مرآة العقول - ج ٢٥

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول - ج ٢٥

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


المحقق: السيد جعفر الحسيني
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٢

واعلموا أيتها العصابة أن السنة من الله قد جرت في الصالحين قبل وقال من سره أن يلقى الله وهو مؤمن حقا حقا فليتول الله ورسوله والذين آمنوا وليبرأ إلى الله من عدوهم ويسلم لما انتهى إليه من فضلهم لأن فضلهم لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا من دون ذلك ، ألم تسمعوا ما ذكر الله من فضل أتباع الأئمة الهداة وهم المؤمنون قال « فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً » (١) فهذا وجه من وجوه فضل أتباع الأئمة فكيف بهم وفضلهم ومن سره أن يتم الله له إيمانه حتى يكون مؤمنا حقا حقا فليف لله بشروطه التي اشترطها على المؤمنين فإنه قد اشترط مع ولايته وولاية رسوله وولاية أئمة المؤمنين « إِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ » وإقراض الله « قَرْضاً حَسَناً » واجتناب الفواحش « ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ » فلم يبق شيء مما فسر مما حرم الله إلا وقد دخل في جملة قوله فمن دان الله فيما بينه وبين الله مخلصا لله ولم يرخص لنفسه في ترك شيء من هذا فهو عند الله في حزبه الغالبين وهو من المؤمنين حقا ـ وإياكم والإصرار على شيء مما حرم الله في ظهر القرآن وبطنه وقد قال الله تعالى : « وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ » (٢) إلى هاهنا رواية القاسم بن ربيع يعني المؤمنين قبلكم إذا نسوا شيئا مما اشترط الله في كتابه عرفوا أنهم قد عصوا الله في تركهم ذلك الشيء فاستغفروا ولم يعودوا إلى تركه فذلك معنى قول الله : « وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ».

______________________________________________________

قوله ( عليه‌السلام ) « في جملة قوله » أي في الفواحش فقوله تعالى (٣) : « واجتناب الفواحش » يشمل اجتناب جميع المحرمات.

قوله عليه‌السلام « فمن دان الله » أي عبد الله فيما بينه وبين ربه أي مختفيا ولا ينظر إلى غيره ولا يلتفت إلى من سواه.

قوله : « إلى هنا رواية » إلى آخره. أي ما يذكر بعده لم يكن في رواية القاسم بل كان في رواية حفص وإسماعيل قوله ( عليه‌السلام ) : « ملك مقرب » يمكن أن يكون بدل من الخلق وهو الأظهر ، وأن يكون اسم ليس ، أي لا يتوسط ملك مقرب ، ولا نبي مرسل

__________________

(١) سورة النساء : ٩٦.

(٢) سورة آل عمران : ١٣٥.

(٣) سورة الأنعام : ١٥١ والآية هكذا « وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ».

٢١

واعلموا أنه إنما أمر ونهى ليطاع فيما أمر به ولينتهى عما نهى عنه فمن اتبع أمره فقد أطاعه وقد أدرك كل شيء من الخير عنده ومن لم ينته عما نهى الله عنه فقد عصاه فإن مات على معصيته أكبه الله على وجهه في النار.

واعلموا أنه ليس بين الله وبين أحد من خلقه ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا من دون ذلك من خلقه كلهم إلا طاعتهم له فاجتهدوا في طاعة الله إن سركم أن تكونوا مؤمنين حقا حقا و « لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ » وقال وعليكم بطاعة ربكم ما استطعتم فإن الله ربكم.

واعلموا أن الإسلام هو التسليم والتسليم هو الإسلام فمن سلم فقد أسلم ومن لم يسلم فلا إسلام له ومن سره أن يبلغ إلى نفسه في الإحسان فليطع الله فإنه من أطاع الله فقد أبلغ إلى نفسه في الإحسان.

______________________________________________________

ولا غيرهم بين الخلق وبين الله توسطا مستقلا ، بدون الطاعة بل شفاعتهم وتوسطهم مشروط بقدر من الطاعة.

قوله عليه‌السلام : « فإن الله ربكم » هو الله القادر القاهر المستجمع لجميع صفات الكمال المستحق لأشرف العبادات فيلزمكم بذل وسعكم وطاقتكم وفي عبادته قوله ( عليه‌السلام ) « هو التسليم » أي انقياد الله في أوامره ونواهيه ، والتسليم لأئمة الحق ومتابعتهم وإذعان ما يصدر عنهم وإن كان بعيدا عن أفهام الخلق.

قوله عليه‌السلام : « أن يبلغ إلى نفسه في الإحسان » يقال : بالغ في أمره أي اجتهد ولم يقصر ، وكان الإبلاغ هنا بمعنى المبالغة وقوله : « إلى نفسه » متعلق بالإحسان أي يبالغ ويجتهد في الإحسان إلى نفسه هذا هو الظاهر بحسب المعنى.

ويؤيده ما ذكر في الإساءة وفي تقديم معمول المصدر عليه إشكال ، ويجوز بتأويل كما هو الشائع ، ولعل التقديم والتأخير من النساخ.

ويحتمل أن يكون الإبلاغ بمعنى الإيصال أي أراد أن يوصل إلى نفسه أمرا كاملا في الإحسان ، والأول أظهر ، والشائع في مثل هذا المقام بلغ من المجرد يقال بلغ في الكرم أي حد الكمال فيه.

٢٢

وإياكم ومعاصي الله أن تركبوها فإنه من انتهك معاصي الله فركبها فقد أبلغ في الإساءة إلى نفسه وليس بين الإحسان والإساءة منزلة فلأهل الإحسان عند ربهم الجنة ولأهل الإساءة عند ربهم النار فاعملوا بطاعة الله واجتنبوا معاصيه واعلموا أنه ليس يغني عنكم من الله أحد من خلقه شيئا لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا من دون ذلك فمن سره أن تنفعه شفاعة الشافعين عند الله فليطلب إلى الله أن يرضى عنه ـ واعلموا أن أحدا من خلق الله لم يصب رضا الله إلا بطاعته وطاعة رسوله وطاعة ولاة أمره من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ومعصيتهم من معصية الله ولم ينكر لهم فضلا عظم أو صغر.

واعلموا أن المنكرين هم المكذبون وأن المكذبين هم المنافقون وأن الله عز وجل قال للمنافقين وقوله الحق « إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً » (١) ولا يفرقن أحد منكم ألزم الله قلبه طاعته وخشيته من أحد من الناس ممن أخرجه الله

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام « ليس يغني عنكم » قال في النهاية (٢) أغن عني شرك : أي أصرفه وكفه ومنه « لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً » (٣) » قوله : « فليطب إلى الله » يقال : طلب إليه أي رغب.

