مرآة العقول - ج ٢٥

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول - ج ٢٥

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


المحقق: السيد جعفر الحسيني
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٢

من الجماع والطعام والشراب يحمدون الله عز وجل عند فراغتهم وأما قوله « أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ » (١) قال يعلمه الخدام فيأتون به أولياء الله قبل أن يسألوهم إياه وأما قوله عز وجل : « فَواكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ » (٢) قال فإنهم لا يشتهون شيئا في الجنة إلا أكرموا به.

٧٠ ـ الحسين بن محمد الأشعري ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي بصير قال قيل لأبي جعفر عليه‌السلام وأنا عنده إن سالم بن أبي حفصة وأصحابه يروون عنك أنك تكلم على سبعين وجها لك منها المخرج فقال ما يريد سالم مني

______________________________________________________

ليس المراد أن ذلك يكون آخر كلامهم حتى لا يتكلمون بعده بشيء ، بل المراد أنهم يجعلون هذا آخر كلامهم في كل ما ذكروه عن الحسن والجبائي (٣) انتهى ، و « الدعوى » في تفسيره عليه‌السلام : بمعنى الدعاء ، أي طلب ما يشتهون ، وفسره البيضاوي (٤) بالدعاء أيضا لكن لا بهذا المعنى ، قوله تعالى : « أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ » قال البيضاوي : أي معلوم خصائصه من الدوام ، وتمحض اللذة ، ولذلك فسره بقوله « فَواكِهُ » فإن الفاكهة ما يقصد للتلذذ ، دون التغذي ، والقوت بالعكس ، وأهل الجنة لما أعيدوا على خلقة محكمة محفوظة عن التحلل كانت أرزاقهم فواكه خالصة « وَهُمْ مُكْرَمُونَ » في نيله يصل إليهم من غير تعب وسؤال لا كما عليه رزق الدنيا (٥). انتهى ، ولا يخفى أن تفسيره عليه‌السلام للمعلوم أظهر وأشد انطباقا على اللفظ.

الحديث السبعون : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « على سبعين وجها » أي على وجه المصلحة والتقية.

قوله عليه‌السلام : « ما يريد سالم مني » الظاهر أن سالما كان يروي هذا على سبيل الذم والإنكار ، فقال عليه‌السلام : ما يريد سالم مني فقد أريته المعجزات الباهرات ، أيريد

__________________

(١) سورة الصافّات : ٤٢.

(٢) سورة الصافّات : ٤٢.

(٣) مجمع البيان : ج ٥ ص ٩٣.

(٤) أنوار التنزيل : ج ١ ص ٤٤١ « ط مصر ».

(٥) نفس المصدر : ج ٢ ص ٢٩٢. فى المصدر : ... وسؤال كما عليه رزق الدنيا.

٢٤١

أيريد أن أجيء بالملائكة والله ما جاءت بهذا النبيون ولقد قال إبراهيم عليه‌السلام : « إِنِّي سَقِيمٌ » (١) وما كان سقيما وما كذب ولقد قال إبراهيم عليه‌السلام « بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا » (٢)

______________________________________________________

أن أجيء بالملائكة يشهدون لي حتى يصدقني ، والله لم يأت النبيون مع كثرة احتياجهم إلى ظهور الأمر ووفور المعجزات بمثل هذا ، فلأي شيء لا يصدق بإمامتي ، ولا يصدقني في كل ما أقول : ثم أجاب عليه‌السلام عما توهم سالم من كون هذا النوع من الكلام فيه شوب كذب لا يليق بالإمام ، بأن مثل هذا صدر عن النبيين ، وليس هذا بكذب ولا قبيح ، بل واجب في كثير من مقامات الضرورة والمصلحة مثل قوله : « إِنِّي سَقِيمٌ » فإنه عليه‌السلام قال هذا على جهة المصلحة ، وأراد معنى آخر غير ما فهموه من كلامه ، والمشهور أنه عليه‌السلام نظر نظرة في النجوم فراعى مواقعها واتصالاتها أو علمها أو كتابها ولا منع مع أن قصده إبهامهم ، وذلك حين سألوه أن يعبد معهم ، وقال : إني سقيم أراهم أنه استدل بها ـ لأنهم كانوا منجمين ـ على أنه مشارف للسقم ، لئلا يخرجوه إلى معبدهم فإنه كان أغلب أسقامهم الطاعون ، وكانوا يخافون العدوي ، أو أراد إني سقيم القلب لكفركم ، أو خارج المزاج عن الاعتدال خروجا قل من يخلو منه ، أو بصدد الموت ، ومنه المثل كفى بالسلامة داء ، وكذا. قوله عليه‌السلام : « بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ » وقد قيل فيه وجوه.

قال البيضاوي : أسند الفعل إليه تجوزا لأن غيظه لما رأى من زيادة تعظيمهم له تسبب لمباشرته إياه ، أو تقريرا لنفيه مع الاستهزاء ، والتكبيت على أسلوب تعريضي كما لو قال لك من لا يحسن الخط فيما كتبته بخط رشيق أأنت كتبت هذا؟ فقلت : بل كتبته ، أو حكاية لما يلزم من مذهبهم جوازه ، وقيل إنه في المعنى متعلق بقوله : « إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ » وما

__________________

(١) الصافّات : ٨٩.

(٢) الأنبياء. ٦٣.

٢٤٢

وما فعله وما كذب ولقد قال يوسف عليه‌السلام : « أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ » (١) والله ما كانوا سارقين وما كذب.

