مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: مروي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٧٤

بعث الله نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله والذي بعثه بالحق لتبلبلن بلبلة ولتغربلن غربلة حتى يعود

______________________________________________________

على الهدى ويسلك بكم طريق الاستقامة طوعا وكرها كما كنتم حين بعث نبيكم صلى‌الله‌عليه‌وآله كذلك.

« لتبلبلن بلبلة » بلبلة الصدر وسواسه ، والبلابل هي الهموم والأحزان قال في النهاية : البلابل الهموم والغموم والبلبلة أيضا اختلاط الألسنة وتفرق الآراء ، والظاهر أنه إشارة إلى ما عرض لهم من تشتت الآراء والوساوس الشيطانية في قتال أهل القبلة ، لا سيما طلحة والزبير وعائشة وغير ذلك من الأمور الحقة التي كان يصعب على الناس قبولها ، وما وقع في صفين بينهم من الاختلاف بعد رفع المصاحف.

وقيل : أشار به إلى ما يوقع بهم بنو أمية وغيرهم ، والخوارج وأمراء الجور من القتل والأذى ، وما عرض لهم من الهموم والأحزان ، وبلبلة الصدر وسوسته ومنه حديث علي عليه‌السلام : لتبلبلن ، إلخ.

« ولتغربلن غربلة » غربلت الدقيق وغيره بالغربال بالكسر أي نخلته حتى يتميز الجيد من الرديء ، وغربلت اللحم قطعته ، وقيل : الغربلة القتل ، والمغربل المقتول المنتفخ ، والأظهر هو المعنى الأول ، أي لتميزن بالفتن التي ترد عليكم حتى يتميز خياركم من شراركم كما يميز الجيد من الرديء في الغربال ، وفيه إشارة إلى حكمة تلك الفتن كما قال تعالى : « أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ » (١).

أو يكون كناية عن اختلاطهم واضطرابهم بالفتن كما يختلط ما في الغربال بعضه ببعض ، فيكون تأكيدا للفقرة السابقة والأول أظهر ، وقيل : أي تذهب خياركم وتبقى أراذلكم وشراركم وهو باعث تسلط الظالمين كملوك بني أمية وبني العباس

__________________

(١) سورة العنكبوت : ٢ ـ ٣.

١٨١

أسفلكم أعلاكم وأعلاكم أسفلكم وليسبقن سباقون كانوا قصروا وليقصرن

______________________________________________________

وانحطاط المؤمنين ، وهو المراد بقوله : حتى يصير أسفلكم أعلاكم ، وقيل : لفظ الغربلة مستعار لالتقاط آحادهم بالقتل والأذى كما فعلوا بكثير من الصحابة والتابعين.

وفي نهج البلاغة وما سيأتي في الروضة بعد ذلك ولتساطن سوط القدر حتى يعود ، والسوط الخلط وساط القدر بالمسوط والمسواط وهو خشبة يحرك بها ما فيها ليختلط ، والمراد إما الاضطراب بالفتن حتى يصير الأسفل بحسب الدين في نظر الناس أعلى وبالعكس أو تصير الفتن سببا لأن يصير العزيز في الدين ذليلا في الدنيا وبالعكس.

وقيل : أشار به إلى ما يفعله بنو أمية من خلط بعضهم ببعض ، ورفع أراذلهم وحط أكابرهم كما يفعل بالقدر سائطها.

« وليسبقن سباقون » وفي النهج : سابقون ، الظاهر أن المراد بمن قصر ثم سبق ، الذين قعدوا عن نصرته عليه‌السلام بعد وفاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ومالوا إلى غيره أو شكوا في أمره ممن كان لهم سوابق في الإسلام أو غيرهم ، ثم هداهم الله إلى المحجة البيضاء ونصروه في حروبه وأطاعوه في أوامره ونواهيه ، فتسميتهم سباقين بالنظر إلى السابق أو لما يؤول إليه الحال ، وبالطائفة الثانية من أبطل سوابقه في الإسلام للتقصير في أمره كطلحة والزبر وأشباههما ، فإنه كانت لهم سوابق في زمن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وبعده أيضا كانوا مائلين إلى أهل البيت عليهم‌السلام لبعض الأغراض ، ثم رجعوا في زمانه عليه‌السلام لعدم حصول أمانيهم.

ويحتمل أن يراد كل من انقلب حاله في الأزمنة المستقبلة لتقلب الأحوال ، وقيل : إشارة إلى سبق من كان قاصرا في أول الإسلام عن الخلافة والإمارة في آخر الزمان إليها ، وتقصير من سبق إليها عن بلوغها ، ولا يخفى بعده.

وقرأ بعضهم قصروا وسبقوا على بناء المجهول من التفعيل ، وكذا يسبقن ويقصرن على المجهول من التفعيل من سبقه إذا عده سابقا ، وقصره إذا عده قاصرا.

١٨٢

سباقون كانوا سبقوا والله ما كتمت وسمة ولا كذبت كذبة ولقد نبئت بهذا المقام وهذا اليوم.

٢ ـ محمد بن يحيى والحسن بن محمد ، عن جعفر بن محمد ، عن القاسم بن إسماعيل الأنباري ، عن الحسين بن علي ، عن أبي المغراء ، عن ابن أبي يعفور قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول ويل لطغاة العرب من أمر قد اقترب قلت جعلت فداك كم مع القائم من العرب قال نفر يسير قلت والله إن من يصف هذا الأمر منهم لكثير

______________________________________________________

والمعنى أن الناس يتخذون رؤساء جهالا يعدونهم سابقين مع أنهم كانوا يعدون قاصرين في زمن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويعدون جماعة كانوا في زمنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سابقين ويعدون منهم قاصرين ، ولا يخفى بعده أيضا بل هو أبعد.

