مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: مروي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٧٤

قد أجمعت ألا أكلمه أفلير في برأيه فقال إسماعيل لأبي عبد الله عليه‌السلام أنشدك الله هل تذكر يوما أتيت أباك محمد بن علي عليه‌السلام وعلي حلتان صفراوان فدام النظر إلي فبكى فقلت له ما يبكيك فقال لي يبكيني أنك تقتل عند كبر سنك ضياعا لا ينتطح في دمك عنزان قال قلت فمتى ذاك قال إذا دعيت إلى الباطل فأبيته وإذا نظرت إلى الأحول مشوم قومه ينتمي من آل الحسن على منبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يدعو إلى نفسه قد تسمى بغير اسمه فأحدث عهدك واكتب وصيتك فإنك مقتول

______________________________________________________

« أن تبين له » أي عاقبة أمره وأنه لا يتم له ما يروم ، ولا يجوز له ما يفعل « قد أجمعت » أي عزمت وجزمت على أن لا أكلمه « ولير فيّ رأيه (١) » أي فليفعل بي ما يقتضي رأيه المشؤوم.

وقال الجوهري : قال أبو عبيد : الحلل برود اليمن والحلة إزار ورداء لا يسمى حلة حتى يكون ثوبين ، وفي القاموس : مات ضياعا كسحاب أي غير مفتقد.

قوله عليه‌السلام : لا ينتطح ، كناية عن نفي وقوع التخاصم في طلب دمه ، أو عن قلة دمه لكبر سنة ، أي إذا ضربا بقرنهما الأرض يفنى دمك ، والأول هو الظاهر ، قال في المغرب : في الأمثال لا ينتطح فيها عنزان يضرب في أمر هين لا يكون له تغيير ولا نكير ، قال الجاحظ : أول من تكلم به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال حين قتل عدي بن عمير عصماء ، وفي القاموس : نطحة كمنعه وضربه : أصابه بقرنه ، وانتطحت الكباش : تناطحت ، وفي النهاية : في الحديث لا ينتطح فيها عنزان أي لا يلتقي فيها اثنان ضعيفان ، لأن النطاح من شأن التيوس والكباش لا العنوز ، وهو إشارة إلى قضية مخصوصة لا يجري فيها خلف ولا نزاع ، انتهى.

والمشوم مخفف مشؤوم بالهمزة ضد المبارك « ينتمي » أي يرتفع عن درجته ويدعي ما ليس له ، في القاموس : انتمى البازي ارتفع من موضعه إلى آخر كتنمى ، وفي بعض النسخ : يتمنى أي يرجو منزلة لا يدركها « قد تسمى بغير اسمه » كالمهدي وصاحب النفس الزكية « فأحدث عهدك » أي جدد إيمانك وميثاقك أو ما تريد أن

__________________

(١) وفي المتن « فلير فيّ برأيه ».

١٤١

في يومك أو من غد فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام نعم وهذا ورب الكعبة لا يصوم من شهر رمضان إلا أقله فأستودعك الله يا أبا الحسن وأعظم الله أجرنا فيك وأحسن الخلافة على من خلفت و « إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ » قال ثم احتمل إسماعيل ورد جعفر إلى الحبس قال فو الله ما أمسينا حتى دخل عليه بنو أخيه بنو معاوية بن عبد الله

______________________________________________________

تعهده إلى أهلك وأصحابك « أو من غد » إما تبهيم من الإمام عليه‌السلام للمصلحة ، لئلا ينسب إليهم علم الغيب ، أو ترديد من بعض الرواة « وهذا » أي محمد بن عبد الله « أستودعك » أي استحفظك « الله » وأجعلك وديعة عنده « على من خلفت » على التفعيل « ثم احتمل » على بناء المجهول.

« بنو معاوية » أولاد معاوية كانوا رجال سوء على ما ذكره صاحب مقاتل الطالبيين منهم عبد الله والحسن ويزيد وعلى وصالح ، كلهم أولاد معاوية بن عبد الله بن جعفر ، وخرج عبد الله في زمان يزيد بن الوليد من بني أمية ودعا الناس إلى بيعته على الرضا من آل محمد ، ولبس الصوف وأظهر سيماء الخير ، فاجتمع إليه نفر من أهل الكوفة وبايعوه ، ثم لما لم يجتمع عليه جمهور أهل الكوفة فقاتل وإلى الكوفة من قبل يزيد وانهزم ، وجعل يجمع من الأطراف والنواحي من أجابه حتى صار في عدة ، فغلب على مياه الكوفة ومياه البصرة وهمدان وقم والري وقومس وأصفهان وفارس ، وأقام هو بإصبهان واستعمل أخاه الحسن على إصطخر ، ويزيد على شيراز ، وعليا على كرمان ، وصالحا على قم ونواحيها ، فلم يزل مقيما في هذه النواحي حتى ولي مروان الحمار ، فسير إليه جيشا فانهزم وذهب إلى خراسان ، وقد ظهر أبو مسلم فأخذه وحبسه ثم قتله.

قال صاحب المقاتل : كان عبد الله جوادا فارسا شاعرا ولكنه كان سيئ السيرة ، رديء المذهب ، قتالا مستظهرا ببطانة السوء ومن يرمي بالزندقة ، وكان يغضب على الرجل فيأمر بضربه بالسياط وهو يتحدث ويتغافل عنه حتى يموت تحت السياط.

أقول : وكان الذين بايعوا محمدا من أولاد معاوية على ما ذكره صاحب المقاتل

١٤٢

بن جعفر فتوطئوه حتى قتلوه وبعث محمد بن عبد الله إلى جعفر فخلى سبيله قال وأقمنا بعد ذلك حتى استهللنا شهر رمضان فبلغنا خروج عيسى بن موسى يريد المدينة قال فتقدم محمد بن عبد الله على مقدمته يزيد بن معاوية بن عبد الله بن

______________________________________________________

الحسن ويزيد وصالحا ، وذكر أحوالهم وحبسهم وقتلهم بعد قتل محمد.

وقال ابن الأثير في الكامل : أرسل محمد إلى إسماعيل بن عبد الله بن جعفر وكان شيخا كبيرا فدعاه إلى بيعته فقال : ابن أخي أنت والله مقتول فكيف أبايعك ، فارتدع الناس عنه قليلا ، وكان بنو معاوية بن عبد الله بن جعفر قد أسرعوا إلى محمد فأتت حمادة ابنة معاوية إلى إسماعيل وقالت : يا عم إن إخوتي قد أسرعوا إلى ابن خالهم وإنك إن قلت هذه المقالة ثبطت الناس عنهم ، فقتل ابن خالي وإخوتي ، فأبى إسماعيل إلا النهي عنه ، فيقال : إن حمادة عدت عليه فقتلته ، فأراد محمد الصلاة عليه فمنعه عبد الله بن إسماعيل وقال : أتأمر بقتل أبي وتصلي عليه ، فنحاه الحرس وصلى عليه محمد ، انتهى.

