التحفة الرضويّة في مجرّبات الإماميّة

محمّد الرضي الرضوي

التحفة الرضويّة في مجرّبات الإماميّة

المؤلف:

محمّد الرضي الرضوي


الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٦٨

٢ ـ حدّثني السيّد العلّامة الوالد قدس سره انه جرّب لذلك رَمي التربة الحسينيّة نحو السّماء ، قال : فتنقطع الأمطار في الحال.

٤٦ ـ آيات كريمة حملها مجرّب للحفظ من العَين الضارّة

وجدت في مجموعة لبعض اصحابنا انّ هذه الآيات حرز من العين مجرّبة تكتبها وتحملها : بسم الله الرحمن الرحيم ، (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (١) (فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ) (٢) (وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ) (٣).

٤٧ ـ دعاء مجرّب في دفع ضرر التطيّر (٤)

رواه بعض اعاظم العلماء الربّانيين وقال : انه مجرّب في دفع ضرره (وهو) اعتصمت بك يا رب من شر ما اجد في نفسي فاعصمني من ذلك (٥).

٤٨ ـ ممّا جرّب لجلب النوم

١ ـ تقرء قوله تعالى (قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن

__________________

(١) سورة البقرة الآية ١٦٤.

(٢) سورة الملك الآية ٣.

(٣) سورة القلم الآية ٥١.

(٤) : التّشأم.

(٥) انيس الأدباء.

٣٠١

تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا) (١) ثلاثاً ، ولا تتحرّك بعدها ، فان تحرّكت فأعد قرائتها حدثني به بعض الأفاضل وذكر انه جرّبها لذلك.

٢ ـ حدّثني العالم التقي الحاج محمد المسقطي رحمه الله انه جرّب لدفع الغم وجلب النوم الصلوة على النبي وآله صلى الله عليه وآله وسلم مأة مرّة فأكثر.

٤٩ ـ آية مأثورة قرائتها مُجرَّبة للاِنتباه من النوم

روى الكليني طاب ثراه في الكافي ، والصدوق قدس سره في من لا يحضره الفقيه باسنادهما الى الاِمام الصادق عليه السلام انه قال : ما من عبد يقرء آخر الكهف حين ينام الّا استيقظ في الساعة التي يريد.

الرضوي : آخر الكهف قوله تعالى (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) (٢) قال الشيخ المتبحّر محمّد بهاء الدين العاملي طاب ثراه (٣) بعد ذكره لهذا الحديث : قلت هذا من الأسرار العجيبة المجرّب الّتي لا شكّ فيها (٤).

وقال المحقّق الفيض الكاشاني رحمه الله : (٥) قال بعض مشايخنا رحمه الله : هذا من الأمور المجرّبة الّتي لا شكّ فيها ، واضاف : قلت : وهو كذلك (٦). وقال رحمه الله في (منهاج النجاة) : (٧) وهذا من المجرّبات الّتي لا شكّ فيها.

وقال العلّامة الشيخ محمد تقي الأصفهاني رحمه الله : وهذا من الأسرار العجيبة المجرّبة التي لا شكّ فيها (٨).

__________________

(١) سورة الكهف الآية ١١٠.

(٢) سورة الكهف ج ١٦.

(٣) تقدمت ترجمته ص ٣١.

(٤) مفتاح الفلاح.

(٥) تقدمت ترجمته ص ٦٥.

(٦)خلاصة الأذكار.

(٧) من نفايس الكتب جدير بالاِقتناء نلفت اليه الأنظار. الرضوي.

(٨) مفتاح السعادات.

٣٠٢

وقال العلّامة النوري نوّر الله قبره : (١) والخاصيّة المذكورة لتلك الآية من المجرّبات العجيبة لم ير التخلّف منها من احد ، وكفى بها وجهاً لأِعجاز الكتاب الكريم (٢).

وقال العلامة الحجّة والدي طاب ثراه : وقد جرّبتها مراراً. وحدّثني بعض اهل العلم قال : هي من المجرّبات عندي ، بل قد بلغت حدّ التواتر.

الرضوي : والأمر كذلك ، وفي استقصاء اسماء جميع من جرّبها لذلك اسهاب في الكلام ، وفيما ذكرته كفاية في الدلالة على عظيم اثرها وجليل خطرها.

٥٠ ـ مجرّبات في علاج العِشق (٣)

١ ـ يؤخذ من شعر رأس المعشوق ويحرق ويوضع في ظرف ويلقى عليه قليلاً من الماء ، ويقرء عليه سورة نوح ، ويسقى الصافي منه العاشق ينصرف عن معشوقه. حدثني به السيد الجليل علي اكبر التبريزي رحمه الله وقال : مجرّب كثيراً.

٢ ـ قال الشيرواني في (الصدف) : ومن الخواص المجرّبة غسل ما دار على العنق من ثوب المعشوق وشرب ماءه ، وشرب النيل الهندي (٤) الى اربع شعيرات ،

وربط قُراد الجمل (٥) على كمّ العاشق (٦) دون علمه.

__________________

(١) تقدمت ترجمته ص ٤٠.

(٢) دار السلام.

(٣) العشق هو الاِفراط في الحبّ ، عن المفضّل بن عمر قال : سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن العشق؟ قال : قلوب خلت عن ذكر الله فاذاقها الله حبّ غيره ، (سفينة بحار الانوار).