قوله عليه‌السلام : « أن المنكرين هم المكذبون » يحتمل أن يكون المراد بالإنكار عدم الإقرار ، والمعرفة كما قاله تعالى : « فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ » (٤) والغرض أن عدم المعرفة أيضا تكذيب ، وأن يكون المراد أن إنكار الأئمة داخل في التكذيب الذي ذكر الله تعالى في القرآن ، وحكم بكفر من يرتكبه.

قوله عليه‌السلام : « ولا يعرفن » كأنه سن باب التفعيل ومفعوله الأول مقدر أي لا يعرف أحد منكم نفسه أحدا من الناس أي العامة و « من » زائدة لتأكيد النفي أي لا تجعلوا أنفسكم معروفين عند العامة بالتشيع ، أو المراد لا تعرفوهم دين الحق فإنهم شياطين لا ينفعهم ذلك ، ويصل ضررهم إليكم ، أو بالتخفيف من المعرفة كناية عن المحجة والمواصلة أي ينبغي لكم أن لا تعرفوهم فضلا عن أن تحبوهم وتتخذوهم أولياء ، وعلى هذا يحتمل أن لا يكون « من » زائدة بل ابتدائية أي لا تعرفوا ولا تتعرفوا شيئا منهم فإنهم يريدون إضلالكم ، وفي بعض النسخ المصححة « لا يفرقن » من

__________________

(١) سورة النساء : ١٤٥. (٢) النهاية : ح ٣ ص ٣٩٢.

(٣) سورة الجاثية : ١٩. (٤) سورة يوسف : ٥٨ وفي الآية « فَعَرَفَهُمْ ... ».

٢٣

من صفة الحق ولم يجعله من أهلها فإن من لم يجعل الله من أهل صفة الحق فأولئك هم شياطين الإنس والجن وإن لشياطين الإنس حيلة ومكرا وخدائع ووسوسة بعضهم إلى بعض يريدون إن استطاعوا أن يردوا أهل الحق عما أكرمهم الله به من النظر في دين الله الذي لم يجعل الله شياطين الإنس من أهله إرادة أن يستوي أعداء الله وأهل الحق في الشك والإنكار والتكذيب فيكونون سواء كما وصف الله تعالى في كتابه من قوله : « وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً » (١) ثم نهى الله أهل النصر بالحق أن يتخذوا من أعداء الله وليا ولا نصيرا فلا يهولنكم ولا يردنكم عن النصر بالحق الذي خصكم الله به من حيلة شياطين الإنس ومكرهم من أموركم تدفعون أنتم السيئة « بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ » فيما بينكم وبينهم تلتمسون بذلك وجه ربكم بطاعته وهم لا خير عندهم لا يحل لكم

______________________________________________________

الفرق بمعنى الخوف أي لا تخافوهم ، فإنهم كالشياطين وإن كيد الشيطان كان ضعيفا.

قوله عليه‌السلام : « فلا يهولنكم » يحتمل معنيين الأول : أن تكون حيلة فاعلا للفعلين ، وتكون من زائدة لتأكيد النفي ، وقوله : « من أموركم » متعلقا بالمكر ، يقال : مكره من كذا أو عنه أي احتال أن يرده عنه.

والثاني : أن يكون يهولنكم ويردنكم بضم اللام والدال على صيغة الجمع أي لا يردنكم شياطين الجن والإنس عن النصر الرباني ، الذي هو حاصل لكم بسبب الحق الذي خصكم الله به ، من حيلة : أي بسبب حيلة شياطين الإنس أي بسبب حيلتهم فيكون من قبيل وضع المظهر موضع المضمر ، وعلى هذا قوله من أموركم ـ كما ذكرنا في الوجه الأول متعلق بالمكر ، أو من سببية أي جيلهم ناشئة مما يرون من أموركم ، وهذا أحد مواضع الاختلاف بين النسخة التي أشرنا إليها والنسخ المشهورة وفي تلك النسخة قوله ومكرهم متصل بما مر في أوائل الرسالة من قوله وحيلهم كما أومأنا إليه هكذا « من حيلة شياطين الإنس ، ومكرهم وحيلهم ووساوس بعضهم إلى بعض » وهو الصواب كما لا يخفى.

قوله عليه‌السلام : « أن تظهروهم » أي لا تطلعوهم كما في بعض النسخ.

__________________

(١) سورة النساء : ٨٨.

٢٤

أن تظهروهم على أصول دين الله فإنهم إن سمعوا منكم فيه شيئا عادوكم عليه ورفعوه عليكم وجهدوا على هلاككم واستقبلوكم بما تكرهون ولم يكن لكم النصفة منهم في دول الفجار فاعرفوا منزلتكم فيما بينكم وبين أهل الباطل ـ فإنه لا ينبغي لأهل الحق أن ينزلوا أنفسهم منزلة أهل الباطل ـ لأن الله لم يجعل أهل الحق عنده بمنزلة أهل الباطل ألم يعرفوا وجه قول الله في كتابه إذ يقول « أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ » أكرموا أنفسكم عن أهل الباطل ولا تجعلوا الله تبارك وتعالى « وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى » وإمامكم ودينكم الذي تدينون به عرضة لأهل الباطل فتغضبوا الله عليكم فتهلكوا فمهلا مهلا يا أهل الصلاح لا تتركوا أمر الله وأمر من أمركم بطاعته فيغير الله « ما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ » أحبوا في الله من وصف صفتكم وأبغضوا في الله من خالفكم وابذلوا مودتكم ونصيحتكم [ لمن وصف صفتكم ] ولا تبتذلوها لمن رغب عن صفتكم وعاداكم عليها وبغى [ لـ ] ـكم الغوائل هذا أدبنا أدب الله فخذوا به

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « ورفعوه عليكم » لعل المراد بالرفع الإفشاء والإظهار ، أو الرفع إلى السلطان ، ويحتمل أن يكون المراد أنكم إن علمتموهم شيئا يجعلونه حجة عليكم في المناظرة ، قوله ( عليه‌السلام ) : « ولم يكن لكم » النصف هو بالتحريك العدل : أي إذا آذوكم وترافعتم إلى حكامهم لا يعدلون فيكم ، بل يجورون عليكم.

قوله عليه‌السلام : « عرضة » يقال : هو عرضة للناس بالضم أي لا يزالون يقعون فيه كما في القاموس أي لا تجعلوا ربكم وإمامكم ودينكم في معرض ذم أهل الباطل ، بأن تعارضوهم في الدين وهم يعارضونكم بأشياء لا تليق بربكم وإمامكم ودينكم.

قوله عليه‌السلام : « من وصف صفتكم » أي أهل دينكم ، ومن يقول بقولكم ، قوله ( عليه‌السلام ) : « وابذلوا مودتكم » أي لأهل دينكم وفي بعض النسخ بعد قوله ونصيحتكم [ لمن وصف صفتكم ] وهو الظاهر.

