مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: مروي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٧٤

٤ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء ، عن أبان ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قول الله تبارك وتعالى « وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً » قال الاقتراف التسليم لنا والصدق علينا وألا يكذب علينا.

٥ ـ علي بن محمد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد البرقي ، عن أبيه ، عن محمد بن

______________________________________________________

الحديث الرابع : ضعيف على المشهور « وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً » قال الطبرسي قدس‌سره : أي من فعل طاعة نزد له في تلك الطاعة حسنى بأن نوجب له الثواب ، وذكر أبو حمزة الثمالي عن السدي أنه قال : اقتراف الحسنة المودة لآل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وصح عن الحسن بن علي عليهما‌السلام أنه خطب الناس فقال في خطبته : أنا من أهل البيت الذين افترض الله مودتهم على كل مسلم ، فقال : « قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً » واقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت.

وروى إسماعيل بن عبد الخالق عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : إنها نزلت فينا أهل البيت أصحاب الكساء ، انتهى.

وأقول : الأخبار في كون المراد بالحسنة فيها مودتهم عليهم‌السلام كثيرة أوردتها في الكتاب الكبير ، ويؤيده أنها وقعت بعد قوله تعالى : « قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى » ولا ينافيه هذا الخبر بل هو تفسير للمودة بأنها هي التي تكون مع الإقرار بإمامتهم ، والتسليم لهم ، والصدق عليهم ، وأن لا يرووا عنهم ما لم يقولوا ، ويحتمل تعميم الحسنة بحيث يشمل كل طاعة ، وتكون هذه الأخبار محمولة على أنها أفضل أفرادها ، ولا يتوهم التكرار في الثاني والثالث ، لأن الصدق عليهم لا ينافي الكذب عليهم ، فالثاني رواية الأحاديث الصادقة عنهم ، والثالث ترك رواية الأخبار الكاذبة عليهم ولا يغني شيء منهما عن الآخر.

الحديث الخامس : مجهول.

___________________

(١) سورة الشورى : ٢٢.

٢٨١

عبد الحميد ، عن منصور بن يونس ، عن بشير الدهان ، عن كامل التمار قال قال أبو جعفر عليه‌السلام « قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ » أتدري من هم قلت أنت أعلم قال قد أفلح المؤمنون المسلمون إن المسلمين هم النجباء فالمؤمن غريب فطوبى للغرباء.

٦ ـ علي بن محمد ، عن بعض أصحابنا ، عن الخشاب ، عن العباس بن عامر ، عن ربيع المسلي ، عن يحيى بن زكريا الأنصاري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال سمعته يقول من سره أن يستكمل الإيمان كله فليقل القول مني في جميع الأشياء

______________________________________________________

وقيد عليه‌السلام الإيمان أو فسره به ، لما مر من قوله سبحانه : « فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ ».

« فالمؤمن غريب » أي فظهر صحة قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المؤمن غريب ، أي نادر لا يجد من صنفه من يأنس به إلا نادرا فأنسه بالله وبأوليائه ، ولو لم يكن إشارة إلى الخبر فالتفريع أيضا ظاهر ، لأن أرباب التسليم قليلون.

وقيل : التفريع مبني على ما اشتهر في الرواية من قلة عدد النجباء نحو : ما من قوم إلا وفيهم نجيب أو نجيبان ، وقيل : إنما فرع غربة المؤمن على تفسيره بالمسلم ، ووصف المسلم بالنجيب لقلة المسلم والنجيب فيما بين الناس وشذوذه جدا وهذا معنى الغربة.

كما قيل :

وللناس فيما يعشقون مذاهب

ولي مذهب فرد أعيش به وحدي

أقول : وفي المحاسن : والمؤمن بالواو ، فلا يحتاج إلى تكلف ، وفي البصائر ثم قال : إن المسلمين هم المنتجبون يوم القيامة هم أصحاب الحديث ، والنجيب الكريم الحسيب وطوبى مؤنث أطيب ، وسيأتي في الرواية أنه اسم شجرة في الجنة.

الحديث السادس : مرسل مجهول.

« فليقل » كذا في بعض النسخ وهو الظاهر ، وفي أكثر النسخ فليقبل ، ولعله تصحيف ، وعلى تقديره يمكن أن يكون القول مبتدأ وقول آل محمد خبره ، والجملة مفعولا للقبول ، أي فليقبل هذه العقيدة ويذعن بها ويعمل بمقتضاها ، أو القول منصوب وقول آل محمد بدل منه لبيان أن قوله عليه‌السلام موافق لقول جميعهم ، ففي قوله : فيما بلغني ،

٢٨٢

قول آل محمد فيما أسروا وما أعلنوا وفيما بلغني عنهم وفيما لم يبلغني.

٧ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أذينة ، عن زرارة أو بريد ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قال لقد خاطب الله أمير المؤمنين عليه‌السلام في كتابه قال قلت في أي موضع قال في قوله « وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً. فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ » فيما تعاقدوا عليه لئن أمات الله محمدا ألا يردوا هذا الأمر

______________________________________________________

التفات ، وقيل : فيه إشارة إلى وجوب قبول قوله ، سواء نقله عن آبائه الطاهرين أم لا ، ولا يخفى ما فيه « فيما أسروا » أي أخفوه تقية من المخالفين أو لقصور فهم الناس.

الحديث السابع : حسن.

« لقد خاطب الله » يعني أن المخاطب في جاءوك وأمثاله أمير المؤمنين عليه‌السلام بقرينة « وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ » فإن الالتفات من الخطاب إلى الغيبة ثم العود إلى الخطاب نادر جدا وتفسير « ما شجر بينهم » بما تعاقدوا عليه إما مبني على أن المراد بالشجر الجريان كما قيل ، أو على أنه وقع ابتداء بينهم تشاجر ثم اتفقوا ، أو على أن المراد التشاجر بينهم وبين المؤمنين ، أو أنه لما كان الأمر عظيما من شأنه أن يتشاجر فيه عبر عن وقوعه بالشجر ، وقيل : أراد عليه‌السلام أن المراد بظلمهم أنفسهم تعاقدهم فيما بينهم منازعين لله ولرسوله وللمؤمنين أن يصرفوا الأمر عن بني هاشم ، وأنه المراد بقوله فيها شجر بينهم ، أي فيما وقع النزاع بينهم مع الله ورسوله والمؤمنين بهذا التعاقد ، فإن الله كان معهم وفيما بينهم كما قال سبحانه : « وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً » والرسول أيضا كان عالما بما أسروا من مخالفته فكأنه كان فيهم شاهدا على منازعتهم إياه.