(٤) النيل الذي يصبغ به فهو هندي معرّب ، وهو نبات ازرق.

(٥) القُراد كغراب هو ما يتعلق بالبعير ونحوه وهو كالقمّل للانسان ، الواحدة قردة والجمع قِردان بالكسر كغربان.

(٦) الكُمّ : الردن من الثوب ، وهو مدخل اليد ومخرجها منه.

٣٠٣

٥١ ـ ممّاجرّب في فائِدة كفّ البصر عن النظر الى ما حرّم الله تعالى

روى هشام بن سالم عن عقبة قال : قال ابو عبد الله عليه السلام : النظرة سهم من سهام ابليس مسموم ، من تركها لله عزّ وجلّ لا لغيره اعقبه الله اِيماناً يجد طعمه (١) قال العلّامة المجلسي الأول قدس سره : (٢) وهو مجرب للمتّقين (٣).

٥٢ ـ ممّا جُرّب في ايجاب الطلاق

في جنّات الخلود : لا يدخل الرجل باِمرأته في الليلة السادسة والعشرين فانه يوجب التفرقة بينهما بالطلاق او غيره.

قال العلّامة الشيخ محمد حسين الأعلمي رحمه الله (٤) في (مقتبس الأثر) بعد نقل ذلك عنه : فجرّبت ذلك في صديق لي دخل على امرأته في الليلة المذكورة ففرّق بينهما بالطلاق في مدّة قليلة.

الرضوي : التجربة لا تتحقّق بالاِختبار مرّة واحدة ، والمجرّب هو الشيء المختَبر مرّة بعد اُخرى ، ولعله رحمه الله انّما قال جرّبتذلك في صديق. انه كان قد اختبر صحة الأمر قبله وفيه تحققت عنده تجربته.

٥٣ ـ ممّا جُرّب في عُقوق الوالدَين (٥)

قال العلّامة السيد مهدي القزويني رحمه الله (٦) في (خصائِص الشيعة) بعد ذكره

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه.

(٢) تقدمت ترجمته ص ٢٤.

(٣) روضة المتّقين.

(٤) مرّ ذكره ص ١٠٦.

(٥) عقَّ الولد أباه اذا آذاه وعصاه وترك الاحسان اليه وهو البِرّ به.

(٦) تقدمت ترجمته ص ١٠٨.

٣٠٤

لطائفة من احاديث العترة الطاهرة الواردة في برّ الوالدين : ولقد جرّبنا وشاهدنا بأعيننا حال من عقّ ولو واحداً من أبويه فوجدناه مبتلى بالذلّة بين الخلق ، غير معتنى بشأنه ، غير موفّق للطاعات الّتيوفّق لها من هو دونه في المعرفة ، وقد علته ذلّة الفقر وبتر الله نسله ، وقصّر عمره ، قال : وروى سلفنا الثقاة عمّن شاهدوه عاقاً هذه البليّات.

وقال العلّامة البرّ السيّد جعفر شبّر النجفي رحمه الله وبلّغه في الآخرة مناه بعد ان حذّر عن عقوق الوالدين واحدهما : فاِنّا قد جرّبنا ذلك ورأيناه بالوجدان انّ من وجَدَ عليه (١) ابوه أو امّه ، عاش بأنكد عيش واخسّه وكان مع ذلك ممقوتاً في المجتمع وعند الناس ، وان كان هو من اهل العلم والفضل ، فاحذر كلّ الحذر من العقوق ، فان العاق لا يشمّ رائِحة الجنّة ابداً (٢) ولا يسعد في الدنيا ولا يوفق لخير ابداً (٣).

الرضوي : وهذا من الأمور المشاهدة بالعيان ، والحمد لله على ما أنعم علينا برضى الوالدين عنّا ولا نزال وله الحمد متنعّمين ببركة دعائِهما ، اللهمّ اجزهما بالأِحسان اِحساناً ، وبالسيّئات عفواً وغفرانا ، ووفّقنا لأداء ما وجب لهما علينا من حقوق افترضتها علينا في حياتهما وبعدها ، بجاه محمد وآله الطاهرين عليه السلام.

٥٤ ـ من المجرّبات في تأثير التربية على الطفل صحيحة كانت ام فاسدة

اعلم ايها المؤمن انّ الله سبحانه وتعالى قد اودعك وديعة الزمك بحفظها ورعايتها رعاية بالغة ، ألا وهي ولدك وذريّتك فقال عزّ من قائل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ

__________________

(١) :غضب عليه.

(٢) بذلك وردت الأحاديث عن العترة الطاهرة (الرضوي).

(٣) الجوهر الثمين في معرفة اصول الدين.

٣٠٥

آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ) (١) فأِياك والتقصير في حفظ هذه الوديعة والتهاون في رعايتها ، فابذل جهدك في تربيتها والعناية بها والرعاية لها ، ما امكنك وما عليك بعد ذلك من عتاب ولا ملامة.

