القول الرّشيد في الإجتهاد والتقليد - ج ١

السيّد عادل العلوي

القول الرّشيد في الإجتهاد والتقليد - ج ١

المؤلف:

السيّد عادل العلوي


الموضوع : الفقه
الناشر: مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي الكبرى
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
964-6121-61-6

الصفحات: ٤٧٢
الجزء ١ الجزء ٢

قسم الشيء قسيماً له ، فإنّ الاستبانة قسم من الحجّة الواضحة. فالمراد من البيّنة في الأخبار خصوص شهادة عدلين كما هو الظاهر والمتبادر.

قال العلّامة الكني (قدس‌سره) : البيّنة ، وهي في اللغة من البيان وهو الاتضاح ، لازم ومتعدٍّ ، كغيره من مشتقّاته على ما في القاموس ، وفي الشريعة على الثاني كاختصاصها فيها بالإطلاق على ما فوق الواحد على ما هو من الواضحات بأدنى رجوع إلى كلماتهم والأخبار ، فبسببه بعد اشتهار قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : (البيّنة على المدّعى) جعلت شهادة خزيمة بن ثابت بمنزلة شهادتين ، وسمّي حتّى اشتهر بذي الشهادتين ، وبه اتّفقت الأخبار الحاكية لقضاياهم على شهادة اثنين ..) (١).

فالمراد من البيّنة شهادة ما فوق الواحد ، وإن كان في الأخبار تطلق على معناها اللغوي أيضاً إلّا أنّه من القليل والنادر.

ولمزيد الاطمئنان نذكر بعض الأبواب الفقهيّة التي ورد في أخبارها كلمة البيّنة وأُريد منها شهادة ما فوق الواحد.

الوسائل ١٨ : ٢٩٠ ، باب ٤٨ من أبواب الشهادات ، الحديث ٣ ـ ٤.

الوسائل ١٨ : ٣٣١ ، باب ١٨ من أبواب مقدّمات الحدود ، الحديث ٣.

الوسائل ١٨ : ٣٦٥ ، باب ١٠ من أبواب حدّ الزنا ، الحديث ٨ ـ ٩.

الوسائل ١٨ : ٣٧٤ ، باب ١٤ من أبواب حدّ الزنا ، الحديث ٢.

الوسائل ١٨ : ٣٧٦ ، باب ١٥ من أبواب حدّ الزنا ، الحديث ١.

__________________

(١) الدرّ النضيد ١ : ٣٧٩ ، عن القضاء والشهادة : ٢٥٩.

٣٦١

الوسائل ١٨ : ٤١٩ ، باب ٢ من أبواب حدّ اللواط ، الحديث ٣.

الوسائل ١٨ : ٤٢٥ ، باب ١ من أبواب حدّ السحق والقيادة ، الحديث ٤.

الوسائل ١٨ : ٤٦٧ ، باب ٢ من أبواب حدّ المسكر ، الحديث ٥.

الوسائل ١٨ : ٥٠١ ، باب ١٠ من أبواب حدّ السرقة ، الحديث ٢.

الوسائل ١٨ : ٥٠٩ ، باب ١٨ من أبواب حدّ السرقة ، الحديث ٤.

الوسائل ١٨ : ٥٢٩ ، باب ٣٠ من أبواب حدّ السرقة ، الحديث ٣.

الوسائل ١٨ : ٥٣١ ، باب ٣٣ من أبواب حدّ السرقة ، الحديث ٢.

الوسائل ١٨ : ٥٨٠ ، باب ٧ من أبواب بقيّة الحدود ، الحديث ٢.

الوسائل ١٩ : ١١٢ ، باب ٨ من أبواب دعوى القتل ، الحديث ٥.

الوسائل ١٩ : ١١٤ ، باب ٩ من أبواب دعوى القتل ، الحديث ٣ ـ ٤ ـ ٦.

الوسائل ١٩ : ١١٩ ، باب ١٠ من أبواب دعوى القتل ، الحديث ٧.

الوسائل ١٩ : ١٢١ ، باب ١٣ من أبواب دعوى القتل ، الحديث ١.

الوسائل ١٩ : ١٩٢ ، باب ٢٠ من أبواب موجبات الضمان ، الحديث ١.

الوسائل ١٩ : ٣٠٧ ، باب ٩ من أبواب العاقلة ، الحديث ١ (١).

وخلاصة الكلام : المتبادر عند الفقهاء العظام والمحدّثين الكرام من لفظة (البيّنة) في الروايات الشريفة ، هو شهادة ما زاد على الواحد ، وفي أغلب الأبواب الفقهيّة عبارة عن شهادة عدلين ، إلّا أنّ بعض الأعلام ذهب إلى أنّ المراد من البيّنة

__________________

(١) الدرّ النضيد ١ : ٣٨٠.

٣٦٢

في الكتاب والسنّة هو المعنى اللغوي لعدم ثبوت الحقيقة الشرعية ولا المتشرّعة.

فما جاء في الكتاب الكريم كقوله تعالى :

(بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ)(٢).

(إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي)(٣).

(حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ)(٤).

وغير ذلك إنّما هو بمعنى ما به البيان وما به يثبت الشيء.

وكذلك ما جاء في السنّة في قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : (إنّما أقضي بينكم بالبيّنات والايمان) ، أي بالحجج وما به يتبيّن الشيء ويظهر ، والمراد من قوله (إنّما أقضي بينكم) أي عدم العمل بعلمه اللّدني في رفع الخصومات بين الناس. وهذا المعنى جارٍ في الأئمة الأطهار (عليهم‌السلام) إلّا صاحب الزمان (عليه‌السلام) فإنّه يعمل ويقضي بعلمه الواقعي كما ورد في الأخبار الشريفة.

فلم يثبت أنّ البيّنة بمعنى العدلين في الأخبار حتّى في رواية (مسعدة بن صدقة) فلا دلالة لها على اعتبار البيّنة بمعنى شهادة العدلين بل لا بدّ من إحراز حجّيتها من الخارج (١).

__________________

(٢) الفاطر : ٢٥.

(٣) هود : ٢٨.

(٤) البيّنة : ١.

(١) التنقيح ٢ : ٢٨٥ ، والدروس ١ : ١١٣.

٣٦٣

ويرد عليه أنّه خلاف ما هو المتفاهم والمتبادر عند الفقهاء الأعلام ، كما لو لم يتمّ المعنى في الموثّقة فإنّه يلزم أن يكون قسم الشيء قسيماً له كما مرّ ، كما أنّه أشار البعض إلى أنّه متى ما ورد لفظ القيام مع البيّنة ، فإنّه أُريد منها شهادة العدلين ، ففي الموثّقة (الأشياء كلّها على هذا حتّى تستبين لك غير ذلك) ، أي يعلم ويظهر خلافه (أو تقوم به البيّنة) أي يشهد شاهدان عادلان على غير ذلك.

أدلّة حجّية البيّنة

لا إشكال في اعتبار البيّنة عقلائياً فقد قامت السيرة العقلائيّة على حجّيتها سيّما في الأُمور الهامّة ، وشرعاً في الجملة بل قيل : إنّها من ضروريات الفقه كما ورد في النصوص والفتاوى ، والقدر المتيقّن من اعتبارها وحجّيتها في موارد الخصومات ورفعها. وأمّا في غيرها فقد اختلف الأعلام فيها ، كما في الموضوعات الخارجيّة.

ففي الجواهر في كتاب الطهارة في إثبات النجاسة بالبيّنة بعد نفي الخلاف في اعتبارها ، قال : إلّا عن القاضي ابن البرّاج والكاتب والشيخ.

والظاهر اعتبارها مطلقاً في الأُمور المحسوسة والشهادة الحسّية أو الحدسية القريبة من الحسّ التي يقف عليها الشاهد من خلال الآثار والأمارات كالعدالة والشجاعة.

قال المحقّق الهمداني (قدس‌سره) : المتتبّع في ما دلّ على اعتبار البيّنة إذا أمعن النظر لا يرتاب في عدم مدخليّة خصوصيّات الموارد التي ثبت اعتبار البيّنة فيها ، فهي

٣٦٤

طريق شرعي تعبّدي لم يلغها الشارع في شيء من مواردها. نعم اعتبر في بعض المقامات شهادة الأربعة ، أو كون الشاهد رجلين ، وأمّا نفي اعتبارها رأساً فلم يعهد في الشرعيات.

وقال المحقّق الحائري في كتاب الصلاة : يعلم ممّا ورد في الشرع أنّ اعتبارها وكونها كالعلم مفروغ عنه.

ويقول السيّد الأُستاذ السيّد الصدر (قدس‌سره) : ويمكن أن يقال : بعد ما ثبت حجّية البيّنة عند العقلاء مطلقاً وعند الشرع في الجملة ، فهي مرتكزة في جميع الأذهان. فإذا لم تكن حجّة عامّة عند الشارع لوجب عليه الإعلام ، تخطئة لما تقرّر في جميع الأذهان. كما صنع ذلك في ثبوت الزنا. وحيث لم يصدر إعلام منه ، في موضوعات أُخرى ، إذ لو كان لبان فيحكم العقل بحجيّتها عند الشارع في جميع الموضوعات. ويشعر بكون حجّية البيّنة لإثبات جميع الموضوعات من الأُمور المسلّمة في الشرع. ما رواه في الكافي والتهذيب عن الكاظم (عليه‌السلام) : (كلّ شيء لك حلال حتّى يجيئك شاهدان يشهدان أنّ فيه ميتة) ، فقد أقام البيّنة مقام العلم الوجداني ، أو جعل كناية عنه (١). انتهى كلامه رفع الله مقامه.

وقد استدلّ المشهور على حجّية البيّنة بوجوه :

الوجه الأوّل : الإجماع كما ادّعى ذلك جماعة من الأصحاب ، وإن البيّنة

__________________

(١) الاجتهاد والتقليد : ٣٣٣.

