مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: مروي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٧٤

______________________________________________________

حرامه إنشاء الله كما وصفت ومعرفكه حتى تعرفه إن شاء الله فلا تنكره إنشاء الله ، ولا قوة إلا بالله والقوة لله جميعا.

أخبرك أن من كان يدين بهذه الصفة التي كتبت تسألني عنها فهو عندي مشرك بالله تبارك وتعالى ، بين الشرك لا شك فيه ، وأخبرك أن هذا القول كان من قوم سمعوا ما لم يعقلوه عن أهله ولم يعطوا فهم ذلك ، ولم يعرفوا حد ما سمعوا ، فوضعوا حدود تلك الأشياء مقايسة برأيهم ومنتهى عقولهم ، ولم يضعوها على حدود ما أمروا كذبا وافتراء على الله ورسوله ، وجرأة على المعاصي ، فكفى بهذه لهم جهلا ، ولو أنهم وضعوها على حدودها التي حدت لهم وقبلوها لم يكن به بأس ، ولكنهم حرفوها وتعدوا وكذبوا وتهاونوا بأمر الله وطاعته.

ولكن أخبرك أن الله حدها بحدودها لئلا يتعدى حدوده أحد ، ولو كان الأمر كما ذكروا لعذر الناس بجهلهم ما لم يعرفوا حد ما حد لهم ، ولكان المقصر والمتعدي حدود الله معذورا ، ولكن جعلها حدودا محدودة لا يتعداها إلا مشرك كافر ثم قال : « تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ » (١) فأخبرك بحقائقها.

إن الله تبارك وتعالى اختار الإسلام لنفسه دينا ، ورضي من خلقه ولم يقبل من أحد إلا به ، وبه بعث أنبياءه ورسله ، ثم قال : « وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ » (٢) فعليه وبه بعث أنبياءه ورسله ونبيه محمد صلى الله عليه وعليهم فأفضل الدين معرفة الرسل وولايتهم.

وأخبرك أن الله أحل حلالا وحرم حراما إلى يوم القيامة فمعرفة الرسل

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٢٩.

(٢) سورة الأسرى : ١٠٥.

٢٠١

______________________________________________________

وولايتهم (١) هو الحلال ، فالمحلل ما أحلوا والمحرم ما حرموا ، وهم أصله ومنهم الفروع الحلال ، وذلك شيعتهم ومن فروعهم أمرهم شيعتهم وأهل ولايتهم بالحلال من أقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم شهر رمضان وحج البيت والعمرة وتعظيم حرمات الله وشعائره ومشاعره ، وتعظيم البيت الحرام [ والمسجد الحرام ] والشهر الحرام والطهور والاغتسال من الجناية ومكارم لأخلاق ومحاسنها وجميع البر.

ثم ذكر بعد ذلك في كتابه فقال : « إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ » (٢) فعدوهم هم الحرام المحرم وأولياؤهم الداخلون في أمرهم إلى يوم القيامة فهم الفواحش ما ظهر منها وما بطن والخمر والميسر والزنا والربا والدم ولحم الخنزير فهم الحرام المحرم وأصل كل حرام وهم الشر ، وأصل كل شر ، ومنهم فروع الشر كله ، ومن ذلك الفروع الحرام واستحلالهم إياها.

ومن فروعهم تكذيب الأنبياء وجحود الأوصياء وركوب الفواحش الزنا والسرقة وشرب الخمر وأكل مال اليتيم وأكل الربا ، والخدعة والخيانة وركوب الحرام كله وانتهاك المعاصي وإنما يأمر الله بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وابتغاء طاعتهم وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ، وهم أعداء الأنبياء وأوصياء الأنبياء ، وهم المنهي عن مودتهم وطاعتهم ، يعظكم بهذه لعلكم تذكرون.

وأخبرك إني لو قلت لك أن الفاحشة والخمر والميسر والزنا والميتة والدم ولحم الخنزير هو رجل وأنا أعلم أن الله قد حرم هذا الأصل ، وحرم فرعه ، ونهى عنه

__________________

(١) وفي المصدر بعد قوله : « وبه بعث أنبياءه ورسله ونبيّه محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله » هكذا : فاختل الذين لم يعرفوا الرسل وولايتهم وطاعتهم هو الحلال المحلل ... اه والظاهر وقوع السقط والتصحيف فيه.

(٢) سورة النحل : ٩٠.

٢٠٢

______________________________________________________

وجعل ولايته كمن عبد من دون الله وثنا وشركا ، ومن دعا إلى عبادة نفسه فهو كفرعون إذ قال أنا ربكم الأعلى فهذا كله على وجه إن شئت قلت هو رجل وهوى إلى جهنم هو ومن شايعه على ذلك فإنهم مثل قول الله : « إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ » (١) لصدقت.

ثم لو أني قلت إنه فلان ذلك كله لصدقت ، إن فلانا هو المعبود المتعدي حدود الله التي نهى عنها أن يتعد ، ثم إني أخبرك أن الدين وأصل الدين هو رجل وذلك الرجل هو اليقين وهو الإيمان وهو إمام أمته وأهل زمانه ، فمن عرفه عرف الله ودينه ، ومن أنكره أنكر الله ودينه ، ومن جهله جهل الله ودينه ولا يعرف الله ودينه وحدوده وشرائعه بغير ذلك الإمام.

