الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: مروي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٧٤
إمامه قال جاهلية كفر ونفاق وضلال.
٤ ـ بعض أصحابنا ، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني ، عن مالك بن عامر ، عن المفضل بن زائدة ، عن المفضل بن عمر قال قال أبو عبد الله عليهالسلام من دان الله بغير سماع عن صادق ألزمه الله البتة إلى العناء
______________________________________________________
قوله عليهالسلام جاهلية كفر ، لعله اختيار للشق الأول وتصريح بمفاده ، ويحتمل أن يكون مراد السائل بالجاهلية الجهلاء الكفر في الأحكام الدنيوية ، فيكون كلامه عليهالسلام اختيارا للشق الثاني ، وبيانا لكون عدم معرفة الإمام كاف للكفر الأخروي والنفاق والضلال في الدنيا ، قال الجوهري : قولهم كان في الجاهلية الجهلاء ، هو توكيد للأول يشتق له من اسمه ما يؤكد به ، كما يقال وتد واتد ، وهمج هامج ، وليلة ليلاء ويوم أيوم.
الحديث الرابع : مختلف فيه ، ضعيف على المشهور.
« من دان الله » أي عبد الله أو اعتقد أمور الدين « بغير سماع عن صادق » أي معصوم إشارة إلى قوله تعالى : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ » (١) والسماع أعم من أن يكون بواسطة أو بغيرها « ألزمه الله البتة » في بعض النسخ بالباء الموحدة ثم التاء المثناة الفوقانية المشددة أي قطعا قال الجوهري : يقال ما أفعله بتة والبتة لكل أمر لا رجعة فيه ، ونصبه علي المصدر ، وفي بعض النسخ التيه بالتاء المثناة الفوقانية ثم الياء المثناة التحتانية ، والتيه بالكسر والفتح ، الصلف والكبر والضلال والحيرة ، فهو مفعول ثان لألزمه « إلى العناء » بمعنى مع أو ضمن الفعل معنى الوصول ونحوه ، كذا على النسخة الأولى ، والمراد بالعناء إما العذاب الأخروي والمعنى أنه لا يترتب على عمله إلا المشقة والعناء في الدنيا بلا أجر ولا ثواب في الآخرة ، ولعل في الخبر هنا تصحيفا إذ روى الصفار في البصائر بإسناده عن جابر عن أبي جعفر عليهالسلام أنه قال : من دان الله بغير سماع عن صادق ألزمه الله التيه إلى يوم القيامة فلعله كان هنا أيضا كذلك فصحف.
__________________
(١) سورة التوبة : ١١٩.
ومن ادعى سماعا من غير الباب الذي فتحه الله فهو مشرك وذلك الباب المأمون على سر الله المكنون.
باب
فيمن عرف الحق من أهل البيت ومن أنكر
١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن سليمان بن جعفر قال سمعت الرضا عليهالسلام يقول إن علي بن عبد الله بن الحسين
______________________________________________________
« ومن ادعى سماعا » أي على وجه الإذعان والتصديق ، أو جوز ذلك السماع والعمل به « فهو مشرك » أي شرك طاعة كما مر مرارا وقد قال سبحانه : « اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ » (١) و « المأمون » خبر « ذلك » والغرض أن المراد بالباب ليس كل من يدعي الإمامة بل هو العالم بجميع الأحكام المخبر عن الغيوب المكنونة ، والظاهر أن المكنون صفة سر الله ، ويحتمل أن يكون نعتا للمأمون أي هو الذي لا يعرفه حق معرفته إلا الله ، ومن كان مثله في الفضل والجلالة.
باب فيمن عرف الحق من أهل البيت ومن أنكر
أقول : المراد بأهل البيت ولد علي وفاطمة عليهماالسلام أو الأعم منهم ومن سائر الهاشميين.
الحديث الأول : صحيح.
قوله عليهالسلام : إن علي بن عبد الله في أكثر النسخ عبد الله مكبرا والظاهر عبيد الله مصغرا كما يدل عليه ما ذكره صاحب عمدة الطالب ، وصاحب مقاتل الطالبين وغيرهما قال صاحب العمدة : أعقب علي بن الحسين صلوات الله عليه من ستة رجال محمد الباقر عليهالسلام وعبد الله الباقر ، وزيد الشهيد ، وعمر الأشرف ، والحسين الأصغر ، وعلى الأصغر ثم قال : أعقب الحسين الأصغر من خمسة رجال عبيد الله الأعرج ، وعبد الله ، وعلى وأبي محمد الحسن ، وسليمان ، ثم قال : وأما عبد الله فأعقب من ابنه جعفر ، وكان له ولد يسمى عبيد الله بن عبد الله ، ثم قال : وأما عبيد الله الأعرج ابن الحسين الأصغر بن
__________________
(١) سورة التوبة : ٣١.
ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهالسلام وامرأته وبنيه من أهل الجنة ثم
______________________________________________________
زين العابدين فأعقب منه أربعة رجال : جعفر الحجة ، وعلي الصالح ومحمد الجواني وحمزة مجلس الوصية ثم قال : وأما علي الصالح بن عبيد الله الأعرج ، ففي ولده الرئاسة بالعراق ، ويكنى بأبي الحسن وأمه أم ولد وكان كوفيا ورعا من أهل الفضل والزهد ، وكان هو وزوجته أم سلمة بنت عبد الله بن الحسين بن علي يقال لهما الزوج الصالح ، وكان علي بن عبيد الله مستجاب الدعوة ، وكان محمد بن إبراهيم طباطبا القائم بالكوفة قد أوصى إليه فإن لم يقبل فإلى أحد ابنيه محمد وعبيد الله ، فلم يقبل وصيته ولا أذن لأبنية في الخروج ، وكان عقبه من رجلين عبيد الله الثاني وإبراهيم بن علي ، انتهى.
