مرآة العقول - ج ٢٥

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول - ج ٢٥

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


المحقق: السيد جعفر الحسيني
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٢

٦٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من ظهرت عليه النعمة فليكثر ذكر الحمد لله ومن كثرت همومه فعليه بالاستغفار ومن ألح عليه الفقر فليكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ينفي عنه الفقر وقال فقد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله رجلا من الأنصار فقال ما غيبك عنا فقال الفقر يا رسول الله وطول السقم فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ألا أعلمك كلاما إذا قلته ذهب عنك الفقر والسقم فقال بلى يا رسول الله فقال إذا أصبحت وأمسيت فقل : لا حول ولا قوة إلا بالله [ العلي العظيم ] توكلت « عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ » و « الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً » فقال الرجل فو الله ما قلته إلا ثلاثة أيام حتى ذهب عني الفقر والسقم.

٦٦ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن إسماعيل بن عبد الخالق قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول لأبي جعفر الأحول وأنا أسمع أتيت

______________________________________________________

ومر به في الماء » وقد أوردنا القصة بتمامها بروايات مختلفة في كتاب بحار الأنوار (١).

الحديث الخامس والستون : ضعيف على المشهور.

قوله تعالى : « وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِ » أي ولي يواليه من أجل مذلة ليدفعها بموالاته قوله تعالى : « وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً » في الآية معطوفا على القول ، والمخاطب به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويشكل نظمه هيهنا مع الجمل السابقة فيحتمل أن يكون معطوفا على الجمل السابقة ، بأن يكون خبر مبتدإ محذوف بتأويل مقول في حقه ، أو يكون خطابا عاما لكل من يستحق الخطاب ، لبيان أنه يستحق من كل أحد أن يصفه بالكبرياء ، ويمكن أن يقرأ على صيغة الماضي أي كبره كل شيء تكبيرا ، ولا يبعد أن يكون في الأصل وأكبره تكبيرا على صيغة المتكلم ، فصحفه النساخ ليكون موافقا للقرآن.

الحديث السادس الستون : صحيح.

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ١٤ ص ٣٨٠ ـ ٤٠٦.

٢٢١

البصرة فقال نعم قال كيف رأيت مسارعة الناس إلى هذا الأمر ودخولهم فيه قال والله إنهم لقليل ولقد فعلوا وإن ذلك لقليل فقال عليك بالأحداث فإنهم أسرع إلى كل خير ، ثم قال ما يقول أهل البصرة في هذه الآية : « قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى » (١) قلت جعلت فداك إنهم يقولون إنها لأقارب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال كذبوا إنما نزلت فينا خاصة في أهل البيت في علي وفاطمة والحسن والحسين أصحاب الكساء عليهم‌السلام.

( حديث أهل الشام )

٦٧ ـ عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن محمد بن داود ، عن محمد بن عطية قال جاء رجل إلى أبي جعفر عليه‌السلام من أهل الشام من علمائهم فقال يا أبا جعفر جئت أسألك عن مسألة قد أعيت علي أن أجد أحدا يفسرها وقد سألت عنها ثلاثة أصناف من الناس فقال كل صنف منهم شيئا غير الذي قال الصنف الآخر فقال له أبو جعفر عليه‌السلام ما ذاك قال فإني أسألك عن أول ما خلق الله من خلقه فإن بعض من سألته قال القدر وقال بعضهم القلم

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « في أهل البيت » أقول : قد وردت الأخبار المستفيضة في نزول هذه الآية فيهم عليه‌السلام ، وقد روتها العامة أيضا في كتبهم بأسانيد وقد مرت (٢) في شرح كتاب الحجة ، وقال البيضاوي (٣) ، روي أنها لما نزلت قيل : يا رسول الله من قرابتك من هؤلاء قال : علي وفاطمة وابناهما.

الحديث السابع والستون : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « عن أول ما خلق الله من خلقه » اعلم أن الأخبار اختلفت في تعيين أول المخلوقات فأكثر الأخبار يدل على أنه الماء كهذا الخبر ، والخبر الذي بعده ، لكن لا يدل الخبر الآتي على تقدمه على العرش ، ونقل عن ناليس الملطي الإسكندراني وهو من مشاهير الحكماء القدماء ، أنه قال بعد أن وحد الصانع ونزهة : لكنه أبدع العنصر الذي فيه صور الموجودات والمعلومات كلها ، وهو المبدع الأول ، وهو

__________________

(١) الشورى : ٢٣.

(٢) لاحظ : ج ٣ ص ٢٧٩ ـ ٢٨١.

(٣) أنوار التنزيل : ج ٢ ص ٣٥٧. وفي المصدر « من قرابتك هؤلاء الذين وجبت مودّتهم علينا؟ ».

٢٢٢

وقال بعضهم الروح فقال أبو جعفر عليه‌السلام ما قالوا شيئا ، أخبرك أن الله تبارك وتعالى كان ولا شيء غيره وكان عزيزا ولا أحد كان قبل عزه وذلك قوله « سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ » (١) وكان الخالق قبل المخلوق ولو كان أول ما خلق من خلقه الشيء من الشيء إذا لم يكن له انقطاع أبدا ولم يزل الله إذا ومعه شيء ليس هو يتقدمه ولكنه كان إذ لا شيء غيره وخلق الشيء الذي جميع الأشياء منه وهو الماء الذي خلق الأشياء منه فجعل نسب كل شيء إلى الماء ولم يجعل للماء نسبا يضاف إليه وخلق الريح من الماء

______________________________________________________

الماء ، ومنه أنواع الجواهر كلها من السماء والأرض وما بينهما ، وذكر أن من جمود الماء تكونت الأرض ، ومن انحلاله تكون الهواء ، ومن صفوته تكونت النار ومن الدخان والأبخرة تكونت السماء ، وقيل : جوهر تكون منه الماء كما نقل أنه جاء في السفر الأول من التوراة أن مبدأ الخلق جوهر خلقه الله تعالى ، ثم نظر إليه نظر الهيبة فذابت أجزاؤه فصارت ماء فثار من الماء بخار كالدخان ، فخلق منه السماوات ، وظهر على وجه الماء مثل زبد البحر ، فخلق منه الأرض ، ثم أرساها بالجبال.

