مرآة العقول - ج ٢٥

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول - ج ٢٥

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


المحقق: السيد جعفر الحسيني
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٢

عز وجل وحرمة كعبة الله وحرمة المؤمن.

٨٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن أبي نجران ، عن محمد بن القاسم ، عن علي بن المغيرة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال سمعته يقول إذا بلغ المؤمن أربعين سنة آمنه الله من الأدواء الثلاثة البرص والجذام والجنون فإذا بلغ الخمسين خفف الله عز وجل حسابه فإذا بلغ ستين سنة رزقه الله الإنابة فإذا بلغ السبعين أحبه أهل السماء فإذا بلغ الثمانين أمر الله عز وجل بإثبات حسناته وإلقاء سيئاته فإذا بلغ التسعين غفر الله تبارك وتعالى له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وكتب أسير الله في أرضه وفي رواية أخرى فإذا بلغ المائة فذلك أرذل العمر.

٨٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن داود ، عن سيف ، عن أبي بصير قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام إن العبد لفي فسحة من أمره ما بينه وبين أربعين سنة فإذا بلغ أربعين سنة أوحى الله عز وجل إلى ملكيه قد عمرت عبدي هذا عمرا فغلظا وشددا وتحفظا واكتبا عليه قليل عمله وكثيره وصغيره وكبيره.

٨٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد بن عثمان ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الوباء يكون في ناحية المصر فيتحول

______________________________________________________

الحديث الثالث والثمانون : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « آمنه الله من الأدواء الثلاثة » لعل هذا محمول على الغالب ، أو مخصوص بالمؤمن الكامل.

قوله عليه‌السلام : « فذلك أرذل العمر » أي أخسه ، يعني سن الهرم الذي يشابه الطفولية في نقصان القوة والعقل وحده بعض المفسرين بخمس وتسعين ، وبعضهم بخمس وسبعين.

الحديث الرابع والثمانون : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « لفي فسحة » أي في سعة من عفو الله وغفرانه.

الحديث الخامس والثمانون : حسن.

٢٦١

الرجل إلى ناحية أخرى أو يكون في مصر فيخرج منه إلى غيره فقال لا بأس إنما نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن ذلك لمكان ربيئة كانت بحيال العدو فوقع فيهم الوباء فهربوا منه فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الفار منه كالفار من الزحف كراهية أن يخلو مراكزهم.

٨٦ ـ علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي مالك الحضرمي ، عن حمزة بن حمران ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ثلاثة لم ينج منها نبي فمن دونه التفكر في الوسوسة في

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « لمكان ربيئة » على وزن فعيلة بالهمز وهي العين ، والطليعة الذي ينظر للقوم لئلا يدهمهم عدو ، وفي أكثر النسخ « الربية » وهو تصحيف.

قوله عليه‌السلام : « أن يخلو مراكزهم » قال الجوهري : مركز الرجل : موضعه.

الحديث السادس والثمانون : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « التفكر في الوسوسة في الخلق » الظاهر أن المراد التفكر فيما يحصل في نفس الإنسان من الوساوس في خالق الأشياء وكيفية خلقها وخلق أعمال العباد والتفكر في الحكمة في خلق بعض الشرور في العالم من غير استقرار في النفس ، وحصول شك بسببها.

كما رواه المؤلف عن محمد بن حمران (١) « قال : سألت أبا عبد الله عن الوسوسة فقال : لا شيء فيها تقول : لا إله إلا الله ».

وروي عن جميل بن دراج (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : قلت له : إنه يقع في قلبي أمر عظيم فقال قل لا إله إلا الله » فقال جميل : فكلما وقع في قلبي شيء ، قلت لا إله إلا الله فذهب عني.

وروي عن محمد بن مسلم (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : جاء رجل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا رسول الله : هلكت ، فقال له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أتاك الخبيث فقال لك من خلقك؟ فقلت : الله ، فقال لك : الله من خلقه؟ فقال : إي والذي بعثك بالحق لكان كذا ، فقال

__________________

(١) الكافي : ج ٢ ص ٤٢٤ ح ١. وفي المصدر : عن الوسوسة وان كثرت.

(٢) نفس المصدر : ج ٢ ص ٤٢٤ ـ ٤٢٥ ح ٢. وفي المصدر : فيذهب عني.

(٣) نفس المصدر : ج ٢ ص ٤٢٤ ـ ٤٢٥ ح ٣. وفي المصدر : فيذهب عني.

٢٦٢

الخلق والطيرة والحسد إلا أن المؤمن لا يستعمل حسده

______________________________________________________

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ذاك والله محض الإيمان » قال ابن أبي عمير : فحدثت بذلك عبد ـ الرحمن بن الحجاج فقال : حدثني (١) أبو عبد الله عليه‌السلام أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنما عني بقوله هذا « والله محض الإيمان » خوفه أن يكون قد هلك ، حيث عرض له ذلك في قلبه.

وقد روت العامة في صحاحهم (٢) « أنه سئل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، عن الوسوسة فقال : تلك محض الإيمان » وفي رواية أخرى يأتي الشيطان أحدكم فيقول : من خلق كذا وكذا حتى يقول من خلق ربك فإذا بلغ فليستعذ بالله وبنبيه ، وقيل : المراد بالخلق المخلوقات ، وبالتفكر فيهم بالوسوسة التفكر ، وحديث النفس بعيوبهم وتفتيش أحوالهم والأول أصوب كما عرفت. لكن يؤيد الثاني ما سننقله عن الجزري.

قوله عليه‌السلام : « والطيرة » قال الجوهري : الطيرة مثال العنبة : هو ما يتشاءم به من الفال الرديء.

