مرآة العقول - ج ٢٥

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول - ج ٢٥

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


المحقق: السيد جعفر الحسيني
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٢

يرى بعرى وثيقات وأسباب محكمات فلا يزالون بجور ولن يزدادوا إلا خطأ لا ينالون تقربا ولن يزدادوا إلا بعدا من الله عز وجل أنس بعضهم ببعض وتصديق بعضهم لبعض كل ذلك وحشة مما ورث النبي الأمي ص ونفورا مما أدى إليهم من أخبار فاطر السماوات والأرض أهل حسرات وكهوف شبهات وأهل عشوات وضلالة وريبة من

______________________________________________________

الطبيعية ، فما أنكرته طباعهم كان هو المنكر بينهم ، وإن كان معروفا في الشريعة ، وما اقتضته طباعهم ومالت إليه شهواتهم كان هو المعروف بينهم ، وإن علموا أنه منكر في الذين « وكل امرء منهم إمام نفسه » وفي نهج البلاغة هكذا : « مفزعهم في المعضلات إلى أنفسهم ، وتعويلهم في المبهمات على آرائهم ، كان كل امرئ منهم إمام نفسه » (١) « أخذ منها فيما يرى بعرى وثيقات » أي يظنون أنهم تمسكوا بدلائل وبراهين فيما يدعون من الأمور الباطلة « وأسباب محكمات » أي زعموا أنهم تعلقوا بوسائل محكمة فيمن يتوسلون بهم من أئمة الجور « فلا يزالون بجور ، ولم يزدادوا إلا خطأ لا ينالون تقربا » أي إلى ربهم « ولن يزدادوا إلا بعدا من الله » لخطائهم في أديانهم وأعمالهم آنس بعضهم ببعض « على صيغة المصدر ويحتمل الفعل والفقرة التالية يؤيد الأول » وتصديق بعضهم لبعض « وفي بعض النسخ » وتصدق « أي يعطي بعضهم صدقاتهم بعضا ولعله تصحيف » كل ذلك ، وحشة مما ورث النبي الأمي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « أي يفعلون كل ذلك لوحشتهم ونفرتهم عن العلوم التي ورثها النبي لأهل بيته والأمي : نسبة إلى أم القرى ، أو لأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يتعلم الخط والقراءة ، وإن كان عالما بهما بإلهامه تعالى » ونفورا مما أدى إليهم من إخبار فاطر السماوات والأرض « أي خالقهما ، ومبدعهما » أهل حسرات « بعد الموت وفي القيامة » وكهوف شبهات « أي تأدى إليهم الشبهات لأنهم يقبلون إليها ويقتلون بها ، وفي بعض النسخ » وكفر وشبهات « فيكونان معطوفين على حسرات » وأهل عشوات « قال الجوهري (٢) : العشوة أن يركب أمرا على غير بيات ، ويقال أخذت عليهم بالعشوة ، أي بالسواد من الليل » وضلالة وريبة « أي شك » من

__________________

(١) نهج البلاغة : تحقيق صبحي الصالح ص ١٢١ « الخطبة رقم ٨٨ » وفيه « وتعويلهم في المهمّات على آرائهم ».

(٢) الصحاح : ج ٦ ص ٢٤٢٧.

١٤١

وكله الله إلى نفسه ورأيه فهو مأمون عند من يجهله غير المتهم عند من لا يعرفه فما أشبه هؤلاء بأنعام قد غاب عنها رعاؤها ووا أسفى من فعلات شيعتي من بعد قرب مودتها اليوم كيف يستذل بعدي بعضها بعضا وكيف يقتل بعضها بعضا المتشتتة غدا عن الأصل النازلة بالفرع المؤملة الفتح من غير جهته كل حزب منهم آخذ منه بغصن أينما مال الغصن مال معه مع أن الله وله الحمد سيجمع هؤلاء لشر يوم لبني أمية كما يجمع

______________________________________________________

وكله الله إلى نفسه ورأيه » أي بسبب إعراضه عن الحق ، وتركه لأهله « فهو مأمون عند من يجهله » و « غير المتهم عند من لا يعرفه » خبر للموصول ، والغرض بيان أن حسن ظن الناس والعوام بهم إنما هو لجهلهم بضلالتهم وجهالتهم ، ويحتمل أن يكون المراد بالموصول أئمة من قد ذمهم سابقا ، لا أنفسهم « فما أشبه هؤلاء » أي هذه الفرق الضالة المختلفة « بإنعام قد غاب عنها رعاؤها » هي جمع الراعي « ووا أسفا من فعلات شيعتي » أي من تتبعني اليوم ظاهرا « من بعد قرب مودتها اليوم » ظرف للقرب « كيف يستذل بعدي بعضها بعضا » كما تفرقوا عن أئمة الحق ، وتوسلوا بأئمة الجور« وكيف يقتل بعضها بعضا المتشتتة غدا عن الأصل » أي هم الذين يتفرقون عن أئمة الحق ولا ينصرونهم « النازلة بالفرع » أي يتعلقون بالأغصان ، والفروع التي لا ينفع التعلق بها بدون التشبث بالأصل كما أنهم بعد تفرقهم عن الأئمة عليهم‌السلام تبعوا كل من ادعى حقا ، وإن لم يكن محقا ، كمختار وأبي مسلم ، وزيد ويحيى ، ومحمد ، وإبراهيم ، وغيرهم « المؤملة الفتح من غير جهته » أي من غير الجهة التي يرجى منها الفتح ، إذ صاروا بعد خروجهم مغلوبين مقتولين ، أو من غير الجهة التي أمروا بالاستفتاح منها ، فإنه كان خروجهم بغير إذن الأئمة عليهم‌السلام معصية « كل حزب منهم آخذ بغصن ، أين ما مال الغصن مال معه » أي لتفرقهم عن أئمة الحق صاروا شعبا شتى كل منهم آخذ بغصن من أغصان شجرة الحق بزعمهم ، ممن يدعي الانتساب إلى أهل البيت عليهم‌السلام مع تركهم الأصل « مع أن الله وله الحمد سيجمع هؤلاء » أي هؤلاء الأحزاب المتشتتة « لشر يوم لبني أمية »

١٤٢

قزع الخريف يؤلف الله بينهم ثم يجعلهم ركاما كركام السحاب ثم يفتح لهم أبوابا يسيلون من مستثارهم كسيل الجنتين سيل العرم حيث بعث عليه قارة فلم يثبت

______________________________________________________

إشارة إلى اجتماعهم على أبي مسلم الخراساني لدفع بني أمية ، وقد ظفروا بذلك ، لكن دفعوا لفاسد بالأفسد وسلطوا أولاد العباس على أئمة الحق « كما يجمع قزع الخريف ، يؤلف الله بينهم ثم يجعلهم ركاما كركام السحاب » في نهج البلاغة (١) « كما تجتمع » قال الجزري (٢) في حديث الاستسقاء « وما في السماء قرعة » أي قطعة من الغيم وجمعها قزع ، ومنه حد على « فتجتمعون إليه كما يجتمع قزع الخريف » أي قطع السحاب المتفرقة ، وإنما خص الخريف لأنه أول الشتاء ، والسحاب يكون فيه متفرقا غير متراكم ولا مطبق ، ثم يجتمع بعضه إلى بعض بعد ذلك ، وقال (٣) : الركام : السحاب المتراكب بعضه فوق بعض.