فاذا انحرف الولد عن تعاليم الاِسلام عقيدة واخلاقاً فسد وافسد ، وضلّ واضلّ ، واصبح وبالاً على المجتمع الاِنساني ، بل وحتى على الحيوانات أيضاً كما هو المشاهد بالعيان. فايّاك ايّها الأب والتسامح في تربية وُلدِك فانت المسؤولعنهم والمؤاخذ على التقصير في شأن تربيتهم ، فابذل كلّ جهدك في الحفاظ على دينهم واخلاقهم فاخترلابنك مدرسة دينيّة صالحة يذهب اليها ، واستاذاً مؤمناً صالحاً يدرّسه ، وكتباً اسلاميّة يطالعها ، ورفقة صلحاء يصحبهم ، ليصبح وهو احد ابناء الأمة ، وعضو من اعضاء المجتمع ، يسعد به الشعب ، وتأمن به البلاد ، وتطمح اليه النفوس ، ويرتفع به لواء الدين ، وتزدهر به الأيام ، وتتحدّث بمكارمه الأجيال.

امّا اذا ما أهملته فلم تختر له مدرسة اسّس بناؤها على التقوى ، ولا معلّماً صالحاً يلقّنه الدين ، ويشرح له محاسنه ، ولا كتباً اسلاميّة واخلاقيّة يدرسها ، ولا رفقة صلحاء يصحبهم ، فانه سيكون على العكس من ذلك فاسداً في المبدأ والعقيدة ، فاسداً في التربية والأخلاق ، بعيداً عن الدين وتعاليمه ، بل عدوّاً له ولرجاله وبغاته ، خليعاً ماجناً ، زنديقاً ، مستهتراً يتطاول على كرامة الناس ونواميسهم يستخفّ بالمقدّسات الاِسلاميّة ، والشعائِر الدينيّة ، والأحكام الشرعيّة ، وبالعلماء والمؤمنين ، يجتريء على الكذب وشهادة الزور ، بل وعلى

__________________

(١) سورة التحريم الآية ٦.

٣٠٦

قتل النفس المحترمة ، وانتهاك كافة المحرّمات ، يبول من قيام كالكلاب والدواب ، ويأكل من قيام كالحمير والأنعام ، ينام على اللهو والفجور ، يقامر ويشرب الخمور ، لا يعرف للطهارة والنجاسة معنى ، ولا للحلال والحرام مفهوماً ، كأثر ابناء هذاالجليل الفاسد ، والنشأة القذرة الحاضرة ، المتقهقرة الى الوراء يوماً فيوماً ، وهذا ممّا لا يختلف فيه اثنان من ذوي الشعور والوجدان ، والعيان اقوى شاهد على ذلك وبرهان ، فالله الله ايّها الآباء في ابنائِكم (يُوصيكم الله في أولادكم) (١) فلا تتهاونوا في تربيتهم ، فان الله سبحانه سائِلكم عنهم يوم الورود عليه. قال الشاعر :

صاحب اخا ثقة تحض بصحبته

فالطبع مكتسب من كل مصحوب

كالريح آخذة مما تمر به

نتنا من النتن او طيبا من الطيب

قال صاحب خصائص الشيعة رحمه الله : (٢) وهذه المسئلة من المجرّبات المعلومة لدى الخلق.

وللعلّامة المصلح الشيخ جعفر نقدي رحمه الله كلمة في الموضوع قيّمة نقتطفها من مقال له سجّلته مجلّة الهُدى العماريّة الغرّاء في العدد الثاني من سنتها الثانية ، وهذا نصّها :

انّ من الواجب على كلّ من يهمّه امر المدارس ان يسعى لنشر التربية الدينيّة فيها (٣) لتغذية عقول الطالبين الذين هم شباب اليوم ورجال غد ، ليجمعوا

__________________

(١) سورة النساء الآية ١٠.

(٢) هو العلّامة السيد مهدي القزويني طاب ثراه ، تقدمت ترجمته ص ١٠٨.

(٣) وممّا يؤسف له جدّاً انّ المدارس الرسميّة في عصرنا الحاضر (التي عادت فيه الجاهليّة الأولى) في كفاة الاقطار الاِسلاميّة خلت من التعاليم الدينيّة الصحيحة وليتها اكتفت بذلك بل اخذت تحارب

٣٠٧

بسببها بين نشأتيهما الدينيّة والعلميّة ويستضيء الوطن بأنوارهم ، وتهتدي الأمّة بهداهم ، فلقد دلّت التجارب وبرهنت الحوادث انّ للتربية الدينيّة المدخل التام في تأسيس دعائم نهضة الأمّة ، وتثبيت تقدّمها.

وللعلّامة الشيخ علي كاشف الغطاء ايضاً كلمة في ذات الموضوع ، نشرت تحت عنوان (مدارس اليوم) وطبعت في كراس في مطبعة القضاء في النجف عام ١٣٧٦ نقتطف منها ما يلي :

دلّت التجربة على انّ الشاب الذي يسلّمه اولياؤه اليها (المدارس الحكومية) وهو مطبوع بأدبه ودينه بقالب ملائِم لمحيطه ، ما يفتأ ان تمثّله المدرسة وهو مجرّد عن مزايا محيطه الأدبي والديني ، قد استفعل في نفسه شعور حار جاد ، رمى به الى خارج حظيرته ومعتقده ، وقد التهب بروح غربيّة خبيثة لا يكاد يكون لاِذكاء الشعور بها ادنى اثر في ثقافته العلميّة ، ولعلّها قد اماتت فيه امكانيّة النهوض الاقتصادي والنشاط الانتاجي بتبلبل فكري ، وصراع نفسي قد ابعده عن لطائِف الحياة ونشواتها الى اقصى حدّ.