فذلك معنى أن معرفة الرجال دين الله ، والمعرفة على وجهين معرفة ثابتة على بصيرة يعرف بها دين الله ، ويوصل بها إلى معرفة الله ، فهذه المعرفة الباطنة الثابتة بعينها الموجبة حقها المستوجب أهلها عليها الشكر لله الذي من عليهم بها من من الله يمن به على من يشاء مع المعرفة الظاهرة ، ومعرفة في الظاهر ، فأهل المعرفة في الظاهر الذين علموا أمرنا بالحق على غير علم لا يلحق بأهل المعرفة في الباطن على بصيرتهم ولا يصلون بتلك المعرفة المقصرة إلى حق معرفة الله كما قال في كتابه : « وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ » (٢).

فمن شهد شهادة الحق لا يعقد عليه قلبه ولا يبصر ما يتكلم به لا يثاب عليه مثل ثواب من عقد عليه قلبه على بصيرة فيه ، كذلك من تكلم بجور لا يعقد عليه قلبه لا يعاقب عليه عقوبة من عقد عليه قلبه وثبت على بصيرة.

فقد عرفت كيف كان حال رجال أهل المعرفة في الظاهر ، والإقرار بالحق على

__________________

(١) سورة النحل : ١١٥.

(٢) سورة الزخرف : ٨٦.

٢٠٣

______________________________________________________

غير علم في قديم الدهر وحديثه إلى أن انتهى الأمر إلى نبي الله وبعده صار إلى أوصيائه وإلى من انتهت إليه معرفتهم ، وإنما عرفوا بمعرفة أعمالهم ودينهم الذين دان الله به المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته ، وقد يقال أنه من دخل في هذا الأمر بغير يقين ولا بصيرة خرج منه كما دخل فيه رزقنا الله وإياك معرفة ثابتة على بصيرة.

وأخبرك إني لو قلت الصلاة والزكاة وصوم شهر رمضان والحج والعمرة والمسجد الحرام والبيت الحرام والمشعر الحرام والطهور والاغتسال من الجنابة وكل فريضة كان ذلك هو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي جاء به من عند ربه لصدقت ، لأن ذلك كله إنما يعرف بالنبي ولو لا معرفة ذلك النبي والإيمان به والتسليم له ما عرف ذلك ، فذلك من من الله على من يمن عليه ، ولو لا ذلك لم يعرف شيئا من هذا.

فهذا كله ذلك النبي وأصله وهو فرعه ، وهو دعاني إليه ودلني عليه وعرفنيه وأمرني به ، وأوجب علي له الطاعة فيما أمرني به ، ولا يسعني جهله ، وكيف يسعني جهل من هو فيما بيني وبين الله ، وكيف يستقيم لي لو لا أني أصف أن ديني هو الذي أتاني به ذلك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن أصف أن الدين غيره ، وكيف لا يكون ذلك معرفة الرجل وإنما هو الذي جاء به عن الله وإنما أنكر الذين من أنكره بأن « قالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً » ، ثم قالوا « أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا » فكفروا بذلك الرجل ، وكذبوا به « وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ » (١) فقال الله : « قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ » (٢) ثم قال في آية أخرى : « وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً » (٣).

إن الله تبارك وتعالى إنما أحب أن يعرف بالرجال وأن يطاع بطاعتهم ،

__________________

(١) سورة الأنعام : ٨.

(٢) سورة الأنعام : ٩١.

(٣) سورة الأنعام : ٨. وأقول : الظاهر وقوع التقدّم والتأخّر في الآيتين ، والله أعلم.

٢٠٤

______________________________________________________

فجعلهم سبيله ووجهه الذي يؤتى منه ، لا يقبل الله من العباد غير ذلك لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ، فقال فيما أوجب من محبته لذلك : « مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً » (١) فمن قال لك إن هذه الفريضة كلها إنما هي رجل ، وهو يعرف حد ما يتكلم به فقد صدق ، ومن قال على الصفة التي ذكرت بغير الطاعة فلا يغني التمسك بالأصل بترك الفروع ، كما لا يغني شهادة أن لا إله إلا الله بترك شهادة أن محمدا رسول الله ، ولم يبعث الله نبيا قط إلا بالبر والعدل والمكارم ومحاسن الأخلاق ومحاسن الأعمال والنهي عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، فالباطن منه ولاية أهل الباطل ، والظاهر منه فروعهم ، ولم يبعث الله نبيا قط يدعو إلى معرفة ليس معها طاعة في أمر ولا نهي ، فإنما يقبل الله من العباد العمل بالفرائض التي افترضها الله على حدودها مع معرفة من جاءهم به من عنده ، ودعاهم إليه ، فأول ذلك معرفة من دعا إليه ثم طاعته فيما يقر به عن الطاعة له ، وإنه من عرف أطاع ومن أطاع حرم الحرام ظاهره وباطنه ، ولا يكون تحريم الباطن واستحلال الظاهر ، إنما حرم الظاهر بالباطن والباطن بالظاهر معا جميعا ، ولا يكون الأصل والفروع وباطن الحرام حرام وظاهره حلال ، يحرم الباطن ويستحل الظاهر.

وكذلك لا يستقيم أن يعرف صلاة الباطن ولا يعرف صلاة الظاهر ، ولا الزكاة ولا الصوم ولا الحج ولا العمرة ولا المسجد الحرام وجميع حرمات الله وشعائره ، أن يترك لمعرفة الباطن ، لأن بطنه ظهره ، ولا يستقيم أن يترك واحدة منها إذا كان الباطن حراما خبيثا ، فالظاهر منه إنما يشبه الباطن.

فمن زعم أن ذلك إنما هي المعرفة وأنه إذا عرف اكتفى بغير طاعة فقد كذب وأشرك ، ذاك لم يعرف ولم يطع وإنما قيل اعرف واعمل ما شئت من الخير ، فإنه لا

__________________

(١) سورة النساء : ٨٠.

