محاضرات في أصول الفقه - ج ٤

آية الله الشيخ محمّد إسحاق الفيّاض

محاضرات في أصول الفقه - ج ٤

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد إسحاق الفيّاض


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر
المطبعة: الصدر
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٣٢

قبل البلوغ إليها ، كما لا يخفى ، فاستحالة اجتماع الأمر والنهي في واحد لا تكون من باب التكليف بالمحال ، بل من جهة انه بنفسه محال. فلا يجوز عند من يجوز التكليف بغير المقدور أيضا».

ملخص هذه المقدمة هو ان المضادة والمعاندة بين الأحكام الخمسة انما هي في مرتبة فعليتها وبلوغ تلك الأحكام حد البعث والزجر الحقيقيّين ، فلا مضادة بينها في مرتبة الإنشاء فضلا عن مرتبة الاقتضاء ، واستحالة الجمع بين اثنين منها في هذه المرتبة في شيء واحد في زمان من باب استحالة اجتماع الضدين ، فلذا لا تختص بمذهب دون آخر ، بل هو محال مطلقاً حتى على مذهب الأشعري المجوز للتكليف بالمحال ، فان هذا في نفسه محال.

الثانية ـ ما نصه : «انه لا شبهة في ان متعلق الأحكام هو فعل المكلف وما هو في الخارج يصدر عنه وهو فاعله وجاعله ، ولا ما هو اسمه ، وهو واضح ، ولا ما هو عنوانه مما قد انتزع عنه بحيث لو لا انتزاعه تصوراً واختراعه ذهناً لما كان بحذائه شيء خارجا ، ويكون خارج المحمول كالملكية والزوجية والرقية والحرية والمغصوبية إلى غير ذلك من الاعتبارات والإضافات ، ضرورة ان البعث ليس نحوه والزجر لا يكون عنه ، وانما يؤخذ في متعلق الأحكام آلة للحاظ متعلقاتها ، والإشارة إليها بمقدار الغرض منها والحاجة إليها ، لا بما هو هو وبنفسه وعلى استقلاله وحياله».

مرد هذه المقدمة إلى ان الأحكام الشرعية لم تتعلق بالأسماء والألفاظ ، ولا بالعناوين الانتزاعية التي لا مطابق لها في الخارج أصلا ، وانما تتعلق تلك الأحكام بافعال المكلفين الصادرة عنهم خارجا ، ضرورة ان الغرض سواء أكان مصلحة أو مفسدة أم كان غيرهما لا يترتب على الأسماء والألفاظ المجردة ، ولا على العناوين الانتزاعية التي لا واقع موضوعي لها وانما يترتب على تلك الأفعال فحسب ، وهذا ظاهر.

٢٤١

الثالثة ـ ما لفظه : «انه لا يوجب تعدد الوجه والعنوان تعدد المعنون ، ولا تنثلم به وحدته ، فان المفاهيم المتعددة والعناوين الكثيرة ربما تنطبق على الواحد وتصدق على الفارد الّذي لا كثرة فيه من جهة ، بل بسيط من جميع الجهات ليس فيه حيث غير حيث وجهة مغايرة لجهته أصلا ، كالواجب تبارك وتعالى فهو على بساطته ووحدته وأحديته تصدق عليه مفاهيم الصفات الجلالية والجمالية له الأسماء الحسني والأمثال العليا ، لكنها بأجمعها حاكية عن ذاك الواحد الفرد الأحد ، عباراتنا شتى وحسنك واحد وكل إلى ذاك الجمال يشير».

ملخص هذه المقدمة هو ان تعدد العنوان بشتى أنواعه واشكاله لا يوجب تعدد المعنون في الخارج ، ضرورة انه لا مانع من انطباق عناوين متعددة على معنون واحد خارجا أصلا ، ولا يوجب تعدده أبدا كانطباق عنوان الأب والابن والأخ والزوج والعالم والقادر وما شاكل ذلك على شخص واحد وذات فاردة كزيد ـ مثلا ـ بل تنطبق على ذات واحدة بسيطة من تمام الجهات كذاته تعالى شأنه ، فان مفاهيم الصفات العليا الذاتيّة كالعالم والقادر ونحوهما والصفات الفعلية كالخالق والرازق والمتكلم والمريد وما شاكل ذلك تنطبق على ذاته الأحدية ، مع انها بسيطة في غاية البساطة. نعم تلك الذات البسيطة باعتبار انكشاف الأشياء لديها عالم ، وباعتبار قدرتها على التكوين والإيجاد قادر ، وباعتبار خلقها الأشياء خالق ، وباعتبار رزقها العالم رازق .. وهكذا ، فالاختلاف والتعدد انما هو في الإضافة لا في الذات ، كما هو واضح ، وكيف كان فتعدد العنوان لا يستدعى تعدد المعنون بحسب الوجود الخارجي.

الرابعة ـ ما هذا نصه : «انه لا يكاد يكون للموجود بوجود واحد الا ماهية واحدة وحقيقة فاردة لا يقع في جواب السؤال عن حقيقته بما هو الا تلك الماهية ، فالمفهومان المتصادقان على ذاك لا يكاد يكون كل منهما ماهية وحقيقية

٢٤٢

كانت عينه في الخارج كما هو شأن الطبيعي وفرده ، فيكون الواحد وجودا واحدا ماهية وذاتاً لا محالة فالمجمع وان تصادقا عليه متعلقا الأمر والنهي ، إلا انه كما يكون واحدا وجودا يكون واحدا ماهية وذاتاً ، ولا يتفاوت فيه القول بأصالة الوجود أو أصالة الماهية. ومنه ظهر عدم ابتناء القول بالجواز والامتناع في المسألة على القولين في تلك المسألة كما توهم في الفصول ، كما ظهر عدم الابتناء على تعدد وجود الجنس والفصل في الخارج وعدم تعدده ، ضرورة عدم كون العنوانين المتصادقين عليه من قبيل الجنس والفصل له. وان مثل الحركة في دار من أي مقولة كانت لا يكاد يختلف حقيقتها وماهيتها ويتخلف ذاتياتها وقعت جزء للصلاة أولا كانت تلك الدار مغصوبة أولا».

