مرآة العقول - ج ٢٥

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول - ج ٢٥

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


المحقق: السيد جعفر الحسيني
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٢

إبليس دعاهم فأجابوه وأمرهم فأطاعوه ودعاكم فلم تجيبوه وأمركم فلم تطيعوه فأغرى بكم الناس.

١٠٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إذا رأى الرجل ما يكره في منامه فليتحول عن شقه الذي كان عليه نائما وليقل « إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ » (١) ثم ليقل عذت بما عاذت به ملائكة الله المقربون وأنبياؤه المرسلون وعباده الصالحون من شر ما رأيت ومن شر الشيطان الرجيم.

١٠٧ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن ابن محبوب ، عن هارون بن منصور العبدي ، عن أبي الورد ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لفاطمة عليها‌السلام في رؤياها التي رأتها قولي أعوذ بما عاذت به

______________________________________________________

الحديث السادس والمائة : حسن.

قوله تعالى : « إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ » النجوى السر ، ويظهر من ذكر هذه الآية في هذا المقام وما سننقله عن علي بن إبراهيم أن المراد بالنجوى الرؤيا الهائلة الموحشة ، ولعله إنما أطلق عليها لأنها نجوى ، ومسارة من الشيطان.

الحديث السابع والمائة : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « في رؤياها التي رأتها » إشارة إلى ما رواه علي بن إبراهيم في تفسيره (٢) عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « كان سبب نزول هذه الآية أن فاطمة سلام الله عليها رأت في منامها أن رسول الله هم أن يخرج هو وفاطمة وعلي والحسن والحسين صلوات الله عليهم من المدينة ، فخرجوا

__________________

(١) سورة المجادلة : ١٠.

(٢) تفسير القمّيّ : ج ٢ ص ٣٥٥.

٣٤١

ملائكة الله المقربون وأنبياؤه المرسلون وعباده الصالحون من شر ما رأيت في ليلتي هذه

______________________________________________________

حتى جاوزوا من حيطان المدينة ، فعرض لهم طريقان فأخذ رسول الله ذات اليمين حتى انتهى إلى موضع فيه نخل وماء فاشترى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شاة كبراء وهي التي في أحد أذنيها نقط بيض فأمر بذبحها فلما أكلوا ماتوا في مكانهم فانتبهت فاطمة باكية ذعرة فلم تخبر رسول الله بذلك فلما أصبحت جاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحمار فأركب عليه فاطمة وأمر أن يخرج أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم‌السلام من المدينة كما رأت فاطمة عليها‌السلام في نومها فلما خرجوا من حيطان المدينة عرض لهم طريقان ، فأخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات اليمين كما رأت فاطمة عليها‌السلام حتى انتهوا إلى موضع فيه نخل وماء فاشترى به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شاة كما رأت فاطمة عليها‌السلام فأمر بذبحها فذبحت وشويت فلما أرادوا أكلها قامت فاطمة عليها‌السلام وتنحت ناحية منهم تبكي مخافة أن يموتوا فطلبها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى وقف عليها وهي تبكي فقال : ما شأنك يا بنية؟ قالت : يا رسول الله رأيت كذا وكذا في نومي ، وقد فعلت أنت كما رأيته فتنحيت عنكم فلا أراكم تموتون ، فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فصلى ركعتين ثم ناجى ربه ، فنزل عليه جبرئيل فقال : يا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذا شيطان يقال له : « الدهان » (١) وهو الذي أرى فاطمة هذه الرؤيا ويؤذي المؤمنين في نومهم ما يغتمون به ، فأمر جبرئيل عليه‌السلام فجاء به إلى رسول الله فقال له : أنت أريت فاطمة هذه الرؤيا؟ فقال : نعم يا محمد فبزق عليه ثلاث بزقات فشجه في ثلاث مواضع ، ثم قال جبرئيل لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قل يا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا رأيت في منامك شيئا تكرهه أو رأى أحد من المؤمنين فليقل : « أعوذ بما عاذت به ملائكة الله المقربون وأنبياء الله المرسلون وعباده الصالحون من شر ما رأيت من رؤياي ويقرأ الحمد والمعوذتين ، وقل هو الله أحد ، ويتفل عن يساره ثلاث تفلات ، فإنه لا يضره ما

__________________

(١) في المصدر : [ الرهاط ].

٣٤٢

أن يصيبني منه سوء أو شيء أكرهه ثم انقلبي عن يسارك ثلاث مرات.

( حديث محاسبة النفس )

١٠٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه وعلي بن محمد جميعا ، عن القاسم بن محمد ، عن سليمان بن داود المنقري ، عن حفص بن غياث قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام إذا أراد أحدكم أن لا يسأل ربه شيئا إلا أعطاه فلييأس من الناس كلهم ولا يكون له رجاء إلا من عند الله عز ذكره فإذا علم الله عز وجل ذلك من قلبه لم يسأله شيئا إلا أعطاه ـ فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا عليها فإن للقيامة خمسين موقفا كل موقف مقداره ألف سنة ثم تلا « فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ » (١).

١٠٩ ـ وبهذا الإسناد ، عن حفص ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال من كان مسافرا فليسافر يوم السبت فلو أن حجرا زال عن جبل يوم السبت لرده الله عز ذكره إلى موضعه ومن تعذرت عليه الحوائج فليلتمس طلبها يوم الثلاثاء فإنه اليوم الذي ألان الله فيه الحديد لداود عليه‌السلام.

