مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: مروي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٧٤

أبي أباه فإن أجاب بمثل جواب أبيه كانت دلالة فسألته فأجاب بمثل جواب أبيه أبي في المسائل الست فلم يزد في الجواب واوا ولا ياء وأمسك عن السابعة وقد كان أبي قال لأبيه إني أحتج عليك عند الله يوم القيامة أنك زعمت أن عبد الله لم يكن إماما فوضع يده على عنقه ثم قال له نعم احتج علي بذلك عند الله عز وجل فما كان فيه من إثم فهو في رقبتي فلما ودعته قال إنه ليس أحد من شيعتنا يبتلى ببلية أو يشتكي فيصبر على ذلك إلا كتب الله له أجر ألف شهيد فقلت في نفسي والله ما كان لهذا ذكر فلما مضيت وكنت في بعض الطريق خرج بي عرق المديني فلقيت منه شدة فلما كان من قابل حججت فدخلت عليه وقد بقي من وجعي بقية فشكوت إليه وقلت له جعلت فداك عوذ رجلي وبسطتها بين يديه فقال لي ليس على رجلك هذه بأس ولكن أرني رجلك الصحيحة فبسطتها بين يديه فعوذها فلما خرجت لم ألبث إلا يسيرا حتى خرج بي العرق وكان وجعه يسيرا.

١١ ـ أحمد بن مهران ، عن محمد بن علي ، عن ابن قياما الواسطي وكان من الواقفة قال دخلت على علي بن موسى الرضا عليه‌السلام فقلت له يكون إمامان قال لا إلا وأحدهما صامت فقلت له هو ذا أنت ليس لك صامت ولم يكن ولد له أبو جعفر بعد فقال لي والله ليجعلن الله مني ما يثبت به الحق وأهله ويمحق

______________________________________________________

« كانت دلالة » يحتمل التامة والناقصة.

« يبتلي » على بناء المجهول ، أي يمتحن « أو يشتكي » أي يمرض « أجر ألف شهيد » أي من شهداء سائر الأمم ، أو المراد به الثواب الاستحقاقي أو هو مبني على تضاعف أهل زمان مظلومية الإمام كما مر « ما كان لهذا ذكر » مبني على جهله بسر هذا الكلام وتقريبه فظهر له بعد ذلك « وعرق المديني » مركب إضافي ، وهو خيط يخرج من الرجل تدريجا ويشتد وجعه.

الحديث الحادي عشر : ضعيف ، وابن قياما هو الحسين ، وقد مضى صدر الخبر في باب النص على أبي جعفر الثاني عليه‌السلام.

١٠١

به الباطل وأهله فولد له بعد سنة أبو جعفر عليه‌السلام فقيل لابن قياما ألا تقنعك هذه الآية فقال أما والله إنها لآية عظيمة ولكن كيف أصنع بما قال ـ أبو عبد الله عليه‌السلام في ابنه.

١٢ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء قال أتيت خراسان وأنا واقف فحملت معي متاعا وكان معي ثوب وشي في بعض الرزم ولم أشعر به ولم أعرف مكانه

______________________________________________________

« بما قال أبو عبد الله عليه‌السلام » قال المحدث الأسترآبادي رحمه‌الله : كأنه إشارة إلى ما ذكره الكشي في ترجمة يحيى ابن القاسم أبي بصير حيث قال : قال محمد بن عمران : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : منا ثمانية محدثون سابعهم القائم ، فقام أبو بصير بن قاسم وقبل رأسه وقال : سمعته من أبي جعفر عليه‌السلام منذ أربعين سنة ، انتهى.

وأقول : هذا الخبر وأمثاله من مفتريات الواقفية وقد أورد الشيخ رحمه‌الله أخبارهم في كتاب الغيبة ، وأجاب عنها على أنه لو صح لأمكن وروده في شأن الباقر عليه‌السلام إلى آخر الأئمة ، وسابعهم القائم ، مع أن تشويش الخبر ظاهر ، وتصحيح الثمانية يحتاج إلى تكلف شديد.

الحديث الثاني عشر : ضعيف على المشهور ، معتبر (١) والوشاء هو الحسن بن علي بن زياد ، كان يعرف بالوشاء لبيعه الثياب الوشية وكان خزازا ، ويقال له : ابن بنت إلياس أيضا وكان من عيون هذا الطائفة ووجوهها ، وكان خصيصا بالرضا عليه‌السلام ، وكان واقفيا في زمان قليل ثم رجع كما يظهر من هذا الخبر أيضا ، ولا يقدح ذلك في ثقته وجلالته.

وفي القاموس : الوشي نقش الثوب ، ويكون من كل لون ، وشى الثوب كوعي وشيا وشية حسنة نمنمه ونقشه وحسنه كوشاه ، انتهى.

والوشي كغني الثوب المنقوش ، وربما يقرأ بالتخفيف على بناء المصدر ، قال في مصباح اللغة : وشيت الثوب وشيا من باب وعد رقمته ونقشته فهو موشي ، والأصل على

__________________

(١) كذا في النسخ والظاهر أنّ المقصود : معتبر عندي.

١٠٢

فلما قدمت مرو ونزلت في بعض منازلها لم أشعر إلا ورجل مدني من بعض مولديها فقال لي إن أبا الحسن الرضا عليه‌السلام يقول لك ابعث إلي الثوب الوشي الذي عندك قال فقلت ومن أخبر أبا الحسن بقدومي وأنا قدمت آنفا وما عندي ثوب وشي فرجع إليه وعاد إلي فقال يقول لك بلى هو في موضع كذا وكذا ورزمته كذا وكذا فطلبته حيث قال فوجدته في أسفل الرزمة فبعثت به إليه.

١٣ ـ ابن فضال ، عن عبد الله بن المغيرة قال كنت واقفا وحججت على تلك

______________________________________________________

المفعول ، والوشي نوع من الثياب الموشية تسمية بالمصدر ، انتهى.

والرزم جمع رزمة بالكسر فيهما ، وهي الثياب المشدودة في ثوب واحد « ولم أشعر به » بضم العين أي لم أعلم « من بعض مولديها » الضمير للمدينة الطيبة ، أي أبواه ولداه بها ولم يكونا عنها.