٣٦٥

حجّة في كثير من الموارد كثبوت النجاسة والطهارة والوقت للصلاة والصيام والقبلة وفي باب ثبوت الوكالة والعزل ، وفي أسباب التحريم في باب النكاح من النسب والرضاع وفي الوصايا وغير ذلك ، ومن خالف في ذلك فإنّه شاذّ ، كما أنّه معروف فلا يضرّ بالإجماع ، كمخالفة ابن البرّاج في عدم ثبوت النجاسة بالبيّنة لأنّها لا تفيد العلم ، فلا ترتفع الطهارة إلّا بالعلم بالنجاسة والبيّنة ليست بعلم ، وهو مردود على أنّ البيّنة حجّة شرعيّة حاكمة على قاعدة الطهارة.

إلّا أنّه يرد على هذا الإجماع بأنّه ليس من التعبّدي الكاشف عن قول المعصوم (عليه‌السلام) حتّى يتمّ الاستدلال به ، بل ربما يكون من المدركي لاحتمال استناده إلى أحد الوجوه المذكورة في المقام كالروايات الشريفة.

الوجه الثاني : الروايات.

منها : موثّقة مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : سمعته يقول كلّ شيء هو لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة ، والمملوك عنه لعلّه حرّ قد باع نفسه أو خدع فبيع قهراً ، أو امرأة تحتك وهي أُختك أو رضيعتك والأشياء كلّها على هذا حتّى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البيّنة) (١).

__________________

(١) الوسائل : كتاب التجارة ، باب ٤ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٤.

٣٦٦

ويقع الكلام في سند الرواية ودلالتها :

أمّا السند : فقد عبّر الشيخ الأنصاري عنها بالموثّقة ، بناءً على أنّ السند حتّى مسعدة صحيحاً ، وأمّا مسعدة فهو من العامّة كما صرّح بذلك الشيخ (قدس‌سره) ، وقد ذكره العلّامة الحلّي في القسم الثاني ، وضعّفه العلّامة المجلسي في الوجيزة.

إلّا أنّه قيل في مدحه إنّ رواياته غير مضطربة المتن وأنّ مضامينها موجودة في سائر الموثّقات. وحكي عن العلّامة المجلسي الأوّل أنّه قال : وإن كان عاميا إلّا أنّه معتمد في النقل ، ومن تتبّع أخباره يحصل له العلم بأنّه أثبت من كثير من العدول ، مع أنّه وقع في سند كتاب (كامل الزيارات) للمحدّث القمّي ابن قولويه وقد صرّح في مقدّمة كتابه : إنّه لم يروِ فيه إلّا الأخبار التي رواها الثقات غير المتّصفة بالشذوذ ، مضافاً إلى عمل الأصحاب بالرواية فينجبر السند. إلّا أن يقال بعدم الانجبار بناءً على أنّه لم يثبت لنا حجّية البيّنة في الموضوعات بهذه الرواية فقط ، بل يعدّ من المسلّمات اعتبارها في الموضوعات عند المتشرّعة ، فتكون الرواية مع القول بضعف السند وكذلك الروايات الأُخرى مؤيّدات لما هو المرتكز عند المتشرّعة ، بأنّ الموضوعات مطلقاً المحلّلة والمحرّمة ، وما هو موضوع الحكم الشرعي تثبت بشهادة العدلين.

كما إنّ السيّد الخوئي (قدس‌سره) كان يرى تضعيفه أوّلاً كما في تقريراته ، إلّا أنّه عدل عن ذلك ووثّقه باعتبار وقوعه في طريق كامل الزيارات ، وكان مبناه من قبل توثيق ما جاء في الكامل ، وإن قيل بتراجعه عن هذا المبنى في آخر حياته الشريفة ، فتأمّل.

٣٦٧

ولمثل هذه الوجوه ربما اشتهرت بين الأعلام بالموثّقة. وأمّا تضعيف العلّامة والمجلسي عليهما الرحمة فلا يضرّ بوثاقة الرجل ، لاعتماد المتأخّرين في تضعيفاتهم على الاجتهادات والحدسيّات فلا يكون من الشهادة الحسّية حتّى يعتمد عليه ، كما في توثيق وتضعيف مثل الشيخ الطوسي والنجاشي عليهما الرحمة. فالرواية من حيث السند لا غبار عليها.

وأمّا الدلالة : فبعد التبادر عند الفقهاء من لفظة (البيّنة) في الأخبار بأنّها شهادة عدلين ، وما زاد على الواحد ، فإنّها تدلّ على عموم حجّيتها في كلّ موضوع ، فلا تختصّ بباب القضاء ورفع الخصومات ، فإنّ الجمع المعرّف باللام في قوله (عليه‌السلام) (الأشياء) يفيد العموم ، أضف إلى ذلك تأكيده بكلمة (كلّها) فجميع الموضوعات الخارجيّة على حالها حتّى يعلم ويستبين خلافها ، أو تقوم عليه ما هو بمنزلة العلم وهو البيّنة مثل شهادة العدلين.

