مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: مروي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٧٤

٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن مسافر قال أمر أبو إبراهيم عليه‌السلام حين أخرج به ـ أبا الحسن عليه‌السلام أن ينام على بابه في كل ليلة أبدا ما كان حيا إلى أن يأتيه خبره قال فكنا في كل ليلة نفرش لأبي الحسن في الدهليز ثم يأتي بعد العشاء فينام فإذا أصبح انصرف إلى منزله قال فمكث على هذه الحال أربع سنين فلما كان ليلة من الليالي أبطأ عنا وفرش له فلم يأت كما كان يأتي فاستوحش العيال وذعروا ودخلنا أمر عظيم من إبطائه فلما كان من الغد أتى الدار ودخل إلى العيال وقصد إلى أم أحمد ـ فقال لها هات التي أودعك أبي فصرخت ولطمت وجهها وشقت جيبها وقالت مات والله سيدي فكفها وقال لها لا تكلمي بشيء ولا تظهريه حتى يجيء الخبر إلى الوالي فأخرجت إليه سفطا وألفي دينار أو أربعة آلاف دينار فدفعت ذلك أجمع إليه دون غيره وقالت إنه قال لي فيما بيني وبينه وكانت أثيرة عنده احتفظي بهذه الوديعة عندك لا تطلعي عليها أحدا حتى أموت فإذا مضيت فمن أتاك من ولدي فطلبها منك فادفعيها إليه واعلمي أني قد مت وقد جاءني والله علامة

______________________________________________________

الحديث السادس : حسن.

والدهليز بالكسر ما بين الباب والدار ، « فمكث » أي استمر و « فرش له » على بناء المجهول و « ذعروا » علي بناء المعلوم أو المجهول ، في القاموس : الذعر بالضم الخوف ذعر كعني فهو مذعور ، وبالفتح التخويف كالإذعار وبالتحريك الدهش ، وأم أحمد زوجة الكاظم عليه‌السلام الخطبة عنده « هات » اسم فعل بمعنى أعطني « فصرخت » أي صاحت صيحة شديدة « فكفها » أي منعها ، وفي القاموس : السفط محركة كالجوالق أو كالقفة ، وفي المغرب : السفط واحد الأسفاط وهو ما يصان فيه الطيب وما أشبهه من آلات النساء ، ويستعار للتابوت الصغير ، انتهى.

وكأنه كان في السفط ودائع الإمامة وإسرارها « أو أربعة » الترديد من الراوي « وكانت أثيرة » معترضة من كلام مسافر والأثيرة المختارة الراجحة على غيرها ، في القاموس : فلان أثيري أي من خلصائي ، وضمير عنده لأبي إبراهيم « لا تطلعي » من باب

٢٤١

سيدي فقبض ذلك منها وأمرهم بالإمساك جميعا إلى أن ورد الخبر وانصرف فلم يعد لشيء من المبيت كما كان يفعل فما لبثنا إلا أياما يسيرة حتى جاءت الخريطة بنعيه فعددنا الأيام وتفقدنا الوقت فإذا هو قد مات في الوقت الذي فعل أبو الحسن عليه‌السلام ما فعل من تخلفه عن المبيت وقبضه لما قبض.

باب

حالات الأئمة عليهم‌السلام في السن

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن يزيد الكناسي قال سألت أبا جعفر عليه‌السلام أكان عيسى ابن مريم عليه‌السلام حين تكلم في المهد حجة الله على أهل زمانه فقال كان يومئذ نبيا حجة الله

______________________________________________________

الأفعال ، والخريطة الكيس يصان فيه المكتوب ويشد رأسه ، والنعي خبر الموت ، والتفقد طلب الشيء عند غيبته.

وحاصل الخبر : أن الرضا عليه‌السلام في تلك الليلة ذهب بطي الأرض بأمر الله تعالى من المدينة إلى بغداد للحضور عند موت والده ودفنه والصلاة عليه ، ورجع في تلك الليلة كما وقع التصريح بجميع ذلك في أخبار أخرى أوردتها في الكتاب الكبير.

باب حالات الأئمة (ع) في السن

الحديث الأول : كالصحيح.

« حجة الله » أي إماما للناس مرسلا إليهم أو كان نبيا يجب على الناس الإقرار بإمامته فعلى الأول حاصل الجواب أنه لم يكن حينئذ إماما ولكن كان حجة لمريم عليها‌السلام على الحاضرين عندها ، ولم يكن مرسلا إلى قوم ، وعلى الثاني المعنى أنه كان نبيا وكان يجب على كل من سمع كلامه الإقرار بنبوته ، لكن لم يكن مرسلا إليهم مأمورا بتبليغ الرسالة إليهم ، أو كان حجة الله على نفسه ولم يكن مبعوثا على غيره ، وظاهر الخبر أنه لم يكن مأمورا حينئذ بأحكام الإنجيل وتبليغه ، فالمراد بالكتاب التوراة ، أو المعنى سيؤتيني الكتاب ، أو يكون مكلفا بالعمل بالإنجيل ولم يكن

٢٤٢

غير مرسل أما تسمع لقوله حين قال : « إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا. وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا » (١) قلت فكان يومئذ حجة لله على زكريا في تلك الحال وهو في المهد فقال كان عيسى في تلك الحال آية للناس ورحمة من الله لمريم حين تكلم فعبر عنها وكان نبيا حجة على من سمع

______________________________________________________

مأمورا بالتبليغ ، فالمراد بقوله عليه‌السلام حين أوحى الله إليه ، الوحي بالتبليغ والرسالة.

قال الطبرسي رحمه‌الله في قوله تعالى : « إِنِّي عَبْدُ اللهِ » قدم عليه‌السلام إقراره بالعبودية ليبطل به قول من يدعى له الربوبية وكان الله سبحانه نطقه بذلك لعلمه بما تقوله الغالون فيه ، ثم قال : « آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا » أي حكم لي بإيتاء الكتاب والنبوة.

وقيل : إن الله سبحانه أكمل عقله في صغره وأرسله إلى عباده وكان نبيا مبعوثا إلى الناس في ذلك الوقت مكلفا عاقلا ، ولذلك كانت له تلك المعجزة عن الحسن والجبائي.

