مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: مروي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٧٤

باب

سيرة الإمام في نفسه وفي المطعم والملبس إذا ولي الأمر

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن حماد ، عن حميد وجابر العبدي قال قال أمير المؤمنين عليه‌السلام إن الله جعلني إماما لخلقه ففرض علي التقدير في نفسي ومطعمي ومشربي وملبسي كضعفاء الناس كي يقتدي

______________________________________________________

وإيصال أربابها حق الأرض ، مع أن الروايات متظافرة بذلك.

الثالث من أقسام الأرضين أرض الصلح فإن كان أربابها صولحوا على أن الأرض لهم فهي لهم ، وإن صولحوا على أنها للمسلمين ولهم السكنى وعليهم الجزية فالعامر المسلمين قاطبة والموات للإمام خاصة ، وإذا شرطت الأرض لهم فعليهم ما يصالحهم الإمام ويملكونها ويتصرفون فيها بالبيع وغيره ، ولو أسلم الذمي ملك أرضه وسقط مال الصلح عنه.

الرابع من أقسام الأرضين الأنفال ، وهي كل أرض موات سواء ماتت بعد الملك أم لا ، وكل أرض أخذت من الكفار من غير قتال سواء انجلى أهلها أو سلموها طوعا ورؤوس الجبال وبطون الأودية والآجام ، وظاهر كلام أكثر الأصحاب اختصاص هذه الثلاثة بالإمام عليه‌السلام من غير تقييد.

وقال ابن إدريس : ورؤوس الجبال وبطون الأودية التي هي ملكه ، فأما ما كان من ذلك في أرض المسلمين ويد مسلم عليه فلا يستحقه عليه‌السلام ، بل ذلك في أرض المفتوحة عنوة والمعادن التي في بطون الأودية مما هي له.

أقول : هذا ما ذكره القوم في ذلك ، وظاهر هذه الأخبار غير منطبق عليها إلا بتأويلات قد أومأنا إلى بعضها ، والله يعلم حقائق الأحكام وحججه الكرام عليهم‌السلام.

باب سيرة الإمام في نفسه وفي المطعم والملبس إذا ولي الأمر

الحديث الأول : مجهول.

« والتقدير » التضييق « في نفسي ومطعمي » كان العطف للتفسير ، وذكر النفس

٣٦١

الفقير بفقري ولا يطغي الغني غناه.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد بن عثمان ، عن المعلى بن خنيس قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام يوما جعلت فداك ذكرت آل فلان وما هم فيه من النعيم فقلت لو كان هذا إليكم لعشنا معكم فقال هيهات يا معلى أما والله أن لو كان ذاك ما كان إلا سياسة الليل وسياحة النهار ولبس الخشن وأكل

______________________________________________________

للإشارة إلى أنه مخصوص به عليه‌السلام في مطمعه وهو اسم مكان أو مصدر ، والحاصل في أكله أو في كيفية أكله أو في طعامه ، وقس عليه جارية ، وقيل : في نفسي ، أي في ارتكاب أموري المتعلقة بكسب المعاش وضبط المملكة ونحوهما ، بأن لا أكون كالمتكبرين المترفين الذين يخدمهم الخدمة في كل أمورهم أو أكثرها « كضعفاء الناس » أي كالذين لا مال لهم « كي يقتدي الفقير » أي يسلك مسلك الفقراء اقتداء بي أو هو كناية عن الرضا بالفقر.

والحاصل أن الفقير لما رأى إمامه قد رضي بالدون من المعيشة ، رضي بفقره ، وكذا الغني إذا رآه فقيرا لم يطغه غناه ، وعلم أنه لو كان في الغناء خيرا لكان الإمام أولى به.

الحديث الثاني : مختلف فيه.

« آل فلان » هم بنو العباس « لعشنا » أي لتنعمنا « معكم » أي مع تنعمكم « والله أن لو كان » أن زائدة لربط جواب القسم بالقسم ، وكان تامة « إلا سياسة الليل » أي سياسة الناس وحراستهم عن الشر بالليل أو سهر الليل ومحافظته مجازا ، وقيل : هي رياضة النفس فيها بالاهتمام لأمور الناس وتدبير معاشهم ومعادهم مضافا إلى العبادات البدنية لله ، وفي النهاية : السياسة القيام على الشيء بما يصلحه.