فالرواية الشريفة تدلّ على أنّ اليد في مثل الثوب والمملوك وأصالة عدم تحقّق النسب والرضاع في المرأة حجّة معتبرة ، لا بدّ من العمل بها حتّى يعلم أو تقوم البيّنة على الخلاف ، فالبيّنة حجّة شرعيّة لإثبات الموضوعات المذكورة في الرواية ولأمثالها حتّى في مثل الاجتهاد والأعلميّة.

وممّا يدلّ على العموم أيضاً ، جعل البيّنة في عرض العلم ، ولمّا كان العلم عامّاً ومطلقاً جارٍ في كلّ الأحكام والموضوعات ، فكذلك البيّنة وإنّما الاختلاف في كيفيّة الحجّية ، فإنّها في العلم ذاتية غنية عن الجعل والاعتبار ، وفي البيّنة محتاجة إلى الجعل ولو إمضائيّاً.

٣٦٨

كما استدلّ السيّد الحكيم على العموم بما حاصله :

إنّ المراد من قيام البيّنة بالحرمة أعمّ من كونها مدلولاً مطابقيّاً أو تضمّنياً أو التزامياً لا خصوص مدلولها المطابقي ، فإذا قامت البيّنة وشهدت بموضوع خارجي تلزمه الحرمة أو لازم لها ، أو كان ملازم لها ، مثل كون المائع خمراً أو بولاً أو دماً أو نحوها ، وكذا أعمّ من شهادتها بعنوان اعتباري مثل إخوة امرأة أو نجاسة مائع أو حرية رجل ، إذا كان بينه وبين الحرمة ملازمة ، فإنّ البيّنة في جميع ذلك قائمة بالحرمة ، فلا يختصّ اعتبارها بالشهادة على خصوص الحرمة ، بل يعمّ سائر الموضوعات) (١) ، كما يذكر وجهاً آخر لدلالتها على العموم ، فراجع.

ثمّ الشكّ في الحلّية في موارد الرواية كلّها من الشبهات الموضوعيّة ، فيستفاد عموم حجّية البيّنة في كلّ شبهة موضوعيّة ، فالمشهود به هو نفس الموضوع كالسرقة أو بيع الحرّ نفسه ، لا الحكم المترتّب عليه وإن صحّ الشهادة على الحكم أيضاً.

ثمّ ذكر الحلّية في الرواية من باب ذكر المورد فلا خصوصيّة فيها ، فإنّ المراد هو بيان الأصل الأوّلي في كلّ شيء ، فالأشياء كلّها على حالتها الاولى الذي يقتضيه أصل كلّ شيء من الحلّية أو الوجوب أو غيرها ، فكلّ شيء على حاله الأوّل سواء كان إلزاميّاً أو غيره ، وجوبياً أو غيره ، نفسياً أو غيره ، فثبت حجّية البيّنة مطلقاً في الأحكام والموضوعات.

نعم إذا أردنا الجمود على ألفاظ الروايات كما هو مبنى الأخباريين

__________________

(١) مستمسك العروة الوثقى ١ : ٢٠٣.

٣٦٩

والحشويين ، فربما يقال بعدم دلالتها على العموم ، بل مختصّة بما ورد في الرواية من إثبات خصوص الحرمة ، فلا يستفاد منها إثبات موضوع حينئذٍ ، ولكن هذا المبنى مردود وباطل كما هو ثابت في محلّه.

فثبت المطلوب مع توثيق الرواية سنداً وتمامية دلالتها ، أنّ البيّنة (شهادة عدلين) حجّة مطلقاً ، إلّا ما خرج بالدليل ، كما في الزنا.

ويقول السيّد الخوئي (قدس‌سره) : وحيث إنّ مورد الموثّقة هو الموضوعات الخارجيّة ، لا يُصغى إلى دعوى أنّ الموثّقة إنّما دلّت على اعتبار البيّنة في الأحكام فلا يثبت بها حجيتها في الموضوعات ، فالموثّقة يدلنا على حجّية البيّنة في الموضوعات مطلقاً ، ويؤيّدها رواية عبد الله بن سليمان عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) في الجبن : (قال : كلّ شيء لك حلال حتّى يجيئك شاهدان يشهدان أنّ فيه ميتة) ، وحيث إنّ سندها غير قابل للاعتماد عليه جعلناها مؤيّدة للموثّقة.

