مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: مروي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٧٤

حجتك اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني ثم قال يا زرارة لا بد من قتل غلام بالمدينة قلت جعلت فداك أليس يقتله جيش السفياني قال لا ولكن يقتله جيش آل بني فلان يجيء حتى يدخل المدينة فيأخذ الغلام فيقتله فإذا قتله بغيا وعدوانا وظلما لا يمهلون فعند ذلك توقع الفرج إن شاء الله.

______________________________________________________

إليه في معرفة الله ومعرفة ما يرضيه ويسخطه ، وأن يكون سببا لانتظام أمور الخلق داعيا لهم إلى الصلاح ، رادعا إياهم عن الشر والفساد ، شارعا لهم الدين القويم ، مانعا لهم عن الخروج عن الصراط المستقيم ، علم أنه لا بد بعد وفاته ممن يقوم مقامه ، ويكون مثله في العلم والعمل والأخلاق والكمالات ، ليدعو الناس إلى ما كان يدعو إليه ، ويكون حافظا لدينه وشريعته معصوما عن الخطإ والزلل ، ولو لم يعرف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كذلك بل زعمه سلطانا من السلاطين يبني أموره على الاجتهاد والتخمين لكان يجوز أن ينصب الناس آخر مقامه ، كما هو زعم المخالفين ، وأن يكون خليفته عثمان ومعاوية ويزيد وبني مروان من الفاسقين.

وقيل : لأن من لم يعرف الرسول بأنه لا بد من أن يكون بشرا لا يمكن أن يدوم وجوده ، لم يعرف أنه لا بد له من يستخلفه بعد موته.

وأما الضلال مع عدم معرفة الحجة فهو ظاهر مما قدمنا ومبين في الأخبار التي أسلفناه ، وسيأتي هذا الدعاء مرويا عن زرارة أيضا بوجه آخر ، وكأنه سمعهما في مقامين ، فإن مثل هذا الاختلاف منه أو من رواته بعيد.

« جيش آل بني فلان » أي أصحاب بني فلان ، وفي الإكمال : جيش بني فلان ، والمراد ببني فلان إما بنو العباس ويكون المراد غير النفس الزكية بل رجلا آخر من آل رسول الله قتله بنو العباس مقارنا لانقراض دولتهم ، فيكون هذا من العلامات البعيدة.

وفي إرشاد المفيد عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : ليس بين قيام القائم عليه‌السلام وبين

٤١

٦ ـ محمد بن يحيى ، عن جعفر بن محمد ، عن إسحاق بن محمد ، عن يحيى بن المثنى ، عن عبد الله بن بكير ، عن عبيد بن زرارة قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول يفقد الناس إمامهم يشهد الموسم فيراهم ولا يرونه.

٧ ـ علي بن محمد ، عن عبد الله بن محمد بن خالد قال حدثني منذر بن محمد بن قابوس ، عن منصور بن السندي ، عن أبي داود المسترق ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن مالك الجهني ، عن الحارث بن المغيرة ، عن الأصبغ بن نباتة قال أتيت أمير المؤمنين عليه‌السلام فوجدته متفكرا ينكت في الأرض فقلت يا أمير المؤمنين ما لي أراك متفكرا تنكت في الأرض أرغبة منك فيها فقال لا والله ما رغبت فيها ولا في الدنيا يوما

______________________________________________________

قتل النفس الزكية أكثر من خمسة عشر ليلة ويحتمل أن يكون المراد بنو مروان ، ويكون إشارة إلى انقراض دولة بني أمية وبالفرج الفرج منهم ومن شرهم « توقع الفرج » بصيغة المصدر [ أو الأمر ].

الحديث السادس : ضعيف.

« وموسم الحج » مجتمعة ذكره الفيروزآبادي « فيراهم ولا يرونه » لعل المراد يعرفهم ولا يعرفونه كما روى الصدوق عن محمد بن عثمان العمري قال : والله إن صاحب هذا الأمر يحضر الموسم كل سنة فيرى الناس ويعرفهم ويرونه ولا يعرفونه ، فيشمل الغيبتين أو هو مختص بالكبرى ، إذ في الصغرى كان يعرفه بعض الناس ، وعلى الثاني يحتمل أن تكون الرؤية بمعناها.

الحديث السابع : مجهول.

وفي النهاية : فيه : بينا هو ينكت إذ انتبه. أي يفكر ويحدث نفسه ، وأصله من النكت بالحصى ونكت الأرض بالقضيب وهو أن يؤثر فيها بطرفه فعل المفكر المهموم ، ومنه الحديث : فجعل ينكت بقضيب أي يضرب الأرض بطرفه ، انتهى.

« أرغبة » أي أتنكت لرغبة ، وضمير « فيها » راجع إلى الأرض ، ومعلوم أنه

٤٢

قط ولكني فكرت في مولود يكون من ظهري الحادي عشر من ولدي هو المهدي الذي يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما تكون له غيبة وحيرة يضل فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون فقلت يا أمير المؤمنين وكم تكون الحيرة والغيبة قال ستة أيام أو ستة أشهر أو ست سنين فقلت وإن هذا لكائن فقال :

______________________________________________________

ليس هذا الفعل لرغبة في نفس الأرض ، بل المعنى أن اهتمامك وتفكرك لأن تملك الأرض وتصير واليا فيها ، ويحتمل إرجاع الضمير إلى الخلافة ، وربما يحمل الكلام على المطايبة.

« من ظهر (١) الحادي عشر » كذا في أكثر النسخ فالمعنى من ظهر الإمام الحادي عشر « ومن ولدي » نعت « مولود » وربما يقرأ ظهر بالتنوين أي وراء ، والمراد أنه يولد بعد هذا الدهر ، والحادي عشر مبتدأ خبره المهدي ، وفي إكمال الدين وغيره وبعض نسخ الكتاب : ظهري ، فلا يحتاج إلى تكلف ، والعدل والقسط متقاربان وكذا الظلم والجور ، فالعطف فيهما للتفسير والتأكيد ، والعدل نقيض الظلم والقسط الإنصاف وهو ضد الجور.