______________________________________________________

بينهما اعتراض ، أو إلى ضمير فتى أو إبراهيم ، وقوله : « كَبِيرُهُمْ هذا » مبتدأ وخبر ولذا وقف على فعله (٢) ، وأما قول يوسف عليه‌السلام « إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ » فقال الشيخ الطبرسي : قيل : إنما قال ذلك بعض من فقد الصاع من قوم يوسف من غير أمره ، ولم يعلم بما أمر به يوسف من جعل الصاع في رحالهم عن الجبائي ، وقيل إن يوسف أمر المنادي أن ينادي به ، ولم يرد سرقة الصاع وإنما عنى به أنكم سرقتم يوسف من أبيه ، وألقيتموه في الجب عن أبي مسلم ، وقيل : إن الكلام يجوز أن يكون خارجا مخرج الاستفهام ، كأنه قال أإنكم لسارقون؟ فأسقطت الهمزة (٣) انتهى ، وقد روى الصدوق في كتاب معاني الأخبار عن أبيه عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد بن يحيى عن إبراهيم بن هاشم عن صالح بن سعيد عن رجل من أصحابنا عن أبي عبد الله قال : سألته عن قول الله تعالى في قصة إبراهيم عليه‌السلام « قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ » قال : ما فعله كبيرهم ، وما كذب إبراهيم عليه‌السلام فقلت وكيف ذاك؟ قال : إنما قال إبراهيم عليه‌السلام « فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ » إن نطقوا فكبيرهم فعل ، وإن لم ينطقوا فلم يفعل كبيرهم شيئا. فما نطقوا وما كذب إبراهيم عليه‌السلام فقلت قوله عز وجل في يوسف عليه‌السلام ، « أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ » قال : إنهم سرقوا يوسف من أبيه ، ألا ترى أنه قال لهم حين قال « ما ذا تَفْقِدُونَ » قالُوا « نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ » ولم يقل سرقتم صواع الملك إنما عنى سرقتم يوسف من أبيه فقلت : قوله : « إِنِّي سَقِيمٌ » قال : ما كان إبراهيم سقيما وما كذب ، إنما عنى سقيما في دينه مرتادا (٤). وقد روي أنه عنى بقوله إني سقيم إني سأسقم ، وكل ميت سقيم ، وقد

__________________

(١) سورة يوسف : ٧٠.

(٢) أنوار التنزيل : ج ٢ ص ٧٦. « ط مصر ».

(٣) مجمع البيان : ج ٥ ص ٢٥٢.

(٤) معاني الأخبار : ص ٢٠٩.

٢٤٣

( حديث أبي بصير مع المرأة )

٧١ ـ أبان ، عن أبي بصير قال كنت جالسا عند أبي عبد الله عليه‌السلام إذ دخلت علينا أم خالد التي كان قطعها يوسف بن عمر تستأذن عليه فقال أبو عبد الله عليه‌السلام أيسرك أن تسمع كلامها قال فقلت نعم قال فأذن لها قال وأجلسني معه على الطنفسة قال ثم دخلت فتكلمت فإذا امرأة بليغة فسألته عنهما فقال لها توليهما قالت فأقول لربي إذا لقيته إنك أمرتني بولايتهما قال نعم قالت فإن هذا الذي معك على الطنفسة يأمرني بالبراءة منهما وكثير النواء يأمرني بولايتهما فأيهما خير وأحب إليك قال هذا والله أحب إلي من كثير النواء وأصحابه إن هذا تخاصم فيقول « وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ

______________________________________________________

قال الله تعالى لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إِنَّكَ مَيِّتٌ » (١) أي إنك ستموت ، وقد روي (٢) أنه عنى سقيم بما يفعل بالحسين بن علي صلوات الله عليهما.

الحديث الحادي والسبعون : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « على الطنفسة » قال الجزري : الطنفسة هي بكسر الطاء والفاء وبضمهما وبكسر الطاء وفتح الفاء : البساط الذي له خمل رقيق (٣).

قوله عليه‌السلام : « هذا والله أحب إلى » أمرها أولا بولاية أبي بكر وعمر تقية ثم لما بلغت في السؤال أثبت عليه‌السلام لعنهما كناية بأن لم يتعرض لقول الرجلين الذين سألت عنهما ، بل قال هذا أي أبو بصير أحب إلى من كثير النواء ، لأن كلامه موجه يقول إن كثير النواء يفتي ويحكم بين الناس بغير الحق ، ويثبت بالآيات كفره وظلمه وفسقه ، فأشار عليه‌السلام في كلامه هذا ضمنا إلى كفر الملعونين ووجوب البراءة منهما بوجهين.

الأول : أن محبوبية أبي بصير يستلزم صدقه في أمره بالبراءة منهما.

__________________

(١) الزمر : ٣٠.

(٢) البرهان في تفسير القرآن : ج ٤ ص ٢٥ ح ٥.

(٣) النهاية : ج ٣ ص ١٤.

٢٤٤

اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ » (١) « وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ » (٢) « وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ » (٣).

٧٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن علي بن عقبة ، عن عمر بن أبان ، عن عبد الحميد الوابشي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال

______________________________________________________

والثاني : إن العلة التي بها أثبت كفر النواء مشترك بينه وبينهما ، فبها تثبت أيضا كفرهما وظلمهما وفسقهما ، وهذا نوع من معاريض الكلام التي أشار أبو جعفر عليه‌السلام إليها في الخبر السابق.

ويحتمل أن يكون مراده عليه‌السلام أن قول هذا أحب إلى لأنه يستدل على كفر أبي بكر وعمر بهذه الآيات ويخاصم في ذلك كثيرا ويغلب عليه ويخصمه ، لكنه عليه‌السلام أدى ذلك بعبارة يكون له منها المخرج بالحمل على المعنى الأولى عند الضرورة.

وقال الفاضل الأسترآبادي : معناه أن أبا بصير يخاصم علماء العامة من جهتنا بهذه الآيات الشريفة ، وملخص خصومته أن هذه الآيات صريحة في أن من أفتى في واقعة بغير ما أنزل الله فيها كافر ظالم فاسق ، فعلم من ذلك أن لله تعالى في الأرض دائما رجلا عالما بما أنزله الله في كل واقعة ، ومن المعلوم أن أرباب الاجتهادات الظنية غير عالمين بما أنزله الله في كل واقعة ، ومن المعلوم أن أرباب الاجتهادات الظنية غير عالمين بما أنزله الله في كل واقعة ، ومن ثم تقع بينهم الاختلافات في الفتاوى والأحكام ، فتعين أن يكون في الأرض دائما رجل لم يكن حكمه من باب الاجتهاد ، بل يكون من باب الوحي في كل واقعة ، وباتفاق الخصمين غير الأئمة الاثني عشر عليهم‌السلام لم يعلم ما أنزله الله في كل واقعة ، فتعين أن يكون منصوبين من عنده تعالى لأجل الإفتاء والحكم ، والحدود ، وغير ذلك (٤).