« وسياحة النهار » رياضة النفس فيه بالدعوة والجهاد والسعي في حوائج المؤمنين ابتغاء مرضات الله ، وقيل : الصوم ، ولا يخفى عدم الاختصاص بهذا الزمان وإن ورد بهذا المعنى ، قال في النهاية : فيه لا سياحة في الإسلام ، يقال : ساح في الأرض

٣٦٢

الجشب فزوي ذلك عنا فهل رأيت ظلامة قط صيرها الله تعالى نعمة إلا هذه.

٣ ـ علي بن محمد ، عن صالح بن أبي حماد وعدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد وغيرهما بأسانيد مختلفة في احتجاج أمير المؤمنين عليه‌السلام على عاصم بن زياد حين لبس

______________________________________________________

يسيح ساحة إذا ذهب فيها وأصله من السيح وهو الماء الجاري المنبسط على الأرض ، أراد مفارقة الأمصار وسكنى البراري وترك شهود الجمعة والجماعات.

وقيل : أراد الذين يسيحون في الأرض بالشر والنميمة والإفساد بين الناس ، ومن الأول الحديث : سياحة هذه الأمة الصيام ، قيل : للصائم سائح لأن الذي يسيح في الأرض متعبدا يسيح ولا زاد معه ولا ماء فحين يجد يطعم والصائم يمضي نهاره ولا يأكل ولا يشرب شيئا فشبه به ، والخشن ضد الناعم ، والجشب الطعام الغليظ ، قال الجوهري : طعام جشب أي غليظ ، ويقال : هو الذي لا أدم معه.

قوله عليه‌السلام : فزوي ، أي صرف وأبعد ذلك عنا « فهل رأيت » تعجب منه عليه‌السلام في صيرورة الظلم عليهم نعمة لهم ، وحصر لمثله فيه ، وكان المراد بالظلامة هنا الظلم وفي القاموس : المظلمة بكسر اللام وكثمامة ما تظلمه الرجل ، وفي المغرب يقال : عند فلان مظلمتي وظلامتي أي حقي الذي أخذ مني ظلما.

الحديث الثالث : مرسل معتبر بل هو كالمتواتر روي بأسانيد وفي متنه اختلاف والمضمون مشترك.

منها ما رواه السيد رضي‌الله‌عنه في نهج البلاغة قال : من كلام له بالبصرة وقد دخل على العلاء بن زياد الحارثي يعوده وهو من أصحابه ، فلما رأى سعة داره قال : ما كنت تصنع بسعة هذه الدار في الدنيا وأنت إليها في الآخرة كنت أحوج ، وبلى إن شئت بلغت بها الآخرة تقرئ فيها الضيف ، وتصل فيها الرحم ، وتطلع منها الحقوق مطالعها فإذا أنت بلغت بها الآخرة ، فقال له العلاء : يا أمير المؤمنين أشكو إليك أخي عاصم ابن زياد! قال : وما له؟ قال : لبس العباء وتخلى من الدنيا ، قال : علي به فلما جاء قال : يا عدي نفسه لقد استهام بك الخبيث ، أما رحمت أهلك وولدك؟ أترى الله أحل

٣٦٣

______________________________________________________

لك الطيبات وهو يكره أن تأخذها أنت أهون على الله من ذلك ، قال : يا أمير المؤمنين هذا أنت في خشونة ملبسك وجشوبة مأكلك؟ قال : ويحك إني لست كانت إن الله فرض على أئمة الحق أن يقدروا أنفسهم بضعفة الناس كيلا يتبيغ بالفقير فقره. وقال ابن أبي الحديد في الشرح : اعلم أن الذي رويته عن الشيوخ ورأيته بخط عبد الله بن أحمد الخشاب رحمه‌الله أن الربيع بن زياد الحارثي أصابته نشابة في جبينه فكانت تنتقض عليه في كل عام فأتاه علي عليه‌السلام عائدا فقال : كيف تجدك أبا عبد الرحمن؟ قال أجدني يا أمير المؤمنين لو كان لا يذهب مآبي إلا بذهاب بصري لتمنيت ذهابه ، قال : وما قيمة بصرك عندك؟ قال : لو كانت لي الدنيا لفديته بها قال : لا جرم ليعطينك الله على قدر ذلك ، إن الله يعطي على قدر الألم والمصيبة وعنده تضعيف كثير.