والظاهر أن هذه المعجزة صارت سببا لرجوعه عن الوقف مع سائر ما رآه من المعجزات والعلوم ، مثل ما رواه الصدوق في العيون عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن صالح بن حماد عن الحسن بن علي الوشاء قال : كنت كتبت معي مسائل كثيرة قبل أن أقطع على أبي الحسن الرضا عليه‌السلام وجمعتها في كتاب مما روى عن آبائه عليهم‌السلام وغير ذلك ، وأحببت أن أثبت في أمره وأختبره فحملت الكتاب [ في كمي ] وصرت إلى منزله وأردت أن آخذ منه خلوة فأناوله ، فجلست ناحية وأنا متفكر في طلب الإذن عليه وبالباب جماعة جلوس يتحدثون فبينا أنا كذلك في الفكرة في الاحتيال للدخول عليه إذا أنا بغلام وقد خرج من الدار في يده كتاب فنادى : أيكم الحسن بن علي الوشاء ابن بنت إلياس البغدادي؟ فقمت إليه وقلت : أنا الحسن بن علي فما حاجتك؟ فقال : هذا الكتاب أمرني بدفعه إليك فهاك خذه ، فأخذته وتنحيت ناحية فقرأته فإذا والله فيه جواب مسألة مسألة ، فعند ذلك قطعت عليه وتركت الوقف.

الحديث الثالث عشر : موثق لكن في أول السند إرسال لأن ابن فضال هو الحسن بن علي ويروي عنه الكليني بوسائط ورواه الصدوق في العيون عن علي بن

١٠٣

الحال فلما صرت بمكة خلج في صدري شيء فتعلقت بالملتزم ثم قلت اللهم قد علمت طلبتي وإرادتي فأرشدني إلى خير الأديان فوقع في نفسي أن آتي الرضا عليه‌السلام فأتيت المدينة فوقفت ببابه وقلت للغلام قل لمولاك رجل من أهل العراق بالباب قال فسمعت نداءه وهو يقول ادخل يا عبد الله بن المغيرة ادخل يا عبد الله بن المغيرة فدخلت فلما نظر إلي قال لي قد أجاب الله دعاءك وهداك لدينه فقلت أشهد أنك حجة الله وأمينه على خلقه.

١٤ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن أحمد بن محمد بن عبد الله قال كان عبد الله بن هليل يقول بعبد الله فصار إلى العسكر فرجع عن ذلك فسألته عن سبب رجوعه فقال إني عرضت لأبي الحسن عليه‌السلام أن أسأله عن ذلك فوافقني في طريق

______________________________________________________

الحسين بن شاذويه عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري عن أبيه عن محمد بن عيسى بن عبيد عن الحسن بن علي بن فضال ، عن ابن المغيرة ، ورواه المفيد في كتاب الاختصاص عن محمد بن الحسن بن الوليد عن الصفار عن أحمد بن محمد عن ابن فضال ، والظاهر أن الكليني أيضا رواه عن الصفار عن أحمد عن ابن فضال ، ويحتمل رجوعه إلى السند السابق بأن يكون المعلى أو الوشاء روى عنه وهو غير مأنوس ، وبالجملة هذا من الكليني غريب نادر.

وفي القاموس : خلج يخلج جذب وغمز وانتزع وحرك وشغل وطعن ، والعين طارت كاختجلت ، انتهى.

« شيء » أي شك في ديني ، وفي العيون وغيره : اختلج وهو أظهر ، والملتزم هو المستجار محاذي باب الكعبة من ظهرها يستحب إلصاق البطن والصدر بحائطه والتزامه والدعاء فيه مستجاب « طلبتي » بكسر اللام أي مطلوبي.

الحديث الرابع عشر : ضعيف على المشهور.

وهليل مصغر هلال « بعبد الله » أي بإمامة عبد الله الأفطح « إلى العسكر » أي سامراء وسمي به لأنه بني للعسكر « إني عرضت لأبي الحسن عليه‌السلام » أي ظهرت

١٠٤

ضيق فمال نحوي حتى إذا حاذاني أقبل نحوي بشيء من فيه فوقع على صدري فأخذته فإذا هو رق فيه مكتوب ما كان هنالك ولا كذلك.

١٥ ـ علي بن محمد ، عن بعض أصحابنا ذكر اسمه قال حدثنا محمد بن إبراهيم قال أخبرنا موسى بن محمد بن إسماعيل بن عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب قال حدثني جعفر بن زيد بن موسى ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم‌السلام قالوا جاءت أم أسلم يوما إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو في منزل أم سلمة فسألتها عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت خرج في بعض الحوائج والساعة يجيء فانتظرته عند أم سلمة حتى جاء صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت أم أسلم بأبي أنت وأمي يا رسول الله إني قد قرأت الكتب وعلمت كل نبي ووصي فموسى كان له وصي في حياته ووصي بعد موته وكذلك عيسى فمن وصيك يا رسول الله فقال لها يا أم أسلم وصيي في حياتي وبعد مماتي واحد

______________________________________________________

له ووقفت في طريقه « أن أسأله » أي لأن أسأله. وقيل : أي أظهرت له أن أسأله وقيل : عرضت بمعنى تعرضت ، وقيل : أي بسطت وهيأت « وأن أسأله » مفعوله ، وما ذكرنا أظهر من غير حاجة إلى تلك التكلفات ، وفي القاموس : عرض له كذا يعرض ظهر عليه وبدا كعرض كسمع ، والشيء له أظهره له ، وعليه أراه إياه ، وله القول ظهرت ، والشيء بدا ، انتهى.

« فوافقني » أي صادفني كما ذكره الجوهري « بشيء » الباء للتعدية ، والرق بفتح الراء وكسرها وتشديد القاف جلد رقيق كتب فيه شيء « ما كان » أي عبد الله « هناك » أي في مقام الإمامة « ولا » كان « كذلك » أي مستحقا للإمامة.

الحديث الخامس عشر : مجهول.