الحديث الثاني والسبعون : مجهول.

__________________

(١ و ٢ و ٣) المائدة : ٤٤ ـ ٤٥ ـ ٤٧.

(٤) آيات الأحكام. مخطوط. لاحظ هامش ص ٢٠٢.

٢٤٥

قلت له إن لنا جارا ينتهك المحارم كلها حتى إنه ليترك الصلاة فضلا عن غيرها فقال سبحان الله وأعظم ذلك ألا أخبركم بمن هو شر منه قلت بلى قال الناصب لنا شر منه أما إنه ليس من عبد يذكر عنده أهل البيت فيرق لذكرنا إلا مسحت الملائكة ظهره وغفر له ذنوبه كلها إلا أن يجيء بذنب يخرجه من الإيمان وإن الشفاعة لمقبولة وما تقبل في ناصب وإن المؤمن ليشفع لجاره وما له حسنة فيقول يا رب جاري كان يكف عني الأذى فيشفع فيه فيقول الله تبارك وتعالى أنا ربك وأنا أحق من كافى عنك فيدخله الجنة وما له من حسنة وإن أدنى المؤمنين شفاعة ليشفع لثلاثين إنسانا فعند ذلك يقول أهل النار : « فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ » (١).

٧٣ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن صالح بن عقبة ، عن أبي هارون ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال لنفر عنده وأنا حاضر ما لكم تستخفون بنا قال فقام إليه رجل من خراسان فقال معاذ لوجه الله أن نستخف بك أو بشيء من أمرك فقال بلى إنك أحد من استخف بي فقال معاذ لوجه الله

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « ينتهك المحارم » الانتهاك : المبالغة في أخذ الشيء وإتيانه ، أي يبالغ في خرق محارم الشرع ، وإتيانها.

قوله : « وأعظم ذلك » أي عد فعل هذا الرجل عظيما وتعجب منه.

قوله عليه‌السلام : « وماله حسنة » أي سوى العقائد الحقة ، ويدل على ثبوت الشفاعة للمؤمنين أيضا كما تدل عليه كثير من الأخبار (٢).

الحديث الثالث والسبعون : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « معاذ لوجه الله » المعاذ بفتح الميم : مصدر بمعنى التعوذ والالتجاء أي أمرنا وشأننا تعوذ بالله من هذا ، فاللام بمعنى الباء.

ويحتمل أن يكون في الكلام تقدير ، أي نتعوذ بالله خالصا لوجهه من أن نستخف بك.

__________________

(١) الشعراء : ١٠٠ ـ ١٠١.

(٢) لاحظ البرهان في تفسير القرآن : ج ٣ ص ١٨٥ ـ ١٨٦ ح ١ ـ ٩.

٢٤٦

أن أستخف بك فقال له ويحك أولم تسمع فلانا ونحن بقرب الجحفة وهو يقول لك احملني قدر ميل فقد والله أعييت والله ما رفعت به رأسا ولقد استخففت به ومن استخف بمؤمن فينا استخف وضيع حرمة الله عز وجل.

٧٤ ـ الحسين بن محمد الأشعري ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء ، عن أبان بن عثمان ، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام إن الله عز وجل من علينا بأن عرفنا توحيده ثم من علينا بأن أقررنا ـ بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله بالرسالة ثم اختصنا بحبكم أهل البيت نتولاكم ونتبرأ من عدوكم وإنما نريد بذلك خلاص أنفسنا من النار قال ورققت فبكيت فقال أبو عبد الله عليه‌السلام سلني فو الله لا تسألني عن شيء إلا أخبرتك به قال فقال له عبد الملك بن أعين ما سمعته قالها لمخلوق قبلك قال قلت خبرني عن الرجلين قال ظلمانا حقنا في كتاب الله عز وجل ومنعا فاطمة ص ميراثها من أبيها وجرى ظلمهما إلى اليوم قال وأشار إلى خلفه ونبذا كتاب الله وراء ظهورهما.

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « ما رفعت به رأسا » كناية عن عدم التوجه إليه والاعتناء بقوله.

قوله عليه‌السلام : « فبنا استخف » هذا نوع من الاستخفاف يستلزمه ارتكاب الكبائر وترك الفرائض والإخلال بتعظيم ما عظمه الله ولا ينتهي إلى حد الكفر بالله.

الحديث الرابع والسبعون : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « إلا أخبرتك » أي لا أتقيك لعلمي بإخلاصك وصدقك.

قوله : « قال : فقال له عبد الملك » أي قال أبان : قال عبد الملك لعبد الرحمن عند ما كان يروي لنا الحديث بعد وصوله إلى هذا الموضع : ما سمعت الصادق عليه‌السلام ، قال مثل هذا الكلام لغيرك ، وإنما خصك به تشريفا وإكراما.

قوله : « وأشار » أي أشار عليه‌السلام بيده إلى خلفه لبيان كيفية النبذ والطرح وراء ظهورهما ، وهو كناية عن الإعراض عن الكتاب وترك العمل به.

٢٤٧

٧٥ ـ وبهذا الإسناد ، عن أبان ، عن عقبة بن بشير الأسدي ، عن الكميت بن زيد الأسدي قال دخلت على أبي جعفر عليه‌السلام فقال والله يا كميت لو كان عندنا مال لأعطيناك منه ولكن لك ما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لحسان بن ثابت لن يزال معك روح القدس ما ذببت عنا قال قلت خبرني عن الرجلين قال فأخذ الوسادة فكسرها في صدره ثم قال والله يا كميت ما أهريق محجمة من دم ولا أخذ مال من غير حله ولا قلب حجر عن حجر إلا ذاك في أعناقهما.