وذكر صاحب المقاتل أيضا عند ذكر خروج أبي السرايا بالكوفة أيام المأمون أنه لما خرج أبو السرايا داعيا إلى محمد بن إبراهيم وقاتل اعتل محمد فأتاه أبو السرايا وهو يجود بنفسه وأمره بالوصية ، فقال : إن اختلفوا فالأمر إلى علي بن عبيد الله فإني قد بلوت طريقته ورضيت دينه ، ثم اعتقل لسانه ومات.
فلما دفن بالغري حضروا لتعيين الإمام وأخبر أبو السرايا بأنه أوصى إلى شبيهه ومن اختاره وهو أبو الحسن علي بن عبيد الله ، فوثب محمد بن محمد بن زيد وهو غلام حدث السن ، وخطب وأظهر الرضا بعلي بن عبيد الله وأراد بيعته فأبى ، وقال : لا أدع هذا نكولا عنه ، ولكن أتخوف أن اشتغل به عن غيره مما هو أحمد وأفضل عاقبة فامض رحمك الله لأمرك واجمع شمل ابن عمك فقد قلدناك الرئاسة علينا وأنت الرضا عندنا الثقة في أنفسنا ، انتهى.
وأقول : الظاهر أن هذه اللواحق من مفتريات الزيدية وأنه كان أجل من أن يعين إماما أو يرضي بالخروج بدون إذن الإمام عليهالسلام.
قال النجاشي رحمهالله في الفهرست : علي بن عبيد الله بن الحسين بن علي ابن الحسين كان أزهد آل أبي طالب وأعبدهم في زمانه ، واختص بموسى والرضا عليهماالسلام
قال : من عرف هذا الأمر من ولد علي وفاطمة عليهاالسلام لم يكن كالناس.
______________________________________________________
واختلط بأصحابنا الإمامية وكان لما أراده محمد بن إبراهيم طباطبا لأن يبايع له أبو السرايا بعده أبى عليه ورد الأمر إلى محمد بن محمد بن زيد بن علي.
وقال الكشي قدسسره : قرأت في كتاب محمد بن حسن بن بندار بخطه : حدثني محمد بن يحيى العطار عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن سليمان بن جعفر ، قال : قال لي علي بن عبيد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أشتهي أن أدخل على أبي الحسن الرضا عليهالسلام أسلم عليه ، قلت : فما يمنعك من ذلك قال : الإجلال والهيبة واتقى عليه ، قال : فاعتل أبو الحسن عليهالسلام علة خفيفة وقد عاده الناس فلقيت علي بن عبيد الله فقلت له : قد جاءك ما تريد قد اعتل أبو الحسن عليهالسلام علة خفيفة ، وقد عاده الناس ، فإن أردت الدخول عليه فاليوم ، قال : فجاء إلى أبي الحسن عليهالسلام عائدا فلقيه أبو الحسن عليهالسلام بكل ما يجب من المنزلة والتعظيم ، ففرح بذلك علي بن عبيد الله فرحا شديدا ، ثم مرض علي بن عبيد الله فعاده أبو الحسن وأنا معه ، فجلس حتى خرج من كان في البيت ، فلما خرجنا أخبرتني مولاة لنا أن أم سلمة امرأة علي بن عبيد الله كانت من وراء الستر تنظر إليه ، فلما خرج خرجت وانكبت على الموضع الذي كان أبو الحسن عليهالسلام فيه جالسا تقبله وتمسح به.
قال سليمان : ثم دخلت على علي بن عبيد الله فأخبرني بما فعلت أم سلمة فخبرت به أبا الحسن عليهالسلام قال : يا سليمان إن علي بن عبيد الله وامرأته وولده من أهل الجنة ، يا سليمان إن ولد علي وفاطمة إذا عرفهم الله هذا الأمر لم يكونوا كالناس.
وقال النجاشي : له كتاب في الحج يرويه كله عن موسى بن جعفر عليهالسلام وذكر سنده إليه.
قوله عليهالسلام : لم يكن كالناس ، أي ثوابه أكثر من سائر الناس ، إما لشرافتهم من جهة النسب كما ذكر الله في أزواج النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أو لأن أسباب الحسد والبغض
٢ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد قال حدثني الوشاء قال حدثنا أحمد بن عمر الحلال قال قلت لأبي الحسن عليهالسلام أخبرني عمن عاندك ولم يعرف حقك من ولد فاطمة هو وسائر الناس سواء في العقاب فقال كان علي بن الحسين عليهالسلام يقول عليهم ضعفا العقاب.
٣ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن راشد قال حدثنا علي بن إسماعيل الميثمي قال حدثنا ربعي بن عبد الله قال قال لي عبد الرحمن بن
______________________________________________________
في ذوي القربى أكثر فإن الإيمان منهم أشد وأصعب.
وقيل : لهم أجران باعتبار أن المعروف في توافقهم وتعاونهم أن يكون ضعف التوافق والتعاون فيمن عداهم ، كما أن المعروف في تعاندهم أن يكون ضعف تعاند من عداهم ، أو باعتبار أن الشيطان يوسوس إليهم في دعوى الإمامة كما فعله زيد (١) وبنو الحسن.
الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.
والحلال : بياع الحل بالفتح ، وهو دهن السمسم والضعف بالكسر المثل « وضعفا العقاب » أي مثلا عقاب غيرهم ، وربما قيل : ضعفا الشيء ثلاثة أمثاله لأن ضعفه مثله مرتين ، فضعفاه مثله مرات ، ونقل صاحب المغرب عن الشافعي في رجل أوصى فقال أعطوا فلانا ضعف ما يصيب ولدي ، قال : يعطي مثله مرتين ، ولو قال ضعفي ما يصيب ولدي ، تنظر إن أصابه مائة أعطيته ثلاثمائة.
ونظيره ما روى أبو عبيدة في قوله تعالى : « يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ » (٢) قال : معناه تجعل لها للواحد ثلاثة أعذبه وأنكره الأزهري وقال : هذا الذي يستعمله الناس في مجاز كلامهم وتعارفهم ، وإنما الذي قال حذاق النحويين إنها تعذب مثلي عذاب غيرها.