قوله عليه‌السلام : « وبغا لكم الغوائل » الغوائل : الدواهي أي طلب لكم البلايا والمصائب والمكاره.

__________________

(١) ص ٢٨.

٢٥

وتفهموه واعقلوه ولا تنبذوه وراء ظهوركم ما وافق هداكم أخذتم به وما وافق هواكم طرحتموه ولم تأخذوا به وإياكم والتجبر على الله واعلموا أن عبدا لم يبتل بالتجبر على الله إلا تجبر على دين الله فاستقيموا لله ولا ترتدوا على أعقابكم « فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ » أجارنا الله وإياكم من التجبر على الله ولا قوة لنا ولكم إلا بالله.

وقال عليه‌السلام إن العبد إذا كان خلقه الله في الأصل أصل الخلق مؤمنا لم يمت حتى يكره الله إليه الشر ويباعده عنه ومن كره الله إليه الشر وباعده عنه عافاه الله من الكبر أن يدخله والجبرية فلانت عريكته وحسن خلقه وطلق وجهه وصار عليه وقار الإسلام وسكينته وتخشعه وورع عن محارم الله واجتنب مساخطه ورزقه الله مودة الناس ومجاملتهم وترك مقاطعة الناس والخصومات ولم يكن منها ولا من أهلها في شيء وإن العبد إذا كان الله خلقه في الأصل [ أصل الخلق ] كافرا لم يمت حتى يحبب إليه الشر ويقربه منه فإذا حبب إليه الشر وقربه منه ابتلي بالكبر والجبرية فقسا قلبه وساء خلقه وغلظ وجهه وظهر فحشه وقل حياؤه وكشف الله ستره وركب المحارم فلم ينزع عنها وركب

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « أخذتم به » أمر في صورة الخبر أي خذوا به ، ويحتمل أن يكون اسم الإشارة في قوله : « هذا أدبنا » راجعا إلى هذا الكلام ، ويحتمل إرجاعه إلى ما مر من المواعظ والآداب.

قوله عليه‌السلام : « إلا تجبر على دين الله » لعل المراد أن التجبر على دين الله بترك ما ورد في الدين ينجر ، إلى التجبر على الله وهو الكفر ، أو المراد بالتجبر على الله التكبر عن إطاعة أئمة الحق ، أو ترك أوامره تعالى ، والمراد أنه ينجر إلى التجبر على دين الله والخروج من الدين.

قوله عليه‌السلام : « والجبرية » هي بكسر الجيم والراء ، وسكون الباء وبكسر الباء أيضا وبفتح الجيم ، وسكون الباء التكبر ، والعريكة الطبيعة.

قوله عليه‌السلام : « خلقه في الأصل » أي علم عند خلقه أنه يصير كافرا ، و « يحبب إليه الشر » كناية عن منع اللطف عقوبة عما فعل من الشرور التي استحق بها ذلك ، قوله : « فبعد »

٢٦

معاصي الله وأبغض طاعته وأهلها فبعد ما بين حال المؤمن وحال الكافر.

سلوا الله العافية واطلبوها إليه ولا حول ولا قوة إلا بالله صبروا النفس على البلاء في الدنيا فإن تتابع البلاء فيها والشدة في طاعة الله وولايته وولاية من أمر بولايته خير عاقبة عند الله في الآخرة من ملك الدنيا وإن طال تتابع نعيمها وزهرتها وغضارة عيشها في معصية الله وولاية من نهى الله عن ولايته وطاعته ـ فإن الله أمر بولاية الأئمة الذين سماهم الله في كتابه في قوله : « وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا » (١) وهم الذين أمر الله بولايتهم وطاعتهم والذين نهى الله عن ولايتهم وطاعتهم وهم أئمة الضلالة الذين قضى الله أن يكون لهم دول في الدنيا على أولياء الله الأئمة من آل محمد يعملون في دولتهم بمعصية الله ومعصية رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ليحق عليهم كلمة العذاب وليتم أن تكونوا مع نبي الله محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله والرسل من قبله فتدبروا ما قص الله عليكم في كتابه مما ابتلى به أنبياءه وأتباعهم المؤمنين ثم سلوا الله أن يعطيكم الصبر على البلاء في السراء والضراء والشدة والرخاء مثل الذي أعطاهم وإياكم ومماظة أهل الباطل وعليكم بهدى الصالحين ووقارهم وسكينتهم وحلمهم وتخشعهم وورعهم عن محارم الله وصدقهم ووفائهم واجتهادهم لله في العمل بطاعته فإنكم إن لم تفعلوا ذلك لم تنزلوا عند ربكم منزلة الصالحين قبلكم.

واعلموا أن الله إذا أراد بعبد خيرا شرح « صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ » فإذا أعطاه ذلك أنطق

______________________________________________________

ككرم أو بضم الباء ، وعلى الثاني إما بالتنوين أو بالإضافة فيقدر خبره أي كثير.

قوله عليه‌السلام : « وزهرتها » زهرة الدنيا : بهجتها ونضارتها وحسنها ، والغضارة بالفتح : النعمة والسعة والخصب.

قوله عليه‌السلام : « والذين نهى الله » خبره قوله « يعملون » والدول مثلثة : جمع دولة بالضم : وهي الغلبة.

قوله عليه‌السلام : « ليحق » أي ليثبت ويجب ويستقر كلمة العذاب أي حكم الله عليهم بالشقاوة والكفر واستحقاق العذاب ، وقيل : هو قوله « لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ » (٢).

__________________

(١) سورة الأنبياء : ٧٣.

(٢) سورة السجدة : ١٣.

٢٧

لسانه بالحق وعقد قلبه عليه فعمل به فإذا جمع الله له ذلك تم له إسلامه وكان عند الله إن مات على ذلك الحال من المسلمين حقا وإذا لم يرد الله بعبد خيرا وكله إلى نفسه وكان صدره « ضَيِّقاً حَرَجاً » فإن جرى على لسانه حق لم يعقد قلبه عليه وإذا لم يعقد قلبه عليه لم يعطه الله العمل به فإذا اجتمع ذلك عليه حتى يموت وهو على تلك الحال كان عند الله من المنافقين وصار ما جرى على لسانه من الحق الذي لم يعطه الله أن يعقد قلبه عليه ولم يعطه العمل به حجة عليه يوم القيامة فاتقوا الله وسلوه أن يشرح صدوركم للإسلام وأن يجعل ألسنتكم تنطق بالحق حتى يتوفيكم وأنتم على ذلك وأن يجعل منقلبكم منقلب الصالحين قبلكم و « لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ».