« ما كتمت وشمة (١) » قال في النهاية والصحاح أي كلمة ، وكذا في النهج بالشين المعجمة ، وفي بعض نسخ الكتاب بالمهملة أي ما سترت علامة تدل على سبيل الحق ولكن عميتم عنها ، ولا يخفى لطف ضم الكتم إلى الوسمة ، فإن الكتم بالتحريك نبت يخلط بالوسمة يخضب به ، لكن الأول أصوب.

« ولا كذبت » كضربت « كذبة » بالفتح كما هو المضبوط في النهج ، وورد في اللغة به وبالكسر ، وككلمة والتنوين للتحقير ، وربما يقرأ كتمت وكذبت على بناء المجهول فيهما ، أي ما كتمني الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا كذبني « ولقد نبئت » على بناء التفعيل المجهول أي أخبرني الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذا المقام أي بيعة الناس لي بعد اللتيا والتي « وهذا اليوم » أي يوم اجتماع الناس علي ، أو مقام الخلافة ويوم البيعة.

الحديث الثاني : ضعيف.

والطغاة بالضم جمع الطاغي وهو الذي تجاوز الحد في العصيان « من أمر قد اقترب » أي ظهور القائم عليه‌السلام والوصف بالقرب لما مر « إن من يصف هذا الأمر » أي يدعي الاعتقاد بإمامة أئمة الهدى ويظهره ، ويدل على أن الغربال المشبه به

__________________

(١) وفي المتن « وسمة » بالسين وسيأتي في كلام الشارح (ره).

١٨٣

قال لا بد للناس من أن يمحصوا ويميزوا ويغربلوا ويستخرج في الغربال خلق كثير.

٣ ـ محمد بن يحيى والحسن بن محمد ، عن جعفر بن محمد ، عن الحسن بن محمد الصيرفي ، عن جعفر بن محمد الصيقل ، عن أبيه ، عن منصور قال قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام يا منصور إن هذا الأمر لا يأتيكم إلا بعد إياس ولا والله حتى تميزوا ولا والله حتى تمحصوا ولا والله حتى يشقى من يشقى ويسعد من يسعد.

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن معمر بن خلاد قال سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول « الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ » (١)

______________________________________________________

هو الذي يخرج الرديء ويبقى الجيد في الغربال.

والحاصل أن في الفتن الحادثة قبل قيام القائم عليه‌السلام يرتد أكثر العرب عن الدين.

الحديث الثالث : ضعيف أيضا.

« إلا بعد إياس » بالفتح أي قنوت لكثرة امتداد زمان الغيبة « حتى يشقي » أي يرتد عن الدين.

الحديث الرابع : صحيح.

« أن يتركوا » قال البيضاوي : معناه أحسبوا تركهم غير مفتونين لقولهم آمنا ، بل يمتحنهم الله بمشاق التكاليف كالمهاجرة والمجاهدة ، ورفض الشهوات ووظائف الطاعات ، وأنواع المصائب في الأنفس والأموال ، ليميز المخلص عن المنافق ، والثابت في الدين من المضطرب فيه ، ولينالوا بالصبر عليها عوالي الدرجات « وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ » متصلة بأحسب أو بلا يفتنون ، والمعنى إن ذلك سنة قديمة جارية في الأمم كلها ، فلا ينبغي أن يتوقع خلافه « فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ » أي فليتعلق علمه بالامتحان تعلقا حاليا يتميز به الذين صدقوا في الإيمان ، والذين كذبوا فيه ، وينوط به ثوابهم وعقابهم ، ولذلك قيل : المعنى وليميزن أو

__________________

(١) سورة العنكبوت : ٢.

١٨٤

ثم قال لي ما الفتنة قلت جعلت فداك الذي عندنا الفتنة في الدين فقال يفتنون كما يفتن الذهب ثم قال يخلصون كما يخلص الذهب.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن سليمان بن صالح رفعه ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قال إن حديثكم هذا لتشمئز منه قلوب الرجال فمن أقر به فزيدوه ومن أنكره فذروه إنه لا بد من أن يكون فتنة يسقط فيها كل بطانة ووليجة حتى يسقط فيها من يشق الشعر بشعرتين حتى لا يبقى إلا نحن

______________________________________________________

ليجازين ، انتهى.

قوله : والفتنة في الدين ، أي إحداث شبهة تدعو إلى الخروج عن الإسلام ، وهذا احتراز عن الفتنة في الأموال والأنفس بنقص الثمرات والأمراض والطاعون ونحو ذلك « فقال يفتنون » تقوية لما قاله الراوي « كما يفتن الذهب » بالنار لا بقاء الصافي وإذهاب الغش أو الامتحان أنه جيد أو رديء ، فعلى الأول يخلصون على بناء المفعول تفسير للسابق ، في النهاية يقال : فتنة أفتنه فتنا وفتونا إذا امتحنه.

الحديث الخامس : مرفوع.

وفي المغرب : اشمأز الرجل اشمئزازا تقبض ، انتهى.