وقيل : إنه كلمهم وهو ابن أربعين يوما عن وهب ، وقيل : يوم ولد عن ابن عباس وأكثر المفسرين ، وهو الظاهر.

وقيل : إن معناه سيؤتيني الكتاب وسيجعلني نبيا ، وكان ذلك معجزة لمريم عليها‌السلام على براءة ساحتها « وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ » أي جعلني معلما للخبر ، عن مجاهد وقيل : نفاعا حيثما توجهت ، والبركة نماء الخير ، والمبارك الذي ينمي الخير به ، وقيل :

ثابتا دائما على الإيمان والطاعة ، وأصل البركة الثبوت عن الجبائي « وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ » أي بإقامتهما « ما دُمْتُ حَيًّا » أي ما بقيت حيا مكلفا « آيَةً لِلنَّاسِ » أي علامة قدرة الله على كل شيء ، أو معجزة دالة على براءة مريم.

« فعبر عنها » على بناء التفعيل أي أعرب عما في ذهن مريم من براءتها مما قالوا فيها ، واحتج على الناس من قبلها ، وفي بعض النسخ فغير بالغين المعجمة والياء ،

__________________

(١) سورة مريم : ٣١.

٢٤٣

كلامه في تلك الحال ثم صمت فلم يتكلم حتى مضت له سنتان وكان زكريا الحجة لله عز وجل على الناس بعد صمت عيسى بسنتين ثم مات زكريا فورثه ابنه يحيى الكتاب والحكمة وهو صبي صغير أما تسمع لقوله عز وجل « يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا » (١) فلما بلغ عيسى عليه‌السلام سبع سنين تكلم بالنبوة والرسالة حين أوحى الله تعالى إليه فكان عيسى الحجة على يحيى وعلى الناس أجمعين وليس تبقى الأرض يا أبا خالد يوما واحدا بغير حجة لله على الناس منذ يوم خلق الله آدم عليه‌السلام وأسكنه الأرض فقلت جعلت فداك أكان علي عليه‌السلام حجة من الله ورسوله

______________________________________________________

أي غير وأزال التهمة عنها ، ولعله تصحيف « فلم يتكلم » أي بالنبوة والرسالة ثم تكلم بعد السنتين بالنبوة ، وبعد سبع بها وبالرسالة ، أو لم يتكلم أصلا في محضر الناس ، لورود بعض الأخبار بتكلمه قبل ذلك.

« يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ » قال الطبرسي رحمه‌الله تقديره : فوهبنا له يحيى وأعطيناه الفهم والعقل وقلنا يا يحيى خذ الكتاب ، يعني التوراة بما قواك الله عليه وأيدك به ، ومعناه وأنت قادر على أخذه قوي على العمل ، وقيل : معناه بجد وصحة عزيمة على القيام بما فيه « وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا » أي آتيناه النبوة في حال صباه ، وهو ابن ثلاث سنين عن ابن عباس ، وقيل : إن الحكم الفهم.

« الحجة على يحيى » لأنه كان من أولي العزم ، وهم حجج على سائر الأنبياء ، والحجج الذين في زمانهم ، وأبو خالد كنية ليزيد الكناسي ، والظاهر أنه القماط الثقة ، فالظاهر أن الخبر صحيح.

« كان علي عليه‌السلام حجة » أقول : يدل على أن إمامة علي عليه‌السلام كان في حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضا ، وهو لا ينافي كونه رعية للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كالأنبياء الذين كانوا في زمن أولوا العزم كما أومأنا إليه ، واختلف أصحابنا في ذلك فذهب الأكثر إلى أن الإمامة إنما تثبت لكل منهم عليهم‌السلام بعد وفاة من تقدمه ، وذهب بعضهم إلى أن جميعهم

__________________

(١) سورة مريم : ١٢.

٢٤٤

على هذه الأمة في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال نعم يوم أقامه للناس ونصبه علما ودعاهم إلى ولايته وأمرهم بطاعته قلت وكانت طاعة علي عليه‌السلام واجبة على الناس في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبعد وفاته فقال نعم ولكنه صمت فلم يتكلم مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكانت الطاعة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على أمته وعلى علي عليه‌السلام في حياة رسول

______________________________________________________

في كل الأزمنة أئمة تجب طاعتهم لكن واحد منهم ناطق والباقي صامتون.

سئل السيد المرتضى رضي‌الله‌عنه في المسائل العكبرية : قد كان أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم‌السلام في زمان واحد ، جميعهم أئمة منصوص عليهم فهل كانت طاعتهم جميعا واجبة في وقت واحد؟ وهل كانت طاعة بعضهم على بعض فرض طاعة من كان يجب منهم وكيف كانت الحال في ذلك؟ فأجاب قدس‌سره أن الطاعة في وقت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانت له من جهة الإمامة دون غيره ، فلما قبض صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صارت الإمامة من بعده لأمير المؤمنين عليه‌السلام ، ومن عداه من الناس رعية له ، فلما قبض صارت الإمامة للحسن ابن علي والحسين عليهما‌السلام إذ ذاك رعية لأخيه الحسن عليه‌السلام ، فلما قبض الحسن عليه‌السلام صار الأمر إلى الحسين عليه‌السلام ، وهو إمام مفترض الطاعة على الأنام وهكذا حكم كل إمام وخليفة في زمانه ، ولم يستند الجماعة في الإمامة بشيء إلى ما ذكرناه ، وقد قال قوم من أصحابنا الإمامية أن الإمامة كانت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين والحسن والحسين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين في وقت واحد ، إلا أن النطق والأمر والنهي كان لرسول الله مدة حياته دون غيره ، وكذلك كان الأمر لأمير المؤمنين صلوات الله عليه والحسن والحسين عليهما‌السلام ، وجعلوا الإمام في وقت صاحبه صامتا وجعلوا الأول ناطقا ، وهذا خلاف في عبارة والأصل ما قدمناه.