وذكر علي بن إبراهيم في تفسيره (٢) قوله تعالى : « وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ » (٣) قال : وذلك في مبدء الخلق إن الرب تعالى خلق الهواء ، ثم خلق القلم ، فأمره أن يجري فقال : يا رب بما أجري فقال : بما هو كائن ثم خلق الظلمة من الهواء ، وخلق النور من الهواء ، وخلق الماء من الهواء ، وخلق العرش من الهواء ، وخلق العقيم من الهواء وهو الريح الشديد ، وخلق النار من الهواء ، وخلق الخلق كلهم من هذه الستة التي خلقت من الهواء. والظاهر أنه أخذه من خبر ، لكن لا يعارض الأخبار المسندة ، وعلى تقدير صحته يمكن الجمع بحمل أولية الماء على التقدم الإضافي بالنسبة إلى الأجسام المشاهدة المحسوسة التي يدركها جميع الخلق ، فإن الهواء ليس منها ، ولذلك أنكر طائفة وجوده.

__________________

(١) سورة الصافّات : ١٨٠.

(٢) تفسير القمّيّ : ج ١ ص ٣٢١ ـ ٣٢٢.

(٣) سورة هود : ٧.

٢٢٣

ثم سلط الريح على الماء فشققت الريح متن الماء حتى ثار من الماء زبد على قدر ما شاء أن يثور فخلق من ذلك الزبد أرضا بيضاء نقية ليس فيها صدع ولا ثقب ولا صعود ولا هبوط ولا شجرة ثم طواها فوضعها فوق الماء ثم خلق الله النار من الماء فشققت النار متن الماء حتى ثار من الماء دخان على قدر ما شاء الله أن يثور فخلق من ذلك الدخان سماء صافية نقية ليس فيها صدع ولا ثقب وذلك قوله : « السَّماءُ بَناها رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها » (١) قال ولا شمس ولا قمر ولا نجوم ولا سحاب ثم طواها

______________________________________________________

ويدل على تقدم خلق الماء على الهواء وعلى المخلوقات طرا سوى العرش ، والملائكة ما رواه الصدوق (٢) بإسناده عن أبي الصلت الهروي « قال : سأل المأمون أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن قول الله عز وجل : « وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً » (٣) فقال : إن الله تبارك وتعالى خلق العرش والماء والملائكة قبل خلق السماوات والأرض ، وكانت الملائكة تستدل بأنفسها ، وبالعرش والماء على الله عز وجل ثم جعل عرشه على الماء ، ليظهر بذلك قدرته للملائكة ، فتعلم أنه على كل شيء قدير ، ثم رفع العرش بقدرته ونقله فجعله فوق السماوات السبع ، ثم خلق السماوات والأرض في ستة أيام ، وهو مستولي على عرشه ، وكان قادرا على أن يخلقها في طرفة عين ، ولكنه عز وجل خلقها في ستة أيام ليظهر للملائكة ما يخلقه منها شيئا بعد شيء ، فتستدل بحدوث ما يحدث على الله تعالى ذكره ». وروى الصدوق (٤) في كتاب عيون أخبار الرضا عليه‌السلام بإسناده عن الحسين بن علي قال : كان علي بن أبي طالب عليه‌السلام بالكوفة في الجامع إذ قام إليه رجل من أهل الشام فقال يا أمير المؤمنين : إني أسألك عن أشياء فقال : أخبرني عن أول ما خلق الله؟ فقال : النور ، وروي في بعض الأخبار (٥) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : أول ما خلق الله نوري ، وفي بعضها : أول ما خلق الله روحي ، وروى الكليني وغيره بأسانيدهم عن أبي عبد الله أنه قال : إن الله خلق العقل ، وهو أول خلق من

__________________

(١) سورة النازعات : ٢٧ ـ ٢٩. (٢) التوحيد للصدوق « ره » : ص ٢٣٦.

(٣) سورة هود : ٧.

(٤) عيون أخبار الرضا : ج ١ ص ٢٤١.

(٥) بحار الأنوار : ج ٥٧ ص ١٩٨ ح ١٤٥ و ١٧٥ ح ١٣٣. والحديث مرويّ عن عليّ عليه‌السلام.

٢٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الروحانيين عن يمين العرش من نوره (١) ، فالخبر الأخير لا يدل على تقدم العقل على جميع الموجودات ، بل على خلق الروحانيين ، ويمكن أن يكون خلقها متأخرا عن خلق الماء والهواء ، وأما الخبران الآخران فيمكن حملهما على الأولية الإضافية والجمع بينهما ظاهر ، لجواز اتحادهما ويمكن حمل أخبار الماء على الأولية الإضافية أيضا بأن يكون خلق الروحانيين مقدما على خلق الماء ، والأول أظهر ويؤيده ما سننقله من خبر الأبرش وقد فصلنا الكلام في هذا المراد في كتاب بحار الأنوار في كتاب العقل وكتاب السماء والعالم (٢). قوله : « فإن بعض من سألته قال القدر » لعل هذا القائل زعم أن تقديره تعالى جوهر ، ويحتمل أن يكون مراده بالقدر اللوح المثبت فيه تقديرات الأمور ، وفي توحيد الصدوق (٣) « القدرة » وهو مبني على قول من قال بزيادة صفاته تعالى وأنها مخلوقة له.

قوله : وقال بعضهم : « القلم » أقول : وقد ورد ذلك في بعض أخبارنا أيضا رواه علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « أول ما خلق الله القلم ، فقال له اكتب فكتب ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة » ولعل المراد الأولية بالإضافة إلى جنسه من الملائكة ، أو بعض المخلوقات وغيرهم ، ويؤيده ما رواه علي بن إبراهيم (٤) أيضا عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عبد الرحيم القصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام : قال : سألته عن ن والقلم؟ قال : إن الله خلق القلم من شجرة في الجنة يقال لها الخلد ، ثم قال : لنهر في الجنة كن مدادا فجمد النهر وكان أشد بياضا من الثلج وأحلى من الشهد ، ثم قال للقلم : اكتب ، قال : يا رب وما اكتب؟ قال : اكتب ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة ، فكتب القلم في ورق أشد بياضا من الفضة وأصفى من الياقوت ، ثم طواه فجعله في ركن العرش ، ثم ختم على فم القلم ، فلم ينطق بعد ولا ينطق أبدا فهو الكتاب المكنون الذي منه النسخ كلها أو لستم عربا ، فكيف لا تعرفون معنى الكلام ، وأحدكم يقول لصاحبه

__________________

(١) أصول الكافي : ج ١ ص ٢١ ح ١٤.