والمراد بالحديث غرائب أحوالهم وأسرارهم وشؤونهم ، ومنها أمر الغيبة وامتدادها ، ووقوع البداء فيها ، بل القدح في الخلفاء الغاصبين وإثبات كفرهم وارتداد أكثر الصحابة ، فإنها كانت مما لا تقبله قلوب أكثر الناس في ذلك الزمان ، والظاهر أن المراد بالفتنة الغيبة وامتدادها « يسقط فيها » أي يخرج من الدين ويزل ويضل « كل بطانة » بطانة الثوب بالكسر خلاف ظهارته ، استعيرت هنا لمن كان مخصوصا بالأئمة عليهم‌السلام ، وكان محلا لأسرارهم ، قال في المغرب : بطانة الرجل خاصته مستعارة من بطانة الثوب الباطنة ، وفي النهاية : وليجة الرجل بطانته ودخلاؤه وخاصته ، انتهى.

وشق الشعر بشعرتين كناية شايعة بين العرب والعجم عن كمال تدقيق النظر

١٨٥

وشيعتنا.

٦ ـ محمد بن الحسن وعلي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن سنان ، عن محمد بن منصور الصيقل ، عن أبيه قال كنت أنا والحارث بن المغيرة وجماعة من أصحابنا جلوسا وأبو عبد الله عليه‌السلام يسمع كلامنا فقال لنا في أي شيء أنتم هيهات هيهات لا والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتى تغربلوا لا والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتى تمحصوا لا والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتى تميزوا ـ لا والله ما يكون ما تمدون إليه أعينكم إلا بعد إياس لا والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتى يشقى من يشقى ويسعد من يسعد.

باب

أنه من عرف إمامه لم يضره تقدم هذا الأمر أو تأخر

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن زرارة قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام اعرف إمامك فإنك إذا عرفت لم يضرك تقدم هذا الأمر أو تأخر.

______________________________________________________

في الأمور « شيعتنا » أي المخلصون.

الحديث السادس : ضعيف على المشهور.

« يسمع كلامنا » كان كلامهم كان في استبطاء ظهور الحق أو في أنه كثرت الشيعة ، ولا بد من ظهور القائم عليه‌السلام « في أي شيء » استفهام للاستبعاد « هيهات » أي بعد ما تظنون ، والتكرير للمبالغة ومد العين إلى الشيء كناية عن رجاء حصوله.

باب أنه من عرف إمامه لم يضره تقدم هذا الأمر أو تأخر

الحديث الأول : صحيح.

« لم يضرك تقدم هذا الأمر » الجملة فاعل باعتبار مضمونها أو بتقدير أن ، والمقصود الحكم بالمساواة بين الأمرين ، فلا يرد أن الضرر لا يتصور في صورة

١٨٦

٢ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن محمد بن جمهور ، عن صفوان بن يحيى ، عن محمد بن مروان ، عن الفضيل بن يسار قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله تبارك وتعالى « يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ » فقال يا فضيل اعرف إمامك فإنك إذا

______________________________________________________

التقدم أو ذكر التقدم تبعا واستطرادا كما قيل في قوله تعالى : « لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ » (١) ويمكن أن يكون الكلام محمولا على ظاهره باعتبار مفهومه ، فإن من لم يعرف يتضرر بالتقدم أيضا.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

« يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ » (٢) قال الطبرسي رحمه‌الله : فيه أقوال :

أحدهما : أن معناه نبيهم ، فيقال هاتوا متبعي إبراهيم ، هاتوا متبعي موسى ، هاتوا متبعي محمد ، فيقوم أهل الحق الذين اتبعوا الأنبياء عليهم‌السلام ، فيأخذون كتبهم بإيمانهم ، ثم يقال : هاتوا متبعي الشيطان ، هاتوا متبعي رؤساء الضلالة ، وهذا معنى ما رواه ابن جبير عن ابن عباس ، وروي أيضا عن علي عليه‌السلام أن الأئمة إمام هدى وإمام ضلالة ، ورواه الوالبي عنه بأئمتهم في الخير والشر.

وثانيها : معناه بكتابهم الذي أنزل عليهم من أوامر الله ونواهيه ، فيقال : يا أهل القرآن ويا أهل التوراة.

وثالثها : أن معناه بمن كانوا يأتمون به من علمائهم وأئمتهم ، ويجمع هذه الأقوال ما رواه الخاص والعام عن الرضا عليه‌السلام بالأسانيد الصحيحة أنه روي عن آبائه عليهم‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال فيه : يدعى كل أناس بإمام زمانهم وكتاب ربهم وسنة نبيهم ، وروي عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : ألا تحمدون الله إذا كان يوم القيامة فزع كل أناس إلى من يتولونه ، وفزعنا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفزعتم إلينا ، فإلى أين ترون؟ يذهب بكم إلى الجنة ورب الكعبة ، قالها ثلاثا.

__________________

(١) سورة الإسراء : ٧١.

(٢) سورة الأعراف : ٣٤.

١٨٧

عرفت إمامك لم يضرك تقدم هذا الأمر أو تأخر ومن عرف إمامه ثم مات قبل أن يقوم صاحب هذا الأمر كان بمنزلة من كان قاعدا في عسكره لا بل بمنزلة من قعد تحت لوائه قال وقال بعض أصحابه بمنزلة من استشهد مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

٣ ـ علي بن محمد رفعه ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام جعلت فداك متى الفرج فقال يا أبا بصير وأنت ممن يريد الدنيا من عرف هذا الأمر فقد فرج عنه لانتظاره.

______________________________________________________

ورابعها : أن معناه بكتابهم الذي فيه أعمالهم.

وخامسها : معناه بأمهاتهم ، انتهى.