« له حيرة » لعل المراد بها التحير في المساكن وأنه كل زمان في بلدة وناحية « يضل فيها » أي في الغيبة والحيرة وضلالتهم إنكارهم لوجود الإمام ورجوعهم عن مذهب الإمامية.

قوله عليه‌السلام : ستة أيام لعله مبني على وقوع البداء في هذا الأمر ، ولذا ردد عليه‌السلام بين أمور ، وأشار بعد ذلك إلى احتمال التغيير بقوله : ثم يفعل الله ما يشاء ، وقوله : فإن له بداءات.

أو يقال : أن السائل سأل عن الغيبة والحيرة معا فأجاب عليه‌السلام بأن زمان مجموعهما أحد الأزمنة المذكورة ، وبعد ذلك ترتفع الحيرة وتبقى الغيبة ، ويكون الترديد باعتبار اختلاف مراتب الحيرة إلى أن استقر أمره عليه‌السلام في الغيبة.

__________________

(١) وفي المتن « من ظهري » وسيأتي الإشارة إليه في كلام الشارح (ره) أيضا.

٤٣

نعم كما أنه مخلوق وأنى لك بهذا الأمر يا أصبغ أولئك خيار هذه الأمة مع خيار أبرار هذه العترة فقلت ثم ما يكون بعد ذلك فقال ثم « يَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ » فإن له بداءات وإرادات وغايات ونهايات.

______________________________________________________

ونقل المحدث الأسترآبادي ( ره) أن المراد أن آحاد مدة الغيبة هذا القدر ، فيكون ظهوره في السابع ليوافق الأحاديث الدالة على أن ظهوره في فرد السنين ، ( انتهى ).

« كما أنه » أي هذا الأمر وهو الغيبة « مخلوق » أي مقدر أو الضمير راجع إلى المهدي عليه‌السلام أي كما أن خلقه محتوم فكذا غيبته « وأنى لك بهذا الأمر » استفهام إنكار وهو بمعنى أين أو بمعنى كيف ، والباء زائدة نحو : « كَفى بِاللهِ شَهِيداً » (١) بقرينة « أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى » والحاصل أنك لا تدرك هذا الأمر « أولئك » أي أنصار القائم عليه‌السلام أو رعيته الثابتون على القول بإمامته في غيبته « مع خيار أبرار هذه العترة » أي أشارف أولاد الرسول وخيارهم ، والجمعية لعلها إشارة إلى رجعة سائر الأئمة عليهما‌السلام وفي غيبة الطوسي والإكمال ليس لفظ الخيار في الأخير وهو أظهر ، وقيل : خيار هذه الأمة إشارة إلى المؤمنين الراجعين في الرجعة ، وخيار الأبرار ، إلى الأحياء الذين ينصرون أبرار العترة.

« ثم ما يكون بعد ذلك » أي بعد وقوع الغيبة هل ترفع أم لا؟ « فإن له بداءات » أي يظهر من الله فيه عليه‌السلام أمور بدائية في امتداد غيبته وزمان ظهوره ، ولا يظهر للخلق المحتوم من ذلك للمصالح الجليلة التي سيأتي ذكر بعضها « وإرادات » في الإظهار والإخفاء والغيبة والظهور « وغايات » أي علل ومنافع ومصالح في تلك الأمور ، « ونهايات » مختلفة لغيبته وظهوره بحسب ما يظهر للخلق من ذلك بسبب البداء ، وقد مر تحقيقه في محله.

__________________

(١) سورة النساء : ٧٩.

٤٤

٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حنان بن سدير ، عن معروف بن خربوذ ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال إنما نحن كنجوم السماء كلما غاب نجم طلع نجم حتى إذا أشرتم بأصابعكم وملتم بأعناقكم غيب الله عنكم نجمكم فاستوت بنو عبد المطلب فلم يعرف أي من أي فإذا طلع نجمكم فاحمدوا ربكم.

______________________________________________________

الحديث الثامن : موثق حسن.

« كنجوم السماء » شبههم عليهم‌السلام بنجوم السماء في اهتداء الخلق بهم ، وفي أنه إذا غاب نجم في المغرب لا بد من أن يطلع نجم عوضه من المشرق ، وكذا الأئمة عليهم‌السلام لا بد من أن يكون أحد منهم فوق الأرض ، وإذا ذهب أحدهم قام مقامه آخر لكن إذا عمت الجور غاب الإمام عنهم كالشمس المستور بالسحاب ، وقيل : نجوم السماء عبارة عن البروج الاثني عشر ليتم التشبيه وهو تكلف « حتى إذا أشرتم بأصابعكم » كناية عن ترك التقية بتشهير إمامته عند المخالفين « وملتم بأعناقكم » كناية عن توقع ظهوره وخروجه ، وقيل : أي خضعتم للسلطان الجائر لنيل ما عنده من الدنيا وهو بعيد ، وفي النعماني : وملتم بحواجبكم ، فيرجع إلى الأول.

وفي النعماني عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : لا تزالون تمدون أعناقكم إلى الرجل منا تقولون : هو هذا ، فيذهب الله به حتى يبعث الله لهذا الأمر من لا تدرون ولد أم لم يولد ، خلق أو لم يخلق.

« فاستوت بنو عبد المطلب » أي الذين ظهروا منهم « فلم يعرف أي من أي » أي لم يتميز أحد منهم عن سائرهم كتميز الإمام عن غيره ، لأن جميعهم مشتركون في عدم كونهم مستحقين للإمامة ، وقال المحدث الأسترآبادي : هذا ناظر إلى الاختلاف المشاهد في هذا الزمان فإن أهل السنة والزيدية يقولون : هو محمد بن عبد الله ، ثم اختلفوا في أنه حسني أو حسيني ، انتهى.