(٢) بحار الأنوار : ج ١ ص ٩٦ ـ ١٠٥.

(٣) نفس المصدر : ج ٥٧ ص ٧٣ ـ ٧٤ ب ١ ج ٤٩ وص ٣٥٧ ـ ٣٧٦ أحادث.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ص ٣٧٩.

٢٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

انسخ ذلك الكتاب أو ليس ينسخ من كتاب آخر من الأصل وهو قوله « إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ » (١).

وروى الصدوق في كتبه (٢) مثل هذا الخبر بأسانيد أخر ، وروى العياشي أيضا بإسناد آخر مثله ، فظهر أن أوليته وإضافيته لتقدم الجنة وغيرها عليه ، وفي التوحيد (٣) « وقال بعضهم العلم » وهو أيضا مبني على ما مر.

قوله عليه‌السلام : « ولا أحد كان قبل عزه » أي لم تكن قبل عزه أحد يكون عزه به واستدل عليه بقوله : « رب العزة » إذ هو يدل على أنه تعالى سبب كل عزة ، فلو كان عزه بغيره كان ذلك الغير رب العزة ، وفي التوحيد « وكان عزيزا ولا عز » لأنه كان قبل عزه وذلك.

قوله عليه‌السلام : (٤) إلخ ولعل المراد أنه كان غالبا وعزيزا قبل أن يظهر عزه وغلبته على الأشياء بخلقها ، ولذا قال : « رب العزة » إذ فعلية العزة وظهورها مسبب عنه ، قوله : « ولو كان أول ما خلق من خلقه الشيء من الشيء » أي لو كان كما تقوله الحكماء كل حادث مسبوق بمادة ، فلا يتحقق شيء يكون أول الأشياء من الحوادث فيلزم وجود قديم سوى الله تعالى ، وهو محال ، وفي التوحيد « وكان خالقا ولا مخلوق » (٥) فأول شيء خلقه من خلقه الشيء الذي جميع الأشياء منه ، وهو الماء ، فقال السائل فالشيء خلقه من شيء أو من لا شيء ، فقال : خلق الشيء لا من شيء كان قبله ولو خلق الشيء من شيء إذا لم يكن له انقطاع ، ولعل هذه الزوائد سقطت من نساخ الكتاب ، ولا يخفى صراحة هذا الخبر في حدوث العالم بالمعنى الذي اتفق عليه المليون ، لا بالحدوث الذاتي الذي تأوله الملحدون.

قوله : « فجعل نسب كل شيء إلى الماء » بأن خلق جميعها منه لآيات قال : « وَجَعَلْنا

__________________

(١) الجاثية : ٢٩.

(٢ و ٣ و ٥) التوحيد : ص ٣٢.

(٤) هكذا في النسخ وفي المصدر : وذلك قوله : « سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ».

٢٢٦

.................................................................................................

______________________________________________________

مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ » (١) لأنه ظاهرا مختص بذوي الحياة ، ولا يشمل كل شيء.

قوله عليه‌السلام : « فخلق من ذلك الزبد أرضا بيضاء » يدل على أن الأرض مخلوق من زبد البحر ، وقد دلت عليه أخبار كثيرة (٢) ، منها ما رواه الصدوق في خبر الشامي « أنه سأل أمير المؤمنين مم خلقت الأرض؟ قال : من زبد الماء » (٣) وروى علي بن إبراهيم (٤) في تفسيره أنه قال أبو عبد الله عليه‌السلام لأبرش الكلبي : « يا أبرش هو كما وصف نفسه كان عرشه على الماء ، والماء على الهواء ، والهواء لا يحد ، ولم يكن يومئذ خلق غيرهما ، والماء يومئذ عذب فرات ، فلما أراد أن يخلق الأرض أمر الرياح فضربت الماء حتى صار موجا ثم أزبد فصار زبدا واحدا فجمعه في موضع البيت ، ثم جعله جبلا من زبد ، ثم دحى الأرض من تحته ، فقال الله تبارك وتعالى : « أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً » (٥) وفي تفسير علي بن إبراهيم فسلط العقيم على الماء فضربته فأكثرت الموج والزبد ، وجعل يثور دخانه في الهواء ، فلما بلغ الوقت الذي أراد : قال للزبد : اجمد فجمد ، وقال للموج : اجمد فجمد ، فجعل الزبد أرضا وجعل الموج جبالا رواسي للأرض (٦). قوله عليه‌السلام : « حتى ثار من الماء دخان » يدل على أن السماوات خلقت من الدخان كما هو ظاهر قوله تعالى : « ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ » (٧) ويدل عليه خبر الأبرش (٨) حيث قال له أبو عبد الله عليه‌السلام : ثم مكث الرب تبارك وتعالى ما شاء ، فلما أراد أن يخلق السماء أمر الرياح فضربت البحور حتى أزبدتها فخرج من ذلك الموج والزبد من وسطه دخان ساطع من غير نار فخلق منه السماء ، وجعل فيها البروج والنجوم ومنازل الشمس والقمر ، فأجراهما في الفلك وكانت السماء خضراء

__________________

(١) سورة الأنبياء : ٣٠.

(٢) بحار الأنوار : ج ٧٥ ص ٨٦ ـ ٨٧ ح ٧١ ـ ٧٣.

(٣) عيون أخبار الرضا : ج ١ ص ٢٤١.

(٤ و ٨) تفسير القمّيّ : ج ٢ ص ٦٩.

(٥) آل عمران : ٦٩.

(٦) تفسير القمّيّ : ج ١ ص ٣٢٢.

(٧) فصّلت : ١١.

٢٢٧

فوضعها فوق الأرض ثم نسب الخليقتين فرفع السماء قبل الأرض فذلك قوله عز ذكره

______________________________________________________

على لون الماء الأخضر ، وكانت الأرض غبراء على لون الماء العذب وكانتا مرتوقتين ليس لهما أبواب ، ولم تكن للأرض أبواب وهو النبت ولم تقطر السماء عليها فتنبت ففتق السماء بالمطر ، والأرض بالنبات وذلك قوله عز وجل « أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما ».