وتتمة الآية : « فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً » وهذا الخبر يدل على أن المراد يدعون بإمام زمانهم وينسبون إليه ويحشرون معه ويردون مورده ، فمن كان عارفا بإمامه معتقدا له لا تضره غيبته وعدم لقائه له « قاعدا في عسكره » أي ملازما له مجاهدا معه ، لا يفارقه والقعود تحت اللواء أخص من ذلك لأنه يدل على غاية الاختصاص والامتياز بكثرة النصرة ، وأنه من أحوال الشجعان ولذا أضرب عليه‌السلام عن الأول وترقى إليه ، وإنما يثابون ذلك باعتبار نياتهم ، لأنهم إذا عزموا على أنه إذا ظهر إمامهم نصروه وجاهدوا معه وعرضوا أنفسهم للشهادة وعلم الله صدق ذلك من نياتهم يعطيهم ثواب ذلك بفضله ، كما قال أمير المؤمنين عليه‌السلام في بعض غزواته : شاركوكم في ثوابكم قوم لم يحضروا عسكركم ، ولم يوجدوا بعدوهم يتمنون كونهم معكم ، ويعلم الله صدق نياتهم فيثيبهم عليها ، وقد ورد أن أهل الجنة إنما يخلدون في الجنة بنياتهم أنهم لو بقوا في الدنيا أبدا لكانوا مؤمنين ، وكذا أهل النار.

الحديث الثالث : ضعيف على المشهور.

« متى الفرج » بالتحريك أي كشف الغم بظهور دولة آل محمد عليهم‌السلام « فقد فرج عنه » على بناء المجرد أو التفعيل ، والحاصل أن من عرف إمامه أو أن القائم سيظهر

١٨٨

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن صالح بن السندي ، عن جعفر بن بشير ، عن إسماعيل بن محمد الخزاعي قال سأل أبو بصير أبا عبد الله عليه‌السلام وأنا أسمع فقال تراني أدرك القائم عليه‌السلام فقال يا أبا بصير ألست تعرف إمامك فقال إي والله وأنت هو وتناول يده فقال والله ما تبالي يا أبا بصير ألا تكون محتبيا بسيفك في ظل رواق القائم صلوات الله عليه.

٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن النعمان ، عن محمد بن مروان ، عن فضيل بن يسار قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول من مات وليس له إمام فميتته ميتة جاهلية ومن مات وهو عارف لإمامه لم يضره تقدم هذا الأمر

______________________________________________________

يوما ما ، فهو مفرج عنه من جهة آخرته ، لأنه ينتظره وانتظاره إياه أفضل عباداته كما مر ، فهو مع ذلك إن أراد إدراكه فإنما يريده لأمر دنياه وتوسعة في معاشه ، ويحتمل أن يكون المراد بالانتظار ترقب إحدى الحسنيين كما مر ويحتمل أن يكون عليه‌السلام علم أن غرض أبي بصير من الفرج ومطلوبه المنافع الدنيوية ، ولذا خاطبه بذلك ، ولو كان المقصود رواج الدين وكشف كرب المؤمنين كان حسنا ، وقد مر بعض القول في ذلك في باب ما ورد في حال الغيبة.

الحديث الرابع : مجهول.

والخزاعي بالفتح نسبة إلى قبيلة « تراني » بتقدير الاستفهام « وتناول » أي أبو بصير « يده » أي يد الإمام عليه‌السلام للتعيين أو للمحبة والملاطفة ، أو لتجديد البيعة ، وفي القاموس : احتبى ثوبه اشتمل أو جمع بين ظهره وساقيه بثوب ، وقال : الرواق ككتاب وغراب سقف في مقدم البيت ، أو بيت كالفسطاط ، وقال الجوهري : الرواق بالكسر ستر يمد دون السقف يقال بيت مروق ، انتهى.

والمعنى أن لك ثواب من كان كذلك.

الحديث الخامس : مجهول.

« ليس له إمام » أي لم يعرف إمام زمانه من أئمة الهدى ، والميتة بكسر الميم

١٨٩

أو تأخر ومن مات وهو عارف لإمامه كان كمن هو مع القائم في فسطاطه.

٦ ـ الحسين بن علي العلوي ، عن سهل بن جمهور ، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني ، عن الحسن بن الحسين العرني ، عن علي بن هاشم ، عن أبيه ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال ما ضر من مات منتظرا لأمرنا ألا يموت في وسط فسطاط المهدي وعسكره.

٧ ـ علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيوب ، عن عمر بن أبان قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول اعرف العلامة فإذا عرفته لم يضرك تقدم هذا الأمر أو تأخر إن الله عز وجل يقول « يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ »

______________________________________________________

مصدر نوعي ، وميتة جاهلية تركيب إضافي أو توصيفي ، والجاهلية الملة التي ليس فيها معرفة الله ولا معرفة رسوله ولا معرفة شرائع الدين ، وكان أكثر الناس عليها قبل البعثة ، وصاروا إليها بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهما الجاهلية الأولى والجاهلية الأخيرة ، وهذا الخبر متواتر معنى بين الخاصة والعامة ، وقد مر بعض القول فيه ، وسيأتي أيضا ، وقال الجوهري : الفسطاط بيت من شعر ، وفيه لغات فسطاط وفستاط وفساط وكسر الفاء لغة فيهن.

الحديث السادس : مجهول.

« أو عسكره (١) » كان الترديد باعتبار اختلاف نيات الخلق ، واختلاف ثوابهم بحسب ذلك ، أو المراد بالثاني شهادته في العسكر أو الأول إشارة إلى الاختصاص به عليه‌السلام والتشرف بصحبته ، والثاني إلى جهاده بين يديه ، فإن لكل فضلا ، ويحتمل على بعد كونه شكا من الراوي.