ومن سره أن يعلم أن الله يحبه فليعمل بطاعة الله وليتبعنا ألم يسمع قول الله عز وجل لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله « قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ » (١) والله لا يطيع الله عبد أبدا إلا أدخل الله عليه في طاعته اتباعنا ولا والله لا يتبعنا عبد أبدا إلا أحبه الله ولا والله لا يدع أحد اتباعنا أبدا إلا أبغضنا ولا والله لا يبغضنا أحد أبدا

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « وليتم أن يكونوا » في بعض النسخ بالياء ، فالمراد الأئمة عليهم‌السلام وفي بعضها بالتاء أي أنتم يا معشر الشيعة بما يصل إليكم منهم من الجور والظلم.

أقول : هذا أيضا أحد مواضع الاختلاف ، وفي تلك النسخة قوله « وليتم » متصل بقوله عليه‌السلام : « أمر الله فيهم » هكذا « ليحق (٢) أمر الله فيهم الذي خلقهم له في الأصل » وهو الظاهر كما لا يخفى.

قوله عليه‌السلام : « يهدي الصالحين » في القاموس (٣) : الهدي بضم الهاء وفتح الدال :

الرشاد والدلالة ، والهدى ويكسر : الطريقة والسيرة.

قوله عليه‌السلام : « وعقد قلبه عليه » على بناء المجهول ويحتمل المعلوم أي أيقنه واعتقد به كأنه معقود عليه لا يفارقه.

قوله عليه‌السلام : « وأن يجعل منقلبكم » الانقلاب : الرجوع ، والمنقلب بفتح اللام للمصدر وللمكان معا ، والمراد الرجوع إلى الله تعالى في القيامة ، أي يجعل رجوعكم

__________________

(١) سورة آل عمران : ٣١.

(٢) هكذا في النسخ والصواب « وليتم أمر الله ... » ولعلّه من تصحيف النسّاخ.

(٣) القاموس المحيط : ج ٤ ص ٤٠٣ « ط مصر ».

٢٨

إلا عصى الله ومن مات عاصيا لله أخزاه الله وأكبه على وجهه في النار « وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ».

( صحيفة علي بن الحسين عليه‌السلام )

( وكلامه في الزهد )

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن الحسن بن محبوب ، عن مالك بن عطية ، عن أبي حمزة قال ما سمعت بأحد من الناس كان أزهد من علي بن الحسين عليه‌السلام إلا ما بلغني من علي بن أبي طالب عليه‌السلام قال أبو حمزة كان الإمام علي بن الحسين عليه‌السلام إذا تكلم في الزهد ووعظ أبكى من بحضرته قال أبو حمزة وقرأت صحيفة فيها كلام زهد من كلام علي بن الحسين عليه‌السلام وكتبت ما فيها ثم أتيت علي بن الحسين ص فعرضت ما فيها عليه فعرفه وصححه وكان ما فيها « بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » كفانا الله وإياكم كيد الظالمين وبغي الحاسدين وبطش الجبارين أيها المؤمنون لا يفتننكم الطواغيت وأتباعهم من أهل الرغبة في هذه الدنيا المائلون إليها المفتتنون بها المقبلون عليها وعلى حطامها الهامد وهشيمها البائد غدا واحذروا ما حذركم الله منها وازهدوا فيما زهدكم الله فيه منها ولا تركنوا إلى ما في هذه

______________________________________________________

أو محل رجوعكم كرجوع الصالحين قبلكم ، أو كمحل رجوعهم.

صحيفة علي بن الحسين عليهما‌السلام وكلامه في الزهد

الحديث الثاني : صحيح.

قوله عليه‌السلام : « وعلى حطامها الهامد » الحطام بالضم : المنكسر من الخشب والنبات والهامد : البالي المسود المتغير ، والهشيم من النبات أيضا ، اليابس المتكسر والبائد : الذاهب المنقطع الهالك ، و « غدا » ظرف للبائد أي عن قريب عنكم أو في القيامة عن كل أحد.

وفي القاموس (١) : ركن إليه كنصر وعلم ومنع ركونا مال وسكن ، وفي النهاية (٢)

__________________

(١) القاموس المحيط : ج ٤ ص ٢٢٩.

(٢) لم نعثر عليه في النهاية. نعم ورد هذا التفسير في الصحاح وكذا في أقرب الموارد : ج ٢ ص ١١٨٤.

٢٩

الدنيا ركون من اتخذها دار قرار ومنزل استيطان والله إن لكم مما فيها عليها لدليلا وتنبيها من تصريف أيامها وتغير انقلابها ومثلاتها وتلاعبها بأهلها إنها لترفع الخميل وتضع الشريف وتورد أقواما إلى النار غدا ففي هذا معتبر ومختبر وزاجر لمنتبه إن الأمور الواردة عليكم في كل يوم وليلة من مظلمات الفتن وحوادث البدع وسنن الجور وبوائق الزمان وهيبة السلطان ووسوسة الشيطان لتثبط القلوب عن تنبهها وتذهلها عن موجود الهدى ومعرفة أهل الحق إلا قليلا ممن عصم الله فليس يعرف تصرف أيامها وتقلب حالاتها وعاقبة ضرر فتنتها إلا من عصم الله ونهج سبيل الرشد وسلك طريق القصد ثم استعان على ذلك بالزهد ـ فكرر الفكر واتعظ بالصبر فازدجر وزهد في عاجل بهجة الدنيا وتجافى عن لذاتها ورغب في دائم نعيم الآخرة وسعى لها سعيها وراقب الموت وشنأ الحياة مع القوم الظالمين نظر إلى ما في الدنيا بعين نيرة حديدة البصر وأبصر حوادث الفتن وضلال البدع وجور الملوك الظلمة فلقد لعمري استدبرتم الأمور الماضية في الأيام الخالية من الفتن المتراكمة والانهماك فيما تستدلون به على تجنب الغواة وأهل البدع والبغي والفساد في الأرض بغير الحق فاسْتَعِينُوا بِاللهِ وارجعوا إلى طاعة الله وطاعة من هو أولى بالطاعة ممن اتبع فأطيع.

______________________________________________________

المثلة : بفتح الميم وضم الثاء العقوبة ، والجمع المثلات. وفي القاموس (١) : خمل ذكره وصوته خمولا خفي.

قوله عليه‌السلام : « لمنتبه » أي لكل من تنبه واتعظ.

قوله عليه‌السلام : « من مظلمات الفتن » وفي بعض النسخ [ من ملمات الفتن ] أي نوازلها ، والبوائق : الدواهي.

قوله عليه‌السلام : « لتثبط » خبر إن وفي القاموس (٢) : ثبطه عن الأمر : عوقه وبطؤ به عنه كثبطه فيهما.

