القول الرّشيد في الإجتهاد والتقليد - ج ١

السيّد عادل العلوي

القول الرّشيد في الإجتهاد والتقليد - ج ١

المؤلف:

السيّد عادل العلوي


الموضوع : الفقه
الناشر: مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي الكبرى
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
964-6121-61-6

الصفحات: ٤٧٢
الجزء ١ الجزء ٢

حيث يدلّ على ذلك ما رواه الكافي عن يزيد بن خليفة عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) : أنّ عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت؟ فقال (عليه‌السلام) : إذن لا يكذب علينا.

ورواية التهذيب عنه : قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : القنوت يوم الجمعة؟ فقال (عليه‌السلام) : أنت رسولي إليهم.

ورواية البصائر عنه : قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) : أظنّ أنّ لي عندك منزلة؟ قال (عليه‌السلام) : أجل.

ورواية العوالم عن أعلام الديلمي عن كتاب الحسين بن سعيد أنّ أبا عبد الله (عليه‌السلام) قال له : يا أبا صخر كنية عمر بن حنظلة أنتم والله على ديني ودين آبائي.

ورواية الروضة عنه قال : قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : لا تحملوا على شيعتنا وارفقوا بهم فإنّ الناس لا يحملون ما تحملون.

وممّا يدلّ على وثاقته قبول الأصحاب رواياته ، كما أنّ مستند الرؤية منحصر بروايته (١).

وقال العلّامة التبريزي في تعليقته على الرسائل ، وهي المسمّاة بأوثق الوسائل : وصف المقبولة في البحار بالصحّة ، ووصفها في الوافية بالموثّقية ، وليس في السند من يوجب القدح فيه إلّا رجلان.

١ ـ داود بن حصين ، وقد وثّقه النجاشي وقال : كوفي ثقة ، وعن الشيخ محمّد

__________________

(١) الاجتهاد والتقليد ؛ السيّد رضا الصدر : ١٩٢.

١٨١

ابن صاحب المعالم أنّه إذا قال النجاشي : ثقة ، ولم يتعرّض لفساد المذهب فظاهره أنّه عدل إمامي لأنّ ديدنه التعرّض للفساد ، فعدمه ظاهر في عدم ظفره ، وهو ظاهر في عدمه ، لبعد وجوده مع عدم ظفره ، لشدّة بذل جهده وزيادة معرفته ، وعليه جماعة من المحقّقين.

وقال الشيخ في رجاله في أصحاب الكاظم (عليه‌السلام) : إنّه واقفيّ. فمن وصف الرواية بالصحّة نظر إلى توثيق النجاشي ، ولا يعارضه قول الشيخ لكون النجاشي أثبت وأضبط كما قيل. ومن وصفها بالتوثيق جمع بين الوقف والثقة ، وإلى عدم ثبوت كون مراد النجاشي هو التعديل ، وإلى تقدّم الجرح على التعديل.

٢ ـ عمر بن حنظلة : ولم يذكره أصحاب الرجال بمدح ولا ذمّ ، إلّا الشهيد الثاني في شرح بداية الدراية حيث قال : إنّ عمر بن حنظلة لم ينصّ الأصحاب عليه بجرح ولا تعديل ولكن حقّقت توثيقه من محلّ آخر. وقال ولده المحقّق الشيخ حسن : فيه ما هو غير خفي على من راجع كتب الرجال. وكيف كان فلا تأمّل في قبول الرواية ، لقبول الأصحاب لها مضافاً إلى رواية المشايخ الثلاثة في كتبهم. انتهى (١).

ويرى العلّامة السيّد رضا الصدر (قدس‌سره) : إنّ قبول الأصحاب رواية راوٍ لم يوصف بجرح كالمعدّل له ، كما يقرّ به من حدّ الوسط والشكّ إلى طرف الوثاقة والتعديل. كما صرّحوا في باب العدالة بأنّ الشهادة الفعليّة بعدالة أحد تقوم مقام

__________________

(١) المصدر : ١٩٣.

١٨٢

الشهادة القوليّة. كما أنّ الحديث يكون صحيحاً في اصطلاح القدماء للصحيح فإنّ الوثوق بصدوره حاصل من رواية المشايخ المحامد الثلاثة ، ومن اشتهاره بين الأصحاب ، ومن تلقّيهم له بالقبول ، وعملهم به في باب التعارض بين الأخبار.