الحديث الثالث : ضعيف
__________________
(١) هذا مخالف لما قاله (ره) في زيد في زيد في باب ما يفص به بين المحق والمبطل من من قوله أنّ الأنسب حسن الظن به ... اه فلا تغفل.
(٢) سورة الأحزاب : ٣٠.
أبي عبد الله قلت لأبي عبد الله عليهالسلام المنكر لهذا الأمر من بني هاشم وغيرهم سواء فقال لي لا تقل المنكر ولكن قل الجاحد من بني هاشم وغيرهم قال أبو الحسن فتفكرت
______________________________________________________
« المنكر لهذا الأمر » الكلام على الاستفهام الإنكاري ، والجحد الإنكار مع العلم ، والإنكار يقابل المعرفة ، ولما كان بنو هاشم عارفين بأمر الأئمة وإمامتهم عليهمالسلام وإنما أنكروها حسدا أو لبعض الأغراض الدنيوية قال عليهالسلام لا تقل فيهم المنكر الذي ظاهره الجهل وعدم المعرفة ، بل قل الجاحد أو المعنى أن الذي يوجب تضاعف العذاب وعدم المساواة إنما هو الجحود ، فأما الجهل وعدم العلم فلا فرق فيه بينهم وبين غيرهم ، وعلى التقديرين الكلام مشتمل على تصديق ما أفاده الاستفهام الإنكاري من نفي المساواة لكن في الجحود.
وأبو الحسن كنية لعلي بن إسماعيل الميثمي ، وذكر الآية لبيان أن الإنكار يطلق في مقابل المعرفة.
ثمّ اعلم أنّ مضاعفة العذاب عليهم إما لكون الحجة عليهم أتم كما أشار إليه سبحانه في أزواج النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم حيث قال : « وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ » (١) أو لأن النعمة من الله تعالى عليهم أكمل فإخلالهم بالشكر أفحش ، أو لأن الذنب من الأشراف أشد ، ولذلك جعل حد الحر ضعفي حد العبد ، وعوقب الأنبياء بما لا يعاقب غيرهم ، أو لأن ضلالهم يصير سببا لضلال غيرهم ، وضلال الناس بهم أكثر من ضلالهم بغيرهم.
قال الطبرسي ـ رحمهالله ـ في قوله تعالى : « يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ » أي مثلي ما يكون على غيرهن لأن نعم الله سبحانه عليهن أكثر لمكان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم منهن ، ونزول الوحي في بيوتهن ، فإذا كانت النعمة عليهن أعظم وأوفر كانت المعصية منهن أفحش والعقوبة بها أعظم وأكثر « وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً » أي كان عذابها على الله هينا « وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ » أي ومن
__________________
(١) سورة الأحزاب : ٣٤.
فيه فذكرت قول الله عز وجل في إخوة يوسف : « فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ».
٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن أبي نصر قال سألت الرضا عليهالسلام قلت له الجاحد منكم ومن غيركم سواء فقال الجاحد منا له ذنبان والمحسن له حسنتان.
باب
ما يجب على الناس عند مضي الإمام
١ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن صفوان ، عن يعقوب بن شعيب قال قلت لأبي عبد الله عليهالسلام إذا حدث على الإمام حدث كيف يصنع الناس؟
______________________________________________________
يطع الله ورسوله « وَتَعْمَلْ صالِحاً » فيما بينها وبين ربها « نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ » أي نعطها ثوابها مثلي ثواب غيرها.
وروى أبو حمزة الثمالي عن زيد بن علي عليهالسلام أنه قال : إني لأرجو للمحسن منا أجرين وأخاف للمسيء منا أن يضاعف له العذاب ضعفين ، كما وعد أزواج النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وروى محمد بن أبي عمير عن إبراهيم بن عبد الحميد عن علي بن عبد الله بن الحسين عن أبيه عن علي بن الحسين زين العابدين عليهالسلام ، أنه قال له رجل : إنكم أهل بيت مغفور لكم؟ قال : فغضب وقال : نحن أحرى أن يجري فينا ما جرى الله في أزواج النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من أن يكون كما تقول ، إنا نرى لمحسننا ضعفين من الأجر ولمسيئنا ضعفين من العذاب ، ثم قرأ الآيتين.
الحديث الرابع : صحيح.
باب ما يجب على الناس عند مضي الإمام
الحديث الأول : صحيح.
والحدث بالتحريك المصيبة والمراد هنا الموت ، ويدل على الوجوب كفاية على النائين عن بلد الإمام أن ينفر جماعة منهم للعلم بتعيين الإمام بعد الإمام وأنه لا بد من
قال أين قول الله عز وجل : « فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ » (١) قال هم في عذر ما داموا في الطلب
______________________________________________________
العلم بالتعيين ، وأن لا يكفي العلم بوجود إمام بعده مجملا ، هذا مع القدرة وأما مع عدمها فيكفي ذلك كما فعل زرارة رضياللهعنه ، وكذا لو مات في الطلب أو الانتظار ، وبذلك يخرجون عن كون موتهم ميتة جاهلية ، ثم هذا مع العلم بعدم خلو العصر من الإمام ظاهر ، وأما مع عدم العلم بذلك ووجوب الطلب وعدم تمام الحجة عليه في ذلك فمشكل.
وأما قوله سبحانه : « فَلَوْ لا نَفَرَ » فقال الطبرسي قدسسره : اختلف في معناه على وجوه :
أحدها : أن معناه فهلا خرج إلى الغزو من كل قبيلة جماعة ويبقى مع النبي جماعة ليتفقهوا في الدين ، يعني الفرقة القاعدين يتعلمون القرآن والسنن والفرائض والأحكام ، فإذا رجعت السرايا وقد نزل بعدهم قرآن وتعلمه القاعدون قالوا لهم إذا رجعوا إليهم إن الله قد أنزل بعدكم على نبيكم قرآنا وقد تعلمناه فيتعلمه السرايا ، فذلك قوله : « وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ » أي وليعلموهم القرآن « لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ » فلا يعملون بخلافه عن ابن عباس وغيره ، وقال الباقر عليهالسلام : كان هذا حين كثر الناس فأمرهم الله أن تنفر منهم طائفة للتفقه ، ويكون الغزو نوبا.