وقال قدس الله روحه في كتاب سياق الاستدلال بآية : إنما وليكم الله ، على خلافة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فإن قيل : لو كان المراد بالآية الإمامة لوجب أن تكون ثابتة في الحال ، وقد أجمع المسلمون على أن لا إمام مع النبي؟ قيل له : إنا بينا أن المراد بلفظ الولي فرض الطاعة والاستحقاق للتصرف بالأمر والنهي وهذا ثابت له في الحال فادعاء

٢٤٥

الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكانت الطاعة من الله ومن رسوله على الناس كلهم لعلي عليه‌السلام بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكان علي عليه‌السلام حكيما عالما.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن صفوان بن يحيى قال قلت للرضا عليه‌السلام قد كنا نسألك قبل أن يهب الله لك أبا جعفر عليه‌السلام فكنت تقول يهب الله لي غلاما فقد وهب الله لك فقر عيوننا فلا أرانا الله يومك فإن كان كون فإلى من فأشار بيده إلى أبي جعفر عليه‌السلام وهو قائم بين يديه فقلت جعلت فداك هذا ابن ثلاث سنين قال وما يضره من ذلك شيء قد قام عيسى عليه‌السلام بالحجة وهو ابن ثلاث سنين.

______________________________________________________

الإجماع بخلاف ذلك ادعاء الاتفاق لما فيه الخلاف ، إلى آخر كلامه رحمه‌الله.

قوله عليه‌السلام : حليما (١) ، قيل : أي عاقلا مراعيا للآداب اللازمة ، وأقول : لعله أراد عليه‌السلام أن عدم معارضته للغاصبين لخلافته لم يكن لعدم إمامته بل لكونه حليما رزينا عالما بالمصالح وكان لا يرى المصلحة في معارضتهم فلذا صبر وسلم ظاهرا حتى أمكنه الفرصة ، وفي بعض النسخ حكيما عالما ، وقد قال تعالى : « وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ » (٢) وورد في الخبر أنه إشارة إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام.

الحديث الثاني : صحيح.

وقد مر في باب الإشارة والنص على أبي جعفر الثاني عليه‌السلام ، وينافي بظاهره ما مر في الخبر السابق إلا أن يقال نزل عليه الكتاب في السنة الثالثة ولم يؤمر بتبليغه إلى السنة السابعة ، أو يكون المراد بالحجة النبوة لا الرسالة ، ويكون المراد أنه كان حجة في ثلاث سنين وإن كان قبله أيضا كذلك ، أو يكون تكلمه بعد صمته بالنبوة في هذا السن وبالرسالة بعد سبع سنين ، ويحتمل أن يكون ضمير هو راجعا إلى أبي جعفر عليه‌السلام أي كان عيسى حجة في المهد وأبو جعفر أكبر منه له ثلاث سنين.

__________________

(١) وفي المتن « حكيما » وسيأتي في كلام الشارح (ره) أيضا.

(٢) سورة زخرف : ٤.

٢٤٦

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن سيف ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي جعفر الثاني عليه‌السلام قال قلت له إنهم يقولون في حداثة سنك فقال إن الله تعالى أوحى إلى داود أن يستخلف سليمان وهو صبي يرعى الغنم فأنكر ذلك عباد بني إسرائيل وعلماؤهم فأوحى الله إلى داود عليه‌السلام أن خذ عصا المتكلمين وعصا سليمان واجعلها في بيت واختم عليها بخواتيم القوم فإذا كان من الغد فمن كانت عصاه قد أورقت وأثمرت فهو الخليفة فأخبرهم داود فقالوا قد رضينا وسلمنا.

٤ ـ علي بن محمد وغيره ، عن سهل بن زياد ، عن يعقوب بن يزيد ، عن مصعب ، عن مسعدة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال أبو بصير دخلت إليه ومعي غلام يقودني

______________________________________________________

الحديث الثالث : مرسل.

قال الجوهري : العصا مؤنثة والجمع عصا وعصي ، وهو فعول ، وإنما كسرت العين لما بعدها من الكسرة ، والمتكلمون هم الذين تكلموا في نبوة سليمان « فإذا كان من الغد » أي الزمان الذي هو من جملة الغد ، وقيل : من زائدة للدلالة على أن المراد أول الغد ، أو فاعله ضمير راجع إلى ما جرى ونحوه ، ومن بمعنى في « فقالوا » أي بعد ما فعلوا المأمور به وشاهدوا المعجز لا قبلها كما توهم.

ويؤيده ما رواه الصدوق رحمه‌الله في إكمال الدين بإسناده عن الصادق عليه‌السلام قال : إن داود عليه‌السلام أراد أن يستخلف سليمان لأن الله عز وجل أوحى إليه يأمره بذلك ، فلما أخبر بني إسرائيل ضجوا من ذلك وقالوا : يستخلف علينا حدثا وفينا من هو أكبر منه؟ فدعا أسباط بني إسرائيل فقال لهم : قد بلغتني مقالتكم فأروني عصيكم فأي عصا أثمرت فصاحبها ولي الأمر بعدي ، فقالوا : رضينا ، وقال : ليكتب كل واحد منكم اسمه على عصاه ، فكتبوا ثم جاء سليمان بعصاه فكتب عليها ثم أدخلت بيتا وأغلق الباب وحرسه رؤوس بني إسرائيل ، فلما أصبح صلى بهم الغداة ثم أقبل ففتح الباب فأخرج عصاهم ، وقد أورقت عصا سليمان وقد أثمرت فسلموا ذلك لداود ، الخبر.

الحديث الرابع : ضعيف.

وفي القاموس : غلام خماسي : طوله خمسة أشبار ، ولا يقال سداسي ولا سباعي

٢٤٧

خماسي لم يبلغ فقال لي كيف أنتم إذا احتج عليكم بمثل سنه أو قال سيلي عليكم بمثل سنه.