وقد ترجمه العلّامة المامقاني (قدس‌سره) بالتفصيل في كتابه القيّم (تنقيح المقال) (١) ، وقد ذكر بعض الروايات كما ذكرناها وأنّها تدلّ على وثاقة الرجل كما ذكر مؤيّدات لذلك وقال أخيراً : الأقوى وثاقة الرجل.

ولهذا اشتهرت بين الأصحاب بالمقبولة ، كما أنّ في سندها صفوان بن يحيى وهو من أصحاب الإجماع ، فالسند لا غبار عليه ، كما هو المختار.

وأمّا المناقشة في الدلالة :

١ ـ فقيل : إنّ المراد من المقبولة هو قاضي التحكيم المختصّ بزمان الحضور ، فإنّه لا سبيل إلى حملها على باب القضاء ؛ لأنّ القاضي في الإسلام لا يكون في المرافعة إلّا واحداً ، كما إنّه ليس تعيين القاضي بيد المتخاصمين معاً ، بل هو من حقّ المدّعى أوّلاً ، كما لا سبيل إلى حملها على باب الفتوى ، لظهور قوله : فتحاكما إلى السلطان هو غير المفتي ، كما إنّه ليس من وظائف المستفتي عند تعارض أقوال المفتين هو الرجوع إلى المرجّحات ، وصعوبة ذلك عليه غالباً ، فيتعيّن حمل المقبولة على قاضي التحكيم المختصّ بزمان الحضور ظاهراً كما يشهد بذلك قوله (عليه‌السلام) في ذيل

__________________

(١) تنقيح المقال ١ : ٢٤٢.

١٨٣

الرواية : (فأرجه حتّى تلقى إمامك) فالشبهة وإن فرضت حكمية ، إلّا أنّ إزالتها بهذه الكيفية ليس بيد المستفتي.

٢ ـ ثمّ عدم القول بالفصل وبطلان الإجماع المركّب كما مرّ ، لا ينفع في مقام الاحتجاج ، فإنّ المفيد هو نفي الفصل وهو غير ثابت في المقام.

قال المحقّق الأصفهاني : والإجماع على الملازمة ، بين لزوم الرجوع إلى الأفضل ولزوم الترافع عنده غير مسلّم ، وعهدته على مدّعيه. وعلى فرض ثبوته لا دلالة للمقبولة على لزوم الترافع عند الأفضل حتّى يجب تقليده بالإجماع على الملازمة.

٣ ـ هذا ويمتاز المجتهد عن الحاكم بمزايا عديدة ، فلا يقاس أحدهما على الآخر ، فإنّه لا يجوز تقليد المجتهد عن غيره ، وإن جاز ترافع المجتهدين إلى ثالث.

٤ ـ كما لا يجوز الحكم عن مجتهد بما يخالف حكم القاضي ، وإن جاز الإفتاء بخلاف فتوى المجتهد الثاني.

٥ ـ كما في القضاء إنّما يكون مع عنوان الخصومة ، ولكن في الإفتاء إنّما هو التسليم لأمر الله سبحانه ، فترجيح حكم أحد الحكمين على ما حكم به الآخر بمزايا وصفات لا يستلزم لترجيح فتوى أحد المجتهدين على ضوء الآخر.

٦ ـ كما أنّ الخصومة لا ترتفع بالتخيير عند مساواة الحكمين في جميع الصفات بخلاف المجتهدين ، فتأمّل.

٧ ـ كما أشكل على الدلالة أيضاً بأنّ الأوصاف الأربعة في الرواية إنّما ذكرت بواو الجمع ، لا (أو) التخيير ، فيلزم اجتماع الأوصاف ، لا الاكتفاء بالأعلمية فقط

١٨٤

لقوله (أفقههما).

٨ ـ كما إنّ غاية ما يدلّ الخبر هو نفوذ حكم الأعلم ، ولا يعني عدم نفوذ حكم من هو دونه من الفقهاء.

٩ ـ كما لا ملازمة بين نفوذ حكم الأعلم ونفوذ فتواه ، فلا يلزم من المقبولة تعيّن المراجعة إلى فتوى الأعلم وعدم اعتبار فتوى غيره ، فلا مانع بالرجوع إلى الأعلم وغيره عند المعارضة ، وغاية ما يدلّ على سلب حكم غير الأعلم عدم نفوذ حكمه لا عدم نفوذ فتواه. وقد ذكرنا أنّ قياس الفتوى على الحكم قياس مع الفارق.