« فتوطؤوه » على باب التفعيل أي داسوه بأرجلهم « على مقدمته » جملة حالية ، وعيسى هو ابن أخي منصور ، وهو عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس.

قوله : ولد الحسن بن زيد ، الظاهر أنه كان هكذا ولد الحسن بن زيد بن الحسن قاسم وزيد وعلى وإبراهيم بنو الحسن بن زيد ، ولو كان في ولد الحسن بن زيد محمد لاحتمل أن يكون ومحمد وزيد لكن لم يذكره أرباب النسب ، ومحمد بن زيد لا يستقيم لأنه لم يكن لزيد ولد سوى الحسن كما ذكره أرباب النسب ، ولم يذكروا أيضا محمد بن زيد بن الحسن بن زيد وذكروا أنه كان للحسن بن زيد بن الحسن سبعة أولاد ذكور : القاسم وإسماعيل وعلى وإسحاق وزيد وعبد الله وإبراهيم.

وقال صاحب عمدة الطالب : إن زيد بن الحسن بن علي عليهما‌السلام كان يتولى صدقات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتخلف عن عمه الحسين ولم يخرج معه إلى العراق ، وبايع

١٤٣

جعفر وكان على مقدمة عيسى بن موسى ولد الحسن بن زيد بن الحسن بن الحسن وقاسم ومحمد بن زيد وعلي وإبراهيم بنو الحسن بن زيد فهزم يزيد بن معاوية وقدم عيسى بن موسى المدينة وصار القتال بالمدينة فنزل بذباب ودخلت علينا المسودة من

______________________________________________________

بعد قتل عمه الحسين ، عبد الله بن الزبير لأن أخته لأمه وأبيه كانت تحت عبد الله فلما قتل عبد الله أخذ زيد بيد أخته ورجع إلى المدينة وعاش مائة سنة وقيل : خمسا وتسعين ، وقيل : تسعين ومات بين مكة والمدينة ، وابنه الحسن بن زيد كان أمير المدينة من قبل المنصور الدوانيقي ، وعينا له على غير المدينة أيضا ، وكان مظاهرا لبني العباس على بني عمه الحسن المثنى ، وهو أول من لبس السواد من العلويين وبلغ من السن ثمانين سنة ، وأدرك زمن الرشيد.

ثم قال : وأعقب الحسن بن زيد سبعة رجال : القاسم وهو أكبر أولاده ، وكان زاهدا عابدا ورعا إلا أنه كان مظاهرا لبني العباس على بني عمه الحسن المثنى انتهى.

فظهر مما ذكرنا أنه لا يستقيم في هذه العبارة إلا ما ذكرنا أو يكون هكذا : ولد الحسن بن زيد بن الحسن ومحمد بن زيد وقاسم ومحمد وإبراهيم بنو الحسن بن زيد فيكون محمد بن زيد هو محمد بن علي بن الحسين ويكون قاسم إلى آخره بيانا لولد الحسن بن زيد ، أو يكون محمد بن زيد مؤخرا عن قوله : بنو الحسن بن زيد ، وقيل : ولد الحسن أي أولاد الحسن بن زيد بن الحسن لم يذكر اسمه لأن موسى لم يعرفه بخصوصه ، و « بنو » عطف بيان لقاسم ومحمد وعلي ، يعني أن قاسما ابن الحسن بن زيد بلا واسطة زيد وعليا ابن الحسن بن زيد بواسطة إبراهيم ، انتهى ، وكان في نسخته وعلي بن إبراهيم ، ويظهر وهنه مما ذكرنا.

« المدينة » أي متصلا بالمدينة خارجه ، ودخل عسكره المدينة ، والذباب بالضم : جبل بالمدينة ، والمسودة بكسر الواو : جند بني العباس لتسويدهم ثيابهم ، كالمبيضة لأصحاب محمد لتبييضهم ثيابهم.

١٤٤

خلفنا وخرج محمد في أصحابه حتى بلغ السوق فأوصلهم ومضى ثم تبعهم حتى انتهى إلى مسجد الخوامين فنظر إلى ما هناك فضاء ليس فيه مسود ولا مبيض فاستقدم حتى انتهى إلى شعب فزارة ثم دخل هذيل ثم مضى إلى أشجع فخرج إليه الفارس الذي قال أبو عبد الله من خلفه من سكة هذيل فطعنه فلم يصنع فيه شيئا وحمل على الفارس فضرب خيشوم فرسه بالسيف فطعنه الفارس فأنفذه في الدرع وانثنى عليه محمد فضربه فأثخنه وخرج عليه حميد بن قحطبة وهو مدبر على الفارس يضربه من

______________________________________________________

« من خلفنا » أقول : هذا إشارة إلى ما ذكره ابن الأثير أن في أثناء القتال بعد انهزام كثير من أصحاب محمد ، فتح بنو أبي عمرو الغفاريون طريقا في بني غفار لأصحاب عيسى فدخلوا منه أيضا وجاءوا من وراء أصحاب محمد.

قوله : ومضى ، أي لجمع سائر العساكر أو لغيره من مصالح الحرب « ثم تبعهم » أي رجع أثرهم « حتى انتهى إلى مسجد الخوامين » أي بياعي الخام « فلم ير فيه أحدا » لتفرق أصحابه وانهزامهم ، وفي القاموس : الخام الجلد لم يدبغ أو لم يبالغ في دبغه والكرباس لم يغسل معرب والفجل ، وقوله : فضاء بالجر بدل أو بالرفع خبر مبتدإ محذوف ، وفي القاموس : المبيضة كمحدثة : فرقة من الثنوية لتبييضهم ثيابهم مخالفة للمسودة من العباسيين ، انتهى.

« فاستقدم » أي تقدم أو اجترأ وفي القاموس : المقدام الكثير الإقدام وقدم كنصر وعلم وأقدم وتقدم واستقدم ، وقال : الشعب بالكسر : الطريق في الجبل ومسيل الماء في بطن أرض ، أو ما انفرج بين الجبلين ، وقال : فزارة أبو قبيلة من غطفان ، وقال : هذيل ابن مدركة بن إلياس بن مضر أبو حي من مضر ، وقال : أشجع بن ريث بن غطفان أبو قبيلة انتهى.