٥ ـ سهل بن زياد ، عن علي بن مهزيار ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قال سألته يعني أبا جعفر عليه‌السلام عن شيء من أمر الإمام فقلت يكون الإمام ابن أقل من سبع سنين فقال نعم وأقل من خمس سنين فقال سهل فحدثني علي

______________________________________________________

لأنه إذا بلغ ستة أشبار فهو رجل ، وكذا ذكره سائر اللغويين ، وقد يطلق على من له خمس سنين ، ولم أجد بهذا المعنى في كتب اللغة ، فعلى الأول الظاهر أنه إشارة إلى الجواد عليه‌السلام وعلى الثاني إلى القائم عليه‌السلام فإن سنة عليه‌السلام كان عند الإمامة قريبا من خمس سنين ، وأما الجواد عليه‌السلام فالمشهور أنه كان له حينئذ تسع سنين وكسر ، على أنه يحتمل أن يكون التشبيه في محض عدم البلوغ ، وقوله : لم يبلغ تأكيد أو لبيان أنه كان قصر قامته من جهة قلة السن فإنه قد يكون من بلغ أقل من خمسة أشبار ، لكن الظاهر أن الخماسي إنما لم تطلق على غلام كان في سن النمو لم يبلغ لا مطلقا.

الحديث الخامس : ضعيف على المشهور.

« من أمر الإمام » أي فضله وصفاته ، قوله عليه‌السلام : وأقل من خمس سنين ، الظاهر أنه إشارة إلى القائم عليه‌السلام ويدل على أنه كان له عند إمامته أقل من خمس سنين ، وهو موافق لجميع التواريخ الآتية لأنهم اتفقوا على أن وفاة أبي محمد عليه‌السلام كانت في سنة ستين ومائتين والأكثر على أنها كانت في شهر ربيع الأول ، والأكثر على أن ولادة القائم عليه‌السلام كانت خمس وخمسين ومائتين ، وفي بعض الروايات ست وخمسون ، فعلى الأول كان عمره عليه‌السلام عنه مضى أبيه عليه‌السلام أقل من خمس سنين بأشهر ، وعلى الثاني بستة أشهر ، وهذا الخبر يؤيد الأول « قال سهل » الظاهر أن سهلا كان حمل هذه الرواية في أوائل سنه ، وكانت روايته لعلي بن محمد وغيره في أواخر عمره ، وكانت بعد تحقق ما ذكر في الخبر من إمامة القائم عليه‌السلام في هذا السن ، وإنما قال ذلك لئلا يتوهم

٢٤٨

ابن مهزيار بهذا في سنة إحدى وعشرين ومائتين.

٦ ـ الحسين بن محمد ، عن الخيراني ، عن أبيه قال كنت واقفا بين يدي أبي الحسن عليه‌السلام بخراسان فقال له قائل يا سيدي إن كان كون فإلى من قال إلى أبي جعفر ابني فكأن القائل استصغر سن أبي جعفر عليه‌السلام فقال أبو الحسن عليه‌السلام إن الله تبارك وتعالى بعث عيسى ابن مريم عليه‌السلام رسولا نبيا صاحب شريعة مبتدأة في أصغر من السن الذي فيه أبو جعفر.

٧ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن علي بن أسباط قال رأيت أبا جعفر عليه‌السلام وقد خرج علي فأخذت النظر إليه وجعلت أنظر إلى رأسه ورجليه لأصف قامته

______________________________________________________

أن الراوي وضع الحديث بعد تحقق هذه الأحوال ، فنبه به على أن الرواية كانت قبلها ، وأن الخبر مشتمل على الإعجاز ، ولا ريب في مضمونه ولا استبعاد في بقاء سهل إلى هذا الزمان ، لأنهم ذكروا أنه كاتب أبا محمد عليه‌السلام سنة خمس وخمسين ومائتين ، فيمكن أن يكون بقي إلى وفاته عليه‌السلام ، ويروي عنه وكلاء القائم عليه‌السلام وأصحاب التوقيعات منه عليه‌السلام.

الحديث السادس : مجهول وقد مضى بعينه في باب النص على أبي جعفر الثاني عليه‌السلام ، وربما يستدل به على حجية القياس بالطريق الأولى لأن ظاهر السياق أنه عليه‌السلام استدل بأنه إذا جازت النبوة والرسالة وابتداء الشريعة في السن الأقل فجواز الإمامة التي هي النيابة عن الرسول في السن الأكثر ثابت بطريق أولى ، وفيه : أن هذا ليس باستدلال بل دفع استبعاد وإثبات الإمامة إنما هو بالنصوص والمعجزات وكون سنه عليه‌السلام أكثر لأنه قد مر أن رسالة عيسى كان في سبع سنين وإمامة أبي جعفر عليه‌السلام كانت إما بعد تسع سنين مضى من عمرة ، أو سبع سنين وخمسة أشهر على اختلاف الروايات كما سيأتي في أبواب التاريخ.

الحديث السابع : ضعيف على المشهور.

« فأخذت » أي شرعت في النظر إليه وفي بعض النسخ بالجيم والدال المهملة

٢٤٩

لأصحابنا بمصر فبينا أنا كذلك حتى قعد فقال يا علي إن الله احتج في الإمامة بمثل ما احتج به في النبوة فقال « وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا » (١) و « لَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ

______________________________________________________

أي نظرت نظرا جيدا باهتمام ، وفي بعضها : أحددت ، بالحاء المهملة كما في البصائر ، أي نظرت نظرا حادا.

قوله « ولما بلغ أشده » أقول : هذا لا يوافق ما في المصاحف ، فإن مثل ذلك في القرآن في ثلاثة مواضع ، أحدها في سورة يوسف هكذا : « وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ » (٢) وثانيها في سورة الأحقاف هكذا : « وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ » (٣) ثالثها في سورة القصص في قصة موسى هكذا « وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ » (٤).

وما في الخبر لا يوافق شيئا منها ، ولعله من تصحيف النساخ لأنه روى صاحب تأويل الآيات الباهرة عن العياشي بإسناده عن علي بن أسباط قال : قدمت المدينة وأنا أريد مصر فدخلت على أبي جعفر محمد بن علي الرضا عليهما‌السلام وهو إذ ذاك خماسي فجعلت أتأمله لأصفه لأصحابنا بمصر ، فنظر إلى وقال : يا علي إن الله أخذ في الإمامة كما أخذ في النبوة فقال سبحانه في يوسف : « وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً » وقال عن يحيى : « وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا » وراوي الخبرين واحد.

ويحتمل أن يكون عليه‌السلام نقل الآية بالمعنى إشارة إلى آيتي سورة يوسف والأحقاف ، ليتم الاستدلال وحاصله أنه تعالى قال في سورة يوسف « وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً » ، وفسر الأشد في الأحقاف بقوله « وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً » ، وعليه

__________________

(١) سورة مريم : ١٢.