١٠ ـ فلا معنى للتخيير بين الحكمين فإنّه لا ترتفع الخصومة بالتخيير ولمثل هذا قال (عليه‌السلام) : (أرجه إلى أن تلقى إمامك) فأمره بالتوقّف بخلاف إمكان التخيير في الفتوى.

١١ ـ ثمّ الشارع حفظاً لحقوق الناس أمر بأخذ الأعلم في الحكم لقربه بنظره إلى الواقع وهذا بخلاف الفتوى ، فدعوى القطع بوحدة الملاك في باب القضاء وباب الفتوى تهكّم وتحكّم.

١٢ ـ كما إنّ الأصدقيّة يصدق في المرجّحية في باب القضاء دون الفتوى.

١٣ ـ كما إلحاق الفتوى بالقضاء لعدم القول بالفصل غير ظاهر.

١٤ ـ كما إنّ تقديم أفقه الحكمين لو كان في بلد واحد فيكفي ذلك ، بخلاف الأفقه في الفتوى ، فإنّه لا بدّ من ملاحظة كلّ البلاد ، فلو كان في البلد فقيهان أحدهما أعلم من الآخر لا يجوز تقليد الأعلم منهما ، إذا كان في بلد آخر من هو أعلم منهما.

١٨٥

١٥ ـ كما أنّها تقتضي ترجيح الأعلم من الحكمين لا الأعلم من جميع الناس المدّعى في المقام.

فالمقبولة كما لا تدلّ بصدرها على أصل التقليد لا تدلّ بذيلها على لزوم تقليد الأعلم ، فتدبّر.

ومن الروايات الشريفة : ما ورد في اختصاص الشيخ المفيد بسنده عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أنّه قال : من تعلّم علماً ليماري به السفهاء ويباهي به العلماء ويصرف به الناس إلى نفسه ، يقول أنا رئيسكم فليتبوّأ مقعده من النار ، ثمّ قال : إنّ الرئاسة لا تصلح إلّا لأهلها ، فمن دعا الناس إلى نفسه وفيهم من هو أعلم منه لم ينظر إليه يوم القيامة (١).

فالرواية تدلّ على أنّه لا يجوز لغير الأعلم أن يتصدّى مقام الإفتاء ودعوة الناس إلى نفسه مع وجود الأعلم ، ولازم ذلك عدم جواز تقليده ، فإنّه لو كان جائزاً لما كان محرّماً؟

وأُورد عليها بضعف سندها للإرسال ، كما نوقش في دلالتها بأنّه لعلّ المراد من الرئاسة بمعنى الخلافة والإمامة ، فهي التي لا تصلح إلّا لأهلها ، ولا وجه لاشتراط الأعلميّة في الرئاسة المجرّدة عن دعوة الخلافة والإمامة. إلّا أنّه هذا من المصادرة بالمطلوب أوّلاً ، وثانياً ذهب المشهور إلى اعتبار الأعلمية في المفتي المرجع ، نعم

__________________

(١) الاختصاص : ٢٥١ ، وفي البحار ٢ : ١١٠.

١٨٦

ربما يقال إنّ الحكم فيها إنّما هو من الأحكام الأخلاقيّة الإنسانية ، ولا يستفاد منه الحكم التكليفي الشرعي ، ولكن مع وجود المقتضي وعدم المانع لا ضير في استفادة الحكم الشرعي أيضاً ، فتأمّل.

ومنها : ما ورد في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) : (أولى الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاؤوا به) (١).

فالخبر يدلّ بوضوح على أولويّة الأعلم ، حتّى قال صاحب الذريعة : يستفاد من ذلك تعيّن تقليد الأعلم زائداً على ما استدلّوا به عليه (٢).

لكن قيل في مناقشة الخبر إنّه يدلّ على رجحان تقديم الأعلم ، وما نحتاجه وجوب التقليد شرعاً ، كما إنّ المقصود تقليد الأعلم في الأحكام الشرعيّة الفرعيّة ، والأولويّة عامّة ، فأولى الناس بالأنبياء بما جاؤوا به من الأُصول والفروع والمعارف الإلهيّة.