قال الربيع : يا أمير المؤمنين ألا أشكو إليك عاصم بن زياد أخي؟ قال : ما له؟ قال : لبس العباء وترك الملإ ، وغم أهله وحزن ولده؟ فقال عليه‌السلام : ادعوا لي عاصما ، فلما أتاه عبس في وجهه وقال : ويلك يا عاصم أترى الله أباح لك اللذات وهو يكره ما أخذت أنت منها لأنت أهون على الله من ذلك أو ما سمعته يقول : « مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ » ثم قال : « يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ » (١) وقال : « وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها » (٢) أما والله لابتذال نعم الله بالفعال أحب إليه من ابتذالها بالمقال ، وقد سمعتم الله يقول : « وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ » (٣) وقوله : « قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ » (٤).

إن الله خاطب المؤمنين بما خاطب به المرسلين فقال : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا

__________________

(١) سورة الرحمن : ٢٢ ـ ١٩.

(٢) سورة فاطر : ٣٥.

(٣) سورة الضحى : ١١.

(٤) سورة الأعراف : ٣٢.

٣٦٤

العباء وترك الملاء وشكاه أخوه الربيع بن زياد إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قد غم أهله وأحزن ولده بذلك فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام علي بعاصم بن زياد فجيء به فلما رآه عبس في وجهه فقال له أما استحييت من أهلك أما رحمت ولدك أترى الله

______________________________________________________

كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ » (١) وقال : « يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً » (٢) وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لبعض نسائه : ما لي أراك شعثاء مرهاء سلتاء (٣) قال عاصم : فلم اقتصرت يا أمير المؤمنين على لبس الخشن وأكل الجشب؟ قال : إن الله تعالى افترض على أئمة العدل أن يقدروا لأنفسهم بالقوم كيلا يتبيغ بالفقير فقره ، فما قام علي عليه‌السلام حتى نزع عاصم العباء ولبس ملاءة.

ولنرجع إلى شرح الحديث ، قوله : حين لبس العباء ، وهو جمع عباءة بالفتح فيهما ، وهي الكساء وكان المراد به جعلها شعارا والمواظبة علي لبس ثياب الصوف الخشنة ، وترك القطن ونحوه ، والاكتفاء بلبسها في الصيف والشتاء كما ورد في وصايا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأبي ذر : يجيء من بعدي أقوام يلبسون الصوف في صيفهم وشتائهم ، يرون لهم بذلك الفضل على غيرهم أولئك تلعنهم ملائكة السماء وملائكة الأرض.

والملإ بالضم والمد جمع ملاءة بهما أيضا وهي الثوب اللين الرقيق « أنه » بفتح الهمزة أي بأنه ، « وعلى » اسم فعل بمعنى ائتوني ، وقال ابن أبي الحديد يقول : علي بفلان أي أحضره والأصل أعجل به علي ، فحذف فعل الأمر ودل الباقي عليه « أما استحييت » استفهام توبيخي « أترى الله أحل لك الطيبات » أي في قوله : « قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ » وقوله : « يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً » وقوله : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ

__________________

(١) سورة المائدة : ٨٧.

(٢) سورة المؤمنون : ٥١.

(٣) الشعساء : التي أغبر رأسها وتلبّد شعرها وانتشر لقلّة تعهّده بالدهن ، والمرهاء : التي تركت الاكتحال حتى تبيضّ بواطن أجفانها ، والسلتاء : التي لا تختضب.

٣٦٥

أحل لك الطيبات وهو يكره أخذك منها أنت أهون على الله من ذلك أوليس الله يقول « وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ. فِيها فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ » أوليس الله يقول « مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ. بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ » إلى قوله « يَخْرُجُ مِنْهُمَا

______________________________________________________

ما رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ » وقوله : « وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً » وقوله : « الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ » وغير ذلك.