______________________________________________________

رأى وأنزل الله على رسوله « إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ » الآية.

قوله عليه‌السلام « انقلبي عن يسارك » الظاهر أنه كان « ثم اتفلي عن يسارك » ثلاث مرات كما يدل عليه ما نقلنا آنفا ، وعليه لعل المراد الانقلاب عن اليمين إلى اليسار ثلاث مرات ، بأن ينقلب أولا إلى اليسار ، ثم إلى اليمين ، ثم إلى اليسار ، وهكذا ويحتمل أن يكون متعلقا بالقول فقط أي يقوله ثلاث مرات ثم ينقلب ، وقيل : المراد أنه ينقلب شيئا فشيئا ، وقليلا قليلا عن اليمين إلى اليسار في ثلاث دفعات.

الحديث الثامن والمائة : ضعيف.

الحديث التاسع والمائة : ضعيف.

__________________

(١) سورة السجدة : ٥.

٣٤٣

١١٠ ـ وبهذا الإسناد ، عن حفص ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال مثل الناس يوم القيامة إذا قاموا لرب العالمين مثل السهم في القرب ليس له من الأرض إلا موضع قدمه كالسهم في الكنانة لا يقدر أن يزول هاهنا ولا هاهنا.

١١١ ـ وبهذا الإسناد ، عن حفص قال رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام يتخلل بساتين الكوفة فانتهى إلى نخلة فتوضأ عندها ثم ركع وسجد فأحصيت في سجوده خمسمائة تسبيحة ثم استند إلى النخلة فدعا بدعوات ثم قال يا أبا حفص إنها والله النخلة التي قال الله جل وعز لمريم عليها‌السلام « وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا » (١).

١١٢ ـ حفص ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال عيسى عليه‌السلام اشتدت مئونة الدنيا ومئونة الآخرة أما مئونة الدنيا فإنك لا تمد يدك إلى شيء منها إلا وجدت فاجرا قد سبقك إليها وأما مئونة الآخرة فإنك لا تجد أعوانا يعينونك عليها.

______________________________________________________

الحديث العاشر والمائة : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « في القرب » أي في قرب كل منهم بالآخر ، وفي بعض النسخ « في القرن » قال في النهاية : القرن بالتحريك : جعبة من جلود تشق ، ويجعل فيها النشاب ، ومنه الحديث « الناس يوم القيامة كالنبل في القرن » أي مجتمعون مثلها (٢).

الحديث الحادي عشر والمائة : صحيح.

قوله عليه‌السلام « في سجوده » أي في كل سجدة أو في جميعها ، والأول أظهر ، وهذا الخبر مؤيد لما ورد من الأخبار من أن عيسى عليه‌السلام ولد بشاطئ الفرات ، وما اشتهر بين المؤرخين من كون سكناها في بيت المقدس ، لا ينافي ذلك لجواز أن يكون الله أجاءها عند المخاض إلى هذا المكان بطي الأرض ثم أرجعها إلى بيت المقدس.

الحديث الثاني عشر والمائة : ضعيف.

__________________

(١) سورة مريم : ٢٥.

(٢) النهاية : ج ٤ ص ٥٥.

٣٤٤

١١٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن يونس بن عمار قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول أيما مؤمن شكا حاجته وضره إلى كافر أو إلى من يخالفه على دينه فكأنما شكا الله عز وجل إلى عدو من أعداء الله وأيما رجل مؤمن شكا حاجته وضره إلى مؤمن مثله كانت شكواه إلى الله عز وجل.

١١٤ ـ ابن محبوب ، عن جميل بن صالح ، عن الوليد بن صبيح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن الله عز وجل أوحى إلى سليمان بن داود ع أن آية موتك أن شجرة تخرج من بيت المقدس يقال لها الخرنوبة قال فنظر سليمان يوما فإذا الشجرة الخرنوبة قد طلعت من بيت المقدس فقال لها ما اسمك قالت الخرنوبة قال فولى سليمان مدبرا إلى محرابه فقام فيه متكئا على عصاه فقبض روحه من ساعته قال فجعلت الجن والإنس يخدمونه ويسعون في أمره كما كانوا وهم يظنون أنه حي لم يمت يغدون ويروحون وهو قائم ثابت حتى دبت الأرضة من عصاه فأكلت منسأته فانكسرت وخر سليمان إلى الأرض أفلا تسمع لقوله عز وجل : « فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا

______________________________________________________

الحديث الثالث عشر والمائة : مجهول.

ويدل على جواز الشكاية إلى المؤمن وإن كان الأولى تركها.

الحديث الرابع عشر والمائة : صحيح.

قوله عليه‌السلام « فأكلت منسأته » أي عصاه.

قوله تعالى : « تَبَيَّنَتِ الْجِنُ » روى علي بن إبراهيم وغيره أن الآية إنما نزلت هكذا « تبينت الإنس أن لو كان الجن يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين » وذلك أن الإنس كانوا يقولون إن الجن يعلمون الغيب ، فلما سقط سليمان على وجهه علم الإنس أن لو كان الجن يعلمون الغيب لم يعملوا سنة لسليمان ، وهو ميت ، ويتوهمونه حيا (١).

وقال الزمخشري : في قراءة أبي تبينت الإنس ، وفي قراءة ابن مسعود « تبينت

__________________

(١) تفسير القمّيّ : ج ٢ ص ٢٠٠ باختلاف يسير.