وفي الحديث « إنه كان يحب الفال ، ويكره الطيرة » (٣) وقال الجزري : وفيه « لا عدوى ولا طيرة » الطيرة بكسر الطاء وفتح الياء ، وقد تسكن : هي التشاؤم بالشيء ، وهو مصدر تطير يقال : تطير طيرة وتخير خيرة ، ولم يجيء من المصادر ، هكذا غيرهما ، وأصله فيما يقال : التطير بالسوانح والبوارح من الطير والظباء وغيرهما.

وكان ذلك يصدهم عن مقاصدهم ، فنفاه الشرع ، وأبطله ونهى عنه ، وأخبر أنه ليس له تأثير في جلب نفع أو دفع ضر ، وقد تكرر ذكرها في الحديث اسما وفعلا. ومنه الحديث ثلاث لا يسلم أحد منهن الطيرة والحسد والطن. قيل فما

__________________

(١) في المصدر : حدّثني أبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام. وما أثبته هنا هو الصحيح.

(٢) صحيح مسلم : ج ١ ص ٦٠ ح ٢١١ « ط دار إحياء التراث العربي ».

(٣) الصحاح : ج ٢ ص ٢٢٧.

٢٦٣

٨٧ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمد الجوهري ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي إبراهيم عليه‌السلام قال قال لي إني لموعوك منذ سبعة أشهر ولقد وعك ابني اثني عشر شهرا وهي تضاعف علينا أشعرت أنها لا تأخذ في الجسد كله وربما أخذت في أعلى الجسد ولم تأخذ في أسفله وربما أخذت في أسفله ولم تأخذ في أعلى الجسد كله قلت جعلت فداك إن أذنت لي حدثتك

______________________________________________________

نصنع؟ قال : إذا تطيرت فامض ، وإذا حسدت فلا تبغ ، وإذا ظننت فلا تحقق » (١) انتهى. أقول : فالمراد بها هاهنا إما انفعال النفس عن ما يتشاءم به ، أو تأثيرها واقعا ، وحصول مقتضاها ، ويظهر من الأخبار أنها إنما تؤثر مع تأثر النفس بها ، وعدم التوكل على الله.

قوله عليه‌السلام : « والحسد » ظاهره أن الحسد المركوز في الخاطر إذا لم يظهره الإنسان ليس بمعصية. وإلا فلا يمكن اتصاف الأنبياء به ، ويمكن أن يكون المراد به ما يعم الغبطة ، وقيل : المراد أن الناس يحسدونهم ، وكذا في الأوليين وظواهر الأخبار تأبى عنه كما لا يخفى.

الحديث السابع والثمانون : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « إني لموعوك » قال الجزري : الوعك : الحمى ، وقيل ألمها. وقد وعكه المرض فهو موعوك (٢).

قوله عليه‌السلام : « أشعرت على البناء » للمجهول أو على صيغة الخطاب المعلوم مع همزة الاستفهام ، أي هل أحسست بذلك ، ولعل مراده عليه‌السلام أن الحرارة قد تظهر آثارها في أعالي الجسد ، وقد تظهر في أسافلها.

__________________

(١) النهاية : ج ٣ ص ٢٥١.

(٢) النهاية : ج ٥ ص ٢٠٧.

٢٦٤

بحديث عن أبي بصير عن جدك أنه كان إذا وعك استعان بالماء البارد فيكون له ثوبان ثوب في الماء البارد وثوب على جسده يراوح بينهما ثم ينادي حتى يسمع صوته على باب الدار يا فاطمة بنت محمد فقال صدقت قلت جعلت فداك فما وجدتم للحمى عندكم دواء فقال ما وجدنا لها عندنا دواء إلا الدعاء والماء البارد إني اشتكيت فأرسل إلي محمد بن إبراهيم بطبيب له فجاءني بدواء فيه قيء فأبيت أن أشربه لأني إذا قيئت زال كل مفصل مني.

٨٨ ـ الحسين بن محمد الأشعري ، عن محمد بن إسحاق الأشعري ، عن بكر بن محمد الأزدي قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام حم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأتاه جبرئيل عليه‌السلام فعوذه فقال بسم الله أرقيك يا محمد وبسم الله أشفيك وبسم الله من كل داء يعييك بسم الله

______________________________________________________

قوله : « ثم ينادي » لعل نداءه عليه‌السلام كان لاستشفائه بها صلى الله عليها.

قوله عليه‌السلام : « قيئت » على البناء للمجهول من باب التفعيل ، يقال : قاء الرجل وقياه غيره ، قوله عليه‌السلام « زال كل مفصل مني » أي لا أقدر لكثرة الضعف على القيء.

أقول : هذا الخبر يدل : على أن بيان كيفية المرض ومدته وشدته ليس بشكاية.

الحديث الثامن والثمانون : مجهول.

لكن الظاهر [ أنه ] أحمد بن إسحاق ، إذ هو يروي عن بكر بن محمد كثيرا ، فالخبر صحيح على الظاهر ، ويؤيده أن الحميري ، رواه في قرب الإسناد (١) ، عن أحمد بن إسحاق عن بكر بن محمد ، قوله : « بسم الله أرقيك » قال في المصباح المنير (٢) : رقيته أرقيه رقيا من باب رمي عوذته بالله.

قوله : « وبسم الله من كل داء يعنيك » أي أعيذك أو أرقيك أو أشفيك من كل داء.

__________________

(١) قرب الإسناد : ص ٢٠.

(٢) المصباح : ج ١ ص ٢٨٦.

٢٦٥

والله شافيك بسم الله خذها فلتهنيك « بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ » لتبرأن بإذن الله قال بكر وسألته عن رقية الحمى فحدثني بهذا.

٨٩ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن سالم ، عن أحمد بن النضر ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من قال « بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ثلاث مرات كفاه الله عز وجل تسعة وتسعين نوعا من أنواع البلاء أيسرهن الخنق.