٧٦ ـ وبهذا الإسناد ، عن أبان ، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، عن أبي العباس المكي قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول إن عمر لقي عليا ص فقال له أنت الذي تقرأ هذه الآية : « بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ » (١) وتعرض بي وبصاحبي قال فقال له :

______________________________________________________

الحديث الخامس والسبعون : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « معك روح القدس » يدل على أن روح القدس ينفث أحيانا في أرواح غير المعصومين عليه‌السلام.

قوله عليه‌السلام : « ما ذببت عنا » أي رفعت بمدحك عنا استخفاف الجاحدين ، وفيه إشعار برجوع حسان عن ذلك كما نقل عنه.

قوله عليه‌السلام : « محجمة » المحجمة بالكسر : ما يحجم به أي قدر ما يملأها من الدم أي كل قليل وكثير أهريق من الدم ظلما فهو بسبب ظلمهما أولا ، وقلب الحجر عن الحجر كناية عن وضع الأشياء في غير مواضعها ، وتغيير الأحكام الشرعية وإحداث الأمور المبتدعة.

الحديث السادس والسبعون : ضعيف.

قوله تعالى : « بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ » أي أيكم الذي فتن بالجنون ، والباء مزيدة أو بأيكم الجنون ، على أن المفتون مصدر كالمعقول والمجلود ، أي بأي الفريقين منكم

__________________

(١) سورة القلم : ٦.

٢٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الجنون أبفريق المؤمنين أو بفريق الكافرين؟ أي في أيهما يوجد من يستحق هذا الاسم ، كذا ذكره البيضاوي (١).

أقول : تعريضه عليه‌السلام بهما لنزول الآية فيهما ، حيث نسبا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الجنون ، حيث قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أمير المؤمنين ما قال ، كما رواه محمد بن عباس بن علي ابن مروان البزاز عن حسن بن محمد عن يوسف بن كليب عن خالد عن حفص ، عن عمرو ابن حنان عن أبي أيوب الأنصاري قال : « لما أخذ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيد علي عليه‌السلام فرفعها ، وقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، قال أناس : إنما افتتن بابن عمه ، فنزلت الآية « فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ » (٢).

وروى أمين الدين الطبرسي عن أبي القاسم الحسكاني بإسناده عن الضحاك بن مزاحم قال : لما رأت قريش تقديم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليا عليه‌السلام وإعظامه له ، نالوا من علي ، وقالوا : قد افتتن به محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأنزل الله تعالى : « ن وَالْقَلَمِ » إلى قوله : « بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ » وهم النفر الذين قالوا ما قالوا (٣).

وروى الصدوق عن حسان الجمال « قال : حملت أبا عبد الله عليه‌السلام من المدينة إلى مكة فلما انتهينا إلى مسجد الغدير نظر في ميسرة المسجد فقال : ذاك موضع قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث قال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، ثم نظر إلى الجانب الآخر فقال : ذاك موضع فسطاط المنافقين عمر وأبي بكر وسالم مولى أبي حنيفة وأبي عبيدة بن الجراح فلما رأوه رافعا يده قال بعضهم : انظروا إلى عينيه تدوران كأنهما عينا مجنون ، فنزل جبرئيل بهذه الآية « وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا » الآية (٤) ويحتمل أن يكون

__________________

(١) أنوار التنزيل : ج ٤ ص ٤٩٤ « ط مصر ».

(٢) البرهان في تفسير القرآن : ج ٤ ص ٣٧٠ ح ٣.

(٣) مجمع البيان : ج ١٠ ص ٣٣٣.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ج ٢ ص ٣٣٥.

٢٤٩

أفلا أخبرك بآية نزلت في بني أمية : « فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ » (١) فقال كذبت بنو أمية أوصل للرحم منك ولكنك أبيت إلا عداوة لبني تيم وبني عدي وبني أمية.

٧٧ ـ وبهذا الإسناد ، عن أبان بن عثمان ، عن الحارث النصري قال سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله عز وجل « الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً » قال ما تقولون في ذلك

______________________________________________________

التعريض بأنه عليه‌السلام كان يقرأ هذا عليهم ، لبيان نظير مورد الآية أي سيعلمون بعد موتهم ، أنهم المجانين حيث فعلوا ما يستحقون به عذاب الأبد أم أنا؟ قوله تعالى : « فَهَلْ عَسَيْتُمْ » أي فهل يتوقع منكم « إِنْ تَوَلَّيْتُمْ » أمور الناس وتأمرتم عليهم أو أعرضتم وتوليتم عن الإسلام « أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ » تناحرا على الولاية وتجاذبا لها أو رجوعا إلى ما كنتم عليه في الجاهلية من التغاور والمقاتلة مع الأقارب ، والمعنى أنهم لضعفهم في الدين وحرصهم على الدنيا أحقاء بأن يتوقع ذلك من عرف حالهم ، ويقول لهم : هل عسيتم وهذا على لغة أهل الحجاز ، فإن بني تميم لا يلحقون به الضمير وخبره أن تفسدوا ، وإن توليتم اعتراض ، كذا ذكره البيضاوي (٣) ، وقد وردت أخبار (٤) كثيرة في نزول تلك الآية في بني أمية لعنهم الله.

وروى محمد بن العباس بإسناده عن ابن عباس أنه قال : نزلت هذه الآية في بني هاشم وبني أمية (٥).

الحديث السابع والسبعون : ضعيف.

قوله تعالى : « بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً ». قال البيضاوي : أي شكر نعمته كفرا

__________________

(١) سورة محمّد : ٢٢.

(٢) سورة إبراهيم : ٢٨.

(٣) أنوار التنزيل : ج ٢ ص ٣٩٦ « ط مصر ».