٢٠٥

______________________________________________________

يقبل ذلك منك بغير معرفة ، فإذا عرفت فاعمل لنفسك ما شئت من الطاعة قل أو كثر ، فإنه مقبول منك.

وأخبرك أن من عرف أطاع إذا عرف وصلى وصام واعتمر ، وعظم حرمات الله كلها ، ولم يدع منها شيئا ، وعمل بالبر كله ومكارم الأخلاق كلها ، وتجنب سيئها وكل ذلك هو النبي والنبي أصله وهو أصل هذا كله ، لأنه جاء به ودل عليه وأمر به ، ولا يقبل من أحد شيء منه إلا به ، ومن عرف اجتنب الكبائر وحرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، وحرم المحارم كلها ، لأن بمعرفة النبي وبطاعته دخل فيما دخل فيه النبي ، وخرج مما خرج منه النبي ، ومن زعم أنه يحلل الحلال ويحرم الحرام بغير معرفة النبي لم يحلل الله له حلالا ولم يحرم حراما ، وأنه من صلى وزكى وحج واعتمر وفعل ذلك كله بغير معرفة من افترض الله عليه طاعته لم يقبل منه شيئا من ذلك ولم يصل ولم يصم ولم يزك ولم يحج ، ولم يعتمر ولم يغتسل من الجنابة ولم يتطهر ولم يحرم الله حراما ، ولم يحلل الله حالا ، وليس له صلاة وإن ركع وسجد ، ولا له زكاة وإن أخرج لكل أربعين درهما درهما ، ومن عرفه وأخذ عنه أطاع الله.

وأما ما ذكرت أنهم يستحلون نكاح ذوات الأرحام التي حرم الله في كتابه ، فإنهم زعموا أنه إنما حرم علينا بذلك فإن أحق ما بدئ به تعظيم حق الله وكرامة رسوله وتعظيم شأنه ، وما حرم الله على تابعيه من نكاح نسائه من بعد قوله : « وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً » (١) وقال الله تبارك وتعالى : « النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ » (٢) وهو أب لهم ثم قال : « وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما قَدْ

__________________

(١) سورة الأحزاب : ٥٣.

(٢) سورة الأحزاب : ٦.

٢٠٦

______________________________________________________

سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً » (١) فمن حرم نساء النبي لتحريم الله ذلك فقد حرم الله في كتابه من الأمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت ، وما حرم الله من الرضاعة ، لأن تحريم ذلك كتحريم نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله واستحل ما حرم الله من نكاح سائر ما حرم الله فقد أشرك إذا اتخذ ذلك دينا.

وأما ما ذكرت أن الشيعة يترادفون المرأة الواحدة فأعوذ بالله أن يكون ذلك من دين الله ورسوله ، إنما دينه أن يحل ما أحل الله ويحرم ما حرم الله وأن مما أحل الله المتعة من النساء في كتابه ، والمتعة من الحج أحلهما ، ثم لم يحرمهما ، فإذا أراد الرجل المسلم أن يتمتع من المرأة فعلى كتاب الله وسنته نكاح غير سفاح ، تراضيا على ما أحبا من الأجر والأجل كما قال الله : « فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ » (٢) إن هما أحبا أن يمدا في الأجل على ذلك الأجر فآخر يوم من أجلها قبل أن ينقضي الأجل قبل غروب الشمس مد أو زاد في الأجل على ما أحبا ، فإن مضى آخر يوم منه لم يصلح إلا بأمر مستقبل وليس بينهما عدة إلا من سواه ، فإن أرادت سواه اعتدت خمسة وأربعين يوما وليس بينهما ميراث ، ثم إن شائت تمتعت من آخر فهذا حلال لهما إلى يوم القيامة إن هي شائت من سبعة ، وإن هي شائت من عشرين ما بقيت في الدنيا كل ذلك حلال لهما على حدود الله ، ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه.

وإذا أردت المتعة في الحج فأحرم من العقيق واجعلها متعة ، فمتى ما قدمت طفت بالبيت واستلمت الحجر الأسود وفتحت به وختمت به سبعة أشواط ثم تصلي

__________________

(١) سورة النساء : ٢٢.

(٢) سورة النساء : ٢٤.

٢٠٧

______________________________________________________

ركعتين عند مقام إبراهيم ، ثم اخرج من البيت فاسع بين الصفا والمروة سبعة أشواط تفتح بالصفا وتختم بالمروة ، فإذا فعلت ذلك قصرت حتى إذا كان يوم التروية صنعت ما صنعت بالعقيق ، ثم أحرم بين الركن والمقام بالحج ، فلم تزل محرما حتى تقف بالموقف ثم ترمي الجمرات وتذبح وتحلق وتحل وتغتسل ، ثم تزور البيت فإذا أنت فعلت ذلك فقد أحللت ، وهو قول الله : « فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ » (١) أن يذبح.

وأما ما ذكرت أنهم يستحلون الشهادات بعضهم لبعض على غيرهم ، فإن ذلك ليس هو إلا قول الله : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ » (٢) إذا كان مسافرا وحضره الموت اثنان ذوا عدل من دينه ، فإن لم يجدوا فآخران ممن يقرأ القرآن من غير أهل ولايته « تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ ، فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ » من أهل ولايته « فَيُقْسِمانِ بِاللهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَمَا اعْتَدَيْنا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ ، ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاسْمَعُوا ».

وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقضي بشهادة رجل واحد مع يمين المدعي ، ولا يبطل حق مسلم ولا يرد شهادة مؤمن ، فإذا وجد يمين المدعي وشهادة الرجل قضى له بحقه ، وليس يعمل بهذا ، فإذا كان لرجل مسلم قبل آخر حق يجحده ولم يكن له

__________________

(١) سورة البقرة : ١٩٦.

(٢) سورة المائدة : ١٠٦.

٢٠٨

______________________________________________________

شاهد غير واحد ، فإنه إذا رفعه إلى ولاة الجور أبطلوا حقه ولم يقضوا فيها بقضاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان الحق في الجور أن لا يبطل حق رجل فيستخرج الله على يديه حق رجل مسلم ويأجره الله ويجيء عدلا كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعمل به.

وأما ما ذكرت في آخر كتابك أنهم يزعمون أن الله رب العالمين هو النبي ، وأنك شبهت قولهم بقول الذين قالوا في عيسى ما قالوا ، فقد عرفت السنن والأمثال كائنة لم يكن شيء فيما مضى إلا سيكون مثله ، حتى لو كانت شاة برشاء كان هيهنا مثله.

واعلم أنه سيضل قوم على ضلالة من كان قبلهم كتبت تسألني عن مثل ذلك ما هو وما أرادوا به ، أخبرك أن الله تبارك وتعالى هو خلق الخلق لا شريك له ، له الخلق والأمر والدنيا والآخرة ، وهو رب كل شيء وخالقه ، خلق الخلق وأحب أن يعرفوه بأنبيائه ، واحتج عليهم بهم ، فالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الدليل على الله عبد مخلوق مربوب اصطفاه لنفسه برسالاته ، وأكرمه بها فجعله خليفته في خلقه ، ولسانه فيهم وأمينه عليهم ، وخازنه في السماوات والأرضين ، قوله قول الله ، لا يقول على الله إلا الحق من أطاعه أطاع الله ، ومن عصاه عصى الله ، وهو مولى من كان الله ربه وليه ، من أبى أن يقر له بالطاعة فقد أبى أن يقر لربه بالطاعة وبالعبودية ، ومن أقر بطاعته أطاع الله وهداه ، فالنبي مولى الخلق جميعا عرفوا ذلك أو أنكروه ، وهو الوالد المبرور فمن أحبه وأطاعه فهو الولد البار ومجانب للكبائر قد بينت لك ما قد سألتني عنه ، وقد علمت أن قوما سمعوا صفتنا هذه فلم يعقلوها ، بل حرفوها ووضعوها على غير حدودها على نحو ما قد بلغك ، وقد بريء الله ورسوله من قوم يستحلون بنا أعمالهم الخبيثة ، وقد رمانا الناس بها والله يحكم بيننا وبينهم ، فإنه يقول : « إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ، يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ » أعمالهم السيئة « وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ » (١).

__________________

(١) سورة النور : ٢٣.

٢٠٩

١١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن عمرو بن ثابت ، عن جابر قال سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله عز وجل « وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ » (١) قال هم والله أولياء فلان

______________________________________________________

وأما ما كتبت به ونحوه وتخوفت أن تكون صفتهم من صفته فأكرمه الله عن ذلك تعالى ربنا عما يقولون علوا كبيرا ، صفتي هذه صفة صاحبنا الذي وصفناه له ، وعنه أخذناه ، فجزاه الله عنا أفضل الجزاء ، فإن جزاءه على الله ، فتفهم كتابي هذا والقوة لله.

وأقول إنما أوردت الخبر بطوله وإن كان لا يناسب الباب إلا صدره لكثرة فوائده.

قوله : فجميع ما حرم القرآن من ذلك أئمة الجور ، أقول : في بعض النسخ فجميع ما حرم الله في القرآن هو الظاهر والباطن من ذلك أئمة الجور ، وكذا في البصائر أيضا وهو الظاهر.

الحديث الحادي عشر : مجهول.

« مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً » قال الطبرسي رحمه‌الله : يعني آلهتهم من الأوثان التي كانوا يعبدونها ، وقيل : رؤساؤهم الذين يطيعونهم طاعة الأرباب من الرجال عن السدي وعلى هذا المعنى ما روى جابر عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : هم أئمة الظلمة وأشباههم ، وقوله : « يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ » على هذا القول الأخير أدل لأنه يبعد أن يحبوا الأوثان كحب الله مع علمهم بأنها لا تضر ولا تنفع ، ويدل أيضا عليه قوله : « إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا » ومعنى يحبونهم يحبون عبادتهم والتقرب إليهم أو الانقياد لهم أو جميع ذلك.

« كَحُبِّ اللهِ » فيه ثلاثة أقوال : أحدهما : كحبكم الله ، أي كحب المؤمنين الله ، والثاني : كحبهم الله فيكون المعنى به من يعرف الله من المشركين ويعبد معه الأوثان

__________________

(١) سورة البقرة : ١٦٥.

٢١٠

وفلان اتخذوهم أئمة دون الإمام الذي جعله الله للناس إماما فلذلك قال « وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذابِ

______________________________________________________

ويستوي بينهما في المحبة ، والثالث : كحب الله أي كالحب الواجب عليهم اللازم لهم لا الواقع ، وبعد ذلك : « وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ » قال : يعني حب المؤمنين فوق حب هؤلاء.