٩٠ ـ حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمد الكندي ، عن أحمد بن الحسن الميثمي ، عن أبان بن عثمان ، عن نعمان الرازي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال انهزم الناس يوم

______________________________________________________

قال في النهاية (١) : فيه « أتاه جبرئيل فقال : بسم الله أرقيك من كل داء يعنيك » أي يقصدك يقال : عنيت فلانا عنيا إذا قصدته ، وقيل : معناه من كل داء يشغلك ، يقال : هذا أمر لا يعنيني ، أي لا يشغلني ويهمني انتهى. وفي بعض النسخ يعييك من الإعياء.

قوله عليه‌السلام : « بِمَواقِعِ النُّجُومِ » أي بمساقطها وتخصيص المغارب لما في غروبها من زوال أثرها ، والدلالة على وجود مؤثر لا يزول تأثيره ، أو بمنازلها ومجاريها ، وقيل النجوم القرآن ، ومواقعها أوقات نزولها.

قوله : « عن رقية الحمى » قال الجزري (٢) : الرقية : العوذة التي يرقى بها صاحب الآفة ، كالحمى والصرع وغير ذلك من الآفات.

الحديث التاسع والثمانون : ضعيف.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أيسرهن الخنق » أي الموت بالخناق.

الحديث التسعون : مجهول.

__________________

(١) النهاية : ٣ ص ٣١٤.

(٢) نفس المصدر : ج ٢ ص ٢٥٤.

٢٦٦

أحد عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فغضب غضبا شديدا قال وكان إذا غضب انحدر عن جبينه مثل اللؤلؤ من العرق قال فنظر فإذا علي عليه‌السلام إلى جنبه فقال له الحق ببني أبيك مع من انهزم عن رسول الله فقال يا رسول الله لي بك أسوة قال فاكفني هؤلاء فحمل فضرب أول من لقي منهم فقال جبرئيل عليه‌السلام إن هذه لهي المواساة يا محمد فقال إنه مني وأنا منه فقال جبرئيل عليه‌السلام وأنا منكما يا محمد فقال أبو عبد الله عليه‌السلام

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « لي بك أسوة » قال في المصباح (١) : الأسوة بكسر الهمزة وضمها : القدوة ، وتأسيت به اقتديت ، وآسيته بنفسي بالمد سويته ، ويجوز إبدال الهمزة واوا في لغة اليمن ، فيقال : واسيته.

أقول : مضمون تلك الرواية من المشهورات بين الخاصة والعامة ، قال ابن أبي الحديد : (٢) روى أبو عمر (٣) ومحمد بن عبد الواحد الزاهد اللغوي غلام ثعلب ورواه أيضا محمد بن حبيب في أماليه أن رسول الله لما فر معظم أصحابه عنه يوم أحد كثرت عليه كتائب المشركين وقصدته كتيبة من بني كنانة ، ثم من بني عبد مناف (٤) بن كنانة فيها بنو سفيان بن عويف وهم خالد بن ثعلب (٥) وأبو الشعثاء بن سفيان وأبو الحمراء بن سفيان وغراب بن سفيان فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ، يا علي اكفني هذه الكتيبة ، فحمل عليها وإنها لتقارب خمسين فارسا ، وهو عليه‌السلام راجل فما زال يضربها بالسيف فتفرق (٦) عنه ثم تجتمع عليه ، هكذا مرارا حتى قتل بني سفيان بن عويف الأربعة وتمام العشرة منها ممن لا يعرف بأسمائهم فقال جبرئيل عليه‌السلام لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٧) : إن هذه المواساة ، لقد عجبت الملائكة من مواساة هذا الفتى ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وما يمنعه وهو مني وأنا منه : فقال جبرئيل : وأنا منكما ، قال : وسمع

__________________

(١) المصباح : ج ١ ص ٢١.

(٢) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ١٤ ص ٢٥٠.

(٣) في المصدر : أبو عمر محمّد.

(٤) في المصدر : من بني عبد مناة.

(٥) في المصدر : خالد بن سفيان.

(٦) في المصدر : حتى تتفرّق عنه.

(٧) في المصدر : يا محمّد إنّ هذه.

٢٦٧

فنظر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى جبرئيل عليه‌السلام على كرسي من ذهب بين السماء والأرض وهو يقول لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي.

٩١ ـ حميد بن زياد ، عن عبيد الله بن أحمد الدهقان ، عن علي بن الحسن الطاطري ، عن محمد بن زياد بن عيسى بياع السابري ، عن أبان بن عثمان قال حدثني فضيل البرجمي قال كنت بمكة وخالد بن عبد الله أمير وكان في المسجد عند زمزم فقال ادعوا لي قتادة قال فجاء شيخ أحمر الرأس واللحية فدنوت لأسمع فقال خالد يا قتادة أخبرني بأكرم وقعة كانت في العرب وأعز وقعة كانت في العرب وأذل وقعة كانت في العرب فقال أصلح الله الأمير أخبرك بأكرم وقعة كانت في العرب وأعز وقعة كانت في العرب وأذل وقعة كانت في العرب واحدة قال خالد ويحك واحدة قال نعم أصلح الله

______________________________________________________

ذلك اليوم صوت من قبل السماء لا يرى شخص الصارخ به ينادي مرارا « لا سيف إلا ذو الفقار ، ولا فتى إلا علي » فسئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنه فقال هذا جبرئيل عليه‌السلام » قلت : وقد روى هذا الخبر جماعة من المحدثين ، وهو من الأخبار المشهورة ، ووقفت عليه في بعض نسخ مغازي محمد بن إسحاق ، ورأيت بعضها خاليا عنه ، وسألت شيخي عبد الوهاب بن سكينة عن هذا الخبر ، فقال : خبر صحيح ، فقلت له : فما بال الصحاح لم تشتمل عليه ، قال : أو كلما كان صحيحا تشتمل عليه كتب الصحاح؟ كم قد أهمل جامعوا الصحاح من الأخبار الصحيحة. انتهى كلامه.

الحديث الحادي والتسعون : ضعيف.