« وهو يكره » الجملة حالية والهون الذل والحقارة والخفة والسهولة ، وهان عليه الشيء أي خف ، وقال ابن أبي الحديد : فإن قيل : ما معنى قوله عليه‌السلام أنت أهون على الله من ذلك؟ قلت : لأن في الشاهد قد يحل الواحد منا لصاحبه فعلا مخصوصا محاباة ومراقبة له ، وهو يكره أن يفعله ، والبشر أهون على الله تعالى من أن يحل لهم أمرا مجاملة واستصلاحا للحال معهم وهو يكره منهم فعله ، انتهى.

والمعنى أن كراهية ذلك مختصة بالأمراء وولاة الأمر وأنت أهون على الله من ذلك ، فلا تقس نفسك بهم كما سيأتي والأول أظهر ، والكم بالكسر وعاء الطلع وغطاء النور والجمع أكمة وأكمام ، ذكره الفيروزآبادي.

« مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ » قال البيضاوي : أي أرسلهما من مرجت الدابة إذا أرسلتها ، والمعنى أرسل البحر الملح والبحر العذب يلتقيان يتجاوران ويتماس سطوحهما ، أو بحري فارس والروم يلتقيان في المحيط لأنهما خليجان ينشعبان منه بينهما برزخ حاجز من قدرة الله ، أو من الأرض « لا يَبْغِيانِ » لا يبغي أحدهما الآخر بالممازجة وإبطال الخاصية ، أو لا يتجاوزان حديهما بإغراق ما بينهما « يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ » وقال : اللؤلؤ كبار الدر والمرجان صغاره ، وقيل : المرجان الخرز الأحمر.

قيل : الدر يخرج من المالح لا من العذب فما وجه قوله : يخرج منهما؟ وأجيب

٣٦٦

اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ » (١) فبالله لابتذال نعم الله بالفعال أحب إليه من ابتذالها بالمقال وقد قال الله عز وجل و « أَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ » (٢) فقال عاصم يا أمير المؤمنين فعلى ما اقتصرت في مطعمك على الجشوبة وفي ملبسك على الخشونة فقال ويحك إن الله عز وجل فرض على أئمة العدل أن يقدروا أنفسهم بضعفة الناس كيلا يتبيغ

______________________________________________________

بأن المراد من مجتمعهما أو من أحدهما وهو الملح ، أي أنه لما اجتمع مع العذب حتى صار كالشيء الواحد كان المخرج من أحدهما كالمخرج منهما.

ووجه الاستدلال بالآية أن الامتنان بهما يدل على جواز الانتفاع منهما والتحلي بهما ، والابتذال ضد الصيانة وابتذال نعمة الله بالفعال بفتح الفاء أن يصرفها فيما ينبغي ، متوسعا من غير ضيق وبالمقال أن يذكر نعم الله على نفسه ويشكره عليها « وقد قال الله » أي إذا أمر الله بالشكر القولي وكان الشكر الفعلي أقوى في إظهار النعمة فيكون وجوبه ولزومه أولى وأحرى ، وما قيل : أن التحديث أعم من أن يكون بلسان الحال وهو بالاستعمال ، أو بلسان المقال ، فبعيد عن السياق ، والجشوبة والخشونة مصدران بمعنى الفاعل للمبالغة ، والمطعم بالفتح ما يطعم والملبس بالفتح ما يلبس ، قال ابن أبي الحديد : طعام جشب أي غليظ وكذلك مجشوب ، وقيل : إنه الذي لا إدام معه.

قوله عليه‌السلام : أن يقدروا أنفسهم بضعفة الناس أي يشبهوا ويمثلوا وتبيغ الدم بصاحبه وتبوغ به أي هاج به ، وفي الحديث : عليكم بالحجامة لا تبيغ بأحدكم الدم فيقتله ، وقيل : أصل يتبيغ يبتغي فقلب مثل جذب وجبذ ، أي يجب على الإمام العادل أن يشبه نفسه في لباسه وطعامه بضعفة الناس جمع ضعيف كيلا يهلك الفقراء من الناس ، فإنهم إذا رأوا إمامهم بتلك الهيئة وذلك المطعم كان ادعى لهم إلى سلوان لذات الدنيا والصبر عن شهواتها ، انتهى.