أقول : نسبة هذا التأليف إليه تعالى مع أنه لم يكن برضاه على سبيل المجاز تشبيها لعدم منعهم عن ذلك وتمكينهم من أسبابه ، وتركهم واختيارهم بتأليفهم ، وحثهم عليه ، ومثل هذا كثير في الآيات والأخبار « ثم يفتح لهم أبوابا يسئلون من مستثارهم ، كسيل الجنتين سيل العرم ، حيث بعث عليه فأرة فلم يثبت عليه أكمة » فتح الأبواب كناية عما هيئ لهم من أسبابهم ، وما سنح لهم من تدابيرهم المصيبة ، ومن اجتماعهم وعدم تخاذلهم ، والمستثار موضع ثوراتهم ، أي هيجانهم ووثبهم ونهوضهم ، وشبه عليه‌السلام تسلط هذا الجيش عليهم بسوء أعمالهم بما سلط الله على أهل سبأ بعد إتمام النعمة عليهم ، لكفرانهم وعصيانهم ، كما قال تعالى (٤) : « لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ » لأولاد سبأ بن يسحب بن يعرب بن قحطان « فِي مَسْكَنِهِمْ » في موضع سكناهم ، وهو باليمن يقال له مأرب « آيَةٌ » علامة دالة على وجود الصانع المختار ، وأنه قادر على ما يشاء « جَنَّتانِ » بدل من آية ، أو خبر محذوف تقديره الآية جنتان « عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ » جماعة عن يمين بلدهم ، وجماعة عن شماله ، كل واحدة منهما في تقاربهما وتضايقها كأنه جنة واحدة ، أو بستانا كل رجل منهم عن يمين مسكنه وعن شماله

__________________

(١) نهج البلاغة : تحقيق صبحي الصالح ص ٢٤١ الخطبة : ١٦٦.

(٢) النهاية : ج ٤ ص ٥٩.

(٣) نفس المصدر : ج ٢ ص ٢٦٠.

(٤) سورة سبأ : ١٥.

١٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

« كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ » حكاية لما قال لهم نبيهم أو لسان الحال أو دلالة بأنهم كانوا أحقاء بأن يقال لهم ذلك « بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ » استئناف للدلالة على موجب الشكر « فَأَعْرَضُوا » عن الشكر « فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ » (١) سيل الأمر العرم : أي الصعب من عرم الرجل فهو عارم إذا شرس خلقه وصعب ، أو المطر الشديد أو الجرد أضاف إليه لأنه نقب عليهم سكرا ضربت لهم بلقيس ، كما رواه البغوي (٢) « أن بلقيس لما ملكت سبأ كانوا يقتتلون على ماء واديهم ، وكان يأتيهم السيل من بعيد ، فيؤذيهم سدت بلقيس ما بين الجبلين ، بسد فيه أبواب بعضها فوق بعض ، وجعلت بركة لها اثني عشر مخرجا كعدد أنهارهم التي يسقون بها بساتينهم ، وإذا استغنوا سدوها فإذا جاء السيل احتبس وراء السد ، فأخصبت بلادهم وكثرت نعمتهم ، حتى قيل : إن المرأة كانت تخرج وعلى رأسها المكتل فتعمل بيديها وتسير بين تلك الشجر فيمتلي المكتل مما يتساقط فيه من الثمر ، وكان الرجل يمر ببلدهم في ثيابه القمل فتموت القمل كلها من طيب الهواء ».

وقال علي بن إبراهيم : كانت لهم جنات عن يمين ، وشمال مسيرة عشرة أيام ، فمن يمر لا تقع عليه الشمس من التفافها ، فلما عملوا بالمعاصي وعتوا عن أمر ربهم ونهاهم الصالحون ، فلم ينتهوا بعث الله على ذلك السد الجرذ ، وهي الفأرة الكبيرة فكانت تقلع الصخرة التي لا يستقلها الرجل ، وترمي به فلما رأى ذلك قوم منهم هربوا وتركوا البلاد ، فما زال الجرذ تقلع الحجر حتى خرب ذلك السد ، فلم يشعروا حتى غشيهم السيل ، وخرب بلادهم وقلع أشجارهم (٣) وقيل العرم : اسم للمسناة التي عقدت سكرا ، على أنه جمع عرمة ، وهي الحجارة المركومة ، وقيل اسم واد جاء السيل من قبله « وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ » أي ثمر بشع وقيل : الأراك أو كل شجر لا شوك له « وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ » والأثل : هو الطرفاء فعلى ما في الكتاب من قوله : « حيث بعث عليه فأرة » إشارة إلى ما فسر ، وضمير

__________________

(١) سورة سبأ : ١٦.

(٢) معالم التنزيل : المطبوع بهامش تفسير ابن كثير ج ٧ ص ١٨ ـ ١٩. « ط مصر ١٣٤٧ » باختلاف يسير.

(٣) تفسير القمّيّ : ج ٢ ص ٢٠١.

١٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

« عليه » إما راجع إلى السيل فعلى تعليلية أو إلى العرم ، إذا فسر بالسد وفي بعض النسخ نقب بالنون والقاف والباء الموحدة فقوله فأرة مرفوع بالفاعلية ، وفي نهج البلاغة (١) كسيل الجنتين حيث لم تسلم عليه فأرة ، ولم تثبت له أكمة. والفأرة : الجبل الصغير ، والأكمة هي الموضع الذي يكون أشد ارتفاعا مما حوله ، وهو غليظ لا يبلغ أن يكون حجرا ، أو التل من حجارة واحدة أو هي دون الجبال. والحاصل : بيان شدة السيل المشبه به بأنه أحاط بالجبال ، وذهب بالتلال ولم يمنعه شيء « ولم يرد سننه رص طود » السنن : الطريق والرص : التصاق الأجزاء بعضها ببعض ، والطود : الجبل أي لم يرد طريقه طود مرصوص ، أي جبل اشتد التصاق أجزائه بعضها ببعض ، وفي النهج بعد ذلك : ولا حداب أرض هي جمع حدبة ، وهي المكان المرتفع ، ولما بين عليه‌السلام شدة المشبه به أخذ في بيان شدة المشبه فقال : « يذعذعهم الله في بطون أو دية » الذعذعة بالذالين المعجمتين ، والعينين المهملتين : التفريق أي يفرقهم الله في السيل متوجهين إلى البلاد « ثم يسلكهم « يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ » » من ألفاظ القرآن (٢) أي كما أن الله تعالى ينزل الماء من السماء فيستكن في أعماق الأرض ثم يظهره ينابيع إلى ظاهرها كذلك هؤلاء يفرقهم الله في بطون الأودية ، وغوامض الأغوار ثم يظهرهم بعد الاختفاء ، كذا ذكره ابن أبي الحديد (٣) ، والأظهر أنه بيان لاستيلائهم على البلاد وتفرقهم فيها وظهورهم في كل البلاد ، وحصول أعوانهم من سائر العباد فكما أن مياه الأنهار ووفورها توجب وفور مياه العيون والآبار ، فكذلك يظهر أثر هؤلاء في كل البلاد وتكثر أعوانهم في جميع الأقطار ، وكل ذلك ترشيح لما سبق من التشبيه « يأخذ بهم من قوم » أي بني أمية « حقوق قوم » أي أهل البيت عليهم‌السلام للانتقام من أعدائهم ، وإن لم يصل إليهم « ويمكن لقوم » أي لبني العباس « لديار قوم » أي بني أمية وفي بعض النسخ [ ويمكن لهم قوما ديار قوم ] وفي النهج « ويمكن لقوم في ديار قوم » والمال واحد