ومعنى تحكيمهم أمير المؤمنين عليه‌السلام على أنفسهم أن يقولوا له : إنا ظلمنا أنفسنا بظلمنا إياك وإرادتنا صرف الأمر عنك مخالفة لله ورسوله فاحكم علينا بما شئت وطهرنا

٢٨٣

في بني هاشم : « ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ » عليهم من القتل أو العفو « وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ».

٨ ـ أحمد بن مهران رحمه‌الله ، عن عبد العظيم الحسني ، عن علي بن أسباط ، عن علي بن عقبة ، عن الحكم بن أيمن ، عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عز وجل « الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ » إلى آخر الآية قال هم المسلمون لآل محمد الذين إذا سمعوا الحديث لم يزيدوا فيه ولم ينقصوا منه جاءوا به كما سمعوه.

باب

أن الواجب على الناس بعد ما يقضون مناسكهم أن يأتوا الإمام

فيسألونه عن معالم دينهم ويعلمونهم ولايتهم ومودتهم له

_______________________________________________________

كما شئت أما بالقتل أو العفو جزاء لما فعلنا ، وفي القاموس : اشتجروا : تخالفوا كتشاجروا وشجر بينهم الأمر شجورا تنازعوا فيه ، والشيء شجرا : ربطه ، والرجل عن الأمر صرفه ونحاه ومنعه ودفعه ، والشجر : الأمر المختلف ، وشجر كفرح كثر جمعه.

الحديث الثامن : ضعيف على المشهور ، وقد مر مضمونه في كتاب العقل في باب رواية الكتب ، والمشهور بين المفسرين أن ضمير أحسنه راجع إلى القول فاتباع أحسنه عبارة عن ترك التصرف فيه بزيادة أو نقص لإرادة النقل بالمعنى ، وهذا التصرف مناف للتسليم وقد مر أنه يحتمل أن يكون الضمير راجعا إلى الأتباع المذكور في ضمن الفعل ، أي يتبعون أحسن اتباع فينطبق ما ذكره عليه‌السلام عليه بلا تكلف.

باب أن الواجب على الناس بعد ما يقضون مناسكهم أن يأتوا الإمام فيسألونه عن معالم دينهم ويعلمونهم ولايتهم ومودتهم لهم

الفاء في قوله « فيسألونه » للاستئناف ، والتقدير فهم يسألونه ، قال في مغني اللبيب : قيل : تكون الفاء للاستئناف كقوله : « ألم تسأل الربع القواء فينطق » أي فهو ينطق لأنها لو كانت للعطف لجزم ما بعدها ، ولو كانت للسببية لنصب ، انتهى.

٢٨٤

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أذينة ، عن الفضيل ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال نظر إلى الناس يطوفون حول الكعبة فقال هكذا كانوا يطوفون في الجاهلية إنما أمروا أن يطوفوا بها ثم ينفروا إلينا فيعلمونا ولايتهم ومودتهم ويعرضوا علينا نصرتهم ثم قرأ هذه الآية « فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ » (١)

______________________________________________________

الحديث الأول : حسن.

« هكذا كانوا يطوفون » أي في عدم المعرفة بأحكامه وآدابه وعدم تحقق شرائط القبول فيهم ، فإن من شرائطه الإسلام والإيمان وهؤلاء لإخلالهم بالولاية مثلهم في عدم الإيمان بل الإسلام ، وفيه إشعار بأن علة وجوب الحج إتيان الإمام وعرض الولاية والنصرة عليه وأخذ الأحكام منه ، فيحتمل أن يكون المراد بقوله : هكذا كانوا يطوفون ، أنهم يطوفون من غير معرفة لهم بالمقصود الأصلي من الأمر بالإتيان إلى الكعبة والطواف ، فإن إبراهيم على نبينا وآله وعليه السلام حين بنى الكعبة وجعل لذريته عندها مسكنا قال « رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ » فاستجاب الله دعاءه وأمر الناس بالإتيان إلى الحج من كل فج ليتحببوا إلى ذريته ويعرضوا عليهم نصرتهم وولايتهم ، ليصير ذلك سببا لنجاتهم ووسيلة إلى رفع درجاتهم وذريعة إلى تعرف أحكام دينهم ، وتقوية أيمانهم ويقينهم وعرض النصرة أن يقولوا : نحن من شيعتكم متهيئون لنصرتكم ، فإن أمرتمونا بالخروج والجهاد أو غير ذلك من الأمور نطيعكم.

ثم اعلم أن في النسخ التي رأينا واجعل بالواو ، وفي المصاحف بالفاء ولعله من النساخ أو نقل بالمعنى والأفئدة جمع فؤاد وهو القلب ، ومن للابتداء كقولك : القلب مني سقيم ، أي أفئدة ناس ، أو للتبعيض ولذلك ورد لو قال : أفئدة الناس لازدحمت عليهم فارس والروم « تَهْوِي إِلَيْهِمْ » أي تسرع إليهم شوقا وودا.

__________________

(١) سورة إبراهيم : ٣٧.

٢٨٥

٢ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن علي بن أسباط ، عن داود بن النعمان ، عن أبي عبيدة قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام ورأى الناس بمكة وما يعملون قال فقال فعال كفعال الجاهلية أما والله ما أمروا بهذا وما أمروا إلا أن يقضوا « تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ » فيمروا بنا فيخبرونا بولايتهم ويعرضوا علينا نصرتهم.