« فإذا طلع نجمكم » أي ظهر القائم عليه‌السلام وفي الإكمال بسند آخر عن ابن خربوذ قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : أخبرني عنكم؟ قال : نحن بمنزلة النجوم إذا

٤٥

٩ ـ محمد بن يحيى ، عن جعفر بن محمد ، عن الحسن بن معاوية ، عن عبد الله بن جبلة ، عن عبد الله بن بكير ، عن زرارة قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول إن للقائم عليه‌السلام غيبة قبل أن يقوم قلت ولم قال إنه يخاف وأومأ بيده إلى بطنه يعني القتل.

١٠ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي أيوب الخزاز ، عن محمد بن مسلم قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول إن بلغكم عن صاحب هذا الأمر غيبة فلا تنكروها.

١١ ـ الحسين بن محمد ومحمد بن يحيى ، عن جعفر بن محمد ، عن الحسن بن معاوية ، عن عبد الله بن جبلة ، عن إبراهيم بن خلف بن عباد الأنماطي ، عن مفضل بن عمر قال كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام وعنده في البيت أناس فظننت أنه إنما أراد بذلك غيري فقال أما والله ليغيبن عنكم صاحب هذا الأمر وليخملن هذا حتى يقال :

______________________________________________________

خفي نجم بدا نجم مأمن وأمان ، وسلم وإسلام ، وفاتح ومفتاح حتى إذا استوى بنو عبد المطلب ، فلم يدر أي من أي أظهر الله عز وجل صاحبكم فاحمدوا الله عز وجل وهو يخبر الصعب والذلول ، فقلت : جعلت فداك فأيهما يختار؟ قال : يختار الصعب على الذلول. الحديث التاسع : ضعيف أو مجهول.

الحديث العاشر : حسن ، وقيل : « عن » متعلق بغيبته بتضمين معنى الخبر ، والظاهر تعلقه بالفعل لكن بتضمين أو بتقدير مضاف أي خبر غيبته.

الحديث الحادي عشر : ضعيف أو مجهول.

« أنه إنما أراد بذلك » أي بما يذكره بعد ذلك لأني كنت عالما به وسمعته منه مرارا ، والظاهر أنه سقط من الكلام شيء كما يدل عليه ما مر منه في الخبر الثاني ، وهو هذا الخبر بأدنى تغيير ، ويؤيده ما رواه النعماني عن المفضل بن عمر

٤٦

مات هلك في أي واد سلك ولتكفؤن كما تكفأ السفينة في أمواج البحر لا ينجو إلا من أخذ الله ميثاقه وكتب الإيمان في قلبه وأيده « بِرُوحٍ مِنْهُ » ولترفعن اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يدرى أي من أي قال فبكيت فقال ما يبكيك يا أبا عبد الله فقلت جعلت فداك كيف لا أبكي وأنت تقول اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يدرى أي من أي قال وفي مجلسه كوة تدخل فيها الشمس فقال أبينة هذه فقلت نعم قال أمرنا أبين من هذه الشمس.

١٢ ـ الحسين بن محمد ، عن جعفر بن محمد ، عن القاسم بن إسماعيل الأنباري ، عن يحيى بن المثنى ، عن عبد الله بن بكير ، عن عبيد بن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال للقائم غيبتان يشهد في إحداهما المواسم يرى الناس ولا يرونه.

١٣ ـ علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ومحمد بن يحيى وغيره ، عن أحمد بن محمد وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن أبي حمزة ، عن أبي إسحاق السبيعي ، عن بعض أصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام ممن يوثق به أن أمير المؤمنين عليه‌السلام تكلم بهذا الكلام وحفظ عنه وخطب به على منبر الكوفة :

______________________________________________________

قال : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام في مجلسه ومعي غيري ، فقال لنا : إياكم والتنويه يعني باسم القائم عليه‌السلام وكنت أراه يريد غيري ، فقال لي : يا أبا عبد الله إياكم والتنويه ، والله ليغيبن ، إلى آخر الخبر ، قال الجوهري : الخامل الساقط الذي لا نباهة له ، وقد خمل يخمل خمولا وأخملته أنا.

الحديث الثاني عشر : ضعيف أو مجهول ولعل المراد بإحداهما الكبرى ، وبالرؤية المعرفة ، أي لا يعرفه أحد من الناس بخلاف الصغرى ، فإنه كان يعرفه عليه‌السلام سفراؤه وبعض خواص مواليه ، وقيل : هي الصغرى ، « والناس » مرفوع ، والمراد خواص مواليه أي يراه بعض الناس ولا يراه عامتهم على وجه المعرفة.

الحديث الثالث عشر : مجهول ، والسبيعي : بفتح السين وكسر الباء نسبة إلى بطن من همدان واسمه عمرو بن عبد الله « حجة » بدل تفصيل لقوله « حجج ».

٤٧

اللهم إنه لا بد لك من حجج في أرضك حجة بعد حجة على خلقك يهدونهم إلى دينك ويعلمونهم علمك كيلا يتفرق أتباع أوليائك ظاهر غير مطاع أو مكتتم يترقب إن غاب عن الناس شخصهم في حال هدنتهم فلم يغب عنهم قديم مبثوث علمهم وآدابهم في قلوب المؤمنين مثبتة فهم بها عاملون.

ويقول عليه‌السلام في هذه الخطبة في موضع آخر فيمن هذا ولهذا يأرز العلم

______________________________________________________

« علمك » أي ما علمتهم « كيلا يتفرق » أي في الآراء والعقائد « ظاهر » إما مجرور فيكون نعت « حجة » أو مرفوع بتقدير مبتدإ أي كل منهم « أو مكتتم » على بناء المفعول ، يقال : كتمته واكتتمته أي سترته « يترقب » على بناء المجهول أي ينتظر ، وقيل : هو قائم مقام جزاء « إن غاب » بقرينة الفاء في قوله « فلم يغب ».

« شخصهم » أي الموجود من جملتهم « مبثوث علمهم » لعل المفعول بمعنى الفاعل ، فإني لم أره متعديا فيما عندنا من كتب اللغة ، وفي بعض النسخ بتقديم الباء على المثلثة أي منتشر علمهم وهو أظهر « وآدابهم » مبتدأ خبره : مثبتة ، والمراد بآدابهم أخلاقهم وسيرهم « فهم بها » أي بالعلوم والآداب ، وقيل : المراد بآدابهم قواعدهم الكلية الأصولية المتعلقة بكيفية عمل أهل الغيبة نحو جواز العمل بأخبار الآحاد.