(٢) الآية : ٢٢.

(٣) الآية : ١٥.

(٤) الآية : ١٤.

٢٥٠

أَرْبَعِينَ سَنَةً » فقد يجوز أن يؤتى الحكمة وهو صبي ويجوز أن يؤتاها وهو ابن أربعين سنة.

٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه قال قال علي بن حسان لأبي جعفر عليه‌السلام يا سيدي إن الناس ينكرون عليك حداثة سنك فقال وما ينكرون من ذلك قول الله عز وجل لقد قال الله عز وجل لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله : « قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ

______________________________________________________

حمله جماعة من المفسرين.

قال الطبرسي (ره) « حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ » وهو ثلاث وثلاثون سنة وقيل : بلوغ الحلم ، وقيل : وقت قيام الحجة عليه ، وقيل : هو أربعون سنة وذلك وقت إنزال الوحي على الأنبياء ، وكذلك فسر به ، فقال « وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً » فيكون هذا بيانا لزمان الأشد ، انتهى.

ويحتمل أن يكون إشارة إلى الآيات الثلاث جميعا ، وقد ورد في الأخبار أن آية الأحقاف نزلت في الحسين عليه‌السلام.

الحديث الثامن : حسن.

قوله عليه‌السلام « وما ينكرون » العبارة تحتمل وجوها ، الأول : أن تكون « ما » نافية أي لا يمكنهم في هذا الباب إنكار قول الله تعالى وقد قال ذلك ، الثاني : أن تكون استفهامية أي أي شيء ينكرون من ذلك و « قول الله » استفهام آخر أي أينكرون قول الله ، الثالث : أن تكون « ما » استفهامية و « قول الله » مبتدأ و « من ذلك » خبره ، الرابع : أن تكون « ما » موصولة مبتدأ و « ينكرون » بتقدير ينكرونه ، ومن للسببية ، وذلك إشارة إلى إنكار حداثة السن ، وقول خبر المبتدأ وقوله : « لقد » استئنافا بيانيا.

أقول : وفي تفسير العياشي قال : قلت : جعلت فداك إنهم يقولون في الحداثة؟ قال : وأي شيء يقولون؟ إن الله تعالى يقول : « قُلْ هذِهِ سَبِيلِي » إلى قوله

٢٥١

عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي » (١) فو الله ما تبعه إلا علي عليه‌السلام وله تسع سنين وأنا ابن تسع سنين.

______________________________________________________

فو الله ما كان اتبعه إلا على وهو ابن سبع سنين ، ومضي أبي وأنا ابن تسع سنين ، فما عسى أن يقولوا؟ إن الله يقول : « فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ » إلى قوله « وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ».

قوله عليه‌السلام فو الله ما اتبعه أي أولا أو حين نزول الآية ، فلما خصه الله بالدعوة إلى الله مع الرسول ، وقرنه معه يدل على أنه تتأتى الدعوة إلى الله ممن لم يبلغ الحلم ، ويكون في هذا السن ، أو أنه تعالى لما وصفه بالمتابعة ومدحه بها يدل على أن المتابعة معتبرة في هذا السن فيدل على أن الأحكام تختلف بالنظر إلى الأشخاص ، والمراد فجاز أن تحصل لي الإمامة في هذا السن ، ويدل على أن سنة عليه‌السلام في أول بيعته للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان تسع سنين.

وما يفهم مما سيجيء في أبواب التاريخ من أن سنة عليه‌السلام حينئذ كان عشر سنين لا ينافي ذلك ، لما بينا سابقا أن المحاسبين قد يسقطون الكسر بين العددين وقد يتمونه ، فهذا مبني على الإسقاط ، وما سيأتي على الإكمال.

واختلف الخاصة والعامة في عمره في ذلك الوقت فقيل : سبع سنين كما هو في رواية العياشي في هذا الخبر ، وقيل : عشر سنين ، وقيل : ثمان سنين ، وقيل : اثنتا عشرة سنة ، وقيل : ثلاث عشرة سنة ، وقيل : خمس عشرة سنة ، وأوفق الأقوال بالتواريخ المشهورة هو العشر سنين ، لأن المشهور أن عمره عليه‌السلام عند شهادته كان ثلاثا وستين سنة ، منها ثلاثون بعد الرسول ومن البعثة إلى وفاة الرسول ثلاث وعشرون سنة ، فلا يبقى إلا عشر سنين ، وأما من زاد على ذلك فقد زاد على عمره عليه‌السلام فقد ذكر جماعة أن عمره عليه‌السلام كان خمسا وستين كما رواه المفيد عن جماعة ، فيكون سنه عليه‌السلام عند بيعته اثنتا عشرة سنة ، ومن قال أن عمره عليه‌السلام كان ستا

__________________

(١) سورة يوسف : ١٠٨.

٢٥٢

______________________________________________________

وستين فهو يقول كان سنه عليه‌السلام حينئذ ثلاث عشرة سنة ، وأما خمس عشرة سنة وإن رووا فيه روايات كثيرة لكنه لا يوافق شيئا من التواريخ.

وأما سبق إسلام أمير المؤمنين عليه‌السلام فمما تواترت به روايات الخاصة والعامة وأوردت أكثرها في الكتاب الكبير.

وقال ابن أبي الحديد بعد أن أورد روايات كثيرة في ذلك من كتاب الاستيعاب لابن عبد البر : واعلم أن شيوخنا المتكلمين لا يكادون يختلفون في أن أول الناس إسلاما علي بن أبي طالب إلا من عساه خالف في ذلك من أوائل البصريين.

فأما الذي تقررت المقالة عليه الآن فهو القول بأنه أسبق الناس إلى الإيمان لا نكاد نجد اليوم في تصانيفهم ، وعند متكلميهم والمحققين منهم خلافا في ذلك.

واعلم أن أمير المؤمنين عليه‌السلام ما زال يدعي ذلك لنفسه ويفتخر به ، ويجعله حجة في أفضليته ويصرح بذلك ، وقد قال غير مرة إنا الصديق الأكبر والفاروق الأول أسلمت قبل إسلام أبي بكر ، وصليت قبل صلاته.