______________________________________________________

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

وفعال بكسر الفاء جمع فعل ، وبالفتح مفرد « ما أمروا بهذا » أي وحده أو بهذا الوجه الذي يفعلون كما مر ، قال الله تعالى : « وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ ، ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ » (١) وقال الطبرسي (ره) : ثم ليقضوا تفثهم ، ليزيلوا تفث الحرام من تقليم ظفر وأخذ شعر وغسل واستعمال طيب ، وقيل : معناه ليقضوا مناسك الحج كلها عن ابن عباس وابن عمر ، قال الزجاج : قضاء التفث كناية عن الخروج من الإحرام إلى الإحلال « وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ » بقضائها أي وليتموا نذورهم وقضاءها قال ابن عباس : هو نحر ما نذروا من البدن ، وقيل : هو ما نذروا من أعمال البر في أيام الحج ، وربما نذر الإنسان أن يتصدق إن رزقه الله الحج ، وإن كان على الرجل نذرا مطلقة فالأفضل أن يفي بها هناك أيضا ، انتهى.

وأقول : قوله فيمروا بنا ، يحتمل أن يكون تفسيرا لقضاء التفث أو للإيفاء بالنذور ، فإن ولاية الإمام من أعظم العهود التي يجب الوفاء بها ، أو لا يكون تفسيرا لشيء منهما لبيان ما يجب عليهم الإتيان به بعد الحج وحكمة وجوب الحج كما مر. ويؤيد الأول ما روي عن عبد الله بن سنان عن ذريح المحاربي قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إن الله أمرني في كتابه بأمر فأحب أن أعلمه ، قال : وما ذاك؟ قلت : قول الله : « ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ » قال : ليقضوا تفثهم لقاء الإمام ، وليوفوا نذورهم تلك المناسك ، قال عبد الله سنان : فأتيت أبا عبد الله عليه‌السلام فقلت : جعلت فداك قول الله

__________________

(١) سورة الحج : ٢٩.

٢٨٦

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن صالح بن السندي ، عن جعفر بن بشير ومحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن فضال جميعا ، عن أبي جميلة ، عن خالد بن عمار ، عن سدير قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام وهو داخل وأنا خارج وأخذ بيدي ثم استقبل البيت فقال يا سدير إنما أمر الناس أن يأتوا هذه الأحجار فيطوفوا بها ثم يأتونا فيعلمونا ولايتهم لنا وهو قول الله « وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى » (١) ثم أومأ بيده إلى صدره إلى ولايتنا ثم قال يا سدير فأريك

______________________________________________________

« ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ » قال : أخذ الشارب وقص الأظفار وما أشبه ذلك ، قال : قلت : جعلت فداك فإن ذريحا المحاربي حدثني عنك أنك قلت ثم ليقضوا تفثهم : لقاء الإمام ، « وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ » تلك المناسك ، قال : صدق ذريح وصدقت ، إن للقرآن ظاهرا وباطنا ، ومن يحتمل ما يحتمل ذريح!

وعلى هذا فالمراد بالتفث أو قضائه تطهير البدن والقلب والروح من الأوساخ الظاهرة والباطنة ، فيدخل فيه المعنيان معا إذ الغسل وحلق الشعر وقص الأظفار تطهير للبدن من الأوساخ الظاهرة ، ولقاء الإمام تطهير للقلب من الأدران والأوساخ الباطنة التي هي الجهل والضلال والصفات الرديئة والأخلاق الدنية ، وسيأتي مزيد توضيح لذلك في كتاب الحج إن شاء الله.

الحديث الثالث : ضعيف.

« وهو داخل » أي في المسجد الحرام « وأنا خارج » أي منه ، والواو الأولى للحال ، ومفعول سمعت محذوف يفسره قوله يا سدير « وأخذ بيدي » عطف للجملة الفعلية على الاسمية « يأتوا هذه الأحجار » كان التعبير بهذه العبارة للتنبيه على أن في أمر الحكيم العليم بإتيان هذه الأحجار لا بد من سر عظيم وحكمة جليلة هي إتيان الإمام وعرض الولاية عليهم ، فظاهره الأحجار وباطنه موالاة الأئمة الأبرار « إلى ولايتنا » فيه تقدير القول ، أي وقال ولايتنا ، والظرف متعلق بقوله « اهتدى ».

« الصادين عن دين الله » أي المانعين الناس عنه.

__________________

(١) سورة طه : ٨٢.

٢٨٧

الصادين عن دين الله ثم نظر إلى أبي حنيفة وسفيان الثوري في ذلك الزمان وهم حلق في المسجد فقال هؤلاء الصادون عن دين الله بلا هدى من الله ولا كتاب مبين إن هؤلاء الأخابث لو جلسوا في بيوتهم فجال الناس فلم يجدوا أحدا يخبرهم عن الله تبارك وتعالى وعن رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى يأتونا فنخبرهم عن الله تبارك وتعالى وعن رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

باب

أن الأئمة تدخل الملائكة بيوتهم وتطأ بسطهم وتأتيهم

بالأخبار عليهم‌السلام

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن سنان ، عن مسمع كردين البصري قال كنت لا أزيد على أكلة بالليل والنهار فربما استأذنت على أبي عبد الله عليه‌السلام وأجد المائدة قد رفعت لعلي لا أراها بين يديه فإذا دخلت دعا بها فأصيب

______________________________________________________

« إلى أبي حنيفة » من فقهاء المخالفين « وسفيان الثوري » من صوفيتهم ، وضمير « هم » للصادين أو للملعونين باعتبار أنهما كانا مع أتباعهما ، والحلق كعنب جمع حلقة بالفتح وهم الجماعات ، يستدير كل جماعة منهم كحلقة الباب وغيرها كذا في النهاية ، وقال الجوهري : جمع الحلقة ، حلق بفتح الحاء على غير قياس ، وحكي عن أبي عمرو أن الواحد حلقة بالتحريك والجمع حلق بالفتح « بلا هدى من الله » تأكيد والهداية بالوحي أو الإلهام أو السماع من أئمة الهدى ، والأخابيث جمع أخبث « لو جلسوا » لو للتمني وقوله « فنخبرهم » منصوب أو للشرط وجزاؤه محذوف أي لكان خيرا لهم ، ويدل على أن الصوفية الذين كانوا في أعصار الأئمة عليهم‌السلام كانوا معارضين لهم صادين عنهم وعن دين الله عليهم لعنة الله.