قوله : « ادعوا لي قتادة » هو من أكابر محدثي العامة من تابعي العامة البصرة (١) ، روي عن أنس وأبي الطفيل وسعد بن المسيب والحسن البصري ، قوله : « إن كان في العرب يومئذ من هو أعز منهم » لعله لعنه الله حملته الحمية والكفر على أن يتعصب للمشركين بأنهم لم يذلوا بقتل هؤلاء ، بل كان فيهم أعز منهم ، أو غرضه الحمية لأبي سفيان وسائر بني أمية ، وخالد بن الوليد فإنهم

__________________

(١) كذا في النسخ ولعلّ الصواب « سكن البصرة ».

٢٦٨

الأمير قال أخبرني قال بدر قال وكيف ذا قال إن بدرا أكرم وقعة كانت في العرب بها أكرم الله عز وجل الإسلام وأهله وهي أعز وقعة كانت في العرب بها أعز الله الإسلام وأهله وهي أذل وقعة كانت في العرب فلما قتلت قريش يومئذ ذلت العرب فقال له خالد كذبت لعمر الله إن كان في العرب يومئذ من هو أعز منهم ويلك يا قتادة أخبرني ببعض أشعارهم قال خرج أبو جهل يومئذ وقد أعلم ليرى مكانه وعليه عمامة حمراء وبيده ترس مذهب وهو يقول :

ما تنقم الحرب الشموس مني

بازل عامين حديث السن

لمثل هذا ولدتني أمي

______________________________________________________

كانوا يومئذ بين المشركين ، ويحتمل أن يكون مراده أن غلبة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

وهو سيد العرب كان يكفي لعزهم ولم يذلوا بفقد هؤلاء.

قوله : « وقد أعلم » أي جعل لنفسه أو لفرسه علامة يعلم بها ، قال الفيروزآبادي : أعلم الفرس : أي علق عليه صوفا ملونا في الحرب ونفسه وسمها بسيماء الحرب كعلمها. (١) وقال الجوهري : أعلم الفارس جعل لنفسه علامة الشجعان ، فهو معلم. (٢) قوله : « ما تنقم » إلى آخره ، قال الجوهري : نقمت على الرجل أنقم بالكسر فأنا ناقم إذا عتبت عليه ، يقال : ما نقمت منه إلا الإحسان (٣).

وقال الكسائي : نقمت بالكسر لغة ، ونقمت الأمر أيضا ونقمته إذا كرهته وانتقم الله منه أي عاقبه ، وقال : شمس الفرس شموسا وشماسا أي منع ظهره ، وهو فرس شموس وبه شماس ورجل شموس صعب الخلق.

__________________

(١) القاموس : ج ٤ ص ١٥٣.

(٢) الصحاح : ج ٥ ص ١٩٩٠.

(٣) نفس المصدر : ج ٥ ص ٢٠٤٥.

٢٦٩

فقال كذب عدو الله إن كان ابن أخي لأفرس منه يعني خالد بن الوليد وكانت أمه قشيرية ويلك يا قتادة من الذي يقول أوفي بميعادي وأحمي عن حسب فقال أصلح الله الأمير ليس هذا يومئذ هذا يوم أحد خرج طلحة بن أبي طلحة وهو ينادي من

______________________________________________________

وقال الفيروزآبادي : نقم منه كضرب وعلم وانتقم : عاقبه (١).

أقول : الظاهر أن كلمة « ما » للاستفهام ، ويحتمل على بعد أن تكون نافية ، وما لهما واحد ، أي لا يقدر عليها بسهولة ، ولا تطيع المرء فيما يريد منها أن تنتقم مني أو أن تعييني أو تظهر عيبي.

قوله : « بازل عامين حديث السن » الظاهر أنهما حالان عن الضمير المجرور في قوله مني.

وقد روي هذا عن أمير المؤمنين أيضا هكذا

قد عرف الحرب العوان أني

بازل عامين حديث السن

سنحنح الليل كأني جني

أستقبل الحرب بكل فن

معي سلاحي ومعي مجني

و صارم يذهب كل ضغن

أمض به كل عدو عني

لمثل هذا ولدتني أمي

وقال الجزري : ومنه حديث علي بن أبي طالب « بازل عامين حديث السن » البازل من الإبل ، الذي تم لها ثمان سنين ودخل في التاسعة ، وحينئذ يطلع نابه وتكمل قوته ، ثم يقال له بعد ذلك : بازل عام وبازل عامين يقول : أنا مستجمع الشباب مستكمل القوة. (٢).

قوله عليه‌السلام : « وكانت أمه قشيرية » أي لذلك قال ابن أخي ، لأن خالدا كانت أمه من قبيلته ، والأصوب ما في بعض النسخ قسيرية ، لأن خالد بن عبد الله مشهور

__________________

(١) القاموس : ج ٤ ص ١٨٣.

(٢) النهاية : ج ١ ص ١٢٥.

٢٧٠

يبارز فلم يخرج إليه أحد فقال إنكم تزعمون أنكم تجهزونا بأسيافكم إلى النار ونحن نجهزكم بأسيافنا إلى الجنة فليبرزن إلي رجل يجهزني بسيفه إلى النار وأجهزه بسيفي إلى الجنة فخرج إليه علي بن أبي طالب عليه‌السلام وهو يقول :

أنا ابن ذي الحوضين عبد المطلب

و هاشم المطعم في العام السغب

أوفي بميعادي وأحمي عن حسب

فقال خالد لعنه الله كذب لعمري والله أبو تراب ما كان كذلك فقال الشيخ أيها الأمير ائذن لي في الانصراف قال فقام الشيخ يفرج الناس بيده وخرج وهو يقول زنديق ورب الكعبة زنديق ورب الكعبة.

______________________________________________________

بالقسري كما مر في صدر الحديث أيضا.

قوله : « إنكم تجهزونا » التجهيز إعداد ما يحتاج إليه المسافر أو العروس أو الميت ، ويحتمل أن يكون من قولهم أجهز على الجريح أي أثبت قتله وأسرعه وتمم عليه.