ولنأخذ بتوضيح هذه المقدمة بما يلي : قد يتخيل في المقام كما عن الفصول ان القول بالامتناع والجواز في مسألتنا هذه يرتكز ان على القول بأصالة الوجود وأصالة الماهية ، ببيان انه لا شبهة في ان ماهية الصلاة غير ماهية الغصب ، فهما ماهيتان متباينتان يستحيل اتحادهما في الخارج ودخولهما تحت ماهية أخرى ، وعلى هذا فان قلنا بأصالة الماهية في تلك المسألة ، فبما ان مناط تأصلها وتحصلها نفسها في الخارج لا وجودها ، لأن الفرض انه لا واقع موضوعي له ولا مطابق له في الخارج والمطابق فيه انما هو للماهية ، فلا محالة يكون متعلق النهي غير متعلق الأمر تحصلا ، ضرورة استحالة اتحاد الماهيتين المتحصلتين خارجا ودخولهما تحت ماهية ثالثة ، فاذن لا مناص من القول بالجواز. واما ان قلنا بأصالة الوجود في تلك المسألة ، فبما ان اتحاد الماهيتين في الوجود الخارجي بمكان من الوضوح كاتحاد الماهية الجنسية مع الماهية الفصلية ، فلا مناص من القول بالامتناع ، وذلك لأن ماهية الصلاة وان كانت مغايرة لماهية الغصب بما هما ماهيتان ، الا انهما متحدتان في الخارج وتوجدان بوجود فارد. ومن المعلوم ان وجودا واحدا لا يعقل ان يكون

٢٤٣

مصداقا للمأمور به والمنهي عنه معا.

وان شئت فقل ان المحقق صاحب الفصول (قده) قد ابتنى القول بالامتناع في المسألة على القول بأصالة الوجود باعتبار ان الوجود في مورد الاجتماع واحد والقول بالجواز على القول بأصالة الماهية باعتبار ان الماهية في مورد الاجتماع متعددة.

ولكن هذا الخيال خاطئ جدا ولا واقع موضوعي له أصلا ، وذلك لأن ماهية الصلاة وماهية الغصب ليستا من الماهيات المتأصلة المقولية ، لتدخل محل النزاع في تلك المسألة أعني مسألة أصالة الوجود وأصالة الماهية ، بل هما من الماهيات الانتزاعية والعناوين الاعتبارية التي لا مطابق لها في الخارج ما عدا منشأ انتزاعها سواء فيه القول بأصالة الوجود أو الماهية ، فاذن لا يجري فيهما النزاع في تلك المسألة. هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى قد عرفت انه لا مانع من انطباق عناوين متعددة على معنون واحد وجودا وماهية. ومن ناحية ثالثة ان محل النزاع في تلك المسألة انما هو في الماهيات المتأصلة المقولية. ومن ناحية رابعة انه لا يعقل ان يكون لوجود واحد ماهيتان حقيقيتان أو حدان كذلك ، بداهة ان لوجود واحد ماهية واحدة أو حد كذلك ، وهذا واضح.

فالنتيجة على ضوء هذه النواحي هي ان مسألتنا هذه أجنبية عن تلك المسألة بالكلية ولا تبتنى عليها أصلا ، وذلك لأن المجمع إذا كان له وجود واحد فلا محالة يكون له ماهية واحدة أو حد كذلك ، ولا يعقل ان تكون له ماهيتان حقيقيتان أو حدان كذلك ، سواء فيه القول بأصالة الوجود أو أصالة الماهية ولا فرق بينهما من هذه الناحية أبدا ، ضرورة ان الوجود الواحد لا يعقل ان يكون وجوداً لماهيتين متباينتين ، كيف فانه ان كان وجودا لهذه الماهية ، فلا يمكن ان يكون لتلك وبالعكس.

واما إذا فرض ان للمجمع في مورد الاجتماع وجودين فلا محالة تكون له

٢٤٤

ماهيتان ، بداهة ان لكل وجود ماهية واحدة ، فلا يعقل ان تكون الماهية الواحدة ماهية لوجودين. وعليه فلا مناص من القول بالجواز بناء على ما هو الصحيح من عدم سراية الحكم من أحد المتلازمين إلى الملازم الآخر. ومن الواضح انه لا فرق في ذلك بين القول بأصالة الوجود في تلك المسألة وأصالة الماهية فيها.

فالنتيجة ان المفروض في المسألة بما ان المطابق في مورد الاجتماع واحد ، سواء أكان ذلك المطابق مطابقاً للماهية بالذات وللوجود بالعرض ، بناء على أصالة الماهية أم كان بالعكس ، بناء على أصالة الوجود ، فلا يعقل فيه اجتماع الأمر والنهي وهذا واضح.

ومن هنا يظهر فساد ما ذكر في الفصول أيضاً من ابتناء القول بالجواز والامتناع على تعدد وجود الجنس والفصل وعدمه ، بدعوى ان مورد الأمر إذا كان الماهية الجنسية ، ومورد النهي الماهية الفصلية ، فان كانت الماهيتان متحدتين في الخارج وموجودتين بوجود واحد ، فلا مناص من القول بالامتناع ، وان كانا متعددتين فيه بحسب الوجود فلا مناص من القول بالجواز.

وجه الظهور ما عرفت آنفاً من ان ماهية الصلاة وماهية الغصب ليستا من الماهيات الحقيقية المقولية ، لتكون إحداهما جنساً والأخرى فصلا ، بل هما من المفاهيم الانتزاعية التي لا مطابق لها في الخارج أصلا ليقال انهما موجودتان فيه بوجود واحد أو بوجودين.