٣٤٥

يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ » (١)

١١٥ ـ ابن محبوب ، عن جميل بن صالح ، عن سدير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال أخبرني جابر بن عبد الله أن المشركين كانوا إذا مروا برسول الله حول البيت طأطأ أحدهم ظهره ورأسه هكذا وغطى رأسه بثوبه لا يراه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأنزل الله عز وجل : « أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ ما

______________________________________________________

الإنس أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب « (٢) وأما على القراءة المشهورة فقيل معناه علمت الجن بعد ما التبس عليهم أنهم لا يعلمون الغيب ، وقيل : أي علمت عامة الجن وضعفاؤهم أن رؤساءهم لا يعلمون الغيب ، وقيل المعنى : ظهرت الجن ، وأن بما في خبره بدل منه » أي ظهر أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا ما لبثوا في العذاب المهين.

الحديث الخامس عشر والمائة : حسن.

قوله تعالى : « أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ » لا يخفى أن تفسيره أشد انطباقا على اللفظ ، مما ذكره أكثر المفسرين.

قال البيضاوي : أي يثنونها عن الحق وينحرفون عنه ، أو يعطفونها على الكفر وعداوة النبي أو يؤلون ظهورهم « لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ » أي من الله بسرهم فلا يطلع رسوله والمؤمنين عليه ، قيل إنها نزلت في طائفة من المشركين ، قالوا : إذا أرخينا ستورنا واستغشينا ثيابها وطوينا صدورنا على عداوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله كيف يعلم؟ وقيل : نزلت في المنافقين ، وفيه نظر إذ الآية مكية ، والنفاق حدث بالمدينة « أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ » أي إلا حين يأوون إلى فراشهم ويتغطون بثيابهم « يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ » في

__________________

(١) سورة سبأ : ١٤.

(٢) الكشّاف : ج ٣ ص ٥٧٤.

٣٤٦

يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ » (١).

( إن الله خلق الجنة قبل أن يخلق النار )

١١٦ ـ ابن محبوب ، عن أبي جعفر الأحول ، عن سلام بن المستنير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال إن الله عز وجل خلق الجنة قبل أن يخلق النار وخلق الطاعة قبل أن يخلق المعصية وخلق الرحمة قبل الغضب وخلق الخير قبل الشر وخلق الأرض قبل السماء وخلق الحياة قبل الموت وخلق الشمس قبل القمر وخلق النور قبل الظلمة.

١١٧ ـ عنه ، عن عبد الله بن سنان قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول إن الله خلق الخير يوم الأحد وما كان ليخلق الشر قبل الخير وفي يوم الأحد والإثنين خلق الأرضين وخلق أقواتها في يوم الثلاثاء وخلق السماوات يوم الأربعاء ويوم الخميس وخلق أقواتها

______________________________________________________

قلوبهم « وَما يُعْلِنُونَ » بأفواههم يستوي في علمه سرهم وعلنهم ، فكيف يخفى عليه ما عسى يظهرونه (٢).

الحديث السادس عشر والمائة : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « وخلق الطاعة » أي قدرها قبل المعصية وتقديرها ، وكذا في الفقرتين بعدها ، والخلق بمعنى التقدير شائع ، ولعل المراد بخلق الشر خلق ما يترتب عليه شر ، وإن كان إيجاده خيرا وصلاحا.

الحديث السابع عشر والمائة : صحيح.

قوله عليه‌السلام : « وما كان ليخلق الشر قبل الخير » الغرض أن ابتداء خلق الجميع يوم الأحد : إذ خيريته تعالى تقتضي أن لا يقدم خلق الشر على خلق الخير ، وابتداء خلق الخير كان يوم الأحد ، فلم يخلق قبله شيء.

أقول : في هذا الخبر فوائد الأولى : تفصيل ما ذكره تعالى مجملا في عدة مواضع من خلق السماوات والأرض في ستة أيام.

وروى العامة أيضا عن مجاهد أن الله ابتدأ بخلق الأرض والسماوات يوم

__________________

(١) سورة هود : ٥.

(٢) أنوار التنزيل : ج ١ ص ٤٦١.

٣٤٧

يوم الجمعة وذلك قوله عز وجل : « خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ » (١).

______________________________________________________

الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة ، فاجتمع له الخلق ، وتم يوم الجمعة ، فلذلك سمي جمعة (٢) ، ولا شك في أنه تعالى كان قادرا على خلقها لحظة وإنما خلقها هكذا تدريجا لمصالح كثيرة لا نعلمها على حقيقتها.

وقيل : لأن ترتيب الحوادث على إنشاء شيء بعد شيء يدل على كون فاعله عالما مدبرا يصرفه على اختياره : ويجريه على مشيته.

ويؤيده ما رواه الصدوق في العيون (٣) والعلل بإسناده عن أبي الصلت الهروي عن الرضا عليه‌السلام أنه قال : « ثم خلق السماوات والأرض في ستة أيام ، وهو مستول على عرشه وكان قادرا على أن يخلقها في طرفة عين ، ولكنه عز وجل خلقها في ستة أيام ، ليظهر للملائكة ما يخلقه منها شيئا بعد شيء فتستدل بحدوث ما يحدث ، على الله تعالى ذكره » وقيل : إنه سبحانه علم خلقه الثبت والرفق في الأمور ، روي ذلك عن سعيد بن جبير.

الثانية إن الزمان ليس بمقدار حركه الفلك كما زعمت الفلاسفة وإلا فلا معنى للتقدير بالأيام قبل وجود الفلك ، والقول بأنه يحتمل أن يكون تقديره بحركة العرش أو الكرسي مثلا ـ ويكون خلق السماوات السبع والأرضين في ستة أيام يخالف أصولهم بوجوه شتى.