(٤) البرهان في تفسير القرآن : ج ٢ ص ٣١٦ ح ٣ ـ ٤ ـ ٦ ـ ٧ ـ ١٢ ـ ١٣ ـ ١٤.

(٥) شواهد التنزيل للحسكاني : ج ٢ ص ١٧٦ « ط بيروت » باختلاف يسير.

٢٥٠

قلت نقول هم الأفجران من قريش بنو أمية وبنو المغيرة قال ثم قال هي والله قريش قاطبة إن الله تبارك وتعالى خاطب نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال إني فضلت قريشا على العرب وأتممت عليهم نعمتي وبعثت إليهم رسولي فبدلوا نعمتي كفرا « وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ ».

______________________________________________________

بأن وضعوه مكانه ، أو بدلوا نفس النعمة كفرا ، فإنهم لما كفروها سلبت منهم فصاروا تاركين لها محصلين الكفر بدلها ـ ثم قال ـ وعن عمرو على هم الأفجران من قريش بنو المغيرة وبنو أمية ، أما بنو المغيرة فكفيتموهم يوم بدر ، وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين « وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ » الذين شايعوهم في الكفر « دارَ الْبَوارِ » دار الهلاك بحملهم على الكفر (١).

أقول : قد ورد في الأخبار (٢) الكثيرة أن نعمة الله محمد وأهل بيته صلوات الله عليهم فإنهم أعظم نعم الله على الخلق ، وببركتهم وصل جميع النعم الدنيوية والأخروية إليهم ـ والكفر أعداؤهم ، فإنه منهم نشأ جميع أنواع الكفر والفساد في الأرض ، فأكثر الأمة اختاروا الكفر بدل الإيمان والنعمة العظمى.

قوله عليه‌السلام : « هم الأفجران من قريش » روى علي بن إبراهيم في تفسيره عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عثمان بن عيسى عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : سألته عن قول الله تعالى : « أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً » قال : نزلت في الأفجرين من قريش بني أمية وبني المغيرة ، فأما بنو المغيرة فقطع الله دابرهم ، وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين (٣). ويمكن الجمع بحمل هذه الرواية على أنها ابتداء نزلت فيهما ثم جرت في غيرهما ممن فعل مثل فعالهما ، أو إنهما العمدة في ذلك ، فلا ينافي دخول غيرهم أيضا فيها ، وبنو المغيرة هم أولاد المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي وقد آذوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كثيرا ، لكن أكثرهم قتلوا وأسروا في غزاة بدر ، وآذى من بقي منهم بعده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهل بيته عليهم‌السلام كخالد بن الوليد ، وممن قتل

__________________

(١) أنوار التنزيل : ج ٢ ص ٥٣١ « ط مصر ».

(٢) البرهان في تفسير القرآن : ج ٢ ص ٣١٦ ح ١ ـ ١٤.

(٣) تفسير القمّيّ : ج ١ ص ٣٧١.

٢٥١

٧٨ ـ وبهذا الإسناد ، عن أبان ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه‌السلام أنهما قالا إن الناس لما كذبوا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هم الله تبارك وتعالى بهلاك أهل الأرض إلا عليا فما سواه بقوله « فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ » (١) ثم بدا له فرحم المؤمنين ثم قال لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله : « وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ » (٢).

٧٩ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن أبي عبيدة الحذاء ، عن ثوير بن أبي فاختة قال سمعت علي بن الحسين عليه‌السلام يحدث في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ قال حدثني أبي أنه سمع أباه ـ علي بن أبي طالب عليه‌السلام يحدث الناس قال إذا كان يوم القيامة بعث الله تبارك وتعالى الناس من حفرهم

______________________________________________________

منهم في بدر أبو جهل عمرو بن هشام بن المغيرة ، والعاص بن هاشم بن المغيرة خال عمر ، وأبو قيس بن الوليد أخو خالد ، وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة ومسعود بن أبي أمية بن المغيرة ، وممن أسر منهم في بدر خالد بن حسام بن المغيرة ، وأمية بن أبي حذيفة بن المغيرة ، والوليد بن الوليد بن المغيرة.

الحديث الثامن والسبعون : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « فما سواه » أي هالكون وحكم بهلاكهم ، أو فما سواه من أهل البيت.

قوله عليه‌السلام : « ثم بدا له » هذا الخبر يدل على أن آخر الآية ناسخ لأولها ، والمشهور بين المفسرين أن المراد بالتولي الإعراض عن مجادلتهم ومنازعتهم بعد تكرر الدعوة عليهم والاقتصار على التذكير والموعظة : « فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ » أي من قدر الله إيمانه أو من آمن ، فإنه يزداد بصيرة.

الحديث التاسع والسبعون : ضعيف.

__________________

(١) الذاريات : ٥٤.

(٢) الذاريات : ٥٥.

٢٥٢

عزلا (١) بهما جردا مردا في صعيد واحد يسوقهم النور وتجمعهم الظلمة حتى يقفوا على عقبة المحشر فيركب بعضهم بعضا ويزدحمون دونها فيمنعون من المضي فتشتد أنفاسهم

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « غرلا » قال الجزري : فيه « يحشر الناس يوم القيامة عراة حفاة غرلا » الغرل : جمع الأغرل وهو الأقلف والغرلة : القلفة (٢).

قوله عليه‌السلام : « بهما » قال الجزري : فيه « يحشر الناس يوم القيامة عراة حفاة بهما » البهم جمع بهيم ، وهو في الأصل الذي لا يخالط لونه لون سواه يعني ليس فيهم شيء من العاهات والأعراض التي تكون في الدنيا كالعمى والعور والعرج ، وغير ذلك وإنما هي أجساد مصححة لخلود الأبد في الجنة أو النار.

وقال بعضهم : في تمام الحديث : قيل : وما البهم؟ قال : ليس معهم شيء يعني من أعراض الدنيا ، وهذا لا (٣) يخالف الأول من حيث المعنى (٤).

أقول : وفي أكثر نسخ الكتاب « مهلا » ولعل المراد تأنيهم وتأخرهم وحيرتهم والظاهر أنه تصحيف.