__________________

(١) نهج البلاغة : تحقيق صبحي الصالح ص ٢٤١ « الخطبة ١٦٦ ».

(٢) قال تعالى : « أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ » « الزمر : ٢١ ».

(٣) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ٩ ص ٢٨٥.

١٤٥

الْأَرْضِ » يأخذ بهم من قوم حقوق قوم ويمكن بهم قوما في ديار قوم تشريدا لبني أمية ولكيلا يغتصبوا ما غصبوا يضعضع الله بهم ركنا وينقض بهم طي الجنادل من إرم ويملأ منهم بطنان الزيتون فو الذي فلق الحبة وبرأ النسمة ليكونن ذلك وكأني

______________________________________________________

في الكل » تشريدا لبني أمية.

ولكيلا يغتصبوا ما غصبوا « التشريد : التفريق والطرد » والاغتصاب بمعنى الغصب ، ولعل المراد أن الغرض من استيلاء هؤلاء ليس إلا تفريق بني أمية ودفع ظلمهم « يضعضع الله بهم ركنا » قال الفيروزآبادي : ضعضعه : هدمه حتى الأرض (١) أي يهدم الله بهم ركنا وثيقا عظيما هو أساس دولة بني أمية « وينقض بهم طي الجنادل من إرم » الجنادل : جمع جندل وهو ما يقله الرجل من الحجارة ، أي ينقض الله ويكسر بهم البنيان التي طويت ، وبنيت بالجنادل والأحجار من بلاد إرم ، وهي دمشق والشام ، إذ كان مستقر ملكهم في أكثر الأزمان تلك البلاد لا سيما زمانه عليه‌السلام.

قال الفيروزآبادي : إرم ذات العماد : دمشق أو الإسكندرية ، أو موضع بفارس (٢) ، وفي بعض النسخ [ على الجنادل ] « ويملأ منهم بطنان الزيتون » قال الجزري (٣) : فيه « ينادي مناد من بطنان العرش » أي من وسطه ، وقيل : من أصله ، وقيل : البطنان جمع بطن : وهو الغامض من الأرض ، يريد من دواخل العرش.

وقال الفيروزآبادي : الزيتون : مسجد دمشق أو جبال الشام ، وبلد بالصين ، والمعنى إن الله يملأ منهم وسط مسجد دمشق أو دواخل جبال الشام ، والغرض من الفقرتين بيان استيلاء هؤلاء القوم على بني أمية في وسط ديارهم والظفر عليهم في محل استقرارهم ، وأنه لا ينفعهم بناء ولا حصن في التحرز منهم « فو الذي فلق الحبة » فأخرج منها أنواع النبات « وبرء النسمة » أي أصناف ذوي الحياة « ليكونن ذلك وكأني أسمع صهيل خيلهم » الصهيل : كأمير صوت الفرس « وطمطمة رجالهم » قال الفيروزآبادي رجل طمطم ، وطمطمي بكسرهما وطمطماني بالضم : في لسانه عجمة (٤) ، وقال الجزري في

__________________

(١) القاموس المحيط : ج ٣ ص ٥٦ « ط مصر ».

(٢) نفس المصدر : ج ٤ ص ٧٤.

(٣) النهاية ج ١ ص ١٣٧.

(٤) القاموس المحيط : ج ٤ ص ١٤٥.

١٤٦

أسمع صهيل خيلهم وطمطمة رجالهم وايم الله ليذوبن ما في أيديهم بعد العلو والتمكين في البلاد كما تذوب الألية على النار من مات منهم مات ضالا وإلى الله عز وجل يفضي منهم من درج ويتوب الله عز وجل على من تاب ولعل الله يجمع شيعتي بعد التشتت لشر يوم لهؤلاء وليس لأحد على الله عز ذكره الخيرة بل لله الخيرة والأمر جميعا.

أيها الناس إن المنتحلين للإمامة من غير أهلها كثير ولو لم تتخاذلوا عن مر الحق

______________________________________________________

صفة قريش « ليس فيهم طمطمانية حمير » شبه كلام حمير لما فيه من الألفاظ المنكرة بكلام العجم يقال رجل أعجم طمطمي وقد طمطم في كلامه (١) وأشار عليه‌السلام بذلك إلى أن أكثر عسكرهم من العجم ، لأن عسكر أبي مسلم كان من خراسان « وأيم الله ليذوبن ما في أيديهم بعد العلو والتمكين في البلاد كما تذوب الألية على النار » الظاهر أن هذا أيضا من تتمة بيان انقراض ملك بنو أمية ، وسرعة زواله ، ويحتمل أن يكون إشارة إلى انقراض هؤلاء الغالبين من بني عباس « من مات منهم مات ضالا وإلى الله تعالى يقضي منهم من درج » وفي النسخ يفضي بالفاء ، أي يوصل ، وبالقاف بمعنى القضاء والمحاكمة أو الإنهاء والإيصال كما في قوله تعالى : « وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ » (٢) ودرج الرجل أي مشى ودرج أيضا بمعنى مات ، ويقال : درج القوم أي انقرضوا ، والظاهر أن المراد به هنا الموت ، أي من مات ضالا وأمره إلى الله يعذبه كيف يشاء ، ويحتمل المشي أيضا أي من بقي منهم فعاقبة الفناء ، والله يقضي فيه يعلمه « ويتوب الله عز وجل على من تاب » أي من أعوانهم وأحزابهم « ولعل الله يجمع شيعتي بعد التشتت لشر يوم لهؤلاء » إشارة إلى زمان القائم عليه‌السلام « وليس لأحد على الله عز وجل الخيرة بل لله الخيرة والأمر جميعا » أي ليس لأحد أن يشير بأمر على الله إن هذا خير ينبغي أن تفعله ، بل له أن يختار من الأمور ما يشاء بعلمه ، وله الأمر يأمر بما يشاء في جميع الأشياء « أيها الناس إن المنتحلين للإمامة من غير أهلها كثير » أي فلا تصدقوا كل مدع ولا تتبعوه ، ولو لم تتخاذلوا عن مر الحق ، أي

__________________

(١) النهاية : ج ٣ ص ١٣٩.