باب أن الأئمة تدخل الملائكة بيوتهم وتطأ بسطهم ويأتيهم بالأخبار عليهم‌السلام

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

« وأجد المائدة » جملة حالية يعني استأذنت عليه والحال إني أجد أي أرى

٢٨٨

معه من الطعام ولا أتأذى بذلك وإذا عقبت بالطعام عند غيره لم أقدر على أن أقر ولم أنم من النفخة فشكوت ذلك إليه وأخبرته بأني إذا أكلت عنده لم أتأذ به فقال يا أبا سيار إنك تأكل طعام قوم صالحين تصافحهم الملائكة على فرشهم قال قلت ويظهرون لكم قال فمسح يده على بعض صبيانه فقال هم ألطف بصبياننا منا بهم.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن خالد ، عن محمد بن القاسم ، عن الحسين بن أبي العلاء ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال يا حسين وضرب بيده إلى مساور في البيت مساور طال ما اتكت عليها الملائكة وربما التقطنا من زغبها.

______________________________________________________

أو أجد في نفسي واعلم أن المائدة قد رفعت ، وإنما فعلت ذلك لكي لا أرى المائدة بين يديه عليه‌السلام ، والمعنى كنت أتعمد الاستئذان عليه بعد رفع المائدة لئلا يلزمني الأكل لزعمي أني أتضرر به « فأصبت معه » أي تناولت عنده أو بشراكته ، بأن يكون عليه‌السلام يعيد الأكل لعدم احتشامه « وإذا عقبت » على بناء التفعيل أي أكلت بعد أكلتي « من النفخة » أي الريح المحبوس في البطن « هم ألطف بصبياننا » أي يظهرون لنا لخدمة صبياننا ولا ينافي هذا ما مر أن الإمام لا يعاين الملك إذ قد سبق أنه محمول على أنه لا يعاينه وقت التحديث لا مطلقا ، أو لا يرونه في صورته الأصلية أو غالبا ، والأول أظهر.

الحديث الثاني : حسن.

والمساور جمع مسور كمنبر وهو متكئا من أدم « مساور » خبر مبتدإ محذوف أي هذه مساور ، وما في قوله : ما اتكت ، مصدرية ، والاتكاء مهموز قلبت همزته ألفا وأسقطت بالإعلال « وربما التقطنا » أي أخذنا وفي القاموس : الزغب صغار الشعر والريش ولينه وأول ما يبدو منهما ، انتهى.

والخبر يدل صريحا على تجسم الملائكة وأنهم أولو أجنحة كما عليه إجماع المسلمين ردا على الفلاسفة ومن يتبعهم.

٢٨٩

٣ ـ محمد ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم قال حدثني مالك بن عطية الأحمسي ، عن أبي حمزة الثمالي قال دخلت على علي بن الحسين عليه‌السلام فاحتبست في الدار ساعة ثم دخلت البيت وهو يلتقط شيئا وأدخل يده من وراء الستر فناوله من كان في البيت فقلت جعلت فداك هذا الذي أراك تلتقطه أي شيء هو فقال فضلة من زغب الملائكة نجمعه إذا خلونا نجعله سيحا لأولادنا فقلت جعلت فداك

______________________________________________________

الحديث الثالث : صحيح « فاحتبست » على بناء المعلوم أو المجهول ، لأنه لازم ومتعد أي حبسوني في صحن الدار ساعة ثم جاءني الإذن في دخول البيت ، وكان الاحتباس كان لالتقاط الزغب « إذا خلونا » بتشديد اللام أي تركونا وذهبوا عنا أو بتخفيفها والواو الأصلية من الخلوة ، والمال واحد « نجعله سيحا » في أكثر النسخ بالياء المثناة التحتانية ، وقال الجوهري : السيح ضرب من البرود ، والسيح عباءة وبرد مسيح ومسير أي مخطط ، وعباءة مسيحية ، وفي بعضها بالباء الموحدة جمع سبحة وبالضم وهي خرزات يسبح بها ، قيل : لعله أراد عليه‌السلام بذلك جعلها منظومة في خيط كالخزرات التي يسبح بها ، وتعليقها على الأولاد للعوذة ، وذلك لأن اتخاذ التمائم والعوذات من الخرزات على هيئة السبحة كان متعارفا في سوالف الأزمنة كما هو اليوم ، وربما تسمى سبحة وإن لم يسبح بها ، انتهى.

وأقول : في بصائر الدرجات سخابا لأولادنا في أخبار كثيرة ، والسخاب ككتاب خيط ينظم فيه خزر ويلبسه الصبيان والجواري ، وقيل : هو قلادة تتخذ من قرنفل ومسك ونحوه وليس فيها من اللؤلؤ والجوهر شيء ، كذا ذكره الجزري.

ويؤيده ما رواه في البصائر أيضا عن مفضل بن عمر قال : دخلت على أبي عبد الله فبينا أنا جالس عنده إذ أقبل موسى ابنه وفي رقبته قلادة فيها ريش غلاظ ، فدعوت به فقبلته وضممته إلى ، ثم قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك أي شيء هذا الذي في رقبة موسى؟ فقال : هذا من أجنحة الملائكة ، قال : فقلت : وإنها لتأتيكم؟ قال : نعم

٢٩٠

وإنهم ليأتونكم فقال يا أبا حمزة إنهم ليزاحمونا على تكأتنا.

٤ ـ محمد ، عن محمد بن الحسن ، عن محمد بن أسلم ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال سمعته يقول ما من ملك يهبطه الله في أمر ما يهبطه إلا بدأ بالإمام فعرض ذلك عليه وإن مختلف الملائكة من عند الله تبارك وتعالى إلى صاحب هذا الأمر.