وثانيها : أن التفقه والإنذار يرجعان إلى الفرقة النافرة ، وحثها الله على التفقه لترجع إلى المتخلفة فتحذرها ، فمعنى ليتفقهوا في الدين ليتبصروا ويتيقنوا بما يريهم الله عز وجل من الظهور على المشركين ونصرة الدين ، ولينذروا قومهم من الكفار إذا رجعوا إليهم من الجهاد ، فيخبرونهم بنصر الله النبي والمؤمنين ، ويخبرونهم أنهم لا يدان لهم بقتال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والمؤمنين « لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ » أن يقاتلوا النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فينزل بهم ما نزل بأصحابهم من الكفار.
__________________
(١) سورة التوبة : ١٢٣.
وهؤلاء الذين ينتظرونهم في عذر حتى يرجع إليهم أصحابهم.
٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس بن عبد الرحمن قال حدثنا حماد ، عن عبد الأعلى قال سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن قول العامة إن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية فقال الحق والله ـ قلت فإن إماما هلك ورجل بخراسان لا يعلم من وصيه لم يسعه ذلك قال لا يسعه إن الإمام إذا هلك وقعت حجة وصيه على من هو معه في البلد وحق النفر على من ليس بحضرته إذا بلغهم إن الله عز وجل يقول « فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ » قلت فنفر قوم فهلك بعضهم قبل أن يصل فيعلم قال إن الله جل وعز يقول « وَمَنْ يَخْرُجْ
______________________________________________________
وثالثها : أن التفقه راجع إلى المنافرة ، والتقدير ما كان لجميع المؤمنين أن ينفروا إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ويخلو ديارهم ولكن ينفر إليه من كل ناحية طائفة لتسمع كلامه وتتعلم الدين منه ، ثم ترجع إلى قومها وتتبين لهم ذلك وتنذرهم عن الجبائي ، قال : والمراد بالنفر هنا الخروج لطلب العلم ، وإنما سمي ذلك نفرا لما فيه من مجاهدة أعداء الدين ، انتهى.
وما ذكره عليهالسلام هو المتبع ويمكن أن يكون غرضه عليهالسلام أن النفور لطلب العلم بالإمام داخل فيها بل هو أعظم مواردها ، فلا ينافي شمولها لطلب سائر العلوم الضرورية ، فيرجع إلى المعنى الثالث ، وقد يستدل بها على حجية خبر الواحد وفي الخبر إشعار بعدم وجوب تحصيل العلم بالإمام اللاحق عند وجود السابق.
الحديث الثاني : حسن على الظاهر.
« الحق والله » أي هو الحق « لم يسعه ذلك » بتقدير الاستفهام ، أي لم يجز له المقام على الجهالة يقال : وسعه الشيء كعلم إذا جاز له ذلك « وقعت حجة وصيه » أي برهان وصية وصيه « وحق النفر » على المصدر عطفا على حجة أو فعل ماض من باب ضرب عطفا على وقعت أي وجب وثبت « وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ » قال
مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ » (١) قلت فبلغ البلد بعضهم فوجدك مغلقا عليك بابك ومرخى عليك سترك لا تدعوهم إلى نفسك ولا يكون من يدلهم عليك فبما يعرفون ذلك قال بكتاب الله المنزل قلت فيقول الله جل وعز كيف قال أراك قد تكلمت في هذا قبل اليوم قلت أجل قال فذكر
______________________________________________________
الطبرسي رحمهالله : أخبر سبحانه أن من خرج من بلده مهاجرا من أرض الشرك فارا بدينه إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت قبل بلوغه دار الهجرة وأرض الإسلام فقد وقع أجره على الله ، أي ثواب عمله وجزاء هجرته على الله.
قال وروى العياشي بإسناده عن محمد بن أبي عمير قال : وجه زرارة بن أعين ابنه عبيدا إلى المدينة يستخبر له خبر أبي الحسن موسى بن جعفر وعبد الله ، فمات قبل أن يرجع إليه عبيدا ابنه ، قال محمد بن أبي عمير : حدثني محمد بن حكيم قال : ذكرت لأبي الحسن عليهالسلام في زرارة وتوجيهه عبيدا ابنه إلى المدينة فقال : إني لأرجو أن يكون زرارة ممن قال الله فيهم : « وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً » الآية.
وإرخاء الستر إسداله كناية عن الاختفاء في البيت وعدم إذن الدخول للناس تقية « بكتاب الله المنزل » أي بالآيات الدالة على إمامة أمير المؤمنين صلوات الله عليه والآيات الدالة علي وجوب عصمة الإمام ، ثم نص كل منهم على من بعده ، ووصية الإمام السابق إلى اللاحق ، أو بالآيات الدالة على أن الله لا يكلف حتى يتم الحجة على الناس ، كقوله « وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا » (٢) وقوله « لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِ » (٣) ، وقوله : « وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ » (٤) وأمثالها.
والأول أظهر ، لقوله : « قلت : فيقول الله جل وعز كيف » أي كيف يقول الله ما يعرفون به الإمام « قال أراك » أي قال عليهالسلام اعلم أنك قد كلمتني وسائلتني عن هذا
__________________
(١) سورة النساء : ١٠١.
(٢) سورة العنكبوت : ٦٩.
(٣) سورة البقرة : ٢٥٦.
(٤) سورة التوبة : ١١٥.
ما أنزل الله في علي عليهالسلام وما قال له رسول الله صلىاللهعليهوآله في حسن وحسين عليهماالسلام وما خص الله به عليا عليهالسلام وما قال فيه رسول الله صلىاللهعليهوآله من وصيته إليه ونصبه إياه وما يصيبهم وإقرار الحسن والحسين بذلك ووصيته إلى الحسن وتسليم الحسين له بقول الله « النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ » (١) قلت فإن الناس تكلموا في أبي جعفر عليهالسلام ويقولون كيف تخطت
______________________________________________________
قبل هذا اليوم أيضا.