(٢) سورة الحجر : ٦٦.

١٤٧

ولم تهنوا عن توهين الباطل لم يتشجع عليكم من ليس مثلكم ولم يقو من قوي عليكم وعلى هضم الطاعة وإزوائها عن أهلها لكن تهتم كما تاهت بنو إسرائيل على عهد موسى بن عمران عليه‌السلام ولعمري ليضاعفن عليكم التيه من بعدي أضعاف ما تاهت بنو إسرائيل ولعمري أن لو قد استكملتم من بعدي مدة سلطان بني أمية لقد اجتمعتم على السلطان الداعي إلى الضلالة وأحييتم الباطل وخلفتم الحق وراء ظهوركم وقطعتم الأدنى

______________________________________________________

الحق الذي هو مر أو خالص الحق فإنه مر واتباعه صعب ، وفي النهج (١) : عن نصر الحق « ولم تهنوا عن توهين الباطل » أي لم تضعفوا عن تحقير الباطل وأضعافه ، « لم يتشجع عليكم من ليس مثلكم » وفي النهج (٢) : لم يطمع فيكم « ولم يقومن قوي عليكم ، وعلى هضم الطاعة » أي كسرها « وإزوائها عن أهلها » يقال زوى الشيء عنه : أي صرفه ونحاه ، ولم أظفر بهذا البناء فيما اطلعت عليه من كتب اللغة « لكن تهتم كما تاهت بنو إسرائيل على عهد موسى » أي كما تاهوا في خارج المصر أربعين سنة ، يتيهون ويتحيرون في الأرض ، ليس لهم مخرج بسبب عصيانهم ، وتركهم الجهاد ، فكذا أصحابه تحيروا في أديانهم وأعمالهم لما لم ينصروه ولم يعينوه على عدوه كما روي (٣) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : لتركبن سنين من كان قبلكم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة ، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه. وفي النهج (٤) : ولكنكم تهتم متاه بني إسرائيل ولعمري ليضاعفن عليكم التيه من بعدي أضعاف ما تاهت بنو إسرائيل. يحتمل أن يكون المراد بالمشبه به هنا تحير قوم موسى بعده في دينهم ويمكن أن يراد به تحيرهم في الأرض في حياته عليه‌السلام كالسابق ، وعلى التقديرين المراد بالمضاعفة إما المضاعفة بحسب الشدة ، وكثرة الحيرة ، أو بحسب الزمان ، فإن حيرتهم كانت أربعين سنة والناس إلى الآن متحيرون تائهون في أديانهم وأحكامهم « ولعمري أن لو قد استكملتم مدة سلطان بني أمية لقد اجتمعتم على سلطان الداعي إلى الضلالة ، أي الداعي إلى بني عباس « وأحييتم الباطل » أي مرة ثانية « وخلفتم الحق وراء ظهوركم » أي متابعة أئمة أهل البيت عليهم‌السلام « وقطعتم

__________________

(١ و ٢ و ٤) نهج البلاغة : تحقيق صبحي الصالح ص ٢٤١ « الخطبة : ١٦٦ ».

(٣) مسند أحمد بن حنبل : ج ٤ ص ١٢٥. وبحار الأنوار : ج ٢٨ ص ٨.

١٤٨

من أهل بدر ووصلتم الأبعد من أبناء الحرب لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولعمري أن لو قد ذاب ما في أيديهم لدنا التمحيص للجزاء وقرب الوعد وانقضت المدة وبدا لكم النجم ذو الذنب

______________________________________________________

الأدنى من أهل بدر » أي الأدنين إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نسبا الناصرين له في غزوة بدر وهي أعز غزوات الإسلام ، يعني نفسه وأولاده صلوات الله عليهم « ووصلتم إلا بعد من أبناء الحرب لرسول الله » أي أولاد العباس ، فإنهم كانوا أبعد نسبا عن الرسول من أهل البيت عليهم‌السلام ، وكان جدهم العباس ممن حارب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في غزوة بدر ، حتى أسر.

« ولعمري أن لو قد ذاب ما في أيديهم » أي لو ذهب ملك بني العباس ، لدنى التمحيص للجزاء أي قرب قيام القائم والتمحيص الابتلاء والاختبار ، أي يبتلي الناس ويختبرون بقيامه عليه‌السلام ليجزي الكافرين ، ويعذبهم في الدنيا قبل نزول عذاب الآخرة بهم.

ويمكن أن يكون المراد تمحيص جميع الخلق لجزائهم في الآخرة إن خيرا فخيرا ، وإن شرا فشرا ، وقرب الوعد أي وعد الفرج ، وانقضت المدة أي قرب انقضاء مدة دولة أهل الباطل « وبدا لكم النجم ذو الذنب » وهو من علامات ظهور القائم عليه‌السلام ، ويحتمل أن يكون إشارة إلى ذات ذنب ظهرت في سنة تسع وثلاثين وثمانمائة هجرية ، والشمس في أوائل الميزان بقرب الإكليل الشمالي كانت تطلع وتغيب معه لا تفارقه ، ثم بعد مدة ظهر أن لها حركة خاصة بطيئة فيما بين المغرب والشمال ، وكان يصغر جرمها ويضعف ضوؤها بالتدريج حتى انمحت بعد ثمانية أشهر تقريبا ، وقد بعدت عن الإكليل في الجهة المذكورة ، قدر ذراع ، لكن قوله عليه‌السلام : « من قبل المشرق » يأبى عنه إلا بتكلف ، وقد ظهر في زماننا في سنة خمس وسبعين وألف ذو ذؤابة فيما بين القبلة والمشرق ، ومكث أشهرا ثم ظهر أول الليل في جانب المشرق وقد ضعف ثم بعد أيام انمحى ، وكانت له حركة على التوالي لا على نظام معلوم ،

١٤٩

من قبل المشرق ولاح لكم القمر المنير فإذا كان ذلك فراجعوا التوبة واعلموا أنكم إن اتبعتم طالع المشرق سلك بكم مناهج الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله فتداويتم من العمى والصمم والبكم وكفيتم مئونة الطلب والتعسف ونبذتم الثقل الفادح عن الأعناق ولا

