القول الرّشيد في الإجتهاد والتقليد - ج ١

السيّد عادل العلوي

القول الرّشيد في الإجتهاد والتقليد - ج ١

المؤلف:

السيّد عادل العلوي


الموضوع : الفقه
الناشر: مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي الكبرى
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
964-6121-61-6

الصفحات: ٤٧٢
الجزء ١ الجزء ٢

المتصوّرة في الاحتياط أكثر ممّا أفاده (قدس‌سره) ، ثمّ من الواضح اختلاف صوره في الحكم من حيث الوجوب وعدمه.

__________________

أقول : إنّ السيّد اليزدي (قدس‌سره) في هذه المسألة إنّما هو في مقام بيان صور الاحتياط وموارده ، والظاهر أنّه لم يكن في صدد حصر الصور ، فإنّها تزيد على ما ذكر كما أشرنا إلى ذلك في ما مرّ ـ والاحتياط تارة يكون مستحيلاً وأُخرى ممكناً ، والأوّل كدوران الأمر بين الواجب والحرام.

والثاني ذو صور :

منها : دوران الأمر بين الحرام وغير الواجب ، ومقتضى الاحتياط فيه هو الترك ، كشرب التتن والنظر إلى الأجنبيّة في الماء.

ومنها : دوران الأمر بين الواجب وغير الحرام ، والاحتياط مقتضٍ للفعل ، كالدعاء عند رؤية الهلال وكجلسة الاستراحة بعد السجدة الثانية.

ومنها : دوران الواجب بين فعلين ، والاحتياط يقتضي فعلهما معاً ، كصلاة الظهر والجمعة في يوم الجمعة ، والإخفات والجهر في صلاة الظهر يوم الجمعة.

ومنها : دوران الحرام بين فعلين ، ومقتضى الاحتياط تركهما معاً ، كترك الخنثى لبس المختصّ بالرجال وبالنساء.

ومنها : دوران الأمر بين الشرطيّة والمانعيّة ، وهو على نحوين : فتارةً يمكن الجمع بينهما في فعل واحد كالجهر والإخفات في القراءة ، وأُخرى لا يمكن فيأتي بالمأمور به أوّلاً مع المشكوك فيه ، وثانياً بدونه.

٢٤١

(المسألة الرابعة في العروة)

قال السيّد اليزدي (قدس‌سره):

مسألة ٤ : الأقوى جواز الاحتياط ولو كان مستلزماً للتكرار وأمكن الاجتهاد والتقليد.

جاء في الغاية القصوى (١ : ٦):

في قوله : (الأقوى جواز) ، قال : والمناقشات الخمسة أو الستّة الواردة عليه كلّها مدفوعة والتفصيل في محلّه.

وفي قوله : (ولو كان مستلزماً للتكرار) : مع صدق الإطاعة عليه وعدم لزوم أحد المحاذير التي مرّ ذكرها في الحواشي السابقة.

__________________

أقول : على سبيل منع الخلوّ إمّا أن يتمكّن المكلّف مع الاحتياط من الاجتهاد أو التقليد ، أو لا يتمكّن ، والثاني لا ريب ولا إشكال في جواز الاحتياط حينئذٍ. والكلام في الشقّ الأوّل ، فمنهم من أنكر جوازه مطلقاً ، ومنهم من قال بجوازه مطلقاً

٢٤٢

كما هو المختار ، ومنهم من قال بالتفصيل بين العبادات والمعاملات ، وبين ما يوجب التكرار وغيره.

وإنّما نذهب إلى الجواز كما هو الأقوى عند السيّد اليزدي وسيّدنا الأُستاذ وكثير من الأصحاب لقضاء العقل بتحقّق الامتثال ، وفي العبادات مع قصد المكلّف الإطاعة بإتيان جميع المحتملات حال كونه عالماً بأنّ أحدها مأمور به. فلا فرق عقلاً بين أن يأتي المكلّف بفعل واحد يعلم أنّه المأمور به وبين الامتثال بإتيان المحتملات التي منها المأمور به ، ففي كلاهما درك الواقع المؤمّن من العقاب.