ومن الروايات التي يستدلّ بها على تقليد الأعلم ما ورد عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) في عهده لمالك الأشتر لمّا ولّاه مصر فقال (عليه‌السلام) : ثمّ اختر للحكم بين الناس أفضل رعيّتك في نفسك ممّن لا تضيق به الأُمور ولا تمحكه الخصوم .. إلى أن قال :

__________________

(١) قصار الحكم من نهج البلاغة : ٩٦.

(٢) الذريعة ٥ : ٢٩٠ ، الدرّ النضيد ١ : ٢١٤.

١٨٧

وأفقههم في الشبهات وآخذهم بالحجج .. (١).

والاستدلال إنّما يتمّ به بناءً على شمول الحكم للإفتاء أيضاً. كما ورد الذمّ على من يتصدّى للقضاء وفي المصر من هو أفضل منه.

فأمير المؤمنين (عليه‌السلام) أمر مالك بأن يختار الأفضل من رعيّته للحكم الذي هو أعمّ من القضاء المصطلح فيعمّ الفتوى ، فيدلّ على وجوب تقليد الأعلم.

وقد وقعت المناقشة أيضاً من جهة السند والدلالة.

فقيل بضعف السند للإرسال ، وجوابه واضح فإنّ العهد العلويّ قد ورد في نهج البلاغة ، وقد حقّق أساطين العلم والفنّ سنده بالتفصيل ، كما أنّ هذا العهد بالخصوص ممّا تلقّاه الأصحاب بالقبول خلفاً عن سلف ، وقد شرحوه بشروح كثيرة ومصنّفات قيّمة ، ومتنه أصدق شاهد على صحّته ، فإنّه فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق ، وإنّه كلام الإمام وإمام الكلام ، فمن يمكنه أن يتفوّه بذلك لولا أبو الحسن أمير المؤمنين أسد الله الغالب عليّ بن أبي طالب (عليه‌السلام).

وجامع نهج البلاغة السيّد الشريف الرضيّ فإنّه العدل الثقة عند العامّ والخاصّ المؤالف والمخالف ، وقد وثّق أسناد نهج البلاغة وكفى بذلك دليلاً ، فهو كالقرآن الكريم على نسق واحد أوّله كأوسطه وأوسطه كآخره ، فلا نقاش في السند.

وأمّا مناقشة الدلالة :

١ ـ فقيل : ربما المقصود من مراعاة الأفضليّة والأعلميّة في الرعيّة هو من

__________________

(١) نهج البلاغة ، الكتاب ٥٣.

١٨٨

شروط كمال القضاء ، لا من شروط الصحّة.

٢ ـ كما يلزم أن يكون مالك الأشتر أعلم من غيره في مصر وضواحيها ، وأنّى لنا بإثبات ذلك.

٣ ـ كما أنّه غاية ما في الخبر مراعاة الأعلميّة بالنسبة إلى رعيّته ، لا على نحو الإطلاق في الفتوى.

٤ ـ كما إنّ قياس باب القضاء بباب الإفتاء إنّما يتمّ مع تنقيح المناط ووحدة الملاك وإلغاء الخصوصيّة ، وأنّى لنا بإثبات ذلك ، كما مرّ في المقبولة.

٥ ـ كما لا يستفاد العموم بالنسبة إلى النائب العامّ ، بل تعتبر تلك الأوصاف في القاضي المنصوب من قبل الإمام (عليه‌السلام) بالمباشرة أو نائبه الخاصّ كمالك الأشتر.

٦ ـ كما إنّ الأفضليّة لا تساوي الأعلميّة ، بل ربما تكون بمزايا اخرى كالأعدليّة والحنكة السياسيّة وما شابه ذلك ، فلا تساوي بين الدليل والمدّعى كما هو المفروض.

ومنها : ما عن عيون المعجزات أنّه لمّا قبض الرضا (عليه‌السلام) كان سنّ أبي جعفر (عليه‌السلام) نحو سبع سنين فاختلفت الكلمة من الناس ببغداد ، وفي الأمصار في حقّه فخرج جماعة من الفقهاء إلى المدينة ، وأتوا دار جعفر الصادق (عليه‌السلام) فسألوا عن عبد الله بن موسى عن مسائل فأجابهم عنها بغير الواجب ، فأوجب حيرتهم وغمّهم واضطرابهم ، إلى أن دخل عليهم الإمام أبو جعفر الجواد (عليه‌السلام) فسُئل عن مسائل فأجاب عنها بالحقّ ففرحوا ودعوا الله ، وأثنوا عليه فقالوا له : إنّ عمّك

١٨٩

عبد الله قال كيت وكيت ، فقال (عليه‌السلام) : لا إله إلّا الله يا عم : إنّه عظيم عند الله أن تقف غداً بين يديه فيقول لك : لم تفتِ عبادي بما لا تعلم ، وفي الأُمّة من هو أعلم منك (١).