______________________________________________________

وتطبيق ما في الخبر عليه يحتاج إلى تكلف آخر أيضا « ولاح لكم القمر المنير » لعل المراد ظهور قمر آخر أو شيء شبيه بالقمر في السماء ، أو كناية عن القائم عليه‌السلام ويؤيد الأخير ما رواه المفيد « ره » في إرشاده مرسلا عن مسعدة ، وفيه وأشرق لكم قمركم كملاء شهر ، وكليلة تم (١) « فإذا كان ذلك فراجعوا التوبة » أي ارجعوا إلى التوبة أو إلى الله بالتوبة ، واعلموا أنكم إن اتبعتم طالع المشرق ، أي المهدي عليه‌السلام إذ مكة شرقية بالنسبة إلى المدينة ، أو لأن اجتماع العساكر عليه وتوجهه إلى فتح البلاد إنما يكون من الكوفة ، وهي شرقية بالنسبة إلى الحرمين ، ولا يبعد أن يكون ذكر المشرق ترشيحا للاستعارة أي القمر الطالع من مشرقه ، ويحتمل على بعد أن يكون إشارة إلى السلطان إسماعيل أنار الله برهانه « سلك بكم مناهج الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي بعض النسخ [ منهاج ] كما في النهج » فتداويتم من العمى والصمم والبكم « أي ليفيض الله تعالى به عليه‌السلام وبمتابعته نور الإيمان على جوارحكم ، فترون الحق ، وتسمعونه وتقبلونه ، وتنطقون به » وكفيتم به مؤنة الطلب والتعسف « التعسف هنا الظلم ، أي لا تحتاجون في زمانه عليه‌السلام إلى طلب الرزق ، والظلم على الناس لأخذ أموالهم » ونبذتم الثقل الفادح عن الأعناق « يقال : فدحه الدين ، أي أثقله ، أي طرحتم الديون المثقلة ، ومظالم العباد ، أو إطاعة أهل الجور وظلمهم عليكم عن أعناقكم ، » ولا يبعد الله « أي في ذلك الزمان أو مطلقا » إلا من أبي « عن طاعته عليه‌السلام أو طاعة الله ، » وظلم « على نفسه ، وعلى الناس » واعتسف « أي مال عن طريق الحق إلى غيره ، » أو ظلم على غيره ، « وأخذ ما ليس له » من الأموال والحقوق والولايات ،

__________________

(١) الإرشاد : ص ١٣٨ « ط الآخوندي ـ ١٣٧٧ ه‍ ».

١٥٠

يبعد الله إلا من أبى وظلم واعتسف وأخذ ما ليس له « وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ » (١).

( خطبة لأمير المؤمنين عليه‌السلام )

٢٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن علي بن رئاب ويعقوب السراج ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أن أمير المؤمنين عليه‌السلام لما بويع بعد مقتل عثمان صعد المنبر فقال الحمد لله الذي علا فاستعلى ودنا فتعالى وارتفع فوق كل منظر وأشهد أن لا إله

______________________________________________________

« وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ » عند انقلابهم ورجوعهم بعد الموت إلى الله.

الحديث الثالث والعشرون : حسن.

قوله عليه‌السلام : « علا فاستعلى » الاستعلاء هنا مبالغة في العلو ، أي علا عن رتبة المخلوقين ، فاستعلى عن التشبه بصفاتهم أو كان عاليا بالذات والصفات ، فأظهر وبين علوه بالإيجاد أو طلب علوه من العباد ، بأن يخضعوا عنده ويعبدوه ، وعلى الأخيرين يكون الاستفعال للطلب بتقدير أو تجوز.

قوله عليه‌السلام : « ودنى فتعالى » أي دنى من كل شيء ، فتعالى أن يكون في مكان إذ لا يمكن للمكاني الدنو من كل شيء ، أو دنوة دنو علم وقدرة وإيجاد وتربية وهو عين علوه وشرافته ورفعته ، فليس دنوة دنوا منافيا للعلو بل مؤيد له ، ويحتمل في الفقرتين أن يكون الفاء بمعنى الواو أي علا وكثر علاوة ، ودنى وتعالى أن يكون دنوة كدنو المخلوقين.

قوله عليه‌السلام : « وارتفع فوق كل منظر » المنظر : النظر ، والموضع المرتفع ، وكلما نظرت إليه فسرك أو ساءك ، والمراد أنه تعالى ارتفع عن كل محل يمكن أن ينظر إليه أي ليس بمرئي ولا مكاني ، أو ارتفع عن كل نظر ، فلا يمكن لبصر الخلق النظر إليه ، أو ارتفع عن محال النظر والفكر ، فلا يحصل في وهم ولا خيال ولا عقل

__________________

(١) الشعراء : ٢٢٧.

١٥١

إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله خاتم النبيين وحجة الله على العالمين مصدقا للرسل الأولين وكان بالمؤمنين رءوفا رحيما فصلى الله وملائكته عليه وعلى آله.

أما بعد أيها الناس فإن البغي يقود أصحابه إلى النار وإن أول من بغى على الله جل ذكره ـ عناق بنت آدم وأول قتيل قتله الله عناق وكان مجلسها جريبا [ من الأرض ] في جريب وكان لها عشرون إصبعا في كل إصبع ظفران مثل المنجلين فسلط الله عز وجل عليها أسدا كالفيل وذئبا كالبعير ونسرا مثل البغل فقتلوها وقد قتل الله الجبابرة على أفضل أحوالهم وآمن ما كانوا وأمات هامان ـ وأهلك فرعون وقد قتل عثمان ألا وإن بليتكم

______________________________________________________

ويحتمل معنى دقيقا بأن يكون المراد بالارتفاع فوقه الكون عليه ، والتمكن فيه مجازا أي ظهر لك في كل ما نظرت إليه بقدرته وصنعه وحكمته.

قوله عليه‌السلام : « خاتم النبيين » بفتح التاء وكسرها أي آخرهم.

قوله عليه‌السلام : « فإن البغي » أي الظلم والفساد والاستطالة.

قوله عليه‌السلام : « وإن أول من بغى » كأنها كانت مقدمة على قابيل.

قوله عليه‌السلام : « وأول قتيل قتله الله » أي بالعذاب.

قوله عليه‌السلام : « في جريب » لعل المراد أنها كانت تملأ مجموع الجريب بعرضها وتحتها ، وفي تفسير علي بن إبراهيم « وكان مجلسها في الأرض موضع جريب » وفيما رواه ابن ميثم بتغيير ما : « كان مجلسها من الأرض جريبا » (١).

قوله عليه‌السلام : « مثل المنجلين » المنجل : كمنبر ما يحصد به.

قوله عليه‌السلام : « وأمات هامان » أي عمر « وأهلك فرعون » يعني أبا بكر ويحتمل العكس ، ويدل على أن المراد هذان الأشقيان.

قوله عليه‌السلام : « وقد قتل عثمان » ويمكن أن يقرأ قتل على بناء المعلوم والمجهول ، والأول أنسب بما تقدم. قوله عليه‌السلام : « ألا وإن بليتكم » أي ابتلاؤكم وامتحانكم بالفتن.

