مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: مروي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٧٤

٣٠ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن حسان ، عن محمد بن علي ، عن عبد الله بن القاسم ، عن المفضل بن عمر ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عز وجل « فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ » (١) قال إن منا إماما مظفرا مستترا فإذا أراد الله عز ذكره إظهار أمره نكت في قلبه نكتة فظهر فقام بأمر الله تبارك وتعالى.

٣١ ـ محمد بن يحيى ، عن جعفر بن محمد ، عن أحمد بن الحسين ، عن محمد بن عبد الله ، عن محمد بن الفرج قال كتب إلي أبو جعفر عليه‌السلام إذا غضب الله تبارك وتعالى على خلقه نحانا عن جوارهم.

______________________________________________________

زمان الغيبة بأكثر من مائة سنة ، فذكر فيه بعض ما أوردناه من أخبار الغيبة فوافق الخبر المخبر ، وحصل كل ما تضمنه الخبر بلا اختلاف ، وأيضا أخبروا عن الغيبتين الصغرى والكبرى ، فوقعتا على ما أخبروا ، إلى آخر ما ذكره رحمه‌الله في ذلك.

الحديث الثلاثون : ضعيف.

« فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ » قال المفسرون : أي نفخ في الصور والناقور فاعول من النقر بمعنى التصويت ، وأصله القرع الذي هو سبب الصوت وبعده « فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ » وعلى تأويله عليه‌السلام شبه قلب الإمام عليه‌السلام بالصور وما يلقى وينكت فيه بالإلهام من الله تعالى بالنفخ ، ففي الكلام استعارة مكنية وتخييلية ، والنكت التأثير في الأرض بعود وشبهه « ونكتة » مفعول مطلق للنوع.

الحديث الحادي والثلاثون : ضعيف.

« على خلقه » أي أكثرهم « نحانا » أي أبعدنا « عن جوارهم » بكسر الجيم أي مجاورتهم ، ويدل على أن غيبة الإمام عليه‌السلام غضب على أكثر الخلق.

__________________

(١) سورة المدّثّر : ٨.

٦١

باب

ما يفصل به بين دعوى المحق والمبطل في أمر الإمامة

١ ـ علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن سلام بن عبد الله ومحمد بن الحسن وعلي بن محمد ، عن سهل بن زياد وأبو علي الأشعري ، عن محمد بن حسان جميعا ، عن محمد بن علي ، عن علي بن أسباط ، عن سلام بن عبد الله الهاشمي قال محمد بن علي وقد سمعته منه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال بعث طلحة والزبير رجلا من عبد القيس يقال له خداش إلى أمير المؤمنين صلوات الله عليه وقالا له إنا نبعثك إلى رجل طال ما كنا نعرفه وأهل بيته بالسحر والكهانة وأنت أوثق من بحضرتنا من أنفسنا

______________________________________________________

باب ما يفصل به بين دعوى المحق والمبطل في أمر الإمامة

الحديث الأول : سنده الأول مجهول ، والثاني ضعيف ، ومحمد بن الحسن عطف على علي بن إبراهيم ، والعطف على سلام كما توهم بعيد ، وعلي بن محمد عطف على محمد بن الحسن وهو ابن أبان الرازي المعروف بعلان ، وأبو علي الأشعري عطف على محمد بن الحسن أو علي بن إبراهيم ، جميعا : أي سهل ومحمد بن حسان رويا عن محمد بن علي ، والظاهر أنه أبو سمينة لأنه الراوي لكتاب سلام.

« قال محمد بن علي وقد سمعته منه » أي من سلام بلا واسطة ابن أسباط أيضا « وخداش » بكسر الخاء وتخفيف الدال « طال ما كنا » ما مصدرية ، والمصدر فاعل طال.

وقيل : الساحر من له قوة على التأثير في أمر خارج عن بدنه آثارا خارجة عن الشريعة مؤذية للخلق كالتفريق بين الزوجين ، وإلقاء العداوة بين رجلين ، وقيل : هو من يأتي بأمر خارق للعادة مسبب عن سبب يعتاد كونه عنه ، فتخرج المعجزة والكرامة لأنهما لا يحتاجان إلى تقديم أسباب وآلات وزيادة إغفال ، بل إنما تحصلان بمجرد توجه النفوس الكاملة إلى المبدأ وقيل : هو من يتكلم بكلام أو يكتبه

٦٢

من أن تمتنع من ذلك وأن تحاجه لنا حتى تقفه على أمر معلوم واعلم أنه أعظم الناس

______________________________________________________

أو يأتي برقية أو عمل يؤثر في بدن آخر أو عقله أو قلبه من غير مباشرة ، والكاهن هو الذي يتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان ، ويدعي معرفة الأسرار ، وقد كان في العرب كهنة كشق وسطيح (١) وغيرهما ، فمنهم من كان يزعم أن له تابعا من الجن ورئيا (٢) يلقى إليه الأخبار ومنهم من كان يزعم أنه يعرف الأمور بمقدمات وأسباب يستدل بها على مواقعها من كلام من يسأله أو فعله أو حاله ، وهذا يخصونه باسم العراف كالذي يدعي معرفة الشيء المسروق ومكان الضالة ونحوهما ، كذا قال في النهاية.

وفي المغرب : كانت الكهانة في العرب قبل المبعث ، يروى أن الشياطين كانت تسترق السمع فتلقيه إلى الكهنة وتقبله الكفار منهم ، فلما بعث صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحرست السماء بطلت الكهانة ، انتهى.

وقيل : الكهانة عمل يوجب طاعة بعض الجان له فيما يأمره به وهو قريب من السحر أو أخص منه ، وفي الصحاح : الكاهن الساحر وغرضهما لعنهما الله من هذا الكلام أن لا يؤثر ما يراه ويسمعه خداش منه عليه‌السلام من المعجزات فيه فيصير سببا لإيمانه ، بل يحمل ما يشاهد من ذلك على السحر والكهانة المذمومين في الشرع « من أنفسنا » من للتبعيض أو بيان لمن أي من الذين هم منا ومخصوصون بنا كأنفسنا وجارون مجرانا كقوله تعالى : « أَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ » (٣) وفي بعض النسخ في أنفسنا أي بزعمنا ، وكأنه أظهر. « من أن تمتنع » يحتمل أن يكون من بمعنى في أو للسببية ، وعلى التقديرين متعلق بأوثق وتعلقه بنبعثك كما قيل بعيد « من ذلك » أي من المذكور وهو السحر

__________________

(١) شِقّ ـ بكسر الشين ـ وسطيح ـ بفتح السين ـ ، وقيل في وجه تسميته بسطيح إنّه لم يكن بين مفاصله قصب تعمده فكأنّه أبدا منبسطا منسطحا على الأرض لا يقدر على قيام ولا قعود ويقال : كان لا عظم فيه سوى رأسه.