قوله عليه‌السلام : « أنا ابن ذي الحوضين » يعني اللتين صنعهما عبد المطلب عند زمزم لسقاية الحاج.

قوله عليه‌السلام : « في العام السغب (١) » الظاهر أنه بكسر الغين أي عام القحط والمجاعة : قال الفيروزآبادي : سغب كفرح ونصر : جاع أو لا يكون إلا مع تعب ، فهو ساغب وسغبان وسغب.

قوله عليه‌السلام : « أو في بميعادي » أي مع الرسول في نصرة.

قوله عليه‌السلام : « وأحمي عن حسب » أدفع العار عن أحسابي ، وأحساب آبائي ، ويحتمل على بعد أن يقرأ بكسر السين أي عن ذي حسب هو الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

__________________

(١) القاموس : ج ١ ص ٨٢.

٢٧١

( حديث آدم عليه‌السلام مع الشجرة )

٩٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن الحسن بن محبوب ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال إن الله تبارك وتعالى عهد إلى آدم عليه‌السلام أن لا يقرب هذه الشجرة فلما بلغ الوقت الذي كان في علم الله أن يأكل منها نسي فأكل منها وهو قول الله عز وجل

______________________________________________________

حديث آدم عليه‌السلام مع الشجرة

الحديث الثاني والتسعون : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « نسي فأكل منها » اعلم أن أقوى شبه المخطئين لأنبياء الله الظواهر الدالة على عصيان آدم وحملوها على ظواهرها بناء على أصلهم من عدم وجوب عصمة الأنبياء عليهم‌السلام ، وضبط القول في ذلك أن الاختلاف في هذا الباب يرجع إلى أقسام أربعة.

أحدها : ما يقع في باب العقائد ، وثانيها : ما يقع في التبليغ ، وثالثها : ما يقع في الأحكام والفتيا ، ورابعها : في أفعالهم وسيرهم ، أما الكفر والضلال في الاعتقاد فقد أجمعت الأمة على عصمتهم عنهما قبل النبوة وبعدها ، غير أن الأزارقة من الخوارج جوزوا عليهم الذنب ، وكل ذنب عندهم كفر ، فلزمهم تجويز الكفر عليهم ، بل يحكى عنهم أنهم قالوا : يجوز أن يبعث الله نبيا علم أنه يكفر بعد نبوته ، وأما النوع الثاني وهو ما يتعلق بالتبليغ ، فقد اتفقت الأمة بل جميع أرباب الملل والشرائع على وجوب عصمتهم عن الكذب والتحريف فيما يتعلق بالتبليغ عمدا وسهوا ، إلا القاضي أبا بكر فإنه جوز ما كان من ذلك على سبيل النسيان ، وفلتأت اللسان.

وأما النوع الثالث : وهو ما يتعلق بالفتياء ، فأجمعوا على أنه لا يجوز خطاؤهم فيه عمدا وسهوا إلا شر ذمة قليلة من العامة.

٢٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وأما النوع الرابع : وهو الذي يقع في أفعالهم فقد اختلفوا فيه على خمسة أقوال.

الأول : مذهب أصحابنا الإمامية وهو أنه لا يصدر عنهم الذنب لا صغيرة ولا كبيرة ، ولا عمدا ولا نسيانا ولا لخطأ في التأويل ، ولا للإسهاء من الله تعالى ، ولم يخالف فيه إلا الصدوق وشيخه محمد بن الحسن الوليد رحمهما الله تعالى ، فإنهما جوزا الإسهاء ، لا السهو الذي يكون من الشيطان ، وكذا القول في الأئمة الطاهرين.

الثاني : أنه لا يجوز عليهم الكبائر ، ويجوز عليهم الصغائر إلا الصغائر الخسيسة المنفرة كسرقة حبة ولقمة ، وكل ما ينسب فاعله إلا الدناءة والضعة ، وهذا قول أكثر المعتزلة.

الثالث : أنه لا يجوز أن يأتوا بصغيرة ولا كبيرة على جهة التأويل أو السهو وهو قول أبي على الجبائي.

الرابع : أنه لا يقع منهم الذنب إلا على جهة السهو والخطإ ، لكنهم مأخوذون بما يقع منهم سهوا وإن كان موضوعا عن أمتهم لقوة معرفتهم وعلو مرتبتهم ، وكثرة دلالتهم وإنهم يقدرون من التحفظ على ما لا يقدر عليه غيرهم وهو قول النظام وجعفر بن مبشر ومن تبعهما.

الخامس : أنه يجوز عليهم الكبائر والصغائر عمدا وسهوا وخطأ ، وهو قول الحشوية وكثير من أصحاب الحديث من العامة ، ثم اختلفوا في وقت العصمة على ثلاثة أقوال : الأول : أنه من وقت ولادتهم إلى أن يلقوا الله سبحانه وهو مذهب أصحابنا الإمامية.

الثاني : أنه من حين بلوغهم ، ولا يجوز عليهم الكفر والكبيرة قبل النبوة

٢٧٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وهو مذهب كثير من المعتزلة.

الثالث : أنه وقت النبوة ، وأما قبله فيجوز صدور المعصية عنهم ، وهو قول أكثر الأشاعرة ، ومنهم الفخر الرازي ، وبه قال أبو هذيل وأبو علي الجبائي من المعتزلة.

إذا عرفت هذا فاعلم أن العمدة فيما اختاره أصحابنا من تنزيه الأنبياء والأئمة عليهم‌السلام عن كل ذنب ودناءة ومنقصة قبل النبوة وبعدها قول أئمتنا « سلام الله عليهم » بذلك ، المعلوم لنا قطعا بإجماع أصحابنا مع تأيده بالنصوص المتظافرة ، حتى صار ذلك من قبيل الضروريات في مذهب الإمامية. وقد استدل عليه أصحابنا بالدلائل العقلية وقد أوردنا بعضها في شرح كتاب الحجة (١) ، ومن أراد تفصيل القول في ذلك فليرجع إلى كتاب الشافي (٢) وكتاب تنزيه الأنبياء وغيرهما من كتب أصحابنا.