__________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن ميثم : ج ١ ص ٢٩٧.

١٥٢

قد عادت كهيئتها يوم بعث الله نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله والذي بعثه بالحق لتبلبلن بلبلة ولتغربلن غربلة ولتساطن سوطة القدر حتى يعود أسفلكم أعلاكم وأعلاكم أسفلكم وليسبقن

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « لتبلبلن بلبلة » البلبلة (١) : الاختلاط ، وتبلبلت الألسن أي اختلطت وقال ابن ميثم : وكنى بهما عما يوقع بهم بنو أمية وغيرهم من أمراء الجور من الهموم المزعجة ، وخلط بعضهم ببعض ورفع أراذلهم وحط أكابرهم عما يستحق كل من المراتب ، وقال الجزري (٢) : فيه دنت الزلازل والبلابل هي الهموم والأحزان وبلبلة الصدر وسواسه ، ومنه الحديث إنما عذابها في الدنيا البلابل والفتن ، يعني هذه الأمة ومنه خطبة علي : لتبلبلن بلبلة ولتغربلن غربلة انتهى والأظهر أن المراد اختلاطهم واختلاف أحوالهم ودرجاتهم في الدين ، بحسب ما يعرض لهم من الفتن.

قوله عليه‌السلام : « ولتغربلن غربلة » والظاهر أنها مأخوذة من الغربال ، الذي يغربل به الدقيق ، ويجوز أن تكون من قولهم غربلت اللحم أي قطعته ، فعلى الأول الظاهر أن المراد تميز جيدهم من رديئهم ، ومؤمنهم من منافقهم ، وصالحهم من طالحهم بالفتن التي تعرض لهم ، كما أن في الغربال يتميز اللب من النخالة ، وقيل : المراد خلطهم ، لأن غربلة الدقيق تستلزم خلط بعضه ببعض.

وقال ابن ميثم (٣) : هو كناية عن التقاط آحادهم وقصدهم بالأذى والقتل كما فعل بكثير من الصحابة والتابعين ،. ولا يخفى ما فيه ، وعلى الثاني فلعل المراد تفريقهم وقطع بعضهم عن بعض.

قوله عليه‌السلام : « ولتساطن سوطة القدر » قال الجزري (٤) : ساط القدر بالمسوط ، وهو خشية يحرك بها ما فيها ليختلط ، ومنه حديث علي ( رضي‌الله‌عنه ) : « لتساطن سوط القدر ».

قوله عليه‌السلام : « حتى يعود أسفلكم أعلاكم » أي كفاركم مؤمنين ، وفجاركم

__________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن ميثم ج ١ ص ٢٩٦ ـ ٣٠٠.

(٢) النهاية : ج ١ ص ١٥٠.

(٣) شرح نهج البلاغة لابن ميثم ج ١ ص ٢٩٦ ـ ٣٠٠.

(٤) النهاية : ج ٢ ص ٤٢١.

١٥٣

سابقون كانوا قصروا وليقصرن سابقون كانوا سبقوا والله ما كتمت وشمة ولا كذبت كذبة ولقد نبئت بهذا المقام وهذا اليوم ألا وإن الخطايا خيل شمس حمل عليها أهلها وخلعت لجمها فتقحمت بهم في النار ألا وإن التقوى مطايا ذلل حمل عليها أهلها وأعطوا

______________________________________________________

متفقين ، وبالعكس ، أو ذليلكم عزيزا ، وعزيزكم ذليلا ، موافقا لبعض الاحتمالات السابقة.

قوله عليه‌السلام : « وليسبقن سابقون كانوا قصروا » يعني عليه‌السلام به قوما قصروا في أول الأمر في نصرته ، ثم نصروه واتبعوه ، أو قوما قصروا في نصرة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأعانوه صلوات الله عليه.

قوله عليه‌السلام : « وليقصرن سابقون كانوا سبقوا » يجري فيه الاحتمالان السابقان والأول فيهما أظهر كطلحة والزبير وأضرابهما ، حيث كانوا عند غصب الخلافة يدعون أنهم من أعوانه صلوات الله عليه وعند البيعة أيضا ابتدءوا بالبيعة ، وكان مطلوبهم الدنيا ، فلما لم يتيسر لهم كانوا أول من خالفه وحاربه.

قوله عليه‌السلام : « والله ما كتمت وشمة » أي كلمة مما أخبرني به الرسول في هذه الواقعة ، أو مما أمرت بأخباره مطلقا ، ويمكن أن يقرأ على البناء للمجهول أي لم يكتم عني رسول الله شيئا ، والأول أظهر.

قال الجزري (١) : وفي حديث علي : والله ما كتمت وشمة أي كلمة انتهى وقد سبق هذا الجزء من الخبر في كتاب الحجة ، وفيه « وسمة » بالسين المهملة ، أي ما كتمت علامة تدل على سبيل الحق ، ولكن عميتم عنها ولا يخفى لطف ضم الكتم مع الوسمة ، إذ الكتم بالتحريك نبت يخلط بالوسمة يختضب به.

قوله عليه‌السلام : « ولقد نبئت بهذا المقام » أي أنبأني الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذه البيعة وبنقض هؤلاء بيعتي.

قوله عليه‌السلام : « خيل شمس » هو بالضم جمع شموس ، وهي الدابة تمنع ظهرها ولا تطيع راكبها ، وهو مقابل الذلول فشبه عليه‌السلام الخطايا بخيل صعاب إذا ركبها

__________________

(١) النهاية : ج ٥ ص ١٨٩.

١٥٤

أزمتها فأوردتهم الجنة وفتحت لهم أبوابها ووجدوا ريحها وطيبها وقيل لهم « ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ » (١) ألا وقد سبقني إلى هذا الأمر من لم أشركه فيه ومن لم أهبه له ومن ليست له منه نوبة إلا بنبي يبعث ألا ولا نبي بعد محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله أشرف منه « عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ

______________________________________________________

الناس ، ولا يستطيعون منعها ، عن أن توردهم المهالك ، « والتقوى بمطاياه ذلل » مطيعة منقادة أزمتها بيد ركابها ، يوجهونها حيث ما يريدون.

قوله عليه‌السلام « : وأعطوا أزمتها » على البناء للمفعول أي أعطاهم من أركبهم أزمتها ، ويحتمل أن يقرأ على البناء للفاعل ، أي أعطي الركاب أزمة المطايا إليها فهن لكونهن ذللا لا يخرجن عن طريق الحق ، إلى أن يوصلن ، ركابهن إلى الجنة والتقحم : الدخول في الشيء مبادرة عن غير تأمل ، قوله تعالى : « بِسَلامٍ » أي سالمين من العذاب أو مسلما عليكم « آمِنِينَ » من الآفة والزوال.

قوله عليه‌السلام : « لم أشركه فيه » أي في الخلافة ولم أهب كله له أو لم أهب جرم هذا الغصب له.

قوله عليه‌السلام : « ومن ليست له توبة إلا بنبي يبعث » أي لا يعلم قبول توبة من فعل مثل هذا الأمر القبيح وأضل هذه الجماعات الكثيرة ، إلا بنبي يبعث فيخبره بقبول توبته ، وفي بعض النسخ نوبة أي ليست له نوبة في الخلافة إلا بنبي يبعث فيخبر عن الله أن له حصة في الخلافة ، وفي أكثر النسخ إلا نبي بدون الباء ، فالمراد بالتوبة ما يوجب قبولها أي ليس له سبب قبول توبة إلا بنبي ولعله من تصحيف النساخ.