(٢) الرئيّ ـ بفتح الراء وكسرها وتشديد الياء : الجِنّيّ.

(٣) سورة آل عمران : ٦١.

٦٣

دعوى فلا يكسرنك ذلك عنه ومن الأبواب التي يخدع الناس بها الطعام والشراب والعسل والدهن وأن يخالي الرجل فلا تأكل له طعاما ولا تشرب له شرابا ولا تمس له عسلا ولا دهنا ولا تخل معه واحذر هذا كله منه وانطلق على بركة الله فإذا رأيته فاقرأ آية السخرة وتعوذ بالله من كيده وكيد الشيطان فإذا جلست إليه فلا تمكنه

______________________________________________________

والكهانة ، والظرف صلة تمتنع « وأن تحاجه » عطف على تمتنع ، وما قيل : إنه عطف على ذلك أي أوثق من أن تمتنع من أن تحاجه فكأنه جعل « من ذلك » متعلقا بأوثق ، ومن صلة للتفضيل ، وذلك راجعا إلى الذهاب إليه عليه‌السلام أو مبهما يفسره أن تحاجه ولا يخفى بعده « حتى تقفه » من الوقف بمعنى الحبس أي تجسه وتوقفه على أمر معلوم من الصلح أو القتال ، وقيل : يريدان به كون الحق معهما لا معه ، وقيل : هو من الوقف بمعنى الإيقاف ، أي تقيمه فيرجع إلى الأول وفي بعض النسخ بتقديم الفاء على القاف فهو من الفقه بمعنى العلم ، وتعديته بعلى لتضمين معنى الاطلاع ، أو يقرأ على بناء التفعل بحذف إحدى التائين. والتضمين كما مر.

والدعوى تميز غير منون قال في المغرب : الدعوى اسم من الادعاء وألفها للتأنيث فلا تنون انتهى « فلا يكسرنك ذلك » أي الدعوى بتأويل المذكور ، أو عظمها عنه أي عن معارضته عليه‌السلام أرادا عليهما اللعنة تشجيعه على منازعته ، وأن لا ينكسر عن ذلك بدعواه عليه‌السلام الإمامة والخلافة ، والأولوية بالعلم والقرابة وسائر فضائله عليه‌السلام « وأن يخالي الرجل » أي يسأله الاجتماع معه في خلوة.

وآية السخرة هي التي في سورة الأعراف « إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ » إلى قوله « رَبُّ الْعالَمِينَ » وقيل : إلى قوله « قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ » (١) فإطلاق الآية عليهما على إرادة الجنس ، من قرأها حفظ من شر شياطين الجن والإنس « فلا تمكنه من بصرك كله » أي لا تنظر إليه بكل بصرك كما يفعله المستأنس بشخص ، أي لا تنظر إليه كثيرا ، وإنما نهيا عن ذلك لئلا يريا منه شمائله الحسنة وأخلاقه المرضية فيصير سببا

__________________

(١) الآية : ٥٤ ـ ٥٦.

٦٤

من بصرك كله ولا تستأنس به ثم قل له إن أخويك في الدين وابني عمك في القرابة يناشدانك القطيعة ويقولان لك أما تعلم أنا تركنا الناس لك وخالفنا عشائرنا فيك منذ قبض الله عز وجل محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله فلما نلت أدنى منال ضيعت حرمتنا وقطعت رجاءنا

______________________________________________________

لحبه له ، كما أن النهي عما سبق أيضا كان لذلك.

« إن أخويك في الدين » لأن المؤمن أخو المؤمن وهذا حق إلا أنهما لما خرجا على إمامهما خرجا من الدين ودخلا في الكفر « وابني عمك » لأنهما بعد ارتفاع نسبهما ينتهيان إلى بعض أجداده عليه‌السلام لأن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة ، وهما طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة ، وزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة.

« يناشد أنك القطيعة » أي يناشد أنك بالله في قطيعة الرحم ، أي أن لا تقطع رحمهما ، وقيل : يقسمان عليك بقطيعة الرحم وعظم أمرها « أنا تركنا الناس » إشارة إلى إبطائهما عن بيعة الخلفاء الثلاثة وادعائهما كونه عليه‌السلام أحق بذلك منهم ومبادرتهما إلى بيعته عليه‌السلام بعد عثمان ، ثم نقضا بيعتهما لأدنى غرض من الأغراض الدنيوية.

« فيك » أي بسببك « فلما نلت » بكسر النون أي أدركت المطلوب « أدنى » إدراك فيكون أدنى نائب المفعول والمنال مصدرا ، ويكون أدنى مفعولا به ، أي أدركت أدنى مرتبة تنال به المطالب « ضيعت حرمتنا » أي سويت بيننا وبين غيرنا في العطاء ، فإنهما كانا يرجوان منه أن يفضلهما عن غيرهما في العطاء وبذل المناصب الجليلة ، فلما قسم عليه‌السلام ما كان جمع في بيت المال ، أعطى الشريف والوضيع والصغير والكبير كلا منهم ثلاثة دنانير ، ولم يفضلهما على غيرهما ، ثم قسم عليه‌السلام بعد ذلك ما جمع في أيام قلائل على نحو ذلك حتى أخذ عمار بيد غلام له فقال : يا أمير المؤمنين هذا كان عبدا لي وقد أعتقته ، وأعطاه مثل ما أعطى عمارا وغيره ، فثقل ذلك عليهما.

٦٥

ثم قد رأيت أفعالنا فيك وقدرتنا على النأي عنك وسعة البلاد دونك وأن من كان يصرفك عنا وعن صلتنا كان أقل لك نفعا وأضعف عنك دفعا منا وقد وضح الصبح

______________________________________________________

وقولهما : وقطعت رجاؤنا ، إشارة إلى ما نقل من أنهما قالا لأمير المؤمنين عليه‌السلام : قد علمت جفوة عثمان لنا وميلة إلى بني أمية مدة خلافته ، وطلبا منه أن يوليهما الكوفة والبصرة فمنعهما فسخطا وفعلا ما فعلا ، وكان جميع الفتن التي وقعت بعد ذلك متفرعا على نكثهما وبغيهما ، وكانا يلبسان على أهل البصرة وغيرهم ويقولان : نحن نطلب منه دم عثمان وأنه قتل ظلما ، والحال أنهما كانا من قاتليه وخافا من أن يطلبا بدمه ، فأحالاه عليه صلوات الله عليه ، وصارا من الطالبين بدمه ، وذكر ذلك أمير المؤمنين عليه‌السلام في مواضع كما هو مذكور في النهج وغيره.