فقال الأبرش : والله ما حدثني بمثل هذا الحديث أحد قط أعد علي فأعاد عليه وكان الأبرش ملحدا فقال : وأنا أشهد أنك ابن نبي الله ثلاث مرات (١) ، ولعل مراده عليه‌السلام بقوله : « من غير نار » كون ارتفاع الدخان بعد خمود النار أو المراد أنه لم يرتفع مع الدخان أجزاء نارية ، قوله تعالى : « السَّماءُ بَناها » (٢).

قال البيضاوي : ثم بين البناء فقال : « رَفَعَ سَمْكَها » أي جعل مقدار ارتفاعها من الأرض أو ثخنها الذاهب في العلو رفيعا « فَسَوَّاها » فعدلها أو فجعلها مستوية أو فتممها بما يتم به كمالها من الكواكب والتداوير وغيرها ، من قولهم سوى فلان أمره إذا أصلحه « وَأَغْطَشَ لَيْلَها » أظلمه منقول من غطش الليل إذا أظلم ، وإنما أضافه إليها لأنه يحدث بحركتها « وَأَخْرَجَ ضُحاها » وأبرز ضوء شمسها كقوله تعالى « وَالشَّمْسِ وَضُحاها » يريد النهار « وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها » بسطها ومهدها.

للسكنى (٣).

قوله عليه‌السلام : « ولا شمس ولا قمر » أي لم يكن لها في أول خلقها شمس ولا قمر ولا نجوم ، ولذا « رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها » فكان حصول هذه الأمور لها بعد خلقها ، وكانت في بدو خلقها قبل رفعها ووضعها وترتيبها خالية عن جميع ذلك.

قوله عليه‌السلام : « ثم نسب الخليقتين » أي رتبهما في الوضع ، وجعل إحداهما

__________________

(١) بحار الأنوار : ح ٥٧ ص ٧٢ ح ٤٧.

(٢) سورة النازعات : ٢٧.

(٣) أنوار التنزيل : ج ٢ ص ٥٣٨. « ط مصر ».

٢٢٨

« وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها » يقول بسطها فقال له الشامي يا أبا جعفر قول الله تعالى :

______________________________________________________

فوق الأخرى ، أو بين نسبة خلقهما في كتابه بقوله « وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها » فبين أن دحو الأرض بعد رفع السماء ، ولنذكر هنا وجه الجمع بين الآيات التي وردت في تقدم خلق الأرض على السماء وتأخره ، إذ زعم بعض الملاحدة أن فيها تناقضا.

فأما الآيات الواردة في ذلك فالأولى منها قوله تعالى : « قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ ، ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ » (١) والثانية قوله تعالى « هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ » (٢) فهاتان الآيتان تدلان على أن خلق الأرض قبل السماء ، والثالثة قوله تعالى : « أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها وَالْجِبالَ أَرْساها » (٣) وظاهرها تأخر خلق الأرض عن السماء.

وأجيب عن هذا الإشكال بوجهين : أحدهما : إن خلق الأرض قبل السماء ، إلا أن دحوها متأخر عن خلق السماء واستشكل بوجهين :

الأول : إن الأرض جسم عظيم فامتنع انفكاك خلقها عن التدحية ، فإذا كانت التدحية متأخرة عن خلق السماء كان خلقها لا محالة أيضا متأخرا عن خلق السماء.

والثاني : إن الآية الثانية تدل على أن خلق الأرض وخلق كل ما فيها مقدم خلق السماء ، وخلق الأشياء في الأرض لا يكون إلا بعد ما كانت مدحوة.

__________________

(١) سورة فصّلت : ١ ـ ٩.

(٢) سورة البقرة : ٢٩.

(٣) سورة النازعات : ٢٧ ـ ٢٩.

٢٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وأجيب عن الأول : بأنا لا نسلم امتناع انفكاك خلق الأرض عن دحوها والمناقشة في إطلاق خلق الأرض على إيجادها غير مدحوة ، مناقشة لفظية وعن الثاني بأن قوله تعالى : « وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها » يقتضي تقدم خلق السماء على دحو الأرض ، ولا يقتضي تقدم تسوية السماء على دحو الأرض فجاز أن تكون تسوية السماء متأخرة عن دحو الأرض ، فيكون خلق الأرض قبل خلق السماء ، وخلق السماء قبل دحو الأرض ، ودحو الأرض قبل تسوية السماء فارتفع التنافي.

ويرد عليه : أن الآية الثالثة تقتضي تقدم تسوية السماء على دحو الأرض ، والثانية تقتضي تقدم خلق الأرض بما فيها عن تسويتها سبع سماوات وخلق ما في الأرض قبل دحوها مستبعد.

ويمكن أن يجاب : بأن المراد بالخلق في الثانية التقدير ، وهو شائع في العرف واللغة أو بأن المراد بخلق ما في الأرض خلق موادها كما أن خلق الأرض قبل دحوها عبارة عن مثل ذلك ، فتكون تسوية السماء متقدمة على دحو الأرض كما هو ظاهر الآية الثالثة ، وهذا الخبر ، أو بأن يفرق بين تسويتها المذكورة في الثالثة وبين تسويتها سبع سماوات كما في الثانية ، وحينئذ فتسويتها مطلقا متقدمة على دحو الأرض وتسويتها سبعا متأخرة عنه ، ولعل هذا أوفق في الجمع.

أو بأن يقال : الفاء في قوله تعالى : « فَسَوَّاها » بمعنى ثم ، والمشار إليه بذلك في قوله تعالى : « وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها » هو بناء السماء وخلقها ، لا مجموع ما ذكر قبله ، أو بأن يقال : كلمة ثم في الثانية للترتيب الذكري ، وتقديم خلق ما في الأرض في معرض الامتنان لمزيد الاختصاص ، فيكون خلق ما في الأرض بعد دحوها كما هو الظاهر ، وتسوية السماء متقدمة عليه وعلى دحو الأرض كما هو ظاهر الآية الثالثة ، لكن هذا لا يخلو عن نوع منافرة لظاهر الآية الأولى ، وقد أوردنا بعض التوجيهات لها في شرح الحديث السابع عشر بعد المائة.