قوله عليه‌السلام : « تذهلها » الذهول : النسيان ، والغفلة وقوله ( عليه‌السلام ) : « موجود الهدى » من إضافة الصفة إلى الموصوف.

قوله عليه‌السلام : « ونهج » يقال نهج الطريق: كمنع أي سلكه، والقصد استقامة الطريق

__________________

(١) القاموس المحيط : ج ٣ ص ٣٧١ « ط مصر ».

(٢) نفس المصدر : ج ٢ ص ٣٥٢.

٣٠

فالحذر الحذر من قبل الندامة والحسرة والقدوم على الله والوقوف بين يديه وتالله ما صدر قوم قط عن معصية الله إلا إلى عذابه وما آثر قوم قط الدنيا على الآخرة إلا ساء منقلبهم وساء مصيرهم وما العلم بالله والعمل إلا إلفان مؤتلفان فمن عرف الله خافه وحثه الخوف على العمل بطاعة الله وإن أرباب العلم وأتباعهم الذين عرفوا الله فعملوا له ورغبوا إليه وقد قال الله : « إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ » (١) فلا تلتمسوا شيئا مما في هذه الدنيا بمعصية الله واشتغلوا في هذه الدنيا بطاعة الله واغتنموا أيامها واسعوا لما فيه نجاتكم غدا من عذاب الله فإن ذلك أقل للتبعة وأدنى من العذر وأرجى للنجاة فقدموا أمر الله وطاعة من أوجب الله طاعته بين يدي الأمور كلها ولا تقدموا الأمور الواردة

______________________________________________________

والبهجة : الحسن ، والتجأ في : البعد والاجتناب.

قوله عليه‌السلام : « سعيها » أي ما هو حقها من السعي إشارة إلى قوله تعالى : « وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها » (٢) الآية و « راقب الموت » أي انتظره ولم ينسه ، وكان دائما متذكرا لوروده متهيأ له.

قوله عليه‌السلام : « وشنأ الحياة » كمنع وسمع أي أبغضها لكراهة مخالطة الظالمين.

قوله عليه‌السلام : « والانهماك » والانهماك : التمادي في الشيء واللجاج فيه ، وكأنه معطوف على الفتن ، أي انهمكوا في أشياء فانية ، ودولات باطلة يمكنكم الاستدلال بها ، وبفنائها على تجنب الغواة ، وعدم الاعتماد على ملكهم وعزهم وفي تحف العقول (٣) « والانهماك فيها ما تستدلون » وهو الصواب.

قوله عليه‌السلام : « ممن اتبع فأطيع » أي من كان إطاعة الناس له بمحض إن جماعة من أهل الباطل اتبعوه وبايعوه كخلفاء الجور.

قوله عليه‌السلام « ما صدر قوم » أي كان رجوعهم إلى الآخرة في حال اشتغالهم بالمعاصي.

قوله عليه‌السلام : « إلفان » بكسر الهمزة وسكون اللام أو على وزن فاعل [ فاعلان ] قوله عليه‌السلام : « الذين عرفوا الله » هي خبر « إن ».

__________________

(١) سورة فاطر : ٢٨.

(٢) سورة الإسراء : ١٩.

(٣) تحف العقول : ص ٢٥٣.

٣١

عليكم من طاعة الطواغيت من زهرة الدنيا بين يدي الله وطاعته وطاعة أولي الأمر منكم.

واعلموا أنكم عبيد الله ونحن معكم يحكم علينا وعليكم سيد حاكم غدا وهو موقفكم ومسائلكم فأعدوا الجواب قبل الوقوف والمساءلة والعرض على رب العالمين يومئذ « لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ ».

واعلموا أن الله لا يصدق يومئذ كاذبا ولا يكذب صادقا ولا يرد عذر مستحق ولا يعذر غير معذور له الحجة على خلقه بالرسل والأوصياء بعد الرسل فاتقوا الله عباد الله واستقبلوا في إصلاح أنفسكم وطاعة الله وطاعة من تولونه فيها لعل نادما قد ندم فيما فرط بالأمس في جنب الله وضيع من حقوق الله و « اسْتَغْفِرُوا اللهَ » و « تُوبُوا إِلَيْهِ » فإنه « يَقْبَلُ التَّوْبَةَ » ويعفو عن السيئة « وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ ».

وإياكم وصحبة العاصين ومعونة الظالمين ومجاورة الفاسقين احذروا فتنتهم

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « من طاعة » من ابتدائية ، وقوله عليه‌السلام : « من زهرة » بيانية أي لا تقدموا على طاعة الله الأمور التي تحصل لكم بسبب طاعة الطواغيت ، والأمور هي زهرات الدنيا أي بهجتها ونضارتها وحسنها.

قوله عليه‌السلام : « عذر مستحق » أي لقبول العذر قوله عليه‌السلام : « ولا يعذر » كيضرب أي لا يقبل عذر غير معذور.

قوله عليه‌السلام : « واستقبلوا في إصلاح » وفي بعض النسخ « من إصلاح » لعل المراد استقبلوا واستأنفوا العمل في إصلاح أنفسكم ، ويحتمل أن يكون في بمعنى إلى أي أقبلوا إلى إصلاح أنفسكم وقوله ( عليه‌السلام ) : « لعل نادما على سبيل المماشاة » أي يمكن أن يندم نادم يوم القيامة على ما قصر بالأمس أي في الدنيا في جنب الله أي في قربه وجواره أو في أمره وطاعته أو مقربي جنابه أعني الأئمة عليهم‌السلام وإطاعتهم كما ورد في الأخبار الكثيرة ، والحاصل إن إمكان وقوع ذلك الندم كاف في الحذر ، فكيف مع تحققه ، أو لأن بالنسبة إلى كل شخص غير متحقق ، وفي تحف العقول : (١) « من إصلاح أنفسكم وطاعة الله وطاعة من تولونه فيما لعل نادما » وهو أظهر.

__________________

(١) تحت العقول : ص ٢٥٤. وفي المصدر « .... فيها لعلّ نادما ».

٣٢

وتباعدوا من ساحتهم واعلموا أنه من خالف أولياء الله ودان بغير دين الله واستبد بأمره دون أمر ولي الله كان في نار تلتهب تأكل أبدانا قد غابت عنها أرواحها وغلبت عليها شقوتها فهم موتى لا يجدون حر النار ولو كانوا أحياء لوجدوا مضض حر النار واعتبروا « يا أُولِي الْأَبْصارِ » واحمدوا الله على ما هداكم واعلموا أنكم لا تخرجون من قدرة الله إلى غير قدرته « وَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ » ثم « إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ » فانتفعوا بالعظة وتأدبوا بآداب الصالحين.