منها لزوم الخلاء ، ويخالف هذا الخبر وغيره من الأخبار الدالة على أول الموجودات كما مر ، مع أن الظاهر من الأخبار والآيات كون السماوات الدائرات سبعة ، والعرش والكرسي مربعان ثابتان غير متحركان.

__________________

(١) سورة السجدة : ٤.

(٢) مجمع البيان : ج ٤ ص ٤٢٨.

(٣) عيون أخبار الرضا : ج ١ ص ١٣٤ ب ١١ ح ٣٣.

٣٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الثالثة : أنهم اختلفوا في أنه تعالى أي شيء أراد باليوم مع أن اليوم المصطلح لا يتحقق إلا بطلوع الشمس وغروبها ، ولم تكن في ابتداء الخلق شمس ولا قمر ، فقيل : المراد في ستة أوقات ، كذا ذكره علي بن إبراهيم في تفسيره (١) حيث قال في تفسير قوله تعالى : « فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ* » أي في ستة أوقات ، وقال في قوله تعالى : « فِي يَوْمَيْنِ » أي في وقتين ، ابتداء الخلق وانقضاؤه ، وقيل : المراد في مقدار ستة أيام ، وهذا الوجه أنسب بلفظ الآية وأوفق بهذا الخبر ، كما لا يخفى.

الرابعة : فيه تفسير قوله تعالى : « قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ » أي في وقتين ابتداء الخلق وانقضاؤه ، فعلى تفسيره عليه‌السلام أن مقدار يومين وافق بعد خلق الشمس والقمر. وتسمية الأيام يوم الأحد والاثنين.

قال البيضاوي (٢) : أي في مقدار يومين أو بنوبتين ، وخلق في كل نوبة ما خلق في أسرع ما يكون ، ولعل المراد بالأرض ما في جهة السفل من الأجرام البسيطة ومن خلقها في يومين أنه خلق لها أصلا مشتركا ثم خلق لها صورا بها صارت أنواعا ، وكفرهم به إلحادهم في ذاته وصفاته « وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً » ولا يصح أن يكون له ند [ ذلك ] الذي خلق الأرض في يومين « رب العالمين » خالق جميع ما يوجد من الممكنات ، ومربيها « وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ » استئناف غير معطوف على خلق للفصل بما هو خارج عن الصلة « مِنْ فَوْقِها » مرتفعة عليها ، ليظهر للنظار ما فيها من وجوه الاستبصار ، وتكون منافعها معرضة للطلاب « وَبارَكَ فِيها » وأكثر خيرها بأن خلق فيها أنواع النباتات والحيوانات « وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها » أقوات أهلها بأن

__________________

(١) تفسير القمّيّ : ج ١ ص ٣٢٢.

(٢) أنوار التنزيل : ج ٢ ص ٣٤٤.

٣٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

عين لكل نوع ما يصلحه ويعيش به ، أو أقواتا تنشأ منها بأن خص حدوث كل قوت بقطر من أقطارها ، وقرئ « وقسم فيها أقواتها في أربعة أيام » في تتمة أربعة أيام كقولك سرت من البصرة إلى بغداد في عشرة أيام وإلى الكوفة في خمسة عشر يوما ، ولعلة قال ذلك ، ولم يقل في يومين للإشعار باتصالهما باليومين الأولين والتصريح على الفذلكة.

أقول : الأظهر من هذا الخبر أن المراد بتقدير الأقوات خلق النباتات والثمار والحبوب التي هي أقوات الحيوانات ، ويحتمل أن يكون الخلق في الخبر بمعنى التقدير أي جعلها مهيأة لأن ينبت منها أرزاق العباد « سَواءً » أي استوت سواء بمعنى استواء ، والجملة صفة أيام وتدل عليه قراءة يعقوب بالجر وقيل : حال من الضمير في أقواتها أو فيها ، وقرئ بالرفع على هي سواء « لِلسَّائِلِينَ » متعلق بمحذوف تقديره هذا الحصر للسائلين عن مدة خلق الأرض ، وما فيها أو بقدر ، أي قدر فيها الأقوات للطالبين لها « ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ » قصد نحوها من قولهم استوى إلى مكان كذا إذا توجه إليه توجها لا يلوي على غيره ، والظاهر أن ثم لتفاوت ما بين الخلقين ، لا للتراخي في المدة لقوله « وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها » ودحوها متقدم على خلق الجبال من فوقها « وَهِيَ دُخانٌ » أمر ظلماني ، ولعله أراد به مادتها والأجزاء المصغرة التي ركبت منها « فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ » فخلقهن خلقا إبداعيا وأتقن أمرهن ، والضمير للسماء على المعنى أو مبهم ، وسبع سماوات حال على الأول وتميز على الثاني « فِي يَوْمَيْنِ » قيل : خلق السماوات يوم الخميس والشمس والقمر والنجوم يوم الجمعة هذا بعض كلام البيضاوي في تفسير هذه الآية (١) أوردناه ليتضح به معنى الخبر وقد سبق منا بعض الكلام فيها وبقي هيهنا إشكال وهو أن مدلول الخبر ينافي ظاهر الآية من

__________________

(١) أنوار التنزيل : ج ٢ ص ٣٤٥.

٣٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

جهتين.