وروى عنه هذا الكلام بعينه أبو محمد ابن قتيبة في كتاب المعارف وهو غير متهم في أمره.

ومن الشعر المروي عنه في هذا المعنى الأبيات التي أولها :

محمد النبي أخي وصنوي

وحمزة سيد الشهداء عمي

ومن جملتها :

سبقتكم إلى الإسلام طرا

غلاما ما بلغت أوان حلمي

انتهى.

وقال الشيخ المفيد قدس الله روحه في كتاب الفصول : أجمعت الأمة على أن أمير المؤمنين أول ذكر أجاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يختلف في ذلك أحد من أهل العلم إلا أن العثمانية طعنت في أيمان أمير المؤمنين بصغر سنه في حال الإجابة ، وقالوا : إنه

٢٥٣

______________________________________________________

لم يكن في تلك الحال بالغا فيقع إيمانه على وجه المعرفة ، وإن أيمان أبي بكر حصل منه مع الكمال فكان على اليقين والمعرفة ، والإقرار من جهة التقليد والتلقين غير مساو للإقرار بالمعلوم المعروف بالدلالة.

ثم أجاب قدس الله روحه عن هذه الشبهة بوجوه :

الأول : منع كونه عليه‌السلام صبيا في تلك الحال ، وذكر روايات تدل على أنه كان له خمس عشرة سنة ونحو ذلك.

الثاني : أنا سلمنا أنه كان صغير السن وكان له سبع سنين نقول : صغر السن لا ينافي كمال العقل ، وليس دليل وجوب التكليف بلوغ الحلم فيراعى ذلك ، هذا باتفاق أهل النظر والعقول ، وإنما يراعى بلوغ الحلم في الأحكام الشرعية دون العقلية ، وقد قال سبحانه في قصة يحيى : « وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا » (١) وقال في قصة عيسى : « قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ » (٢) الآية.

فلم ينف صغر سن هذين النبيين كمال عقلهما ، والحكمة التي آتاهما الله سبحانه ولو كانت العقول تحيل ذلك لإحالته في كل حالة وعلى كل حال ، وقد أجمع أهل التفسير إلا من شذ منهم في قوله : « وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها » (٣) الآية أنه كان طفلا صغيرا في المهد أنطقه الله حتى برأ يوسف من الفحشاء وأزال التهمة عنه.

الثالث : أنه لو لم يكن إيمانه عليه‌السلام بالمعرفة والاستدلال وعلى غاية الكمال لما مدحه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم به ، ولما جعله من فضائله ومناقبه ، فإنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يفضل أحدا بما ليس بفضل ، ولا يجعل في المناقب ما ليس في جملتها ، فلما مدح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمير المؤمنين عليه‌السلام بتقدمه الإيمان. في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لفاطمة عليها‌السلام أما ترضين أني زوجتك أقدمهم سلما.

وقوله : أول هذه الأمة ورودا على نبيها الحوض أولها إسلاما علي بن

__________________

(١) سورة مريم : ١٢.

(٢) سورة مريم : ٣١.

(٣) سورة يوسف : ٢٦.

٢٥٤

______________________________________________________

أبي طالب عليه‌السلام.

وقوله : لقد صلت الملائكة علي وعلى علي سبع سنين. وذلك أنه لم يكن من الرجال أحد يصلي غيري وغيره ، وأمثال ذلك.

ثبت أن إيمانه عليه‌السلام وقع بالمعرفة واليقين دون التقليد والتلقين ، لا سيما وقد سماه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إيمانا وإسلاما ، وما يقع من الصبيان على وجه التلقين لا يسمى على الإطلاق الديني إيمانا وإسلاما.

الرابع : أن أمير المؤمنين عليه‌السلام قد تمدح به وجعله من مفاخره ، واحتج به على أعدائه وكرره في غير مقام من مقاماته ، فلو كان إيمانه على ما ذهبت إليه الناصبة لما جاز منه عليه‌السلام أن يتمدح به ، ولا أن يسميه عبادة ، ولا أن يفخر به على القوم ، ولا أن يجعله تفضيلا له على أبي بكر وعمر ، ولو أنه فعل من ذلك ما لا يجوز لرده عليه مخالفوه ، واعترضه فيه مضادوه ، وفي عدول القوم من الاعتراض عليه في ذلك ، وتسليم الجماعة له ذلك ، دليل على ما ذكرناه ، وبرهان على فساد قول الناصبة.

الخامس : أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا عليا عليه‌السلام في حال كان متسترا فيها بدينه كاتما لأمره ، خائفا أن شاع من عدوه ، فلا يخلو أن يكون قد كان واثقا من أمير المؤمنين عليه‌السلام بكتم سره وحفظ وصيته وامتثال أمره ، وحمله من الدين ما حمله ، أو لم يكن واثقا بذلك ، فإن كان واثقا فلم يثق به إلا وهو في نهاية كمال العقل وعلى غاية الأمانة وصلاح السريرة والعصمة والحكمة وحسن التدبير ، وإن كان غير واثق منه بحفظ سره وغير آمن من تضييعه وإذاعة أمره ، فوضعه عنده من التفريط وضد الحزم والحكمة والتدبير ، وحاشى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ذلك ، ومن كل صفة نقص ، وقد أعلى الله عز وجل رتبته وأكذب مقال من ادعى ذلك فيه ، وإذا كان الأمر علي ما وصفناه فما نرى الناصبة قصدت بالطعن في أيمان أمير المؤمنين عليه‌السلام إلا عيب الرسول والذم لأفعاله ، ووصفه بالعبث والتفريط ، انتهى خلاصة ما ذكره نور الله ضريحه في ذلك.

٢٥٥

باب

أن الإمام لا يغسله إلا إمام من الأئمة عليهم‌السلام

١ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن أحمد بن عمر الحلال أو غيره ، عن الرضا عليه‌السلام قال قلت له إنهم يحاجونا يقولون إن الإمام لا يغسله إلا الإمام قال فقال ما يدريهم من غسله فما قلت لهم قال فقلت جعلت فداك قلت لهم إن قال مولاي إنه غسله تحت عرش ربي فقد صدق وإن قال غسله في تخوم الأرض فقد صدق قال لا هكذا قال فقلت فما أقول لهم قال قل لهم إني غسلته فقلت أقول لهم إنك غسلته فقال نعم.