قوله عليه‌السلام : « أشرف منه » أي بسبب غصبه الخلافة.

قوله عليه‌السلام : « على شفا جرف » قال الجوهري (٢) : شفا كل شيء جرفه قال الله تعالى « وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ » (٣) وقال (٤) : والجرف والجرف مثل عسر وعسر : ما تجرفته السيول وأكلته من الأرض ومنه قوله تعالى « عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ » (٥) وقال (٦) : هار الجرف يهور هورا وهؤورا فهو هائر ، ويقال : أيضا جرف هار خفضوه في موضع

__________________

(١) سورة الحجر : ٤٦.

(٢) الصحاح : ج ٦ ص ٢٣٩٣.

(٣) آل عمران : ١٠٣.

(٤) الصحاح : ج ٣ ص ١٣٣٦.

(٥) سورة التوبة : ١٠٩.

(٦) الصحاح : ج ٢ ص ٨٥٦.

١٥٥

فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ » حق وباطل ولكل أهل فلئن أمر الباطل لقديما فعل ولئن قل الحق فلربما ولعل ولقلما أدبر شيء فأقبل ولئن رد عليكم أمركم أنكم سعداء وما علي إلا الجهد وإني لأخشى أن تكونوا على فترة ملتم عني ميلة كنتم فيها عندي

______________________________________________________

الرفع ، وأرادوا هائر ، وقال : هائر وهو مقلوب من الثلاثي إلى الرباعي كما قلبوا شائك السلاح شاكي السلاح ، وهورته فتهور وأنهار أي الهدم.

قوله عليه‌السلام : « حق وباطل » أي في الدنيا أو هنا أو بين الناس حق وباطل.

قوله عليه‌السلام : « فلئن أمر الباطل » أي كثر قال الفيروزآبادي (١) : أمر كفرح أمرا وأمرة : كثر.

قوله عليه‌السلام : « فلقديما فعل » أي فو الله لقد فعل الباطل ذلك في قديم الأيام أي ليس كثرة الباطل ببديع ، حتى تستغرب أو يستدل بها على حقية أهله.

قوله عليه‌السلام : « ولئن قل الحق فلربما » أي فو الله كثيرا يكون الحق كذلك « ولعل » أي لا ينبغي أن يؤيس من الحق لقلته ، فلعله يعود كثيرا ، بعد قلته وعزيزا بعد ذلته.

قوله عليه‌السلام : « ولقلما أدبر شيء فأقبل » لعل المراد أنه إذا أقبل الحق وأدبر الباطل فهو لا يرجع ، إذ رجوع الباطل بعد إدباره قليل. أو المراد بيان أن رجوع الحق إلينا بعد الأدبار أمر غريب ، يفعله الله بفضله ولطفه وحكمته ، أو المراد بيان أنه لا يرجع عن قريب ، بل إنما يكون في زمان القائم عليه‌السلام.

قوله عليه‌السلام : « ولئن رد إليكم أمركم » أي في هذا الزمان.

قوله عليه‌السلام : « وما علي إلا الجهد » أي بذل الطاقة ، قال الجوهري (٢) : الجهد والجهد : الطاقة ، وقرئ « وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ » (٣) و ( جهدهم » قال الفراء : الجهد بالضم الطاقة ، والجهد بالفتح من قولك أجهد جهدك في هذا الأمر أي أبلغ غايتك ، ولا يقال أجهد جهدك والجهد : المشقة.

قوله عليه‌السلام : « أن تكونوا على فترة » قال في النهاية (٤) : في حديث ابن مسعود

__________________

(١) القاموس المحيط : ج ١ ص ٣٦٥.

(٢) الصحاح ج ١ ص ٤٥٧.

(٣) سورة التوبة : ٧٩.

(٤) النهاية ج ٣ ص ٤٠٨.

١٥٦

غير محمودي الرأي ولو أشاء لقلت « عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ » سبق فيه الرجلان وقام الثالث كالغراب همه بطنه ويله لو قص جناحاه وقطع رأسه كان خيرا له شغل عن الجنة والنار أمامه ثلاثة واثنان خمسة ليس لهم سادس ملك يطير بجناحيه ونبي أخذ الله

______________________________________________________

« إنه مرض فبكى ، فقال : إنما أبكي لأنه أصابني على حال فترة ، ولم يصبني في حال اجتهاد » أي في حال سكون وتقليل من العبادات والمجاهدات ، والفترة في غير هذا ما بين الرسولين من رسل الله تعالى من الزمان ، الذي انقطعت فيه الرسالة انتهى ، فالمعنى أخشى أن تكونوا على فترة وسكون وفتور عن نصرة الحق ، وأن تكونوا كأناس كانوا بين النبيين ، لا يظهر فيهم الحق ، ويشتبه عليهم الأمور.

قوله عليه‌السلام : « ملتم عني ميلة » أي في أول الأمر بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

قوله عليه‌السلام : « ولو أشاء لقلت » أي بينت بطلان الرجلين الذين اتبعتموهما وكفرهما ، لكن لا يقتضيه مصلحة الحال.

قوله عليه‌السلام : « عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ » أي لمن تاب في هذا الزمان.

قوله عليه‌السلام : « كان خيرا له قص الجناحين » كناية عن منعه ورفع استيلائه وقبض يده عن أموال المسلمين ودمائهم وفروجهم ، « وقطع رأسه » كناية عن قطع ما هو بمنزلة رأسه من الخلافة ، أو المراد قتله ابتداء قبل ارتكاب هذه الأمور.

قوله عليه‌السلام : « شغل » أي بالدنيا عن تحصيل الجنة ، والحال أن النار كانت أمامه ، فكان ينبغي أن لا يشتغل مع هذا بشيء آخر سوى تحصيل الجنة ، والتخلص من النار.

قوله عليه‌السلام : « ثلاثة واثنان » الحاصل أن أحوال المخلوقين المكلفين تدور على خمسة ، وإنما فصل الثلاثة عن الاثنين لأنهم من المقربين المعصومين الناجين من غير شك ، فلم يخلطهم بمن سواهم ، الأول : ملك أعطاه الله جناحين يطير بهما في درجات الكمال صورة ومعنى.

والثاني : « نبي أخذ الله بضبعيه » الضبع بسكون الباء : وسط العضد ، وقيل : هو

١٥٧

بضبعيه وساع مجتهد وطالب يرجو ومقصر في النار اليمين والشمال مضلة والطريق الوسطى هي الجادة عليها يأتي الكتاب وآثار النبوة هلك من ادعى و « خابَ مَنِ افْتَرى » إن الله أدب هذه الأمة بالسيف والسوط وليس لأحد عند الإمام فيهما هوادة

______________________________________________________

ما تحت الإبط ، أي رفعه الله بقدرته وعصمته من بين الخلق واختاره وقربه ، كأنه أخذ بعضده وقربه إليه ، ويحتمل أن يكون كناية عن رفع يده وأخذها عن المعاصي بعصمته ، وأن يكون كناية عن تقويته ، والأول أظهر.