وقد ذكر الفريقان أن طلحة حرض الناس على قتل عثمان وجمعهم في داره ، وأنه منع الناس ثلاثة أيام من دفنه ، وأن حكيم بن حزام وجبير بن مطعم استنجدا به عليه‌السلام في دفنه ، وأقعد لهم طلحة في الطريق أناسا يرميهم بالحجارة ، فخرج نفر من أهله يريدون به حائطا في المدينة يعرف بحش كوكب ، وكانت اليهود تدفن فيه موتاهم ، فلما صار هناك رجم سريره فهموا بطرحه فأرسل إليهم علي عليه‌السلام فكفهم عنه ثم دفن بحش كوكب ، ونقلوا أنه جادل في دفنه بمقابر المسلمين وقال : إنه ينبغي أن يدفن بمقابر اليهود ، ومن أراد تفصيل القول في ذلك فليراجع إلى كتابنا الكبير.

والنأي : البعد « دونك » منصوب بالظرفية ، أي ورائك من البلاد التي لست فيها « وإن من كان يصرفنا زعما » أن بعض أصحابه عليه‌السلام منعه من إنجاح مطالبهما كعمار وأضرابه ، وهذا باطل لأنه عليه‌السلام كان يعمل بالكتاب والسنة ، وبما يلهمه الله من العلوم اللدنية.

« وقد وضح الصبح » هذا مثل يضرب لمن غفل عن الواضح جدا ، فإن الصبح إذا أضاء يراه كل من له عين « انتهاك لنا » أي مبالغة في هتك حرمتنا ونسبة النكث

٦٦

لذي عينين وقد بلغنا عنك انتهاك لنا ودعاء علينا فما الذي يحملك على ذلك فقد كنا نرى أنك أشجع فرسان العرب أتتخذ اللعن لنا دينا وترى أن ذلك يكسرنا عنك.

فلما أتى خداش أمير المؤمنين عليه‌السلام صنع ما أمراه فلما نظر إليه علي عليه‌السلام وهو يناجي نفسه ضحك وقال هاهنا يا أخا عبد قيس وأشار له إلى مجلس قريب منه فقال ما أوسع المكان أريد أن أؤدي إليك رسالة قال بل تطعم وتشرب وتحل ثيابك وتدهن ثم تؤدي رسالتك قم يا قنبر فأنزله قال ما بي إلى شيء مما ذكرت حاجة قال فأخلو بك قال كل سر لي علانية قال فأنشدك بالله الذي هو أقرب إليك من نفسك الحائل بينك وبين قلبك الذي « يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ

______________________________________________________

والكفر إلينا « فقد كنا نرى » أي الشتم واللعن عادة الجبناء ، وكنا نظنك من الشجعان « دينا » أي عادة والاستفهام للتوبيخ ، و « ترى » أي تظن.

« وهو يناجي نفسه » أي يتلفظ بكلام لا يسمعه غيره « وقال هيهنا » أي أقبل وأت هيهنا « ما أوسع المكان » صيغة التعجب « أنشدك » أي أقسم عليك أو أسألك الذي هو أقرب إليك من نفسك ، لأن قربه سبحانه إما بالعلية وهو تعالى خالق النفس والبدن وجميع العلل سواه ، فهو أقرب من هذه الجهة أو بالعلم وهو سبحاته أعلم بالإنسان وحقيقته وأحواله من نفسه وروحه.

« الحائل بينك » إشارة إلى قوله تعالى « وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ » (١) وقال المفسرون : هذا تمثيل لغاية قربه من العبد ، وإشعار بأنه مطلع على سرائر قلبه ما عسى أن يغفل صاحبه عنه ، أو حث على المبادرة إلى تخلية القلب وتصفيته قبل أن يحول الله بينه وبين صاحبه بالموت وغيره ، أو تخييل لتملكه على قلبه فيفسخ عزائمه ، ويغير مقاصده ويحول بينه وبين الكفر إن أراد سعادته ، وبينه وبين الإيمان إن أراد شقاوته ، وفيه تنبيه وإيماء إلى أنه تعالى سيحول قلبه عن تلك

__________________

(١) سورة الأنفال : ٢٤.

٦٧

وَما تُخْفِي الصُّدُورُ » أتقدم إليك الزبير بما عرضت عليك قال اللهم نعم قال لو كتمت بعد ما سألتك ما ارتد إليك طرفك فأنشدك الله هل علمك كلاما تقوله إذا أتيتني قال اللهم نعم قال علي عليه‌السلامآية السخرة قال نعم قال فاقرأها فقرأها وجعل علي عليه‌السلام يكررها ويرددها ويفتح عليه إذا أخطأ حتى إذا قرأها سبعين مرة قال الرجل ما يرى أمير المؤمنين عليه‌السلام أمره بترددها سبعين مرة ثم قال له أتجد قلبك اطمأن قال إي والذي نفسي بيده قال فما قالا لك فأخبره فقال قل لهما كفى بمنطقكما حجة عليكما ولكن « اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ » زعمتما

______________________________________________________

الحالة إلى الخير والسعادة ، والمراد بخائنة الأعين نظراتها إلى ما لا ينبغي ، وتحريك الجفون للغمز ونحوه ، وبمخفيات الصدور تصوراتها ومكنوناتها التي لم تجر على اللسان ، ولم ينطق بالبيان.

« أتقدم » أي أوصى ، والباء في بما بمعنى في أي أوصى إليك فيما عرضت عليك بشيء ، في القاموس : تقدم إليه في كذا : أمره وأوصاه به « بعد ما سألتك » ما ، مصدرية « ما ارتد إليك طرفك » أي عينك وهو كناية عن الموت الدفعي فإن الميت تبقى عينه مفتوحة.