والحاصل أنه تقدم حتى انتهى إلى شعب قبيلة فزارة ثم دخل شعب هذيل أو محلتهم ، ثم مضى إلى شعب أشجع أو محلتهم ، والسكة : الزقاق « فأنفذه » أي الرمح « في الدرع » أي لم يصل إلى بدنه « وانثنى » أي انعطف « فأثخنه » أي أوهنه بالجراحة « وهو » أي محمد « مدبر على الفارس » فيه تضمين معنى الإقبال أو الحملة من زقاق

١٤٥

زقاق العماريين فطعنه طعنة أنفذ السنان فيه فكسر الرمح وحمل على حميد فطعنه حميد بزج الرمح فصرعه ثم نزل إليه فضربه حتى أثخنه وقتله وأخذ رأسه ودخل الجند من كل جانب وأخذت المدينة وأجلينا هربا في البلاد قال موسى بن عبد الله

______________________________________________________

العماريين متعلق بخرج ، والزج : بالضم والتشديد : الحديدة في أسفل الرمح « فصرعه » أي أسقطه على الأرض.

ويقال : جلا القوم عن الموضع ومنه جلوا وجلاءا وأجلوا : تفرقوا ، وأجلا من الجدب وجلاه الجدب وأجلاه ، كذا ذكره الفيروزآبادي ، فيمكن أن يقرأ هنا على بناء المعلوم والمجهول « هربا » مفعول له أو بمعنى هاربين.

وإبراهيم هو أخو محمد كان يهرب من المنصور في البلاد خمس سنين ، مرة بفارس ، ومرة بكرمان ، ومرة ببابل ، ومرة بالحجاز ، ومرة باليمن ، ومرة بالشام إلى أن قدم البصرة في السنة التي خرج فيها أخوه في المدينة وبايعه من أهلها أربعة آلاف رجل ، فكتب إليه أخوه يأمره بالظهور فظهر أمره أول شهر رمضان سنة خمس وأربعين ومائة فغلب على البصرة ، ووجد في بيت مالها ألفي ألف درهم ، ووجه جنودا إلى أهواز والفارس ، وقوي أمره واضطرب المنصور ووصل إليه نعي أخيه محمد قبل الفطر بثلاثة أيام ، فاشتد في الأمر وكان قد أحصى ديوانه مائة ألف مقاتل ، وكان رأي أهل البصرة أن لا يخرج عنهم ويبعث الجنود إلى البلاد فلم يسمع منهم وخرج نحو الكوفة ، فبعث إليه المنصور عيسى في خمسة عشر ألفا ، وعلى مقدمته حميد بن قحطبة في ثلاثة آلاف.

فسار إبراهيم حتى نزل باخمري وهي من الكوفة على ستة عشر فرسخا ، ووقع القتال فيه وانهزم عسكر عيسى حتى لم يبق معه إلا قليل ، فأتى جعفر وإبراهيم ابنا سليمان بن علي من وراء ظهور أصحاب إبراهيم وكانوا يتبعون المنهزمين فلما رأوا ذلك رجعوا إلى قتال هؤلاء ، فرجع المنهزمون وأحاطوا بهم من الجانبين ، وقتل إبراهيم وتفرق أصحابه وأتى برأسه إلى المنصور.

وكان قتله يوم الاثنين لخمس بقين من ذي القعدة ، ومكث مذ خرج إلى أن قتل

١٤٦

فانطلقت حتى لحقت بإبراهيم بن عبد الله فوجدت عيسى بن زيد مكمنا عنده فأخبرته بسوء تدبيره وخرجنا معه حتى أصيب رحمه‌الله ثم مضيت مع ابن أخي

______________________________________________________

ثلاثة أشهر إلا خمسة أيام.

قوله : مكمنا عنده ، أي أكمنه إبراهيم وأكمن هو نفسه لئلا يراه أحد خوفا من المنصور إن كان قبل الخروج أو من سائر الناس لسوء سريرته في أيام استيلاء محمد.

« بسوء تدبيره » الظاهر أن الضمير راجع إلى عيسى أو إلى محمد وسوء تدبيرهما كان ظاهرا من جهات شتى لإضرارهم واستهانتهم بأشرف الذرية الصادق عليه‌السلام وقتلهم إسماعيل وعدم خروجهم عن المدينة وحفرهم الخندق مع نهي الناس عنه ، وكل ذلك كان أسباب استيصالهم أو في أصل الخروج مع إخبار الصادق عليه‌السلام بعدم ظفرهم وهو أظهر.

قوله : ثم مضيت مع ابن أخي قال صاحب المقاتل : عبد الله الأشتر بن محمد بن ـ عبد الله بن الحسن أمه أم سلمة بنت محمد بن الحسن بن الحسن بن علي ، كان عبد الله ابن محمد بن مسعدة المعلم أخرجه بعد قتل أبيه إلى بلاد الهند فقتل بها ، ووجه برأسه إلى المنصور ، ثم قدم بابنه محمد بن عبد الله بن محمد بعد ذلك وهو صغير على موسى بن عبد الله بن الحسن ، وابن مسعدة هذا كان مؤدبا لولد عبد الله بن الحسن.

قال عبد الله بن محمد بن مسعدة ، لما قتل محمد خرجنا بابنه الأشتر عبد الله بن محمد فأتينا الكوفة ثم انحدرنا إلى البصرة ، ثم خرجنا إلى السند فلما كان بيننا وبينها أيام نزلنا خانا فكتب فيه :

منخرق الخفين يشكو لوحا

تنكبه أطراف مرو حداد

طرده الخوف فأزرى به

كذاك من يكره حر الجلاد

قد كان في الموت له راحة

والموت حتم في رقاب العباد

وكتب اسمه تحتها ، ثم دخلنا قندهار فأحللته قلعة لا يرومها رائم ولا يطور بها

١٤٧

الأشتر عبد الله بن محمد بن عبد الله بن حسن حتى أصيب بالسند ثم رجعت شريدا طريدا تضيق علي البلاد فلما ضاقت علي الأرض واشتد بي الخوف ذكرت ما قال أبو عبد الله عليه‌السلام فجئت إلى المهدي وقد حج وهو يخطب الناس في ظل الكعبة فما شعر إلا وأني قد قمت من تحت المنبر فقلت لي الأمان يا أمير المؤمنين وأدلك على نصيحة لك عندي فقال نعم ما هي قلت أدلك على موسى بن عبد الله بن حسن فقال لي نعم لك الأمان فقلت له أعطني ما أثق به فأخذت منه عهودا

______________________________________________________

طائر ، وكان أفرس من رأيت من عباد الله ما أخال الرمح في يده إلا قلما ، فنزلنا بين ظهراني قوم يتخلقون بأخلاق الجاهلية ، قال : فخرجت لبعض حاجتي وخلفي بعض تجار أهل العراق ، فقالوا له : قد بايع لك أهل المنصورة ، فلم يزالوا به حتى صار إليها.