وأقول : هذا وجه جمع بين الأخبار المختلفة في سيرة الأئمة عليهم‌السلام وبين

__________________

(١) سورة الرحمن : ١٩ ـ ٢٢.

(٢) سورة الضحى : ١١.

٣٦٧

بالفقير فقره فألقى عاصم بن زياد العباء ولبس الملاء.

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد البرقي ، عن أبيه ، عن محمد بن يحيى الخزاز ، عن حماد بن عثمان قال حضرت أبا عبد الله عليه‌السلام وقال له رجل أصلحك الله ذكرت أن علي بن أبي طالب عليه‌السلام كان يلبس الخشن يلبس القميص بأربعة دراهم وما أشبه ذلك ونرى عليك اللباس الجديد فقال له إن علي بن أبي طالب عليه‌السلام كان يلبس ذلك في زمان لا ينكر عليه ولو لبس مثل ذلك اليوم شهر به فخير لباس

______________________________________________________

ما ورد من مدح التجمل وخلافه ، وفيه ذم اتخاذ التقشف ولبس الصوف سنة كما ابتدعه المتصوفة ، وسيأتي خبر دخول الصوفية على أبي عبد الله عليه‌السلام وغيره في ذلك ، وقد زاد المتأخرون عن زمانه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على البدعة في المأكل والمشرب كثيرا من العقائد الباطلة كاتحاد الوجود وسقوط العبادات والجبر وغيرها ، وأثبتوا لمشائخهم من الكرامات ما كاد يربو على المعجزات ، وقبائح أقوالهم وأفعالهم وعقائدهم أظهر من أن يخفى على عاقل ، أعاذ الله المؤمنين من فتنتهم وشرهم فإنهم أعدى الفرق للإيمان وأهله.

الحديث الرابع : صحيح.

« ونرى عليك اللباس الجديد » كان الجديد كناية عن النفيس العالي ، وقيل : هو من جد في عيني كمد أي عظم « في زمان لا ينكر » على بناء المجهول ، أي لا ينكر هذا الفعل فيه أما قبل رجوع الخلافة إليه فلقرب عهد الناس بزمن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعدم تغير العادات كثيرا ، وأما في زمان خلافته فلأنه كان المقتدى في القول والفعل فلا ينكر عليه ذلك ، وقيل : الضمير للزمان أي كان في زمان حسن لأنه كان خليفة فيه « ولو لبس » أي علي عليه‌السلام « مثل ذلك » أي الخشن « اليوم » أي في هذا الزمان وهو زمان السلطان الجائر أو زمان تغير عادات الرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما ذكرنا أولا « شهر به » أي شنعة الناس ، وضمير « به » لمصدر لبس ، قال في النهاية : فيه من لبس ثوب شهرة ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة ، الشهرة ظهور الشيء في شنعة حتى يشهره

٣٦٨

كل زمان لباس أهله غير أن قائمنا أهل البيت عليهم‌السلام إذا قام لبس ثياب علي عليه‌السلام وسار بسيرة علي عليه‌السلام.

باب نادر

١ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن أحمد بن محمد بن عبد الله ، عن أيوب بن نوح قال عطس يوما وأنا عنده فقلت جعلت فداك ما يقال للإمام إذا عطس قال يقولون صلى الله عليك.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن جعفر بن محمد قال حدثني إسحاق بن إبراهيم الدينوري

______________________________________________________

الناس ، أقول : وهذا أيضا وجه جمع بين الأخبار المختلفة كما سيأتي في محله إنشاء الله تعالى.

باب نادر

الحديث الأول : ضعيف على المشهور ، وأيوب بن نوح ثقة من أصحاب الرضا والجواد والهادي والعسكري عليهم‌السلام ، وروي أنه كان وكيلا للهادي والعسكري عليهما‌السلام وكان عظيم المنزلة عندهما ، فالضمير في عطس يحتمل رجوعه إلى كل من الأئمة الأربعة عليهم‌السلام لكن رجوعه إلى أبي الحسن الهادي عليه‌السلام أظهر لكون أكثر رواياته ومسائله عنه عليه‌السلام.