« فيمن هذا » الاستفهام للتقليل أي العمل بآدابهم المثبتة في قلوب الناس ليس إلا في قليل منهم « ولهذا » أي ولقلة ما ذكر ينقبض العلم وتقل الحملة ، وهو بالتحريك جمع حامل.

وقال بعض الأفاضل « فيمن هذا » أي في شأن من تكلم بغير معقول من الهذيان « ولهذا » أي ولأجل أن الناس يصيرون إلى مثل هذا ويتكلمون بالباطل « يأرز العلم » أي ينضم بعضه إلى بعض ويجتمع عند أهله ، انتهى.

وما أشبه هذا بالهذيان وإن كان القائل أجل من ذلك ، وفي بعض النسخ : فمن هذا ، كما في رواية النعماني ، فمن بالكسر ولهذا تأكيد له ، وهذا في الموضعين إشارة إلى كلام أسقط من البين ويمكن أن يقرأ بالفتح على الاستفهام للقلة بالمعنى المتقدم.

٤٨

إذا لم يوجد له حملة يحفظونه ويروونه كما سمعوه من العلماء ويصدقون عليهم فيه اللهم فإني لأعلم أن العلم لا يأرز كله ولا ينقطع مواده وإنك لا تخلي أرضك من حجة لك على خلقك ظاهر ليس بالمطاع أو خائف مغمور كيلا تبطل حجتك ولا يضل أولياؤك بعد إذ هديتهم بل أين هم وكم هم أولئك الأقلون عددا الأعظمون عند الله قدرا.

١٤ ـ علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن موسى بن القاسم بن معاوية البجلي ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام في قول الله عز وجل « قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ » (١) قال إذا غاب عنكم إمامكم فمن يأتيكم

______________________________________________________

وفي رواية النعماني : وهم بها عاملون يأنسون بما يستوحش منه المكذبون ويأباه المسرفون وبالله كلام يكال بلا ثمن ، من كان يسمعه بعقله فيعرفه ويؤمن به ، ويتبعه وينهج نهجه فيصلح به ، ثم يقول : فمن هذا ولهذا يأزر العلم ، إذ لم يوجد حملة يحفظونه ويؤدونه كما يسمعونه من العالم ، ثم قال بعد كلام طويل في هذه الخطبة : اللهم وإني لأعلم إلى آخره.

« يحفظونه » أي على ظهر القلب وفي الكتب ، وقيل : يرعونه حق الرعاية ويصدقون على بناء المجرد أي هم صادقون فيما يروونه عنهم في العلم ، وربما يقرأ على مجهول باب التفعيل أي يصدقهم الناس في الرواية لعلمهم بعد التهم.

الحديث الرابع عشر : ضعيف على المشهور « إن أصبح ماؤكم غورا » أي غائرا في الأرض بحيث لا تناله الدلاء ، مصدر وصف به : بماء معين ، أي جار ظاهر سهل المأخذ ، فعلى التأويل الوارد في الخبر استعار الماء للعلم ، لأنه سبب لحياة الأرواح ، كما أن الماء سبب لحياة الأبدان ، واختفاء العالم يوجب اختفاء العلم « بإمام جديد » أي ظاهر بعد الغيبة فالجديد لازم للمعين باعتبار كونه بعد الغور والخفاء ومما يؤيد ما ذكرنا أن المراد تشبيه علم الإمام بالماء ، ما رواه علي بن

__________________

(١) سورة الملك : ٣٠.

٤٩

بإمام جديد.

١٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن أبي أيوب الخزاز ، عن محمد بن مسلم قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول إن بلغكم عن صاحبكم غيبة فلا تنكروها.

١٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال لا بد لصاحب هذا الأمر من غيبة ولا بد له في غيبته من عزلة ونعم المنزل طيبة وما بثلاثين من وحشة.

______________________________________________________

إبراهيم بإسناده قال : سئل الرضا عليه‌السلام عن قول الله عز وجل : « قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً » الآية فقال عليه‌السلام : « ماؤكم » أبوابكم الأئمة والأئمة أبواب الله « فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ » يعني يأتيكم بعلم الإمام.

الحديث الخامس عشر : صحيح.

الحديث السادس عشر : ضعيف أو موثق.

والعزلة بالضم : اسم الاعتزال أي المفارقة عن الخلق « ولا بد له في غيبته » في بعض النسخ : ولا له في غيبته ، أي ليس في غيبته معتزلا عن الخلق بل هو بينهم ولا يعرفونه ، والأول أظهر وموافق لما في سائر الكتب ، والطيبة بالكسر اسم المدينة الطيبة ، فيدل على أنه عليه‌السلام غالبا في المدينة وحواليها إما دائما أو في الغيبة الصغرى ، وما قيل : من أن الطيبة اسم موضع يسكنه عليه‌السلام مع أصحابه سوى المدينة فهو رجم بالغيب ، ويؤيد الأول ما مر أنه لما سئل أبوه عليه‌السلام : أين أسأل عنه؟ قال : بالمدينة.

« وما بثلاثين من وحشة » أي هو عليه‌السلام مع ثلاثين من مواليه وخواصه ، وليس لهم وحشة لاستيناس بعضهم ببعض ، أو هو عليه‌السلام داخل في العدد فلا يستوحش هو أيضا أو الباء بمعنى مع أي لا يستوحش عليه‌السلام لكونه مع ثلاثين ، وقيل : هو مخصوص بالغيبة الصغرى ، وما قيل : من أن المراد أنه عليه‌السلام في هيئة من هو في سن ثلاثين سنة

٥٠

١٧ ـ وبهذا الإسناد ، عن الوشاء ، عن علي بن الحسن ، عن أبان بن تغلب قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام كيف أنت إذا وقعت البطشة بين المسجدين ـ فيأرز العلم كما تأرز الحية في جحرها واختلفت الشيعة وسمى بعضهم بعضا كذابين وتفل بعضهم

______________________________________________________

ومن كان كذلك لا يستوحش فهو في غاية البعد ، وفي غيبة الشيخ : لا بد لصاحب هذا الأمر من عزلة ولا بد في عزلته من قوة ، الخبر.