٣ ـ أحمد بن محمد بن أحمد الكوفي وهو العاصمي ، عن عبد الواحد بن الصواف ، عن محمد بن إسماعيل الهمداني ، عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام قال كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يوصي أصحابه ويقول أوصيكم بتقوى الله فإنها غبطة الطالب الراجي وثقة الهارب اللاجي

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « واستبد » قال في النهاية (١) : وفي حديث علي عليه‌السلام : كنا نرى أن لنا في هذا الأمر حقا فاستبددتم علينا. يقال : استبد بالأمر يستبد به استبدادا إذا تفرد به دون غيره.

قوله عليه‌السلام : « في نار تلتهب » الظاهر أن المراد أنهم في الدنيا في نار البعد والحرمان والسخط والخذلان ، لكنهم لما كانوا بمنزلة الأموات لعدم العلم واليقين ، لم يستشعروا ألم هذه النار ، ولم يدركوها كما قال تعالى : « وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ » (٢) وقال : « أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ » (٣) ويحتمل أن يكون المراد بالنار أسباب دخولها تسمية للسبب باسم المسبب ، و « المضض » بالتحريك الألم و « التأدب » تعلم الآداب وقبولها.

الحديث الثالث : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « فإنها غبطة » قال الفيروزآبادي (٤) : الغبطة بالكسر : حسن الحال والمسرة ، وقد اغتبط ، والحسد كالغبطة ، وقد غبطه كضربه وسمعه ، وتمنى نعمة على أن لا تتحول عن صاحبها انتهى ، والمعنى أن الطالب لثواب الله الراجي لرحمته يغبط ويتمنى ، ويطلب التقوى والهارب عن عذاب الله اللاجئ إلى الله إنما يثق بالتقوى

__________________

(١) النهاية : ج ١ ص ١٠٥.

(٢) سورة العنكبوت : ٥٤.

(٣) سورة النحل : ٢١ والآية « أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَما يَشْعُرُونَ ... ».

(٤) القاموس المحيط : ج ٢ ص ٣٧٥.

٣٣

واستشعروا التقوى شعارا باطنا واذكروا الله ذكرا خالصا تحيوا به أفضل الحياة وتسلكوا به طريق النجاة انظروا في الدنيا نظر الزاهد المفارق لها فإنها تزيل الثاوي الساكن وتفجع المترف الآمن لا يرجى منها ما تولى فأدبر ولا يدرى ما هو آت منها فينتظر وصل البلاء منها بالرخاء والبقاء منها إلى فناء فسرورها مشوب بالحزن والبقاء فيها إلى الضعف والوهن فهي كروضة اعتم مرعاها وأعجبت من يراها عذب شربها طيب

______________________________________________________

لا بالأماني.

قوله عليه‌السلام : « واستشعروا التقوى » الشعار بالكسر وقد يفتح : ما تحت الدثار من اللباس ، وهو ما يلي شعر الجسد واستشعره لبسه ، وهو كناية عن غاية الملابسة والملازمة ، وكونها خالصة لله مخفية عن الخلق لا يشوبها رياء كما أن الشعار يكون غالبا مستورا بالدثار وأشعر عليه‌السلام بقوله « شعارا باطنا ».

قوله عليه‌السلام : « تحيوا به أفضل الحياة » إذ حياة القلوب والأرواح بذكر الله وفي بعض النسخ بالباء الموحدة فيهما من الحبوة وهي العطية.

قوله عليه‌السلام : « فإنها تزيل الثاوي » يقال : ثوى بالمكان إذا أقام فيه.

قوله عليه‌السلام : « وتفجع » إلخ. قال الفيروزآبادي (١) : فجعه كمنعه : أوجعه كفجعه أو الفجع أن يوجع الإنسان بشيء يكرم عليه فيعدمه.

وقال أترفته النعمة ، أطغته ، والمترف كمكرم المتروك يصنع ما يشاء لا يمنع والمتنعم لا نمنعه من تنعمه ، والجبار.

قوله عليه‌السلام : « لا يرجى منها ما تولى » أي أدبر فقوله : « فأدبر » مبالغة فيه أو أعرض وانقضى زمانه فأدبر ، والحاصل أن ما ذهب منها من العمر والقوة والشباب والغرة وغيرها لا يرجى رجوعها ولا يدري ولا يعلم أي شيء يأتي بعد ذلك فينتظر وروده قوله ( عليه‌السلام ) : « وصل » على المجهول قوله ( عليه‌السلام ) : « إلى الضعف » أي آئل ومنته إليه.

قوله عليه‌السلام : « اعتم مرعاها » اعتم بتشديد الميم ، يقال : اعتم النبت : أي اكتهل [ اكتمل ] وتم طوله وظهر نوره.

__________________

(١) القاموس المحيط : ج ٣ ص ٦١ « ط مصر ».

٣٤

تربها تمج عروقها الثرى وتنطف فروعها الندى حتى إذا بلغ العشب إبانه واستوى بنانه هاجت ريح تحت الورق وتفرق ما اتسق فأصبحت كما قال الله : « هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً » (١) انظروا في الدنيا في كثرة ما يعجبكم وقلة ما ينفعكم

( خطبة لأمير المؤمنين عليه‌السلام )

( وهي خطبة الوسيلة )

٤ ـ محمد بن علي بن معمر ، عن محمد بن علي بن عكاية التميمي ، عن الحسين بن النضر الفهري ، عن أبي عمرو الأوزاعي ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر بن يزيد قال دخلت على

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « تمج عروقها الثرى » قال في مصباح اللغة : مج الرجل الماء من فيه مجا من باب قتل رمى به ، وقال : الثرى : وزان الحصى ندي الأرض والثرى أيضا التراب الندى (٢) انتهى.

أقول : إذا حملت الثرى على الندى ، فالمعنى ظاهر أي يترشح من عروقها الماء لكثرة طراوتها وارتوائها وإذا حملت على التراب الندى ، فالمعنى تقذف عروقها الماء في الثرى. أو المراد أن عروقها لقوتها وكثرتها تقذف التراب وتدفعها إلى فوق وترفعها.

قوله عليه‌السلام : « وتنطف فروعها الندى » تنطف كتضرب وتنصر أي تصب ، والمعنى كما مر ، وإبان الشيء بكسر الهمزة وتشديد الباء حينه أي أو أنه ، وقوله : « تحت » بضم الحاء أي يسقط قوله : « هَشِيماً » أي مهشوما مكسورا « تَذْرُوهُ الرِّياحُ » أي تفرقه.

خطبة لأمير المؤمنين عليه‌السلام وهي خطبة الوسيلة

الحديث الرابع : ضعيف. لكن هذه الأخبار قوة مبانيه ورفعة معانيها تشهد بصحتها ولا تحتاج إلى سند مع أن هذه الخطبة من الخطب المشهورة عنه صلوات الله

__________________

(١) الكهف : ٤٦.