ولو تنزلنا عن ذلك وسلمنا ان ماهية الصلاة وماهية الغصب من الماهيات الحقيقية المقولية ، الا ان من الواضح جدا ان ماهية الصلاة ليست جنساً وماهية الغصب ليست فصلا مقوما لها ، ضرورة ان الماهية الفصلية لا تنفك عن الماهية الجنسية ، فان نسبتها إليها نسبة الصورة إلى المادة. ومن المعلوم استحالة انفكاك الصورة عن المادة ، مع ان الغصب ينفك عن الصلاة بكثير ، بحيث ان نسبة مادة

٢٤٥

اجتماعهما إلى مادة افتراقهما نسبة الواحد إلى الألوف. وعليه فكيف يكون الغصب فصلا والصلاة جنساً له ، كما ان توهم كون الحركة في مورد الاجتماع بما هي حركة جنساً والصلاتية والغصبية فصلان لها واضح الفساد وذلك لاستحالة ان يكون لشيء واحد فصلان مقومان ، فان فعلية الشيء انما هي بفصله وصورته.

ومن الواضح انه لا يعقل ان يكون لشيء واحد صورتان. على انك عرفت ان مفهوم الصلاة والغصب من المفاهيم الانتزاعية. ومن الطبيعي ان المفهوم الانتزاعي لا يصلح ان يكون فصلا ، كيف فان فعلية الشيء ووجوده انما هي بفصله ، والمفروض ان الأمر الانتزاعي لا وجود له في الخارج ، ومعه لا يعقل كونه فصلا.

فالنتيجة هي انه لا أصل لابتناء القول بالجواز والامتناع في هذه المسألة على كون التركيب بين الجنس والفصل هل هو اتحادي أو انضمامي؟ ضرورة انه لا صلة لإحدى المسألتين بالأخرى أبدا. على انه لا إشكال في كون التركيب بينهما اتحاديا.

نعم قد يقال ان الأمر لو تعلق بالجنس في مقام والنهي تعلق بالفصل يبتني القول بالجواز والامتناع على كون التركيب بينهما اتحاديا أو انضمامياً ، فعلى الأول لا مناص من القول بالامتناع ، لاستحالة اجتماع الوجوب والحرمة في شيء واحد ، وعلى الثاني فلا مانع من القول بالجواز ، لفرض ان متعلق الأمر عندئذ غير متعلق النهي وان كانا متلازمين في مورد الاجتماع بحسب الوجود الخارجي ويحتمل ان يكون غرض المحقق صاحب الفصول (قده) أيضاً ذلك ، لا ان غرضه هو ان الأمر في خصوص الصلاة والغصب كذلك ، وكيف كان فهذا أيضاً غير تام ، وذلك لأن المسألة على هذا الشكل تدخل في كبرى مسألة المطلق والمقيد ، فيجري عليهما أحكامها من حمل المطلق على المقيد ، هذا مضافا إلى ان الجنس

٢٤٦

والفصل متحدان في الخارج وموجودان بوجود واحد ، فلا يعقل ان يكونا موجودين بوجودين فيه.

وبعد ذلك نقول ان النتيجة على ضوء هذه هي انه لا مناص من القول بالامتناع ، لفرض ان الأحكام متضادة فلا يمكن اجتماع اثنين منها في شيء واحد بمقتضى المقدمة الأولى ولفرض ان المجمع في مورد الاجتماع واحد وجودا وماهية بمقتضي المقدمة الثانية والثالثة والرابعة.

ثم ذكر انه قد يتوهم ان محذور اجتماع الضدين في شيء واحد يرتفع على القول بتعلق الأحكام بالطبائع دون الافراد ، ببيان ان الطبائع من حيث هي هي التي ليست الا ذاتها وذاتياتها وان كانت غير قابلة لأن تتعلق بها الأحكام الشرعية الا انها مقيدة بالوجود الخارجي ـ على نحو كان القيد وهو الوجود خارجا والتقيد به داخلا ـ قابلة لأن تتعلق بها الأحكام ، وعلى هذا فلا يكون متعلقا الأمر والنهي متحدين أصلا ، لا في مقام تعلق الأمر والنهي ، ولا في مقام عصيان النهي وإطاعة الأمر بإتيان المجمع بسوء الاختيار.

اما في المقام الأول فلتعدد متعلقهما بما هما متعلقان وان كانا متحدين في الوجود ، الا انك عرفت ان الوجود قيد خارج عن المتعلق ، والتقيد به داخل واما في المقام الثاني فلسقوط أحدهما بالإطاعة والآخر بالعصيان ، اذن فلا اجتماع بين الحكمين في واحد.

ولكن هذا التوهم خاطئ وذلك لما سبق من ان مورد الحكم انما هو فعل المكلف بواقعه وحقيقته الصادرة منه ، لا بعنوانه العارض عليه. وقد عرفت ان الفعل في مورد الاجتماع واحد وجودا وماهية ، وان تعدد العنوان لا يوجب تعدده ، والمفروض ان الصلاة والغصب ليستا من الماهيات الحقيقية المقولية ، لتكونا متعلقتين للأمر والنهي ، بل هما من المفاهيم الانتزاعية التي

٢٤٧

لا مطابق لها في الخارج ، وانما تؤخذ في متعلقات الأحكام بما هي حاكميات وإشارات إلى ما هو المتعلق في الواقع ، لا بما هي على حيالها واستقلالها. هذا تمام ما أفاده (قده) في وجه القول بالامتناع ، ولعله أحسن ما قيل في المقام.