كما يحكم بذلك الشرع أيضاً ، ويدلّ عليه ترك الاستفصال الوارد في الخبر في السؤال عن قبلة المتحيّر؟ فأمر الإمام (عليه‌السلام) أن يصلّي إلى أربع جوانب ، فلم يسأله عن فحصة للقبلة ، وترك الاستفصال كالإطلاق ، يعمّ صورة إمكان الفحص عن القبلة أيضاً (١).

فالمقتضي لجواز الاحتياط عقلاً ونقلاً موجود ويبقى إثبات عدم المانع حتّى يتمّ المطلوب.

فيقال : قد ذكروا موانعاً قابلة للنقاش :

أحدها : الإجماع بأنّه لا يكتفى بالاحتياط إذا توقّف على تكرار العبادة.

وأُورد عليه أنّه لم يثبت تعبّديّته ، بل ربما يكون من المدركيّ لاعتماد المجمعين على بعض الوجوه الاستحسانيّة من الظنّ المطلق ، كما أنّه لم يذكر الفقهاء في العبادات

__________________

(١) جامع أحاديث الشيعة ٢ : ١٩٤.

٢٤٣

أنّ التكرار من مبطلاتها ، بل أفتوا في بعض الموارد بالاحتياط بالتكرار.

الثاني : السيرة العمليّة بين المسلمين على الاجتهاد والتقليد وإعراضهم عن الاحتياط.

وأُجيب بأنّ الإعراض لما في الاحتياط من المشقّة والصعوبة ، فليست شرعيّة محضة.

الثالث : ما حكي عن ابن إدريس الحلّي في السرائر في مسألة الصلاة في الثوبين المشتبهين أنّه قال بعد جواز التكرار للاحتياط حتّى في صورة عدم التمكّن من العلم التفصيلي بالمتنجّس لفوات قصد الوجه المعتبر عنده في العبادات وصفاً أو غاية ، كما يقال أُصلّي صلاة الظهر لوجوبها أو أُصلّي الواجب.

فباعتبار قصد الوجه وكذا قصد التمييز منعوا عن العمل بالاحتياط.

وأُجيب : إنّ قصد الوجه في العبادات غير ثابت شرعاً ، فإنّه ممّا يغفل عنه الناس عامّة ، فلو كان واجباً لكان على الشارع بيان ذلك ، فإنّ عدم الاعتبار مخلّ بمقصوده ، وعدم البيان دليل العدم ، كما يقتضيه الإطلاق المقامي ، وكذلك قصد التمييز.

الرابع : إنّ التكرار ممّا يصدق معه اللعب والعبث بأمر المولى عزوجل ، وربما يزيد على العشرات المرّات كمن يصلّي إلى أربع جهات مع الشكّ في بعض

٢٤٤

الشرائط.

وأُجيب بمنع الكلّية ، فإنّ في التكرار شدّة اهتمام بأمر المولى وأبلغ في الإطاعة واستشعار العبوديّة ، كما قد يكون في الفحص بالاجتهاد أو التقليد من المشقّة ما لا يكون في الاحتياط ، كما إنّ العبثيّة لو ثبتت فإنّها في كيفيّة الإطاعة والامتثال لا في أصلها فلا يقدح في حصولها.

الخامس : إنّ الاحتياط يستبطنه الترديد ، فالامتثال به احتمالي بخلاف الامتثال في الاجتهاد أو التقليد ، فإنّه من الجزمي ومن الواضح عدم صحّة الاحتمال مع الجزم.

وأُجيب : إنّ الامتثال في الاحتياط ممّا يصدق عليه الجزم ، فإنّ المفروض إتيان جميع المحتملات ، فيقطع المكلّف بدرك الواقع وإتيان المأمور به.

السادس : يشترط في العبادة أن يكون بنيّة القربة وقصد الامتثال ونيّة الأمر ، ومع تكرار العبادة بالاحتياط يلزم الإخلال بهذه النيّة ، فإنّ الفعل يكون بداعي احتمال الأمر لا بداعي نفس الأمر.