الحديث الثاني : مجهول ، ويدل على عدم جواز إطلاق أمير المؤمنين على غيره صلوات الله عليه وإن كان المعنى متحققا فيهم ، ويدل على أن المراد ببقية الله الأئمة عليهم‌السلام لأنهم من بقايا حجج الله الذين ببقائهم تبقى الدنيا ، وقد ورد ذلك في أخبار كثيرة ، والمفسرون فسروا البقية بالباقي أي ما أبقى الله لهم في الحلال بعد إيفاء الكيل والوزن ، وقيل : يعني إبقاء الله عليكم خير لكم مما يحصل من النفع بالتطفيف ، وقيل : طاعة الله خير لكم من الدنيا ، وقيل : رزق الله.

الحديث الثالث : ضعيف على المشهور مرسل آخره.

٣٦٩

عن عمر بن زاهر ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال سأله رجل عن القائم يسلم عليه بإمرة المؤمنين قال لا ذاك اسم سمى الله به أمير المؤمنين عليه‌السلام لم يسم به أحد قبله ولا يتسمى به بعده إلا كافر قلت جعلت فداك كيف يسلم عليه قال يقولون السلام عليك يا بقية الله ثم قرأ « بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ » (١).

٣ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء ، عن أحمد بن عمر قال سألت أبا الحسن عليه‌السلام لم سمي أمير المؤمنين عليه‌السلام قال لأنه يميرهم العلم أما سمعت في كتاب الله « وَنَمِيرُ أَهْلَنا » (٢)

وفي رواية أخرى قال لأن ميرة المؤمنين من عنده يميرهم العلم.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي الربيع القزاز ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قلت له لم سمي أمير المؤمنين قال :

______________________________________________________

والميرة بالكسر طيب الطعام ، يقال : مار عياله يمير ميرا وأمارهم وامتار لهم.

ويرد عليه أن الأمير فعيل من الأمر لا من الأجوف ، ويمكن التفصي عنه بوجوه : الأول : أن يكون على القلب وفيه بعد من وجوه لا تخفى ، الثاني : أن يكون عليه‌السلام قد قال ذلك ثم اشتهر به كما في تأبط شرا ، الثالث : أن يكون المعنى أن أمراء الدنيا إنما يسمون أميرا لكونهم متكلفين لميرة الخلق وما يحتاجون إليه في معاشهم بزعمهم ، وأما أمير المؤمنين عليه‌السلام فإمارته لأمر أعظم من ذلك لأنه يميرهم ما هو سبب لحياتهم الأبدية ، وقوتهم الروحانية وإن شارك سائر الأمراء في الميرة الجسمانية فعبر عليه‌السلام عن هذا المعنى بلفظ مناسب في الحرف للفظ الأمير وهذا أظهر الوجوه.

الحديث الرابع : مجهول.

« لم سمي أمير المؤمنين » أي هل كان ذلك من قبل الناس أو من الله أو أنه

__________________

(١) سورة هود : ٨٦.

(٢) سورة يوسف : ٦٥.

٣٧٠

الله سماه وهكذا أنزل في كتابه « وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ » وأن محمدا رسولي وأن عليا أمير المؤمنين.

______________________________________________________

لما أو هم كلامه أن التسمية كانت من الناس أجاب عليه‌السلام بأنها كانت من الله أو أنه عليه‌السلام أجاب بما هو الأهم للتنبه على أنه لا فائدة كثيرة في العلم بعلة التسمية ، كما قيل في قوله تعالى : « يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ » (١) مع أنه يظهر من الجواب العلة أيضا ، فإنها لو كانت من الله فمعناه أنه منصوب من الله لإمارة المؤمنين وسياستهم ، وأنه خليفة الله في أرضه ، فهذه علة التسمية وظاهر الخبر كون التسمية موجودة في الآية فأسقطوها ، وقد يأول بأن المراد ذلك وإن لم يذكر في الآية اختصارا واكتفاء بالجزء الأعظم ولا يخفى بعده ، وسيأتي الكلام في ذلك في كتاب القرآن إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) سورة البقرة : ١٨٩.