الأولى : إن ظاهر الآية أن خلق أقوات الأرض وتقديرها كان في يومين ، والخبر يدل على أنه خلق أقوات الأرض في يوم وأقوات السماء في يوم.

والثانية : إن ظاهر الآية تقدم يومئ خلق الأقوات على يومي خلق السماوات والخبر يدل على تأخر أحد يومي خلق الأقوات عنهما ، ويمكن أن يجاب عن الأولى بأن المراد بخلق أقوات السماء خلق أسباب أقوات أهل الأرض الكائنة في السماء من المطر والثلج والألواح التي يقدر فيها الأقوات ، والملائكة الموكلين بها ويؤيده أن ليس لأهل السماء قوت وطعام وشراب ، ففي يوم واحد قدر الأسباب الأرضية لأقوات أهل الأرض وفي يوم آخر قدر الأسباب السماوية لها ، وفي الآية نسبهما إلى الأرض لكونهما لأهلها وفي الخبر فصل ذلك لبيان اختلاف موضع التقديرين ، وعلى الثانية بنحو مما ذكره البيضاوي ، بأن لا تكون لفظة « ثم » للترتيب والتراخي في المدة.

ومن غرائب ما سنح لي أني لما كتبت شرح هذا الخبر اضطجعت فرأيت فيما يرى النائم أني أتفكر في هذه الآية فخطر ببالي في تلك الحالة أنه يحتمل أن يكون المراد بأربعة أيام تمامها لا تتمتها ، ويكون خلق السماوات أيضا من جملة تقدير أرزاق أهل الأرض فإنها من جملة الأسباب ومحال بعض الأسباب كالملائكة العاملة والألواح المنقوشة. والشمس والقمر والنجوم المؤثرة بكيفياتها كالحرارة والبرودة في الثمار والنباتات ، ويكون لفظة « ثم » في قوله تعالى « ثُمَّ اسْتَوى » للترتيب في الأخبار لتفصيل ذلك الإجمال ، بأن يومين من تلك الأربعة كانا مصروفين في خلق السماوات ، والآخرين في خلق سائر الأسباب ، ولو لا أنه سنح لي في هذه الحال لم أجسر على إثبات هذا الاحتمال وإن لم يقصر عما ذكره المفسرون وبه يندفع الإشكال والله تعالى يعلم حقائق كلامه وحججه عليهم‌السلام.

٣٥١

١١٨ ـ ابن محبوب ، عن حنان وعلي بن رئاب ، عن زرارة قال قلت له قوله عز وجل : « لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ

______________________________________________________

الحديث الثامن عشر والمائة : صحيح.

قوله تعالى « لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ » قال البيضاوي أي أترصد بهم كما يقعد القطاع للسابلة « صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ » طريق الإسلام ونصبه على الظرف. كقوله :

لدن بهز الكف يعسل متنه

فيه ، كما عسل الطريق الثعلب (١)

وقيل : تقديره « على صراطك » كقولك ضرب زيد الظهر والبطن « ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ » أي من جميع الجهات الأربع مثل قصده إياهم بالتسويل والإضلال من أي وجه يمكنه بإتيان العدو من الجهات الأربع ، ولذلك لم يقل من فوقهم ومن تحت أرجلهم وقيل : لم يقل من فوقهم ، لأن الرحمة تنزل منه ولم يقل من تحتهم ، لأن الإتيان منه يوحش.

وعن ابن عباس « مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ » من قبل الآخرة ، و « مِنْ خَلْفِهِمْ » من قبل الدنيا « وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ » من جهة حسناتهم وسيئاتهم ، ويحتمل أن يقال : من بين أيديهم من حيث يعلمون ويقدرون على التحرز عنه ، ومن خلفهم من حيث لا يعلمون ولا يقدرون ، وعن أيمانهم وعن شمائلهم من جهة أن يتيسر لهم أن يعلموا ويتحرزوا ، ولكن لم يفعلوا لعدم تيقظهم واحتياطهم ، وإنما عدي الفعل إلى الأولين بحرف الابتداء ، لأنه منهما متوجه إليهم ، وإلى الآخرين بحرف المجاوزة فإن الآتي منهما كالمنحرف عنهم المار على عرضهم ونظيره قولهم

__________________

(١) لا يوجد في المصدر سوى الشطر الثاني من البيت. واللدن : بفتح اللام وسكون الدال ، اللين من كلّ شيء. وعَسَلَ الرمحُ : اشتدّ اهتزازه « القاموس : ج ٤ ص ٢٦٨ و ١٦ » وفي هذا البيت يصف الشاعر رمحه باللين وشدّة الإهزاز.

٣٥٢

وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ » (١) قال فقال أبو جعفر عليه‌السلام يا زرارة إنه إنما صمد لك ولأصحابك فأما الآخرون فقد فرغ منهم.

١١٩ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن خالد والحسين بن سعيد جميعا ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى بن عمران الحلبي ، عن عبد الله بن مسكان ، عن بدر بن الوليد الخثعمي قال دخل يحيى بن سابور على أبي عبد الله عليه‌السلام ليودعه فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام أما والله إنكم لعلى الحق وإن من خالفكم لعلى غير الحق والله ما أشك لكم في الجنة وإني لأرجو أن يقر الله لأعينكم عن قريب.

______________________________________________________

جلست عن يمينه « وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ » مطيعين وإنما قاله ظنا لقوله : [ تعالى ] « وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ » لما رأى فيهم مبدأ الشر متعددا ، ومبدأ الخير واحدا ، وقيل : سمعه من الملائكة (٢).