والجواب مجملا : عما استدل به المخطئون من إطلاق لفظ العصيان والذنب فيما صدر عن آدم عليه‌السلام هو أنه لما قام الدليل على عصمتهم نحمل هذه الألفاظ على ترك لمستحب والأولى ، أو فعل المكروه مجازا ، والنكتة فيه كون ترك الأولى ومخالفة الأمر الندبي وارتكاب النهي التنزيهي منهم ، مما يعظم موقعه لعلو درجتهم وارتفاع شأنهم ، وأما النسيان الوارد في هذه الآية فقد ذكر جماعة من المفسرين أن المراد به الترك ، وقد ورد في كثير من الأخبار أيضا.

منها ما رواه علي بن إبراهيم (٣) عن أبيه عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن المفضل بن صالح عن جابر عن أبي جعفر عليه‌السلام في قول الله « وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ »

__________________

(١) لاحظ : ج ٢ ص ٤١٧ ـ ٤١٨.

(٢) تلخيص الشافي : ج ١ ص ١٨١ ـ ١٩٢.

(٣) تفسير القمّيّ : ج ٢ ص ٦٥ و ٦٨.

٢٧٤

« وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً » (١) فلما أكل آدم عليه‌السلام من الشجرة أهبط إلى الأرض فولد له هابيل وأخته توأم وولد له قابيل وأخته توأم ثم إن آدم عليه‌السلام أمر هابيل وقابيل أن يقربا قربانا وكان هابيل صاحب غنم وكان قابيل صاحب زرع فقرب هابيل كبشا من أفاضل غنمه وقرب قابيل من زرعه ما لم ينق فتقبل قربان هابيل ولم يتقبل قربان قابيل وهو قول الله عز وجل : « وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ » إلى آخر الآية وكان القربان تأكله النار فعمد قابيل إلى النار فبنى لها بيتا وهو أول من بنى بيوت النار فقال لأعبدن هذه النار حتى تتقبل مني قرباني ثم إن إبليس لعنه الله أتاه وهو يجري من ابن آدم مجرى الدم في العروق فقال له يا قابيل قد تقبل قربان هابيل ولم يتقبل قربانك وإنك إن تركته يكون له عقب يفتخرون على عقبك ويقولون نحن أبناء الذي تقبل قربانه فاقتله كيلا يكون له عقب يفتخرون على عقبك فقتله فلما رجع قابيل إلى آدم عليه‌السلام قال له يا قابيل أين هابيل فقال اطلبه حيث قربنا القربان فانطلق آدم عليه‌السلام فوجد هابيل قتيلا فقال آدم عليه‌السلام لعنت من أرض كما قبلت دم هابيل وبكى آدم عليه‌السلام على هابيل أربعين ليلة ثم إن آدم سأل ربه ولدا فولد له غلام فسماه هبة الله لأن الله عز وجل وهبه له وأخته توأم.

______________________________________________________

الآية ، قال : عهد إليه في محمد والأئمة من بعده ، فترك ولم يكن له عزم فيهم أنهم هكذا وأنهم سموا أولي العزم لأنه عهد إليهم في محمد وأوصيائه من بعده والقائم عليه‌السلام وسيرته ، فأجمع عزمهم أن ذلك كذلك.

وقال الجزري وأصل النسيان الترك (٢). وقال البيضاوي : (٣) « وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ » ولقد أمرناه يقال : تقدم الملك إليه أوعز إليه وعزم عليه وعهد إليه إذا أمره ، واللام جواب قسم محذوف « مِنْ قَبْلُ » هذا الزمان « فَنَسِيَ » العهد ، ولم

__________________

(١) سورة طه : ١١٥.

(٢) النهاية : ج ٥ ص ٥٠.

(٣) أنوار التنزيل : ج ٢ ص ٦٢.

٢٧٥

فلما انقضت نبوة آدم عليه‌السلام واستكمل أيامه أوحى الله عز وجل إليه أن يا آدم قد انقضت نبوتك واستكملت أيامك فاجعل العلم الذي عندك والإيمان والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة في العقب من ذريتك عند هبة الله فإني لن أقطع العلم والإيمان والاسم الأكبر وآثار النبوة من العقب من ذريتك إلى يوم القيامة ولن أدع الأرض إلا وفيها عالم يعرف به ديني ويعرف به طاعتي ويكون نجاة لمن يولد فيما بينك وبين نوح وبشر آدم بنوح عليه‌السلام فقال إن الله تبارك وتعالى باعث نبيا اسمه نوح وإنه يدعو إلى الله عز ذكره ويكذبه قومه فيهلكهم الله بالطوفان وكان بين آدم وبين نوح عليه‌السلام عشرة آباء أنبياء وأوصياء كلهم وأوصى آدم عليه‌السلام إلى هبة الله أن من أدركه منكم فليؤمن به وليتبعه وليصدق به فإنه ينجو من الغرق ثم إن آدم عليه‌السلام مرض المرضة التي مات فيها فأرسل هبة الله وقال له إن لقيت جبرئيل أو من لقيت من الملائكة فأقرئه مني السلام وقل له يا جبرئيل إن أبي يستهديك من ثمار الجنة فقال له جبرئيل يا هبة الله إن أباك قد قبض وإنا نزلنا للصلاة عليه فارجع فرجع فوجد آدم عليه‌السلام قد قبض فأراه جبرئيل كيف يغسله فغسله حتى إذا بلغ الصلاة عليه قال هبة الله يا جبرئيل تقدم فصل على آدم فقال له جبرئيل إن الله عز وجل أمرنا أن نسجد لأبيك آدم وهو في الجنة فليس لنا أن نؤم شيئا من ولده فتقدم هبة الله فصلى على أبيه

______________________________________________________

يعن به حتى غفلة (١) أو ترك ما وصى به من الاحتراز عن الشجرة « وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً » تصميم رأي وثبات على الأمر إذ لو كان ذا عزم وتصلب لم يزله الشيطان ، ولم يستطع تغريره ، انتهى. قوله تعالى : « قد قضيت » (٢) على صيغة الخطاب المعلوم أو على صيغة الغيبة المجهول والأول أظهر ، وكذا الفعل الثاني يجري فيه الاحتمالان قوله تعالى : « والاسم الأكبر » أي الأسماء العظام أو كتب الأنبياء وعلومهم كما فسر به في خبر تقدم في كتاب الحجة (٣).