وأُجيب : إذا كان المقصود من فوات نيّة الأمر في أحد الفعلين فالمفروض باعتبار الاحتياط والتكرار أن لا يكتفى به ، وإن أُريد به المجموع فقصد ذات الأمر متحقّق باعتبار أنّ الإتيان بهما قد كان بداعي ذات الأمر الإلهي المعلوم إجمالاً لا مجرّد احتماله. ثمّ المأتيّ به بداعي احتمال الأمر إنّما قصد به نفس الأمر فإنّه

٢٤٥

لا موضوعيّة للاحتمال ، فإنّ المقصود من الاحتياط هو قصد الرجاء الذي يلزمه قصد المرجوّ ، والاهتمام بالاحتمال من أجل الاهتمام بالمحتمل ، وسلمنا فوات نيّة الأمر بالاحتياط فإنّه لا يضرّ ذلك بالعبادة ، فإنّه لا دليل لنا على اعتبار قصد الأمر بالعبادة ، فتأمّل.

السابع : ما يذهب إليه المحقّق النائيني (قدس‌سره) كما مرّ من تقديم الامتثال التفصيلي على الإجمالي المستلزم للتكرار في العبادة لفوات الانبعاث من بعث المولى في الإجمالي ، فإنّ الانبعاث فيه باعتبار احتمال البعث لا نفسه.

وأُجيب : إنّ الانبعاث الحقيقي في الانبعاث الإجمالي من نفس بعث المولى متحقّق كما يشهد بذلك الوجدان ، كما لا دليل لنا على الانبعاث في الإجمالي من جهة احتمال البعث لا نفسه ، فإنّه لا موضوعيّة للاحتمال ، وإلّا للزم كفاية الفعل الواحد.

ثمّ يرى أنّه لو وقع الشكّ في ذلك فإنّ الأصل يقتضي الاشتغال لأنّه من موارد التعيين والتخيير ، وأجبناه بأنّ الشكّ فيه إلى اشتراط أمر زائد على الطبيعة المأمور بها ، فهو مورد البراءة.

آراء الأعلام :

في قوله : (للتكرار) ،

قال الفيروزآبادي : مع صدق الإطاعة وأن لا يعدّ العمل لعباً.

٢٤٦

وفي قوله : (أو التقليد) ،

قال النائيني : إلّا إذا كانت عبادة فإنّ الأحوط بل الأقوى حينئذٍ تعيّن الاجتهاد أو التقليد ، نعم لو أتى بالمحتمل الآخر رجاءً للمحبوبيّة وإدراك الواقع بعد الإتيان بما أدّى إليه تقليده أو اجتهاده كان حسناً.

٢٤٧

(المسألة الخامسة في العروة)

قال السيّد اليزدي (قدس‌سره):

مسألة ٥ : في مسألة جواز الاحتياط يلزم أن يكون مجتهداً أو مقلّداً لأنّ المسألة خلافيّة.

جاء في الغاية القصوى (١ : ٦):

في قوله : (مجتهداً) ، قال : فيما لو درى كون الاحتياط في العمل سبباً لأداء الواجب المستلزم للأمن من كوارث مخالفته.

وفي قوله : (أو مقلّداً) ، قال : فيما لو أدرك عقله حجّية رأي الغير إذا كان من أهل الخبرة.

وفي قوله : (لأنّ المسألة خلافيّة) ، قال : لا مساغ لهذا التعليل بعد انتقاضه طرداً وعكساً.

__________________

أقول : اختلف الأعلام في جواز الاحتياط مطلقاً أو مع التمكّن من الاجتهاد

٢٤٨

أو التقليد ، فمنهم من لم يجوّز الاحتياط لو لم يكن عن اجتهاد أو تقليد ، والاحتياط بلا اجتهاد أو تقليد ليس باحتياط ، فإنّه يلزم من وجوده عدمه ، فالاحتياط في ترك الاحتياط.

وقيل : أصل تحقّق الاحتياط مشروط بأن يكون اجتهاداً أو تقليداً.