فحدثت أن رجلا جاء إلى المنصور فقال له : مررت بأرض السند فوجدت كتابا في قلعة من قلاعها فيه كذا وكذا فقال : لهو هو ، ثم دعا هشام بن عمرو بن بسطام فقال : اعلم أن الأشتر بأرض السند وقد وليتك عليها فانظر ما أنت صانع ، فشخص هشام إلى السند فقتله ، وبعث برأسه إلى أبي جعفر.

قال عيسى فرأيت رأسه قد بعث به أبو جعفر إلى المدينة وعليها حسن بن زيد ، فجعلت الخطباء تخطب وتذكر المنصور وتثني عليه ، والحسن بن زيد على المنبر ورأس الأشتر بين يديه ، قال عيسى بن عبد الله : حدثني من أثق به وابن مسعدة أن الأشتر وأصحابه أغدوا السير ثم نزلوا فناموا ، فنفشت خيلهم في زرع للزط (١) فخرجوا إليهم فقتلوهم بالخشب ، فبعث هشام فأخذ رؤوسهم فبعث بها إلى أبي جعفر ، قال عيسى : قال ابن مسعدة : ولم نزل في تلك القلعة أنا ومحمد بن عبد الله حتى توفي أبو جعفر وقام المهدي فقدمت به وبأمه إلى المدينة ، انتهى.

والسند بلاد معروفة منها قندهار ، وبعدها الهند ، أو هي منها أيضا « شريدا طريدا » أي نافرا مدفوعا ، والمهدي محمد بن منصور صار خليفة بعد أبيه في ذي الحجة

__________________

(١) وفي المصدر « للرهط ».

١٤٨

ومواثيق ووثقت لنفسي ثم قلت أنا موسى بن عبد الله فقال لي إذا تكرم وتحبى فقلت له أقطعني إلى بعض أهل بيتك يقوم بأمري عندك فقال لي انظر إلى من أردت فقلت عمك العباس بن محمد فقال العباس لا حاجة لي فيك فقلت ولكن لي فيك الحاجة أسألك بحق أمير المؤمنين إلا قبلتني فقبلني شاء أو أبى وقال لي المهدي

______________________________________________________

سنة ثمان وخمسين ومائة و « تحبى » على المجهول من الحباء وهو العطية قوله : أقطعني لعله من قولهم أقطعه قطيعة أي طائفة من أرض الخراج كناية عن أنه يحفظني ويقوم بما يصلحني كأني ملك له ، وقيل : أي أوصلني إلى مأمن مستعار من أقطع فلانا إذا جاوز به نهرا ، وأوصله إلى الشاطئ.

« إلا قبلتني » أي أسألك في جميع الأحوال إلا حال القبول « شاء أو أبي » أي طوعا أو كرها « كذبة » بالكسر وكفرحة مفعول مطلق « مولاهم » أي عبدهم أو معتقهم أو محل نعمتهم ، أو محبهم أو تابعهم.

أقول : وروى صاحب المقاتل عن موسى بن عبد الله قال : لما صرنا بالربذة أرسل أبو جعفر إلى أبي : أرسل إلى أحدكم واعلم أنه غير عائد إليك أبدا ، فابتدره بنو إخوته يعرضون أنفسهم عليه فجزاهم خيرا وقال لهم : أنا أكره أن أفجعهم بكم ، ولكن اذهب أنت يا موسى ، قال : فذهبت وأنا يومئذ حديث السن فلما نظر إلى قال : لا أنعم الله بك عينا السياط يا غلام ، قال : فضربت والله حتى غشي علي فما أدري بالضرب ، ثم رفعت السياط عني واستدناني فقربت منه ، فقال : أتدري ما هذا؟ هذا فيض فاض مني فأفرغت عليك سجلا (١) لم أستطع رده ، ومن ورائه والله الموت أو تفتدي مني ، قلت : والله يا أمير المؤمنين ما كان لي ذنب وإني منعزل عن هذا الأمر ، قال : انطلق فأتني بأخويك ، قال : قلت : تبعثني إلى رباح بن عثمان فتضع على العيون والرصد ، فلا أسلك طريقا إلا أتبعني ، ويعلم أخواي فيهربان مني ، قال : فكتب إلى رباح :

__________________

(١) السجل : النصيب.

١٤٩

من يعرفك وحوله أصحابنا أو أكثرهم فقلت هذا الحسن بن زيد يعرفني وهذا موسى بن جعفر يعرفني وهذا الحسن بن عبد الله بن العباس يعرفني فقالوا نعم يا أمير المؤمنين كأنه لم يغب عنا ثم قلت للمهدي يا أمير المؤمنين لقد أخبرني بهذا المقام أبو هذا الرجل وأشرت إلى موسى بن جعفر قال موسى بن عبد الله وكذبت على جعفر كذبة فقلت له وأمرني أن أقرئك السلام وقال إنه إمام عدل وسخاء قال فأمر لموسى بن جعفر بخمسة آلاف دينار فأمر لي منها موسى بألفي دينار ووصل عامة أصحابه ووصلني فأحسن صلتي فحيث ما ذكر ولد محمد بن علي بن الحسين فقولوا صلى الله عليهم وملائكته وحملة عرشه والكرام الكاتبون وخصوا أبا عبد الله بأطيب ذلك وجزى موسى بن جعفر عني خيرا فأنا والله مولاهم بعد الله.

______________________________________________________

لاسلطان لك على موسى وأرسل معي حرسا أمرهم أن يكتبوا إليه بخبري ، فقدمت المدينة فنزلت دار ابن هشام بالبلاط فأقمت بها شهورا فكتب رباح إلى أبي جعفر أن موسى مقيم يتربص بك الدوائر وليس عنده شيء مما تحب ، فأمره أن يحمله إليه فحمله ، وبلغ محمدا (١) خبره فخرج من وقته.