قوله عليه‌السلام : « إنما صمد لك ولأصحابك » أي معظم ترصده إنما هو لمن تبع دين الحق ، لعلمه بأنهم ينتفعون بأعمالهم وأديانهم فيريد أن يضلهم إما عن دينهم ، وإما عن أعمالهم. فأما الآخرون أي المخالفون ، فلا يترصد لهم ، لأنه أضلهم عن دينهم ، فقد فرغ من أمرهم لأنهم لضلالتهم لا ينتفعون بما يعملون من الطاعات ، بل هي موجبة لشدة نصبهم وتعبهم في الدنيا ووفور عذابهم في الآخرة.

الحديث التاسع عشر والمائة : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « أن يقر الله بأعينكم » (٣) قال الفيروزآبادي : يقال أقر الله عينه وبعينه (٤).

قوله عليه‌السلام : « إلى قريب » أي عند الموت أو عند قيام القائم.

__________________

(١) سورة الأعراف : ١٧.

(٢) أنوار التنزيل : ج ١ ص ٣٤٣ ـ ٣٤٤.

(٣) في الأصل « لأعينكم عن قريب » وفي بعض النسخ [ بأعينكم الى قريب ].

(٤) القاموس : ج ٢ ص ١٢٠.

٣٥٣

١٢٠ ـ يحيى الحلبي ، عن عبد الله بن مسكان ، عن أبي بصير قال قلت جعلت فداك أرأيت الراد علي هذا الأمر فهو كالراد عليكم فقال يا أبا محمد من رد عليك هذا الأمر فهو كالراد على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى الله تبارك وتعالى يا أبا محمد إن الميت منكم على هذا الأمر شهيد قال قلت وإن مات على فراشه قال إي والله وإن مات على فراشه حي عند ربه يرزق.

١٢١ ـ يحيى الحلبي ، عن عبد الله بن مسكان ، عن حبيب قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول أما والله ما أحد من الناس أحب إلي منكم وإن الناس سلكوا سبلا شتى فمنهم من أخذ برأيه ومنهم من اتبع هواه ومنهم من اتبع الرواية وإنكم أخذتم بأمر له أصل فعليكم بالورع والاجتهاد واشهدوا الجنائز وعودوا المرضى واحضروا مع قومكم في مساجدهم للصلاة أما يستحيي الرجل منكم أن يعرف جاره حقه ولا يعرف حق جاره.

١٢٢ ـ عنه ، عن ابن مسكان ، عن مالك الجهني قال قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام يا مالك أما ترضون أن تقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة وتكفوا وتدخلوا الجنة

______________________________________________________

الحديث العشرون والمائة : صحيح.

قوله عليه‌السلام : « حي عند ربه يرزق » أي له من الثواب ما أعده الله للشهداء حيث قال ( تعالى ) : « وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ » الآية (١).

الحديث الحادي والعشرون والمائة : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « أن يعرف جاره حقه » أي من العامة أو الأعم.

الحديث الثاني والعشرون والمائة : حسن.

قوله عليه‌السلام : « وتكفوا » أي عن المعاصي أو عن الناس بالتقية.

__________________

(١) سورة آل عمران : ١٦٩.

٣٥٤

يا مالك إنه ليس من قوم ائتموا بإمام في الدنيا إلا جاء يوم القيامة يلعنهم ويلعنونه إلا أنتم ومن كان على مثل حالكم يا مالك إن الميت والله منكم على هذا الأمر لشهيد بمنزلة الضارب بسيفه في سبيل الله.

١٢٣ ـ يحيى الحلبي ، عن بشير الكناسي قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول وصلتم وقطع الناس وأحببتم وأبغض الناس وعرفتم وأنكر الناس وهو الحق إن الله اتخذ محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله عبدا قبل أن يتخذه نبيا وإن عليا عليه‌السلام كان عبدا ناصحا لله عز وجل فنصحه وأحب الله عز وجل فأحبه إن حقنا في كتاب الله بين لنا صفو الأموال ولنا الأنفال وإنا قوم فرض الله عز وجل طاعتنا وإنكم تأتمون بمن لا يعذر الناس بجهالته وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية عليكم بالطاعة فقد رأيتم أصحاب علي عليه‌السلام ثم قال إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال في مرضه الذي توفي فيه ادعوا لي خليلي فأرسلتا إلى أبويهما فلما جاءا أعرض بوجهه ثم قال

______________________________________________________

الحديث الثالث والعشرون والمائة : مجهول.

ويمكن أن يعد حسنا لأن هذا الخبر يدل على مدح بشير.

قوله عليه‌السلام : « إن الله اتخذ محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبدا » أي عبدا كاملا في العبودية مطيعا لله في جميع أموره ، ولذا لم ينسب الله تعالى بالعبودية أحدا إلى نفسه إلا مقربي جنابه من الأنبياء والأوصياء كما قال : « سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ » (١) وقال : « عَبْداً مِنْ عِبادِنا » (٢) وقال : إلى « عَبْدَنا داوُدَ » (٣) ومثله كثير ، والغرض أن هذا الكمال الذي كان حاصلا لنبينا قبل بعثته ونبوته ، قد كان لعلي عليه‌السلام وكان في جميع الكمالات مشاركا مع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سوى النبوة فقد أخذتم بولاية من هو هكذا.

قوله عليه‌السلام : « لنا صفو المال » أي صفايا الغنيمة.