وحبهم أشد من وجوه : أحدها : إخلاصهم العبادة والتعظيم له ، والثناء عليه من الإشراك ، وثانيها ، أنهم يحبونه عن علم بأنه المنعم ابتداء وأنه يفعل بهم في جميع أحوالهم ما هو الأصلح لهم في التدبير ، وقد أنعم عليهم بالكثير فيعبدونه عبادة الشاكرين ويرجون رحمته على اليقين ، فلا بد أن يكون حبهم له أشد ، وثالثها : أنهم يعلمون أن له الصفات العليا ، والأسماء الحسنى وأنه الحكيم الخبير الذي لا مثل له ولا نظير ، يملك النفع والضر والثواب والعقاب ، وإليه المرجع والمآب ، فهم أشد حبا بذلك ممن عبد الأوثان.

« وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا » أي يبصروا ، وقيل : يعلموا ، وقرأ نافع وغيره بالتاء أي ولو ترى أيها السامع « أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ » فيه حذف أي رأيت أن القوة لله جميعا ، فعلى هذا يكون متصلا بجواب لو ، ومن قرأ بالياء فمعناه ولو يرى الظالمون أن القوة لله ، جميعا لرأوا مضرة فعلهم وسوء عاقبتهم.

ومعنى قوله : أن القوة لله جميعا : أن الله سبحانه قادر على أخذهم وعقوبتهم « إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا » وهم القادة والرؤساء من مشركي الإنس ، وقيل : هم الشياطين الذين اتبعوا بالوسوسة من الجن ، وقيل : هم شياطين الإنس والجن والأظهر هو الأول « مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا » أي من الاتباع « وَرَأَوُا » أي التابعون والمتبعون « الْعَذابَ » أي عاينوه حين دخلوا النار.

وقال البيضاوي : أن القوة لله ، ساد مسد مفعولي يرى وجواب لو محذوف ، أي لو يعلمون أن القدرة لله جميعا إذ عاينوا العذاب لندموا أشد الندم ، وقيل : هو

٢١١

إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ. وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ

______________________________________________________

متعلق الجواب والمفعولان محذوفان ، والتقدير ولو يرى الذين ظلموا أندادهم لا ينفعوا لعلموا أن القوة لله كلها لا ينفع ولا يضر غيره ، انتهى.

« وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ » قال الطبرسي (ره) فيه وجوه : أحدهما : الوصلات التي كانوا يتواصلون عليها ، الثاني : الأرحام التي كانوا يتعاطفون بها ، الثالث : العهود التي كانوا يتوادون عليها ، الرابع : تقطعت بهم أسباب أعمالهم التي كانوا يوصلونها ، الخامس : تقطعت بهم أسباب النجاة ، وظاهر الآية يحتمل الكل ، فينبغي أن يحمل على عمومه.

« وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا » يعني الاتباع « لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً » أي عودة إلى دار الدنيا وحال التكليف « فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ » أي من القادة في الدنيا « كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا » في الآخرة.

« كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ » فيه أقوال : أحدها : أن المراد المعاصي يتحسرون عليها لم عملوها ، والثاني : المراد الطاعات لم لم يعملوها وضيعوها ، الثالث : ما رواه أصحابنا عن أبي جعفر عليه‌السلام هو الرجل يكسب المال ولا يعمل فيه خيرا فيرثه من يعمل فيه عملا صالحا ، فيرى الأول ما كسبه حسرة في ميزان غيره ، الرابع : أن الله سبحانه يريهم مقادير الثواب التي عرضهم لها لو فعلوا الطاعات ، فيتحسرون عليه ، لم فرطوا فيه ، والأولى العموم « وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ » أي يخلدون فيها ، انتهى.

وأقول : على تأويله عليه‌السلام المراد بالأنداد أئمة الضلالة ، فإن المخالفين جعلوهم أمثالا لله ، حيث يتبعونهم فيما خالف أمر الله ، وشاركوهم مع خليفة الله ويؤيده ضمير « هم » في قوله « يُحِبُّونَهُمْ » فإن ظاهره كونهم ذوي العقول ، وإن كان قد يستعمل مثله في الأصنام لكنه خلاف الأصل ، ولعله عليه‌السلام لذلك لم يتعرض له ، واستشهد بقوله : « وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا » إذ الظاهر أن المراد هؤلاء الأنداد وأتباعهم كما أومأ إليه الطبرسي رحمه‌الله.

٢١٢

عَلَيْهِمْ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ » (١) ثم قال أبو جعفر عليه‌السلام هم والله يا جابر أئمة الظلمة وأشياعهم.

١٢ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن أبي داود المسترق ، عن علي بن ميمون ، عن ابن أبي يعفور قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة « وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ » من ادعى إمامة من الله ليست له ومن جحد إماما من الله ومن زعم أن لهما في الإسلام نصيبا.

باب

فيمن دان الله عز وجل بغير إمام من الله جل جلاله

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن أبي نصر ، عن أبي الحسن عليه‌السلام في قول الله عز وجل : « وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ » (٢) قال يعني من اتخذ دينه رأيه بغير إمام من أئمة الهدى.

______________________________________________________

ويحتمل أن يكون المراد بقوله تعالى : « كَحُبِّ اللهِ » كحب أولياء الله وبقوله : « أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ » أقوى حبا لهم ، وبقوله : « أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ » أن القوة لأولياء الله كما مر أن الله خلطهم بنفسه ، فنسب إلى نفسه ما ينسب إليهم كقوله : « إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ ».

« أئمة الظلمة » في بعض النسخ أئمة الظلم كما في النعماني ، ويدل الخبر على كفر المخالفين ، وأئمتهم الضالين وأنهم مخلدون في النار.