« قال فذكر ما أنزل الله في علي عليهالسلام » كآية « إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ » ، وسائر ما مر « وما قال له » أي أمره بالوصية إلى الحسن والحسين عليهماالسلام « وما خص الله به عليا » من الآيات النازلة في فضله ، وكونه أعلم الناس وأشجعهم وأقربهم إلى الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وما قال فيه في يوم الغدير وغيره « وما يصيبهم » عطف على وصيته « وإقرار الحسن » منصوب بالعطف على « ما » في قوله ما قال.
و « ذلك » إشارة إلى ما يصيبهم ، أو جميع ما تقدم « ووصيته » أي الرسول أو علي عليهماالسلام « بقول الله » في بعض النسخ بالباء الموحدة فهو علة لتسليم الحسين عليهالسلام للحسن وعدم ذكر ما بعده لقطع السائل كلامه عليهالسلام أو لظهور حكم التقية من هذه الآية ، وفي بعضها بالياء المثناة على صيغة المضارع فالمراد أن انتهاء أمر الإمامة إلى الحسين عليهالسلام ثبت بالآيات والأخبار المتواترة ، وبعد الحسين عليهالسلام يعلم بآية أولي الأرحام أن الولاية للولد الأكبر ، ولا ينقض بعبد الله لأنه كان معيوبا جاهلا بينا جهله وقد قال سبحانه : « هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ » (٢) ويحتمل على الأول أن يكون المعنى وتسليم الحسين له أي لأمر الإمامة إلى من بعده أي علي بن الحسين عليهالسلام بآية أولي الأرحام.
« فإن الناس تكلموا » لهذا الكلام وجهان : الأول : أن يكون الاعتراض في إمامة أبي جعفر عليهالسلام ، والمراد بالناس الزيدية « وتخطت » على بناء التفعل بمعنى
__________________
(١) سورة الأحزاب : ٣٦.
(٢) سورة زمر : ٩.
من ولد أبيه من له مثل قرابته ومن هو أسن منه وقصرت عمن هو أصغر منه فقال يعرف صاحب هذا الأمر بثلاث خصال لا تكون في غيره هو أولى الناس بالذي قبله وهو وصيه وعنده سلاح رسول الله صلىاللهعليهوآله ووصيته وذلك عندي لا أنازع فيه قلت إن ذلك مستور مخافة السلطان قال لا يكون في ستر إلا وله حجة ظاهرة
______________________________________________________
تجاوزت والضمير للإمامة أو الوصاية ، فقوله : من له مثل قرابته المراد به زيد أخوه وضمير قرابته لأبي جعفر عليهالسلام « ومن هو أسن منه » أي من قرابته كأولاد الحسن لا من ولد أبيه « وقصرت » أي لم تبلغ الوصية والإمامة من هو أصغر منه ويحتمل أن يكون الواو للحال بتقدير قد أي لم لم تصل إلى الأسن والحال أنها قصرت عن الأصغر لكونه أصغر.
والثاني : أن يكون المراد تكلموا في أبي جعفر ووصيته إلى الصادق عليهماالسلام كيف تخطت أي وصية أبي جعفر عليهالسلام على تقدير إمامته من له مثل قرابته ، أي قرابة أبي جعفر عليهالسلام يعني زيد أو من هو أسن منه يعني زيدا أيضا ، وضمير منه لوصي أبي جعفر عليهالسلام ولم يقل منك لأن هذا الكلام منقول عن الناس الغائبين ، ولرعاية الأدب.
« هو أولى الناس » أي نسبا بأن يكون ولده الأكبر أو أخص الناس به وبأموره وإسراره كما كان أمير المؤمنين عليهالسلام بالنسبة إلى الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وكذا سائر الأوصياء بالنسبة إلى من تقدمه « وهو وصيه » أي في السر والعلانية ، بحيث يعلم المؤالف والمخالف جميعا أنه وصيه وإن لم يعرفه بالإمامة جميعا.
« ووصيته » أي الوصية المختومة النازلة من السماء أو الأعم منها ومن سائر الوصايا ، والكتب « لا أنازع فيه » أي لا يدعيها أحد بأخذهما مني أو لا نزاع لأحد من الأقارب في أنهما عندي « إن ذلك مستور » أي الإمام أو السلاح والوصية « إلا وله حجة ظاهرة » وهي الوصية الشائعة.
إن أبي استودعني ما هناك فلما حضرته الوفاة قال ادع لي شهودا فدعوت أربعة من قريش فيهم نافع مولى عبد الله بن عمر قال اكتب هذا ما أوصى به يعقوب بنيه « يا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ » (١) وأوصى محمد بن علي إلى ابنه جعفر بن محمد وأمره أن يكفنه في برده الذي كان يصلي فيه الجمع وأن يعممه بعمامته وأن يربع قبره ويرفعه أربع أصابع ثم يخلي عنه فقال اطووه ثم قال للشهود انصرفوا رحمكم الله فقلت بعد ما انصرفوا ما كان في هذا يا أبت أن تشهد عليه فقال إني كرهت أن تغلب وأن يقال إنه لم يوص فأردت أن تكون لك حجة فهو الذي إذا قدم الرجل البلد قال من وصي فلان قيل فلان قلت فإن
______________________________________________________
« استودعني ما هناك » أي ما كان عنه من الكتب والسلاح وسائر أسرار النبوة والخلافة « ثم يخلي عنه » أي لا يفعل بعد ذلك شيئا من بناء على القبر أو رفعه أكثر من ذلك ، وقد مر هذا المضمون في باب الإشارة والنص على أبي عبد الله عليهالسلام ، وكان هناك مكان هذه الفقرة وأن يحل عنه أطماره عند دفنه « ما كان هذا » وبعض النسخ في هذا ، والكلام يحتمل النفي والاستفهام « أن تغلب » أي في ادعاء الإمامة فيكون قوله : وأن يقال ، تفسيرا له ، أي تصير مغلوبا بأن يقال لو كان إماما لأوصى إليه ، أو المعنى أن تغلب فيما لم يوافق العامة من الأحكام المذكورة ، وقوله : وأن يقال إشارة إلى ما مر.