« آية السخرة » منصوب بتقدير هل علمك آية السخرة « وجعل علي عليه‌السلام » أي شرع « يكررها » أي يأمره بتكريرها « ويرددها » من قبيل عطف أحد المترادفين على الآخر لبيان المبالغة في الفعل « يفتح عليه » أي يسدده ويذكره ما نسي وأخطأ « قال الرجل » لعله قال ذلك في نفسه « ما يرى » استفهام للتعجب « أمره » بالنصب أي في أمره ، والضمير للرجل « بترددها » متعلق بالأمر أي بترديدها وفي بعض النسخ يرددها بصيغة المضارع « اطمأن » أي استأنس بي واستقر على محبتي ، وهذا يدل على أن قراءة هذه الآية سبعين مرة يوجب رفع شر شياطين الجن والإنس ، واطمئنان النفس على الإسلام والإيمان وتنور القلب واليقين.

« بمنطقكما » أي بكلامكما والباء زائدة و « حجة » تميز « لا يهدي » أي لا يوافق

٦٨

أنكما أخواي في الدين وابنا عمي في النسب فأما النسب فلا أنكره وإن كان النسب مقطوعا إلا ما وصله الله بالإسلام وأما قولكما إنكما أخواي في الدين فإن كنتما صادقين فقد فارقتما كتاب الله عز وجل وعصيتما أمره بأفعالكما في أخيكما في الدين وإلا فقد كذبتما وافتريتما بادعائكما أنكما أخواي في الدين وأما مفارقتكما الناس منذ قبض الله محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله فإن كنتما فارقتماهم بحق فقد نقضتما ذلك الحق بفراقكما

______________________________________________________

للصواب « زعمتما » أي ادعيتما « وإن كان النسب » إن وصلية « مقطوعا » أي غير معتبر ولا تجب رعايته لقوله تعالى : « لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ » (١) ولعل المراد النسب الظاهري أو سلم عليه‌السلام ذلك للمصلحة وإلا فقد وردت أخبار في القدح في نسب طلحة وفيه إشارة إلى أنهما خرجا ببغيهما عن الإسلام.

« فإن كنتما صادقين » هذا الكلام يحتمل وجهين :

الأول : إنكما لم تؤمنا أصلا بل كنتما منافقين ، فإن صدقتما في إنكما كنتما مؤمنين قبل البغي فقد خرجتما بعده وارتددتما باستحلالكما قتال من أوجب الله طاعته وإلا فقد كذبتما بادعائكما الإيمان رأسا.

الثاني : إنكما قد أثبتما لي الدين أولا ولا تدعيان علي خروجا عن الدين لكن ادعيتما إنكما أيضا على الدين فإن كنتما صادقين في ذلك فقد خالفتما كتاب الله في عدم رعاية الأخ في الدين والخروج عليه ، وإن كنتما كاذبين في ذلك فقد أقررتما بفسقكما وكذبكما ، وضمير أمره لله أو للكتاب ، والافتراء اختلاق الكذب عمدا « وأما مفارقتكما الناس » أي لي كما صرحا به في قولهما تركنا الناس لك « فإن كنتما » توسط كنتما بين إن الشرطية وبين الفعل لنقل الفعل إلى الماضي وحاصل الكلام أنه لا يخرج الحق من أمرين إما أن يكون الإمامة والخلافة بالنص أو بالبيعة ، فإن كانت بالنص فمعلوم أنه لا نص إلا علي فمفارقتكما الخلفاء السابقين كان حقا ، لكن

__________________

(١) سورة المجادلة : ٢٢.

٦٩

إياي أخيرا وإن فارقتماهم بباطل فقد وقع إثم ذلك الباطل عليكما مع الحدث الذي أحدثتما مع أن صفقتكما بمفارقتكما الناس لم تكن إلا لطمع الدنيا

______________________________________________________

رجعتم عن ذلك الحق بمفارقتكم إياي أخيرا لأني على ذلك كنت إماما أولا وآخرا ، وإن كانت الخلافة بالبيعة وكانت مفارقتكما لهم باطلا فقد صدر عنكم كفران بل أربعة لأنكم بادعائكما فارقتم هؤلاء الخلفاء وفارقتموني أيضا بعد البيعة ولزوم الحجة ، فقد كنتم منذ قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الآن عاصين مخالفين للخلفاء والأئمة وهذه حجة تامة لا محيص لهم عنها.

« وإن فارقتماهم » أي وإن كنتما فارقتماهم ، والحدث عبارة عن مفارقتهما إياه ومعصيتهما لله ولرسوله بإخراج عامله من البصرة وقتل مواليه ، وإخراج حرمة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن خدرها وإحداث الفتنة بين المسلمين « مع أن صفتكما (١) » من إضافة المصدر إلى الفاعل أو إلى المفعول ، والفاعل مقدر أي وصفتكما إياكما قيل وقوله : زعمتما ، جملة معترضة أو نعت للدنيا لأن لامها للعهد الذهني.

وأقول : الظاهر عندي أن العلاوة لاستدراك ما يتوهم من الكلام السابق أنهما على تقدير كون مفارقتهما بحق أخطئا خطأ واحدا وهو المفارقة عنه عليه‌السلام أخيرا ، وأما أول أمرهما فكان صوابا واستحقا أجرا فاستدرك عليه‌السلام ذلك بأن أصل المفارقة وإن كان حقا لكن لما اعترفا بأن ذلك لم يكن لله بل بطمع الدنيا فلم يكن فعلهما من هذه الجهة خيرا ، ولم يستحقا ثوابا ، بل استحقاقه (٢) عقابا كصلاة المرائي كذا خطر بالبال في حل الكلام من أوله إلى هنا وهو في غاية الاستقامة.

ويحتمل عندي وجها آخر ، وأن يكون بناء الوجهين في الكلام الأول كليهما على ما لاح من كلامهما من أن الحق كان معه لا مع السابقين ، وكان ذلك مقررا معهودا بينهما وبينه عليه‌السلام ، فحاصل الترديد أنه إن فارقتماهم بحق أي بسبب أمر حق ونية صادقة وهو كوني على الحق وكونهم على الباطل فقد أحبطتم ذلك

__________________

(١) وفي المتن « صفقتكما .... » وسيأتي الإشارة إليه في كلام الشارح (ره) أيضا.

(٢) كذا في النسخ والظاهر « استحقّا ».