باب

أن الجن يأتيهم فيسألونهم عن معالم دينهم ويتوجهون في أمورهم

١ ـ بعض أصحابنا ، عن محمد بن علي ، عن يحيى بن مساور ، عن سعد الإسكاف قال أتيت أبا جعفر عليه‌السلام في بعض ما أتيته فجعل يقول لا تعجل حتى حميت الشمس علي وجعلت أتتبع الأفياء فما لبث أن خرج علي قوم كأنهم الجراد الصفر عليهم

______________________________________________________

وإنها لتأتينا وتتعفر في فرشنا ، وإن هذا الذي في رقبة موسى من أجنحتها « ليزاحمونا » أي يجلسون في مجلسنا وعلي مساورنا بحيث يضيق المجلس علينا ، والتكأة كهمزة : ما يعتمد عليه حين الجلوس.

الحديث الرابع : ضعيف ، وأبو الحسن هو الكاظم عليه‌السلام « في أمر » كان في للتعليل وما للإبهام والتعميم ، ويحتمل أن يكون ما للنفي تأكيدا للنفي السابق لتعميم الحكم كل ملك وكل إهباط ، وفي البصائر في أمر مما يهبط له ، والمختلف مصدر ميمي وعبارة عن المجيء والذهاب « هذا الأمر » أي الإمامة.

باب

أن الجن يأتونهم فيسألونهم عن معالم دينهم ويتوجهون في أمورهم عليهم‌السلام

الحديث الأول : مجهول.

« في بعض ما أتيته » ما مصدرية « فجعل يقول لا تجعل » أي كلما استأذنت للدخول عليه يقول لا تعجل ، فلبثت على الباب حتى حميت الشمس أي اشتد حرها « أتتبع الأفياء » أي أمشي من فيء يزول إلى فيء يحدث مرارا « فما لبث أن خرج »

٢٩١

البتوت قد انتهكتهم العبادة قال فو الله لأنساني ما كنت فيه من حسن هيئة القوم فلما دخلت عليه قال لي أراني قد شققت عليك قلت أجل والله لقد أنساني ما كنت فيه قوم مروا بي لم أر قوما أحسن هيئة منهم في زي رجل واحد كأن ألوانهم الجراد الصفر قد انتهكتهم العبادة فقال يا سعد رأيتهم قلت نعم قال أولئك إخوانك من الجن قال فقلت يأتونك قال نعم يأتونا يسألونا عن معالم دينهم

______________________________________________________

الظاهر أن مراده أن خروجهم كان على فجأة بدون اطلاع مني عليه قبله ، أو حدث ذلك بعد يأسى من الدخول دفعة بلا مهلة ، وقيل : أن مصدرية فاعل لبث ، أي كان خروجهم بدون تراخي بعضهم من بعض فكأنهم خرجوا دفعة ، والجراد اسم جنس جرادة أقيم مقام الجمع بقرينة الصفر ، وفي سورة القمر : « كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ » (١).

وقال الجوهري : البت الطيلسان من خز ونحوه والجمع البتوت ، وفي القاموس نهكه كمنعه غلبه ، والثوب لبسه حتى خلق نهكا ونهكا ونهاكة ، والضرع نهكا استوفي جميع ما فيه ، والحمى أضنته وهزلته وجهدته كنهكته كفرح وانتهكته ، انتهى.

وكان فاعل أنساني الضمير الراجع إلى أن خرج ومفعوله : ما كنت فيه ، أي المشقة الحاصلة من حرارة الشمس وتتبع الأفياء ومن للتعليل.

ويحتمل أن يكون من للتبعيض والظرف فاعلا لأنساني ، أي شيء من حسن هيئتهم « قد شققت عليك » أي أوقعتك في المشقة « أجل » بالتحريك أي نعم « في زي رجل واحد » في الصحاح : الزي اللباس والهيئة وأصله زوي ، أي كان جميعهم على هيئة واحدة أو كانوا لاجتماعهم على طريقة واحدة كأنهم رجل واحد كما قيل ، والأول أظهر.

« كان ألوانهم الجراد » أي ألوان الجراد ، وقيل الألوان الأنواع والمراد هنا الشركاء في تمام الحقيقة النوعية وهو بعيد « رأيتهم » استفهام تقريري « إخوانك » أي أهل دينك « عن معالم دينهم » أي ما يعلمون به دينهم.

ويدل على أن الجن يمكن للناس رؤيتهم حتى لغير الأنبياء والأوصياء عليهم‌السلام

__________________

(١) الآية : ٧.

٢٩٢

وحلالهم وحرامهم.

٢ ـ علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن علي بن حسان ، عن إبراهيم بن إسماعيل ، عن ابن جبل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال كنا ببابه فخرج علينا قوم أشباه الزط عليهم أزر وأكسية فسألنا أبا عبد الله عليه‌السلام عنهم فقال هؤلاء إخوانكم من الجن.

٣ ـ أحمد بن إدريس ومحمد بن يحيى ، عن الحسن بن علي الكوفي ، عن ابن فضال ، عن بعض أصحابنا ، عن سعد الإسكاف قال أتيت أبا جعفر عليه‌السلام أريد الإذن عليه فإذا رحال إبل على الباب مصفوفة وإذا الأصوات قد ارتفعت ثم خرج

______________________________________________________

وأنهم أجسام لطيفة يتشكلون بإشكال الإنس وغيرهم ، إما بقدرة الله تعالى وإرادته أو أقدرهم الله تعالى على ذلك ، والآيات والأخبار دالة على ذلك أوردتها في كتاب السماء والعالم ، والقول بنفيهم أو عدم جواز رؤيتهم خروج عن الدين ، وهو مذهب فلاسفة الملحدين ، ومنهم من ينكر رؤيتهم إذا كانوا بصورهم الأصلية وهو أيضا باطل والجن خلاف الإنس والواحد جني سميت بذلك لاستتارها غالبا.

الحديث الثاني : ضعيف.

والزط بالضم جنس من السودان والهنود ، والأزر جمع إزار ككتاب وكتب ، والأكسية جمع الكساء.

الحديث الثالث : مرسل.

« فإذا رحال إبل » وفي بعض النسخ : رحائل إبل عليها رحالها أو رحائلها ، وفي البصائر فإذا رواحل على الباب وهو أظهر ، والرحال بالكسر جمع رحل بالفتح ، وهو للبعير كالسرج للفرس ، قال الجوهري : الرحل رحل البعير وهو أصغر من القتب والجمع الرحال ، والراحلة الناقة التي تصلح لأن ترحل ويقال : الراحلة المركب من الإبل ذكرا كان أو أنثى ، والرحالة سرج من جلود ليس فيها خشب كانوا يتخذونه للركض الشديد ، والجمع الرحائل ، انتهى.