« فأردت أن تكون لك حجة » حاصله أن الإمام السابق وإن لم يوص إلى اللاحق بالإمامة مخافة السلطان إلا أنه أوجب له الوصاية المطلقة وعين له الإتيان ببعض الأمور التي لا بأس بذكرها لتستدل شيعته بذلك على أنه الإمام بعده ، حيث فوض إليه الوصية دون غيره وإن لم يعرفه شهود الوصية بذلك « فهو الذي » ضمير هو لصاحب هذا الأمر « قال من وصي فلان » قيل : معطوف على قدم بحذف العاطف قبل جواب إذا وفلان قائم مقام عائد الذي تسألونه أي الوصي الواقعي كما قيل ، أو الشريك أو أحدهما أو كلاهما عن المسائل المغامضة والأمور المغيبة أو عن الإمام
__________________
(١) سورة البقرة : ١٣٢.
أشرك في الوصية قال تسألونه فإنه سيبين لكم.
٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن خالد ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى الحلبي ، عن بريد بن معاوية ، عن محمد بن مسلم قال قلت لأبي عبد الله عليهالسلام أصلحك الله بلغنا شكواك وأشفقنا فلو أعلمتنا أو علمتنا من قال إن عليا عليهالسلام كان عالما والعلم يتوارث فلا يهلك عالم إلا بقي من بعده من يعلم مثل علمه أو ما شاء الله قلت أفيسع الناس إذا مات العالم ألا يعرفوا الذي بعده فقال أما أهل هذه البلدة فلا يعني المدينة وأما غيرها من البلدان فبقدر مسيرهم إن الله يقول « وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ » قال قلت أرأيت من مات في ذلك فقال هو بمنزلة من خرج « مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ
______________________________________________________
« فإنه سيبين لكم » على بناء المجهول أو المعلوم.
الحديث الثالث : صحيح.
« والشكوى » بالفتح المرض « أشفقنا » أي خفنا أن تجيب داعي الله وتختار الآخرة على الدنيا ونبقي في حيرة من أمرنا ، ولو للتمني « أو علمنا » الترديد من الراوي ، أو المعنى أو علمنا من طريق آخر ، وفي بعض النسخ « أو علمتنا » فالأول متعين ، فأجاب عليهالسلام بأنه لا بد من عالم يعلم جميع ما تحتاج إليه الأمة في كل عصر يعلم علم الإمام السابق أو ما شاء الله من الزيادة في ليلة القدر ، وما يحدث بالليل والنهار كما مر وقيل : أي ما شاء الله من إفناء العالم فلا بد من التفحص حتى يعلم عينه ، أو المعنى أن علامة الإمام اللاحق أن يعلم جميع علم الإمام السابق ولا يجهل شيئا من الأحكام ، وإنما لم يعين عليهالسلام شخصه تقية.
« أرأيت من مات » أي أخبرني عن حال من مات « في ذلك » أي في الطلب ، والسكينة والوقار متقاربان معنى ، وهو الحلم والرزانة وعدم الطيش ، وقد يفسر أحدهما باطمينان القلب ، والآخر باطمينان الجوارح ، ويمكن أن يراد بالسكينة
الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ » قال قلت فإذا قدموا بأي شيء يعرفون صاحبهم قال يعطى السكينة والوقار والهيبة.
باب
في أن الإمام متى يعلم أن الأمر قد صار إليه
١ ـ أحمد بن إدريس ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان بن يحيى ، عن أبي جرير القمي قال قلت لأبي الحسن عليهالسلام جعلت فداك قد عرفت انقطاعي إلى أبيك ثم إليك ثم حلفت له وحق رسول الله صلىاللهعليهوآله وحق فلان وفلان حتى انتهيت إليه بأنه لا يخرج مني ما تخبرني به إلى أحد من الناس وسألته عن أبيه أحي هو أو ميت فقال قد والله مات فقلت جعلت فداك إن شيعتك يروون أن فيه سنة
______________________________________________________
هنا اطمئنان القلب بالعلوم ، وعدم الشك والتزلزل والاختلاف فيها ، وبالوقار عدم مبادرة الأعضاء إلى المعاصي والاختلاف في الأعمال ، وقيل : المراد بالسكينة سلاح رسول الله ، صلىاللهعليهوآلهوسلم لأنه قد مر أنه فينا بمنزلة التابوت في بني إسرائيل ، وقد قال تعالى في التابوت : « فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ » (١) ولا يخفى ما فيه.
والمراد بالهيبة المهابة التي يلقيها الله منه في قلوب عباده بدون الأسباب التي تكون لسلاطين الجور من الاتباع والعساكر والجور والظلم ، وقيل : المراد خوف الله وهو التقوى.
باب في أن الإمام متى يعلم أن الأمر قد صار إليه
الحديث الأول : حسن كالصحيح والظاهر أن أبا جرير هو زكريا بن إدريس وأبو الحسن هو الرضا عليهالسلام.
« بأنه لا يخرج » متعلق بقوله : حلفت « أن فيه سنة أربعة أنبياء » كأنه إشارة إلى ما رواه الصدوق في إكمال الدين بإسناده عن أبي بصير قال : سمعت أبا جعفر
__________________
(١) سورة البقرة : ٢٤٨.
أربعة أنبياء قال قد والله الذي لا إله إلا هو هلك قلت هلاك غيبة أو هلاك موت قال هلاك موت فقلت لعلك مني في تقية فقال سبحان الله قلت فأوصى إليك قال نعم قلت فأشرك معك فيها أحدا قال لا قلت فعليك من إخوتك إمام قال لا قلت فأنت الإمام قال نعم.