وأيضاً نقول في عمومية البيّنة حتّى في الموضوعات الخارجية : إنّه نتمسّك بقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (إنّما أقضي بينكم بالبيّنات والايمان) ، فإنّه جعلت البيّنة طريقاً للواقع ، والقضاء ليس مبيّناً للحكم الواقعي ، بل اعتبار القضاء بنحو الطريقية لا السببية ، ولهذا لو علم المدّعى أنّ الحقّ مع المنكر ، فلا يجوز له أن يتصرّف فيما أخذه بحكم الحاكم وبالقضاء. فالبيّنة مثبتة للأشياء قبل القضاء حتّى يكون قول النبيّ إنّما أحكم بينكم وأقضي بما هو يوجب الإثبات ، وهو البيّنة ، فليس معنى (إنّما أقضي بينكم) أنّ البيّنة مختصّة بباب القضاء ، وإلّا لما عطف عليها الأيمان ، فإنّ اليمين من البيّنات وهذا شاهد واضح على أنّ المراد من البيّنات ليست المختصّة بالقضاء ، بل ما تعمّ

٣٧٠

الموضوعات كلّها ، وبمثل هذا وباعتبار قصّة خزيمة بن ثابت ربما نقول بالحقيقة الشرعية بأنّ المراد من البيّنة شهادة ما زاد على الواحد أو شهادة العدلين ، وليس معناها اللغوي ، وإن لم نقل بالحقيقة الشرعية فلا أقلّ أنّها من المتشرّعة. ومن المسلّم اعتبارها في الموضوعات في زمن الصادقين (عليهما‌السلام) وفيما بعد ، فالمرتكز عندهم من البينة شهادة العدلين وليس المعنى اللغوي ، وهو الكشف التكويني عن الواقع كما كان في العلم الوجداني.

ومنها : ما رواه الصدوق في الأمالي عن علقمة عن الإمام الصادق (عليه‌السلام).

وفيه : فمن لم تره بعينك يرتكب ذنباً أو لم يشهد عليه بذلك شاهدان فهو من أهل العدالة والستر (١).

وكيفية الاستدلال بها : أنّه جعل شهادة العدلين طريقاً لإثبات الذنب كالرؤية بالعين ، ولا خصوصية للمورد ، فيعمّ سائر الموضوعات.

ومنها : ما رواه الكافي عن عبد الله بن سليمان عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) في الجبن.

قال : كلّ شيء لك حلال حتّى يجيئك شاهدان يشهدان عندك أنّ فيه ميتة (٢).

كيفية الاستدلال : أنّه بمناسبة الحكم والموضوع إنّ شهادة العدلين طريق معتبر كالعلم في إحراز متعلّقه ، ولا خصوصيّة للمورد وإن ورد في وجود الحرمة

__________________

(١) الوسائل : كتاب القضاء والشهادات ، باب ٤١ من أبواب الشهادات ، الحديث ١٣.

(٢) الوسائل : كتاب الأطعمة والأشربة ، باب ٦١ من أبواب الأطعمة والأشربة ، الحديث ٢.

٣٧١

بقيام البيّنة.

ومنها : ما رواه الكليني عن أبي ضمرة عن أبيه ، عن جدّه.

قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) : أحكام المسلمين على ثلاثة : شهادة عادلة ، أو يمين قاطعة ، أو سنّة ماضية من أئمة الهدى (عليهم‌السلام) (١).

كيفية الاستدلال : أنّ أحكام المسلمين عامّة ، وكما أنّ سيرة الأئمة عامّة ، وأنّ اليمين يعمّ سائر الموضوعات كذلك الشهادة العادلة أي البيّنة.

وغير ذلك من الأخبار الشريفة كالتي وردت في اعتبار شهادة الرجال في ثبوت الهلال أو القتل أو الرجم دون شهادة النساء ، وكذلك في اعتبار شهادة النساء في موارد خاصّة كالبكارة والنفاس ، ممّا يدلّ على حجّية البيّنة إلّا ما خرج بالدليل.

الوجه الثالث : من باب الأولويّة وتنقيح المناط.

بيان ذلك : من المتسالم عند الفقهاء أنّ الشارع المقدّس جعل البيّنة حجّة في رفع المخاصمات ، وقد قدّمها على مثل قاعدة اليد غير الإقرار ، فإذا كانت حجّة مع وجود المعارض وتكذيب المنكر وإنكارها ، فبطريق أولى تكون حجّة مع عدم وجود المعارض والتكذيب.

وأُورد عليه : إنّ بقاء التخاصم والنزاع مبغوض للمولى ، فإنّ الصلح عنده

__________________

(١) فروع الكافي ٧ : ٤٣٢.

٣٧٢

خير ، وإنّ الشيطان يلقي بينكم العداوة والبغضاء ، فأحبّ الشارع دفع المخاصمة ورفعها بأيّ نحو كان ، فلا مناص من حلّها بشيء ، فإنّ بقاء النزاع بحاله ينجرّ إلى اختلال النظام ، فجعل البينة رفعاً للمخاصمة وما به رفع المخاصمات لا يلزم أن يكون حجّة حتّى في غيرها ، فإنّ اليمين تفصل بها الخصومة شرعاً ولا تعتبر في غير المرافعات والمخاصمات ، فما يكون حجّة في موارد التخاصم لا يلزم أن يكون حجّة على الإطلاق ، فكيف القول بالأولوية ، فإنّه من القياس مع الفارق. فلا تبتنى على أساس صحيح.

الوجه الرابع : مفهوم آية النبأ مع موثّقة مسعدة.