ولنأخذ بالنقد على بعض تلك المقدمات وبذلك تبطل النتيجة التي أخذها (قده) من هذه المقدمات ، وهي القول بالامتناع مطلقاً. بيان ذلك :

اما المقدمة الأولى فقد ذكرنا غير مرة ان حديث تضاد الأحكام بعضها مع بعضها الآخر في نفسها وان كان امرا معروفا بين الأصحاب قديماً وحديثاً ، إلا انه مما لا أصل له ، وذلك لما حققناه من ان الأحكام الشرعية أمور اعتبارية فلا واقع لها ما عدا اعتبار من بيده الاعتبار. ومن الواضح جدا انه لا مضادة بين نفس اعتباري الوجوب والحرمة ذاتاً ، بداهة انه لا تنافي بين نفس اعتبار المولى الفعل على ذمة المكلف وبين اعتباره محرومية المكلف عنه بالذات ، مع قطع النّظر عن مبدئهما ومنتهاهما ، فان الاعتبار خفيف المئونة ، فلا مانع من اعتبار وجوب شيء وحرمته معاً.

والوجه في ذلك هو ان المضادة انما تكون طارئة على الموجودات التكوينية الخارجية كالبياض والسواد والحركة والسكون وما شاكل ذلك ومن صفاتها. واما الأمور الاعتبارية فالمفروض انه لا واقع لها ما عدا اعتبار المعتبر ، ليكون بعضها مضاداً مع بعضها الآخر.

نعم المضادة بين الأحكام من ناحيتين :

الأولى ـ من جهة المبدأ أعني اشتمال الفعل على المحبوبية والمبغوضية.

الثانية ـ من جهة المنتهى أعني مرحلة الامتثال والإطاعة.

اما من ناحية المبدأ فلان الوجوب والحرمة بناء على وجهة نظر مذهب

٢٤٨

العدلية كاشفان عن المحبوبية والمبغوضية في متعلقه. وعليه فلا يمكن اجتماع الوجوب والحرمة في شيء واحد ، وذلك لاستحالة ان يكون شيء واحد محبوبا ومبغوضاً معاً ، فمن هذه الناحية لا يمكن اجتماعهما في شيء واحد وفي زمان فارد لا بالذات والحقيقة.

فالنتيجة ان المضادة بين الوجوب والحرمة انما هي بالعرض والمجاز ، فانها في الحقيقة بين المحبوبية والمبغوضية والمصلحة الملزمة والمفسدة كذلك ، كما هو واضح.

واما من ناحية المنتهى فلأن اجتماعهما في شيء واحد يستلزم التكليف بالمحال وبغير المقدور ، لفرض ان المكلف في هذا الحال غير قادر على امتثال كليهما معاً.

واما ما ذكره (قده) من ان المضادة بين الأحكام الشرعية انما هي في مرتبة فعليتها وبلوغها حد البعث والزجر مبنى على نقطة واحدة ، وهي ان تكون الأحكام من قبيل الاعراض الخارجية ، فكما ان المضادة بين الاعراض انما كانت في مرتبة فعليتها ووجودها في الخارج ، لوضوح انه لا مضادة بين السواد والبياض قبل فعليتهما ووجودهما فيه .. وهكذا ، فكذلك المضادة بين الأحكام الشرعية انما تكون في مرتبة فعليتها ووجوداتها في الخارج فلا مضادة بين الوجوب والحرمة قبل وجودهما فيه وبلوغهما حد البعث والزجر.

ولكن تلك النقطة خاطئة جداً ، وذلك لأن الأحكام الشرعية ليست من سنخ الاعراض الخارجية ، لتكون المضادة بينها في مرتبة فعليتها ووجوداتها في الخارج ، لما ذكرناه من ان المضادة صفة عارضة على الموجودات الخارجية ، فلا مضادة بينها قبل وجوداتها ، بل هي من الأمور الاعتبارية التي ليس لها واقع موضوعي. وقد تقدم انه لا مضادة بينها بالذات والحقيقة والمضادة بينها اما من ناحية المبدأ أو من ناحية المنتهى. اما من ناحية المبدأ فالمضادة بينها انما هي في مرتبة جعلها ، فلا يمكن جعل الوجوب والحرمة على شيء واحد. ومن الواضح

٢٤٩

ان المضادة في هذه المرتبة لا تتوقف على فعليتهما وبلوغهما حد البعث والزجر ضرورة ان المضادة بين نفس الجعلين ، فلا يمكن تحقق كليهما معاً. واما من ناحية المنتهى فالمضادة بينها وان كانت في مرتبة فعليتها ، الا انها بالعرض والمجاز فانها ناشئة عن عدم قدرة المكلف على الجمع بينها في مقام الامتثال وإلا فلا مضادة بينها أصلا.

وعلى الجملة فجعل الوجوب والحرمة لشيء واحد وجودا وماهية مستحيل على جميع المذاهب والآراء ، بداهة ان استحالة اجتماع الضدين في شيء واحد لا تختص بوجهة نظر دون آخر ، ولا تتوقف استحالة ذلك على فعليتهما أبدا وهذا ظاهر.

فما أفاده (قده) من ان التضاد بين الأحكام انما هو في مرتبة فعليتها دون مرتبة الإنشاء لا يرجع إلى معنى محصل أصلا كما لا يخفى.

واما المقدمة الثانية فالامر كما أفاده (قده) من ان الأحكام لا تتعلق بالعناوين الانتزاعية التي لا مطابق لها في الخارج بحيالها واستقلالها. نعم تؤخذ تلك العناوين في متعلقات الأحكام لا بما هي هي ، بل بما هي معرفة ومشيرة إلى ما هو المتعلق في الواقع ، كما انها لا تتعلق بالأسماء والألفاظ كذلك ، وانما تتعلق بطبيعي الأفعال الصادرة عن المكلفين في الخارج.