« في بعض الحوائج » في ، تعليلية ، والساعة منصوب « كل نبي » أي المشاهير منهم ، المذكورين في القرآن « في حياته » أي هارون « بعد وفاته » أي يوشع عليهما‌السلام « وكذلك عيسى » أي كان له وصي ويحتمل أن يكون له عليه‌السلام وصي آخر في حياته غير شمعون من الحواريين ، وفي رواية ابن عياش كالب بن يوفنا كما سيأتي ، من

١٠٥

ثم قال لها يا أم أسلم من فعل فعلي هذا فهو وصيي ثم ضرب بيده إلى حصاة من الأرض ففركها بإصبعه فجعلها شبه الدقيق ثم عجنها ثم طبعها بخاتمه ثم قال من فعل فعلي هذا فهو وصيي في حياتي وبعد مماتي فخرجت من عنده فأتيت أمير المؤمنين عليه‌السلام فقلت بأبي أنت وأمي أنت وصي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال نعم يا أم أسلم ثم ضرب بيده إلى حصاة ففركها فجعلها كهيئة الدقيق ثم عجنها وختمها بخاتمه ثم قال يا أم أسلم من فعل فعلي هذا فهو وصيي فأتيت الحسن عليه‌السلام وهو غلام فقلت له يا سيدي أنت وصي أبيك فقال نعم يا أم أسلم وضرب بيده وأخذ حصاة ففعل بها كفعلهما فخرجت من عنده فأتيت الحسين عليه‌السلام وإني لمستصغرة لسنه فقلت له بأبي أنت وأمي أنت وصي أخيك فقال نعم يا أم أسلم ائتيني بحصاة ثم فعل كفعلهم فعمرت أم أسلم حتى لحقت بعلي بن الحسين بعد قتل الحسين عليه‌السلام في منصرفه فسألته أنت وصي أبيك فقال نعم ثم فعل كفعلهم صلوات الله عليهم أجمعين.

______________________________________________________

فعل فعلي « بالفتح مصدر للنوع ، أو بالكسر مفعول به ، أي مثل فعلي والفرك الدلك » فخرجت من عنده « تغير أسلوب الحديث من الغيبة إلى التكلم » وإني لمستصغرة « الواو للحال » بحصاة « الباء للتعدية » في منصرفه أي انصرافه من الشام أو إلى الشام.

أقول : وجدت هذا الخبر بوجه أبسط وأفيد من ذلك في كتاب مقتضب الأثر لأحمد بن محمد بن عياش فأحببت إيراده لكثرة فوائده ، روى عن سهل بن محمد الطرسوسي القاضي ، عن زيد بن محمد الرهاوي عن عمار (١) بن مطر عن أبي عوانة عن خالد بن علقمة عن عبيدة بن عمرو السلماني عن عبد الله بن خباب بن الأرت عن سلمان الفارسي والبراء بن عازب قالا : قالت أم سليم.

قال : ومن طريق أصحابنا حدثني علي بن حبشي بن قوني عن جعفر بن محمد

__________________

(١) في الأصل « عماد » بالدال وكذا في المخطوطتين لكنّ الظاهر عمّار كما في المصدر.

١٠٦

______________________________________________________

الفرازي عن الحسين المنقري عن الحسن بن محبوب عن أبي حمزة الثمالي عن زر بن حبيش عن عبد الله بن خباب عن سلمان والبراء قالا : قالت أم سليم : كنت امرأة قد قرأت التوراة والإنجيل ، فعرفت أوصياء الأنبياء وأحببت أن أعلم وصي محمد ، فلما قدمت ركابنا المدينة أتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وخلفت الركاب مع الحي فقلت : يا رسول الله ما من نبي إلا وكان له خليفتان خليفة يموت قبله ، وخليفة يبقى بعده ، وكان خليفة موسى في حياته هارون فقبض قبل موسى ، ثم كان وصيه بعد موته يوشع بن نون ، وكان وصي عيسى في حياته كالب بن يوفنا (١) فتوفي كالب في حياة عيسى ووصيه بعد وفاته شمعون بن حمون الصفا ابن عمة مريم ، وقد نظرت في الكتب الأولى فما وجدت لك إلا وصيا واحدا في حياتك وبعد وفاتك فبين بنفسي أنت يا رسول الله من وصيك؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن لي وصيا واحدا في حياتي وبعد وفاتي ، قلت له : من هو؟ فقال : ائتيني بحصاة ، فرفعت إليه حصاة من الأرض فوضعها بين كفيه ثم فركها بيده كسحيق الدقيق ثم عجنها فجعلها ياقوتة حمراء ، ختمها بخاتمه فبدا النقش فيها للناظرين ثم أعطانيها وقال : يا أم سليم من استطاع مثل هذا فهو وصيي ، قالت : ثم قال لي : يا أم سليم وصيي من يستغني بنفسه في جميع حالاته كما أنا مستغن ، فنظرت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد ضرب بيده اليمنى إلى السقف وبيده اليسرى إلى الأرض قائما لا ينحني في حالة واحدة إلى الأرض ، ولا يرفع نفسه يطرق قدميه (٢).

قالت : فخرجت فرأيت سلمان يكنف عليا ويلوذ بعقويه دون من سواه من

__________________

(١) المشهور عند المورخين أنّ كالب بن يوفنا من أوصياء موسى عليه‌السلام أو نبيّ من أنبياء بني إسرائيل قام بأمرهم بعد يوشع بن نون وأنّه من أولاد يهودا ، فمن الممكن أنّ هذا رجل آخر سميّه وكان من أوصياء عيسى عليه‌السلام ، ويحتمل وقوع التصحيف في الاسم من بعض الناقلين أو النسّاخ ، والله أعلم.

(٢) كذا في النسخ وفي المصدر « بطرف قدميه ».

١٠٧

______________________________________________________

أسرة محمد (١) وصحابته على حداثة من سنه ، فقلت في نفسي : هذا سلمان صاحب الكتب الأولى قبلي صاحب الأوصياء وعنده من العلم ما لم يبلغني ، فيوشك أن يكون صاحبي ، فأتيت عليا عليه‌السلام فقلت : أنت وصي محمد؟ قال : نعم ما تريدين؟ قلت : وما علامة ذلك؟ فقال : ائتيني بحصاة ، قالت : فرفعت إليه حصاة من الأرض ، فوضعها بين كفيه ثم فركها بيده ، فجعلها كسحيق الدقيق ، ثم عجنها فجعلها ياقوتة حمراء ثم ختمها فبدا النقش فيها للناظرين ثم مشى نحو بيته فاتبعته لأسأله عن الذي صنع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فالتفت إلى ففعل (٢) فقلت : من وصيك يا أبا الحسن؟ فقال : من يفعل مثل هذا.