هذا والمصيبة الكبرى ، والطامة العظمى انّ المدرسة قد شحنت دماغه الى حواشيه بمعلومات ومحفوظات لا مساس لها بمستقبله ، ولا ربط لها بامكانيّاته ، ولا علاقة لها بعاياته المنشودة.

كلّفته العناء الكثير في درسها ، والأتعاب المرهقة في حفظها وتحضيرها ، بينما قد اهملت المدرسة اِذكاء الروح الدينية فيه ، مع انّ العاطفة ذات مفعول قوي

__________________

الدين بشتّى الطرق والأساليبِ الساحرة بالكتب المزيفة وبالمعلِّمين الفسقة الفجرة ، وبالأساتذة الملاحدة الكفرة ، وما ان يكمّل الطالب دراسته المرسومة فيها على النهج الغربي نراه وقد خرج منها خارجاً لا من دينه فحسب ، بل منسلخاً من انسانيّته ، خائِنا لدينه ووطنه كما نشاهده عياناً من المتخرّجين منها الّا من عصمه الله منهم وقليل ما هم. الرضوي.

٣٠٨

في اصلاح الناشئة ، واقلاعهم عن الجريمة ...

فاذن على كافة المسلمين ان يتداركوا الأمر قبل أن يستفحل الخطب ، ويحرّروا هذه الناشئة ...

الرضوي : ومن المؤسف له انه قد استفحل الخطب ، ووعر الدرب ، وعظم الأمر وتفاقهم ، واشتد البلاء وتعاظم من جرّاء التساهل في هذا الأمر العظيم ، فلم يمكن بعد والحال هذه اصلاح المدارس الحكوميّة وتطهيرها من الفساد والفسق والاِلحاد ، وتغيير المنهج الدراسي فيها في كافة الأجواء ، تقوم على قدم وساق دون وقفة حتى تطرد عملاء الاِستعمار الكافر من ملوك ورؤساء ، ونوّاب ووزراء من كافة الممالك الاسلامية شرّ طردة الى غير رجعة ، وتنسف عروش ظلمهم وتمحو آثار فسقهم وفجورهم من كافة البلدان ، ثم رسم منهج اسلامي يبتني على اصول صحيحة تحت اشراف علماء اسلاميين خبراء واعين ، وبدون ذلك يستحيل اصلاح هذه المدارس ومناهجها الاِستعمارية الفاسدة. انّ منهج الدراسة في هذه المدارس من ابتداءها الى جامعاتها قائِم على تنفيذ مخطّط استعماري كافر خبيث ، رسمه اعداء حاقدون على الاسلام والمسلمين ، ومناوؤن للصادع بالدعوة الاِسلامية وللقرآن العظيم (الذي جاء به من عند ربّ العالمين) لغاية ابعاد ابناء الاسلام عن دينهم دين العزّة والكرامة والمجد والشرف والفضيلة ، وبذلك صرّح جماعة مع بالغ الوقاحة ومنتهى الصلافة من عملاءه المفسدين في الأرض حيث لم يجدوا في انفسهم كفائة للوقوف في مقابلة منطق الاسلام الحكيم ، ومجابهة علماء الاسلام الفطاحل. اخذوا في تضليل ابناء الاسلام لغاية ابعادهم عن دينهم بهذا الأسلوب الماكر الخبيث الذي استعملوه في المدارس

٣٠٩

الحاضرة ، فنالوا ما دبّروا ، واحكموا وأبرموا.

قالت الجاسوسة الانگليزية (مس پل) : ان رجال الدين كانوا من اكبر دعاة الثورة في العراق خلال الحرب العالمية الأولى وبعدها ، وهذامما دعا رجال الحكم (تعني رجال الاستعمار الكافر) الى انشاء المدارس الحيثة لكي يضعّفوا بها الدين في نفوس الجيل الجديد ، ويقتلعوا بذلك جذور الثورة من اساسها (١).

وقال احد المستشرقين الفرنسيين في احدى مؤتمراتهم : اننا اخفقنا (٢) في تنصير شباب المسلمين في المغرب ، فحسبنا زرع بذور الشك في عقيدتهم وافساد قلوبهم نحو القرآن (٣).

وقد حقّقوا هذه الفكرة الخبيثة بانشاء هذه المدارس الرسميّة في بلاد المسلمين.

فالاِسلام وأحكامه ، والقرآن وآياته ، ونبي المسلمين وسيرته وتعاليمه وآثاره كل واحد منها شوكة في عيون هؤلاء المجرمين من أعداء الاسلام وأعداء البشرية الفاضلة ، وحاجز قويم يمنعهم من الوصول الى اهدافهم الشريرة في العالم الاسلامي ومن السيطرة على المسلمين.

وقف غلادستون في المجلس النيابي البريطاني محذّراً رفاقه الاِنكليز من المسلمين والاسلام قائلاً :

ما دام القرآن يتلى ، والقبلة تُحجّ ، ومحمّد يُذكر اسمه على المآذن فانّ

__________________

(١) تمهيد وتقديم كتاب (النص والاِجتهاد) ص ٢٤ طبع النجف عام ١٣٧٥.

(٢) أخفق اذا اخذته سِنة من النُعاس فمال برأسه دون سائِر جسمه ، وخفق خفقة ثم انتبه. اي نعس نعسة.

(٣) مقدمة كتاب (الهدى الى دين المصطفى) الطبعة الثانية بقلم المحامي توفيق الفكيكي البغدادي.