__________________

(١) في المصدر « غفل عنه ».

(٢) في الأصل « قد انقضت ».

(٣) لاحظ : ج ٣ ص ٢٧٢.

٢٧٦

وجبرئيل خلفه وجنود الملائكة وكبر عليه ثلاثين تكبيرة فأمر جبرئيل عليه‌السلام فرفع خمسا وعشرين تكبيرة والسنة اليوم فينا خمس تكبيرات وقد كان يكبر على أهل بدر تسعا وسبعا ثم إن هبة الله لما دفن أباه أتاه قابيل فقال يا هبة الله إني قد رأيت أبي آدم قد خصك من العلم بما لم أخص به أنا وهو العلم الذي دعا به أخوك هابيل فتقبل قربانه وإنما قتلته لكيلا يكون له عقب فيفتخرون على عقبي فيقولون نحن أبناء الذي تقبل قربانه وأنتم أبناء الذي ترك قربانه فإنك إن أظهرت من العلم الذي اختصك به أبوك شيئا قتلتك كما قتلت أخاك هابيل فلبث هبة الله والعقب منه مستخفين بما عندهم من العلم والإيمان والاسم الأكبر وميراث النبوة وآثار علم النبوة حتى بعث الله نوحا عليه‌السلام وظهرت وصية هبة الله حين نظروا في وصية آدم عليه‌السلام فوجدوا نوحا عليه‌السلام نبيا قد بشر به آدم عليه‌السلام فآمنوا به واتبعوه وصدقوه وقد كان آدم عليه‌السلام وصى هبة الله أن يتعاهد هذه الوصية عند رأس كل سنة فيكون يوم عيدهم فيتعاهدون نوحا وزمانه الذي يخرج فيه وكذلك جاء في وصية كل نبي حتى بعث الله محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله وإنما عرفوا نوحا بالعلم الذي عندهم وهو قول الله عز وجل : « وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ » إلى آخر الآية (١) وكان من بين آدم ونوح من الأنبياء مستخفين ولذلك خفي ذكرهم في القرآن فلم يسموا كما

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « فرفع خمسا وعشرين تكبيرة » أي وجوبه ، أو عموم مشروعيته فلا ينافي ما فعله الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بعض الموارد ، لبعض الخصوصيات ، ويحتمل أن يكون السبع والتسع للتشريك في الصلاة لجنازة أخرى أحضرت بعد الرابعة أو بعد الثانية.

قوله عليه‌السلام : « أن يتعاهد » التعاهد المحافظة ، وتجديد العهد والمواظبة ، وأما أولها كي لا تندرس ولا تنسى.

قوله عليه‌السلام : « فيتعاهدون » أي المؤمنون بعضهم مع بعض مستخفين من قابيل وأتباعه.

قوله عليه‌السلام : « من الأنبياء » أي كثير منهم أو جماعة منهم.

__________________

(١) سورة الأعراف : ٥٨. هود : ٢٥. سورة العنكبوت : ١٤.

٢٧٧

سمي من استعلن من الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين وهو قول الله عز وجل ـ « وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ » (١) يعني لم أسم المستخفين كما سميت المستعلنين من الأنبياء عليهم‌السلام.

فمكث نوح عليه‌السلام في قومه « أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عاماً » لم يشاركه في نبوته أحد ولكنه قدم على قوم مكذبين للأنبياء عليهم‌السلام الذين كانوا بينه وبين آدم عليه‌السلام وذلك قول الله عز وجل : « كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ » (٢) يعني من كان بينه وبين آدم عليه‌السلام إلى أن انتهى إلى قوله عز وجل : « وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ » (٣) ثم إن نوحا ع لما انقضت نبوته واستكملت أيامه أوحى الله عز وجل إليه أن يا نوح قد قضيت نبوتك واستكملت أيامك فاجعل العلم الذي عندك والإيمان والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة في العقب من ذريتك فإني لن أقطعها كما لم أقطعها من بيوتات الأنبياء عليهم‌السلام التي بينك وبين آدم عليه‌السلام ولن أدع الأرض إلا وفيها عالم يعرف به ديني وتعرف به طاعتي ويكون نجاة لمن يولد فيما بين قبض النبي إلى خروج النبي الآخر وبشر نوح ساما بهود عليه‌السلام وكان فيما بين نوح وهود من الأنبياء عليهم‌السلام وقال نوح إن الله باعث نبيا يقال له هود وإنه يدعو قومه إلى الله عز وجل فيكذبونه والله عز وجل مهلكهم بالريح فمن أدركه منكم فليؤمن به وليتبعه فإن الله عز وجل ينجيه من عذاب الريح وأمر نوح عليه‌السلام ابنه ساما أن يتعاهد هذه الوصية عند رأس كل سنة فيكون يومئذ عيدا لهم فيتعاهدون فيه ما عندهم من العلم والإيمان والاسم الأكبر ومواريث العلم وآثار علم النبوة ـ فوجدوا هودا نبيا عليه‌السلام وقد بشر به أبوهم

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « فإن الله ينجيه » أي هودا أو من اتبعه ، قوله : « لنجعلها » في بعض النسخ بصيغة الغيبة وهو الأظهر ، وفي أكثرها بصيغة المتكلم أي هديناه لتعيين الخليفة لنجعل الخلافة في أهل بيته.