واما المقدمة الرابعة فالامر أيضاً كما أفاده (قده) والوجه فيه ما تقدم من استحالة ان يكون لشيء واحد ماهيتان في عرض واحد أو حد ان كذلك. نعم يمكن ان يكون له ماهيات طولا باعتبار أجناسه العالية والمتوسطة والقريبة ولكن لا يمكن ان يكون له ماهيتان نوعيتان عرضاً ، فان لازم ذلك هو ان يكون شيء واحد متفصلا بفصلين يكون كل منهما مقوما له ، ومن الواضح استحالة ذلك كاستحالة دخول شيء تحت مقولتين من المقولات العشرة ، ضرورة ان

٢٥٠

المقولات أجناس عاليات ومتباينات بالذات والحقيقة ، فيستحيل اندراج مقولتين منها تحت مقولة واحدة ، كما انه يستحيل ان يكون شيء واحد مندرجا تحت مقولتين منها. فالنتيجة قد أصبحت لحد الآن انه كما يستحيل صدق المقولتين على شيء واحد كذلك يستحيل تفصل شيء واحد بفصلين ولو كانا من مقولة واحدة.

واما المقدمة الثالثة (وهي ان تعدد العنوان لا يوجب تعدد المعنون) فغير تامة ، وذلك لأن هذه الكبرى لا تصدق إلا على نحو الموجبة الجزئية ، ومعها لا تنتج النتيجة المزبورة وهي القول بالامتناع ، لفرض انه (قده) لم يبرهن ان المعنون واحد في جميع موارد الاجتماع ، وغاية ما برهن ان تعدد العنوان لا يقتضي تعدد المعنون. ومن المعلوم ان عدم الاقتضاء أعم من ان يكون واحدا أو متعدداً ، فاذن لا بد من ملاحظة المجمع في مورد الاجتماع في نفسه ، ومجرد تعدد العنوان ، كما لا يكشف عن تعدد المعنون فيه ، كذلك لا يكشف عن وحدته ، فلا أثر له بالإضافة إلى تعدده ووحدته أصلا. ومن هنا استشكل شيخنا الأستاذ (قده) بأنها لا تتم على إطلاقها ، وذلك لأن العنوانين المنطبقين على شيء في الخارج ان كانا من العناوين الانتزاعية والمفاهيم الاعتبارية التي تنتزع من الجهات التعليلية ولا واقع موضوعي لها ، فمن الواضح ان تعددها لا يوجب تعدد المعنون أبدا. ومن هنا قال (قده) انا قد ذكرنا في بحث المشتق ان صدق كل عنوان اشتقاقي على ذات معلول لقيام المبدأ بها بنحو من أنحاء القيام.

وعلى هذا الضوء فلا محالة تكون جهة الصدق والانطباق في صدق العناوين الاشتقاقية على ذات واحدة وانطباق تلك العناوين عليها تعليلية لا تقييدية إذ المفروض ان المعنون واحد ولا تعدد فيه أصلا لا وجودا ولا ماهية ، والتعدد انما هو في الاعراض القائمة بذلك الموجود الواحد التي توجب انتزاع تلك العناوين في الخارج فصدق كل عنوان معلول لعرض قائم به ـ مثلا ـ صدق عنوان العالم عليه معلول

٢٥١

لقيام العلم به ، وصدق عنوان العادل عليه معلول لقيام العدل به ، وصدق عنوان الشجاع معلول لقيام الشجاعة .. وهكذا. وعليه فيكون صدق كل من هذه العناوين على هذا الشخص الواحد معلولا لعلة غير ما هو علة لصدق الآخر ، كما هو واضح.

فالنتيجة هي ان الجهات في صدق العناوين الاشتقاقية بما انها جهات تعليلية فتعددها لا يوجب تعدد المعنون الخارج. ومن هنا يكون التركيب بين العنوانين الاشتقاقيين كالأبيض والحلو والمصلى والعاصب وما شاكلهما في مورد الاجتماع اتحاديا ، لفرض ان المعنون واحد وجودا وماهية ، والتعدد انما يكون في العرضين القائمين به.

واما إذا كانا العنوانان من العناوين الذاتيّة كالعلم والشجاعة والقدرة وما شابه ذلك ، فمن الطبيعي ان تعددها يوجب تعدد المعنون في الخارج ، ضرورة ان الجهات فيها تقييدية ، فلا يعقل اتحاد العنوانين منها خارجا ، ولا يمكن ان يكون التركيب بينهما اتحاديا ، بداهة ان التركيب الاتحادي انما يعقل بين جزءين يكون أحدهما قوة محضة والآخر فعلية كذلك كالمادة والصورة ، واما بين الاتحاد امرين فعليين فلا يعقل ، لوضوح ان كل فعلية تأبى عن فعلية أخرى.

وعلى هذا الضوء فلا محالة تكون جهة الصدق في صدق كل من تلك المبادي جهة تقييدية. ومن الواضح ان الجهة التقييدية توجب تعدد المعنون خارجا ـ مثلا ـ ما ينطبق عليه عنوان العلم غير ما ينطبق عليه عنوان العدل في الخارج ، لاستحالة اتحادهما فيه ، غاية الأمر انهما يكونان متلازمين في الوجود في مورد الاجتماع.

والوجه في ذلك هو ان المبدأ المأخوذ بشرط لا بما انه ماهية واحدة وحقيقة فاردة فلا محالة يكون محفوظا بتمام ماهيته أينما سرى وتحقق ، ضرورة ان الصلاة

٢٥٢

الموجودة في الدار المغصوبة متحدة في الماهية والحقيقة مع الصلاة الموجودة في غيرها ، وكذا البياض الموجود في الثلج مثلا في المكان المغصوب متحد في الماهية والحقيقة مع البياض الموجود في العاج أو نحوه ، وكذا الحال في بقية المبادي منها الغصب ، فانه ماهية واحدة أينما سرى وتحقق أي سواء أتحقق في ضمن الصلاة أم في ضمن فعل آخر.

وعلى هذا الأصل فلا محالة يكون التركيب بينهما أي بين الصلاة والغصب مثلا في مورد الاجتماع انضمامياً ، نظير التركيب بين الهيولى والصورة ، ويستحيل اتحادهما في الخارج ، ليكون التركيب بينهما اتحاديا ، لما عرفت من استحالة التركيب الحقيقي بين امرين فعليين.