٢٣٠

« أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما » (١) فقال له أبو جعفر عليه‌السلام فلعلك تزعم أنهما كانتا رتقا ملتزقتين ملتصقتين ففتقت إحداهما من الأخرى فقال نعم فقال أبو جعفر عليه‌السلام استغفر ربك فإن قول الله جل وعز « كانَتا رَتْقاً » يقول كانت السماء رتقا لا تنزل المطر وكانت الأرض رتقا لا تنبت الحب فلما خلق الله تبارك

______________________________________________________

وقال البيضاوي : كلمة ثم في آيتي البقرة والسجدة أي الأولى والثانية لتفاوت ما بين الخلقين ، وفضل خلق السماء على خلق الأرض كقوله تعالى : « ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا » لا للتراخي في المدة ، فإنه يخالف ظاهر قوله تعالى : « وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها » فإنه يدل على تأخر دحو الأرض المتقدم على خلق ما فيها عن خلق السماء وتسويتها ، إلا أن يستأنف بدحاها مقدرا لنصب الأرض فعلا آخر دل عليه « أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً » مثل تعرف الأرض وتدبر أمرها بعد ذلك ، لكنه خلاف الظاهر (٢) انتهى.

والوجه الثاني : مما قد أجيب به عن أصل الإشكال أن يقال كلمة بعد في الآية الثالثة ليست لتأخر الزمان ، إنما هو على جهة تعداد النعم والأذكار لها ، كما يقول القائل أليس قد أعطيتك وفعلت بك كذا وكذا ، وبعد ذلك خلطتك ، وربما يكون بعض ما تقدم في اللفظ متأخرا بحسب الزمان ، لأنه لم يكن الغرض الإخبار عن الأوقات والأزمنة ، بل المراد ذكر النعم والتنبيه عليها وربما اقتضت الحال إيراد الكلام على هذا الوجه.

قوله تعالى : « أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا » قال البيضاوي : أي أو لم يعلموا وقرأ ابن كثير بغير واو « أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً » ذات رتق أو مرتوقتين ، وهو الضم والالتحام أي كانتا شيئا واحدا ، وحقيقة متحدة ففتقنا هما بالتنويع والتميز أو كانت السماوات واحدة ففتقت بالتحريكات المختلفة ، حتى صارت أفلاكا وكانت الأرضون واحدة ، فجعلت باختلاف كيفيتها وأحوالها طبقات أو أقاليم.

__________________

(١) سورة الأنبياء : ٣٠.

(٢) أنوار التنزيل : ج ٢ ص ٣٤٥ باختلاف وزيادة.

٢٣١

وتعالى الخلق « وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ » فتق السماء بالمطر والأرض بنبات الحب فقال الشامي أشهد أنك من ولد الأنبياء وأن علمك علمهم.

٦٨ ـ محمد ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن العلاء بن رزين ، عن محمد بن مسلم والحجال ، عن العلاء ، عن محمد بن مسلم قال قال لي أبو جعفر عليه‌السلام كان كل شيء ماء « وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ » فأمر الله عز ذكره الماء فاضطرم نارا ثم أمر النار فخمدت فارتفع من خمودها دخان فخلق الله السماوات من ذلك الدخان وخلق الأرض من الرماد ثم اختصم الماء والنار والريح فقال الماء أنا جند الله الأكبر وقالت الريح أنا جند الله الأكبر وقالت النار أنا جند الله الأكبر فأوحى الله عز وجل إلى الريح أنت

______________________________________________________

وقيل : كانتا بحيث لا فرجة بينهما ففرج ، وقيل : كانتا رتقا لا تمطر ، ولا تنبت ففتقناهما بالمطر والنبات ، فيكون المراد بالسماوات سماء الدنيا وجمعها باعتبار الآفاق أو السماوات بأسرها ، على أن لها مدخلا في الأمطار ، والكفرة وإن لم يعلموا ذلك فهم متمكنون من العلم به نظرا ، فإن الفتق عارض يفتقر إلى مؤثر واجب ابتداء أو بواسطة أو استفسارا من العلماء ومطالعة الكتب ، وإنما قال : كانتا ولم يقل كن لأن المراد جماعة السماوات ، وجماعة الأرض (١) انتهى.

أقول : يظهر من بعض خطب أمير المؤمنين أن المراد بالفتق جعل الفرج بين كل منهما ، حيث قال : « ثم فتق ما بين السماوات العلى فملأهن هن أطوارا من ملائكته (٢) » لكنه ليس بصريح في كونه تفسيرا لهذه الآية.

الحديث الثامن والستون : صحيح.

قوله عليه‌السلام : وخلق الأرض من الرماد ، لعل المراد أن بقية الأرض التي حصلت بعد الدحو كانت مادتها الدخان ، ويحتمل أيضا أن يكون الزبد المذكور في الأخبار الأخر مادة بعيدة للأرض بأن يكون الرماد حصل من الزبد ، ومن الرماد تكونت الأرض ، أو يكون الرماد أحد أجزاء الأرض مزج بالزبد ، فجمد الزبد بذلك المزج وتصلب.

__________________

(١) أنوار التنزيل : ج ٢ ص ٧١ « ط مصر » وبهامشه تفسير الجلالين.

(٢) نهج البلاغة تحقيق صبحي الصالح ص ٤١ « الخطبة ١ ».

٢٣٢

جندي الأكبر.

( حديث الجنان والنوق )

٦٩ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن محمد بن إسحاق المدني ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سئل عن قول الله عز وجل : « يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً » (١) فقال يا علي إن الوفد لا يكونون إلا ركبانا أولئك رجال اتقوا الله فأحبهم الله واختصهم ورضي أعمالهم فسماهم المتقين ثم قال له يا علي أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنهم ليخرجون من قبورهم وإن الملائكة لتستقبلهم بنوق من نوق العز عليها رحائل الذهب مكللة بالدر والياقوت وجلائلها الإستبرق والسندس

______________________________________________________

الحديث التاسع والستون : حديث الجنان والنوق : مجهول.