الحديث السابع : ضعيف على المشهور ، والعلامة الإمام عليه‌السلام فإنه علامة سبيل الهدى ، وقد مر أن العلامات في قوله تعالى : « وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ » (٢) هم الأئمة عليهم‌السلام ، وتذكير الضمير باعتبار المعنى أو علامة إمامته من حجتها ودليلها ، ونعته وصفاته ومعجزاته ، والنصوص عليه ، وقد يقرأ العلامة بتشديد اللام فالتاء

__________________

(١) وفي المتن « وعسكره » بالواو فيسقط الاحتمالات.

(٢) سورة النحل : ١٦.

١٩٠

فمن عرف إمامه كان كمن كان في فسطاط المنتظر عليه‌السلام.

باب

من ادعى الإمامة وليس لها بأهل ومن جحد الأئمة أو بعضهم ومن

أثبت الإمامة لمن ليس لها بأهل

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سنان ، عن أبي سلام ، عن سورة بن كليب ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قلت له قول الله عز وجل « وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ » (١) قال من قال إني إمام وليس بإمام قال قلت وإن كان علويا قال وإن كان علويا قلت وإن كان من ولد علي ابن أبي طالب عليه‌السلام قال وإن كان.

______________________________________________________

للمبالغة ، وفي بعض النسخ الغلام بالغين المعجمة كناية عن المهدي عليه‌السلام ، والمنتظر بفتح الظاء المهدي الذي تنتظره شيعته صلوات الله عليه.

باب من ادعى الإمامة وليس لها بأهل ومن جحد الأئمة أو بعضهم ومن أثبت الإمامة لمن ليس لها بأهل

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

« تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ » المشهور بين المفسرين أنها فيمن ادعى أن لله شريكا ، أو ولدا ، والآية عامة ، ولعل ما في الخبر بيان لبعض أفرادها بل عمدتها.

« وإن كان من ولد علي بن أبي طالب عليه‌السلام » لعل المراد بهذا ولده بلا واسطة والأول أعم ، أو سأل ذلك تأكيدا لرفع احتمال كون المراد بالعلوي من ينسب إليه عليه‌السلام من مواليه أو من شيعته وسائر أقاربه ، وسواد الوجه إما حقيقة ليكون علامة لكفرهم في القيامة ، وسببا لمزيد فضيحتهم ، أو كناية عن ظهور كذبهم وخذلانهم.

__________________

(١) سورة زمر : ٦٠.

١٩١

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن عبد الله بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن أبان ، عن الفضيل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال من ادعى الإمامة وليس من أهلها فهو كافر.

٣ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن محمد بن جمهور ، عن عبد الله بن عبد الرحمن ، عن الحسين بن المختار قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام جعلت فداك « وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ » قال كل من زعم أنه إمام وليس بإمام قلت وإن كان فاطميا علويا قال وإن كان فاطميا علويا.

______________________________________________________

الحديث الثاني : مجهول.

« فهو كافر » لإنكاره الإمام والنص عليه مع افترائه على الله في كونه إماما ، وصده عن إمام الحق ، ودعوة الناس إلى الباطل وإضلالهم ومعارضته لأئمة الحق وتكذيبه لهم.

الحديث الثالث : ضعيف.

وذكر العلوي بعد الفاطمي للتأكيد ، ولبيان أنه لا ينفعه شيء من الشرفين المجتمعين فيه ، ولو كان بالعكس كان الثاني مقيدا ومخصصا للأول كما ورد في سائر الأخبار.

مثل ما رواه علي بن إبراهيم في تفسيره بإسناده عن أبي المغراء عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله تعالى : « وَيَوْمَ الْقِيامَةِ » الآية ، قال : من ادعى أنه إمام وليس بإمام ، قلت : وإن كان علويا فاطميا؟ قال : وإن كان علويا فاطميا.

وروى النعماني في الغيبة بإسناده عن سورة بن كليب عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله تعالى : « وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ » قال : من قال إني إمام وليس بإمام ، قلت : وإن كان علويا فاطميا؟ قال : وإن كان علويا فاطميا ، قلت : وإن كان من ولد علي بن أبي طالب؟ قال : وإن كان من ولد علي بن أبي طالب ، ومنه يظهر أنه سقط من الخبر الأول شيء لكن السند إلى سورة مختلف.

١٩٢

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الوشاء ، عن داود الحمار ، عن ابن أبي يعفور ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال سمعته يقول ثلاثة « لا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ »

______________________________________________________

الحديث الرابع : مجهول.

« لا يكلمهم الله » إشارة إلى قوله تعالى في سورة البقرة : « إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ » (١) وفي سورة آل عمران : « الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ » (٢) وكل من الثلاثة داخل فيمن كتم ما أنزل الله من الكتاب ، لدلالة الآيات على إمامة أئمة الحق عموما وخصوصا ، وعلى أن من لم يؤمن بما نزل في الكتاب فهو كافر ، وأيضا داخل في الآية الثانية ، لأن الباعث له على ذلك ليس إلا طمع الدنيا ، فلو ترك الأغراض الدنيوية لظهر له الحق ولم يكتمه ، مع أنه ورد في الأخبار أن العهد عهد الإمامة.

وفي قوله : لا يكلمهم الله ، وجوه : الأول : أنه لا يكلمهم بما يحبون ، وفي ذلك دليل على غضبه عليهم وإن كان يكلمهم بالسؤال بالتوبيخ ، وبما يفهم كما قال : « فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ » (٣) « وقالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ (٤) » الثاني : أنه لا يكلمهم أصلا فتحمل آيات المساءلة على أن الملائكة تسائلهم عن الله وبأمره ، الثالث : أنه ليس المراد حقيقة نفي الكلام ، بل هو كناية عما يلزمه من السخط.