وبكلمة أخرى ان الصلاة من مقولة والغصب من مقولة أخرى وهي مقولة الأين. ومن المعلوم ان المقولات أجناس عاليات ومتباينات بتمام الذات والحقيقة فيستحيل اندراج مقولتين منها تحت مقولة ، فإذا كانت الصلاة من مقولة والغصب من مقولة أخرى يستحيل اتحادهما في الوجود الخارجي واندراجهما تحت مقولة ثالثة.

وقد يتخيل في المقام انهما يصدقان على حركة واحدة شخصية ، وتلك الحركة الواحدة مصداق للصلاة والغصب معاً. وعلى هذا فيكون التركيب بينهما في مورد الاجتماع اتحاديا.

ولكن هذا الخيال خاطئ جداً ، والوجه فيه هو ان ذلك يستلزم تفصل الجنس الواحد أعني الحركة بفصلين في عرض واحد وهو محال ، ضرورة انه لا يمكن كون الحركة فيها جنساً لهما وما به اشتراكهما ، وإلا لزم ذلك المحذور. أضف إلى ذلك ان الاعراض بسائط خارجية ، فما به الاشتراك في كل مقولة منها عين ما به الامتياز في تلك المقولة. هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى ان

٢٥٣

الحركة ليست مقولة برأسها في قبال تلك المقولات ، بداهة ان نسبة الحركة إلى المقولات التي تقبل الحركة نسبة الهيولى إلى الصور ، فكما ان الهيولى لا توجد في الخارج إلا في ضمن صورة ، فكذلك لا توجد الحركة إلا في ضمن مقولة. ومن الواضح جدا ان الحركة في اية مقولة تحققت فهي عين تلك المقولة ، وليست امرا زائداً عليها ، سواء أكانت في مقولة الجوهر على القول بالحركة الجوهرية أم كانت في مقولة الكم أو الكيف أو نحو ذلك ، ضرورة ان الحركة في مقولة الجوهر ليست شيئاً زائدا عليها ، بل هي عينها وحقيقتها ، وكذا الحركة في الكم والكيف والأين والوضع ، فانها لا تزيد على وجودها ، بل هي عينها خارجا.

وعلى هذا الضوء فالحركة الموجودة في ضمن الصلاة لا محالة تكون مباينة للحركة الموجودة في ضمن الغصب ، لفرض ان الصلاة من مقولة والغصب من مقولة أخرى. وعليه ففرض كون الحركة الواحدة مصداقا لهما معا يستلزم اتحاد المقولتين المتباينتين في الوجود ، وهو محال. فاذن لا وجه لدعوى ان الحركة الموجودة في الدار المغصوبة كما هي محققة لعنوان الغصب ، كذلك هي معروضة للصلاة فيها ، فلا تستلزم وحدة الحركة فيها اتحاد المقولتين واندراجهما تحت مقولة ثالثة ، وذلك لما عرفت آنفاً من ان الحركة ليست مقولة برأسها ، بل هي توجد في ضمن المقولات وتكون عينها خارجا. وعليه فوحدتها في مورد الاجتماع وكونها كذلك مصداقا لهما لا محالة تستلزم اتحاد المقولتين ، كما هو واضح.

وبكلمة أخرى ان جهة الصدق في العناوين الاشتقاقية بما انها جهة تعليلية فلا يوجب تعددها تعدد المعنون في الخارج ، وجهة الصدق في المبادي بما انها جهة تقييدية ، فلا محالة تعددها يوجب تعدد المعنون فيه. بيان ذلك :

اما في الأولى فلان معروض المبادي وموضوعها في الخارج يختلف وجودا وماهية باختلاف الموارد ، فكما ان وحدة العرض نوعا لا تقتضي وحدة معروضه

٢٥٤

كذلك ، فالبياض يعرض للثلج والعاج وغيرهما ، كذلك تعدد العرض لا يقتضي تعدد معروضه ، فيمكن قيام أعراض متعددة بمعروض شخصي واحد ـ مثلا ـ الذات التي يقوم بها المبدأ في مورد اجتماع الحلاوة والبياض كالسكر ذات ، وفي مورد الافتراق من ناحية الحلاوة ذات أخرى كالدبس المغايرة للأولى ، وفي مورد الافتراق من ناحية البياض ذات ثالثة كالعاج .. وهكذا.

وعلى الجملة فالمعروض لا يتعدد بتعدد المبادي القائمة به ، ولذا يكون واحدا في مورد اجتماع الحلاوة والبياض ، ولا يتعدد بتعددهما.

وعلى هذا الضوء فالمجمع للعنوانين الاشتقاقيين بينهما عموم من وجه لا محالة يكون واحدا كالمجمع لعنواني الحلو والأبيض والمصلى والغاصب والمتحرك والساكن والعالم والعادل وما شاكل ذلك لفرض ان المعنون في مورد الاجتماع واحد والتعدد انما هو في العرض القائم به. وقد عرفت ان تعدد العرض لا يوجب تعدد المعروض.

واما في الثانية فلوضوح ان كل مبدأ من مبادئ الاشتقاق مباين لمبدإ آخر منها وجودا وماهية. هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى انه من الطبيعي ان ذلك المبدأ بتمام ذاته وذاتياته محفوظ في جميع موارد تحققه وسريانه ، ضرورة ان الحلاوة الموجودة في محل الاجتماع متحدة في الماهية مع الحلاوة الموجودة في محل الافتراق ، بداهة ان جهة صدق طبيعي الحلاوة على حصة منه الموجودة في محل الافتراق ليست مغايرة لجهة صدقه على حصة منه الموجودة في محل الاجتماع ، بل هي واحدة وهي ان هذه الحصة كتلك عين الطبيعي في الخارج ، لفرض ان وجوده فيه عين وجود افراده وحصصه ، وصدقه على جميع افراده بملاك واحد وبجهة فاردة من دون فرق في ذلك بين فرد منه الموجود في محل الافتراق والفرد منه الموجود في محل الاجتماع ، وهذا واضح. وكذا الصلاة الموجودة في المكان المغصوب متحدة في الماهية مع الصلاة الموجودة في المكان المباح والغصب الموجود

٢٥٥

في ضمن الصلاة متحد في الماهية مع الغصب الموجود في ضمن فعل آخر .. وهكذا لوضوح ان الحقيقة الواحدة لا تختلف في الصدق باختلاف وجوداتها ومواردها كما هو ظاهر.