٣١٠

النصرانيّة في خطر ، كالمسلول الذي لا يدري متى يقيء ريته.

عليكم بالقرآن فاحرقوه ، والكعبة فاهدموها ، ومحمّد فامحوا ذكره من العالم.

هذه خلاصة ما قاله غلادستون ، واخذه الحنق فضرب بقرآن كان بيده الأرض ، وداسه برجله (١) فاليقظة اليقظة ايها المسلمون ، والحِذار الحِذار من المدارس الحكوميّة ايّها المؤمنون ، حافظوا على ابنائِكم على عقائدهم واخلاقهم من مناهجها ومما يلقي عليهم الأساتذة الفسقة فيها ، فانكم مسئولون عنهم غداً امام الله تعالى.

ولفضيلة الأستاذ الخطيب المفوّه السيد جواد شبّر النجفي كان الله معه أينما كان كلمة قَيّمة يناسب نقلها هنا ، ذكرها في كتابه (ولدي) نصّها : الأمّ الصالحة هي المكوّنة الأولى لتلك العقليّة الطاهرة (عقليّة الطفل) التي تقبل ما يعرض عليها من صور الحياة ، خيراً كان المعروض ام شرّاً.

حاولي ايّتها الأمّ ان لا يسمع اطفالك ولا يرون غير ما ينفعهم ، فان الطفل مطبوع على تقليد ما يشاهد ، فقد عرف كل احد منّا ، ومن المجرّبات التي لا يختلف فيها اثنان تقليد الطفل لأبويه ، وبالأخصّ البنت لأمها ، حتّى بمنطقها ونظراتها.

وانّي لأنصح الشباب المُقدِمين على الزواج ان يهتمّ اوّل ما يهتمّ بالاِطمئنان من حسن سيرة امّ هذه المخطوبة وحسن قيامها بالحقوق الزوجيّة فانها لابدّ وان تكون قد اخذت دروساً عمليّة من اخلاق امّها مع ابيها.

الرضوي : وهذه نصيحة ثمينة أؤكدفي الاِحتفال بها والشواهد على صحتها

__________________

(١) العروبة في دار البوار فهل من مننقذ؟

٣١١

كثيرة ، ومن جرّب المجرّب حلّت به الندامة. وقد احسن من قال :

اذا تزوجت فكن حاذقاً

واسئل عن الغصن وعن منبته

٥٥ ـ وممّا جرّب في أخلاق الطفل في صِغره

في الكافي عن العبد الصالح عليه السلام (١) قال : تستحبّ عرامة الغلام في صغره ليكون حليماً في كبره ، ثم قال ما ينبغي ان يكون الّا هكذا.

قال العلّامة الشيخ عبّاس القمّي رحمه الله (٢) : العرامة سوء الخلق والمراد ميله الى اللعب وبغضه الكتّاب (بالتشديد اي المكتب) اي ينبغي ان يكون الطفل هكذا ، فاما اذا كان منقاداً ساكناً حسن الخلق في صغره يكون بليداً في كبره كما هو المجرّب (٣).

٥٦ ـ ممّا ورد وجرّب في معاشر الناس

من عاشر الناس لاقى منهم نصبا

لأن طبعهم بغي وعدوان

ومن يفتّش عن الاِخوان مجتهدا

فجلّ اخوان هذا الدهر خوّان (٤)

قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليكم بالعِزلة فانها عبادة (٥) وروى عن سفيان الثوري قال : قصدت جعفر بن محمد فأذن لي بالدخول فوجدته في سرداب ينزل اثني عشر مرقاة ، فقلت يا ابن رسول الله انت في هذا المكان مع حاجة الناس اليك؟ فقال : يا سفيان فسد الزمان وتنكّر الاِخوان ، وتقلّبت الأعيان ، فاتخذنا الوحدة

__________________

(١) المراد به الاِمام الكاظم عليه السلام.

(٢) تقدمت ترجمته ص ٤٥.

(٣) سفينة بحار الأنوار ج ٢.

(٤) من قصيدة لأبي الفتح علي بن محمد البستي.

(٥) تنبيه الخواطر.

٣١٢

سَكَناً ، (١) امعك شيء تكتب؟ قلت : نعم ، فقال : اكتب :

ذهب الوفاء ذهاب امس الذاهب

والناس بين مُخاتِل وموارب (٢)

يفشون بينهم المودّة والصفا

وقلوبهم محشوّة بعقارب

فقلت : زدني يا ابن رسول الله ، فقال : نعم اكتب :

لا تجز عنّ لوحدة وتفرّد

ومن التفرّد في زمانك فازدد

ذهب الأِخاء فليس ثمّةَ اخوةٌ

اِلّا التملّق باللسان وباليد

فاذا نظرت جميع ما بقلوبهم

ابصرت ثًمًّ نقيع سَمّ الأسود (٣) (٤)

وعنه عليه السلام : ان الله تبارك وتعالى اوى الى نبيّ من انبياء بني اسرائيل ، ان احببت ان تلقاني غداً في حظيرة القدس فكن في الدنيا وحيداً غريباً مهموماً محزوناً مستوحشاً من الس بمنزلة الطير الواحد ، الذي يطيرفي أرض القِفار (٥) ، ويأكل من رؤس الشجار ويشرب من ماء العيون ، فاذا كان الليل لآوى وحده ، ولم يأو مع اليور استأنس بربّه ، واسوحش من الطيور (٦).