(٢) المصباح المنير للفيّومي : ج ٢ ص ٩٨ وج ١ ص ٣٩. « ط مصر ١٣١٣ ».

٣٥

أبي جعفر عليه‌السلام فقلت يا ابن رسول الله قد أرمضني اختلاف الشيعة في مذاهبها فقال يا جابر ألم أقفك على معنى اختلافهم من أين اختلفوا ومن أي جهة تفرقوا قلت بلى يا ابن رسول الله قال فلا تختلف إذا اختلفوا يا جابر إن الجاحد لصاحب الزمان كالجاحد لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في أيامه يا جابر اسمع وع قلت إذا شئت قال اسمع وع وبلغ حيث انتهت بك راحلتك إن أمير المؤمنين عليه‌السلام خطب الناس بالمدينة بعد سبعة أيام من وفاة

______________________________________________________

عليه قوله : « أرمضني » أي أحرقني.

قوله عليه‌السلام : « ألم أقفك » يدل على أنه كان أوقفه سابقا على سبب الاختلاف.

قوله عليه‌السلام : « قلت : إذا شئت » أي إذا شئت أن أسمع تقول فاسمع ، أو « إذا » بالتنوين وشئت على صيغة المتكلم قوله عليه‌السلام : « منع الأوهام » الظاهر أن المراد ما يشمل العقول أيضا أي منع تقدسه وعلو شأنه عن أن يصل العقول إلى غير الإذعان بوجوده من معرفة كنه ذاته وصفاته تعالى ، « وحجب العقول أن تتخيل ذاته » أي كنه ذاته ، إن كان المراد بالتخيل الارتسام في الخيال كما هو المصطلح ، فالمراد بالتعليل أن التخيل إنما يكون في المحسوسات والماديات فلو كان تعالى متخيلا كان شبيها بها مشاكلا لها مشتركا معها في الصفات الإمكانية ، وهو متعال عن ذلك ، ولو كان المراد الارتسام في العقل كما هو الأظهر أنه تعالى لا يشبه شيئا حتى يكون له ما به الاشتراك وما به الامتياز ، حتى يتصور بهما ، أو أنه لا يشبه شيئا من الممكنات ، وهذه الصورة الحاصلة في العقل لافتقارها إلى المحل ، وكون حصولها بعلة ممكنة فكيف يكون عين حقيقة ذاته تعالى ، أو أنه إذا كان متعقلا كان في كونه متعقلا شبيها بما يتعقل من الممكنات ، أو أنه لا بد من مناسبة بين العاقل والمعقول ليمكن التعقل ولا مناسبة ولا مشابهة بينه وبين خلقه.

قوله ( عليه‌السلام ) : « بل هو الذي لم يتفاوت في ذاته » أي ليس بذي أجزاء متفاوتة مختلفة : لا خارجية ولا عقلية كالجنس والفصل ، ويحتمل أن يكون المراد نفي اختلاف العوارض والتعقل يستلزم ذلك.

٣٦

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وذلك حين فرغ من جمع القرآن وتأليفه فقال الحمد لله الذي منع الأوهام أن تنال إلا وجوده وحجب العقول أن تتخيل ذاته لامتناعها من الشبه والتشاكل بل هو الذي لا يتفاوت في ذاته ولا يتبعض بتجزئة العدد في كماله فارق الأشياء لا على اختلاف الأماكن ويكون فيها لا على وجه الممازجة وعلمها لا بأداة لا يكون العلم إلا بها وليس بينه وبين معلومه علم غيره به كان عالما بمعلومه إن قيل كان فعلى تأويل

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « ولم (١) يتبعض بتجزية العدد في كماله » لعله إشارة إلى نفي زيادة الصفات الموجودة.

قوله عليه‌السلام : « لا على اختلاف الأماكن » وبأن يكون هو في مكان والأشياء في مكان آخر.

قوله عليه‌السلام : « ويكون فيها » أي بالعلم والقدرة والحفظ والتربية لا بالممازجة وعلمها أي علم الأشياء لا بأداة ، بل بذاته تعالى إذ الافتقار إلى الآلة يوجب الإمكان.

قوله ( عليه‌السلام ) : « علم غيره » يحتمل الإضافة والتوصيف ، فعلى الأول : فالمراد أنه لا يتوسط بينه وبين معلومه علم عالم آخر به ، أي يعلم ذلك العالم وبتعليمه كان الله تعالى عالما بمعلومه ، ويحتمل أن يكون المراد نفي ما ذهب إليه جماعة من الحكماء بأن علمه تعالى بحصول الصور في العقول والنفوس الفلكية ، وحضورهما عنده تعالى ، وأما على الثاني : فالمراد أن ذاته المقدسة كافية للعلم ولا يحتاج إلى علم أي صورة علمية غيره ، أي غير ذاته تعالى بهذه الصورة العلمية ، وبارتسامها كان عالما بمعلومه كما في الممكنات.

قوله عليه‌السلام : « إن قيل كان » إلخ أي ليس كونه موجودا في الأول عبارة عن مقارنته للزمان أزلا لحدوث الزمان ، بل بمعنى أن ليس لوجوده ابتداء ، أو أنه تعالى ليس بزماني وكان يدل على الزمانية فتأويله أن معنى كونه أزلا أن وجوده يمتنع عليه العدم ، وفي الفقرة الثانية لعل المعنى الأخير متعين ، ويحتمل أن يكون المراد أنه إن قيل : كان فليس كونه من قبيل كون الممكنات لحدوثها ،

__________________

(١) كذا في النسخ. والموجود في نسخ المتن « ولا يتبعّض ... ».

٣٧

أزلية الوجود وإن قيل لم يزل فعلى تأويل نفي العدم فسبحانه وتعالى عن قول من عبد سواه واتخذ إلها غيره علوا كبيرا.

نحمده بالحمد الذي ارتضاه من خلقه وأوجب قبوله على نفسه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله شهادتان ترفعان القول وتضاعفان العمل ، خف ميزان ترفعان منه وثقل ميزان توضعان فيه وبهما الفوز بالجنة والنجاة من النار والجواز على الصراط وبالشهادة تدخلون الجنة وبالصلاة تنالون الرحمة أكثروا من الصلاة على نبيكم « إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا

______________________________________________________

فإن في العرف يفهم من الكون الحدوث ، بل معناه أزلية وجوده تعالى ، وإن قيل لم يزل فليس على ما يطلق في الممكنات ، يقولون لم يزل هو كذلك ، ويعنون به الكون على هذه الحال مدة حياتهم أو مدة طويلة ، بل معناه نفي العدم أبدا ، أو المعنى أنه إذا قيل : في الممكنات لم يزل فمعناه استمرار وجودهم ، مع طريان أنحاء العدم والتغير والتبدل عليهم ، ومعنى لم يزل في حقه تعالى نفي جميع أنحاء العدم والتغيرات عنه ، وقد ورد هذا المعنى في تفسير آخريته تعالى في الخبر ، ويحتمل أيضا أن يكون المراد في المقامين نفي تعقل كنه وجوده تعالى ، وكيفية كونه أي إن قيل : كان أو لم يزل فمعناه نفي العدم عنه أزلا وأبدا ، وأما تعقل كنه ذلك فلا يمكن للبشر ، هذه هي الوجوه التي خطرت بالبال والله أعلم وحججه عليهم‌السلام.