قوله تعالى : « وَفْداً » أي وافدين ، عليه ، كما تفد الوفاد على الملوك ، منتظرين لكرامتهم ، وإنعامهم قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من نوق العز » النوق بالضم : جمع ناقة أي النوق التي يعز من يركب عليها ، أي نسبت إلى عزه تعالى لرفعتها ، وظهور قدرة الله فيها ، أو هي عزيزة في نفسها.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « رحائل الذهب » كأنه جمع رحالة ككتابة ، وهي السرج أو من جلود لا خشب فيه ، يتخذ للركض الشديد ، قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « مكللة » أي محفوفة مزينة.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « وجلائلها » كأنه كان جلالها بالكسر جمع جل بالضم ، كما هو في تفسير علي بن إبراهيم (٢) « وجلائل » إنما هو جمع جليلة بمعنى الثمام (٣) : ويمكن أن يكون جليلة بمعنى الجل أيضا ، أو يكون جمع جمع ، والإستبرق : الديباج الغليظ فارسي معرب. والسندس : الديباج الرقيق.

__________________

(١) سورة مريم : ٨٥.

(٢) تفسير القمّيّ : ج ٢ ص ٥٣.

(٣) الجليل : الثمام ، واحده جليلة « النهاية : ج ١ ص ٢٨٩ » والثمام : نبت ضعيف قصير لا يطول « النهاية ج ١ ص ٢٢٣ ».

٢٣٣

وخطمها جدل الأرجوان تطير بهم إلى المحشر مع كل رجل منهم ألف ملك من قدامه وعن يمينه وعن شماله يزفونهم زفا حتى ينتهوا بهم إلى باب الجنة الأعظم وعلى باب الجنة شجرة إن الورقة منها ليستظل تحتها ألف رجل من الناس وعن يمين الشجرة عين مطهرة مزكية قال فيسقون منها شربة فيطهر الله بها قلوبهم من الحسد ويسقط من أبشارهم الشعر وذلك قول الله عز وجل : « وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً » من تلك العين المطهرة قال ثم ينصرفون إلى عين أخرى عن يسار الشجرة فيغتسلون فيها وهي عين الحياة فلا يموتون أبدا قال ثم يوقف بهم قدام العرش وقد سلموا من الآفات والأسقام والحر والبرد أبدا قال فيقول الجبار جل ذكره للملائكة الذين معهم احشروا أوليائي إلى الجنة ولا توقفوهم مع الخلائق فقد سبق رضاي عنهم ووجبت رحمتي لهم وكيف أريد أن أوقفهم مع أصحاب الحسنات والسيئات قال فتسوقهم الملائكة إلى الجنة فإذا انتهوا بهم إلى باب الجنة الأعظم ضرب الملائكة الحلقة ضربة

______________________________________________________

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « جدل الأرجوان » قال الجوهري : يقال جدلت الحبل أجد له جدلا : أي فتلته فتلا محكما (١) ، وقال : الأرجوان صبغ أحمر شديد الحمرة. قال :

أبو عبيد وهو الذي يقال له النشاستج ، قال : والبهرمان دونه ، ويقال : أيضا الأرجوان معرب ، وهو بالفارسية أرغوان ، وكل لون يشبهه فهو أرجوان (٢) ، والخطم بضمتين جمع خطام بالكسر : وهو الزمام ، أي أزمتها من حبل مفتول أرغواني.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يزفونهم زفا » أي يذهبون بهم على غاية الكرامة كما يزف العروس إلى زوجها ، أو يسرعون بهم.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ثم يوقف بهم » ظاهره أنهم يردون أولا باب الجنة ثم إلى الموقف ثم يرجعون إلى الجنة.

__________________

(١) الصحاح : ج ٤ ص ١٦٥٣.

(٢) لسان العرب : ج ١٤ ص ٣١٢.

٢٣٤

فتصر صريرا يبلغ صوت صريرها كل حوراء أعدها الله عز وجل لأوليائه في الجنان فيتباشرن بهم إذا سمعن صرير الحلقة فيقول بعضهن لبعض قد جاءنا أولياء الله فيفتح لهم الباب فيدخلون الجنة وتشرف عليهم أزواجهم من الحور العين والآدميين فيقلن مرحبا بكم فما كان أشد شوقنا إليكم ويقول لهن أولياء الله مثل ذلك ـ فقال علي عليه‌السلام يا رسول الله أخبرنا عن قول الله جل وعز « غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ » بما ذا بنيت يا رسول الله فقال يا علي تلك غرف بناها الله عز وجل لأوليائه بالدر والياقوت والزبرجد سقوفها الذهب محبوكة بالفضة لكل غرفة منها ألف باب من ذهب على كل باب منها ملك موكل به فيها فرش مرفوعة بعضها فوق بعض من الحرير والديباج بألوان مختلفة وحشوها المسك والكافور والعنبر وذلك قول الله عز وجل : « وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ » (١) إذا أدخل المؤمن إلى منازله في الجنة ووضع على رأسه تاج الملك والكرامة ألبس حلل الذهب والفضة والياقوت والدر المنظوم في الإكليل

______________________________________________________

قوله : « والآدميين » يظهر منه سبق دخول النساء على دخول الرجال ، ولعله أيضا لكرامة الرجال ، ليتهيأن لهم قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « غرف مبنية » في القراءات المشهورة « غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ » (٢) ولعلها كانت في قراءة أهل البيت عليهم‌السلام ، هكذا قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« محبوكة » قال الفيروزآبادي : الحبك : الشد والأحكام. وتحسين أثر الصنعة في الثوب ، يحبكه وحبكه كأحبكه فهو حبيك ومحبوك ، والتحبيك : التوثيق والتخطيط (٣).

قوله تعالى : « وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ » فسرها عليه‌السلام بنضد بعضها فوق بعض ، كما ذكره أكثر المفسرين ، وقيل : المراد رفيعة القدر ، وقيل : هي كناية عن النساء وارتفاعها هو كونها على الأرائك.

__________________

(١) الواقعة : ٣٤.

(٢) سورة الزمر : ٢٠.

(٣) القاموس : ج ٣ ص ٢٩٢.