٧٠

زعمتما وذلك قولكما فقطعت رجاءنا لا تعيبان بحمد الله من ديني شيئا

______________________________________________________

بارتدادكما ومفارقتكما أخيرا ، وإن كان فراقكما عنهم للأغراض الدنيوية ولأمر باطل وإن كان أصله حقا فلما أوقعتموه بنية باطلة فعليكما وزر ذلك منضما إلى أو زار الأعمال الأخيرة فالاستدراك لبيان أن الشق الأخير متعين باعترافكم ، والترديد إنما هو بحسب بادي النظر وقد يحمل الكلام على وجوه أخر : الأول : ما ذكره صاحب الوافي في قوله : مع الحدث الذي أحدثتما وهو نصرتكما لي مع أني كنت على الباطل بزعمكما ، مع أن أي وصفكما أنفسكما بمفارقة الناس لأجلي قبل ذلك ، وإنما نسبه إلى وصفهما لأنهما لم يفارقا الناس في السر وإنما كانا يرائيان ذلك له نفاقا وفي بعض النسخ : صفقتكما أي بيعتكما إياي فإن الصفق ضرب إحدى اليدين على الأخرى عند البيعة « زعمتما » أي زعمتما إنكما تصيبانها بتلك المفارقة ، انتهى.

الثاني : ما ذكره بعض مشايخي وهو أن المعنى أنكم إن فارقتم الناس لأجلي مع كوني مبطلا فقد لزمكم وزر تلك المفارقة وأنتم تعلمون واقعا أني على الحق ، فلزمكم وزر مفارقتي ، فلزمكم الإثم من جهتين متناقضتين.

الثالث : ما ذكره بعضهم أيضا وهو أن مفارقتهم وموافقتي إن كان باطلا فقد لزمكم هذا الإثم مع إثم سفك دماء المسلمين وإبراز زوجة الرسول عليه‌السلام وأمثال ذلك فإنها في أنفسها قبيحة وإن كنت مبطلا ، ولا يخفى بعد تلك الوجوه لفظا ومعنى ، وظهور ما ذكرناه من الوجهين بل الأول منهما متعين فخذ وكن من الشاكرين.

« لا تعيبان بحمد الله » كأنه كالنتيجة لما مر أي يلزمكم الإثم والعيب ونقص الدين على أي وجه كان ولا يمكنكم بحمد الله إلزامي بشيء من المعصية والنقص في الدين أو المعنى لم يكن قطع رجائكم مما يوجب لي نقصا وعيبا ، وقيل : هو لدفع دخل وهو أن يقولا كنا نرجو أن يكون دينك غير معيوب فقطعت رجاؤنا بشيء معيوب في دينك.

٧١

وأما الذي صرفني عن صلتكما فالذي صرفكما عن الحق وحملكما على خلعه من رقابكما كما يخلع الحرون لجامه و « هُوَ اللهُ رَبِّي » لا أشرك به شيئا فلا تقولا أقل نفعا وأضعف دفعا فتستحقا اسم الشرك مع النفاق وأما قولكما إني أشجع فرسان العرب وهربكما من لعني ودعائي فإن لكل موقف عملا إذا اختلفت الأسنة وماجت لبود الخيل وملأ سحراكما أجوافكما فثم

______________________________________________________

« وأما الذي صرفني » أي نهاني ومنعني عن صلتكما ووفقني للعمل بمقتضى نهيه « فالذي صرفكما عن الحق » أي خذلكما ووكلكما إلى أنفسكما بسوء اختياركما حتى اخترتم الباطل كقوله تعالى : « يُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ » (١) وأمثاله ، وقد مضي تأويل الأخبار والآيات الموهمة للجبر ، أو المراد أن صار في عن الصلة هو سوء عقيدتكم وسريرتكم التي حملكم على نقض البيعة والصارف عن الصلة في الحقيقة هو الله تعالى لأنه أمر بعدم صلة الكافر ، وبعبارة أخرى : إن كنتما تريدان الحالة الصارفة فهي ما أنتم عليه من النفاق ، وإن كنتما تريدان الناهي عن ذلك فهو الله تعالى وقال الجوهري : فرس حرون لا ينقاد ، وإذا اشتد به الجري وقف.

« وهربكما » أي فراركما وكأنه كان هزؤكما « إذا اختلفت » أي جاءت وذهبت والأسنة جمع سنان وهو نصل الرمح « وماجت » أي تحركت واضطربت وهذا من أحسن الاستعارات ، واللبود بالضم جمع اللبد بالكسر ، وهو الشعر المتراكم فوق عنق الفرس وبين كتفيه ، والسحر بالضم وبالتحريك الرية ويقال للجبان قد انتفخ سحرة ذكره الجوهري.

وكمال القلب اطمئنانه وعدم اضطرابه وشدة يقينه والغرض أن اللعن لا ينافي الشجاعة فإن كل موقف يناسبه عمل فعند الحرب والطعن والضراب وقبل الانتهاء إليها يناسب الوعظ والزجر والتخويف والتهديد ، فإن في النهي عن المنكر لا بد من الترقي من الأدنى إلى الأعلى ، وأيضا كان يجب عليه صلوات الله عليه أن يظهر

__________________

(١) سورة إبراهيم : ٢٧.

٧٢

يكفيني الله بكمال القلب وأما إذا أبيتما بأني أدعو الله فلا تجزعا من أن يدعو عليكما رجل ساحر من قوم سحرة زعمتما اللهم أقعص الزبير بشر قتلة واسفك دمه على ضلالة وعرف طلحة المذلة وادخر لهما في الآخرة شرا من ذلك إن كانا ظلماني وافتريا علي وكتما شهادتهما وعصياك وعصيا رسولك في قل آمين قال خداش :

______________________________________________________

للناس كفرهم ووجوب البراءة عنهم « وأما إذا أبيتما بأني » الباء للسببية أي إن كان إباؤكما عن اللعن لمنافاته لشجاعتي فقد بينت عدم المنافاة وإن كان للخوف من استجابة دعائي عليكم فلا يناسب حالكم لأنكما تدعيان أني ساحر من جملة قوم سحرة ، لقولهما لعنة الله عليهما : طالما نعرفه وأهل بيته بالسحر والكهانة فنسبا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضا إلى السحر « فلا تجزعا » فإن الساحر لا يفلح حيث أتى.

« زعمتما » معترضة أي ادعيتما ذلك والقعص والإقعاص القتل السريع ، قال الجوهري : يقال ضربه فأقعصه أي قتله مكانه ، وفي القاموس : قعصه كمنعه قتله مكانه كأقعصه ، انتهى.