ورحال مبتدأ ، وعلى الباب خبره « مصفوفة » خبر ثان ، وارتفاع الأصوات إما

٢٩٣

قوم معتمين بالعمائم يشبهون الزط قال فدخلت على أبي جعفر عليه‌السلام فقلت جعلت فداك أبطأ إذنك علي اليوم ورأيت قوما خرجوا علي معتمين بالعمائم فأنكرتهم فقال أوتدري من أولئك يا سعد قال قلت لا قال فقال أولئك إخوانكم من الجن يأتونا فيسألونا عن حلالهم وحرامهم ومعالم دينهم.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن إبراهيم بن أبي البلاد ، عن سدير الصيرفي قال أوصاني أبو جعفر عليه‌السلام بحوائج له بالمدينة فخرجت فبينا أنا بين فج الروحاء على راحلتي إذا إنسان يلوي ثوبه قال فملت إليه وظننت أنه عطشان فناولته الإداوة فقال لي لا حاجة لي بها وناولني كتابا طينه رطب قال فلما نظرت إلى الخاتم إذا خاتم أبي جعفر عليه‌السلام فقلت متى عهدك بصاحب الكتاب قال الساعة وإذا في الكتاب أشياء يأمرني بها ثم التفت فإذا ليس عندي أحد قال ثم قدم

______________________________________________________

عند السؤال أو عند الدعاء للخروج « فأنكرتهم » أي لم أعرفهم بأعيانهم « أو تدري من أولئك » أي من أي نوع هم؟ والهمزة للاستفهام والواو للعطف ، وقوله : لا ، لشكه بعد السؤال ، وإلا كان قبل ذلك يظنهم من الإنس ، وقد يقال السؤال لإمكان حصول معرفة بعده أو لتنشيطه بها وتشويقه إليها ، وقيل : أي أنكرتهم قبل وتدري الآن بالتفكر ، والأصوب ما ذكرنا.

الحديث الرابع : حسن وآخره مرسل.

وقوله : بالمدينة ، إما متعلق بأوصاني بأن يكون الراوي خرج قبله عليه‌السلام إلى مكة فأوصاه عليه‌السلام بأشياء يعلمها في مكة ، فالمراد بالقدوم دخول مكة ، أو نعت للحوائج فالأمر بالعكس ، والفج : الطريق بين الجبلين أو الطريق الواسع ، والروحاء موضع بين الحرمين على ثلاثين أو أربعين ميلا من المدينة على ما ذكره الفيروزآبادي.

« إذا إنسان » أي في الصورة وفي القاموس : لواه يلويه ليا فتله وثناه ، وبرأسه أمال ، والناقة بذنبها حركت كالوت فيهما ، وألوى الرجل بثوبه أشار ، وقال الإداوة بالكسر : المطهرة.

٢٩٤

أبو جعفر عليه‌السلام فلقيته فقلت جعلت فداك رجل أتاني بكتابك وطينه رطب فقال يا سدير إن لنا خدما من الجن فإذا أردنا السرعة بعثناهم.

وفي رواية أخرى قال إن لنا أتباعا من الجن كما أن لنا أتباعا من الإنس فإذا أردنا أمرا بعثناهم.

٥ ـ علي بن محمد ومحمد بن الحسن ، عن سهل بن زياد عمن ذكره ، عن محمد بن جحرش قال حدثتني حكيمة بنت موسى قالت رأيت الرضا عليه‌السلام واقفا على باب بيت الحطب وهو يناجي ولست أرى أحدا فقلت يا سيدي لمن تناجي فقال هذا عامر الزهرائي أتاني يسألني ويشكو إلي فقلت يا سيدي أحب أن أسمع كلامه فقال لي إنك إن سمعت به حممت سنة فقلت يا سيدي أحب أن أسمعه فقال لي اسمعي فاستمعت فسمعت شبه الصفير وركبتني الحمى فحممت سنة.

٦ ـ محمد بن يحيى وأحمد بن محمد ، عن محمد بن الحسن ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن عمرو بن عثمان ، عن إبراهيم بن أيوب ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال بينا أمير المؤمنين عليه‌السلام على المنبر إذ أقبل ثعبان من ناحية باب من أبواب

______________________________________________________

قوله : طينه رطب ، أي الطين الذي ختم عليه ، ويدل على أن الجن لهم حالة يرون فيها وأخرى لا يرون فيها.

الحديث الخامس : ضعيف.

وجحرش كجعفر ، وحكيمة بفتح الحاء وكسر الكاف أو بضم الحاء وفتح الكاف وهي أخت الرضا عليه‌السلام ، وعامر اسم الجني « حممت » بصيغة المجهول ويشكو إلى أي مرضا أو ظلما وقع عليه ، وركبتني من باب علم أي علتني.

الحديث السادس : ضعيف على المشهور ومضمونه من المتواترات ، وباب الثعبان في مسجد الكوفة مشهور ، ويذكر أن بني أمية لعنهم الله ربطوا على هذا الباب فيلا لمحو هذا الاسم عن الخواطر فاشتهر بباب الفيل بعد ذلك ، والثعبان الحية الضخمة الطويلة ، وإذ للمفاجأة.

« من أبواب المسجد » أي مسجد الكوفة « فهم الناس » أي قصدوا أن يقتلوه

٢٩٥

المسجد فهم الناس أن يقتلوه فأرسل أمير المؤمنين عليه‌السلام أن كفوا فكفوا وأقبل الثعبان ينساب حتى انتهى إلى المنبر فتطاول فسلم على أمير المؤمنين عليه‌السلام فأشار أمير المؤمنين عليه‌السلام إليه أن يقف حتى يفرغ من خطبته ولما فرغ من خطبته أقبل عليه فقال من أنت فقال عمرو بن عثمان خليفتك على الجن وإن أبي مات وأوصاني أن آتيك فأستطلع رأيك وقد أتيتك يا أمير المؤمنين فما تأمرني به وما ترى فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام أوصيك بتقوى الله وأن تنصرف فتقوم مقام أبيك في الجن فإنك خليفتي عليهم قال فودع عمرو أمير المؤمنين وانصرف فهو خليفته على الجن فقلت له جعلت فداك فيأتيك عمرو وذاك الواجب عليه قال نعم.