قالت أم سليم : فلقيت الحسن بن علي عليه‌السلام فقلت : أنت وصي أبيك؟ ـ وأنا أعجب من صغره وسؤالي إياه ، مع أني كنت عرفت صفتهم الاثني عشر إماما وأبوهم سيدهم وأفضلهم فوجدت ذلك في الكتب الأولى فقال لي : نعم أنا وصي أبي ، فقلت : وما علامة ذلك؟ فقال : ائتيني بحصاة ، قالت : فرفعت إليه حصاة فوضعها بين كفيه ثم سحقها كسحيق الدقيق ثم عجنها فجعلها ياقوتة حمراء ثم ختمها فبدا النقش فيها ثم دفعها إلى ، فقلت له : فمن وصيك؟ قال : من يفعل مثل هذا الذي فعلت ، ثم مد يده اليمنى حتى حازت سطوح المدينة وهو قائم ، ثم طأطأ يده اليسرى فضرب بها الأرض من غير أن ينحني أو يتصعد ، فقلت في نفسي : من يرى وصيه؟

فخرجت من عنده فلقيت الحسين عليه‌السلام وكنت عرفت نعته من الكتب السالفة بصفته وتسعة من ولده أوصياء بصفاتهم غير أني أنكرت حليته لصغر سنه ، فدنوت منه وهو على كسرة رحبة (٣) المسجد فقلت له : من أنت يا سيدي؟ قال : أنا طلبتك يا أم سليم ، أنا وصي الأوصياء ، وأنا أبو التسعة الأئمة الهادية ، أنا وصي أخي الحسن ،

__________________

(١) العقوة : الساحة ، وأسرة الرجل : أهله المعروفون بالعائلة.

(٢) وفي المصدر : ففعل مثل الذي فعله.

(٣) الكسرة : جانب البيت ، والرحبة : الساعة.

١٠٨

______________________________________________________

وأخي وصي أبي علي ، وعلي وصي جدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فعجبت من قوله ، فقلت : ما علامة ذلك؟ فقال : ائتيني بحصاة ، فرفعت إليه حصاة من الأرض قالت أم سليم : فلقد نظرت إليه وقد وضعها بين كفيه ، فجعلها كهيأة السحيق من الدقيق ، ثم عجنها فجعلها ياقوتة حمراء ، فختمها بخاتمه فثبت النقش فيها ، ثم دفعها إلى وقال : انظري فيها يا أم سليم ، فهل ترين فيها شيئا؟ قالت أم سليم : فنظرت فإذا فيها رسول الله وعلى والحسن والحسين وتسعة أئمة صلوات الله عليهم أوصياء من ولد الحسين قد تواطأت أسماؤهم إلا اثنين منهم ، أحدهما جعفر والآخر موسى وهكذا قرأت في الإنجيل ، فعجبت ثم قلت في نفسي : قد أعطاني الله الدلائل ولم يعطها من كان قبلي ، فقلت : يا سيدي أعد علي علامة أخرى ، قالت : فتبسم وهو قاعد ، ثم قام فمد يده اليمنى إلى السماء ، فو الله لكأنها عمود (١) من نار يخرق الهواء حتى توارى عن عيني وهو قائم لا يعبأ بذلك ، ولا يتخفر ، فأسقطت وضعفت وما أفقت إلا ورأيت في يده طاقة من آس يضرب بها منخري ، فقلت في نفسي : ما ذا أقول له بعد هذا وقمت.

وأنا والله أجد إلى ساعتي هذه رائحة هذه الطاقة من الآس ، وهي والله عندي لم تذو ولم تذبل (٢) ولا انتقص من ريحها شيء ، وأوصيت أهلي أن يضعوها في كفني ، فقلت : يا سيدي من وصيك؟ قال : من فعل مثل فعلي.

قالت : فعشت إلى أيام علي بن الحسين.

قال زر بن حبيش خاصة دون غيره : وحدثني جماعة من التابعين سمعوا هذا الكلام من تمام حديثها ، منهم مينا مولى عبد الرحمن بن عوف ، وسعيد بن جبير مولى بني أسد سمعاها تقول هذا ، وحدثني سعيد بن المسيب المخزومي ببعضه عنها.

قالت : فجئت إلى علي بن الحسين عليهما‌السلام وهو في منزله قائما يصلي ، وكان يطول

__________________

(١) هذا هو الظاهر الموافق للمصدر ، وفي الأصل « عود » بدل « عمود ».

(٢) ذوي النبات : ذبل ، وذبل ، ذبولا النبات : قلّ ماؤه وذهبت نضارته.

١٠٩

______________________________________________________

فيها ولا يتحوز فيها (١) وكان يصلي ألف ركعة في اليوم والليلة ، فجلست مليا (٢) فلم ينصرف عن صلاته فأردت القيام فلما هممت به حانت مني التفاتة إلى خاتم في إصبعه عليه فصّ حبشي (٣) فإذا هو مكتوب : مكانك يا أم سليم آتيك بما جئت له ، قالت : فأسرع في صلاته ، فلما سلم قال لي : يا أم سليم ائتيني بحصاة من غير أن أسأله عما جئت له ، فدفعت إليه حصاة من الأرض فأخذها فجعلها بين كفيه فجعلها كهيأة الدقيق السحيق ، ثم عجنها فجعلها ياقوتة حمراء ثم ختمها فثبت فيها النقش ، فنظرت والله إلى القوم بأعيانهم كما كنت رأيتهم يوم الحسين عليه‌السلام فقلت له : فمن وصيك جعلني الله فداك؟ قال : الذي يفعل مثل ما فعلت ، ولا تدركين من بعدي مثلي.

قالت أم سليم : فأنسيت أن أسأله أن يفعل مثل ما كان قبله من رسول الله وعلى والحسن والحسين صلوات الله عليهم ، فلما خرجت من البيت ومشيت شوطا ناداني يا أم سليم! قلت : لبيك ، قال : ارجعي فرجعت ، فإذا هو واقف في صرحة داره وسطا ، ثم مشى ودخل البيت وهو يتبسم ثم قال : اجلسي يا أم سليم ، فجلست فمد يده اليمنى فانخرقت الدور والحيطان وسكك المدينة وغابت يده عني ثم قال : خذي يا أم سليم فناولني والله كيسا فيه دنانير وقرط (٤) من ذهب ، وفصوص كانت لي من جزع في حُقّ لي (٥) في منزلي ، فقلت : يا سيدي أما الحق فأعرفه ، وأما ما فيه فلا أدري ما فيه غير أني أجده ثقيلا ، قال : خذيها وامضى لسبيلك ، قالت : فخرجت

__________________

(١) تحرز : تنحّى ، وقال الشارح (ره) في البحار : لعلّه كناية من عدم الفصل بين الصلوات وكثرة التشاغل بها.

(٢) أي طويلا.

(٣) الفصّ : ما يركب في الخاتم. وبالفارسية « نگين ».

(٤) الفرط : ما يعلق في شحمة الأذن من درّة ونحوها ، وبالفارسية « گوشواره ».