وكان قد أوصى رباح القوم الذين حملوا موسى إن رأيتم أحدا أقبل من المدينة ليأخذوا موسى فاضربوا عنقه ، فبعث محمد بن خضير (٢) في طلب موسى وأنفذ معه فوارس فتقدموا القوم ثم رجعوا من أمامهم كأنهم أقبلوا من العراق ، فلم ينكروهم حتى خالطوهم فأخذوا موسى منهم وأوصلوه إلى أخيه.

قال : وأخذ مرة أخرى من البصرة وبعثوا به إلى المنصور فضربه خمسمائة سوط وصبر ، وقد قيل : إن موسى لم يزل محبوسا حتى أطلقه المهدي ، وقيل. إنه توارى بعد ذلك حتى مات ، انتهى.

__________________

(١) أي محمّد بن عبد الله بن الحسن أخوه.

(٢) محمّد بن خضير من قوّاد عسكر محمّد بن عبد الله بن الحسن.

١٥٠

١٨ ـ وبهذا الإسناد ، عن عبد الله بن جعفر بن إبراهيم الجعفري قال حدثنا عبد الله بن المفضل مولى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قال لما خرج الحسين بن علي المقتول بفخ واحتوى على المدينة دعا موسى بن جعفر إلى البيعة فأتاه فقال

______________________________________________________

الحديث الثامن عشر : ضعيف.

والفخ بفتح الفاء وتشديد الخاء : بئر بين التنعيم وبين مكة ، وبينه وبين مكة فرسخ تقريبا.

والحسين هو الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي عليهما‌السلام وأمه زينب بنت عبد الله بن الحسن وخرج في أيام موسى الهادي ابن محمد المهدي ابن ـ أبي جعفر المنصور ، وخرج معه جماعة كثيرة من العلويين وكان خروجه بالمدينة في ذي القعدة سنة تسع وستين ومائة بعد موت المهدي بمكة وخلافة الهادي ابنه.

روى أبو الفرج الأصبهاني في كتاب مقاتل الطالبيين بأسانيده عن عبد الله بن إبراهيم الجعفري وغيره أنهم قالوا : كان سبب خروج الحسين بن علي بن الحسن أن موسى الهادي ولي المدينة إسحاق بن عيسى بن علي ، فاستخلف عليها رجلا من ولد عمر بن الخطاب يعرف بعبد العزيز بن عبد الله ، فحمل على الطالبيين وأساء إليهم وأفرط في التحامل عليهم وطالبهم بالعرض في كل يوم ، فكانوا يعرضون في المقصورة وأخذ كل واحد منهم بكفالة قريبه ونسيبه ، فضمن الحسين بن علي يحيى بن عبد الله بن الحسن والحسن بن محمد بن عبد الله بن الحسن ، ووافى أوائل الحج.

وقدم من الشيعة نحو من سبعين رجلا فنزلوا دار ابن أفلح بالبقيع ، وأقاموا بها ولقوا حسينا وغيره ، فبلغ ذلك العمري وأنكره وغلظ أمر العرض وولى على الطالبيين رجلا يعرف بأبي بكر بن عيسى الحائك مولى الأنصار ، فعرضهم يوم الجمعة فلم يأذن لهم في الانصراف حتى بدأ أوائل الناس يجيئون إلى المسجد ، ثم أذن لهم ، فكان قصارى أحدهم أن يغدو ويتوضأ للصلاة ويروح إلى المسجد ، فلما صلوا حبسهم في المقصورة إلى العصر ، ثم عرضهم فدعا باسم حسن بن محمد فلم يحضر ، فقال ليحيى وحسين

١٥١

______________________________________________________

بن علي : لتأتياني به أو لأحبسنكما فإن له ثلاثة أيام لم يحضر العرض ولقد خرج أو تغيب.

وجرى بينهما وبينه في ذلك كلام طويل وأغلظا له القول إلى أن حلف العمري على الحسين بطلاق امرأته وحرية مماليكه أنه لا يخلي عنه أو يجيئه به باقي يومه وليلته ، وإنه إن لم يجيء به ليركبن إلى سويقة فيخربها أو يحرقها وليضربن الحسين ألف سوط وحلف بهذه اليمين أن عينه إن وقعت على الحسن ليقتلنه من ساعته ، فوثب يحيى مغضبا فقال له : أنا أعطي الله عهدا وكل مملوك لي حر إن ذقت الليلة نوما حتى آتيك بحسن بن محمد أو لأجده فأضرب عليك بابك حتى تعلم أني قد جئتك وخرجا من عنده وهما مغضبان وهو مغضب.

فقال حسين ليحيى : بئس لعمر الله ما صنعت حين تحلف لتأتينه به ، وأين تجد حسنا؟ قال : لم أرد أن آتيه بحسن والله وإلا فأنا نفي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن دخل عيني نوم حتى أضرب عليه بابه ومعي السيف إن قدرت عليه قتلته ، فقال له حسين : بئس ما تصنع تكسر علينا أمرنا. قال له يحيى : وكيف اكسر عليك أمرك إنما بيني وبين ذلك عشرة أيام حتى تسير إلى مكة.

فوجه الحسين إلى الحسن بن محمد فقال : يا بن عم قد بلغك ما كان بيني وبين هذا الفاسق فامض حيث أحببت ، قال الحسن : لا والله يا بن عم بل أجيء معك الساعة حتى أصنع يدي في يده ، فقال له الحسين : ما كان الله ليطلع علي وأنا جاء إلى محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو خصمي وحجيجي في أمرك ولكن أفديك بنفسي لعل الله أن يقيني من النار.

قال ثم وجه فجاء يحيى وسليمان وإدريس بنو عبد الله بن الحسن وعبد الله بن الحسن الأفطس ، وإبراهيم بن إسماعيل طباطبا ، وعمر بن الحسن بن علي الحسن بن الحسن بن علي ، وعبد الله بن إسحاق بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن ، وعبد الله بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، ووجهوا إلى فتيان من فتيانهم ومواليهم فاجتمعوا

١٥٢

______________________________________________________

ستة وعشرين رجلا من ولد علي عليه‌السلام ، وعشرة من الحاج ونفر من الموالي ، فلما أذن المؤذن بالصبح دخلوا المسجد ثم نادوا أحد أحد وصعد عبد الله بن الحسن الأفطس المنارة التي عند رأس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عند موضع الجنائز فقال للمؤذن : أذن بحي على خير العمل ، فلما نظر إلى السيف في يده أذن بها وسمعه العمري فأحس بالشر ودهش وصاح : أغلقوا البغلة بالباب وأطعموني حبتي ماء.