وكذا قوله : ولا يزكيهم ، يحتمل وجوها : الأول : أن المعنى لا يطهرهم من دنس الذنوب والأوزار بالمغفرة ، بل يعاقبهم.

الثاني : أنه لا يثني عليهم ولا يحكم بأنهم أزكياء ، ولا يسميهم بذلك ، بل

__________________

(١) الآية : ١٧٤.

(٢) الآية : ٧٧.

(٣) سورة الأعراف : ٦.

(٤) سورة المؤمنون : ١٠٨.

١٩٣

وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ » من ادعى إمامة من الله ليست له ومن جحد إماما من الله ومن زعم أن لهما في الإسلام نصيبا.

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن سنان ، عن يحيى أخي أديم ، عن الوليد بن صبيح قال سمعت أبا عبد الله يقول إن هذا الأمر لا يدعيه غير صاحبه إلا بتر الله عمره.

٦ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن سنان ، عن طلحة بن زيد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال من أشرك مع إمام إمامته من عند الله من ليست إمامته

______________________________________________________

يحكم بأنهم كفرة فجرة.

الثالث : أنه لا يزكي أعمالهم ولا ينميها ، أو لا يستحسنها ولا يثني عليها ، بل يردها عليهم ، وكذا عدم النظر في الآية الأخرى كناية عن ترك العطف والرحمة ، كما يقول القائل لغيره : انظر إلى أي ارحمني.

« وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ » أي مؤلم موجع ، والخبر يدل على كفر المخالفين ، بل على كفر من يقول بعدم كفرهم ، ولا ريب أنهم في أحكام الآخرة بحكم الكفار ، وأنهم مخلدون في النار ، وأما في أحكام الدنيا فإنهم كالمنافقين في أكثر الأحكام كالمسلمين ، ويظهر من كثير من الأخبار أن هذا الحكم مخصوص بحال الهدنة شفقة على الشيعة لاضطرارهم إلى مخالطتهم ومعاشرتهم ، فإذا ظهر الحق فهم في الدنيا أيضا في حكم الكفار ، إلا المستضعفين منهم كما سيأتي تفصيله.

الحديث الخامس : ضعيف على المشهور معتبر.

وأديم على التصغير ، وصبيح كأمير « إلا بتر الله عمره » كنصر أي قطع ، كما قطع عمر محمد وإبراهيم وأضرابهما.

الحديث السادس (١)

__________________

(١) كذا في النسخ.

١٩٤

من الله كان مشركا بالله.

٧ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن إسماعيل ، عن منصور بن يونس ، عن محمد بن مسلم قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام رجل قال لي اعرف الآخر من الأئمة ولا يضرك أن لا تعرف الأول قال فقال لعن الله هذا فإني أبغضه ولا أعرفه وهل عرف الآخر إلا بالأول.

٨ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن محمد بن جمهور ، عن صفوان ، عن

______________________________________________________

« كان مشركا » لأن من أشرك مع إمام الحق غيره فقد شارك الله في نصب الإمام فإنه لا يكون إلا من الله ، وإن تبع في ذلك غيره فقد جعل شريكا لله ، بل كل من تابع غير من أمر الله بمتابعته في كل ما يكون (١) فهو مشرك ، لقوله تعالى : « اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ » (٢) وقد سمى الله طاعة الشيطان عبادة حيث قال : « لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ » (٣).

الحديث السابع : موثق.

« إن لا تعرف الأول » أي أمير المؤمنين عليه‌السلام أو الأعم منه وممن بعده قبل الآخر « لعن الله » دعائية ويحتمل الخبرية « ولا أعرفه » أي بالتشيع أو مطلقا ، وهو كناية عن عدم التشيع ، لما سيأتي أنهم عليهم‌السلام يعرفون شيعتهم ، ويحتمل أن يكون جملة حالية أي أبغضه مع أني لا أعرفه « وهل عرف » على المعلوم أو المجهول استفهام إنكاري ، والمعنى أنه إنما يعرف الآخر بنص الأول عليه ، فكيف يعرف إمامة الآخر بدون معرفة الأول وإمامته ، وقيل : أي إلا بما عرف به الأول فإن دلائل الإمامة مشتركة ، وكما تدل على الآخر تدل على الأول.

الحديث الثامن : ضعيف.

__________________

(١) وفي نسخة « في كل ما يقول ».

(٢) سورة التوبة : ٣١.

(٣) سورة يس : ٦٠.

١٩٥

ابن مسكان قال سألت الشيخ عن الأئمة عليهم‌السلام قال من أنكر واحدا من الأحياء فقد أنكر الأموات.

٩ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن أبي وهب ، عن محمد بن منصور قال سألته عن قول الله عز وجل : « وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا

______________________________________________________

والتعبير بالشيخ للتقية ، أي المعظم المفتدي ، والظاهر أن المراد به الكاظم عليه‌السلام لأن رواية ابن مسكان عن الصادق عليه‌السلام نادر ، بل قيل : إنه لم يرو عنه عليه‌السلام إلا حديث المشعر ، لكن رواه الصدوق في إكمال الدين عن ابن مسكان عن أبي عبد الله عليه‌السلام « فقد أنكر الأموات » أي لا ينفعه الإقرار بإمامتهم بدون الإقرار بإمامته وإنكاره مستلزم لإنكارهم ، لأنهم أخبروا بإمامته أو دلائل الإمامة مشتركة ، فإذا لم يقر بالإمام الحي فلا يعرفهم بالدليل ، فلا ينفعه الإقرار بلا دليل ، أو المعنى أن إنكار الإمام الحي إنما يكون بالقول بإمام آخر غير معصوم جاهل بالأحكام ، فهذا دليل على أنه لم يعرف الأئمة السابقين بصفاتهم التي لا بد من الإقرار بها.