وجاء في وصيّة الاِمام موسى بن جعفر عليه السلام لهشام بن الحكم : يا هشام ايّاك ومخالَطة الناس والأنس بهم ، الّا ان تجد منهم عقلاً ومأموناً فأنس به ، واهرب من سايرهم كهربك من السباع الضارية ... (٧)

يا هشام الصبر عى الوحدة علامة قوّة العقل ، فمن عقل عن الله تبارك وتعالى اعتزل اهل الدنيا ، والراغبين فيها ، ورغب فيما عند ربّه كان اُنسه في

__________________

(١) فرأيت الِنفراد أسكن للفؤاد ، خ ل.

(٢) المخاتِل : المخادع ، والموارِب : المخاتل والمداهي وهو الماكار الحتال.

(٣) الأسود : الحية العظيمة.

(٤) اشعّة من بلاغة الاِمام الصادق عليه السلام.

(٥) الأرض القَفر : الخالية من الناس ، لا ماء فيها ولا نبات.

(٦) امالي الصدوق ، مشكاة الأنوار.

(٧) مؤنث ضار ، والضاري من السباع والكلاب ما تعوّد اكل الصيد.

٣١٣

الوحشة ، وصاحبه في الوَحدة ، وغِناه في العَيلة ، وعزّة من غير عشيرة (١).

وجاء في وصيّة جمال العارفين ، وقدوة المتّقين من العلماء العاملين ، السيد علي بن طاووس قدس سره (٢) لولده السيد محمد رحمه الله : اعلم يا ولدي محمد ، ومن بلغه كتابي هذا من ذريّتي وغيرهم من الأهل والاِخوان ، علّمك الله جلّ جلاله ما يريد منكم من المراقبة في السرّ والاِعلان ، انّ مخالطة الناس داء مُعضِل (٣) ، وشاغل عن الله جلّ جلاله مُذهِل (٤) وقد بلغ الأمر في مخالطتهم الى نحو ما جرى في الجاهليّة من الاِشتغال بالأصنام عن الجلالة الاِلهيّة ، فأقلل يا ولدي من مخالطتك لهم ، ومخالطتهم لك بغاية الاِمكان ، فقد جرّبته ورأيته يورث مرضا هايلاً في الأديان (٥) ثم اخذ طاب ثراه في بيان ذلك وشرحه له ، وقد حذّر رحمه الله وطاب ثراه ولده وشدّد فيه ، ونصحه وابلغ في النصيحة ، وأصاب الصواب قدس سره الزكي.

وهذه الكلمة القدسيّة اوردها العلّامة المحقّق البارع محمّد محسن الفيش الكاشاني طاب ثراه (٦) في كتابه (تسهيل السبيل بالحجّة في انتخاب كشف المحجّة) ايضاً.

وجاء في وصيّة الشيخ الفقيه المحدّث النبيه يوسف البحراني طاب ثراه (٧) لولده الشيخ محمد رحمه الله : واتخذ الخلوة والعزلة حجابا عن البشر ، فليس في الصحبة الّا الوبال والضرر (٨).

وقال العلّامة البارع في كل افنون الشيخ محمد بهاء الدين العاملي عامله

__________________

(١) تحف العقول ، الوافي ج ١٤.

(٢) تقدمت ترجمته ص ٩.

(٣) : صعب شديد.

(٤) ذهل عن الشيءنسيه ، من الذهول وهو الذهاب عن الأمر بدهشة.

(٥) كشف المحجّة لثمرة المهجة.

(٦) تقدمت ترجمته ص ٦٥.

(٧) تقدمت ترجمته ص ٢٤٩.

(٨) جليس الحاضر وانيس المسافر ، والوبال : الوخامة وسوء العاقبة.

٣١٤

الله بفضله وكرمه (١) : لم يحصل لي من الاِختلاط بأهل الدنيا الّا القيل والقال : والنزاع والجدال ، وآل الأمر الى ان تصدّى لمعارضتي كلّ جاهل ، وجسر على مباراتي كلّ خامل ... (٢)

وقال : العزلة عن الخلق هي الطريق الأقوم الأسدّ ، كما ورد في الحديث (فرّ من الخلق فِرارك من الأسد) فطوبى لمن لا يعرفونه بشيء من الفضائل ، والمزايا ، لأنه سالم عن الآلام والرزايا ، فالفرار الفرار عنهم ، والبدار البدار الى الخلاص منهم ، وبهذا يظهر انّ الاِشتهار بالفضائِل من جملة الآفات ، وانّ خمول الاِسم من المحافات ، (٣) فاحبس نفسك في زاوية العزلة فاِنّ عزلة المؤمن عِزّ له ... (٤)

وقيل للفُضَيل انّ ابنك يقول : وددت انّي في مكان ارى الناس ولا يروني ، فبكى الفضيل وقال : يا ويح ابني افلا أتمّها ، لا اراهم ولا يروني.

قال الأستاذ الخطيب الفاضل السيد جواد شبّر النجفي كان الله معه اينما كان : ومن المجرّبات انّ اعظم مؤثر على الأخلاق والطبائِع العشرة ، فالهواء ان جاور الزهر طابت ريحه ، وان جاور الجِيف خبث (٥) وقد صدق القائِل :

صاحب اخا ثقة تحض بصحبته

فالطبع مكتسب من كل مصحوب

كالريح آخذةٌ ممّا تَمرّ به

نتناً من النتن او طِيبا من الطِيب

وقال مالك بن دينار لراهب : عظني ، فقال : ان قدرت ان تجعل بينك وبين

__________________

(١) تقدمت ترجمته ص ٣١.