٢ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن علي بن أسباط قال قلت للرضا عليهالسلام إن رجلا عنى أخاك إبراهيم فذكر له أن أباك في الحياة وأنك تعلم من ذلك ما يعلم فقال سبحان الله يموت رسول الله صلىاللهعليهوآله ولا يموت موسى عليهالسلام قد والله
______________________________________________________
عليهالسلام يقول : في صاحب هذا الأمر أربع سنن من أربعة أنبياء : سنة من موسى ، وسنة من عيسى ، وسنة من يوسف ، وسنة من محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فأما من موسى فخائف يترقب ، وأما من يوسف فالسجن والغيبة ، وأما من عيسى فيقال إنه مات ولم يمت ، وأما من محمد فالسيف فلما توهم الواقفية أن الكاظم عليهالسلام هو القائم أثبتوها له.
« فقال سبحان الله » تعجبا من إصراره على الباطل ، ومناسبته للباب باعتبار أن الرضا عليهالسلام علم بموت أبيه عليهماالسلام وإن لم يكن حاضرا عنده وقيل : المراد بقوله : فأوصى إليك أي متصلا بموته فيكون أنسب بالباب وعلى التقديرين مناسبته للباب لا تخلو من كلفة.
الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.
وفي المصباح عنيته عنيا من باب رمى قصدته « فذكر » أي إبراهيم « له » أي للرجل « من ذلك » أي من حياة أبيك « ما لا يعلم » أي إبراهيم أي أنت أعرف بهذا الأمر منه ، وفي بعض النسخ « ما يعلم » وقال بعض الأفاضل : عني أخاك : أوقعه في العناء والتعب بتلبيسه الأمر عليه في أمر أخيه وفي بعض النسخ : غر أخاك ، بالغين المعجمة والراء وهو أوضح ، وكان الرجل قد دلس أو كان واقفيا يقول بحياة الكاظم عليهالسلام وأنه الذي يملأها عدلا كما ملئت جورا.
« سبحان الله » تعجب من إنكارهم بموت موسى عليهالسلام مع تواتر الأخباربه ،
مضى كما مضى رسول الله صلىاللهعليهوآله ولكن الله تبارك وتعالى لم يزل منذ قبض نبيه صلىاللهعليهوآله هلم جرا يمن بهذا الدين على أولاد الأعاجم ويصرفه عن قرابة نبيه صلىاللهعليهوآله هلم
______________________________________________________
ولما لم يكن لهم في ذلك حجة فكان مظنة لأن يكون سبب هذا الإنكار جلالة قدره عليهالسلام واحتياج الناس إليه فلا يذهب الله به في هذا السن فأبطل عليهالسلام ذلك بأن رسول الله صلىاللهعليهوآله كان أجل قدرا وحاجة الناس إليه أكثر فكان أولى بطول العمر ، وهذا من أحسن الاحتجاج لبيان ضعف دعواهم وحجتهم كذا خطر بالبال.
وقال في المصباح المنير : هلم كلمة بمعنى الدعاء إلى الشيء كما يقال : تعال ، قال الخليل أصله لم من الضم والجمع ، ومنه لم الله شعثه ، وكان المنادي أراد لم نفسك إلينا ، وهاء للتنبيه ، وحذفت الألف لكثرة الاستعمال ، وجعلا اسما واحدا ، وقيل : أصلها هل أم أي أقصد فنقلت حركة الهمزة إلى اللام وأسقطت ، ثم جعلا كلمة واحدة للدعاء وأهل الحجاز ينادون بها بلفظ واحد للمذكر والمؤنث والمفرد والجمع ، وعليه قوله تعالى : « وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا » (١) وفي لغة نجد تلحقها الضمائر وتطابق ، فيقال هلم وهلما وهلموا وهلمن ، لأنهم يجعلونها فعلا فيلحقونها الضمائر ، وقال أبو زيد : استعمالها بلفظ واحد للجميع من لغة عقيل ، وإلحاق الضمائر من لغة بني تميم ، وعليه أكثر العرب ، وتستعمل لازمة نحو هلم إلينا أي أقبل ، ومتعدية نحو هلم شهدائكم ، أي أحضروهم انتهى.
فيحتمل أن يكون جرا مفعولا به ، ومفعولا لأجله فلا تغفل.
« بهذا الدين » أي التشيع « عن قرابة نبيه » كبني العباس وأكثر بني الحسن عليهالسلام ، بل أكثر بني الحسين عليهالسلام أيضا ، وفيه إشعار بأن من لم يقل بإمامة الاثني عشر عليهمالسلام فهو خارج عن الدين ، وفيه دلالة على فضل العجم على العرب في الإيمان ، كما يدل عليه أخبار كثيرة أوردتها في الكتاب الكبير.
روى علي بن إبراهيم في تفسيره عند قوله تعالى : « وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ
__________________
(١) سورة الأحزاب : ١٨.
جرا فيعطي هؤلاء ويمنع هؤلاء لقد قضيت عنه في هلال ذي الحجة ألف دينار بعد أن أشفى على طلاق نسائه وعتق مماليكه ولكن قد سمعت ما لقي يوسف من إخوته.
٣ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء قال قلت لأبي الحسن عليهالسلام إنهم رووا عنك في موت أبي الحسن عليهالسلام أن رجلا قال لك علمت ذلك
______________________________________________________
فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ » (١) عن الصادق عليهالسلام أنه قال : لو نزل القرآن على العجم ما آمنت به العرب وقد نزل على العرب فآمنت به العجم.
وفي كتاب الغيبة للشيخ الطوسي قدسسره القدوسي بإسناده عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : اتق العرب فإن لهم خبر سوء ، أما إنه لا يخرج مع القائم منهم أحد.
ومن طريق العامة عن النبي صلىاللهعليهوآله : لو كان الدين بالثريا لنالته رجال من فارس.
قوله عليهالسلام : لقد قضيت عنه ، أي عن إبراهيم « ألف دينار » أي دينا كان عليه « بعد أن أشفى » أي أشرف « على طلاق نسائه » لعجزه عن نفقاتهن ، وكذا عتق المماليك للعجز عن النفقة ، مع كون البيع لا يليق بذوي المروات والأشراف ، أو الطلاق لجبر الحكام باستدعاء الزوجات.