قالوا : ثم اقتحم إلى دار عمر بن الخطاب وخرج في الزقاق المعروف بزقاق عاصم ابن عمر ، ثم مضى هاربا على وجهه يسعى ويضرط حتى نجا فصلى الحسين بالناس الصبح ودعا بالشهود العدول الذين كان العمري أشهدهم عليه أن يأتي بالحسن إليه ، ودعا بالحسن وقال للشهود : هذا الحسن قد جئت به فهاتوا العمري وإلا والله خرجت من يميني ومما على ، ولم يتخلف عنه أحد من الطالبيين إلا الحسن بن جعفر بن الحسن بن الحسن فإنه استعفاه ولم يكرهه ، وموسى بن جعفر بن محمد عليهم‌السلام.

وروي بإسناد آخر عن عنترة العقباني قال : رأيت موسى بن جعفر بعد عتمة وقد جاء إلى الحسين صاحب الفخ ، فانكب عليه شبه الركوع وقال : أحب أن تجعلني في سعة وحل من تخلفي عنك ، فأطرق الحسين طويلا لا يجيبه ثم رفع رأسه إليه فقال : أنت في سعة.

وبالإسناد الأول قال : قال الحسين لموسى بن جعفر عليه‌السلام في الخروج ، فقال : إنك مقتول فأجد الضراب فإن القوم فساق يظهرون إيمانا ويضمرون نفاقا وشكا « فإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ » ، وعند الله جل وعز أحتسبكم من عصبة.

قال : وخطب الحسين بعد فراغه من الصلاة فحمد الله وأثنى عليه وقال : أنا ابن رسول الله على منبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وفي حرم رسول الله أدعوكم إلى سنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أيها الناس أتطلبون آثار رسول الله في الحجر والعود ، تمسحون بذلك وتضيعون بضعة منه ، قالوا : فأقبل حماد البربري وكان مسلحة للسلطان بالمدينة في السلاح ،

١٥٣

______________________________________________________

ومعه أصحابه حتى وافوا باب المسجد الذي يقال له باب جبرئيل ، فنظرت إلى يحيى بن عبد الله قد قصده وفي يده السيف ، فأراد حماد أن ينزل فبدره يحيى فضربه على جبينه وعلى البيضة والمغفر والقلنسوة فقطع ذلك كله وأطار قحف رأسه وسقط عن دابته وحمل على أصحابه فتفرقوا وانهزموا.

وحج في تلك السنة المبرك التركي فبدأ بالمدينة فبلغه خبر الحسين فبعث إليه من الليل إني والله ما أحب أن تبتلي بي ولا أبتلي بك فابعث الليلة إلى نفرا من أصحابك ولو عشرة يبيتون عسكري حتى أنهزم وأعتل بالبيات ، ففعل ذلك حسين ووجه عشره من أصحابه فجعجعوا بمبرك وسيحوا في نواحي عسكره ، فطلب دليلا يأخذ به غير الطريق فوجده فمضى به حتى انتهى إلى مكة.

وحج في تلك السنة العباس بن محمد وسليمان بن أبي جعفر وموسى بن عيسى فصار مبرك معهم واعتل عليهم بالبيات.

وخرج الحسين قاصدا إلى مكة ومعه ومن تبعه من أهله ومواليه وأصحابه وهم زهاء ثلاثة مائة واستخلف رجلا على المدينة فلما صاروا بفخ تلقتهم الجيوش ، فعرض العباس علي الحسين الأمان والعفو والصلة فأبى ذلك أشد الإباء.

وعن سليمان بن عباد قال : لما أن لقي الحسين المسودة أقعد رجلا على جمل معه سيف يلوح به والحسين يملي عليه حرفا حرفا يقول : ناد فنادى : يا معشر الناس يا معشر المسودة هذا حسين بن رسول الله وابن عمه يدعوكم إلى كتاب الله وسنة رسول الله ، وفي رواية أخرى : قال : أبايعكم على كتاب الله وسنة رسول الله وعلى أن يطاع الله ولا يعصى وأدعوكم إلى الرضا من آل محمد ، وعلى أن نعمل فيكم بكتاب الله وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والعدل في الرعية ، والقسم بالسوية ، وعلى أن تقيموا معنا وتجاهدوا عدونا فإن نحن وفينا لكم وفيتم لنا ، وإن نحن لم نف لكم فلا بيعة لنا عليكم.

قال : ولقيته الجيوش بفخ وقادتها العباس بن محمد وموسى بن عيسى وجعفر ومحمد

١٥٤

______________________________________________________

ابنا سليمان ومبرك التركي والحسن الحاجب وحسين بن يقطين ، فالتقوا في يوم التروية وقت صلاة الصبح فأمر موسى بن عيسى بالتعبية فصار محمد بن سليمان في الميمنة وموسى في الميسرة وسليمان بن أبي جعفر والعباس بن محمد في القلب ، فكان أول من بدأهم موسى فحملوا عليه فاستطرد لهم شيئا حتى انحدروا في الوادي وحمل عليهم محمد بن سليمان من خلفهم ، فطحنهم طحنة واحدة حتى قتل أكثر أصحاب الحسين وجعلت المسودة تصيح لحسين : يا حسين لك الأمان فيقول : لا أمان أريد ، ويحمل عليهم حتى قتل وقتل معه سليمان بن عبد الله بن الحسن وعبد الله بن إسحاق بن إبراهيم بن الحسن ، وأصابت الحسن بن محمد نشابة في عينه فتركها في عينه ، وجعل يقاتل أشد القتال ، فناداه محمد بن سليمان يا بن خال اتق الله في نفسك لك الأمان فقال : والله ما لكم أمان ولكن أقتل منكم ثم كسر سيفا هنديا كان في يده ودخل إليهم فصاح العباس بابنه عبد الله قتلك الله إن لم تقتله أبعد تسع جراحات تنتظر هذا؟ فقال له موسى بن عيسى : أي والله عاجلوه ، فحمل عليه عبد الله فطعنه فضرب العباس عنقه بيده صبرا ونشبت الحرب بين العباس بن محمد ومحمد بن سليمان ، وقال : أمنت ابن خالي فقتلتموه؟ فقالوا : نعطيك رجلا من العشيرة تقتله مكانه.