(٥) الجُزع ـ بضم الجيم ـ خرز فيه سواد وبياض. حُقّ ـ بضم الحاء ـ جمع الحُقّة الوعاء الصغير.

١١٠

١٦ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن الحسين بن الجارود ، عن موسى بن بكر بن دأب عمن حدثه ، عن أبي جعفر عليه‌السلام أن زيد بن علي بن الحسين عليه‌السلام دخل على أبي جعفر محمد بن علي ومعه كتب من أهل الكوفة يدعونه فيها إلى أنفسهم ويخبرونه باجتماعهم ويأمرونه بالخروج فقال له أبو جعفر عليه‌السلام هذه الكتب ابتداء منهم أو جواب ما كتبت به إليهم ودعوتهم إليه فقال بل ابتداء من القوم لمعرفتهم بحقنا وبقرابتنا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولما يجدون في كتاب الله عز وجل من وجوب مودتنا وفرض طاعتنا ولما نحن فيه من الضيق والضنك والبلاء فقال له أبو جعفر عليه‌السلام إن الطاعة مفروضة من الله عز وجل وسنة أمضاها في الأولين وكذلك يجريها في الآخرين والطاعة لواحد منا والمودة للجميع وأمر الله يجري

______________________________________________________

من عنده ودخلت منزلي وقصدت نحو الحق فلم أجد الحق في موضعه ، فإذا ألحق حقي قالت : فعرفتهم حق معرفتهم بالبصيرة والهداية فيهم من ذلك اليوم والحمد لله رب العالمين.

أقول : هذه أم سليم غير الحبابة الوالبية ، والقصتان متباينتان (١).

الحديث السادس عشر : مجهول.

« إلى أنفسهم » أي إلى أن يأتيهم في الكوفة « بالخروج » أي على بني أمية « هذه الكتب » حرف الاستفهام مقدر « من وجوب مودتنا » أي في قوله سبحانه : « قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى » (٢) « وفرض طاعتنا » أي في قوله تعالى : « وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ » وعطف الضنك على الضيق من عطف المرادف على المرادف ، أو المراد بالضيق ضيق الصدر والحزن ، وبالضنك ضيق المعاش ، وبالبلاء ضرر الأعادي وشرورهم « أن الطاعة » أي طاعة نبي وإمام مخصوص في كل عصر وزمان « وسنة » أي عادة وطريقة « أمضاها في الأولين » لم يخل زمانا من الأزمنة منهم « والطاعة لواحد منا » أي

__________________

(١) وقال مؤلف كتاب مقتضب الأثر (ره) أيضا : أمّ سليم صاحبة الحصاة ليست بحبابة الوالبيّة ولا بأمّ غانم صاحبتي الحصاة ، هذه أمّ سليم غيرهما وأقدم منهما.

(٢) سورة الشورى : ٢٣.

١١١

لأوليائه بحكم موصول وقضاء مفصول وحتم مقضي وقدر مقدور ـ وأجل مسمى

______________________________________________________

فرض الطاعة مخصوص بواحد منا ، ووجوب المودة لجميع أولاد الرسول وأقاربه صلى‌الله‌عليه‌وآله إلا أن يكونوا خارجين عن الدين « وأمر الله » أي الإمامة ووجوب الطاعة أو حكمه بخروجهم وقيامهم بأمر الإمامة ، أو الأعم منه ، ومنه صبرهم على الأذى وهدنتهم ومصالحتهم مع المخالفين ، وسائر ما يأتون به ، وقيل : أمر الله عبارة عن مظلومية أهل الحق ، فاللام للانتفاع فإن كل ما يجري عليهم خير لهم « بحكم موصول » أي متصل بعضه ببعض ، أراد لواحد بعد واحد ، كما ورد في تأويل قوله سبحانه : « وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ » (١) أي إمام بعد إمام « وقضاء مفصول » أي مفروغ عنه ، أو مبين غير مشتبه ، أو المراد بالحكم الموصول الإمضاء المتصل بالفعل ، والقضاء السابق على الفعل ، وقيل : بحكم موصول أي متتابع ليس فيه استثناء بعض أوليائه ، والقضاء المفصول الفصل بين الحق والباطل ، ووصفه بمفصول للمبالغة كقوله تعالى : « حِجاباً مَسْتُوراً » (٢) « وحتم مقضي » إشارة إلى تأكيد القضاء ورفع احتمال البداء وقيل : الحتم الحكم ، والمقضي المحتوم ، والوصف للمبالغة « وقدر مقدور » إشارة إلى قوله تعالى : « وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً » (٣).

قال البيضاوي : أي قضاء مقضيا وحكما مبتوتا ، وقال الطبرسي قدس‌سره : أي كان ما ينزله الله على أنبيائه من الأمر الذي يريده قضاء مقضيا ، وقيل : معناه جاريا على مقدار لا يكون فيه تفاوت من جهة الحكمة ، وقيل : أن القدر المقدور هو ما كان على مقدار ما تقدم من غير زيادة ولا نقصان ، انتهى.

والأجل آخر المدة لوقت معلوم هو الوقت الذي قدر لتسبب أسباب أمورهم كخروجهم وظهورهم وتسلطهم على أعدائهم ، أو الأجل عبارة عن ابتداء تسلطهم والوقت عن امتداده.

والحاصل أن هذه الأمور لا بد من حصولها حتى يتحقق ما قدره الله لنا من

__________________

(١) سورة القصص : ٥١.

(٢) سورة الإسراء : ٤٥.

(٣) سورة الأحزاب : ٣٨.

١١٢

لوقت معلوم « فلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً » فلا تعجل فإن الله لا يعجل لعجلة العباد ولا تسبقن الله فتعجزك البلية فتصرعك قال :

______________________________________________________

ظهورنا وخروجنا واستيلائنا على أعدائنا ، فالاستعجال قبل تحقق تلك الأمور لا فائدة له ، وما أشبه هذه الأمور بما مر في أبواب القضاء والقدر والمشية من الأخبار ، لا سيما قوله عليه‌السلام : لا يكون شيء في الأرض ولا في السماء إلا بمشية وإرادة وقدر وقضاء وإذن وكتاب وأجل ، فمن زعم أنه يقدر على نقض واحدة فقد كفر.