الحديث التاسع : مجهول.

« وإذا فعلوا فاحشة » قال الطبرسي رحمه‌الله : كنى به عن المشركين الذين كانوا يبدون سوآتهم في طوافهم ، فكان يطوف الرجال والنساء عراة يقولون نطوف كما ولدتنا أمهاتنا ولا نطوف في الثياب التي قارفنا فيها الذنوب ، وهم الحمس (١) وفي الآية حذف تقديره : وإذا فعلوا فاحشة فنهوا عنها قالوا وجدنا عليها آباءنا ، قيل : ومن أين أخذ آباؤكم؟ قالوا : الله أمرنا بها وقال الحسن : إنهم كانوا أهل إجبار ، فقالوا : لو كره الله ما نحن عليه لنقلنا عنه ، فلهذا قالوا : والله أمرنا بها ، فرد الله سبحانه

__________________

(١) قارف الذنب : داناه ، والحمس : لقب قريش وكنانة وجديلة ومن تابعهم في الجاهلية.

١٩٦

عَلَيْها آباءَنا وَاللهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ » (١) قال فقال هل رأيت أحدا زعم أن الله أمر بالزنا وشرب الخمر أو شيء من هذه المحارم فقلت لا فقال ما هذه الفاحشة التي يدعون أن الله أمرهم بها قلت الله أعلم ووليه قال فإن هذا في أئمة الجور ادعوا أن الله أمرهم بالائتمام بقوم لم يأمرهم الله بالائتمام بهم فرد الله ذلك عليهم فأخبر أنهم قد قالوا عليه الكذب وسمى ذلك منهم فاحشة.

١٠ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن أبي وهب ، عن محمد بن منصور قال سألت عبدا صالحا عن قول الله عزوجل « قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ » (٢) قال فقال إن القرآن له ظهر وبطن فجميع

______________________________________________________

قولهم بأن قال : « إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ » ثم أنكر عليهم من وجه آخر فقال : « أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ » لأنهم إن قالوا لا لنقضوا مذهبهم ، وإن قالوا : نعم افتضحوا في قولهم ، انتهى.

« ووليه » أي من هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، أي أنت في أئمة الجور أي في ولايتهم ادعوا أي الناس من أتباعهم ، وفي غيبة النعماني هذا في أولياء أئمة الجور وهو أظهر ، وعلى ما في الكافي يحتمل أن يكون ضمير ادعوا راجعا إلى أئمة الجور بأن يكون المراد بهم أئمة جور يتولون أئمة جور آخرين كخلفاء بني أمية وبني العباس.

الحديث العاشر : مجهول.

« الْفَواحِشَ » أي المعاصي والقبائح كلها ، « ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ » قيل : أي سرها وعلانيتها ، فإنهم كانوا لا يرون بالزنا في السر بأسا ويمنعون منه علانية فنهى الله سبحانه عنه في الحالتين ، وقيل : ما ظهر : أفعال الجوارح وما بطن : أفعال القلوب ، وظاهر الخبر أن المراد بما ظهر المعاصي التي دل ظاهر القرآن علي تحريمه ، وبما بطن ما بين أئمة الهدى عليهم‌السلام من تأويل الفواحش في بطن القرآن وهو ولاية أئمة

__________________

(١) سورة الأعراف : ٢٧.

(٢) سورة الأعراف : ٣١.

١٩٧

ما حرم الله في القرآن هو الظاهر والباطن من ذلك أئمة الجور وجميع ما أحل الله تعالى في الكتاب هو الظاهر والباطن من ذلك أئمة الحق.

______________________________________________________

الجور ومتابعتهم ، فإنها أفحش الفواحش وهي الداعية إلى جميعها.

والحاصل أن كل ما ورد في القرآن من ذكر الفواحش والخبائث والمحرمات والمنهيات والعقوبات المترتبة عليها ، فتأويله وباطنه أئمة الجور ومن اتبعهم يعني دعوتهم للناس إلى أنفسهم من عند أنفسهم وتأمرهم عليهم وإضلالهم إياهم ، ثم إجابة الناس لهم وتدينهم بدينهم وطاعتهم إياهم ومحبتهم لهم إلى غير ذلك.

وكل ما ورد فيه من ذكر الصالحات والطيبات والمحللات والأوامر والمثوبات المترتبة عليها فتأويله وباطنه أئمة الحق ومن اتبعهم يعني دعوتهم للناس إلى أنفسهم بأمر ربهم وإرشادهم لهم وهدايتهم إياهم ، ثم إجابة الناس لهم وتدينهم بدينهم وطاعتهم إياهم ومحبتهم لهم إلى غير ذلك كما ورد عنهم في كثير من الآيات مفصلا.