قيل : إنّ مفهوم قوله تعالى (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) يدلّ على حجّية خبر العادل مطلقاً في الأحكام والموضوعات ، وبناء على ما جاء من الحصر في الموثّقة يخرج من العموم خبر العدل الواحد في الموضوعات ، فتصير البيّنة معتبرة مطلقاً.

إلّا أنّه يرد عليه : أنّ الموثّقة ليست بصدد الحصر ، لأنّ الأشياء كما أنّها تثبت بالاستبانة أي العلم الوجداني والحجّة العقلائية ، والبيّنة أي العلم العادي والحجّة الشرعيّة ، كذلك ثبت بالاستصحاب والإقرار وحكم الحاكم وغيرها ، فلو كانت بصدد حصر المثبت فيهما لاستلزم ذلك تخصيص الأكثر المستهجن (١).

__________________

(١) التنقيح ١ : ٢١١.

٣٧٣

إشكال وجواب

ربما يقال إنّ من شرط الشهادة أن تكون حسّية ، لما ورد عن الرسول الأكرم (صلى‌الله‌عليه‌وآله) مشيراً إلى الشمس : (على مثل هذا فاشهد) أي يكون المشهود به واضحاً كوضوح الشمس ، وهذا يلزمه الحسّ ، فلا يكتفى بالشهادة الحدسية ، والاجتهاد وكذلك الأعلمية ليستا من الأُمور الحسّية ، فإنّ ملكة الاجتهاد إنّما تستكشف بالحدس والاختبار ، والشهادة إنّما تقبل في المحسوسات ، ولا اعتبار بها في الحدسيات مطلقاً.

وبعبارة اخرى : من الواضح أنّ الشهادة غير الخبر ، فإنّها خبر عن حسّ ، ولهذا لا اعتبار في شهادة أربعة من أربعة في الزنا ، فإنّ الأخبار به لم يكن عن حسّ ورؤية ، فلو كانت البيّنة فيما نحن فيه أمارة عن أخبار الواقعة عن الحسّ بها ، فإنّ العدلين حدسا ذلك ، فلم تكن شهادتهما عن حسّ بل عن حدس ، فلا تكفي البيّنة في مثل موردنا من معرفة اجتهاد المجتهد وأعلميّته.

وأُجيب : إنّ الأُمور الحدسية على نحوين : فتارةً قريبة من الحسّ وهي ممّا يقلّ فيه الخطأ وتكون مقدّماته موجبة للحدس ، وأُخرى بعيدة عن الحسّ ، والأوّل حجّة ببناء العقلاء الممضاة شرعاً ، وتكون كالشهادة على الأُمور الحسّية ، فالاجتهاد كالعدالة والشجاعة في الجملة ، من الأُمور التي تقبل الشهادة والإخبار. فالبيّنة حجّة في تمام الموضوعات ومنها اجتهاد المجتهد.

٣٧٤

نعم ، لا بدّ في مثل هذه الشهادة أن تكون عن خبرة ، كما اشترط الماتن بأن تكون البيّنة من قبل أهل الخبرة ، فإنّ المشهود به على نحوين تارة لا يحتاج إلى فكر ونظر كالمحسوسات فلا يشترط أن يكون الشاهد فيه من أهل الخبرة ، وأُخرى بحاجة إلى إعمال الفكر والنظر كمعرفة الأرش والقيمة ومنه معرفة المجتهد والأعلم فإنّه يشترط واقعاً أن يكون الشاهد من أهل الخبرة كما هو واضح.

إلّا أنّ المراد من أهل الخبرة ليس كونه مجتهداً كما يظهر من مبنى الماتن في المسألة السابقة ، بل يكفي أن يكون من أهل العلم والتشخيص حتّى ولو لم يبلغ درجة الاجتهاد كما هو المختار. فلو كان العامي أي غير الفقيه من أهل الخبرة ويمكنه تشخيص اجتهاد المجتهد أو أعلميّته حسب الموازين الشرعية ، فإنّ علمه حجّة ، وحجّيته ذاتية ، ولا أقلّ من كونها معذّرة ومنجّزة.

ولا دليل خاصّ على عدم اعتبار علم العامي في مثل هذا المقام ، ثمّ كونه من أهل الخبرة لا دليل شرعي عليه ، إنّما الدالّ سيرة العقلاء من رجوعهم في مثل الطبّ إلى أهل الخبرة ، وليس الاجتهاد كالعدالة يعرفها الجميع.

هذا ويشترط في قيام البيّنة أن لا تكون معارضة بمثلها ، لعدم إمكان شمول الدليل الدالّ على حجّيتها للمتعارضين لاستحالة التعبّد بالضدّين أو النقيضين ، كما لا يقدّم أحدهما على الآخر للزوم الترجيح بلا مرجّح ، فيلزم حينئذ تساقطهما ، أو القول بالتخيير عند تكافئهما على اختلاف المباني.