الحديث السابع عشر : صحيح إذا لظاهر أن علي بن الحسن هو الطاطري ، وفي بعض النسخ علي بن الحسين فيكون مجهولا.

والبطشة : الأخذ بالعنف ، والسطوة : الأخذ الشديد ، والمسجدان مسجد مكة ومسجد المدينة ، أو مسجد الكوفة ومسجد السهلة ، والأول أظهر وهو إشارة إلى واقعة عظيمة من حرب أو خسف أو بلاء تقع قريبا من ظهور المهدي عليه‌السلام ، فالخير هو ظهور القائم عليه‌السلام أو قريبا من وجوده عليه‌السلام أو من غيبته الكبرى ، فالخير لكثرة الأجر وقوة الإيمان كما مر.

قال المحدث الأسترآبادي رحمه‌الله : كأنه إشارة إلى وقعة عسكر السفياني بين المسجدين ، وإلى الفتنة التي تظهر من عسكره في عراق العرب ، وظهور رجل مبرقع من الشيعة في العراق ، ودلالته عسكر السفياني على الشيعة ، والمراد من الخير كله ظهور القائم عليه‌السلام انتهى.

وفي قرب الإسناد في الصحيح عن البزنطي قال : قال الرضا عليه‌السلام : إن قدام هذا الأمر علامات حدث يكون بين الحرمين ، قلت : ما الحدث؟ قال : عصبة تكون ، ويقتل فلان من آل فلان خمسة عشر رجلا ، وقيل : المراد ما وقع في خلافة المتوكل في سويقة وهي قرية من أعراض المدينة في جنب الروحاء ، قال صاحب القاموس : سويقة موضع بنواحي المدينة يسكنه آل علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وقال السمهودي في كتاب خلاصة الوفاء : سويقة عين عذبة كثيرة الماء لآل علي ، وكان محمد بن صالح الحسيني خرج على المتوكل فأنفذ إليه جيشا ضخما فظفروا به وبجماعة من أهله

٥١

في وجوه بعض قلت جعلت فداك ما عند ذلك من خير فقال لي الخير كله عند ذلك ثلاثا.

١٨ ـ وبهذا الإسناد ، عن أحمد بن محمد ، عن أبيه محمد بن عيسى ، عن ابن بكير ، عن زرارة قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول إن للقائم غيبة قبل أن يقوم إنه يخاف وأومأ بيده إلى بطنه يعني القتل.

١٩ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن ابن محبوب ، عن إسحاق بن عمار قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام للقائم غيبتان إحداهما قصيرة والأخرى طويلة الغيبة الأولى لا يعلم بمكانه فيها إلا خاصة شيعته والأخرى لا يعلم بمكانه فيها إلا خاصة مواليه

______________________________________________________

فقتلوا بعضهم وأخربوا سويقة وعقروا بها نخلا كثيرا وما أفلحت السويقة بعد ، وجل سويقة لآل علي وكانت من صدقات علي عليه‌السلام ، انتهى. وهذه الواقعة أفضت إلى غيبة صاحب الزمان عليه‌السلام ، وسمعت من رأى سويقة مرارا مع الشريف زيد وعسكره يقول : إن المشهور عند شيعة تلك الأماكن أن سويقة منزل صاحب الزمان عليه‌السلام ، انتهى.

أقول : وفي غيبة النعماني : يأتي على الناس زمان يصيبهم فيها سبطة يأرز العلم فيها كما تأرز الحية في جحرها فبينا هم كذلك إذ طلع عليهم نجم ، قلت : فما السبطة؟

قال : الفترة ، إلى آخر الخبر.

الحديث الثامن عشر : موثق كالصحيح.

الحديث التاسع عشر : موثق.

« إلا خاصة مواليه » أي خدمه وأهله وأولاده أو الثلاثين الذين مضى ذكرهم ، وفي الغيبة الصغرى كان بعض خواص شيعته مطلعين على مكانه كالسفراء وبعض الوكلاء.

واعلم أنه كان له عليه‌السلام غيبتان : أولهما : الصغرى وهي من زمان وفاة أبي محمد العسكري عليه‌السلام ، وهو لثمان ليال خلون من شهر ربيع الأول سنة ستين ومائتين إلى

٥٢

______________________________________________________

وقت وفاة رابع السفراء أبي الحسن علي بن محمد السمري وهو النصف من شعبان سنة تسع وعشرين وثلاثمائة فتكون قريبا من سبعين ، والعجب من الشيخ الطبرسي وسيد ابن طاوس أنهما وافقا في التاريخ الأول وقالا في وفاة السمري : توفي سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة ، ومع ذلك ذكرا أن مدة الغيبة الصغرى أربع وسبعون سنة ولعلهما عدا ابتداء الغيبة من ولادته عليه‌السلام.

وأما سفراؤه عليه‌السلام فأولهم أبو عمر وعثمان بن سعيد العمري ، فلما توفي رضي‌الله‌عنه نص على ابنه أبي جعفر محمد بن عثمان ، فقام مقامه وهو الثاني من السفراء ، وتوفي رضي‌الله‌عنه سنة أربع وثلاثمائة وقيل : خمس وثلاثمائة ، وكان يتولى هذا الأمر نحوا من خمسين سنة ، فلما دنت وفاته أقام أبا القاسم الحسين بن روح النوبختي مقامه ، وتوفي أبو القاسم قدس الله روحه في شعبان سنة ستة وعشرين وثلاثمائة فلما دنت وفاته نص على أبي الحسن علي بن محمد السمري ، فلما حضرت السمري رضي‌الله‌عنه الوفاة سئل أن يوصي فقال : لله أمر هو بالغه ، ومات روح الله روحه في النصف من شعبان سنة تسع وعشرين وثلاثمائة ، كل ذلك ذكره الشيخ رحمه‌الله.