وقيل : لمّا كان ملاك الاحتياط هو امتثال الواقع ولو إجمالاً وأنّه مبرئ للذمّة ومسقط للتكليف فلا بدّ من حكم العقل بجوازه ، فإن أدرك ذلك بحسب عقله فهو مجتهد ، وهذا الاجتهاد يختلف عن الاجتهاد في المسائل والفروع الفقهيّة. وإن تبع في ذلك غيره فهو مقلّد في المسألة.

فكان الصواب أن يعلّل ذلك بهذا الوجه لا بأنّ المسألة خلافيّة كما في المتن. فإنّه لو كانت المسألة إجماعيّة أيضاً كان يلزم عليه الاجتهاد أو التقليد في حجّية الإجماع وفي تحصيله. وربما يحمل قوله (خلافيّة) على كون المسألة نظريّة وليست بضروريّة حتّى لا يحتاج إلى الاجتهاد أو التقليد (١).

آراء الأعلام :

في قوله : (أو مقلّداً) ،

قال كاشف الغطاء : لكن لو عمل بالاحتياط بغير اجتهاد ولا تقليد أجزأه ، لأنّه أحرز الواقع.

__________________

(١) الاجتهاد والتقليد ؛ السيّد رضا الصدر : ٢٦٤.

٢٤٩

المسألة الثالثة في المنهاج

قال سيّدنا الأُستاذ (قدس‌سره):

٣ ـ وفي الضروريات لا معنى للتقليد كوجوب الصلاة وكذا في اليقينيات إذا حصل له اليقين وفي غيرهما يجب التقليد إن لم يكن مجتهداً إذا لم يمكن الاحتياط وإن أمكن تخيّر بينه وبين التقليد.

(المسألة السادسة في العروة)

قال المحقّق اليزدي (قدس‌سره):

مسألة ٦ : في الضروريات لا حاجة إلى التقليد كوجوب الصلاة والصوم ونحوهما. وكذا في اليقينيات إذا حصل له اليقين ، وفي غيرهما يجب التقليد إن لم يكن مجتهداً إذا لم يتمكّن من الاحتياط ، وإن أمكن تخيّر بينه وبين التقليد.

جاء في الغاية القصوى (١ : ٧):

في قوله : (لا حاجة) ، قال : لو كانت الضروريّة محرزة لدى

٢٥٠

المكلّف لا معنى للتقليد فيها إلّا أنّه لا حاجة إليه.

__________________

أقول : لمّا كان التقليد بمعنى رجوع الجاهل إلى العالم ، فإنّه إنّما يتمّ في المسائل النظريّة من الفقه الإسلامي ، فلا تقليد ولا اجتهاد في ما كان بديهيّاً ضرورياً في الإسلام كوجوب الصلاة والصوم فكلّ واحد يعرف ذلك حتّى الأولاد الذين لم يبلغوا سنّ التكليف ، وكذا لا اجتهاد ولا تقليد في ما حصل له اليقين ، فإنّ المقصود منهما هو حصول العلم واليقين فإذا كان له ذلك فإنّه يلزم تحصيل الحاصل ، فيصحّ عمل العامي لو حصل له اليقين بالأحكام الشرعيّة من أيّ طريق كان.

ويذهب السيّد الحكيم (قدس‌سره) في تعليل عدم التقليد في الضروريّات واليقينيّات بأنّ وجوب العمل شرعاً برأي الغير حكم ظاهريّ وهو يختصّ بحال الشكّ ، فيمتنع جعل حجّية رأي الغير الذي هو عبارة عن التقليد مع وجود العلم واليقين.

وأُجيب : إنّ وجوب العمل برأي الغير كوجوب العمل بسائر الحجج فإنّه حكم واقعي والحكم الظاهري ما يستفاد من مداليل تلك الحجج ، كما إنّ وجوب التقليد إرشاد من العقل للحكم بصحّة عبادات العاميّ ومعاملاته بالتقليد.

ثمّ إذا لم يكن مجتهداً ولم يتمكّن من الاحتياط فيتعيّن عليه التقليد ، فإنّه من الواجب التخييري وإذا تعذّر أحدهما تعيّن الآخر بحكم العقل.