قوله عليه‌السلام : « فقد رأيتم أصحاب علي عليه‌السلام » أي المطيعين له أو المخالفين له

__________________

(١) سورة الإسراء : ١.

(٢) سورة الكهف : ٦٥.

(٣) سورة ص : ١٧. والآية « وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ » ولعلّ كلمة « إلى » هنا زيدت من النسّاح.

٣٥٥

ادعوا لي خليلي فقالا قد رآنا لو أرادنا لكلمنا فأرسلتا إلى علي عليه‌السلام فلما جاء أكب عليه يحدثه ويحدثه حتى إذا فرغ لقياه فقالا ما حدثك فقال حدثني بألف باب من العلم يفتح كل باب إلى ألف باب.

١٢٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن الهيثم بن أبي مسروق النهدي ، عن موسى بن عمر بن بزيع قال قلت للرضا عليه‌السلام إن الناس رووا أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا أخذ في طريق رجع في غيره فهكذا كان يفعل قال فقال نعم فأنا أفعله كثيرا فافعله ثم قال لي أما إنه أرزق لك.

١٢٥ ـ سهل بن زياد ، عن يحيى بن المبارك ، عن عبد الله بن جبلة ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي الحسن الأول عليه‌السلام قال قلت له جعلت فداك الرجل من إخواني يبلغني عنه الشيء الذي أكرهه فأسأله عن ذلك فينكر ذلك وقد أخبرني عنه قوم ثقات فقال لي يا محمد كذب سمعك وبصرك عن أخيك فإن شهد عندك خمسون قسامة

______________________________________________________

أو الأعم.

قوله عليه‌السلام : « أكب عليه » قال الفيروزآبادي : أكب عليه : أقبل ولزم (١).

قوله عليه‌السلام : « ألف باب » أي ألف نوع أو ألف قاعدة من القواعد الكلية التي تستنبط من كل قاعدة منها ألف قاعدة أخرى ، والأول أظهر.

الحديث الرابع والعشرون والمائة : ضعيف.

ويدل على استحباب الرجوع في غير الطريق الذي أخذ فيه ، وأنه موجب لمزيد الرزق.

الحديث الخامس والعشرون والمائة : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « خمسون قسامة » أي خمسون رجلا يشهدون ويقسمون عليه ،

__________________

(١) القاموس : ج ١ ص ١٢٤.

٣٥٦

وقال لك قولا فصدقه وكذبهم لا تذيعن عليه شيئا تشينه به وتهدم به مروءته فتكون من الذين قال الله في كتابه : « إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ » (١).

( حديث من ولد في الإسلام )

١٢٦ ـ سهل بن زياد ، عن يعقوب بن يزيد ، عن عبد ربه بن رافع ، عن الحباب بن موسى ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال من ولد في الإسلام حرا فهو عربي ومن كان له عهد فخفر في عهده فهو مولى لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن دخل في الإسلام طوعا فهو

______________________________________________________

ولعل هذا مختص بما إذا كان فيما يتعلق بنفسه من غيبته أو الإزراء به ، ونحو ذلك فإذا أنكرها واعتذر إليه يلزمه أن يقبل عذره ، ولا يؤاخذه بما بلغه عنه ، ويحتمل التعميم أيضا فإن الثبوت عند الحاكم بعدلين أو أربعة وإجراء الحد عليه لا ينافي أن يكون غير الحاكم مكلفا باستتار ما ثبت عنده من أخيه ، من الفسوق التي كان مستترا بها ، والإذاعة الإفشاء ، والشين : العيب ، والفاحشة : الذنب أو ما يشتد قبحه من الذنوب.

حديث من ولد في الإسلام

الحديث السادس والعشرون والمائة : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « من ولد في الإسلام حرا فهو عربي » أي الأخبار الواردة في مدح العرب تشتمل كل من ولد في الإسلام حرا وكان على دين الحق ولو كان من العجم ، (٢) لورود كثير من الأخبار أنهم يحشرون بلسان العرب ، وإن كان على غير دين الحق يحشر بلسان العجم وإن كان من العرب.

قوله عليه‌السلام : « ومن كان له عهد فخفر » يقال : خفر به خفرا وخفورا أي نقض

__________________

(١) النور : ١٨.

(٢) معاني الأخبار : ص ٤٠٣ ـ ٤٠٥ ب نوادر المعاني ح ٧١ ـ ٧٢ ـ ٧٤ ـ ٧٧ ـ ٧٨.

٣٥٧

مهاجر.

١٢٧ ـ علي بن إبراهيم ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من أصبح وأمسى وعنده ثلاث فقد تمت عليه النعمة في الدنيا من أصبح وأمسى معافى في بدنه آمنا في سربه عنده قوت يومه فإن كانت عنده الرابعة فقد تمت عليه النعمة في الدنيا والآخرة وهو الإسلام.

١٢٨ ـ عنه ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام [ ، عن أبيه عليه‌السلام ]

______________________________________________________

عهده والخفر أيضا الإجارة والمنع وحفظ الأمان ، وعلى التقديرين أقيم علة الجزاء هنا مقامه ، أي من كان له عهد وأمان وذمة من قبل أحد من المسلمين فروعي أمانه فقد روعي أمان حليف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو معتقه أو من آمنه ، لأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حكم بحفظ أمانه وأعتقه (١) من القتل فهو مولاه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن نقض عهده فقد نقض عهد مولى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنه مولاه.

قوله عليه‌السلام : « ومن دخل في الإسلام طوعا فهو مهاجر » أي في هذا الزمان الذي ارتفع حكم الهجرة ، أو أنه مطلقا في حكم المهاجر في وفور ثوابه ، ولزوم احترامه.