واسفك أمر من باب ضرب « على ضلاله (١) » أي لضلاله أو كائنا على ضلاله وفي بعض النسخ على ضلالة بالتاء ، وقد استجاب الله دعاءه عليه‌السلام فيهما ، فإن الزبير خرج من المعركة في ابتداء القتال ، فلحقه رجل من بني تميم فقتله وطلحة قتل في ابتداء القتال في المعركة.

« إن كانا ظلماني » بمخالفتهما له ونكثهما بيعته وإنكارهما خلافته « وافتريا علي » بأن نسبا إليه عليه‌السلام قتل عثمان ونسباه إلى السحر والكذب وغير ذلك وكتما شهادتهما بأن كتما ما سمعاه من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه كما روي أنه عليه‌السلام طلب الزبير بين الصفين فقال له : أما تذكر يا زبير يوم لقيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بني ضبة وهو راكب على حمار ، فضحك إلى وضحكت إليه فقال : أتحبه يا زبير؟ فقلت : والله إني

__________________

(١) وفي المتن « على ضلالة » بالتاء وسيأتي الإشارة إليه في كلام الشارح (ره) أيضا.

٧٣

آمين.

ثم قال خداش لنفسه والله ما رأيت لحية قط أبين خطأ منك حامل حجة ينقض بعضها بعضا لم يجعل الله لها مساكا أنا أبرأ إلى الله منهما قال علي عليه‌السلام ارجع إليهما وأعلمهما ما قلت قال لا والله حتى تسأل الله أن يردني إليك عاجلا وأن يوفقني لرضاه فيك ففعل فلم يلبث أن انصرف وقتل معه يوم الجمل رحمه‌الله.

٢ ـ علي بن محمد ومحمد بن الحسن ، عن سهل بن زياد وأبو علي الأشعري ، عن محمد بن حسان جميعا ، عن محمد بن علي ، عن نصر بن مزاحم ، عن عمرو بن سعيد ، عن جراح بن عبد الله ، عن رافع بن سلمة قال كنت مع علي بن أبي طالب صلوات الله

______________________________________________________

لأحبه فقال : إنك ستقاتله وأنت له ظالم ، ولينصرن عليك فقال : أستغفر الله ، لو ذكرت هذا ما خرجت ، ثم نادى عليه‌السلام طلحة بعد أن رجع الزبير فقال له : أما سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول في : اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وأنت أول من بايعني ثم نكثت ، وقد قال الله تعالى : « فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ » (١) فقال : أستغفر الله ثم رجع.

« لحية » أي ذا لحية « خطأ » تميز ، والمساك بالكسر مصدر باب المفاعلة ، والمراد به ما يتمسك به أي يمسك بعض أجزاء كلامه بعضا ولا تتناقض ، وفي القاموس ما فيه مساك ككتاب ومسكة بالضم وكأمير : خير يرجع إليه « لرضاه » أي لما يرضيه « إن انصرف » إن زائدة لتأكيد الاتصال.

ثم اعلم أن مناسبة هذا الخبر لهذا الباب باعتبار إخباره عليه‌السلام بما جرى بين خداش وبينهما وصرف قلبه إلى الحق سريعا مع نهاية تعصبه ورسوخه في الباطل واستجابة دعائه عليه‌السلام فيهما وإتمامه الحجة عليهما ، على وجه لم يبق للسامع شك ، وكل ذلك يفرق به بين المحق والمبطل.

الحديث الثاني : ضعيف ، وفي القاموس : النهروان بفتح النون وتثليث الراء

__________________

(١) سورة الفتح : ١٠.

٧٤

عليه يوم النهروان فبينا علي عليه‌السلام جالس إذ جاء فارس فقال السلام عليك يا علي فقال له علي عليه‌السلام وعليك السلام ما لك ثكلتك أمك لم تسلم علي بإمرة المؤمنين قال بلى سأخبرك عن ذلك كنت إذ كنت على الحق بصفين فلما حكمت الحكمين برئت منك وسميتك مشركا فأصبحت لا أدري إلى أين أصرف ولايتي

______________________________________________________

وبضمهما ثلاث قرى أعلى وأوسط وأسفل هن بين واسط وبغداد ، انتهى.

ويظهر من الخبر أنه يطلق على النهر الواقع فيها أيضا وإن احتمل تقدير مضاف فيه ، وفي النهاية : فيه أنه قال لبعض أصحابه : ثكلتك أمك أي فقدتك والثكل فقد الولد والمرأة ثاكل وثكلى ورجل ثاكل وثكلان كأنه دعا عليه بالموت لسوء فعله أو قوله والموت يعم كل أحد ، فإذا الدعاء عليه كلا دعاء أو أراد إن كنت هكذا فالموت خير لك لئلا تزداد سوءا ، ويجوز أن يكون من الألفاظ التي تجري على ألسنة العرب ولا يراد بها الدعاء كقولهم : تربت يداك وقاتلك الله ، انتهى.

والإمرة بكسر الهمزة وسكون الميم اسم من أمر علينا إذا ولي ، أي لم تقل السلام عليك يا أمير المؤمنين و « بلى » مبني على أن « مالك » بمعنى ألا تخبرني « كنت » بصيغة الخطاب والخبر محذوف أي كنت أمير المؤمنين أو بصيغة المتكلم أي كنت مسلما عليك بالأمارة « إذ كنت » بصيغة الخطاب واحتمال التكلم كما قيل بعيد ، وإذ ظرف مضاف إلى الجملة ، وصفين كسكين موضع حرب أمير المؤمنين عليه‌السلام ومعاوية « فلما حكمت الحكمين برئت منك » قد بينا في كتابنا الكبير أنه عليه‌السلام لم يكن راضيا بالتحكيم وقد غلبه عليه أكثر أصحابه حتى أذن لهم به كرها لما قامت الفتنة ولم يكن تسكينها إلا بذلك فإن معاوية لعنه الله لما أحس بالغلبة لأمير المؤمنين عليه‌السلام ليلة الهرير فزع إلى عمرو بن العاص في ذلك وهو لما كان يعلم قلة عقل أكثر أصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام رأى له أن يكيدهم برفع المصاحف ليمهلوا في الحرب وتقع الفتنة والاختلاف بين أصحابه عليه‌السلام وكان الأشتر رضي‌الله‌عنه صبيحة تلك الليلة قد أشرف على الظفر وظهرت له أمارات الفتح فلما أصبحوا رفعوا المصاحف على أطراف الرماح