والتقليد إنّما هو طريق لحصول العلم بامتثال الأحكام.

٢٥١

آراء الأعلام :

في قوله : (في الضروريات) ،

قال الشيرازي : إذا كان عنده ضروريّاً ، وأمّا الشاكّ فيجب عليه التقليد ، ولو في ما كان ضرورياً عند الناس.

٢٥٢

المسألة الرابعة في المنهاج

قال سيّدنا الأُستاذ (قدس‌سره):

٤ ـ وعمل العامي بلا تقليد ولا احتياط باطل.

(المسألة السابعة في العروة)

قال المحقّق اليزدي (قدس‌سره):

مسألة ٧ : عمل العامي بلا تقليد ولا احتياط باطل.

وجاء في الغاية القصوى (١ : ٧):

في قوله : (باطل) ، قال : ظاهراً بنظر العقل في مقام الامتثال فلا يجوز الاكتفاء به والاقتصار عليه في الاطمئنان بالبراءة والأمن من العقوبة ما لم تنكشف صحّة العمل ، وأمّا لو انكشفت مطابقة عمله مع الواقع أو مع فتوى من يجوز تقليده فلا ريب في الصحّة.

__________________

أقول : لمّا كان المقصود هو الخروج عن عهدة التكاليف الثابتة إجمالاً ،

٢٥٣

والأمن من العقاب بالامتثال ودرك الواقع ولو تعبّداً ، فالعقل يحكم حينئذٍ بأنّ من لم يكن مجتهداً في الخلاص من عهدة التكاليف لا بدّ أن يكون مقلّداً أو محتاطاً ، فإنّ عمل العامي غير المجتهد بلا تقليد ولا احتياط باطل عقلاً لاحتمال عدم مطابقة العمل للواقع ، فلو علم بعد العمل بصحّته واقعاً أو ظاهراً لمطابقته لرأي من يجب عليه تقليده أو كان مطابقاً لرأيه فإنّه يكتفى به بحكم العقل ، أي لا يصحّ عقلاً أن يقتصر على التقليد في مقام الامتثال ما لم تنكشف صحّته ومطابقته للواقع أو لرأي من يجوز تقليده فلا يجب عليه الإعادة حينئذٍ ، فلا يلزم البطلان رأساً بحيث يجب عليه الإعادة أو القضاء مطلقاً حتّى يكون المراد من البطلان حينئذٍ البطلان الشرعي كما توهّمه بعض المحشّين فقيّد البطلان بما إذا لم يصادف الواقع أو لم يتحقّق منه قصد القربة.

وهذا البطلان العقلي إنّما استظهرناه من الوجوب المذكور في المقام في المسألة الاولى في قوله (يجب على كلّ مكلّف ..) كما مرّ مفصّلاً ، فراجع.

فعمل العامي لو كان جاهلاً بالحكم لا يجزي ما دام جاهلاً لاحتمال فساد العمل عقلاً ، فإذا انكشف مطابقته للواقع أو لمن كان يجب عليه تقليده يحكم بالصحّة ويترتّب عليه آثارها.

فمن غسل ثوبه المتنجّس بالماء الطاهر مرّة واحدة وهو لا يعلم كفايتها ، فلا يترتّب آثار الطهارة عليه لاحتمال عدم حصولها ومقتضى الاستصحاب نجاسة الثوب ظاهراً ، فإذا علم حصول الطهارة بالغسل مرّة أو كان مطابقاً لفتوى من يجب تقليده ، فإنّه يجتزى به ويرتّب عليه آثار الطهارة. وهذا معنى البطلان العقلي.

٢٥٤

آراء الأعلام :

في قوله : (باطل) ،

قال الأصفهاني : إذا كان مخالفاً للواقع ، أو كان عبادة ولم يحصل منه قصد القربة

كما سيأتي.