______________________________________________________

باب أن الإمام لا يغسله إلا إمام من الأئمة عليهم‌السلام

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

« إنهم » أي الواقفية ، والمحاجة المغالبة بالحجة ، وحاصل احتجاجهم أن الإمام لا يغسله إلا إمام ، ومن تدعون أنه إمام لم يكن حاضرا في بغداد ليغسله فهذا دليل على أنه عليه‌السلام لم يمت ، ويحتمل أن يكون الاحتجاج من المخالفين إلزاما بأنكم تعتقدون أن الإمام لا يغسله إلا إمام ، ولم يغسل موسى الإمام بزعمكم ، فيدل على نفي إمامة أحد الإمامين.

« إن قال » مولاي (١) أي الرضا عليه‌السلام وفي القاموس : التخوم بالضم الفصل بين الأرضين من المعالم والحدود مؤنثة ، والجمع تخوم أيضا وتخم كعنق ، أو الواحد تخم بالضم وتخم وتخومة بفتحهما ، انتهى.

« قل لهم إني غسلته » لما كان جوابه على سبيل الفرض والشك أمره عليه‌السلام بالقول بالجزم واليقين وبعض الأفاضل حمل هذا الغسل على الغسل حال الحياة كما مر ، ولا يخفى بعده ، والأحاديث الصريحة واردة بأنه عليه‌السلام حضر بغداد عند غسل أبيه والصلاة عليه ودفنه.

__________________

(١) كذا في النسخ وليست هذه الجملة في المتن ويظهر منه أنّها كانت في نسخة الشارح (ره) كما هو موجودة في بعض النسخ التي عندنا من الكافي أيضا.

٢٥٦

٢ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن محمد بن جمهور قال حدثنا أبو معمر قال سألت الرضا عليه‌السلام عن الإمام يغسله الإمام قال سنة موسى بن عمران عليه‌السلام.

______________________________________________________

الحديث الثاني : ضعيف ولعل سؤال السائل أيضا مبني على الاعتراض أو رفع الشبهة في أمر الكاظم عليه‌السلام وغسله ، وقوله : سنة موسى بن عمران ، أي غسله وصيه في التيه ، وحضر حين موته أو المراد أن الملائكة غسلوه كما هو المشهور في الكليم عليه‌السلام وظاهر الخبر الآتي.

روى الصدوق في المجالس بإسناده عن محمد بن عمارة عن أبيه قال : قلت للصادق جعفر بن محمد عليهما‌السلام أخبرني بوفاة موسى بن عمران عليه‌السلام؟ فقال : إنه لما أتاه أجله واستوفى مدته وانقطع أكله أتاه ملك الموت فقال له : السلام عليك يا كليم الله ، فقال موسى : وعليك السلام من أنت؟ فقال : أنا ملك الموت ، فقال : ما الذي جاء بك؟ قال : جئت لأقبض روحك ، فقال له موسى عليه‌السلام : من أين تقبض روحي؟ قال : من فمك ، قال له موسى : كيف وقد كلمت ربي جل جلاله؟ قال : فمن يديك ، قال : كيف وقد حملت بها التوراة؟ قال : فمن رجليك ، قال : كيف وقد وطئت بهما على طور سيناء؟ قال : فمن عينيك قال : كيف ولم تزل إلى ربي بالرجاء ممدودة ، قال : فمن أذنيك؟ قال : كيف وقد سمعت بهما كلام ربي تعالى؟ قال : فأوحى الله إلى ملك الموت أن لا تقبض روحه حتى يكون هو الذي يريد ذلك وخرج ملك الموت.

فمكث موسى عليه‌السلام ما شاء الله أن يمكث بعد ذلك ، ودعى يوشع بن نون فأوصى إليه وأمره بكتمان أمره بأن يوصي بعده إلى من يقوم بالأمر ، وغاب موسى عن قومه فمر في غيبته برجل وهو يحفر قبرا فقال له : ألا أعينك على حفر هذا القبر؟ فقال له الرجل : بلى ، فأعانه حتى حفر القبر وسوى اللحد ، ثم اضطجع فيه موسى بن عمران لينظر كيف هو ، فكشف له عن الغطاء فرأى مكانه من الجنة ، فقال : يا رب اقبضني إليك فقبض ملك الموت روحه مكانه ودفنه في القبر وسوى عليه التراب ، وكان الذي يحفر القبر ملك في صورة بشر ، وكان ذلك في التيه ، فصاح صائح من السماء : مات موسى بن

٢٥٧

٣ ـ وعنه ، عن معلى بن محمد ، عن محمد بن جمهور ، عن يونس ، عن طلحة قال قلت للرضا عليه‌السلام إن الإمام لا يغسله إلا الإمام فقال أما تدرون من حضر لغسله قد حضره خير ممن غاب عنه الذين حضروا يوسف في الجب حين غاب عنه أبواه وأهل بيته.

______________________________________________________

عمران كليم الله ، فأي نفس لا تموت؟

ويحتمل أن يكون المراد بسنة موسى عليه‌السلام أنه غسله معصوم ، فلا بد أن يغسل الإمام معصوم ، وقيل : المراد تغسيل موسى بن عمران الشعيب عليهما‌السلام ولا يخفى ما فيه.

الحديث الثالث : ضعيف على المشهور.