« فلا يستخفنك » إشارة إلى قوله تعالى : « فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ » (١) أي فاصبر على أذى قومك إن وعد الله حق بنصرتك وإظهار دينك على الدين كله لا بد من إنجازه ، ولا يستخفنك أي لا يحملنك على الخفة والقلق « الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ » بتكذيبهم وإيذائهم ، وغرضه عليه‌السلام لا يحملك ما ترى من المخالفين من الإيذاء والضرر والإهانة على الخفة والعجلة والتسريع إلى أمر لم يأت وقته.

ويحتمل أن يكون الذين لا يوقنون كناية عن أهل الكوفة الذين يدعونه إلى الخروج ، لقوله : إنهم لم يغنوا عنك من الله شيئا ، وعلى الأول أيضا يحتمل أن يكون ضمير إنهم راجعا إلى أهل الكوفة ، وهو تضمين من آية أخرى حيث قال : « وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً » (٢).

ويحتمل أن يكون صدر الآية سقط من النساخ أي لن يدفعوا عنك شيئا من العذاب والمكروه الذي يريده الله بك « ولا تسبقن الله » أي لا تجعل إرادتك سابقه على إرادة الله والوقت الذي عينه الله لنصرة آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله « فتصرعك » أي فتطرحك على الأرض ذليلا مغلوبا مقتولا.

وحاصل الجميع : أنك لست بإمام ، ولا تعلم حكم الله في القعود والقيام والجهاد وتركه ، إذ لو كان مأمورا من الله بالجهاد ولم يحصل له نصرة وظفر كان مأجورا غير

__________________

(١) سورة الروم : ٦٠.

(٢) سورة الجاثية : ١٩.

١١٣

فغضب زيد عند ذلك ثم قال ليس الإمام منا من جلس في بيته وأرخى ستره وثبط عن الجهاد ولكن الإمام منا من منع حوزته وجاهد في سبيل الله حق جهاده ودفع عن رعيته وذب عن حريمه قال أبو جعفر عليه‌السلام هل تعرف يا أخي من نفسك شيئا مما نسبتها إليه فتجيء عليه بشاهد من كتاب الله أو حجة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله

______________________________________________________

ملوم ، ولكنه كان غرضه محض الغلبة بظن أنه يتيسر له ذلك لإعانة القوم له ، ولم يكن عارفا بالحكم الواقعي في ذلك ، فلذا بين عليه‌السلام ذلك وأنه لا يتيسر مقصوده بتلك الأسباب ، لأنه لم يقدره الله تعالى ذلك بعد.

فلا يرد أن الحسين عليه‌السلام أيضا خرج ولم يغلب لأنه كان مأمورا ولم يكن غرضه الغلبة بل إتمام الحجة على الخلق ، وكان يعلم شهادته ومغلوبيته ، والمأمور في جميع أحواله معذور.

قوله : من جلس في بيته ، أي لم يخرج للجهاد « وأرخى ستره » أي أسد له على باب داره كناية عن منعه الناس عن الدخول عليه ، والتثبيط : التعويق ، أي منع الناس عن الجهاد مع غيره ، وفي النهاية فيه : فحمي حوزة الإسلام أي حدوده ونواحيه ، وفلان مانع لحوزته أي لما في حيزه ، والحوزة فعلة منه ، سميت بها الناحية ، انتهى.

والحاصل منع مملكته عن أن يوصل إليها بسوء ، والذب : الدفع ، والحريم ما يجب حفظه عن الفساد.

« هل تعرف » أي هل تعلم أن ما ذكرت من الأمور يتأتى منك وتتصف بها وتقدر أن تفعل جميع ذلك في هذا الوقت والزمان ، والحاصل أنه ظهر من كلامه أمران أحدهما : أنه متصف بتلك الصفات ، وثانيهما : أن من لم يتصف بها فلا يستحق الإمامة ، فأجاب عليه‌السلام عن الأول بطلب دليل على استحقاقه للإمامة أو أنه يتأتى منه تلك الأمور في هذا الوقت من الكتاب أو السنة المتواترة أو بضرب مثل كان يقول صار فلان إماما من قبل نفسه من غير نص أو سأغلب كما غلب فلان من أمثالي.

وعن الثاني بأن الله تعالى جعل لكل شيء وقتا ، فعدم خروج الإمام من قبل

١١٤

أو تضرب به مثلا فإن الله عز وجل أحل حلالا وحرم حراما وفرض فرائض وضرب أمثالا وسن سننا ولم يجعل الإمام القائم بأمره شبهة فيما فرض له من الطاعة أن يسبقه بأمر قبل محله أو يجاهد فيه قبل حلوله وقد قال الله عز وجل في الصيد « لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ » (١) أفقتل الصيد أعظم أم قتل النفس « الَّتِي حَرَّمَ اللهُ » وجعل لكل شيء محلا وقال الله عز وجل « وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا » (٢) وقال عز وجل « لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ » (٣) فجعل الشهور عدة معلومة فجعل منها أربعة حرما وقال « فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ » (٤) ثم قال

______________________________________________________

الوقت المقدر لا ينافي إمامته « أن يسبقه » أن مصدرية ، والمصدر بدل من شبهة ، والضمير لله « قبل حلوله » أي حلول وقته.

« وقد قال الله » حاصله التنبيه على أن أحكام الله دقيقة وشرائطها كثيرة لا يعلمها إلا الإمام كما أن قتل الصيد الذي هو أهون الأشياء حلال في حالة ، وحرام في حالة أخرى ، فالجهاد المتضمن لقتل النفس أعظم من ذلك ، فلا بد من العلم بشرائط جوازه ووجوبه حتى لا يكون قتل نفس بغير حق وجعل الله للحلية والحرمة محلا وأجلا ومدة ، والجهاد أيضا مع وجوبه وكونه من أعظم الطاعات حرمه في بعض الأوقات كالأشهر الحرم وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب وكأشهر السياحة وهي عشرون من ذي الحجة والمحرم وصفر وربيع الأول ، وعشر من ربيع الآخر ، وذلك كان مخصوصا بالسنة التي بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمير المؤمنين بسورة براءة إلى مكة ليقرأها على المشركين.

والشعار جمع شعيرة وهي الأثر والعلامة ، أو جميع أعمال الحج ، وقيل : هي المعالم التي ندب الله إليها وأمر بالقيام عليها ، وقيل : هي الأشياء التي شرفها الله

__________________

(١) سورة المائدة : ٩.

(٢) سورة المائدة : ٢.

(٣) سورة المائدة : ٢.

(٤) سورة التوبة : ٢.