وقال الصدوق : حدثني الحسن بن أحمد المكتب قال : كنت بمدينة السلام في السنة التي توفي فيها الشيخ أبو الحسن علي بن محمد السمري قدس الله روحه فحضرته قبل وفاته بأيام فأخرج إلى الناس توقيعا نسخته : بسم الله الرحمن الرحيم يا علي بن محمد السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك ، فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك ، فقد وقعت الغيبة التامة ولا ظهور إلا بعد إذن الله تعالى ذكره ، وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جورا ، وسيأتي من شيعتي من يدعي المشاهدة ، ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

قال : فنسخنا هذا التوقيع وخرجنا من عنده ، فلما كان يوم السادس وعدنا إليه وهو يجود بنفسه ، فقيل له : من وصيك من بعدك؟ فقال : لله أمر هو بالغه وقضى ،

٥٣

٢٠ ـ محمد بن يحيى وأحمد بن إدريس ، عن الحسن بن علي الكوفي ، عن علي بن حسان ، عن عمه عبد الرحمن بن كثير ، عن مفضل بن عمر قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول لصاحب هذا الأمر غيبتان إحداهما يرجع منها إلى أهله والأخرى يقال هلك في أي واد سلك قلت كيف نصنع إذا كان كذلك قال إذا ادعاها مدع فاسألوه عن أشياء يجيب فيها مثله.

٢١ ـ أحمد بن إدريس ، عن محمد بن أحمد ، عن جعفر بن القاسم ، عن محمد بن الوليد الخزاز ، عن الوليد بن عقبة ، عن الحارث بن زياد ، عن شعيب ، عن أبي حمزة قال دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام فقلت له أنت صاحب هذا الأمر فقال لا فقلت فولدك فقال لا فقلت فولد ولدك هو قال لا فقلت فولد ولد ولدك فقال لا قلت من هو قال الذي يملأها عدلا كما ملئت ظلما وجورا على فترة من الأئمة كما أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعث « عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ ».

______________________________________________________

وهذا آخر كلام سمع منه رضي الله عنه.

الحديث العشرون : ضعيف.

« يرجع منها إلى أهله » أي عيال أبيه عليه‌السلام أو إلى نوابه وسفرائه « كيف نصنع » أي إذا خرج أحد بعد غيبته عليه‌السلام وادعى أنه المهدي كيف نعرف أنه صادق أو كاذب؟ « يجيب فيها مثله » أي مثل القائم عليه‌السلام عن مسائل لا يعلمه إلا الإمام كالأخبار بالمغيبات لعامة الخلق ، والسؤال عن غوامض المسائل والعلوم المختصة بهم عليه‌السلام فإن أجاب بالحق فيها وموافقا لما وصل إليكم من آبائهم عليهم‌السلام فاعلموا أنه الإمام ، وهذا مختص بالعلماء.

الحديث الحادي والعشرون : مجهول.

والفترة بين الرسولين هي الزمان الذي انقطعت فيه الرسالة واختفى فيه الأوصياء والمراد بفترة من الأئمة خفاؤهم وعدم ظهورهم في مدة طويلة ، أو عدم إمام قادر قاهر فتشمل أزمنة سائر الأئمة سوى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، والأول أظهر.

٥٤

٢٢ ـ علي بن محمد ، عن جعفر بن محمد ، عن موسى بن جعفر البغدادي ، عن وهب بن شاذان ، عن الحسن بن أبي الربيع ، عن محمد بن إسحاق ، عن أم هانئ قالت سألت أبا جعفر محمد بن علي عليه‌السلام عن قول الله تعالى « فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوارِ الْكُنَّسِ » (١) قالت فقال إمام يخنس سنة ستين ومائتين ثم يظهر كالشهاب يتوقد في الليلة الظلماء فإن أدركت زمانه قرت عينك.

٢٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن الحسن ، عن عمر بن يزيد ، عن الحسن بن الربيع الهمداني قال حدثنا محمد بن إسحاق ، عن أسيد بن ثعلبة ، عن أم هانئ قالت لقيت أبا جعفر محمد بن علي عليه‌السلام فسألته عن هذه الآية « فَلا أُقْسِمُ

______________________________________________________

الحديث الثاني والعشرون : ضعيف أو مجهول.

« بالخنس » هو جمع خانس من خنس إذا تأخر ، والجواري جمع الجارية ، والكنس جمع كانس ، من كنس الظبي : إذا تغيب واستتر في الكناسة ، وهو الموضع الذي يأوي إليه ، فقال بعض المفسرين : هي الكواكب كلها فإنها تغيب بالنهار وتظهر بالليل ، وقال بعضهم : هي الخمسة المتحيرة سوى النيرين من السيارات ، يريد به مسيرها ورجوعها ، وفسره عليه‌السلام بإمام يخنس أي يتأخر عن الناس ويغيب.

« سنة ستين ومائتين » وهي سنة وفاة الحسن العسكري عليه‌السلام وابتداء إمامة القائم صلوات الله عليه ، وهي ابتداء غيبته بعد الإمامة ، والجمعية إما للتعظيم أو شموله لسائر الأئمة عليهم‌السلام باعتبار الرجعة ، أو أن ظهوره عليه‌السلام بمنزلة ظهور الجميع ، وقيل : للمبالغة في التأخر ، وقيل : الخنس مفرد كسكر ، وكذا الكنس ، والجوار مفرد بمعنى الجار ، ولا يخفى بعده.

ويحتمل أن يكون المراد بها الكواكب ويكون ذكرها لتشبيه الإمام بها في الغيبة والظهور كما في أكثر بطون الآيات « فإن أدركت » أي على الفرض البعيد أو في الرجعة « زمانه » أي زمان استيلائه وتمكنه.

الحديث الثالث والعشرون : مجهول.

__________________

(١) سورة التكوير : ١٦ ـ ١٧.