ويظهر منه أن غاسله عليه‌السلام كان جبرئيل مع الملائكة ، لما ورد أنه الذي حضر يوسف في الجب ، ولعله محمول علي التقية إما من أهل السنة بقرينة أن الراوي عامي ، أو من نواقص العقول من الشيعة كما أن الخيرية أيضا محمولة على أحد الوجهين ، لأنهم عليهم‌السلام أفضل من الملائكة مع أنه عليه‌السلام لم ينف صريحا حضور الإمام عليه‌السلام ، وحضور الملائكة لا ينافي حضوره ، وقد روى الصدوق (ره) وغيره أن الرضا عليه‌السلام حضر بغداد وغسل والده عليه‌السلام وكفنه ودفنه ، ورووا عن أبي الصلت الهروي أنه حضر الجواد عليه‌السلام خراسان في يوم وفاة الرضا عليه‌السلام وغسله وصلى عليه ، وعن هرثمة بن أعين أيضا رووا ذلك ، وفي الأخير أنه قال الرضا عليه‌السلام لهرثمة : إنه سيشرف عليك المأمون ويقول لك : يا هرثمة أليس زعمتم أن الإمام لا يغسله إلا إمام مثله فمن يغسل أبا الحسن علي بن موسى ، وابنه محمد بالمدينة من بلاد الحجاز ونحن بطوس؟ فإذا قال ذلك فأجبه وقل له : إنا نقول إن الإمام يجب أن يغسله الإمام ، فإن تعدى متعد فغسل الإمام لم تبطل إمامة الإمام لتعدي غاسله ، ولا بطلت إمامة الإمام الذي بعده بأن غاب عن غسل أبيه ، ولو ترك أبو الحسن علي بن موسى بالمدينة لغسله ابنه محمد ظاهرا مكشوفا ، ولا يغسله الآن أيضا إلا هو من حيث يخفى.

٢٥٨

باب

مواليد الأئمة عليهم‌السلام

١ ـ علي بن محمد ، عن عبد الله بن إسحاق العلوي ، عن محمد بن زيد الرزامي ، عن محمد بن سليمان الديلمي ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير قال حججنا مع أبي عبد الله عليه‌السلام في السنة التي ولد فيها ابنه موسى عليه‌السلام فلما نزلنا الأبواء وضع لنا الغداء وكان إذا وضع الطعام لأصحابه أكثر وأطاب قال فبينا نحن نأكل إذ أتاه رسول حميدة فقال له إن حميدة تقول قد أنكرت نفسي وقد وجدت ما كنت أجد إذا حضرت ولادتي وقد أمرتني أن لا أستبقك بابنك هذا فقام أبو عبد الله عليه‌السلام فانطلق مع الرسول فلما انصرف قال له أصحابه سرك الله وجعلنا فداك فما أنت صنعت من حميدة قال سلمها الله وقد وهب لي غلاما وهو خير من برأ الله في خلقه ولقد أخبرتني حميدة عنه بأمر ظنت أني لا أعرفه ولقد كنت أعلم به منها فقلت جعلت فداك وما الذي أخبرتك به حميدة عنه قال ذكرت أنه سقط من بطنها حين سقط واضعا يديه على الأرض رافعا رأسه إلى السماء فأخبرتها أن ذلك أمارة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمارة الوصي من بعده فقلت جعلت فداك وما هذا من أمارة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله

______________________________________________________

باب مواليد الأئمة عليهم‌السلام

الحديث الأول : ضعيف بسنديه.

ورزام أبو حي من تميم والأبواء بفتح الهمزة وسكون الباء : موضع بين الحرمين ، والغداء طعام الضحى ، وأطاب أي أتى بالطعام الطيب ، وإذ للمفاجأة « قد أنكرت نفسي » أي وجدتها متغيرة كأني لا أعرف نفسي « أن لا أسبقك » أي لا أصنعه ولا أفعل به شيئا قبل إعلامك وحضورك « من حميدة » كان من بمعنى الباء وقيل : من للسببية ، وفي محاسن البرقي ما صنعت حميدة « وهو خير من برأ الله » أي بعدي من أهل زمانه.

« إمارة رسول الله » أي علامة نبوته وإمامة الأوصياء من بعده ، « وما هذا » أي أي أمارة في موضع اليدين ورفع الرأس فأجاب بما سيجيء من قوله : فأما وضع يديه ، إلخ ،

٢٥٩

وأمارة الوصي من بعده فقال لي إنه لما كانت الليلة التي علق فيها بجدي أتى آت جد أبي بكأس فيه شربة أرق من الماء وألين من الزبد وأحلى من الشهد وأبرد من الثلج وأبيض من اللبن فسقاه إياه وأمره بالجماع فقام فجامع فعلق بجدي ولما أن كانت الليلة التي علق فيها بأبي أتى آت جدي فسقاه كما سقى جد أبي وأمره بمثل الذي أمره فقام فجامع فعلق بأبي ولما أن كانت الليلة التي علق فيها بي أتى آت أبي فسقاه بما سقاهم وأمره بالذي أمرهم به فقام فجامع فعلق بي ولما أن كانت الليلة التي علق فيها بابني أتاني آت كما أتاهم ففعل بي كما فعل بهم فقمت بعلم الله وإني مسرور بما يهب الله لي فجامعت فعلق بابني هذا المولود فدونكم فهو والله صاحبكم من بعدي إن نطفة الإمام مما أخبرتك وإذا سكنت النطفة في الرحم أربعة أشهر وأنشئ فيها الروح بعث الله تبارك وتعالى ملكا يقال له حيوان فكتب

______________________________________________________

والباقي تمهيد وبيان لأسبابه أو معترضات « من إمارة » من تبعيضية مبنية على أنه ليست الأمارة منحصرة فيما ذكر « علق فيها » على بناء المجهول من باب علم ، يقال : علقت المرأة أي حبلت « بجدي » أي علي بن الحسين عليهما‌السلام « جد أبي » أي الحسين صلوات الله عليه ، وفي البصائر جد أبي وهو راقد فأتاه بكأس.

« أرق » أي ألطف ، والزبد بالضم ما يستخرج من اللبن بالمخض ، والشهد بالفتح العسل « وأبيض » أي أشد بياضا وهو نادر لأنه من الألوان وضمير إياه لشربة والتذكير بتأويل المشروب.

« فقمت بعلم الله » أي بإذنه وتقديره ، أو بأمره وإلهامه أو متلبسا بما علمني الله من أنه يصير سببا لحصول هذا الولد ، ويؤيد الأخير ما في البصائر فقمت فرحا مسرورا بعلم الله بما وهب لي ، وفي المحاسن : فقمت بعلم الله مسرورا بمعرفتي بما يهب الله لي ، ويحتمل أن يكون قسما.

« فكتب » الكتابة إما حقيقة أو كناية عن جعله مستعدا للإمامة والخلافة ، ومحلا لإفاضة العلوم الربانية ومستنبطا منه آثار العلم من جميع جهاته وحركاته

٢٦٠