الحديث الثاني عشر : ضعيف على المشهور ، وقد مر بسند آخر عن ابن أبي يعفور ، وكان فيه مكان « لا ينظر الله إليهم » لا يكلمهم الله.

باب فيمن دان الله عز وجل بغير إمام من الله جل جلاله

الحديث الأول : صحيح.

« من اتخذ دينه » أي عقائده أو عبادته ، وهو مفعول أول لقوله « اتخذ » ورأيه

__________________

(١) سورة البقرة : ١٦٦ ـ ١٦٧.

(٢) سورة القصص : ٥٠.

٢١٣

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن صفوان بن يحيى ، عن العلاء بن رزين ، عن محمد بن مسلم قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول كل من دان الله بعبادة يجهد فيها نفسه ولا إمام له من الله فسعيه غير مقبول وهو ضال متحير والله شانئ لأعماله ومثله كمثل شاة ضلت عن راعيها وقطيعها فهجمت ذاهبة وجائية يومها فلما جنها الليل بصرت بقطيع مع غير راعيها فحنت إليها واغترت بها فباتت معها في ربضتها فلما أن ساق الراعي قطيعه أنكرت راعيها وقطيعها فهجمت متحيرة تطلب راعيها وقطيعها فبصرت بغنم مع راعيها فحنت إليها واغترت بها فصاح بها الراعي الحقي براعيك وقطيعك فإنك تائهة متحيرة عن راعيك وقطيعك فهجمت ذعرة متحيرة نادة لا راعي لها يرشدها إلى مرعاها أو يردها فبينا هي كذلك إذا اغتنم الذئب ضيعتها فأكلها وكذلك والله يا محمد من أصبح من هذه الأمة لا إمام له من الله جل وعز ظاهرا عادلا أصبح ضالا تائها وإن مات على هذه الحال مات ميتة كفر و

______________________________________________________

مفعول ثان ، وهو تفسير لهواه ، يعني أن المراد بهواه ظنونه الفاسدة في تعيين الإمام ، وسائر أصول الدين ، أو قياساته أو استحساناته في الفروع.

« بغير إمام » تفسير لقوله : بغير هدى ، لبيان أن الهداية من الله لا يكون إلا من جهة الإمام.

الحديث الثاني : صحيح وقد مر في باب معرفة الإمام سندا ومتنا ، ومضى منا شرحه ، وفيما مضى مربضها.

والربض محركة مأوى الغنم ، وفيه : « ذعرة متحيرة تائهة لا راعي » قال الجوهري : ند البعير نفر وذهب شاردا لوجهه ، قوله عليه‌السلام : ظاهرا عادلا ، فيما مضى ظاهر عادل ، قال المحدث الأسترآبادي رحمه‌الله : ظاهرا بالظاء المعجمة أي البين إمامته بنص صريح جلي من الله ورسوله ، انتهى.

وإنما قال ذلك لئلا ينتقض بالصاحب عليه‌السلام « مات ميتة كفر » أي مات على ما مات عليه الكفار من الضلال والجهل.

٢١٤

نفاق واعلم يا محمد إن أئمة الجور وأتباعهم لمعزولون عن دين الله قد ضلوا وأضلوا فأعمالهم التي يعملونها « كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ ».

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن عبد العزيز العبدي ، عن عبد الله بن أبي يعفور قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام إني أخالط الناس فيكثر عجبي من أقوام لا يتولونكم ويتولون فلانا وفلانا لهم أمانة وصدق ووفاء وأقوام يتولونكم ليس لهم تلك الأمانة ولا الوفاء والصدق قال فاستوى أبو عبد الله عليه‌السلام جالسا فأقبل علي كالغضبان ثم قال لا دين لمن دان الله بولاية إمام جائر ليس من الله ولا عتب على من دان بولاية إمام عادل من الله قلت لا دين لأولئك ولا عتب على هؤلاء قال نعم لا دين لأولئك ولا عتب على هؤلاء ثم قال ألا تسمع لقول الله عز وجل « اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ » يعني

______________________________________________________

الحديث الثالث : ضعيف.

« والعجب » بالتحريك مصدر باب علم التعجب « فلانا وفلانا » أي أبا بكر وعمر « لمن دان الله » أي عبد الله وأطاعه ، والعتب بالفتح : الغضب والملامة ، وبفتحتين الأمر الكريهة ، في القاموس : العتبة الشدة والأمر الكرية ، كالعتب محركة ، والعتب الموجدة والملامة ، والمعاتبة مخاطبة الإذلال ، وفي المغرب : العتب الموجدة والغضب من باب ضرب ، ولعل المعنى أنه لا عتب عليهم يوجب خلودهم في النار أو العذاب الشديد ، وعدم استحقاق المغفرة وربما يحمل المؤمنون على غير المصرين على الكبائر.

« اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا » قال الطبرسي رحمه‌الله : أي نصيرهم ومعينهم في كل ما يهم إليهم الحاجة ، وما فيه لهم الصلاح في أمور دينهم ودنياهم وآخرتهم ، وقال : ولاية الله للمؤمنين على ثلاثة أوجه : أحدها ، أنه يتولاهم بالمعونة على إقامة الحجة والبرهان لهم في هدايتهم ، كقوله : « وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً » (١) وثانيها : أنه

__________________

(١) سورة محمّد : ١٧.