(٢) المباراة المسابقة ، والخامل من الناس الساقط الذي لا قيمة له.

(٣) الظاهر وقوع تصحيف في العبارة والصواب : وان في خمول الاسم امن ، او سلامة من المحافات فيكون المعنى ان من خمل اسمه من ، او سلم من المحافات ، وهي النزاع والخصومة في الكلام ، وذلك حيث انه لا يعرف فلا يعبأ به الناس فلا ينازعونه لعدم اكتراثهم به ، وهذا من فوائِد العزلة عن الناس. الرضوي.

(٤) الكشكول.

(٥) ولدي.

٣١٥

الناس سورا من حديد فافعل ، قال الشاعر :

واذا صفالك من زمانك واحد

فهو المراد واين ذاك الواحد؟

الرضوي :

تحت التراب تجده مقبوراً وقد

مضت القرون عليه ليس يشاهد

فاطلب منالرحمن غفرانا له

حيث الصفا من بعده لا يوجد

قيل لدعبل الخزاعي الشاعر رحمه الله : ما الوحشة عندك؟ فقال : النظر الى الناس ، ثمّ انشد :

ما أكثر الناس لا بل ما أقلّهم

الله يعلم انّي لم اقل فَندا (١)

انّي لأفتح عيني حين افتحها

على كثير ولكن لا ارى احدا

قال الشيخ بهاء الدين العاملي طاب ثراه (٢) : ولله درّ من قال :

كن عن الناس جانباً

وارض بالله صاحبا

قَلِّب الناس كيف

شئت تجدهم عَقاربا (٣)

ايضاً

اَنسِتُ بوحدتي ولزِمت بيتي

فطاب الأنس لي وصفا السرور

وأدّبني الزمان فلا اُبالي

بأنّي لا اُزار ولا ازور

ولستُ بسائل ما عشت يوما

اسار الجندُ ، ام ركب الأمير

وقال بعضهم : جرّبت الناس منذ خمسين (عاماً) فما وجدت لي اخاً ستر لي عورة ، ولا غفر لي ذنباً فيما بيني وبينه ، ولا واصلني اذا قاطعته ، ولا أمنته اذا غضب ، فالاِشتغال بهؤلاء حمق كثير (٤).

__________________

(١) : كِضبا.

(٢) تقدمت ترجمته ص ٣١.

(٣) الكشكول.

(٤) التحصين في صفات العارفين.

٣١٦

وقيل لبعضهم كم لك من صديق؟ فقال : لا ادري لأنّ الدنيا مقبلة عليّ ، فكل من يلقاني يظهر لي الصداقة ، وانّما احصيهم اذا ولّت عنّي.

قال السبتي

والناس اخوان من والَته دولته

وهم عليه اذا عادته أعوان

وقال آخر

دعوى الأِخاء على الرخاء كثيرة

بل في الشدائِد تُعرفُ الاِخوان

وما اصدق قول الشاعر على ابناء زماننا هذا

ذهب الوفاء، فلا وفاء ، ولا حياء، ولا مروّة

الّا التواصل باللسان من النفوس بلا اخوّة

وقال آخر :

جرّبت دهر لم اجد فيه صَديقاً يُدّخر

فلا تجرّب احداً تجربة السمّ ضرر

وقال آخر :

هي توبتي من اظنّ جميلا

بأخ ودود ، او اعدّ خليلا

كشفت لي الأيام كلَّ جنيّة

فوجدت اخوان الصفا قليلا

الناس سلمك ما رأوك مسلّما

ورأوا نوالك ظاهراً مبذولا

فاذا امتحنت بمحنةألفيتهم

سيفا عليك مع الردى مسلولا

وقال السيد الشريف الرضي الموسوي

وقد كنت مذ لاح المشيب بعارضي

انفرّ عن هذا الورى واكشّف

فما اذ عرفت الناس الّا ذممتهم

جزى الله خيرا كلّ من لست اعرف

٣١٧

لغيره

أيا ربّ كلّ الناس أبناء علة

أما تغلط الدنيا لنا بصديق

وجوه بها من مضمر الغلّ شاهد

ذوات اديم في النفاق صفيق (١)

اذا اعترضوا عند اللقاء فانهم

قَذى لعيون او شجى لحلوق (٢)

وان اعرضوا برد الوداد وظلّه

اسرّوا من الشحناء حرّ صديق (٣)

ألا ليتني حيث انتوت افرخ القطا

بأقصى محلّ في البلاد سحيق (٤)

اخو وجدة (٥) قد آنستني كأنني

بها نازل في معشر وفريق

فذلك خير للفتى من ثوابه

بمسغبة (٦) من صاحب ورفيق

للطغرائِي من لاميّة العجم

اعدى عدوّك ادنى من وثقت به

فحاذر الناس واصحبهم على دخل

وانّما رجل الدنيا وواحدها

من لا يعوّل في الدنيا على رجل

غاض الوفاء (٧) وفاض الغدر وانفرجت

مسافة الخلف بين القول والعمل

ولله درّ من قال :

لا اشتكي زمني هذا فأظلمه

وانّما اشتكي من اهل ذا الزمن

هم الذئاب التي تحت الثياب فلا

تكن الى احد منهم بمؤتمِن

قد كان لي كنز صبر فافتقرت الى

انفاقه في مداراتهم لهم ففني

__________________

(١) الأديم : الجلد ، والصفيق : الوقح ، من لا حياء له.