٧ ـ علي بن محمد ، عن صالح بن أبي حماد ، عن محمد بن أورمة ، عن أحمد بن النضر ، عن النعمان بن بشير قال كنت مزاملا لجابر بن يزيد الجعفي فلما أن كنا بالمدينة دخل على أبي جعفر عليه‌السلام فودعه وخرج من عنده وهو مسرور حتى وردنا الأخيرجة أول منزل نعدل من فيد إلى المدينة ـ يوم جمعة فصلينا الزوال

______________________________________________________

« أن كفوا » أي أمسكوا ، وأن مصدرية وأن الثانية مفسرة لأن الإرسال يتضمن معنى القول ، والانسباب مشي الحية وما أشبهها ، وفي القاموس : ساب جرى ومشى مسرعا كأنساب ، انتهى.

« فتطاول » أي قام على ذنبه « فأشار » كأنه بعد رد السلام « أن يقف » أن مصدرية بتأويل بأن « خليفتك » بالجر نعت أو بدل لعثمان ، وفي القاموس : استطلع رأي فلان : نظر ما عنده ، وما الذي يبرز إليه من أمره « فيأتيك »؟ بتقدير الاستفهام ، أي للسؤال عن المشكلات « وذاك الواجب عليه » أي الإتيان إليك أمر واجب عليه

الحديث السابع : ضعيف أو مجهول.

والمزامل في المحمل ، وفي القاموس : أخرجه : بئر في أصل جبل ، انتهى ، وكذا في بعض النسخ ، وفي أكثرها الأخيرجة وكأنها تصغيرها و « أول » منصوب بدل الأخيرجة أو مرفوع بالخبرية ، أي هي أول منزل يعدل من فيد ، ولعل المعنى أن

٢٩٦

فلما نهض بنا البعير إذا أنا برجل طوال آدم معه كتاب فناوله جابرا فتناوله فقبله ووضعه على عينيه وإذا هو من محمد بن علي إلى جابر بن يزيد وعليه طين أسود رطب فقال له متى عهدك بسيدي فقال الساعة فقال له قبل الصلاة أو بعد الصلاة فقال بعد الصلاة ففك الخاتم وأقبل يقرؤه ويقبض وجهه حتى أتى على آخره ثم أمسك الكتاب فما رأيته ضاحكا ولا مسرورا حتى وافى الكوفة فلما وافينا الكوفة ليلا بت ليلتي فلما أصبحت أتيته إعظاما له فوجدته قد خرج علي وفي عنقه كعاب قد علقها وقد ركب قصبة وهو يقول أجد منصور بن جمهور أميرا غير مأمور وأبياتا من نحو هذا فنظر في وجهي ونظرت في وجهه فلم يقل

______________________________________________________

فيدا منزل مشترك بين من يذهب من الكوفة إلى مكة أو إلى المدينة ، وكذا ما قبله من المنازل ، فإذا خرج المسافر من فيد يفترق الطريقان فإذا ذهب إلى المدينة فأول منزل ينزله الأخيرجة ، وقيل : أراد به أن المسافة بين الأخيرجة وبين المدينة كالمسافة بين فيد والمدينة ، وقيل : كانت المسافة بينها وبين الكوفة مثل ما بين فيد والمدينة وما ذكرنا أظهر كما لا يخفى ، وفي القاموس : الفيد : قلعة بطريق مكة.

« يوم جمعة » ظرف لقوله : وردنا ، وفي القاموس : طال طولا امتد فهو طويل ، وطوال كغراب ، وقال : الأدمة ما فيها السمرة ، أدم كعلم وكرم فهو أدم ، انتهى.

« قبل الصلاة » أي صلاة الزوال « ويقبض وجهه » أي كان كلما يقرأ يزداد انقباضا وعبوسا « حتى أتى على آخره » أي قرأه جميعا « حتى وافى الكوفة » أي دخلها « أجد » بصيغة المتكلم من الوجدان أي أعلمه ، وقيل : أمر من الإجادة أي أحسن الضراب والقتل وهو بعيد « غير مأمور » أي لأحد في الكوفة ، كناية عن استقلاله وكان هذا مما سمعه من الإمام عليه‌السلام من الأخبار الآتية ، ومنصور بن جمهور كان واليا من قبل بني أمية على الكوفة ولاه يزيد بن وليد بعد عزل يوسف بن عمر في سنة ست وعشرين ومائة ، بعد وفاة الباقر عليه‌السلام باثنتي عشر سنة « وأقبلت » أي

٢٩٧

لي شيئا ولم أقل له وأقبلت أبكي لما رأيته واجتمع علي وعليه الصبيان والناس وجاء حتى دخل الرحبة وأقبل يدور مع الصبيان والناس يقولون جن جابر بن يزيد جن فو الله ما مضت الأيام حتى ورد كتاب هشام بن عبد الملك إلى واليه أن انظر رجلا يقال له ـ جابر بن يزيد الجعفي فاضرب عنقه وابعث إلي برأسه فالتفت إلى جلسائه فقال لهم من جابر بن يزيد الجعفي قالوا أصلحك الله كان رجلا له علم وفضل وحديث وحج فجن وهو ذا في الرحبة مع الصبيان على القصب يلعب معهم قال فأشرف عليه فإذا هو مع الصبيان يلعب على القصب فقال الحمد لله الذي عافاني من قتله قال ولم تمض الأيام حتى دخل منصور بن جمهور الكوفة وصنع ما كان يقول جابر.