وقال النائيني : إذا لم يكن مطابقاً لرأي من يتبع قوله تعييناً ، وإلّا فلا وجه لإطلاقه بعد حجّية رأيه في حقّه كذلك بلا اعتبار البناء على اتباع قوله في حجّيته كما هو الشأن في سائر الحجج الشرعيّة ، ولذا نلتزم بعدم وجوب الموافقة الالتزامية فيها ، نعم مع عدم تعيين اتّباع رأيه لا محيص من دخل الالتزام والبناء على اتّباعه في حجّية رأيه ، ومن هذا البناء أيضاً ينتزع التقليد وإن لم يعمل فسقاً ، ولا اختصاص لهذه الجهة في المقام ، بل في جميع موارد التخيير في المسألة الأُصوليّة يعتبر للبناء على الأخذ بأحدهما في حجّيته ، فقبل البناء المزبور لا يكون في البين ملزم شرعي ، وإنّما يلزم العقل بالأخذ المزبور بمناط وجوب تحصيل الحجّة عند التمكّن كما هو ظاهر هذا.

وقال آل ياسين : إذا خالف الواقع أو كان عبادة ولم يتأتّ منه قصد القربة ، وإلّا صحّ مطلقاً.

وقال البروجردي : يأتي التفصيل.

وقال الجواهري : إلّا إذا وافق الواقع أو رأي من يقلّده.

وقال الحكيم : بمعنى أنّه لا يجتزى به حتّى يعلم أنّه صحيح بنظر المجتهد الذي يقلّده

٢٥٥

بعد العمل.

وقال الخميني : إلّا إذا طابق رأي من يتّبع رأيه.

وقال الخوانساري : إذا خالف الواقع وأمّا إذا اعتمد على قول من يجوز الرجوع إليه ، فيحكم بالصحّة وإن خالف الواقع لكن مع الاعتماد على قوله ، ومع عدم الاعتماد مشكل.

وقال الخوئي : بمعنى أنّه لا يجوز الاقتصار عليه في مقام الامتثال ما لم تنكشف صحّته.

وقال الشيرازي : إن لم يطابق الواقع أو فتوى من يجب عليه تقليده.

وقال الفيروزآبادي : إلّا مع تحقّق القربة والمطابقة.

وقال كاشف الغطاء : أي لا يحصل به يقين البراءة ، فلو انكشف مطابقته للواقع وكان من المعاملات أو الإيقاعات أو الواجبات التوصّلية بل والتعبّدية إذا حصلت منه نيّة القربة صحّ على الأقوى ، بل لا إشكال في الصحّة.

وقال الگلپايگاني : يأتي تفصيله إن شاء الله.

وقال النائيني : إذا خالف الواقع ، أو كان عبادة ولم يتمكّن من قصد القربة لتزلزله وجهله.

٢٥٦

المسألة الخامسة في المنهاج

قال سيّدنا الأُستاذ (قدس‌سره):

٥ ـ أمّا لو انكشفت مطابقة عمله مع الواقع أو مع فتوى من يجوز تقليده فلا ريب في الصحّة.

__________________

أقول : ما ذكر في هذه المسألة إنّما هو تتمّة المسألة السابقة ، فلمّا كان المراد من البطلان هو البطلان العقلي ، فلا معنى لهذه الإشارة ، فإنّها إنّما تتلائم مع البطلان الشرعي كما يستظهر ذلك من كلمة الصحّة ، فتدبّر.

٢٥٧

المسألة السادسة في المنهاج

قال سيّدنا الأُستاذ (قدس‌سره):

٦ والتقليد هو العمل المستند إلى فتوى الغير أو الاستناد إليه في مقام العمل أو تطبيق عمله على فتواه ، فلما لم يتحقّق العمل لم يتحقّق التقليد فهو عنوان العمل.

(المسألة الثامنة في العروة)

قال المحقّق اليزدي (قدس‌سره):

مسألة ٨ : التقليد هو الالتزام بالعمل بقول مجتهد معيّن ، وإن لم يعمل بعد ، بل ولو لم يأخذ بفتواه ، فإذا أخذ رسالته والتزم بما فيها كفى في تحقّق التقليد.