٢١٥

من ظلمات الذنوب إلى نور التوبة والمغفرة لولايتهم كل إمام عادل من الله وقال « وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ » (١) إنما عنى بهذا أنهم كانوا على نور الإسلام فلما أن تولوا كل إمام جائر ليس من الله عزوجل

______________________________________________________

وليهم في نصرتهم على عدوهم بإظهار دينهم على دين مخالفيهم ، وثالثها : أنه وليهم يتولاهم بالمثوبة على الطاعة والمجازاة على الأعمال الصالحة.

« يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ » أي من ظلمات الضلال والكفر إلى نور الهدى والإيمان ، لأن الضلال والكفر في المنع من إدراك الحق كالظلمة في المنع من إدراك المبصرات ، ووجه الإخراج هو أنه هداهم إليه ونصب الأدلة لهم عليه ، ورغبهم فيه ، وفعل بهم من الألطاف ما يقوي دواعيهم إلى فعله.

« وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ » أي يتولى أمورهم الطاغوت ، وهو هيهنا وأحد أريد به الجمع ، والمراد به الشيطان وقيل : رؤساء الضلالة « يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ » أي من نور الإيمان والطاعة والهدى إلى ظلمات الكفر والمعصية والضلال ، أي يغوونهم ويدعونهم إلى ذلك ، وهذا يدل على بطلان من قال : إن الإضافة الأولى تقتضي أن الإيمان من فعل الله تعالى في المؤمن ، لأنه لو كان كذلك لاقتضت الإضافة الثانية أن الكفر من فعل الشيطان ، وعندهم لا فرق بين الأمرين أنهما من فعله ، تعالى الله عن ذلك.

فإن قيل : كيف يخرجونهم من النور وهم لم يدخلوا فيه؟

قلنا : قد ذكر فيه وجهان : أحدهما ، أن ذلك يجري مجرى قول القائل أخرجني والدي من ميراثه فمنعه من الدخول فيه إخراج ، ومثله قوله سبحانه في قصة يوسف عليه‌السلام : « إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ » (٢) ولم يكن فيها قط والوجه الآخر أنه في قوم ارتدوا عن الإسلام ، والأول أقوى ، انتهى.

وعلى تفسيره عليه‌السلام لا حاجة إلى أكثر التكلفات ، يعني ظلمات الذنوب ، كأنه

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٩٥.

(٢) سورة يوسف : ٣٢.

٢١٦

خرجوا بولايتهم إياه من نور الإسلام إلى ظلمات الكفر فأوجب الله لهم النار مع الكفار « فأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ».

______________________________________________________

عليه‌السلام استدل بأنه تعالى لما أدى آمنوا بصيغة الماضي ، ويخرجهم بصيغة المستقبل ، دل على أن المراد ليس الخروج بالإيمان ، ولما كان الظلمات جمعا معرفا باللام يفيد العموم ، يشمل الذنوب كما يشمل الجهالات ، فإما أن يوفقهم للتوبة فيتوب عليهم ، أو يغفر لهم إن ماتوا بغير توبة ، ويحتمل التخصيص بالأول لكنه بعيد عن السياق.

وفي تفسير العياشي بعد قوله : « إِلَى الظُّلُماتِ » زيادة وهي : قال قلت : أليس الله عنى بها الكفار حين قال : « وَالَّذِينَ كَفَرُوا »؟ قال : فقال : وأي نور للكافر وهو كافر فأخرج منه إلى الظلمات ، إنما عنى الله بهذا أنهم كانوا على نور الإسلام أي فطرة الإسلام ، فإن كل مولود يولد على الفطرة ، أو الآية في جماعة كانوا على الإسلام قبل وفاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فارتدوا بعده باتباع الطواغيت ، وأئمة الضلالة ، فاستدل عليه‌السلام على كونه نازلا فيهم بأنه لا بد من أن يكون لهم نور حتى يخرجوهم منه ، وسائر الوجوه تكلفات ، فالآية نازلة فيهم كما اختاره مجاهد من المفسرين.

ويؤيده ما في تفسير العياشي ، وكان النكتة في إيراد النور بلفظ المفرد والظلمات بلفظ الجمع ، أن دين الحق واحد ، والأديان الباطلة كثيرة ، فمن اختار الإيمان دخل في النور الذي هو الملة القويمة وخرج من جميع الملل الباطلة.

وفي غيبة النعماني : يخرجونهم من النور إلى الظلمات ، فأي نور يكون للكافر فيخرج منه ، إنما عنى ، إلى آخره.

« بولايتهم إياه » في العياشي : إياهم ، وهو أظهر « مع الكفار » أي مع سائر الكفار المنكرين للنبوة أيضا.

قوله عليه‌السلام : فأولئك ، في العياشي : فقال أولئك وهو أصوب.

٢١٧

٤ ـ وعنه ، عن هشام بن سالم ، عن حبيب السجستاني ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قال الله تبارك وتعالى لأعذبن كل رعية في الإسلام دانت بولاية كل إمام جائر ليس من الله وإن كانت الرعية في أعمالها برة تقية ولأعفون عن كل رعية في الإسلام دانت بولاية كل إمام عادل من الله وإن كانت الرعية في أنفسها ظالمة مسيئة.

٥ ـ علي بن محمد ، عن ابن جمهور ، عن أبيه ، عن صفوان ، عن ابن مسكان ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال إن الله لا يستحيي أن يعذب أمة

______________________________________________________

الحديث الرابع : صحيح إذ الظاهر إرجاع ضمير عنه إلى ابن محبوب ، ويحتمل إرجاعه إلى أحمد ففيه إرسال ، وإرجاعه إلى العبدي كما توهم بعيد ، وسجستان بكسر السين والجيم معرب سيستان ، والرعية قوم تولوا إماما برا كان أو فاجرا.