٢٣٥

تحت التاج قال وألبس سبعين حلة حرير بألوان مختلفة وضروب مختلفة منسوجة بالذهب والفضة واللؤلؤ والياقوت الأحمر فذلك قوله عز وجل « يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ » (١) فإذا جلس المؤمن على سريره اهتز سريره فرحا فإذا استقر لولي الله جل وعز منازله في الجنان استأذن عليه الملك الموكل بجنانه ليهنئه بكرامة الله عز وجل إياه فيقول له خدام المؤمن من الوصفاء والوصائف مكانك فإن ولي الله قد اتكأ على أريكته وزوجته الحوراء تهيأ له فاصبر لولي الله قال فتخرج عليه زوجته الحوراء من خيمة لها تمشي مقبلة وحولها وصائفها وعليها سبعون حلة

______________________________________________________

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « بألوان مختلفة » قيل : كأنه إشارة إلى أن التحتاني يسع كل الغرفة والذي فوقه لا يسع كلها ، بل يظهر من جوانبها لون التحتاني ، وعلى هذا القياس.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « والياقوت » مبتدأ والإكليل بالكسر : شبه عصابة تزين بالجواهر.

قوله : « اهتز » أي تحرك واستبشر.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من الوصفاء » قال الفيروزآبادي : الوصيف كأمير : الخادم والخادمة ، والجمع وصفاء كالوصيفة ، والجمع وصائف (٢).

قوله : « مكانك » أي ألزم مكانك.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « على أريكته » قال الفيروزآبادي : الأريكة كسفينة : سرير في حجلة أو كل ما يتكأ عليه من سرير ، ومنصة وفراش ، أو سرير منجد مزين في قبة أو بيت ، فإذا لم يكن فيه سرير فهو حجلة (٣).

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « تهيأ له » على صيغة المضارع بحذف إحدى التائين.

__________________

(١) سورة الحجّ : ٢٣.

(٢) القاموس : ج ٣ ص ٢٠٤.

(٣) نفس المصدر : ج ٣ ص ٢٩٢.

٢٣٦

منسوجة بالياقوت واللؤلؤ والزبرجد وهي من مسك وعنبر وعلى رأسها تاج الكرامة وعليها نعلان من ذهب مكللتان بالياقوت واللؤلؤ شراكهما ياقوت أحمر فإذا دنت من ولي الله فهم أن يقوم إليها شوقا فتقول له يا ولي الله ليس هذا يوم تعب ولا نصب فلا تقم أنا لك وأنت لي قال فيعتنقان مقدار خمسمائة عام من أعوام الدنيا لا يملها ولا تمله قال فإذا فتر بعض الفتور من غير ملالة نظر إلى عنقها فإذا عليها قلائد من قصب من ياقوت أحمر وسطها لوح صفحته درة مكتوب فيها أنت يا ولي الله حبيبي وأنا الحوراء حبيبتك إليك تناهت نفسي وإلي تناهت نفسك ثم يبعث الله إليه ألف ملك يهنئونه بالجنة ويزوجونه بالحوراء قال فينتهون إلى أول باب من جنانه فيقولون للملك الموكل بأبواب جنانه استأذن لنا على ولي الله فإن الله بعثنا إليه نهنئه فيقول لهم الملك حتى أقول للحاجب فيعلمه بمكانكم قال فيدخل الملك إلى الحاجب وبينه وبين الحاجب ثلاث جنان حتى ينتهي إلى أول باب فيقول للحاجب إن على باب العرصة ألف ملك أرسلهم رب العالمين تبارك وتعالى ليهنئوا ولي الله وقد سألوني أن آذن لهم عليه فيقول الحاجب إنه ليعظم علي أن أستأذن لأحد على ولي الله وهو

______________________________________________________

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « هي من مسك وعنبر » لعل المراد أن أصل تلك الثياب من نوع من المسك والعنبر ، يمكن نسجها ولبسها أو من شيء عطرة كالمسك والعنبر لكنها نظمت ونسجت بالياقوت واللؤلؤ ، وفي تفسير علي بن إبراهيم صبغن بمسك وعنبر.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « وشراكهما » هو ككتاب سير النعل.

قوله : « تناهت نفسي » التناهي : بلوغ النهاية أي بلغت محبتي وشوقي إليك إلى النهاية ، وفي بعض النسخ تاقت في الموضعين أي اشتاقت ، وهو أظهر قوله :

عز وجل « وَدانِيَةً » قال البيضاوي : حال أو صفة أخرى معطوفة على ما قبلها ،

٢٣٧

مع زوجته الحوراء قال وبين الحاجب وبين ولي الله جنتان قال فيدخل الحاجب إلى القيم فيقول له إن على باب العرصة ألف ملك أرسلهم رب العزة يهنئون ولي الله فاستأذن لهم فيتقدم القيم إلى الخدام فيقول لهم إن رسل الجبار على باب العرصة وهم ألف ملك أرسلهم الله يهنئون ولي الله فأعلموه بمكانهم قال فيعلمونه فيؤذن للملائكة فيدخلون على ولي الله وهو في الغرفة ولها ألف باب وعلى كل باب من أبوابها ملك موكل به ـ فإذا أذن للملائكة بالدخول على ولي الله فتح كل ملك بابه الموكل به قال فيدخل القيم كل ملك من باب من أبواب الغرفة قال فيبلغونه رسالة الجبار جل وعز وذلك قول الله تعالى : « وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ » من أبواب الغرفة « سَلامٌ عَلَيْكُمْ » إلى آخر الآية (١) قال وذلك قوله جل وعز : « وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً » (٢) يعني بذلك ولي الله وما هو فيه من الكرامة والنعيم والملك العظيم الكبير إن الملائكة من رسل الله عز ذكره يستأذنون [ في الدخول ] عليه فلا يدخلون عليه إلا بإذنه فلذلك الملك العظيم الكبير قال والأنهار تجري من تحت مساكنهم وذلك قول الله عز وجل « تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ » (٣) والثمار دانية منهم وهو قوله عز وجل : « وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً » (٤) من قربها منهم يتناول المؤمن من النوع

______________________________________________________

أو عطف على جنة ، أي وجنة أخرى دانية ، عنى أنهم وعدوا جنتين كقوله تعالى : « وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ » وقرأت بالرفع على أنها خبر ظلالها ، والجملة حال أو صفة ، « وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً » معطوف على ما قبله أو حال من دانية ، وتذليل القطوف أن تجعل سهلة التناول ، ولا تمتنع على قطافها كيف شاءوا (٥).