جاء في الغاية القصوى (١ : ٧):

في قوله : (التقليد هو الالتزام) ، قال : الأقوى إنّ التقليد هو العمل المستند إلى فتوى الغير أو الاستناد إليه في مقام العمل أو تطبيق عمله

٢٥٨

على فتواه فما شئت فعبّر ، وعلى أيّ حال ما لم يتحقّق العمل لم يتحقّق التقليد فهو عنوان للعمل ، فبالعمل الأوّل يتحقّق التقليد مقارناً ولا إشكال فيه ، وأمّا ما قيل في معناه من الوجوه ككونه الالتزام بالعمل بفتاويه ، أو أخذها للعمل أو تعلّمها للعمل أو غيرها ، فكلّها مدخولة والتفصيل موكول إلى محلّه ، والإشكال بكونه قسيماً للاجتهاد المتقدّم على العمل مندفع بأدنى تأمّل ، ثمّ قد ظهر ممّا ذكرنا أنّ المكلّف يقال له المقلّد لتقليده عمله على عنق المجتهد.

وفي قوله : (بقول مجتهد) ، قال : لقد أجاد (قدس‌سره) حيث عبّر بالمجتهد بدل لفظ الغير لشمول ذلك الأخذ بقول البيّنة ونحوها ، لكن الذي يسهّل الخطب إرادة الرأي من القول.

وفي قوله : (معيّن) ، قال : التقيّد بالتعيّن لا وجه له في صورة اتحاد المجتهد لعدم التعدّد ولا في صورة التعدّد مع اتفاق الفتاوى لمكان حجّية الجامع بينها ، ولا في صورة التعدّد والاختلاف لو قيل بالسقوط عند التعارض وكون المرجع الاحتياط.

__________________

أقول : التقليد لغةً : بمعنى وضع القلادة في عنق الغير فيقال : قلّدت الفتاة أو جعلت القلادة في عنقها.

واختلف الأعلام في معنى التقليد المصطلح على أقوال عديدة كما ذكرنا تفصيل ذلك.

٢٥٩

١ ـ ففي النهاية والمعالم وشرح المختصر ورسالة الشيخ الأنصاري نسبته على علماء الأُصول ، أنّه (العمل بقول الغير من غير حجّة ومطالبة دليل).

٢ ـ وعن جامع المقاصد وبعض ، أنّه : (قبول قول الغير).

٣ ـ وعن فخر المحقّقين : (قبول قول الغير في الأحكام الشرعيّة من غير دليل على خصوص ذلك الحكم). بل بنحو الإجمال يقبل قوله بأنّه في كلّ مسألة يقول : (هذا ما أفتى به المجتهد والمفتي ، وكلّ ما أفتى به فهو حكم الله في حقّي ، فهذا حكم الله في حقّي).

٤ ـ وعن الفصول والكفاية أنّه : (الأخذ بقول الغير ورائه للعمل به في الفرعيّات أو للالتزام به في الاعتقاديات تعبّداً بلا مطالبة دليل على رأيه).

٥ ـ وذهب السيّد اليزدي (قدس‌سره) وجمع أنّه (الالتزام بالعمل بقول مجتهد معيّن وإن لم يعمل بعد ، بل ولو لم يأخذ).

٦ ـ وقيل : إنّه تعلّم الفتوى للعمل.

٧ ـ وقيل : إنّه (متابعة قول الغير ورائه).

٨ ـ وقيل : إنّه (الالتزام والتعلّم كليهما).

ثمّ يا ترى هل الاختلاف عند الأعلام لفظيّاً وإنّ المعنى واحد ، أو جوهريّا معنويّاً يترتّب عليه آثار مختلفة؟

قال صاحب المستمسك (قدس‌سره) : (هذا الاختلاف وإن كان بدواً ظاهراً في الاختلاف في معنى التقليد ومفهومه إلّا أنّ عدم تعرّضهم للخلاف في ذلك مع تعرّضهم لكثير من الجهات غير المهمّة ، يدلّ على كون مراد الجميع واحداً وأنّ

٢٦٠