« في الإسلام » نعت لرعيته أي في ظاهر الإسلام « دانت » أي اعتقدت واتخذها دينا أو عبدت الله متلبسا « بولاية كل إمام جائر » أي أي إمام جائر كان لا جميعهم ، وقيل : هو مبني على أن من تولى جائرا فكأنما تولى كل جائر « برة » أي محسنة « تقية » أي محررة عن سائر المعاصي « بولاية كل إمام عادل » أي أي إمام حق كان في أي زمان أو جميعهم ، بأن يصدق بأنه لم يخل ولا يخلو زمان عن إمام مفروض الطاعة ، عالم بجميع أمور الدين ، سواء كان نبيا أو وصيا من لدن آدم إلى انقراض التكليف.

« في أنفسها » أي لا يتجاوز ظلمهم وإساءتهم إلى الغير ، بأن تكون ظالمة على نفسها ، أو المعنى عدم تعدي ظلمها إلى الإمام بإنكار حقه وإلى النبي بإنكار ما جاء به ، بل يكون ظلمهم على أنفسهم أو بعضهم على بعض.

وربما يحمل على عدم الإصرار على الكبيرة أو على أنه يوفق للتوبة أو غيرهما مما مر أو المعنى احتمال العفو لا تحتمه.

الحديث الخامس : ضعيف وقيل : الحياء انقباض النفس على القبيح مخافة الذم

٢١٨

دانت بإمام ليس من الله وإن كانت في أعمالها برة تقية وإن الله ليستحيي أن يعذب أمة دانت بإمام من الله وإن كانت في أعمالها ظالمة مسيئة.

باب

من مات وليس له إمام من أئمة الهدى وهو من الباب الأول

١ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن أحمد بن عائذ ، عن ابن أذينة ، عن الفضيل بن يسار قال ابتدأنا أبو عبد الله عليه‌السلام يوما وقال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من مات وليس عليه إمام فميتته ميتة جاهلية فقلت :

______________________________________________________

وإذا نسب إلى الله تعالى يراد به الترك اللازم للانقباض ، كما يراد بالرحمة والغضب إيصال المعروف والمكروه اللازمين لمعناهما الحقيقيين الممتنعين في حقه سبحانه.

باب من مات وليس له إمام من أئمة الهدى وهو من الباب الأول

أقول : الفرق بين البابين أن في الأول إنما حكم في الأخبار الواردة فيه بطلان عبادة من لم يعرف الإمام ، وعدم استئهاله للمغفرة والرحمة ، وهنا حكم بأنه يموت على الجاهلية والكفر ، ولما كان ما لهما واحدا جعله من الباب الأول ، مع أن الظاهر أنه لما كانت هذه الأخبار متشابهة الألفاظ مشهورة بين المخالفين أيضا أفرد لها بابا ، وإلا فهي داخلة في عنوان الباب الأول.

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

وأذينة بضم الهمزة وفتح الذال المعجمة واسمه عمر ، والميتة بكسر الميم مصدر نوعي من باب نصر ، وهي مع الجاهلية مركب إضافي أو توصيفي ، أي كموت من كان قبل الإسلام عليه الناس من الكفر والشرك والضلال ، كما يدل عليه استبعاد السائل وتكريره السؤال واستعظامه ذلك ، قال في النهاية : قد تكرر ذكر الجاهلية في الحديث ، وهي الحال التي كانت عليها العرب قبل الإسلام من الجهل بالله ورسوله ، وشرائع الدين والمفاخرة بالأنساب والكبر والتجبر وغير ذلك.

٢١٩

قال ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال إي والله قد قال قلت فكل من مات وليس له إمام فميتته ميتة جاهلية قال نعم.

٢ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء قال حدثني عبد الكريم بن عمرو ، عن ابن أبي يعفور قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من مات وليس له إمام فميتته ميتة جاهلية قال قلت ميتة كفر قال ميتة ضلال قلت فمن مات اليوم وليس له إمام فميتته ميتة جاهلية فقال نعم.

٣ ـ أحمد بن إدريس ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن الفضيل ، عن الحارث بن المغيرة قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية قال نعم قلت جاهلية جهلاء أو جاهلية لا يعرف

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : وليس له إمام ، أي لا يعتقد ولا يفترض على نفسه طاعة من أوجب الله طاعته في زمانه نبيا كان أو وصيا.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

قوله : عن قول رسول الله ، أي حقيقة تلك الرواية ، فقوله « قال فقلت » سؤال آخر بعد التصديق أو عن معناها ، فقوله : فقلت ، تفسير للسؤال.

« فقال ميتة ضلال » لعله عليه‌السلام عدل عن تصديق كفرهم إلى إثبات الضلال لهم ، لأن السائل توهم أنه يجري عليهم أحكام الكفر في الدنيا كالنجاسة ونفي التناكح والتوارث وأشباه ذلك ، فنفى ذلك وأثبت لهم الضلال عن الحق في الدنيا وعن الجنة في الآخرة ، فلا ينافي كونهم في الآخرة ملحقين بالكفار مخلدين في النار كما دلت عليه سائر الأخبار ، ويحتمل أن يكون التوقف عن إثبات الكفر لشموله من ليس له إمام من المستضعفين ، إذ فيهم احتمال النجاة من العذاب كما سيأتي سائر الأخبار كالخبر الآتي محمولة على غيرهم ، ويمكن حمل هذا الخبر وأمثاله على نوع من التقية أيضا.

الحديث الثالث : صحيح.

« لا يعرف إمامه » أي إمام زمانه أو أحد من أئمته.

٢٢٠