باب

في الأئمة عليهم‌السلام أنهم إذا ظهر أمرهم حكموا بحكم داود وآل داود

ولا يسألون البينة عليهم‌السلام والرحمة والرضوان

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن منصور ، عن فضل الأعور ، عن أبي عبيدة الحذاء قال كنا زمان أبي جعفر عليه‌السلام حين قبض نتردد

______________________________________________________

شرعت « لما رأيته » بكسر اللام وتخفيف الميم والضمير لما ، أو بفتح اللام وشد الميم والضمير لجابر ، والرحبة فضاء واسع كان بالكوفة كالميدان ، وفي القاموس : رحبة المكان ـ ويسكن ـ : ساحته ، ومتسعه ، والرحبة محلة بالكوفة ، انتهى.

« أن أنظر » أن مفسرة لتضمن الكتاب معنى القول ، وقيل : مصدرية ذكره ابن هشام.

باب في الأئمة عليهم‌السلام أنهم إذا ظهر أمرهم حكموا بحكم داود وآل داود ولا يسألون البينة عليهم‌السلام والرحمة والرضوان

الحديث الأول : حسن أو موثق.

« كنا زمان أبي جعفر عليه‌السلام » فيه توسع بأن سمي الزمان المتصل بزمانه عليه‌السلام

٢٩٨

كالغنم لا راعي لها فلقينا سالم بن أبي حفصة فقال لي يا أبا عبيدة من إمامك فقلت أئمتي آل محمد فقال هلكت وأهلكت أما سمعت أنا وأنت أبا جعفر عليه‌السلام يقول من مات وليس عليه إمام مات ميتة جاهلية فقلت بلى لعمري ولقد كان قبل ذلك بثلاث أو نحوها دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام فرزق الله المعرفة فقلت لأبي عبد الله عليه‌السلام إن سالما قال لي كذا وكذا قال فقال يا أبا عبيدة إنه لا يموت

______________________________________________________

زمانه ، وربما يحمل حين قبض على أن المعنى حين أشرف على قبض روحه ، ولعل ما ذكرنا أقرب « نتردد » أي لمعرفة الإمام « فلقينا » على صيغة الغائب أو المتكلم ، وسالم زيدي بتري لعنه الصادق وكذبه وكفره ، وكأنه كان يريد أن يدعو أبا عبيدة إلى زيد ، ويمكن أن يكون هذا قبل ضلالته لأنه كان لم يخرج زيد بعد « أئمتي آل محمد » الظاهر أن أبا عبيدة إنما قال ذلك للتقية أو لمصلحة ، لقوله « وقد كان قبل ذلك (١) » أي قبل مكالمة سالم « بثلاث » أي بثلاث ليال « دخلنا على أبي عبد الله عليه‌السلام ورزق الله المعرفة (٢) » أي معرفته بالإمامة.

« فقلت » أي ثم دخلت بعد ذلك على أبي عبد الله فقلت له ، وقيل : ضمير كان لمعرفة الإمام وذلك إشارة إلى لقاء سالم وكلامه « ودخلنا » استئناف بياني وقال المحدث الأسترآبادي : المناسب ثم دخلنا ، وقال غيره : دخلنا على أبي عبد الله عليه‌السلام كلام مستأنف ، ويحتمل أن يكون قد سقط من صدره كلمة ثم ، وأن يكون متعلقا بكنا زمان أبي جعفر حين قبض ، ويكون ما بينهما معترضا ، وقال آخر : أي وقد كان السماع قبل قبض أبي جعفر أو قبل لقاء سالم بثلاث سنين أو نحوها ، ودخلنا استئناف كأنه قيل : ما فعلت؟ فقال : دخلنا.

وأقول : لا يخفى بعد تلك الوجوه بالنظر إلى ما ذكرنا ، وفي البصائر : قلت : بل لعمري لقد كان ذاك ثم بعد ذلك ونحوها دخلنا ، فلا يحتاج إلى تكلف أصلا.

__________________

(١) وفي المتن « وقد كان ... ».

(٢) وفي المتن « دخلت على أبي عبد الله فرزق الله المعرفة ».

٢٩٩

منا ميت حتى يخلف من بعده من يعمل بمثل عمله ويسير بسيرته ويدعو إلى ما دعا إليه يا أبا عبيدة إنه لم يمنع ما أعطي داود أن أعطي سليمان ثم قال يا أبا عبيدة إذا قام قائم آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله حكم بحكم داود وسليمان لا يسأل بينة.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سنان ، عن أبان قال سمعت

______________________________________________________

« حتى يخلف » على بناء التفعيل ، قال الجوهري : خلف فلانا تخليفا جعله خليفة كاستخلفه.

وفي البصائر : دخلنا على أبي عبد الله عليه‌السلام فرزق الله لنا المعرفة فدخلت عليه فقلت له : لقيت سالما فقال لي كذا وكذا ، وقلت له كذا وكذا ، فقال له أبو عبد الله : يا ويل لسالم ثلاث مرات أما يدري سالم ما منزلة الإمام؟ الإمام أعظم مما يذهب إليه سالم والناس أجمعون ، يا با عبيدة إنه لم يمت منا ميت حتى يخلف من بعده من يعمل بمثل عمله ويسير بمثل سيرته ، ويدعو إلى مثل الذي دعا إليه ، يا با عبيدة إنه لم يمنع الله ما أعطى داود أن أعطى سليمان أفضل ما أعطى داود ، ثم قال : « هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ » (١) قال قلت : ما أعطاه الله جعلت فداك؟ قال : نعم يا با عبيدة إنه إذا قام قائم آل محمد حكم بحكم داود وسليمان ، لا يسأل الناس بينة.

فظهر أن الخبر مختصر ، و « ما » في ما أعطى داود إما مصدرية أي لم يمنع إعطاء الأب إعطاء الابن ، بل اجتمعا معا ، أو موصولة أي لم تمنع تلك الفضائل التي أعطيت داود أن أعطي مثلها سليمان ، والمراد نفي الاستبعاد من إعطاء الإمامة لهم بعد أن أعطيت آباؤهم ، والتنبيه على أن الإمامة لا تكون إلا مع شرائطها التي منها العلم بأحوال الخلق ودواعيهم ، وما هو الحق في دعاويهم حتى يمكنه الحكم بحكم داود وسليمان ، ردا على سالم وأضرابه القائلين بإمامة زيد مع عدم اتصافه بتلك الكمالات.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

__________________

(١) سورة ص : ٣٩.

٣٠٠