٥٥

بِالْخُنَّسِ الْجَوارِ الْكُنَّسِ » قال الخنس إمام يخنس في زمانه عند انقطاع من علمه عند الناس سنة ستين ومائتين ثم يبدو كالشهاب الواقد في ظلمة الليل فإن أدركت ذلك قرت عينك.

٢٤ ـ علي بن محمد ، عن بعض أصحابنا ، عن أيوب بن نوح ، عن أبي الحسن الثالث عليه‌السلام قال إذا رفع علمكم من بين أظهركم فتوقعوا الفرج من تحت أقدامكم.

٢٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن سعد بن عبد الله ، عن أيوب بن نوح قال قلت

______________________________________________________

« عند انقطاع من علمه عند الناس » أي لا يعلم المخالفون أو أكثر الناس وجوده ، ويحتمل أن يكون « من » تبعيضية.

الحديث الرابع والعشرون : مرسل.

« إذا رفع علمكم » بالتحريك أي إمامكم الهادي لكم إلى طريق الحق وربما يقرأ بالكسر أي صاحب علمكم ، أو أصل العلم باعتبار خفاء الإمام فإن أكثر الخلق في ذلك الزمان في الضلالة والجهالة ، والأول أظهر ، وتوقع الفرج من تحت الأقدام ، كناية عن قربه وتيسر حصوله ، فإن من كان شيء تحت قدميه إذا رفعهما وجده ، فالمعنى أنه لا بد أن تكونوا متوقعين للفرج كذلك وإن كان بعيدا ، أو يكون المراد بالفرج إحدى الحسنيين كما مر.

ويحتمل مع قراءة العلم بالكسر حمله على حقيقته ، فإن مع رفع العلم بين الخلق وشيوع الضلالة لا بد من ظهوره عليه‌السلام كما مر أنه عليه‌السلام يملأ الأرض قسطا وعدلا بعد ما ملئت ظلما وجورا.

وقيل : توقع الفرج من تحت الأقدام كناية عن الإطراق وترك الالتفات إلى أهل الدنيا بالتواصي بالصبر فإنه مفتاح الفرج والخير كله ، وهو بعيد.

الحديث الخامس والعشرون : مرسل كالصحيح ، لأن هذه العدة غير معلوم رجالها ، لكن الظاهر أن فيهم محمد بن يحيى العطار فإنه الراوي عن سعد غالبا في سند الصدوق ، ورواية الكليني بواسطة عن سعد وإن كان نادرا لأنه يروي عنه أحمد

٥٦

لأبي الحسن الرضا عليه‌السلام إني أرجو أن تكون صاحب هذا الأمر وأن يسوقه الله إليك بغير سيف فقد بويع لك وضربت الدراهم باسمك فقال ما منا أحد اختلفت إليه الكتب وأشير إليه بالأصابع وسئل عن المسائل وحملت إليه الأموال إلا اغتيل أو مات على فراشه حتى يبعث الله لهذا الأمر غلاما منا ـ خفي الولادة والمنشإ غير خفي في نسبه.

٢٦ ـ الحسين بن محمد وغيره ، عن جعفر بن محمد ، عن علي بن العباس بن عامر ، عن موسى بن هلال الكندي ، عن عبد الله بن عطاء ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قلت له إن شيعتك بالعراق كثيرة والله ما في أهل بيتك مثلك فكيف لا تخرج قال :

______________________________________________________

بن محمد بن عيسى الذي يروي عنه الكليني بتوسط العدة ، لكن يروي عنه محمد بن يحيى الذي هو داخل في عدة الكليني ، ويروي عنه علي بن بابويه وهو معاصر الكليني ، فرواية الكليني عنه بواسطة غير مستبعد.

« وأن يسوقه الله » في الإكمال : وأن يسد به الله عز وجل إليك « فقد بويع لك » أي بولاية العهد للمأمون « وأشير إليه بالأصابع » كناية عن الشهرة وفي الإكمال : وأشارت إليه الأصابع.

« إلا اغتيل » الاغتيال هو الأخذ بغتة ، والقتل خديعة ، ولعل المراد به القتل بالحديد وبالموت على الفراش القتل بالسم أو المراد بالأول الأعم ، وبالثاني الموت غيظا من غير ظفر على العدو كما سيأتي. و « أو » للتقسيم لا للشك.

« خفي الولادة » أي وقت ولادته خفي عند جمهور الناس وإن اطلع عليه بعض الخواص ، والمنشأ : الوطن ومحل النشو أي لا يعلم جمهور الخلق في أي موضع نما ونشأ ، ومضت عليه السنون « غير خفي في نسبه » فإنه يعلم جميع الشيعة أنه ابن الحسن العسكري عليهما‌السلام ، بل المخالفون أيضا يقولون أنه من ولد الحسين عليه‌السلام وقيل : أي معلوم بالبرهان أنه ولد العسكري عليهما‌السلام.

الحديث السادس والعشرون : ضعيف أو مجهول.

٥٧

فقال يا عبد الله بن عطاء قد أخذت تفرش أذنيك للنوكى إي والله ما أنا بصاحبكم قال قلت له فمن صاحبنا قال انظروا من عمي على الناس ولادته فذاك صاحبكم إنه ليس منا أحد يشار إليه بالإصبع ويمضغ بالألسن إلا مات غيظا أو رغم أنفه.

٢٧ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال يقوم القائم وليس لأحد في عنقه عهد ولا عقد ولا بيعة.

______________________________________________________

« أخذت » من أفعال المقاربة أي شرعت و « تفرش » خبره أي تفتح وتبسط و « النوكي » جمع أنوك كحمقى وأحمق وزنا ومعنا ، وهو مثل لكل من يقبل الكلام من كل أحد وإن كان أحمق « أي » لتصديق الكلام السابق الدال على قبح الخروج وعدم الإذن فيه.

« من عمي على الناس » يقال عمي عليه الأمر إذا التبس ، ومنه قوله تعالى : « فعميت عليهم الأنباء يومئذ (١) » والمضغ باللسان كناية عن تناوله وذكره بالخير والشر ، ورغم الأنف كناية عن الذل ، ولعل المراد هنا القتل بالسم وغيره ، ويحتمل كون الترديد من الراوي.