٣٧١

قد تم الجزء الرابع حسب تجزئتنا من هذه الطبعة ويليه الجزء الخامس إن شاء الله تعالى وأوله « باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية » وقد وقع الفراغ من تصحيحه ومقابلته والتعليق عليه في اليوم الخامس والعشرين من شهر محرم الحرام سنة ١٣٩٥ والحمد لله أولا وآخرا.

وأنا العبد المذنب الفاني :

السيد هاشم الرسولي المحلاتي

٣٧٢

الفهرست

رقم الصفحة

العنوان

عدد الأحاديث

١

باب الإشارة والنص إلى صاحب الدار عليه‌السلام

٦

٥

باب في تسمية من رآه عليه‌السلام

١

١٦

باب في النهي عن الاسم

٤

١٨

نادر في حال الغيبة

٣

٣٣

باب في الغيبة

٣١

٦٢

باب ما يفصل به بين دعوى المحق والمبطل

١٩

١٧٠

باب كراهية التوقيت

٧

١٨٠

باب التمحيص والامتحان

٦

١٨٦

باب أنه من عرف إمامه لم يضره تقدم هذا الأمر أو تأخر

٧

١٩١

باب من ادعى الإمامة وليس لها بأهل ومن جحد الأئمة أو بعضهم ومن أثبت الإمامة لمن ليس لها بأهل

١٢

٢١٣

باب فيمن دان الله عز وجل بغير إمام من الله جل جلاله

٥

٢١٩

باب من مات وليس له إمام من أئمة الهدى وهو من الباب الأول

٤

٢٢٢

باب فيمن عرف الحق من أهل البيت ومن أنكر

٤

٢٢٧

باب ما يجب على الناس عند مضي الإمام عليه‌السلام

٣

٢٣٥

باب في أن الإمام متى يعلم أن الأمر قد صار إليه

٦

٢٤٢

باب حالات الأئمة عليهم‌السلام في السن

٨

٢٥٦

باب أن الإمام لا يغسله إلا إمام من الأئمة عليهم‌السلام

٣

٢٥٩

باب مواليد الأئمة عليهم‌السلام

٨

٢٧١

باب خلق أبدان الأئمة وأرواحهم وقلوبهم عليهم‌السلام

٤

٣٧٣

رقم الصفحة

العنوان

عدد الأحاديث

٢٧٨

باب التسليم وفضل المسلمين

٨

٢٨٤

باب أن الواجب على الناس بعد ما يقضون مناسكهم أن يأتوا الإمام فيسألونه عن معالم دينهم ويعلمونهم ولايتهم ومودتهم له

٣

٢٨٨

باب أن الأئمة تدخل الملائكة بيوتهم وتطأ بسطهم وتأتيهم بالأخبار عليهم‌السلام

٤

٢٩١

باب أن الجن يأتيهم فيسألونهم عن معالم دينهم ويتوجهون في أمورهم

٧

٢٩٨

في الأئمة عليهم‌السلام أنهم إذا ظهر أمرهم حكموا بحكم داود وآل داود ولا يسألون البينة : والرحمة والرضوان

٥

٣٠٥

باب أن مستقى العلم من بيت آل محمد عليهم‌السلام

٢

٣٠٧

باب أنه ليس شيء من الحق في يد الناس إلا ما خرج من عند الأئمة عليهم‌السلام وأن كل شيء لم يخرج من عندهم فهو باطل

٦

٣١٢

فيما جاء أن حديثهم صعب مستصعب

٥

٣٢٣

باب ما أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالنصيحة لأئمة المسلمين واللزوم لجماعتهم ومن هم

٥

٣٣٤

باب ما يجب من حق الإمام على الرعية وحق الرعية على الإمام عليه‌السلام

٩

٣٤٥

باب أن الأرض كلها للإمام عليه‌السلام

٩

٣٦١

باب سيرة الإمام في نفسه وفي المطعم والملبس إذا ولي الأمر

٤

٣٦٩

باب نادر

٤

٣٧٤