(٢) القذى : ما يقع في العين فيؤذ بها كالغبار ونحوه من الوسخ. والشجا : ما اعترض في الحلق من عظم ونحوه فيغصّ به. وحلوق جمع حلق : وهو مجرى الطعام والشراب. ومنه قول امير المؤمنين عليه السلام في الخطبة الشقشقيّة : فصبرتُ وفي العين قذى ، وفي الحلق شجى ، ارى تراثى نهبا ...

(٣) الشحناء : البغض والحقد.

(٤) انتوت : اقامت ، سحيق : مكان بعيد.

(٥) وجدة : حزن.

(٦) : مجاعة.

(٧) : ذهب.

٣١٨

وقال والدي قدس سره

يلينا بدهر بان فيه لنا الغِلّ

وما في نفوس الناس قد ظهر الكلّ

ترى من يُعدّ في الورى اذا شرافة

يباشر اشياء يباشرها النذل

يخال نجيب الوالدين ممجّدا

ويوجد فعّالا لما يفعل النغل

وبعض تراه في العيون محقّرا

بتقليب هذا الدهر يبدو له الفضل

فبالمال والجاه البرايا يجرّبوا

فمضمرهم بالرغم يظهره الفعل (١)

الرضوي : اتّعظ ايّها القارئ النبيل بما سردته عليك من نصائِح قيّمة نثرا ونظما ، في التحذير البالغ عن معاشرة الناس ، فاِنَّ عامتهم ذئاب وعليهم ثياب ، وجوههم وجوه الآدميين ، وقلوبهم قلوب الشياطين ، فحاذرهم كما تحاذر الأسد والثعلب ، فانهم يصافونك في الرخاء ، ويخذلونك في الشِدّة والبلاء كما هو المجرّب في عامتهم ، كفانا الله شرّهم ، وآمننا من مكرهم وغدرهم.

٥٧ ـ ممّا جرّب في السلامة من شرّ الناس

روى العلّامة المجلسي الأول طاب ثراه (٢) في (روضة المتقين) حديث (المسلم من سِلم المسلمون من يده ولسانه) وقال : واذا سلموا منه فهو سالم منهم ايضاً كما هو المجرّب.

٥٨ ـ ممّا جرّبه امير المؤمنين عليه السلام في تداوي الأمور

عنه عليه السلام : جرّبنا وجرّب المجرّبون قبلنا فلم نر شيئاً انفع وجداناً ولا أضَرّ فقداناً من الصبر ، به تداوى الأمور ، ولا يُداوى هو بغيره ، وقال عليه السلام : الصبر على

__________________

(١) اتحاف الاِخوان بمقتطف خطرات الجنان.

(٢) تقدمت ترجمته ص ٢٤.

٣١٩

ثلاثة وجوه ، فصبر على المعصية ، وصبر على الطاعة ، وصبر على المصيبة (١) وعنه عليه السلام انه قال :

انّي وجدت وفي الأيام تجربة

للصبر عاقبة محمودة الأثر

وقلّ من جدّ في امر يطالبه

فاستصحب الصبر الّا فاز بالظفر (٢)

الرضوي : وما اعظم صبره عليه السلامعلى المصيبة التي المّت به وحلّت بساحته ، من بعد فقده ابن عمّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ألا وهي تآمر المتآمرين على غصب حقّه من الخلافة من بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، واقصاؤهم ايّاه عن موضع اقامه الله فيه ، وسلبهم منه لباساً البسه الله ، وبه حلّاه ، فلا يجوز لغيره ان يرتديه ، فها هو عليه السلام يصف صبره على جليل هذه الرزيّة ، وتحمّله لعظيم هذه المحنة والبليّة فيقول في خطبته المعروفة بالشِقشِقيّة المذكورة في (نهج البلاغة) : فصبرت وفي العين قذى ، وفي الحلق شجى ، ارى تراثي نهباً ... الى آخر ما هناك من كلمات هي لقلوب المسلمين موجِعة ، ولعيون المؤمنين مقرِحة فاِنّا لله وانّا اليه راجعون على عظيم المحنة وجليل المصاب.

وقد اتينا على ما وصل الينا من شكاواه وتظلّمه من المتآمرين عليه الغاصبين حقّه من الخلافة ، والمنكرين لفضائِله ومناقبه وسوابقه في الاِسلام في كتابنا : (تظلّم اهل بيت سيّد الأنام من ادعياء الاِسلام) وفي كتاب (اوّل مظلوم في الاِسلام) واثبتنا فيه بشهادات نبويّة ، وتصريحات لرجالات شيعيّة وسنّية ، بل وغير اسلاميّة انّ الخلافة من بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كانت حقّه وانه اولى بها من غيره ، وقد ابتُزّ منه هذا الحقّ ظلماً وعدواناً وسيعلم الذين ظلموا أيَّ منقَلب ينقلبون.

__________________

(١) مشكاة الأنوار.

(٢) الأنوار البهيّة.

٣٢٠