الحديث السابع والعشرون والمائة : ضعيف.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من أصبح وأمسى معافى » بيان للجملة السابقة وبدل عنها ومفسر لها ، قال الجزري : فيه « من أصبح آمنا في سربه معافى في بدنه » يقال : فلان آمن في سربه بالكسر : أي في نفسه ، وفلان واسع السرب : أي رخي البال ، ويروى بالفتح ، وهو المسلك والطريق ، يقال : خل له سربه أي طريقه (٢).

الحديث الثامن والعشرون والمائة : ضعيف.

__________________

(١) هكذا في النسخ لكن ظاهرا سقط كلمة « من » والصحيح « ومن أعتقه ».

(٢) النهاية : ج ٢ ص ٣٥٦.

٣٥٨

أنه قال لرجل وقد كلمه بكلام كثير فقال أيها الرجل تحتقر الكلام وتستصغره اعلم أن الله عز وجل لم يبعث رسله حيث بعثها ومعها ذهب ولا فضة ولكن بعثها بالكلام وإنما عرف الله جل وعز نفسه إلى خلقه بالكلام والدلالات عليه والأعلام.

١٢٩ ـ وبهذا الإسناد قال قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ما خلق الله جل وعز خلقا إلا وقد أمر عليه آخر يغلبه فيه وذلك أن الله تبارك وتعالى لما خلق البحار السفلى فخرت وزخرت وقالت أي شيء يغلبني فخلق الأرض فسطحها على ظهرها فذلت ثم قال إن الأرض فخرت وقالت أي شيء يغلبني فخلق الجبال فأثبتها على ظهرها أوتادا من أن تميد بما عليها فذلت الأرض واستقرت ثم إن الجبال فخرت على الأرض فشمخت واستطالت وقالت أي شيء يغلبني فخلق الحديد فقطعها فقرت الجبال

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « تحتقر الكلام » لعل السائل لم يعرف قدر نعمة الكلام ، وما إفاضة عليه‌السلام عليه من الحكم والمعارف فنبهه عليه‌السلام بفضيلة الكلام ورفعة شأنه ، وأن عمدة معجزات الأنبياء بيان المعارف الإلهية والعلوم الدينية ، وبه يعرف الله تعالى ويستدل عليه.

الحديث التاسع والعشرون والمائة : ضعيف.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « فخرت وزخرت » قال الفيروزآبادي : زخر البحر كمنع زخرا وزخورا وتزخر : طمى وتملأ ، والوادي مد جدا وارتفع ، والنبات طال ، والرجل بما عنده فخر (١).

أقول : يحتمل أن تكون هذه الجمل جرت على سبيل الاستعارة التمثيلية لبيان أن ما سوى الحق تعالى مغلوب مقهور عن غيره ، والله تعالى هو الغالب القاهر لجميع من سواه.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أوتادا من أن تميد بما عليها » إشارة إلى ما ذكره الله تعالى

__________________

(١) القاموس : ج ٢ ص ٣٩.

٣٥٩

وذلت ثم إن الحديد فخرت على الجبال وقال أي شيء يغلبني فخلق النار

______________________________________________________

في مواضع من القرآن الكريم منها قوله تعالى : « وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ » (١) قال المبرد : أي منع الأرض أن تميد ، وقيل : أي كراهة أن تميد ، ومنها قوله تعالى « وَالْجِبالَ أَوْتاداً » (٢) وقال بعض المفسرين : الميد الاضطراب في الجهات الثلاث ، وقيل : إن الأرض كانت تميد وترجف رجوف السقف بالوطء ، فثقلها الله بالجبال الرواسي ، ليمنع من رجوفها ، ورووا عن ابن عباس أنه قال : إن الأرض بسطت على الماء فكانت تكفأ بأهلها كما تكفأ السفينة ، فأرساها الله تعالى بالجبال ، تم إنهم اختلفوا في أنه لم صارت الجبال سببا لسكون الأرض؟ على أقوال ، وذكروا لذلك وجوها ولنذكر بعضها.

الأول : ما ذكره الفخر الرازي في تفسيره (٣) : أن السفينة إذا ألقيت على وجه الماء فإنها تميد من جانب إلى جانب وتضطرب ، فإذا وضعت الأجرام الثقيلة فيها استقرت على وجه الماء ، فكذلك لما خلق الله تعالى الأرض على وجه الماء اضطربت ومادت ، فخلق الله تعالى عليها هذه الجبال ووتدها بها ، فاستقرت على وجه الماء بسبب ثقل الجبال ، ثم قال : لقائل أن يقول : هذا يشكل من وجوه.

الأول : إن هذا المعلل إما أن يقول : بأن حركات الأجسام بطباعها أو يقول : ليست بطباعها ، بل واقعة بإيجاد الفاعل المختار إياها ، فعلى التقدير الأول نقول : لا شك أن الأرض أثقل من الماء والأثقل يغوص في الماء ولا يبقى طافيا عليه ، فامتنع أن يقال إنها كانت تميد وتضطرب بخلاف السفينة ، فإنها متخذة من الخشب وفي داخل الخشب تجويفات غير مملوءة فلذلك تميد وتضطرب

__________________

(١) سورة النحل : ١٥.

(٢) سورة النبأ : ٧.

(٣) تفسير الرازيّ : ج ٢ ص ٨ « ط إستانبول سنة ١٢٩٤ ».

٣٦٠