ومع وجود الترجيح يقدّم من كان فيه ذلك ، فلو كانت إحدى البيّنتين المتعارضتين أكثر عدداً من الأُخرى ، فقيل بتقديمها وقيل بالعدم ، لأنّ الترجيح

٣٧٥

بالأكثرية يختصّ بباب المراجعة عند القاضي لرفع الخصومة ، والتعدّي إلى غيره يحتاج إلى دليل وهو مفقود ، وعدم الدليل دليل العدم.

ولو كان مستند البيّنة النافية الاستصحاب ، ومستند الأُخرى العلم الوجداني ، فإنّه يقدّم الثاني ، فتأمّل.

والظاهر عدم اعتبار الظنّ بصدقهما ، لإطلاق حجّيتها ، فالبيّنة حجّة مطلقاً سواء ظنّ بالوفاق أم الخلاف أم غيرهما.

ثبوت الاجتهاد بخبر الثقة :

من الطرق المذكورة في الكتب الفقهيّة لإثبات اجتهاد المجتهد وأعلميّته ، هو خبر الثقة.

واختلف الأعلام في ذلك ، فمنهم من أثبت حجّية خبر الثقة في إثبات الموضوعات الخارجيّة كما يثبت به الأحكام ، ومنهم من أنكر ذلك في الموضوعات مطلقاً ، ومنهم من قال بالتفصيل ، فيما لو كان الموضوع ما يقع في إثبات الحكم الكلّي فيثبت بخبر الثقة ، وإلّا فلا ، ومنهم من احتاط فقال بالتوقّف. ولعلّ عدم تعرّض السيّد اليزدي لخبر الثقة لما فيه من الاختلاف والإشكال حول حجّيته في مطلق الموضوعات كما عند كثير من المتأخّرين والمعاصرين.

أقول : إذا ثبت لحوق العلم العادي وهو ما فيه الاطمئنان والوثوق بالعلم الوجداني الواقعي كما هو المختار ، فإنّه تثبت الموضوعات الخارجية ومنها الاجتهاد والأعلمية بكلّ ما يفيد الوثوق والاطمئنان ومنه خبر الثقة ، لو قلنا بحجّيته للسيرة

٣٧٦

العقلائية ، وعدم ردع الشارع عنها ، وللآية والروايات.

ولمّا كان قبول قول الثقة في الموضوعات مورد ابتلاء ، فلا بدّ من تنقيح هذا الموضوع لجريانه في كثير من المسائل الفقهيّة ، والمعروف بين المتأخّرين عدم الثبوت. وظاهر السيّد الحكيم في المستمسك والسيّد الأُستاذ السيّد رضا الصدر في الاجتهاد والتقليد والسيّد الخوئي في التنقيح الثبوت.

أدلّة حجّية خبر الثقة في الموضوعات

واستدلّ من يذهب إلى حجّية خبر الثقة في الموضوعات بوجوه :

الأوّل : وهو العمدة في المقام وهو عبارة عن بناء العقلاء وسيرتهم ، فإنّهم يأخذون بخبر الثقة ، ولا يفرّقون بين قيامه على الأحكام أو الموضوعات ، بل في كثير من الموارد يأخذون بالأخبار التي لا يعرفون قائلها لا بالوثاقة ولا بعدمها ، فإنّهم يعتمدون على أقوال أهل الخبرة والأخصائيين عموماً من دون ملاحظة الوثاقة والصدق ، كما يعتمدون على من يدلّهم على عنوان دار أو هاتف ، أو يرتّبون الأثر على النُّصب واللوحات المنصوبة في الطرق ، الدالّة على المسافات من دون أن يعرفوا من نصبها ، كما يرتّبون الأثر على أخبار الصحف والمذياع من دون أن يعرفوا المذيع والصحفي ، كما يعتمدون على أخبار الناس عن أحوالهم وأنفسهم وعلى أخبار المؤرّخين في كتبهم ، فهم يثقون بهذه الأخبار ولا يحتملون في حقّ مخبريها الكذب ، نعم في موضع الموارد الهامّة يطالبون بالوثاقة ، أو تعدّد المخبر كما في

٣٧٧

رفع الخصومات ، فالملاك عندهم هو الوثوق الشخصي ، وهو يختلف باختلاف الموارد.

ثمّ الشارع لم يردع عنها بما هو المطلوب ، فإنّ الردع من قبله لا بدّ أن يكون مناسباً للموضوع ، فإذا كان أمراً راسخاً في الأذهان كالقياس والعمل بالاستحسانات الظنية ، فإنّ ردع الشارع يكون مكرّراً لإزالة هذا الأمر الجاري في سيرتهم ، ويكون بلسان لاذع كما في العمل بالقياس ، بأنّه إذا قيس الدين أو السنّة مُحق.

وأُورد عليه أنّه لم يقم على اعتبار السيرة دليل من آية أو رواية حتّى يؤخذ بإطلاقها ، نعم إمضاء الشارع أو عدم ردعه يكون حجّة ، وربما موثّقة مسعدة بناء على الحصر ، وأنّ البيّنة شهادة عدلين يكون رادعاً عن السيرة. فتأمّل.