قوله : « وأمن العقب » وفي بعض النسخ و « أمر » أي أمر هودا العقب بتعاهد الوصية لإبراهيم.

__________________

(١) سورة النساء : ١٦٣.

(٢) سورة الشعراء : ١٠٥ ـ ١٩١.

(٣) سورة الشعراء : ١٠٥ ـ ١٩١.

٢٧٨

نوح عليه‌السلام فآمنوا به واتبعوه وصدقوه فنجوا من عذاب الريح وهو قول الله عز وجل : « وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً » (١) وقوله عز وجل « كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ » (٢) وقال تبارك وتعالى « وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ » (٣) وقوله « وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا » لنجعلها في أهل بيته : « وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ » (٤) لنجعلها في أهل بيته فآمن العقب من ذرية الأنبياء عليهم‌السلام من كان قبل إبراهيم لإبراهيم عليه‌السلام وكان بين إبراهيم وهود من الأنبياء ص وهو قول الله عز وجل : « وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ » (٥) وقوله عز ذكره : « فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي » (٦) وقوله عز وجل « وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ » (٧) فجرى بين كل نبيين عشرة أنبياء وتسعة وثمانية أنبياء كلهم أنبياء وجرى لكل نبي ما جرى لنوح ص وكما جرى لآدم وهود وصالح وشعيب وإبراهيم ص حتى انتهت إلى يوسف بن يعقوب عليه‌السلام ثم صارت من بعد يوسف في أسباط إخوته حتى انتهت إلى موسى عليه‌السلام فكان بين يوسف وبين موسى من الأنبياء عليهم‌السلام فأرسل الله موسى وهارون عليه‌السلام إلى فرعون وهامان وقارون ثم أرسل الرسل « تَتْرا

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : وهو قوله تعالى « وَما قَوْمُ لُوطٍ » ظاهره أنه لبيان أنه قد كان بين هود وإبراهيم أنبياء ومنهم لوط عليه‌السلام وهو مخالف لغيره من الأخبار الدالة على أن لوطا عليه‌السلام كان بعثته بعد بعثة إبراهيم عليه‌السلام وكان معاصرا له ، ويحتمل أن يكون الغرض الإشارة إلى الآيات الدالة على بعثة إبراهيم عليه‌السلام ومن آمن به من الأنبياء وغيرهم.

قوله عليه‌السلام : « وجرى لكل نبي ما جرى لنوح » أي الوصية والأمر بتعاهدها وكتمانها.

قوله عليه‌السلام : « ثم أرسل الرسل تترى » أي متواترين واحدا بعد واحد من الوتر وهو الفرد والتاء بدل من الواو ، كتولج ، والألف للتأنيث ، لأن الرسل جماعة قوله

__________________

(١) سورة الأعراف : ٦٤.

(٢) سورة الشعراء : ١٢٤.

(٣) سورة البقرة : ١٣٢.

(٤) سورة الأنعام : ٨٤.

(٥) سورة هود : ٨٩.

(٦) سورة العنكبوت : ٢٦.

(٧) سورة العنكبوت : ١٦.

٢٧٩

كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ » (١) وكانت بنو إسرائيل تقتل نبيا واثنان قائمان ويقتلون اثنين وأربعة قيام حتى أنه كان ربما قتلوا في اليوم الواحد سبعين نبيا ويقوم سوق قتلهم آخر النهار فلما نزلت التوراة على موسى عليه‌السلام بشر بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وكان بين يوسف وموسى من الأنبياء وكان وصي موسى يوشع بن نون عليه‌السلام وهو فتاه الذي ذكره الله عز وجل في كتابه فلم تزل الأنبياء تبشر بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى بعث الله تبارك وتعالى المسيح عيسى ابن مريم فبشر بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وذلك قوله تعالى : « يَجِدُونَهُ » يعني اليهود والنصارى : « مَكْتُوباً » يعني صفة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله « عِنْدَهُمْ » يعني « فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ » (٢) وهو قول الله عز وجل يخبر عن عيسى : « وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ » (٣) وبشر موسى وعيسى بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله كما بشر

______________________________________________________

تعالى : « فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً » أي في الإهلاك قوله تعالى : « وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ » لم يبق منهم إلا حكايات يسمر بها ، وهو اسم جمع للحديث أو جمع أحدوثة ، وهو ما يتحدث به تلهيا وتعجبا.

قوله عليه‌السلام : « واثنان قائمان » أي نبيان ولا ينصرانه تقية ، أو لعدم قدرتهم على ذلك ، أو رجلان من القوم واقفان ، فلا يزجرانه لعدم مبالاتهم.

قوله عليه‌السلام : « ويقوم سوق قتلهم آخر النهار » الظاهر سوق « بقلهم » كما روي في غيره أي كانوا لا يبالون بذلك ، بحيث كان يقوم بعد قتل سبعين نبيا جميع أسواقهم حتى سوق بقلهم إلى آخر النهار ، وعلى ما في أكثر النسخ ، لعل المراد أن السوق الذي قتلوا فيه كان قائما إلى آخر النهار ، لعدم اعتنائهم بذلك ، أو المراد أنه ربما كان يمتد زمان قتلهم إلى آخر النهار ، أو ربما يأخذون في قتلهم آخر النهار فيقتلون في هذا الزمان القليل مثل هذا العدد الكثير ، وعلى الأخيرين يكون القتل كناية عن المعركة التي أقاموها لقتلهم ، ولا يخفى بعدهما.

قوله عليه‌السلام : « يعني في التوراة » الظاهر أن قوله : « يعني » زيد من النساخ.

__________________

(١) المؤمنون : ٤٥ وفيها « رَسُولُها ».

(٢) سورة الأعراف : ١٥٦.

(٣) سورة الصفّ : ٦.

٢٨٠