قوله عليه‌السلام : « جردا مردا » قال الجزري : في صفته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أنه أجرد الأجرد : الذي ليس على بدنه شعر ، ومنه الحديث أهل الجنة جرد مزد (٥) انتهى ومرد بالضم جمع أمرد ، وهو الشاب الذي لم ينبت لحيته.

قوله عليه‌السلام : « يسوقهم النور » ويجمعهم الظلمة يحتمل وجوها : الأول أن

__________________

(١ و ٢) عُزلا : بضمّ العين وسكون الزاي. هكذا في نسخ المتن وفسّره في الوافي « ج ٣ ص ١٠٢ ب ١١٣ ـ البعث والحساب » بالذي لا سلاح له. ويبدو أنّ في النسخة التي كانت عند المجلسيّ « ره » « غرلا » بالغين المعجمة والراء المهملة. والظاهر أنّه الصحيح لذكر أهل اللغة نصّ الحديث في مادّة « غرل » لاحظ « النهاية ج ٣ ص ٣٦٢ » و « لسان العرب ج ١١ ص ٤٩٠ » وقد ورد الحديث في صحيحي البخاريّ ومسلم أيضا بلفظ « غرلا » وفسّره الكرماني بالأقلف. لاحظ « صحيح البخاريّ بشرح الكرماني ج ١٧ ص ٢١٣ ح ٤٤٢٥ » و « ج ٢٣ ص ٣٦ ح ٦١٤٠ ».

(٣) في المصدر : وهذا يخالف الأوّل.

(٤) النهاية : ج ١ ص ١٦٧.

(٥) نفس المصدر : ج ١ ص ٢٥٦.

٢٥٣

ويكثر عرقهم وتضيق بهم أمورهم ويشتد ضجيجهم وترتفع أصواتهم قال وهو أول هول من أهوال يوم القيامة قال فيشرف الجبار تبارك وتعالى عليهم من فوق عرشه في ظلال من الملائكة فيأمر ملكا من الملائكة فينادي فيهم يا معشر الخلائق أنصتوا و

______________________________________________________

يكون المراد أن من خلفهم نور يسوقهم ، لكن ممشاهم في الظلمة ، أو تحيط بهم الظلمة في مواقفهم.

ويؤيده ما روته العامة بإسنادهم عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : يحشر معهم النار يبيت معهم حيث باتوا ، ويقيل معهم حيث قالوا ، ويصبح معهم حيث أصبحوا ، ويمسي معهم حيث أمسوا (١).

وفي رواية أخرى ـ في ذكر أشراط الساعة ـ عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنه قال : وآخر ذلك نار يخرج من قعر عدن يرحل الناس ، وفي رواية تطرد الناس إلى محشرهم (٢).

والثاني : أن يكون المراد بالنور الملائكة أي تسوقهم الملائكة وهم في الظلمة.

والثالث : أن يكون المراد أنه إذا حصل لهم نور يمشون فيه ، وإذا أحاطت بهم الظلمة يتحيرون ويقفون.

قوله عليه‌السلام : « ويشتد ضجيجهم » أي صياحهم وأصواتهم.

قوله عليه‌السلام : « في ظلال من الملائكة » يمكن أن يكون إشراف الله تعالى كناية عن توجهه إلى محاسبتهم ، فالإشراف في حقه تعالى مجاز وفي الملائكة حقيقة.

ويحتمل أن يكون ـ في ـ سببية أي يشرف عليهم بسبب إرسال طائفة كثيرة من الملائكة يظلون الناس فوق رؤوسهم.

ويحتمل أيضا أن يكون المراد بالإشراف أمر الملك بالنداء أي يأمر ملكا

__________________

(١) صحيح البخاريّ بشرح الكرماني : ج ٢٣ ص ٣٤ ح ٦١٣٥. فى المصدر : « ... ويحشر بقيّتهم النار ... ».

(٢) سنن أبي داود : ج ٤ ص ١١٥. فى المصدر : « وآخر ذلك تخرج نار من اليمن من قعر عدن تسوق الناس الى المحشر ».

٢٥٤

استمعوا منادي الجبار قال فيسمع آخرهم كما يسمع أولهم قال فتنكسر أصواتهم عند ذلك وتخشع أبصارهم وتضطرب فرائصهم وتفزع قلوبهم ويرفعون رءوسهم إلى ناحية الصوت « مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ » (١) قال فعند ذلك يقول الكافر : « هذا يَوْمٌ عَسِرٌ » (٢) قال فيشرف الجبار عز وجل الحكم العدل عليهم فيقول « أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا » الحكم العدل الذي لا يجور اليوم أحكم بينكم بعدلي وقسطي لا يظلم اليوم عندي أحد اليوم آخذ للضعيف من القوي بحقه ولصاحب المظلمة بالمظلمة بالقصاص من الحسنات والسيئات وأثيب على الهبات ولا يجوز هذه العقبة اليوم عندي ظالم ولأحد عنده مظلمة إلا مظلمة يهبها صاحبها وأثيبه عليها وآخذ له بها عند الحساب فتلازموا أيها الخلائق واطلبوا مظالمكم عند من ظلمكم بها في الدنيا وأنا شاهد لكم عليهم وكفى بي شهيدا.

قال فيتعارفون ويتلازمون فلا يبقى أحد له عند أحد مظلمة أو حق إلا لزمه

______________________________________________________

في ظلال من الملائكة.

قوله عليه‌السلام : « فرائصهم » قال الفيروزآبادي : الفريص أوداج العنق ، والفريصة واحدته ، واللحمة بين الجنب والكتف ولا تزال ترعد (٣).

قوله عليه‌السلام : « مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ » أي يمدون أعناقهم لسماع صوته ، قال الجوهري : أهطع : إذا مد عنقه ، وصوب رأسه وأهطع في عدوه أسرع (٤).

قوله تعالى : « وأثيب على الهبات » أي أثيب وأجزي من وهب في هذا اليوم مظلمته لمن ظلمه.