وجملة القول في ذلك أن الله تعالى أمر بالإيمان والإسلام واليقين والتقوى والورع والصلاة والزكاة والحج والصوم وسائر الطاعات ، ونهى عن الكفر والنفاق والشرك والزنا وشرب الخمر وقتل النفس وأمثالها من الفواحش ، وخلق أئمة داعين إلى جميع الخيرات ، عاملين بها ، ناهين عن جميع المنكرات منتهين عنها ، فهم أصل جميع الخيرات وكملت فيهم بحيث اتحدت بهم ، بل صارت كأنها روح لهم كالصلاة فإنها كملت في أمير المؤمنين صلوات الله عليه حتى صارت له بمنزلة الروح من الجسد ، وصار آمرا بها معلما لها غيره ، داعيا إليها.

فبهذه الجهات يستعمل لفظ الصلاة فيه عليه‌السلام كما ورد في قوله تعالى : « إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ » (١) إن الصلاة أمير المؤمنين والأئمة من ولده عليهم‌السلام ، ولا ينافي ظاهر الآية فكلاهما مرادان منها ظهرا وبطنا.

__________________

(١) سورة العنكبوت : ٤٥.

١٩٨

______________________________________________________

وقال : « إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى » (١) فهم العدل والإحسان في بطن القرآن بهذه الجهات المتقدمة ، ولا ينافي ظاهرها.

وخلق سبحانه أئمة « يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ » فهم أصل جميع الفواحش والكفر والشرك والمعاصي ، وكملت فيهم حتى صارت فيهم بمنزلة الروح من الجسد ، وهم الداعون إليها ، وموالاتهم سبب للإتيان بها ، فبتلك الجهات أطلق عليهم الشرك والكفر ، والفواحش في بطن القرآن وظاهرها أيضا مراد.

فإذا عرفت ذلك لم تستبعد ما سيقرع سمعك من الأخبار الكثيرة الواردة في هذا الباب.

ويدل على جملة ما أومأنا إليه ما رواه الصفار في بصائر الدرجات عن علي بن إبراهيم عن القاسم بن الربيع عن محمد بن سنان عن صباح المزني عن المفضل بن عمر أنه كتب إلى أبي عبد الله عليه‌السلام فجاءه هذا الجواب من أبي عبد الله عليه‌السلام :

إما بعد فإني أوصيك ونفسي بتقوى الله وطاعته ، فإن من التقوى الطاعة والورع والتواضع لله والطمأنينة والاجتهاد والأخذ بأمره والنصيحة لرسله ، والمسارعة في مرضاته ، واجتناب ما نهى عنه ، فإنه من يتق الله فقد أحرز نفسه من النار بإذن الله ، وأصاب الخير كله في الدنيا والآخرة ، ومن أمر بالتقوى فقد أبلغ الموعظة جعلنا الله من المتقين برحمته.

جاءني كتابك فقرأته وفهمت الذي فيه ، فحمدت الله على سلامتك وعافية الله إياك ، ألبسنا الله وإياك العافية عافية الدنيا والآخرة ، كتبت تذكر أن قوما أنا أعرفهم كان أعجبك نحوهم وشأنهم ، وإنك أبلغت عنهم أمورا تروي عنهم كرهتها لهم ، ولم تر بهم إلا طريقا حسنا وورعا وتخشعا ، وبلغك أنهم يزعمون أن الدين إنما هو معرفة الرجال ، ثم بعد ذلك إذا عرفتهم فاعمل ما شئت ، وذكرت أنك

__________________

(١) سورة النحل : ٩٠.

١٩٩

______________________________________________________

قد عرفت أن أصل الدين معرفة الرجال ، فوفقك الله.

وذكرت أنه بلغك أنهم يزعمون أن الصلاة والزكاة وصوم شهر رمضان والحج والعمرة والمسجد الحرام والمشعر الحرام والشهر الحرام هو رجل ، وأن الطهر والاغتسال من الجنابة هو رجل ، وكل فريضة افترضها الله على عباده هو رجل ، وأنهم ذكروا ذلك بزعمهم أن من عرف ذلك الرجل فقد اكتفى بعلمه من غير عمل ، وقد صلى وآتى الزكاة وصام وحج واعتمر واغتسل من الجنابة وتطهر وعظم حرمات الله والشهر الحرام والمسجد الحرام.

وإنهم ذكروا أن من عرف هذا بعينه وبحده وثبت في قلبه جاز له أن يتهاون وليس له أن يجتهد في العمل ، وزعموا أنهم إذا عرفوا ذلك الرجل فقد قبلت منهم هذه الحدود لوقتها ، وإن لم يعملوا بها ، وأنه بلغك أنهم يزعمون أن الفواحش التي نهى الله عنها الخمر والميسر والربا والدم والميتة ولحم الخنزير هي رجل ، وذكروا أن ما حرم الله من نكاح الأمهات والبنات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت ، وما حرم على المؤمنين من النساء مما حرم الله إنما عنى بذلك نكاح نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما سوى ذلك مباح كله.

وذكرت أنه بلغك أنهم يترادفون المرأة الواحدة ويشهدون بعضهم لبعض بالزور ، ويزعمون أن لهذا ظهرا وبطنا يعرفونه ، فالظاهر ما يتناهون عنه يأخذون به مدافعة عنهم ، والباطن هو الذي يطلبون وبه أمروا بزعمهم.

وكتبت تذكر الذي عظم من ذلك عليك حين بلغك وكتبت تسألني عن قولهم في ذلك أحلال هو أم حرام ، وكتبت تسألني عن تفسير ذلك ، وأنا أبينه حتى لا تكون من ذلك في عمى ولا شبهة ، وقد كتبت إليك في كتابي تفسير ما سألت عنه فاحفظه كله كما قال الله في كتابه : « وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ » (١) وأصفه لك بحلاله وأنفي عنك

__________________

(١) سورة الحاقة : ١٢.

٢٠٠