١١٥

تبارك وتعالى « فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ » (١) فجعل لذلك محلا وقال « وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ » (٢) فجعل لكل شيء أجلا ولكل أجل كتابا فإن كنت على بينة من ربك ويقين من أمرك وتبيان من شأنك فشأنك وإلا فلا ترومن أمرا أنت منه في شك وشبهة ولا تتعاط زوال ملك لم تنقض أكله ولم ينقطع مداه ولم يبلغ الكتاب أجله فلو قد بلغ مداه وانقطع أكله وبلغ الكتاب أجله لانقطع الفصل وتتابع النظام ولأعقب الله في التابع والمتبوع الذل

______________________________________________________

وعظمها « فجعل لذلك محلا » أي فجعل للقتال مع المشركين محلا ، فكذا جعل لظهور الإمام وخروجه محلا لا يجوز له النهوض به قبله.

« وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ » أي لا تقصدوا عقدة نكاح المعتدة المتوفى عنها زوجها « حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ » أي ما كتبه الله تعالى عليها من العدة « أَجَلَهُ » ونهايته.

« ولكل أجل كتابا » منها آجال دولة المخالفين ، وصبر الإمام على أذاهم « فشأنك » أي فالزم شأنك « فلا ترومن » أي لا تقصدن والتعاطي التناول وتناول ما لا يحق ، والتنازع في الأخذ وركوب الأمر كالتعطي أو التعاطي في الرفعة ، والتعطي في القبيح ، كل ذلك ذكره الفيروزآبادي ، وقال : الأكل بالضم وبضمتين الرزق والحظ من الدنيا ، انتهى.

والمدى بالفتح الغاية ، ولعل المراد هنا زمان البقاء مجازا ، أو يكون ظرفا والفاعل ضمير الملك أي لم ينقطع الملك في مداه وغايته « ولم يبلغ الكتاب » أي ما كتب من تقديرات الملك « أجله » وغايته ، والضمير للكتاب أي الأجل المكتوب فيه ، أو للملك « لا نقطع الفصل » أي الفصل الذي بين دولتي الحق ، أو الحكم المفصول المحتوم ببقاء دولة الباطل ، وربما يقرأ بالضاد المعجمة أي البقية وتتابع مصدرا عطفا على الفضل وهو بعيد ، والأظهر أن « تتابع » فعل والنظام انتظام دولة الحق وأسبابه.

« ولأعقب الله » أي أورث قال تعالى : « فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً » (٣).

__________________

(١) سورة التوبة : ٥.

(٢) سورة البقرة : ٢٣٥.

(٣) سورة التوبة : ٧٧.

١١٦

والصغار أعوذ بالله من إمام ضل عن وقته فكان التابع فيه أعلم من المتبوع أتريد يا أخي أن تحيي ملة قوم قد كفروا بآيات الله وعصوا رسوله واتبعوا أهواءهم بغير هدى من الله وادعوا الخلافة بلا برهان من الله ولا عهد من رسوله أعيذك بالله يا أخي أن تكون غدا المصلوب ـ بالكناسة ثم ارفضت عيناه وسالت دموعه ثم قال الله بيننا وبين من هتك سترنا وجحدنا حقنا وأفشى سرنا ونسبنا إلى غير جدنا

______________________________________________________

« في التابع والمتبوع » أي من المنافقين « ضل عن وقته » أي لم يعرف وقته الذي عين الله لخروجه « فكان التابع فيه » أي الذي يتبعه جبرا وهو إمام الحق وأتباعه في أمر وقت الخروج « أعلم من المتبوع » وقيل : الوقت بمعنى الموقوت أي المفروض ، فالمراد بالضلال عن وقته الجهل بفرضه ، وضمير فيه لوقته ، والمراد أن ذلك الإمام يحتاج البتة إلى سؤال أهل مجلسه عن المشكلات ، كما كان أبو بكر وعمر يسألان فيكون التابع أعلم من المتبوع في بعض المسائل ، انتهى ، وما ذكرنا أظهر.

« ملة قوم » أي خلفاء الجور الغاصبين لحقوق أهل البيت عليهم‌السلام وأتباعهم « قد كفروا بآيات الله » الدالة على إمامة أمير المؤمنين والأئمة من ولده ، وعلى أن الإمام لا بد أن يكون أعلم الأمة ، وأن اختيار الإمامة إلى الله لا إلى الأمة « وعصوا رسوله » في أمره بولاية علي والخلفاء بعده عليهم‌السلام بلا برهان ، بل بمحض البيعة الباطلة الناقصة « أن تكون » أي من أن تكون ، وهذا إخبار بما وقع بعد ذلك من قتل زيد وصلبه في كناسة الكوفة ، وهي بالضم اسم موضع بالكوفة ، وارفضاض الدموع ترششها.

و « الله » مبتدأ والظرف خبره « هتك » أي خرق و « سترنا » لعله كناية عن هتك العرض أو الإذاعة وترك التقية ، وإفشاء ما يوجب ضررهم « وجحد حقنا » وهي الإمامة « ونسبنا إلى غير جدنا » كقول بعض المخالفين لعنهم الله : إنهم عليهم‌السلام ليسوا بولد رسول الله حقيقة أو لم ينسبونا إليه بالنسبة المعنوية وهي الخلافة والوصاية ، وقيل : الجد بمعنى الحظ والعظمة ، أي لم ينسبونا إلى خمسنا الذي جعله الله لنا ،

١١٧

وقال فينا ما لم نقله في أنفسنا.

______________________________________________________

وأعطوه غيرنا ، وإلى عظمتنا وهي إمامتنا ، ولا يخفى بعدهما « وقال فينا ما لم نقله في أنفسنا » كالغلاة ، وقيل : ما لم نقله عبارة عن الخروج على ملوك المخالفين قبل حلول وقته.

ثم اعلم أن الأخبار اختلفت في حال زيد فمنها ما يدل على ذمه بل كفره لدلالتها على أنه ادعى الإمامة وجحد إمامة أئمة الحق وهو يوجب الكفر كهذا الخبر ، وأكثرها يدل علي كونه مشكورا ، وأنه لم يدع الإمامة ، وأنه كان قائلا بإمامة الباقر والصادق عليهما‌السلام ، وإنما خرج لطلب ثار الحسين عليه‌السلام وللأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكان يدعو إلى الرضا من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنه كان عازما على أنه إن غلب على الأمر فوضه إلى أفضلهم وأعلمهم ، وإليه ذهب أكثر أصحابنا بل لم أر في كلامهم غيره.