وعلى هذا يترتب ان التركيب بين الصلاة والغصب أو البياض والحلاوة في مورد اجتماعهما انضمامي ، نظير التركيب بين الهيولى والصورة ، لفرض ان الصلاة الموجودة في محل الاجتماع بعينها هي الصلاة الموجودة في محل الافتراق ، وكذا الحال في الغصب. وعليه فلا يعقل ان تتحد الصلاة مع الغصب ، وإلا لزم ان لا تكون الصلاة الموجودة في محل الاجتماع فردا لطبيعة الصلاة ، وكذا الغصب الموجود فيه ليس فردا لطبيعته وهذا خلف.

نعم يفترق التركيب الانضمامي بين العرضين عن التركيب الانضمامي بين الهيولى والصورة من ناحية ان نسبة الهيولى إلى الصورة نسبة القوة إلى الفعل فان الهيولى قوة محضة والصورة فعلية محضة ، وهذا بخلاف نسبة العرض إلى معروضه ، فانها نسبة الشخص إلى المتشخص ، لا نسبة القوة إلى الفعل ، لفرض ان كل من العرض ومعروضه فعلى في الخارج وموجود فيه ، غاية الأمر انه يتشخص بتشخص معروضه ـ مثلا ـ الصلاة كما تتشخص بوقوعها في غير الدار المغصوبة كذلك تتشخص بوقوعها فيها ، وكذا الغصب كما يتشخص في ضمن غير الصلاة قد يتشخص في ضمنها.

فالنتيجة قد أصبحت من جميع ما ذكرناه ان التركيب بين عنوانين اشتقاقيين تكون النسبة بينهما عموماً من وجه في مورد الاجتماع تركيب اتحادي بمعنى ان معروضهما في الخارج واحد وجودا وماهية ، وان كان منشأ انتزاعهما متعددا فيه باعتبار انه لا يمكن انتزاع مفهومين متباينين من شيء واحد. واما التركيب بين المبدأين تكون النسبة بينهما عموماً من وجه في مورد الاجتماع تركيب انضمامي

٢٥٦

لا محالة ، بداهة استحالة انتزاع مفهومين تكون النسبة بينهما عموماً من وجه من موجود واحد بجهة واحدة ، وإلا لكانا متساويين ، فان ملاك التساوي هو ان يكون صدق كل منهما على افراده متحدا مع صدق الآخر على افراده في ملاك الصدق وجهته ، وهذا بخلاف المفهومين تكون النسبة بينهما عموما من وجه ، فان جهة الصدق في كل منهما مغاير لجهة الصدق في الآخر.

وعلى الجملة فالمفهومان لا يخلو ان من ان تكون جهة الصدق في كل منهما على جميع افراده واحدة ، أو ان تكون متعددة ، وعلى الفرض الثاني فاما ان كل ما يصدق عليه أحدهما مندرج في الآخر ومن مصاديقه وافراده ، واما ان لا يكون كذلك ، وعلى الأول لا محالة تكون النسبة بينهما التساوي ، لفرض انه يستحيل صدق أحدهما على شيء بدون صدق الآخر عليه ، وعلى الثاني تكون النسبة بينهما العموم والخصوص المطلق ، لفرض عدم مادة الافتراق من جانب أحدهما.

وعلى الثالث العموم والخصوص من وجه ، لفرض وجود مادة الافتراق من كلا الجانبين معاً.

ومن هنا يظهر انه لا تعقل النسبة بالعموم من وجه بين جوهرين ، بداهة استحالة اتحادهما في الخارج واندراجهما تحت حقيقة واحدة ، وهذا واضح.

ومن ضوء هذا البيان قد اتضح ان القول بالجواز في المسألة يرتكز على ان تكون الجهتان تقييديتين في مورد الاجتماع ، والمفروض انهما كذلك. وعليه فلا محالة يكون مصداق المأمور به غير المنهي عنه ، غاية الأمر انهما متلازمان وجودا في الخارج. وقد مر في غير مورد ان الصحيح هو عدم سراية الحكم من أحد المتلازمين إلى الملازم الآخر خصوصاً إذا كان التلازم بينهما اتفاقياً ، كما في المقام كما ان القول بالامتناع فيها يرتكز على ان تكون الجهتان تعليليتين فانه على هذا لا محالة يكون المجمع واحداً وجوداً وماهية ، ومعه يستحيل ان يكون مصداقا للمأمور به

٢٥٧

والمنهي عنه معاً.

ولأجل ذلك أشكل (قده) على المحقق صاحب الكفاية بأن القول بالامتناع في المسألة يبتني على ان تكون الجهتان في مورد الاجتماع تعليليتين بأن يكون صدق كل منهما معلولا لجهة خاصة قائمة بالمجمع ، ليكون التركيب بينهما اتحاديا لا انضمامياً ، ولكن عرفت ان الجهتين في محل الكلام تقييديتان. وعلى هذا فلا مناص من القول بالجواز.

ثم ان المراد من التقييد في المقام غير التقييد في باب المطلق والمقيد حيث ان التقييد هناك بمعنى تضييق دائرة المطلق وعدم سريان الحكم المتعلق به إلى جميع افراده ، واما التقييد في المقام بمعنى التوسعة في متعلق الحكم واندراجه تحت ماهيتين ، ضرورة ان معنى كون الجهة في مورد الاجتماع تقييدية هو انها توجب تعدد المجمع فيه واندراجه تحت الماهيتين. فنتيجة التقييد في كل من المقامين على عكس نتيجة التقييد في المقام الآخر ، وكيف كان فالجهتان بما انهما في مورد الكلام تقييديتان ، فلا بد من الالتزام بجواز الاجتماع بناء على ما هو الصحيح من عدم سراية الحكم من الملزوم إلى اللازم. ثم قال (قده) والعجب منه انه لم يتعرض لهذه الجهة في كلامه في المقام أصلا لا نفياً ولا إثباتاً.