قالوا : وجاء الجند بالرؤوس إلى موسى والعباس وعندهما جماعة من ولد الحسن والحسين ، فلم يسألا أحدا منهم إلا موسى بن جعفر عليه‌السلام فقالا : هذا رأس حسين؟ قال : نعم ، إنا لله وإنا إليه راجعون ، مضي والله مسلما صالحا صواما آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر ، ما كان في أهل بيته مثله ، فلم يجيبوه بشيء ، وحملت الأسرى إلى موسى الهادي ، وفيهم الغذافر الصيرفي وعلي بن سائق القلانسي ، ورجل من ولد حاجب بن زرارة ، فأمر بهم فضربت أعناقهم وبين يديه رجل آخر من الأسرى واقف فقال : أنا مولاك يا أمير المؤمنين فقال : مولاي يخرج على ومع موسى سكين فقال : والله لأقطعنك بهذا السكين مفصلا مفصلا قال : وقيل : غلبت عليه العلة فمكث

١٥٥

______________________________________________________

ساعة طويلة ثم مات ، وسلم الرجل من القتل.

قال صاحب المقاتل نقلا عن المدائني : قال خرج مع الحسين صاحب الفخ من أهل بيته يحيى وسليمان وإدريس بنو عبد الله بن الحسن بن الحسن ، وعلي بن إبراهيم بن الحسن ، وإبراهيم بن إسماعيل طباطبا وحسن بن محمد بن عبد الله بن الحسن وعبد الله وعمر ابنا الحسن بن علي بن الحسن وعبد الله بن إسحاق بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن ، وقال : قتل منهم سليمان بن عبد الله والحسن بن محمد بن عبد الله ، وعبد الله بن إسحاق.

وروى بإسناده عن عمرو بن مساور قال : أخبرني جماعة من موالي محمد بن سليمان أنه لما حضرته الوفاة جعلوا يلقونه الشهادة وهو يقول :

ألا ليت أمي لم تلدني ولم أكن

لقيت حسينا يوم فخ ولا الحسن

فجعل يرددها حتى مات.

وبإسناده عن محمد بن إسحاق عن أبي جعفر محمد بن علي عليه‌السلام قال : مر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بفخ فنزل فصلى ركعة ، فلما صلى الثانية بكى وهو في الصلاة ، فلما رأى الناس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يبكي بكوا ، فلما انصرف قال : ما يبكيكم؟ قالوا : لما رأيناك تبكي بكينا يا رسول الله ، قال : نزل جبرئيل لما صليت الركعة الأولى فقال لي : يا محمد إن رجلا من ولدك يقتل في هذا المكان ، وأجر الشهيد معه أجر شهيدين.

وبإسناده عن النضر بن قرواش قال : أكريت جعفر بن محمد عليه‌السلام من المدينة ، فلما رحلنا من بطن مر قال لي : يا نضر إذا انتهيت إلى فخ فأعلمني ، قلت : أو لست تعرفه؟ قال : بلى ولكني أخشى أن تغلبني عيني ، فلما انتهينا إلى فخ دنوت من المحمل فإذا هو نائم ، فتنحنحت فلم ينتبه فحركت المحمل فجلس فقلت : قد بلغت ، فقال : حل محملي ، ثم قال : صل القطار فوصلته ثم تنحيت به عن الجادة فأنخت بعيره ، فقال : ناولني الإداوة والركوة ، فتوضأ وصلى ثم ركب ، فقلت له : جعلت فداك رأيتك

١٥٦

له يا ابن عم لا تكلفني ما كلف ابن عمك عمك أبا عبد الله فيخرج مني ما لا أريد كما خرج من أبي عبد الله ما لم يكن يريد فقال له الحسين إنما عرضت عليك أمرا فإن أردته دخلت فيه وإن كرهته لم أحملك عليه « وَاللهُ الْمُسْتَعانُ » ثم ودعه فقال له أبو الحسن موسى بن جعفر حين ودعه يا ابن عم إنك مقتول فأجد الضراب فإن القوم فساق يظهرون إيمانا ويسترون شركا و « إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ » أحتسبكم

______________________________________________________

قد صنعت شيئا أفهو من مناسك الحج؟ قال : لا ولكن يقتل هيهنا رجل من أهل بيتي في عصابة تسبق أرواحهم أجسادهم إلى الجنة ثم ذكر أخبارا كثيرة في سخائه وسائر فضائله.

وروى مؤلف كتاب عمدة الطالب عن أبي نصر البخاري عن محمد الجواد ابن علي الرضا عليهما‌السلام أنه قال : لم يكن لنا بعد الطف مصرع أعظم من فخ.

وروى صاحب معجم البلدان عنه عليه‌السلام مثله.

وأقول : وإن كان أكثر هذه الأخبار من روايات الزيدية لكن لم أستبعد صحة بعضها.

قوله : واحتوى على المدينة أي غلب عليها وأحاط بها « ما كلف ابن عمك » أي محمد بن عبد الله ، وسمى أبا عبد الله عليه‌السلام عمه مجازا « فأجد الضراب » من الإجادة أي أحسن ، يقال : جاد وأجاد أي أتى بالجيد ، وربما يقرأ بتشديد الدال أي اجتهد ، والضراب بالكسر مصدر باب المفاعلة القتال « فإن القوم » أي بني العباس وأتباعهم « فساق » أي خارجون من الدين ويسرون شركا ، لأنهم لو كانوا قائلون بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لاتبعوه في تقديم أوصيائه ومتابعتهم « أحتسبكم عند الله » أي أطلب أجر مصيبتكم من الله ، وأصبر فيها طلبا للأجر ، أو أظنكم عند الله في الدرجات العالية ، بناء على أن غرضهم النهي عن المنكر لا دعوى الإمامة ، والأول أظهر ، ومن بيان للضمير البارز في أحتسبكم.

١٥٧

عند الله من عصبة ثم خرج الحسين وكان من أمره ما كان قتلوا كلهم كما قال عليه‌السلام.

١٩ ـ وبهذا الإسناد ، عن عبد الله بن إبراهيم الجعفري قال كتب يحيى بن عبد الله بن الحسن إلى موسى بن جعفر عليه‌السلام أما بعد فإني أوصي نفسي بتقوى الله وبها أوصيك فإنها وصية الله في الأولين ووصيته في الآخرين خبرني من ورد علي من أعوان الله على دينه ونشر طاعته بما كان من تحننك مع خذلانك وقد

______________________________________________________

وقال الجوهري : عصبة الرجل بنوه وقرابته لأبيه وإنما سموا عصبة لأنهم عصبوا به أي أحاطوا به ، فالأب طرف ، والابن طرف ، والعم جانب ، والأخ جانب ، انتهى.