٧٥

والله لأن أعرف هداك من ضلالتك أحب إلي من الدنيا وما فيها فقال له علي عليه‌السلام

______________________________________________________

وكان عددها خمسمائة مصحف ورفعوا مصحف المسجد الأعظم على ثلاثة رماح مشدودة يمسكها عشرة رهط ونادوا بأجمعهم : الله الله معشر العرب في النساء والبنات ، الله الله في دينكم ، هذا كتاب الله بيننا وبينكم! فاختلف أصحابه عليه‌السلام فقالت طائفة : القتال القتال ، وقال أكثرهم : المحاكمة إلى الكتاب ولا يحل لنا القتال وقد دعينا إلى حكم الكتاب ، فقال عليه‌السلام : أيها الناس إني أحق من أجاب إلى الكتاب ، ولكن معاوية وعمرو بن العاص وابن أبي معيط ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن ، إني أعرف بهم منكم ويحكم إنها كلمة حق يراد بها باطل ، وإنهم رفعوها للخديعة والمكر والوهن ، أعينوني ساعة واحدة فقد بلغ الحق مقطعة ولم يبق إلا أن يقطع دابر القوم الذين ظلموا.

فجاء عشرون ألفا من أصحابه عليه‌السلام ونادوه باسمه دون أمير المؤمنين : أجب القوم إلى كتاب الله إذا دعيت وإلا قتلناك كما قتلنا عثمان! فقال عليه‌السلام : ويحكم أنا أول من أجاب إلى كتاب الله وأول من دعا إليه فكيف لا أقبله ، وإنما أقاتلهم ليدينوا بحكم القرآن ولكني قد أعلمتكم أنهم قد كادوكم وليس العمل بالقرآن يريدون؟ فقالوا : ابعث إلى الأشتر يأتيك فبعث إليه فرجع على كره منه وأكرهوه عليه‌السلام على الرضا بالحكمين ، فلما رضي بذلك قطعا للفتنة قال أكثرهم : قد كفر حيث رضي بحكم غير الله ولا حكم إلا لله فوعظهم واحتج عليهم فلم ينفعهم ذلك إلى أن حاربهم في النهروان وقتلوا إلا تسعة منهم هربوا وانتشروا في البلاد ، وبقي آثارهم لعنهم الله إلى الآن.

وقيل : انهزم اثنان منهم إلى عمان ، واثنان إلى كرمان ، واثنان إلى سجستان واثنان إلى الجزيرة ، وأحد إلى تل موزن (١) وأصيب من أصحابه عليه‌السلام ثمانية ، وإليه أشار بقوله : مصارعهم دون النطفة لا يفلت منهم عشرة ولا يهلك منهم

__________________

(١) قال ياقوت : « تل مَوزَن » ـ بفتح الميم وسكون الواو وفتح الزاي ـ بلد قديم بين « رأس عين » و « سروج » ، وهو بلد قديم يزعم أنّ جالينوس كان به.

٧٦

ثكلتك أمك قف مني قريبا أريك علامات الهدى من علامات الضلالة فوقف الرجل قريبا منه فبينما هو كذلك إذ أقبل فارس يركض حتى أتى عليا عليه‌السلام فقال يا أمير المؤمنين أبشر بالفتح أقر الله عينك قد والله قتل القوم أجمعون فقال له من دون النهر أو من خلفه قال بل من دونه فقال كذبت والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لا يعبرون أبدا حتى يقتلوا فقال الرجل فازددت فيه بصيرة فجاء آخر يركض على فرس له فقال له مثل ذلك فرد عليه أمير المؤمنين عليه‌السلام مثل الذي رد على صاحبه

______________________________________________________

عشرة (١).

« مني قريبا » الظرف متعلق بقريبا « أريك » استيناف بياني ، وفي بعض النسخ أرك مجزوما جوابا للأمر « من علامات الضلالة » أي مميزا منها ، والركض : تحريك الرجل حثا للفرس على العدو « أبشر » على بناء الأفعال يقال : بشرته بمولود فأبشر إبشارا أي سر.

وإقرار العين كناية عن إدخال السرور التام ، والقوم عبارة عن الخوارج لعنهم الله « من دون النهر » بتقدير الاستفهام و « من » بمعنى في ودون النهر عبارة عن جانبه الذي يلي أمير المؤمنين عليه‌السلام في ذلك اليوم وخلفه عن جانبه الآخر الذي كانت فيه المحاربة بين العسكرين « فلق الحبة » أي شقها للإنبات « وبرء النسمة » أي خلق الحيوان وكثيرا ما كان عليه‌السلام يقسم بهما لأنهما من أخص صفاته تعالى.

« فازددت فيه بصيرة » أي فيما كنت توهمت من ضلالته عليه‌السلام حيث كذب المخبر الذي ظاهر كلامه الصدق لأنه كان من المسلمين ، ولقرب المسافة بينهما وبعد كذب مثله وقيل : إنما ازداد الرجل بصيرة بتكذيبه عليه‌السلام المخبر الأول لما رأي من جرأته

__________________

(١) قاله عليه‌السلام لمّا عزم على حرب الخوارج وقيل له : إنّ القوم قد عبروا جسر النهروان. ذكره الشريف الرضيّ (ره) في نهج البلاغة ثمّ قال : يعني بالنطفة ماء النهر وهي أفصح كناية عن الماء وإن كان كثيرا جمّا.

٧٧

قال الرجل الشاك وهممت أن أحمل على علي عليه‌السلام فأفلق هامته بالسيف ثم جاء فارسان يركضان قد أعرقا فرسيهما فقالا أقر الله عينك يا أمير المؤمنين أبشر بالفتح قد والله قتل القوم أجمعون فقال علي عليه‌السلام أمن خلف النهر أو من دونه قالا لا بل من خلفه إنهم لما اقتحموا خيلهم النهروان وضرب الماء لبات خيولهم رجعوا فأصيبوا فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام صدقتما فنزل الرجل عن فرسه فأخذ بيد أمير المؤمنين عليه‌السلام وبرجله فقبلهما فقال علي عليه‌السلام هذه لك آية.