ونتيجة ما أفاده (قده) لحد الآن هي انه لا بد من القول بالجواز في المسألة فان لازم كون جهة الصدق في صدق كل من المأمور به والمنهي عنه في مورد الاجتماع تقييدية هو تعدد المجمع وجودا وماهية ، ومعه لا مانع من اجتماع الأمر والنهي ، ولا يلزم منه اجتماع الضدين أصلا. وقد برهن على كون الجهة فيهما تقييدية بأن ماهية واحدة لا تختلف باختلاف وجوداتها وافرادها في الخارج ، فان صدقها على جميعها بملاك واحد ، من دون فرق بين الفرد الموجود في مورد الاجتماع والفرد الموجود في مورد الافتراق ، كما عرفت.

٢٥٨

عدة نقاط فيما أفاده (قده) :

الأولى ـ ان جهة الصدق في صدق العناوين الاشتقاقية جهة تعليلية ، ولأجل ذلك لا مانع من انطباق عنوانين منها على معنون واحد وجودا وماهية فلا يقتضي تعددها تعدده أصلا. نعم تعددها مقتض لتعدد الاعراض القائمة به ، لفرض ان كلا من هذه العناوين منتزع من قيام عرض من تلك الاعراض به.

الثانية ـ ان جهة الصدق في صدق المبادي جهة تقييدية ضرورة استحالة صدق مبدأ على مبدأ آخر واتحادهما في الخارج. وعليه فلا محالة يكون التركيب بينهما في مورد الاجتماع انضمامياً ، لفرض ان تعددهما يقتضي تعدد المجمع في الخارج ، ومعه لا يمكن فرض اتحادهما فيه أبدا.

الثالثة ـ ان محل الكلام في هذه المسألة في الجواز والامتناع انما هو فيما إذا كان متعلق الأمر والنهي من المبادي وكانت النسبة بينهما عموماً من وجه لا من المفاهيم الاشتقاقية ، لفرض ان المجمع لعنوانين منها في مورد الاجتماع واحد من ناحية ان جهة الصدق فيهما تعليلية ، وإذا كان المجمع واحدا وجوداً وماهية فلا يمكن القول بالجواز فيه حتى من القائل به ، فانه انما يقول به بدعوى ان المجمع متعدد وجودا وماهية لا مطلقاً ، كما هو واضح.

الرابعة ـ ان محل النزاع في مبادئ المشتقات انما يكون فيما إذا كانت تلك المبادي من سنخ الأفعال الاختيارية ، لا فيما إذا كانت من سنخ الصفات الجسمانية أو النفسانيّة ، لفرض ان محل الكلام في اجتماع متعلقي الأمر والنهي في مورد واحد. ومن المعلوم انهما لا يمكن ان يتعلقا إلا بالافعال الاختيارية.

الخامسة ـ ان ماهيات المبادي المأخوذة بشرط لا لا تختلف باختلاف الموارد ففي مورد الاجتماع والافتراق ماهية واحدة ، كما عرفت. وهذا بخلاف ماهية معروضها ، فانها تختلف في الخارج بمعنى ان وحدة ماهية العرض نوعا

٢٥٩

لا تستلزم وحدة ماهية المعروض كذلك ، كما ان تعددها لا يستلزم تعددها.

ومن هنا يكون التركيب بين العرضين في مورد الاجتماع انضمامياً. نظير التركيب بين الهيولى والصورة ، وان كان التركيب بين العنوانين الاشتقاقيين اتحاديا.

السادسة ـ ان ملاك التساوي بين المفهومين هو ان صدق كل منهما على افراده بمناط واحد وجهة فاردة وملاك العموم من وجه بينهما هو ان صدق كل منهما على افراده بمناطين وجهتين لا معاندة بينهما ، وإلا فهما ملاك التباين ، كما لا يخفى ، وملاك العموم المطلق هو ان كل ما يصدق عليه أحدهما يكون داخلا تحت المفهوم الآخر. ومن ذلك يتبين انه لا يمكن ان تكون النسبة بين جوهرين عموماً من وجه ، لتباينهما في الخارج وعدم إمكان صدق أحدهما على ما يصدق عليه الآخر.

السابعة ـ ان الجهة التقييدية في المقام على عكس الجهة التقييدية في باب المطلق والمقيد ، حيث انها في المقام توجب توسعة المجمع ودخوله تحت الماهيتين وهناك توجب تضييق المطلق واختصاص الحكم بحصة خاصة منه دون أخرى كما هو واضح.

الثامنة ـ انه لا يمكن ان يكون التركيب بين الصلاة والغصب اتحاديا ضرورة ان الصلاة من مقولة والغصب من مقولة أخرى. وهي مقولة الأين. ومن المعلوم ان المقولات متباينات بالذات ، فلا يمكن اتحاد اثنتين منها في الوجود ، وعلى هذا فيستحيل صدق كليهما على حركة واحدة في مورد الاجتماع ، وإلا لزم تفصل شيء واحد بفصلين في عرض واحد وهو محال ، مضافا إلى ما ذكرناه من ان الحركة في كل مقولة من المقولات عين تلك المقولة خارجا ، وليست جنساً لها ، لفرض ان الاعراض بسائط خارجية وان ما به الاشتراك فيها عين ما به الامتياز.

ولنأخذ بالمناقشة في بعض هذه النقاط :

اما النقطة الأولى فهي في غاية الصحة والمتانة ، وذلك ضرورة ان جهة

٢٦٠