قوله تعالى : « إلا مظلمة يهبها صاحبها » وفي أكثر النسخ لصاحبها ، ولعله من النساخ ، وعليه فالمراد بصاحب المظلمة الظالم ، وضمير الفاعل في قوله يهبها راجع إلى أحد.

قوله تعالى : « وآخذ له بها » عطف على جملة ، ولا يجوز أي إن لم يهب

__________________

(١) سورة القمر : ٨.

(٢) سورة القمر : ٨.

(٣) القاموس : ج ٢ ص ٣١١.

(٤) الصحاح : ج ٦ ص ٢٣٥٣.

٢٥٥

بها قال فيمكثون ما شاء الله فيشتد حالهم ويكثر عرقهم ويشتد غمهم وترتفع أصواتهم بضجيج شديد فيتمنون المخلص منه بترك مظالمهم لأهلها قال ويطلع الله عز وجل على جهدهم فينادي مناد من عند الله تبارك وتعالى يسمع آخرهم كما يسمع أولهم يا معشر الخلائق أنصتوا لداعي الله تبارك وتعالى واسمعوا إن الله تبارك وتعالى يقول [ لكم ] أنا الوهاب إن أحببتم أن تواهبوا فتواهبوا وإن لم تواهبوا أخذت لكم بمظالمكم قال فيفرحون بذلك لشدة جهدهم وضيق مسلكهم وتزاحمهم قال فيهب بعضهم مظالمهم رجاء أن يتخلصوا مما هم فيه ويبقى بعضهم فيقول يا رب مظالمنا أعظم من أن نهبها قال فينادي مناد من تلقاء العرش أين رضوان خازن الجنان جنان الفردوس قال فيأمره الله عز وجل أن يطلع من الفردوس قصرا من فضة بما فيه من الأبنية والخدم قال فيطلعه عليهم في حفافة القصر الوصائف والخدم قال فينادي مناد من عند الله تبارك وتعالى يا معشر الخلائق ارفعوا رءوسكم فانظروا إلى هذا القصر قال فيرفعون رءوسهم فكلهم يتمناه قال فينادي مناد من عند الله تعالى يا معشر الخلائق هذا لكل من عفا عن مؤمن قال فيعفون كلهم إلا القليل قال فيقول الله عز وجل لا يجوز إلى جنتي اليوم ظالم ولا يجوز إلى ناري اليوم ظالم ولأحد من المسلمين عنده مظلمة حتى يأخذها منه عند الحساب أيها الخلائق استعدوا للحساب قال ثم يخلى سبيلهم فينطلقون إلى العقبة يكرد بعضهم بعضا حتى ينتهوا إلى العرصة والجبار تبارك وتعالى على

______________________________________________________

آخذ له بها عند الحساب.

قوله عليه‌السلام : « أن يطلع » من باب الأفعال أي يظهره لهم.

قوله عليه‌السلام : « في حفافة القصر » أي جوانبه وأطرافه ، قال الجزري : وفيه ظلل الله ، مكان البيت غمامة ، فكانت حفاف البيت أي محدقة به ، وحفافا الجبل : جانباه (١).

قوله عليه‌السلام : « يكرد بعضهم بعضا » الكرد : الطرد والدفع.

__________________

(١) النهاية : ج ١ ص ٤٠٨.

٢٥٦

العرش قد نشرت الدواوين ونصبت الموازين وأحضر النبيون والشهداء وهم الأئمة يشهد كل إمام على أهل عالمه بأنه قد قام فيهم بأمر الله عز وجل ودعاهم إلى سبيل الله قال فقال له رجل من قريش يا ابن رسول الله إذا كان للرجل المؤمن عند الرجل الكافر مظلمة أي شيء يأخذ من الكافر وهو من أهل النار قال فقال له علي بن الحسين عليه‌السلام يطرح عن المسلم من سيئاته بقدر ما له على الكافر فيعذب الكافر بها مع عذابه بكفره عذابا بقدر ما للمسلم قبله من مظلمة.

قال فقال له القرشي فإذا كانت المظلمة للمسلم عند مسلم كيف تؤخذ مظلمته من المسلم قال يؤخذ للمظلوم من الظالم من حسناته بقدر حق المظلوم فتزاد على حسنات المظلوم قال فقال له القرشي فإن لم يكن للظالم حسنات قال إن لم يكن للظالم حسنات فإن للمظلوم سيئات يؤخذ من سيئات المظلوم فتزاد على سيئات الظالم.

٨٠ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن أبي أمية يوسف بن ثابت بن أبي سعيدة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنهم قالوا حين دخلوا عليه إنما أحببناكم لقرابتكم من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولما أوجب الله عز وجل من حقكم ما أحببناكم للدنيا نصيبها منكم إلا لوجه الله والدار الآخرة وليصلح لامرئ منا دينه فقال أبو عبد الله عليه‌السلام صدقتم صدقتم ثم قال من أحبنا كان معنا ـ أو جاء معنا يوم القيامة هكذا ثم جمع بين السبابتين ثم قال والله لو أن رجلا صام النهار

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « والجبار تبارك وتعالى على العرش » أي على عرش العظمة والجلال أو مستولي على العرش أي يأتي أمره من قبل العرش.

الحديث الثمانون : موثق.

قوله : « وليصلح لامرء » أي لكل امرء.

قوله : « أو جاء معنا » الترديد من الراوي.

قوله : « بين السبابتين » يحتمل أن يكون المراد السبابة والوسطى على سبيل

٢٥٧

وقام الليل ثم لقي الله عز وجل بغير ولايتنا أهل البيت للقيه وهو عنه غير راض أو ساخط عليه ثم قال وذلك قول الله عز وجل : « وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسالى وَلا يُنْفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كارِهُونَ فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ

______________________________________________________

التغليب.

قوله : « أو ساخط » الترديد من الراوي.

