعدلي » أي بالحكم العدل الذي جعلت لهم.

قوله تعالى : « فقد أنزلته (٢) » أي العدل أو الكتاب المشتمل عليه.

قوله تعالى : « لكل مفتون » أي بالدنيا وزخارفها.

قوله تعالى : « البتول » قال الفيروزآبادي : البتول : المنقطعة عن الرجال ومريم العذراء وفاطمة بنت سيد المرسلين عليهما‌السلام لانقطاعها عن نساء زمانها ونساء الأمة فضلا ودينا وحسبا ، والمنقطعة عن الدنيا إلى الله (٣).

قوله تعالى : « وقلى الدنيا » أي أبغضها.

__________________

(١) النهاية : ج ٥ ص ٦٥.

(٢) في المتن « فقد أنزلت ».

(٣) القاموس : ج ٣ ص ٣٣٢.

٣١٦

يا عيسى كن مع ذلك تلين الكلام وتفشي السلام يقظان إذا نامت عيون الأبرار حذرا للمعاد والزلازل الشداد وأهوال يوم القيامة حيث لا ينفع أهل ولا ولد ولا مال.

يا عيسى اكحل عينك بميل الحزن إذا ضحك البطالون.

يا عيسى كن خاشعا صابرا فطوبى لك إن نالك ما وعد الصابرون.

يا عيسى رح من الدنيا يوما فيوما وذق لما قد ذهب طعمه فحقا أقول ما أنت إلا بساعتك ويومك فرح من الدنيا ببلغة وليكفك الخشن الجشب فقد رأيت إلى

______________________________________________________

قوله تعالى : « كن مع ذلك » أي لا يكن زهدك سببا لنفرتك عن الخلق وسوء الخلق معهم ، بل كن مع الزهد تلين الكلام مع كل أحد ، وتفشي السلام إلى كل من تلقاه.

قوله تعالى : « إذا نامت عيون الأبرار » فكيف الأشرار.

قوله تعالى : « حذرا » بفتح الذال ليكون مفعولا لأجله ، أو بكسر الذال أي كن حذرا.

قوله تعالى : « بميل الحزن » في بعض النسخ بملمول بضم الميمين بمعناه.

قوله تعالى : « رح من الدنيا يوما فيوما » أي اقطع كل يوم عنك شيئا من تعلقات الدنيا حتى لا يصعب عليك مفارقتها عند أجلك ، فإن الموت الاختياري أسهل من الموت الاضطراري وأنفع.

قوله تعالى : « وذق لما قد ذهب طعمه » وفي الأمالي « ما قد ذهب » أي لا تتبع اللذات وأقنع بالأشياء البشعة التي ذهب طعمه ، ويحتمل أن يكون كناية عن الاعتبار بفناء الدنيا وعدم بقاء لذاتها لكنه بعيد.

قوله تعالى : « ما أنت إلا بساعتك » أي لا تعلم وجودك وبقائك بعد تلك الساعة وهذا اليوم فاغتنمها.

قوله تعالى : « فزح من الدنيا ببلغة » أي اترك واكتف بالبلاغ والكفاف

٣١٧

ما تصير ومكتوب ما أخذت وكيف أتلفت.

يا عيسى إنك مسئول فارحم الضعيف كرحمتي إياك ولا تقهر اليتيم.

يا عيسى ابك على نفسك في الخلوات وانقل قدميك إلى مواقيت الصلوات وأسمعني لذاذة نطقك بذكري فإن صنيعي إليك حسن.

يا عيسى كم من أمة قد أهلكتها بسالف ذنوب قد عصمتك منها.

يا عيسى ارفق بالضعيف وارفع طرفك الكليل إلى السماء وادعني فإني منك

______________________________________________________

أو كن بحيث إذا فارقت الدنيا لم تكن أخذت منها سوى البلغة ، ويحتمل أن يكون المراد بالبلغة ما يبلغ الإنسان من زاد الآخرة إلى درجاتها الرفيعة.

قوله عليه‌السلام : « وليكفك الخشن » أي من الثياب « الجشب » أي من الطعام أو من الثياب أيضا ، قال الجوهري ، طعام جشب ومجشوب : أي غليظ ، ويقال : هو الذي لا إدام معه ، والجشيب من الثياب الغليظ (١).

قوله تعالى : « فقد رأيت إلى ما يصير » بالياء أي الثوب والطعام فإن مصير الأول إلى البلى ، والثاني إلى القذارة والأذى ، أو بالتاء أي بذلك تصير إلى البلاء.

قوله تعالى : « كرحمتي إياك » الكاف للتشبيه في أصل الرحمة لا في كيفيتها وقدرها ، أو للتعليل أي لرحمتي إياك.

قوله تعالى : « إلى مواقيت الصلوات » أي مواضعها ، وفي الأمالي « مواضع الصلوات ».