الثاني : مفهوم آية النبأ ، فإنّها تدلّ على حجّية خبر العادل مطلقاً ، بل مورد الآية هو الإخبار عن الموضوع وهو ارتداد بني المصطلق بإخبار الوليد بن عتبة.

وأُورد عليه أنّه يخصّص ذلك بموثّقة مسعدة بناءً على الحصر والبيّنة المصطلحة ، فيعتبر التعدّد في الموضوعات ، كما يخصّص بخبر عبد الله بن سليمان بعد إلغاء الخصوصيّة ، وفي الردّ تأمّل وتدبّر بضعف السند والدلالة.

كما إنّ الارتداد لا يثبت إلّا بالبيّنة ، فيلزم خروج المورد عن عموم المفهوم ، وفيه تأمّل أيضاً.

٣٧٨

هذا ما قيل في الإشكال على السيرة العقلائيّة من ردع الشارع إيّاها ، ولكن كما ترى قابل للنقاش سنداً ودلالة ، فإنّه يبتني على من يقول بوثاقة مسعدة وبإفادة الموثّقة الحصر أوّلاً ، وأنّ المراد من البيّنة شهادة عدلين أو ما زاد عن الواحد ثانياً ، فالمسألة تكون مبنويّة حينئذٍ.

ثمّ هناك من حاول إثبات إمضاء الشارع لمثل هذه السيرة ، فإنّهم لم يعملوا بقول من يسيئون الظنّ به ، وهذا ثابت في الشرع بمنطوق آية النبإ الشريفة ، كما أنّهم يأخذون بكلّ مخبر لا يساء الظنّ به في جملة من أُمورهم المعاشية وحياتهم اليومية ، كما يشترطون وثاقة المخبر أو تعدّده في بعض الموارد الهامّة كرفع الخصومات.

والشارع أمضى هذه الأُمور ، فمن الصنف الأوّل في باب صلاة المسافر في بيان مقادير المسافة المعتبرة في قصر الصلاة والإفطار في نهار شهر رمضان ، فتعيّنها في الطرق قد تحقّق من قبل من لا معرفة لنا بحاله من حيث الوثاقة ، وكذا ما ورد في الحجّ في أحكام الحرم ، وما ورد في باب المعاملات من الاعتداد بخرص الخارصين لبيع الثمار على الأشجار ، وبقول المرأة عند إخبارها بكونها خليّة ، وفي إخبار ذي اليد وشهادة القابلة ، وخبر ابن سفيان في غسل الجنابة في غَسل اللمعة المتبقية على الظهر (١) ، واعتماد أبي الحسن موسى الكاظم (عليه‌السلام) في سجن الفضل بن ربيع على قول الغلام عند إخباره بدخول وقت الصلاة (٢) ، وغير ذلك من الموارد.

__________________

(١) الوسائل : باب ٤٧ من أبواب النجاسات.

(٢) عيون أخبار الرضا (عليه‌السلام) : ٦٠.

٣٧٩

وأمّا الصنف الثاني فقد وردت أخبار تدلّ على حجّية قول الثقة في الموضوعات بعضها بالإطلاق وبعضها بإلغاء الخصوصية عن المورد بحسب المتفاهم العرفي.

ومنها : إطلاق قوله (عليه‌السلام) في موثّقة سماعة : سألته عن رجل تزوّج جارية أو تمتّع بها فحدّثه رجل ثقة أو غير ثقة ، فقال : إنّ هذه امرأتي وليست لي بيّنة؟ فقال (عليه‌السلام) : إن كان ثقة فلا يقربها ، وإن كان غير ثقة فلا يقبل منه. فالجواب مطلق ، وربما يقال بطرح الرواية لأنّها وردت في باب الخصومات. ويشترط فيها البيّنة شهادة العدلين ، وأُجيب عنه بأنّ الراوي ليس بصدد معرفة وظيفة القاضي عند فقدان البيّنة ، وإلّا لزم لغويّة فرض المدّعى بالوثاقة أو عدمها كما أنّ إنكار الخالي المرأة غير مقوّم للخصومة ، فلا بدّ من الإنكار الصريح الفعلي ، كما أنّ المتبادر من السؤال هو معرفة السائل عن حكم هذا الزوج مع زوجته كما يشهد الجواب بذلك.

ومنها : صحيح هشام بن سالم الواردة في باب ثبوت عزل الوكيل بإبلاغ الثقة وبالمشافهة.

قال (عليه‌السلام) : والوكالة ثابتة حتّى يبلغه العزل عن الوكالة بثقة يبلغه أو يشافه بالعزل عن الوكالة (١).

فجعل المشافهة بالعزل في عرض تبليغ الثقة ذلك. فكما أنّ المشافهة يفيد العلم فكذلك قول الثقة. ومع إلغاء الخصوصيّة في المورد ، يقال بحجّية خبر الثقة في

__________________

(١) الوسائل : باب ٣ من أبواب الزكاة.

٣٨٠