وقال بعض الأفاضل ضمير عنه راجع إلى الذي عنى إبراهيم ، وإنما هم بطلاق نسائه وعتق مماليكه لأنه أراد أن يشرد من الغرماء ، فلا يختموا بيوت نسائه ولا يأخذوا مماليكه ، انتهى.
وقال المحدث الأسترآبادي (ره) أي قضيت عن الذي غر إبراهيم وكأنه عباس أخوهما ، انتهى.
وقيل : كان حلف بطلاق نسائه وعتق مماليكه أن يؤد ديونهم في موعد قضى عليهالسلام دينه قبل ذلك ، ولا يخفى بعد الجميع.
الحديث الثالث : ضعيف على المشهور.
« إنهم رووا » أي الواقفية « إن رجلا قال لك » غرضهم أنه عليهالسلام إنما علم وفاة
__________________
(١) سورة الشعراء : ١٩٨.
بقول سعيد فقال جاء سعيد بعد ما علمت به قبل مجيئه قال وسمعته يقول طلقت أم فروة بنت إسحاق في رجب بعد موت أبي الحسن بيوم قلت طلقتها وقد علمت بموت أبي الحسن قال نعم قلت قبل أن يقدم عليك سعيد قال نعم.
______________________________________________________
أبيه بقول سعيد ولا يحصل العلم بمحض قوله ، ولما قال الرجل ذلك له صدقه ولم ينكره ، وهذا يدل على أنه حق ، والظاهر أن سعيدا كان من خدمة الإمامين عليهماالسلام وقد يقال : إنه أخت صفوان بن يحيى ، وأما طلاق أم فروة فالذي سمعت من الوالد العلامة قدسسره نقلا عن مشايخه أن أم فروة كانت من نساء الكاظم عليهالسلام ، وطلاقها بعد العلم بموته مبني علي أن الرضا عليهالسلام كان وكيلا من قبل أبيه عليهماالسلام في طلاق نسائه ، كما مر أنه عليهالسلام فوض أمر نسائه إليه ، والعلم الذي يكون مناطا للحكم الشرعي هو العلم بالأسباب الظاهرة ، لا العلم الذي يحصل من طريق الإلهام وأمثاله.
فإن قيل : ما فائدة هذا الطلاق الذي ينكشف فساده بعد العلم بتاريخ الفوت؟
قلت : أمورهم عليهمالسلام أرفع من أن تناوله عقولنا القاصرة فلعلهم رأوا فيه مصلحة لا نعلمها.
وقد يقال : إنه عليهالسلام أخبرها بالموت وكانت عدة الوفاة من حين الخبر ، وإنما طلقها ظاهرا تقية ليمكنها التزويج بعد انقضاء عدة الوفاة ، لأنه لم يمكنهم ظاهرا بناء الأمر على العلم الخفي ، وكان يصير سببا لتشنيع المخالفين ، وكان في تعجيل تزويجها أو إخراجها عن بيته عليهالسلام مصلحة.
وأقول : يخطر بالبال أنه يمكن أن يكون حكم أزواجهم عليهمالسلام حكم أزواج النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في عدم جواز تزويجهن بعد وفاتهم عليهمالسلام إلا بالطلاق والخروج عن هذه الحرمة ، وهذا الطلاق يكون بعد الوفاة أيضا كما ورد أن أمير المؤمنين عليهالسلام طلق عائشة بعد وفاة النبي صلىاللهعليهوآله فخرجت من عداد أمهات المؤمنين ، فلعل الفائدة في هذا الطلاق هذا لعلمه بأنها لا تطيعه في ترك التزويج لكن لم أر هذا في غير هذا الخبر.
ويمكن أن يكون المراد التطليق بالمعنى اللغوي أي أخرجتها من البيت لقطع
٤ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن صفوان قال قلت للرضا عليهالسلام أخبرني عن الإمام متى يعلم أنه إمام حين يبلغه أن صاحبه قد مضى أو حين يمضي مثل أبي الحسن قبض ببغداد وأنت هاهنا قال يعلم ذلك حين يمضي صاحبه قلت بأي شيء قال يلهمه الله.
٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن أبي الفضل الشهباني ، عن هارون بن الفضل قال رأيت أبا الحسن علي بن محمد في اليوم الذي توفي فيه أبو جعفر عليهالسلام فقال « إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ » مضى أبو جعفر عليهالسلام فقيل له وكيف عرفت قال لأنه تداخلني ذلة لله لم أكن أعرفها.
______________________________________________________
علاقة الزوجية وعدم وجوب الإسكان في عدة الوفاة ، وربما يقرأ طلعتها بالعين المهملة على بناء التفعيل أي اطلعتها وأخبرتها ، وهذا مخالف للمضبوط في النسخ ، وبالجملة هذا من غوامض الأخبار ، وليس شيء من تلك الوجوه مما تسكن إليه النفس.
الحديث الرابع : صحيح.
« ومثل » مرفوع خبر مبتدإ محذوف ، أي موضع المسألة مثل هذه الواقعة ، أو منصوب بنيابة المفعول المطلق ، أي مثل مضي أبي الحسن ، وجملة « قبض » استئناف بياني « وأنت هيهنا » جملة حالية.
الحديث الخامس : مجهول وأبو الحسن : الثالث عليهالسلام ، وأبو جعفر الجواد عليهالسلام « تداخلني » أي دخلني ، وفيه مبالغة ولما كانت الإمامة منتهى درجات الكمال للبشر وهو يستلزم نهاية معرفة الله عز وجل ، وهي مستلزمة لغاية الإخبات والخضوع والتذلل له تعالى ، فلذا استدل عليهالسلام بحصولها علي حصول الإمامة ، وإنما قال عليهالسلام ذلك على وفق فهم السائل ، وإلا فإنه عليهالسلام كان اطلع بإلهامه تعالى واطلاعه على ملكوت السماوات والأرض ، بل حضر عند موته وغسله ودفنه والصلاة عليه كما ورد في الأخبار.