وقال الطبرسي (ره) : « وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها » يعني أن أفياء أشجار تلك الجنة قريبة منهم ، وقيل : إن ظلال الجنة لا تنسخها الشمس كما تنسخ ظلال الدنيا « وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً » أي وسخرت وسهل أخذ ثمارها تسخيرا ، إن قام ارتفعت

__________________

(١) سورة الرعد : ٢٣.

(٢) سورة الإنسان : ٢٠.

(٣) سورة يونس : ٩.

(٤) سورة الإنسان : ١٤.

(٥) أنوار التنزيل : ج ٢ ص ٥٢٦ « ط مصر ».

٢٣٨

الذي يشتهيه من الثمار بفيه وهو متكئ وإن الأنواع من الفاكهة ليقلن لولي الله يا ولي الله كلني قبل أن تأكل هذا قبلي قال وليس من مؤمن في الجنة إلا وله جنان كثيرة معروشات وغير معروشات « وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ » وأنهار من ماء و « أَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ » و « أَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ » فإذا دعا ولي الله بغذائه أتي بما تشتهي نفسه عند طلبه الغذاء من غير أن يسمي شهوته قال ثم يتخلى مع إخوانه ويزور بعضهم بعضا ويتنعمون في جناتهم في « ظِلٍّ مَمْدُودٍ » في مثل ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وأطيب من ذلك لكل مؤمن سبعون زوجة حوراء وأربع نسوة من الآدميين والمؤمن ساعة مع الحوراء وساعة مع الآدمية وساعة يخلو بنفسه على الأرائك متكئا ينظر بعضهم إلى بعض وإن المؤمن ليغشاه شعاع نور وهو على أريكته ويقول لخدامه ما هذا الشعاع اللامع لعل الجبار لحظني فيقول له خدامه قدوس قدوس جل جلال الله بل هذه حوراء من نسائك ممن لم تدخل بها بعد قد أشرفت عليك من خيمتها شوقا إليك وقد تعرضت لك وأحبت لقاءك فلما أن رأتك متكئا على سريرك تبسمت نحوك شوقا إليك فالشعاع الذي رأيت والنور الذي غشيك هو من بياض ثغرها وصفائه ونقائه ورقته قال فيقول ولي الله ائذنوا لها فتنزل إلي فيبتدر إليها ألف وصيف وألف وصيفة يبشرونها بذلك فتنزل إليه من خيمتها وعليها سبعون حلة منسوجة بالذهب والفضة مكللة بالدر والياقوت والزبرجد صبغهن المسك والعنبر بألوان مختلفة يرى مخ ساقها من وراء سبعين حلة طولها سبعون

______________________________________________________

بقدره وإن قعد نزلت عليه حتى ينالها ، وإن اضطجع تدلت حتى تنالها يده (١).

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ومعروشات » أي مرفوعات على ما يحملها ، وغير معروشات أي ملقيات على وجه الأرض قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لعل الجبار لحظني » لعل مراده أنه أفاض علي من أنواره فتقديس الخدام ، إما لما يوهمه ظاهر كلامه ، أو أنه أراد نوعا من اللحظ المعنوي ، لا يناسب رفعة شأنه تعالى.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يرى مخ ساقها » روي في كتاب الاحتجاج عن هشام بن الحكم

__________________

(١) مجمع البيان : ج ١٠ ص ٤١٠.

٢٣٩

ذراعا وعرض ما بين منكبيها عشرة أذرع فإذا دنت من ولي الله أقبل الخدام بصحائف الذهب والفضة فيها الدر والياقوت والزبرجد فينثرونها عليها ثم يعانقها وتعانقه فلا يمل ولا تمل.

قال ثم قال أبو جعفر عليه‌السلام أما الجنان المذكورة في الكتاب فإنهن جنة عدن وجنة الفردوس وجنة نعيم وجنة المأوى قال وإن لله عز وجل جنانا محفوفة بهذه الجنان وإن المؤمن ليكون له من الجنان ما أحب واشتهى يتنعم فيهن كيف يشاء وإذا أراد المؤمن شيئا أو اشتهى إنما دعواه فيها إذا أراد أن يقول سبحانك اللهم فإذا قالها تبادرت إليه الخدم بما اشتهى من غير أن يكون طلبه منهم أو أمر به وذلك قول الله عز وجل : « دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ » (١) يعني الخدام قال « وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ » (٢) يعني بذلك عند ما يقضون من لذاتهم

______________________________________________________

أنه سأل زنديق أبا عبد الله عن مسائل وكان فيما سأل أخبرني عن الحوراء كيف تلبس سبعين حلة ، ويرى زوجها مخ ساقها من وراء حللها وبدنها ، فقال عليه‌السلام : نعم كما يرى أحدكم الدراهم إذا ألقيت في ماء صاف قدره قيد رمح (٣).

قوله تعالى : « سُبْحانَكَ اللهُمَ » قال أمين الدين الطبرسي : يقولون ذلك لا على وجه العبادة ، لأنه ليس هناك تكليف بل يلتذون بالتسبيح ، وقيل : إنهم إذا مر بهم الطير في الهواء يشتهونه قالوا « سُبْحانَكَ اللهُمَ » فيأتيهم الطير فيقع مشويا بين أيديهم ، وإذا قضوا منه الشهوة قالوا الحمد لله رب العالمين ، فيطير الطير حيا ، كما كان ، فيكون مفتتح كلامهم في كل شيء التسبيح ، ومختتم كلامهم التحميد ، ويكون التسبيح في الجنة بدل التسمية في الدنيا عن ابن جريح « وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ » أي تحيتهم من الله سبحانه في الجنة سلام ، وقيل : معناه تحية بعضهم لبعض فيها سلام ، أو تحية الملائكة لهم فيها سلام يقولون : سلام عليكم ، أي سلمتم من الآفات والمكاره التي ابتلي بها أهل النار « وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ».

__________________

(١) يونس : ١٠.

(٢) يونس : ١٠.

(٣) الاحتجاح : ج ٢ ص ٣٥١. بحار الأنوار : ج ١٠ ص ١٨٧.

٢٤٠