وقيل : إنه كان مأذونا من قبل الإمام عليه‌السلام سرا ، ويؤيده ما استفيض من بكاء الصادق عليه ، وترحمه ودعائه له ، ولو كان قتل على دعوى الإمامة لم يستحق ذلك.

وقد روى الصدوق بإسناده عن عمرو بن خالد قال : قال زيد بن علي في كل زمان رجل منا أهل البيت يحتج الله به خلقه ، وحجة زماننا ابن أخي جعفر بن محمد لا يضل من تبعه ولا يهتدي من خالفه.

وروي أيضا عن الرضا عليه‌السلام أن زيد بن علي كان من علماء آل محمد ، غضب لله عز وجل فجاهد أعداءه حتى قتل في سبيله ولقد حدثني أبي أنه سمع أباه جعفر بن محمد عليه‌السلام يقول : رحم الله عمي زيدا إنه دعا إلى الرضا من آل محمد ، ولو ظفر لو في بما دعا إليه ، وقد استشارني في خروجه فقلت له : يا عم إن رضيت أن تكون المقتول المصلوب بالكناسة فشأنك ، فلما ولى قال جعفر بن محمد : ويل لمن سمع واعيته فلم يجبه ، فقال المأمون : يا أبا الحسن أليس قد جاء فيمن ادعى الإمامة بغير حقها

١١٨

______________________________________________________

ما جاء؟ فقال الرضا عليه‌السلام : إن زيد بن علي لم يدع ما ليس له بحق ، إنه كان أتقى لله من ذلك ، أنه قال : أدعوكم إلى الرضا من آل محمد ، وإنما جاء ما جاء فيمن يدعي أن الله نص عليه ثم يدعو إلى غير دين الله ، ويضل عن سبيله بغير علم ، وكان زيد والله ممن خوطب بهذه الآية : « وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ » (١).

وروي أيضا بإسناده عن الصادق عليه‌السلام أنه لما قرأ الكتاب بقتل زيد بكى ، ثم قال : إنا لله وإنا إليه راجعون عند الله أحتسب عمي ، إنه كان نعم العم ، إن عمي كان رجلا لدنيانا وآخرتنا ، مضى والله عمي شهيدا كشهداء استشهدوا مع رسول الله وعلى والحسن والحسين صلوات الله عليهم.

وروى صاحب كتاب كفاية الأثر بإسناده عن محمد بن مسلم قال : دخلت على زيد ابن علي عليه‌السلام فقلت : إن قوما يزعمون أنك صاحب هذا الأمر؟ قال : لا لكني من العترة ، قلت : فمن يلي هذا الأمر بعدكم؟ قال : سبعة من الخلفاء والمهدي منهم ، قال : ثم دخلت على الباقر عليه‌السلام فأخبرته بذلك فقال : صدق أخي زيد ، سيلي هذا الأمر بعدي سبعة من الأوصياء والمهدي منهم ، ثم بكى وقال : كأني به وقد صلب في الكناسة ، يا ابن مسلم حدثني أبي عن أبيه الحسين قال : وضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يده على كتفي ، وقال : يا حسين يخرج من صلبك رجل يقال له زيد ، يقتل مظلوما ، إذا كان يوم القيامة حشر هو وأصحابه إلى الجنة.

وروي أيضا عن عبد الله بن العلاء قال : قلت لزيد : أنت صاحب هذا الأمر؟ قال : لا ولكني من العترة ، قلت : فإلى من تأمرنا؟ قال : عليك بصاحب الشعر وأشار إلى الصادق عليه‌السلام.

وروي بإسناده عن المتوكل بن هارون قال : لقيت يحيى بن زيد بعد قتل أبيه وهو متوجه إلى خراسان ، فما رأيت مثله رجلا في عقله وفضله ، فسألته عن أبيه؟

__________________

(١) سورة الحجّ : ٧٨.

١١٩

______________________________________________________

فقال : إنه قتل وصلب بالكناسة ثم بكى وبكيت حتى غشي عليه ، فلما سكن قلت له : يا بن رسول الله وما الذي أخرجه إلى قتال هذا الطاغي وقد علم من أهل الكوفة ما علم؟ فقال : نعم لقد سألته عن ذلك فقال : سمعت أبي عليه‌السلام يحدث عن أبيه الحسين بن علي عليهما‌السلام قال : وضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يده على صلبي فقال : يا حسين يخرج من صلبك رجل يقال له زيد ، يقتل شهيدا فإذا كان يوم القيامة يتخطى هو وأصحابه رقاب الناس ويدخل الجنة ، فأحببت أن أكون كما وصفني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم قال : رحم الله أبي زيدا كان والله أحد المتعبدين ، قائم ليله صائم نهاره ، يجاهد في سبيل الله حق جهاده ، فقلت : يا بن رسول الله هكذا يكون الإمام بهذه الصفة؟ فقال : يا أبا عبد الله إن أبي لم يكن بإمام ، ولكن كان من سادات الكرام وزهادهم ، وكان من المجاهدين في سبيل الله ، قلت : يا بن رسول الله أما إن أباك قد ادعى الإمامة وخرج مجاهدا في سبيل الله؟ وقد جاء عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيمن ادعى الإمامة كاذبا ما جاء؟ فقال : مه يا أبا عبد الله إن أبي كان أعقل من أن يدعى ما ليس له بحق ، وإنما قال : أدعوكم إلى الرضا من آل محمد ، عنى بذلك عمي جعفرا ، قلت : فهو اليوم صاحب الأمر؟ قال : نعم هو أفقه بني هاشم ، ثم ذكر كثيرا من فضل زيد وعبادته ، والأخبار في ذلك كثيرة أوردتها في كتابنا الكبير.

والحاصل أن الأنسب حسن الظن به وعدم القدح فيه ، بل عدم التعرض لأمثاله من أولاد الأئمة عليهم‌السلام إلا من ثبت الحكم بكفرهم والتبري منهم كجعفر الكذاب وأضرابه ، لما رواه الراوندي في الخرائج عن الحسن بن راشد قال : ذكرت زيد بن علي فتنقصته عند أبي عبد الله عليه‌السلام فقال : لا تفعل رحم الله عمي ، أتى أبي فقال : إني أريد الخروج على هذا الطاغية فقال : لا تفعل فإني أخاف أن تكون المقتول المصلوب على ظهر الكوفة ، أما علمت يا زيد أنه لا يخرج أحد من ولد فاطمة على أحد من السلاطين قبل خروج السفياني إلا قتل ، ثم قال : ألا يا حسن إن فاطمة

١٢٠