والثالث : ساع مجتهد في الطاعات غاية جهده ، والمراد إما الأوصياء عليهم‌السلام أو أتباعهم الخلص ، فالأوصياء داخلون في الثاني على سبيل التغليب ، أو المراد بالثالث أعم منها.

والرابع : عابد طالب للآخرة بشيء من السعي مع صحة إيمانه ، وبذلك يرجو فضل ربه.

والخامس : مقصر ضال عن الحق كافر فهو في النار.

قوله عليه‌السلام : « اليمين والشمال مضلة » أي كلما خرج عن الحق فهو ضلال أو المراد باليمين ما يكون بسبب الطاعات والبدع فيها ، وباليسار ما يكون بسبب المعاصي.

قوله عليه‌السلام : « عليها يأتي الكتاب » أي على هذه الجادة أتى كتاب الله وحث على سلوكها ، وفي بعض النسخ [ ما في الكتاب ] وفي نسخ نهج البلاغة (١) « باقي الكتاب » ولعل المراد ما بقي من الكتاب في أيدي الناس.

قوله : « هلك » أي من ادعى مرتبة ليس بأهل لها كالإمامة.

قوله : « وليس لأحد عند الإمام فيها هوادة » قال الجزري (٢) : فيه : « لا تأخذه في الله هوادة » أي لا يسكن عند وجوب حدود الله ، ولا يحابي فيها أحدا ، والهوادة : السكون والرخصة والمحاباة انتهى.

__________________

(١) نهج البلاغة : تحقيق صبحي الصالح ص ٥٨ « الخطبة ١٦ ».

(٢) النهاية : ج ٥ ص ٢٨١.

١٥٨

فاستتروا في بيوتكم « وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ » والتوبة من ورائكم من أبدى صفحته للحق هلك.

( حديث علي بن الحسين عليه‌السلام )

٢٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن هلال بن عطية ، عن أبي حمزة ، عن علي بن الحسين عليه‌السلام قال كان يقول إن أحبكم

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « والتوبة من ورائكم » قال ابن ميثم (١) : تنبيه للعصاة على الرجوع إلى التوبة عن الجري في ميدان المعصية ، واقتفاء أثر الشيطان ، وكونها وراء ، لأن الجواذب الإلهية إذا أخذت بقلب العبد فجذبته عن المعصية حتى أعرض عنها ، والتفت بوجه نفسه إلى ما كان معرضا عنه من الندم على المعصية ، والتوجه إلى القبلة الحقيقية ، فإنه يصدق عليه أن التوبة وراؤه ، أي وراء عقليا ، وهو أولى من قول من قال من المفسرين إن « ورائكم » بمعنى « أمامكم ».

قوله عليه‌السلام : « من أبدي صفحته للحق هلك » قال في النهاية (٢) : صفحة كل شيء : وجهه وناحيته ، أقول : المراد مواجهة الحق ومقابلته ومعارضته ، فالمراد بالهلاك الهلاك في الدنيا والآخرة. أو المراد إبداء الوجه للخصوم ومعارضتهم لإظهار الحق في كل مكان وموطن من غير تقية ورعاية مصلحة ، فيكون مذموما ، والهلاك بالمعنى الذي سبق ، ويؤيد هذا.

قوله عليه‌السلام : « واستتروا في بيوتكم » أو المراد معارضة أهل الباطل على الوجه المأمور به ، والمراد بالهلاك مقاساة المشاق والمفاسد والمضار من جهال الناس ، ويؤيده ما في نسخ نهج البلاغة (٣) « هلك عند جهلة الناس ».

الحديث الرابع والعشرون : حديث علي بن الحسين عليه‌السلام : مجهول. وفي الفقيه مالك بن عطية ، وهو الظاهر فيكون صحيحا.

__________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن ميثم : ج ١ ص ٣٠٨ ـ ٣٠٩.

(٢) النهاية : ج ٣ ص ٣٤.

(٣) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ١ ص ٢٧٣ « الخطبة ١٦ ».

١٥٩

إلى الله عز وجل أحسنكم عملا وإن أعظمكم عند الله عملا أعظمكم فيما عند الله رغبة وإن أنجاكم من عذاب الله أشدكم خشية لله وإن أقربكم من الله أوسعكم خلقا وإن أرضاكم عند الله أسبغكم على عياله وإن أكرمكم على الله أتقاكم لله.

٢٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن موسى بن عمر الصيقل ، عن أبي شعيب المحاملي ، عن عبد الله بن سليمان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال أمير المؤمنين عليه‌السلام ليأتين على الناس زمان يظرف فيه الفاجر ويقرب فيه الماجن ويضعف فيه

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « أعظمكم فيما عند الله رغبة » أي علامة عظم الرغبة وكثرة الرجاء كثرة العمل ، ويكذب من يدعي الرجاء ولا يعمل.

الحديث الخامس والعشرون : ضعيف.

في نهج البلاغة (١) هكذا : قال عليه‌السلام : يأتي على الناس زمان لا يقرب فيه إلا الماحل ولا يظرف فيه إلا الفاجر ، ولا يضعف فيه إلا المنصف ، يعدون الصدقة فيه غرما ، وصلة الرحم منا ، والعبادة استطالة على الناس ، فعند ذلك يكون السلطان بمشورة الإماء ، وإمارة الصبيان.

قوله عليه‌السلام : « يظرف فيه الفاجر » في بعض نسخ الكتاب ، وأكثر نسخ النهج بالظاء المعجمة ، أي يعد الفاجر ظريفا ، من الظرافة بمعنى الكياسة ، وفي أكثر نسخ الكتاب وفي بعض نسخ النهج « بالطاء المهملة » من الطريف ضد التألد ، وهو الأمر المستطرف الذي يعده الناس حسنا لأن الناس راغبون إلى المستحدثات ، أي يعده الناس طريفا ، ويميلون إليه ، أو على البناء للمفعول من باب الأفعال من قولك أطرفت فلانا إذا أعطيته ما لم يعطه أحد قبلك أي يهبون الطرف للفاجرين.

قوله عليه‌السلام : « ويقرب فيه الماجن » كذا في أكثر النسخ وبعض نسخ النهج ، قال الجوهري : المجون : أن لا يبالي الإنسان ما صنع ، وقد مجن بالفتح يمجن فهو ماجن (٢) ، وقال الفيروزآبادي : الماجن : من لا يبالي قولا ولا فعلا (٣) ، وفي بعض النسخ

__________________

(١) نهج البلاغة : تحقيق صبحي الصالح ص ٤٨٥ المختار من الحكم ـ ١٠٢.

(٢) الصحاح : ج ٦ ص ٢٢٠٠.

(٣) القاموس المحيط : ج ٤ ص ٢٧٠ « ط مصر » وفي المصدر : لمن لا يبالي قولا وفعلا.

١٦٠