قوله تعالى : « وأسمعني لذاذة نطقك » أي نطقك اللذيذ ، أو التذاذك بذكري كما مر في حديث موسى.

قوله تعالى : « وارفع طرفك الكليل » قال الجزري : (٢) طرف كليل : إذا لم

__________________

(١) الصحاح : ج ١ ص ٩٩.

(٢) النهاية ج ٤ ص ١٩٨.

٣١٨

قريب ولا تدعني إلا متضرعا إلي وهمك هما واحدا فإنك متى تدعني كذلك أجبك.

يا عيسى إني لم أرض بالدنيا ثوابا لمن كان قبلك ولا عقابا لمن انتقمت منه.

يا عيسى إنك تفنى وأنا أبقى ومني رزقك وعندي ميقات أجلك وإلي إيابك وعلي حسابك فسلني ولا تسأل غيري فيحسن منك الدعاء ومني الإجابة.

يا عيسى ما أكثر البشر وأقل عدد من صبر الأشجار كثيرة وطيبها قليل فلا يغرنك حسن شجرة حتى تذوق ثمرها.

يا عيسى لا يغرنك المتمرد علي بالعصيان يأكل رزقي ويعبد غيري ٠ ثم يدعوني عند الكرب فأجيبه ثم يرجع إلى ما كان عليه فعلي يتمرد أم بسخطي يتعرض فبي حلفت لآخذنه أخذة ليس له منها منجى ولا دوني ملجأ أين يهرب من سمائي وأرضي.

يا عيسى قل لظلمة بني إسرائيل لا تدعوني والسحت تحت أحضانكم ـ والأصنام

______________________________________________________

يحقق المنظور به. أي لا تحدق النظر إلى السماء حياء ، بل انظر بتخشع ، ويحتمل أن يكون وصف الطرف بالكلال لبيان عجز قوي المخلوقين.

قوله تعالى : « وهمك هما واحدا (١) » أي اجعل همك هما واحدا ، ولا تجعل همك إلا هما واحدا ، وفي الأمالي « هم واحد » وهو أظهر.

قوله تعالى : « وإلى إيابك » بكسر الهمزة أي رجوعك.

قوله تعالى : « حتى تذوق ثمرها » أي لا تغتر بحسن ظواهر الخلق حتى تختبرهم ، وتظهر لك مكنونات أديانهم ونياتهم وأخلاقهم.

قوله تعالى : « والسحت تحت أحضانكم » وفي بعض النسخ أقدامكم ، والحضن ما دون الإبط إلى الكشح (٢) ، وهو كناية عن ضبط الحرام وحفظه وعدم رده إلى أهله.

__________________

(١) كذا في النسخ ولعلّ الصواب « أو لا تجعل ».

(٢) المصباح : ج ١ ص ١٧٢.

٣١٩

في بيوتكم فإني آليت أن أجيب من دعاني وأن أجعل إجابتي إياهم لعنا عليهم حتى يتفرقوا.

يا عيسى كم أطيل النظر وأحسن الطلب والقوم في غفلة لا يرجعون تخرج الكلمة من أفواههم لا تعيها قلوبهم يتعرضون لمقتي ويتحببون بقربي إلى المؤمنين.

يا عيسى ليكن لسانك في السر والعلانية واحدا وكذلك فليكن قلبك وبصرك واطو قلبك ولسانك عن المحارم وكف بصرك عما لا خير فيه فكم من ناظر نظرة

______________________________________________________

قوله تعالى : « والأصنام في بيوتكم » لعل المراد بالأصنام ، الدنانير والدراهم والذخائر التي أحرزوها في بيوتهم ولا يؤدون حق الله منها ويتركون طاعة الله فيما أمر فيها ، فكأنهم عبدوها ، كما ورد في الخبر « ملعون من عبد الدينار والدرهم ».

قوله تعالى : « وأجعل إجابتي إياهم لعنا عليهم » أي إجابتي للظالمين فيما يطلبون من أمر دنياهم موجبة لبعدهم عن رحمتي ، واستدراج مني لهم ، وهو موجب لمزيد طغيانهم.

قوله تعالى : « حتى يتفرقوا » أي عن الدعاء أو بالموت.

قوله تعالى : « كم أطيل » وفي الأمالي « كم أجمل ».

قوله تعالى : « لا تعيها » أي لا تحفظها وترعاها بالعمل بها.

قوله تعالى : « يتحببون بي » أي بإظهار محبتي وعبادتي يطلبون محبة المؤمنين لهم ، وفي بعض النسخ [ يتحببون بقربي ].

قوله تعالى : « وكذلك فليكن قلبك وبصرك » أي لا تظهر من قلبك ونظرك عند الناس خلاف ما في قلبك وما تفعله في خلواتك ، قوله تعالى : « وكف بصرك » وفي الأمالي « وغض طرفك » بسكون الراء.

٣٢٠