قوله تعالى : « وَما مَنَعَهُمْ » قال أمين الدين الطبرسي أي ما يمنع هؤلاء المنافقين أي أن يثابوا على نفقاتهم إلا كفرهم بالله وبرسوله ، وذلك مما يحبط الأعمال ويمنع من استحقاق الثواب عليها « وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسالى » أي متثاقلين والمعنى لم يؤدوها على الوجه الذي أمروا أن يؤدوها على ذلك الوجه « وَلا يُنْفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كارِهُونَ » لذلك لأنهم إنما يصلون وينفقون للرياء والتستر بالإسلام ، لا لابتغاء مرضات الله تعالى ، وفي هذا دلالة على أن الكفار مخاطبون بالشرائع ، لأنه سبحانه ذمهم على ترك الصلاة والزكاة ، ولو لا وجوبهما عليهم لم يذموا بتركهما « فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ » الخطاب للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والمراد جميع المؤمنين ، وقيل : يريد لا تعجبك أيها السامع أي لا تأخذ بقلبك ما تراه من كثرة أموال هؤلاء المنافقين ، وكثرة أولادهم ولا تنظر إليهم بعين الإعجاب « إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا » قد ذكر في معناه وجوه.

أحدهما : أن فيه تقديما وتأخيرا ، أي لا يسرك أموالهم وأولادهم في الحياة الدنيا إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة عن ابن عباس وقتادة ، فيكون الظرف على هذا متعلقا بأموالهم وأولادهم ، ومثله قوله تعالى : « فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ

٢٥٨

كافِرُونَ » (١) ثم قال وكذلك الإيمان لا يضر معه العمل وكذلك الكفر لا ينفع معه العمل

______________________________________________________

فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ » والتقدير فألقه إليهم ، فانظر ما ذا يرجعون ثم تول عنهم.

وثانيها : إن معناه إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا بالتشديد عليهم في التكليف وأمرهم بالإنفاق في الزكاة والغزو فيؤدونها على كره منهم ومشقة إذ لا يرجون به ثوابا في الآخرة ، فيكون ذلك عذابا لهم عن الحسن والبلخي.

وثالثها : إن معناه إنما يريد الله ليعذبهم في الدنيا بسببي الأولاد ، وغنيمة الأموال عند تمكن المؤمنين من أخذها ، وغنمها فيتحسرون عليها ، ويكون ذلك جزاء على كفرهم عن الجبائي.

ورابعها : إن المراد يعذبهم بجمعها وحفظها وحبها ، والبخل بها والحزن عليها وكل هذا عذاب ، وكذلك خروجهم عنها بالموت ، لأنهم يفارقونها ولا يدرون إلى ما ذا يصيرون.

وخامسها : إن معناه إنما يريد الله ليعذبهم بحفظها ، والمصائب فيها مع حرمان المنفعة بها ، عن ابن زيد ، واللام في قوله : « لِيُعَذِّبَهُمْ » يحتمل أن تكون العاقبة بمعنى أن ويحتمل أن يكون لام العاقبة والتقدير إنما يريد الله أن يملي لهم فيها ليعذبهم « وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ » أي تهلك وتذهب بالموت « وَهُمْ كافِرُونَ » جملة في موضع الحال ، أي حالكونهم كافرين والإرادة تعلقت بزهوق أنفسهم لا بالكفر ، وهذا كما تقول أريد أن أضربه وهو عاص ، فالإرادة تعلقت بالضرب لا بالعصيان (٢).

قوله عليه‌السلام : « لا يضر معه العمل » أي بحيث يصير سببا لخلوده في النار أو لعدم استحقاق الشفاعة والرحمة.

قوله عليه‌السلام : « لا ينفع معه العمل » أي نفعا يوجب خلاصه عن العذاب أو استحقاقه للشفاعة والمغفرة.

ويحتمل أن يكون المراد بالعمل هنا العبادات لاشتراطها بالإيمان.

__________________

(١) سورة التوبة : ٥٤ ـ ٥٥.

(٢) مجمع البيان : ج ٥ ص ٣٩. بتقديم وتأخير في الوجهين ـ الثالث والخامس.

٢٥٩

ثم قال إن تكونوا وحدانيين فقد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وحدانيا يدعو الناس فلا يستجيبون له وكان أول من استجاب له علي بن أبي طالب عليه‌السلام وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي.

٨١ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى بن عبيد ، عن يونس قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام لعباد بن كثير البصري الصوفي ويحك يا عباد غرك أن عف بطنك وفرجك إن الله عز وجل يقول في كتابه « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ » اعلم أنه لا يتقبل الله منك شيئا حتى تقول قولا عدلا.

٨٢ ـ يونس ، عن علي بن شجرة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال لله عز وجل في بلاده خمس حرم حرمة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وحرمة آل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وحرمة كتاب الله

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « أن تكونوا وحدانيين » أي منفردين في هذا الأمر لا يشارككم فيه الناس ، فقد كان رسول الله في كثير من الأزمنة متفردا بالحق ما كان معه إلا قليل.

قوله عليه‌السلام : وقد قال : أي عند استجابته له في أول الأمر.

الحديث الحادي والثمانون : صحيح ظاهرا.

لكن فيه شائبة إرسال إذ الظاهر أنه يونس بن عبد الرحمن ولم تعهد روايته عن الصادق عليه‌السلام ، ويحتمل على بعد أن يكون ابن يعقوب فيكون الخبر موثقا لكن رواية محمد بن عيسى عنه غير معهودة.

قوله عليه‌السلام : « حتى تقول قولا عدلا » فسر عليه‌السلام القول السديد بالاعتقاد الصحيح ولما كان هذا الصوفي المبتدع منحرفا عن ناحية أهل البيت عليهم‌السلام غير قائل بإمامتهم نبهه عليه‌السلام على أنه لا ينفعه أعماله مع تلك العقيدة ، فإن قبول الأعمال مشروط بصحة العقائد.

الحديث الثاني والثمانون : صحيح.

والحرمة : ما يجب احترامه وإكرامه على الخلق لوجهه تعالى

٢٦٠