الحديث السابع والعشرون : صحيح.

والعهد والعقد والبيعة متقاربة المعاني وكان بعضها مؤكد بالبعض ، ويحتمل أن يكون المراد بالعهد الوعد مع خلفاء الجور برعايتهم أو وصيتهم إليه ، يقال : عهد إليه إذا أوصى إليه أو العهد بولاية العهد كما وقع للرضا عليه‌السلام ، وبالعقد عقد المصالحة والمهادنة كما وقع بين الحسن عليه‌السلام وبين معاوية ، والبيعة الإقرار ظاهرا للغير بالخلافة مع التماسح بالأيدي على وجه المعروف ، وكأنه إشارة إلى بعض علل الغيبة وفوائدها كما روى الصدوق رحمه‌الله بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : صاحب هذا الأمر تغيب ولادته عن هذا الخلق لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج ، ويصلح الله عز وجل أمره في ليلة.

__________________

(١) سورة القصص : ٦٦.

٥٨

٢٨ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن الحسن بن علي العطار ، عن جعفر بن محمد ، عن منصور عمن ذكره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قلت إذا أصبحت وأمسيت لا أرى إماما أئتم به ما أصنع قال فأحب من كنت تحب وأبغض من كنت تبغض حتى يظهره الله عزوجل.

٢٩ ـ الحسين بن أحمد ، عن أحمد بن هلال قال حدثنا عثمان بن عيسى ، عن خالد بن نجيح ، عن زرارة بن أعين قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام لا بد للغلام من غيبة قلت ولم قال يخاف وأومأ بيده إلى بطنه وهو المنتظر وهو الذي يشك الناس في ولادته فمنهم من يقول حمل ومنهم من يقول مات أبوه ولم يخلف ومنهم من يقول ولد قبل موت أبيه بسنتين قال زرارة فقلت وما تأمرني لو أدركت ذلك الزمان قال ادع الله بهذا الدعاء ـ اللهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرفك اللهم عرفني نبيك فإنك إن لم تعرفني نبيك لم أعرفه قط اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني : قال أحمد بن الهلال سمعت هذا الحديث منذست

______________________________________________________

الحديث الثامن والعشرون : مرسل.

« فأحب من كنت تحبه (١) » أي من الأئمة ، ولا ترجع عن الاعتقاد بإمامتهم وحبهم يقتضي العمل بما بقي بينهم من آثارهم والرجوع إلى رواة أخبارهم ، ويحتمل تعميم من يشمل الرواة والعلماء الربانيين الذين كانوا يرجعون إليهم عند ظهور الإمام عليه‌السلام ، إذا لم يمكن الوصول إليه « وأبغض من كنت تبغض » أي من أئمة الجور وأتباعهم ، وهو يستلزم الاجتناب عن طريقتهم من البدع والأهواء والقياسات والاستحسانات.

الحديث التاسع والعشرون : ضعيف وقد مر مثله بتغيير في الدعاء ويدل على أن المعارف موهبية وقد مر الكلام فيه « سمعت هذا الحديث » غرضه من هذا الكلام أنه ليس في هذا الحديث شائبة وضع وكذب لأني سمعت هذا الحديث قبل

__________________

(١) وفي المتن « من كنت تحبّ ».

٥٩

وخمسين سنة.

______________________________________________________

ولادة القائم عليه‌السلام وغيبته بأكثر من خمسين سنة بل قبل ولادة جده ، فكان سماعة إما زمن الجواد عليه‌السلام أو زمن الرضا عليه‌السلام ، فهذا الحديث مشتمل على الإعجاز بوجوه شتى فكيف يشك فيه ، وذلك لأن العبرتائي كانت ولادته سنة ثمانين ، ووفاته سنة سبع وستين ومائتين ، فيكون عمره عند وفاته سبعا وثمانين سنة ، فأدرك اثنتا عشرة سنة من عمره عليه‌السلام ، وسبعا من أيام إمامته وكانت روايته لهذا الحديث في تلك السنين فاستشهد على حقية الخبر بصدور الأخبار بهذه الأمور فيها قبل وقوعها ، وهذه حجة قوية على حقية القائم عليه‌السلام وإمامته وغيبته للإخبار بجميع ذلك قبل وقوعها.

قال الشيخ أمين الدين الطبرسي قدس‌سره في إعلام الورى ، بعد ما أورد أخبارا كثيرة في النص على الاثني عشر والنص على القائم عليهم‌السلام خصوصا ما هذا لفظه : يدل على إمامته عليه‌السلام ما أثبتناها من أخبار النصوص وهي على ثلاثة أوجه : أحدهما : النص على عدد الأئمة الاثني عشر ، والثاني النص عليه من جهة أبيه خاصة ، الثالث : النص عليه بذكر غيبته وصفتها التي يختصها ، ووقوعها على الحد المذكور من غير اختلاف حتى لم يخرم منه شيئا ، وليس يجوز في العادات أن يولد جماعة كثيرة كذبا يكون عن كائن فيتفق ذلك على حسب ما وصفوه ، وإذا كانت أخبار الغيبة قد سبقت زمان الحجة بل زمان أبيه وجده حتى تعلقت الكيسانية بها في إمامة ابن الحنفية والناووسية والمطمورية في أبي عبد الله وأبي الحسن موسى عليهما‌السلام ، وذكرها المحدثون من الشيعة في أصولهم المؤلفة في أيام السيدين الباقر والصادق عليهما‌السلام ، وآثروهما عن النبي والأئمة عليهم‌السلام واحدا بعد واحد صح بذلك القول في إمامة صاحب الزمان عليه‌السلام لوجود هذه الصفة له ، والغيبة المذكورة ودلائله وأعلام إمامته ، وليس يمكن أحدا دفع ذلك.

ومن جملة ثقات المحدثين والمصنفين من الشيعة الحسن بن محبوب الزراد وقد صنف كتاب المشيخة الذي هو في أصول الشيعة أشهر من كتاب المزني وأمثاله قبل

٦٠