قوله عليه‌السلام : « ترفعان القول » أي لا ترتفع قول من الأقوال الحسنة إليه تعالى إلا بمقارنتهما ، وبالإقرار بهما ، والتكلم بهما يوجب تضاعف الأعمال أو الإذعان بهما يوجب ترتب الثواب على الأعمال والثواب لا يكون إلا مضاعفا ، ويحتمل أن يكون المراد أشهد شهادة خاصة مقرونة بالشرائط ، حتى يترتب عليها رفع القول ومضاعفة العمل.

قوله عليه‌السلام : « وبالصلاة » أي على النبي وآله ،

٣٨

صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً » صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تسليما أيها الناس إنه لا شرف أعلى من الإسلام ولا كرم أعز من التقوى ولا معقل أحرز من الورع ولا شفيع أنجح من التوبة ولا لباس أجمل من العافية ولا وقاية أمنع من السلامة ولا مال أذهب بالفاقة من الرضا بالقناعة ولا كنز أغنى من القنوع ومن اقتصر على بلغة الكفاف فقد انتظم الراحة وتبوأ خفض الدعة والرغبة مفتاح التعب والاحتكار مطية

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام « أعز من التقوى » العز ، خلاف الذل والعزة أيضا القلة وندرة الوجود ، ويكون بمعنى الغلبة ، والعزيز الغالب ، ولا يخفى مناسبة جميع المعاني وإن احتاج الأخير إلى تكلف.

قوله : « ولا معقل » المعقل بالكسر : الملجإ والحصن والورع ، أمنع الحصون وأحرزها عن وساوس الشياطين في الدنيا ، وعن عذاب الله في الآخرة.

قوله عليه‌السلام : « ولا شفيع أنجح » النجح والنجاح : الظفر بالحوائج أي لا يظفر الإنسان بشفاعة شفيع بالنجاة من العذاب كما يظفر بالتوبة.

قوله عليه‌السلام : « ولا لباس أجمل من العافية » الجمال الحسن والبهاء والزينة ، والعافية من البلايا والسلامة من الكفر والشرك والمعاصي أو بالعكس ، ويحتمل التعميم فيهما.

قوله عليه‌السلام : « من الرضا بالقناعة » في نهج البلاغة (١) من الرضا بالقوت.

قوله عليه‌السلام : « ولا كنز أغنى » لعل اسم التفضيل هنا مشتق من الغناء بالفتح ممدودا ، بمعنى النفع أي أنفع أو من غني بالمكان أي أقام أي أثبت أو يقال : نسبة الغناء إلى الكنز إسناد مجازي والمراد غنى صاحب الكنز.

قوله عليه‌السلام : « ومن اقتصر » إلخ قال الجوهري : البلغة : ما يتبلغ به من العيش وتبلغ بكذا اكتفى به (٢) فإضافة البلغة إلى الكفاف للتوضيح. وقال ابن ميثم (٣) : أي البلغة التي تكف عن الناس.

__________________

(١) نهج البلاغة تحقيق صبحي الصالح ص ٥٤٠ « المختار من الحكم ـ ٣٧١ ».

(٢) الصحاح : ج ٤ ص ١٣١٧.

(٣) لم نعثر بهذه العبارة في شرح الخطبة. لاحظ شرح نهج البلاغة لابن ميثم ج ٥ ص ٤٢٥ ـ ٤٢٦.

٣٩

النصب والحسد آفة الدين والحرص داع إلى التقحم في الذنوب وهو داعي الحرمان والبغي سائق إلى الحين والشره جامع لمساوي العيوب رب طمع خائب وأمل كاذب ورجاء يؤدي إلى الحرمان وتجارة تئول إلى الخسران ألا ومن تورط في الأمور غير ناظر في العواقب فقد تعرض لمفضحات النوائب وبئست القلادة الذنب للمؤمن أيها الناس إنه لا كنز أنفع من العلم ولا عز أرفع من الحلم ولا حسب أبلغ من

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « فقد انتظم الراحة » أي مع الراحة في سلك أو في سلك الراحة فالنصب على التقديرين برفع الخافض ، ويقال : طعنه فانتظمه أي اختله في رمحه فيحتمل أن يكون المراد أنه اصطاد الراحة وانتظمها في سهمه.

قوله عليه‌السلام : « وتبوأ خفض الدعة » الخفض والدعة متقاربان في المعنى ، وكلاهما بمعنى السكون (١) ، وأن يكون الإضافة للمبالغة ، أي اتخذ غاية السكون والراحة أي مع منزلا لنفسه ، قوله عليه‌السلام : « والرغبة » أي إلى الدنيا.

قوله عليه‌السلام : « والاحتكار مطية النصب » الاحتكار جمع المال وحبسه. والنصب بالتحريك : التعب ، قيل : المراد أن الاحتكار كمطية يتعب ركوبها ، والأظهر أن المراد أنه مركوب للتعب يركبها ، فإذا أقبل الاحتكار إليك أقبل راكبه معه ، أو أنه يسهل وصول المتاعب إليك كما أن المركب يسهل وصول الراكب إلى مقصوده قوله عليه‌السلام : « إلى التقحم » التقحم الدخول في الأمر من غير روية ، وهو أي التقحم في الذنوب داعي الحرمان ، وعن السعادات والخيرات ، أو الرزق الحلال المقدر فإن بقدر ما يتصرف من الحرام يقاص منه من الرزق الحلال كما ورد في الأخبار ويحتمل إرجاع الضمير إلى الحرص أيضا لكنه بعيد.

قوله عليه‌السلام : « والبغي » إلخ البغي الظلم والاستطالة ، ومجاوزة الحد ، والحين بالفتح : الهلاك والشره غلبة الحرص.

قوله عليه‌السلام : « ولا حسب أبلغ » أي أكمل من الأدب بحسب الشرف الذي يكون من جهة الانتساب بالآباء ، والآداب الحسنة تشرف الإنسان بالانتساب بالآباء

__________________

(١) في النسخة المخطوطة توجد هنا هذه الزيادة [ والنزهة والراحة ، فيحتمل أن يكون المراد بالخفض الراحة ، وبالدعة السكون ].

٤٠