٣ ـ علي بن محمد ، عن أبي علي محمد بن إسماعيل بن موسى بن جعفر ، عن أحمد بن القاسم العجلي ، عن أحمد بن يحيى المعروف بكرد ، عن محمد بن خداهي ، عن عبد الله بن أيوب ، عن عبد الله بن هاشم ، عن عبد الكريم بن عمرو الخثعمي ، عن حبابة الوالبية قالت رأيت أمير المؤمنين عليه‌السلام في شرطة الخميس ومعه درة لها سبابتان يضرب

______________________________________________________

عليه‌السلام على تكذيب المدعى للمشاهدة المعطية لليقين بالغيب ، الدال على أنه على بينة من أمره ، ويحتمل أن يكون ازددت بمعنى استزدت ، يعني طلبت فيه زيادة بصيرة واستقصرت تلك البصيرة الحاصلة ، وهذا المعنى أولى لأنه لم تكن له بصيرة فيه قبل ذلك أصلا حتى يكون قد ازدادها بذلك ، انتهى.

ولعل ما ذكرنا ، أولا أولى.

« وهممت » أي قصدت ، والهامة بالتخفيف الرأس « فلما اقتحموا » الظاهر أقحموا وعلى ما في الكتاب يحتمل أن يكون خيلهم مرفوعا بدلا من الضمير ، أي اقتحم فرسانهم ، قال في القاموس : قحم الأمر كنصر قحوما : رمى بنفسه فيه فجأة بلا روية ، وقحمه تقحيما وأقحمته فانقحم واقتحم وأقحم فرسه النهر : أدخله ، انتهى.

وفي بعض النسخ فامتحنوا.

واللبة : الوهدة بين الصدر والعنق.

الحديث الثالث : مجهول.

وحبابة بفتح الحاء وتخفيف الباء ومنهم من يشدد ولعله تصحيف ، والوالبية

٧٨

بها بياعي الجري والمارماهي والزمار ويقول لهم يا بياعي مسوخ بني إسرائيل وجند بني مروان فقام إليه فرات بن أحنف فقال يا أمير المؤمنين وما جند بني مروان قال فقال له أقوام حلقوا اللحى وفتلوا الشوارب فمسخوا فلم أر ناطقا أحسن نطقا

______________________________________________________

نسبة إلى والبة موضع بالبادية من اليمن ، وفي النهاية : الشرطة : أول طائفة من الجيش تشهد الواقعة ، والخميس : الجيش سمي به لأنه مقسوم بخمسة أقسام ، المقدمة ، والساقة ، والميمنة ، والميسرة ، والقلب ، وقيل : لأنه تخمس فيه الغنائم انتهى.

والدرة بكسر الدال وتشديد الراء : السوط ، والسبابة بالتخفيف : رأس السوط ، والجري بكسر الجيم وتشديد الراء والياء : نوع من السمك لا فلوس له وكذا المار ما هي بفتح الراء ، وكذا الزمار بكسر الزاء وتشديد الميم ، ويظهر من الخبر أن الجري غير المار ما هي ، ومن كلام بعض اللغويين أنهما واحد ، قال في المغرب : الجري : الجريث وهو ضرب من السمك ، وفي النهاية ، الجريث نوع من السمك يشبه الحيات ، ويقال لها بالفارسية : مارماهي.

والمسوخ بضم الميم والسين جمع المسخ بالفتح ، وإنما سموا بالمسوخ لكونها على خلقتها وليست من أولادها لأنهم ماتوا بعد ثلاثة أيام كما ورد في الخبر.

« وجند بني مروان » قوم كانوا في الأمم السالفة ، ويقال : فتله يفتله أي لواه.

واستدل به على حرمة حلق اللحية بل تطويل الشارب ، ويرد عليه أنه إنما يدل على حرمتهما أو أحدهما في شرع من قبلنا لا في شرعنا ، فإن قيل : ذكره عليه‌السلام ذلك في مقام الذم يدل على حرمتهما في هذه الشريعة أيضا؟ قلنا : ليس الإمام عليه‌السلام في مقام ذم هذين الفعلين بل في مقام ذم بيع المسوخ بهذا السبب كما أن مسوخ بني إسرائيل مسخوا لصيد السبت وذكرهم هنا لا يدل على تحريمه ، نعم يدل بعض الأخبار على التحريم وفي سندها أو دلالتها كلام ليس هذا المقام محل

٧٩

منه ثم اتبعته فلم أزل أقفو أثره حتى قعد في رحبة المسجد فقلت له يا أمير المؤمنين ما دلالة الإمامة يرحمك الله قالت فقال ائتيني بتلك الحصاة وأشار بيده إلى حصاة فأتيته بها فطبع لي فيها بخاتمه ثم قال لي يا حبابة إذا ادعى مدع الإمامة فقدر أن يطبع كما رأيت فاعلمي أنه إمام مفترض الطاعة والإمام لا يعزب عنه شيء يريده قالت ثم انصرفت حتى قبض أمير المؤمنين عليه‌السلام فجئت إلى الحسن عليه‌السلام وهو في مجلس أمير المؤمنين عليه‌السلام والناس يسألونه فقال يا حبابة الوالبية فقلت نعم يا مولاي فقال هاتي ما معك قال فأعطيته فطبع فيها كما طبع أمير المؤمنين عليه‌السلام قالت ثم أتيت الحسين عليه‌السلام وهو في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقرب ورحب ثم قال لي إن في الدلالة دليلا على ما تريدين أفتريدين دلالة الإمامة فقلت نعم

______________________________________________________

إيراده.

« أقفو أثره » أي أمشي خلفه ، وقال في المغرب : رحبة المسجد : ساحته ، وأما ما في حديث علي عليه‌السلام أنه وصف وضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في رحبة الكوفة فإنها دكان في وسط مسجد الكوفة كان يقعد فيه ويعظ ، انتهى.

والدلالة بتثليث الدال : البرهان « لا يعزب عنه شيء يريده » أي لا يغيب عنه ولا يمتنع عليه لأنه مكرم عند الله ولا يريد إلا ما أراد الله ، ولا يشاء إلا أن يشاء الله.

وقولها : نعم موضع لبيك ، مبني على أنه لم تكن لها سابقه مع الحسن عليه‌السلام فحملت قوله على أن مراده هل أنت حبابة؟ « فقال هاتي » أي أعطيني « فقرب » أي دعاني إلى مكان قريب منه « ورحب » أي قال لي مرحبا ، أو وسع لي في المكان ، قال في النهاية مرحبا أي لقيت رحبا وسعة ، وقيل : معناه رحب الله بك مرحبا فجعل الرحب موضع الترحيب ، انتهى.

« إن في الدلالة دليلا » هذا الكلام يحتمل وجوها :

الأول : أن المعنى أن ما رأيت من الدلالة من أبي وأخي تكفي لعلمك بإمامتي

٨٠