ويمكن أن يقرأ بضم العين وسكون الصاد ، كما قال تعالى حكاية عن إخوة يوسف : « وَنَحْنُ عُصْبَةٌ » (١) قال الطبرسي (ره) : العصبة الجماعة التي يتعصب بعضها لبعض ، ويقع على جماعة من عشرة إلى خمسة عشر ، وقيل : ما بين العشرة إلى الأربعين ولا واحد له من لفظه كالقوم والرهط.

الحديث التاسع عشر : ضعيف « فإني أوصي » وصية النفس بالتقوى توطين النفس عليها قبل أمر الغير بها « فإنها وصية الله » إشارة إلى قوله تعالى : « وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ » (٢).

« خبرني » على بناء التفعيل « من تحننك » أي ترحمك على وإشفاقك من قتلي مع خذلانك وعدم نصرتك لي ، وتوهم أن الرحم والحزن على سفاهته المؤدية إلى قتله ينافي ترك نصرته وهو باطل من وجوه ، إذ الحزن عليه إنما كان لتركه أمر الله في الخروج وإعانته على نفسه وهذا لا يوجب أن يرتكب عليه‌السلام ما نهى الله عنه من الخروج

__________________

(١) سورة يوسف : ٨.

(٢) سورة النساء : ١٣١.

١٥٨

شاورت في الدعوة للرضا من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد احتجبتها واحتجبها أبوك من قبلك وقديما ادعيتم ما ليس لكم وبسطتم آمالكم إلى ما لم يعطكم الله فاستهويتم وأضللتم وأنا محذرك ما حذرك الله من نفسه.

______________________________________________________

معه وأيضا مع قطع النظر عن ذلك لو كان عليه‌السلام علم أن نصرته له تنفع لدفع ما يقع فيه لكان فيه توهم تناف ، وهو عليه‌السلام كان يعلم أن نصرته له وخروجه معه لا ينفع يحيى ويضر نفسه في الدين والدنيا وفي بعض النسخ من رحمتك ويؤول إلى ما ذكرنا.

وقيل من تحننك أي شوقك إلى الخلافة ، أو محبتك وخذلانك لي لذلك أو خذلان الله إياك وعدم تيسر ذلك لك ، أو خذلان الناس لك ، وما ذكرنا أظهر كما لا يخفى.

« وقد شاورت » على صيغة المتكلم أي شاورتك في الدعوة « للرضا » أي لمن هو مرضي « من آل محمد » أي يجتمعون عليه ويرتضونه لا لنفسي ، ويحتمل أن يريد به ويدعي أن آل محمد يرتضونه لذلك ، أو المعنى للعمل بما يرضى به آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « وقد احتجبتها » لعل فيه حذفا وإيصالا ، أي احتجبت بها والضمير للمشورة كناية عما هو مقتضى المشورة من الإجابة إلى البيعة ، أو الضمير راجع إلى البيعة بقرينة المقام أو إلى الدعوة أي إجابتها ، أو المعنى شاورت الناس في الدعوة فاحتجبت عن مشاورتي ولم تحضرها ، وصار ذلك سببا لتفرق الناس عني.

« واحتجبها أبوك » أي عند دعوة محمد بن عبد الله كما مر « وقديما » ظرف لقوله ادعيتم ، ومراده من زمن علي بن الحسين عليه‌السلام بزعمهم الفاسد كما مر « ما ليس لكم » أي الإمامة « فاستهويتم » أي ذهبتم بأهواء الناس وعقولهم ، في القاموس : استهوته الشياطين ذهبت بهواه وعقله ، أو استهامته وحيرته أو زينت له هواه.

« ما حذرك الله » إشارة إلى قوله تعالى « وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ » (١).

__________________

(١) سورة آل عمران : ٢٨.

١٥٩

فكتب إليه أبو الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام من موسى بن أبي عبد الله جعفر وعلي مشتركين في التذلل لله وطاعته إلى يحيى بن عبد الله بن حسن أما بعد فإني أحذرك الله ونفسي وأعلمك أليم عذابه وشديد عقابه وتكامل نقماته وأوصيك ونفسي بتقوى الله فإنها زين الكلام وتثبيت النعم أتاني كتابك تذكر فيه أني مدع وأبي من قبل وما سمعت ذلك مني و « سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ » ولم يدع حرص الدنيا

______________________________________________________

« من موسى بن عبد الله (١) » وفي بعض النسخ أبي عبد الله و « علي » كان المراد به أمير المؤمنين انتسابا للشرف إلى الأب الأعلى أيضا « مشتركين » بصيغة الجمع حال عن الجميع ويؤيده ما في بعض النسخ من عبدي الله جعفر وعلى ، وقيل : المراد بعلي ابنه الرضا عليه‌السلام للإشارة إلى أنه الوصي بعد أبيه ، وقيل : كأنه عليه‌السلام شرك أخاه علي بن جعفر رضي‌الله‌عنه معه في المكاتبة ليصرف بذلك عنه ما يصرف عن نفسه من الدعوى ، لئلا يظن به الظن كما ظن به عليه‌السلام مشتركين بصيغة التثنية حال عنهما ، انتهى.

ولعل فيه زيادة أو تحريفا من النساخ « في التذلل لله وطاعته » أي لسنا من عصيان الله سبحانه ومخالفة أمره وادعائنا ما ليس لنا بحق ، وإضلالنا الناس ، وعدم حذرنا مما حذر الله في شيء و « أعلمك » من الإعلام أي إنها واقعة لمن يستحقه فاحذرها ، وكأنه إشارة إلى وقوع المذكورات له « وتكامل نقماته » أي نقمات المتكاملة البالغة إلى النهاية ، والنقمة بالفتح والكسر كفرحة اسم للانتقام.

« فإنها » أي الوصية بالتقوى ، والزين خلاف الشين مصدر مضاف إلى المفعول « وتثبيت النعم » أي سبب له « إني مدع » ظاهره إنكار دعوى الإمامة تقية لعلمه بأنه سيقع في يد الرشيد ، وباطنه إنكار ادعاء ما ليس بحق كما زعمه ، مع أنه عليه‌السلام لم يصرح بالنفي بل قال ما سمعت ذلك مني « ويسألون » أي شهادتهم الزور ، هدده بذكر الآية وخوفه بالله تعالى « ومطالبها » بالرفع عطفا على الحرص ، أو بالجر

__________________

(١) وهو الظاهر.

١٦٠