فيحرم الإفتاء من غير الأعلم ، ولازمه عدم جواز تقليده ، ومفهومه وجوب تقليد الأعلم.

إلّا أنّه نوقش أوّلاً في السند بضعفه للإرسال ، وثانياً ظاهر الخبر أنّه يتعلّق بأمر الخلافة والإمامة فلا تدلّ على المطلوب إلّا مع إلغاء الخصوصيّة ، وإثبات وحدة الملاك وتنقيح المناط ، كما إنّ فتوى عمّ الإمام كان من دون علم ، وهذا خارج عمّا نحن فيه ، فتأمّل.

الإجماع :

لقد حكي عن المحقّق الثاني دعوى الإجماع على وجوب تقليد الأعلم ، إلّا أنّ السيّد المرتضى في الذريعة نقل الاختلاف ، كما إنّ الشيخ الطوسي في العدّة وابن زهرة في الغنية عند تعرّضهما لشرائط المفتي لم يذكرا شرط الأعلميّة ، وقد اشتهر ابن زهرة بكثرة دعواه للإجماع. كما حكى صاحب المعالم القول بالتخيير ، ومنع في الفصول وقوع الإجماع ، فما قاله المحقّق ربما يكون بمعنى اتّفاق الفقهاء في عصره (٢).

__________________

(١) بحار الأنوار ٥٠ : ١٠٠.

(٢) الاجتهاد والتقليد ؛ للسيّد رضا الصدر.

١٩٠

هذا والإجماع المعتبر فيما لو كان تعبّدياً كاشفاً عن قول المعصوم (عليه‌السلام) ، وأمّا إذا كان مدركيّاً يعتمد على مدرك ، فليس بحجّة ، بل نرجع إلى المدرك ، فإن قلنا به ، فندخل مع المجمعين وإلّا فلا.

ومن الأعلام من منع عن الإجماع في الصغرى لمخالفة جملة من المتأخّرين في ذلك ، وفي الكبرى لاحتمال استناد المجمعين إلى سائر الوجوه.

وقيل : عمدة من حكى عنه دعوى الإجماع السيّد المرتضى والمحقّق الثاني ، وفي الجواهر : (لم نتحقّق الإجماع على المحقّق الثاني ، وإجماع المرتضى مبنيّ على مسألة تقليد المفصول في الإمامة العظمى مع وجود الأفضل وهو غير ما نحن فيه ، وظنّي والله أعلم اشتباه كثير من الناس في هذه المسألة بذلك).

سيرة العقلاء :

ممّا يستدلّ على وجوب تقليد الأعلم بناء العقلاء وسيرتهم ، فإنّهم في قضاياهم العامّة والخاصّة ، الفرديّة والاجتماعية يرجعون إلى الأفضل عند تعارض آراء الخبراء.

والسيّد الخوئي (قدس‌سره) يرى أنّ عمدة أدلّة القائلين بوجوب تقليد الأعلم إذا اختلف مع غيره هو بناء العقلاء (١).

ويرى السيّد الحكيم (قدس‌سره) : ومقتضى بناء العقلاء تعيّن الرجوع إلى الأفضل ، إنّ

__________________

(١) دروس في فقه الشيعة ١ : ٧٩.

١٩١

التشكيك في ثبوت بناء العقلاء يندفع بأقلّ تأمّل (١).

ثمّ العمدة في قبول بناء العقلاء وكفايته أن لا يرد ردع بذلك من الشارع المقدّس ، وما نحن فيه لو كان الردع لبان ، ولمّا لم يكن فنكشف إمضاءه لهذه السيرة ، فيلزم تقليد الأعلم في أحكام الشرع أيضاً. هذا غاية ما يقال في بناء العقلاء في الباب.

ولكن ربما يناقش بوجوه :

الأوّل : لا يستفاد منه اعتبار الأعلميّة مطلقاً ، بل يقلّد الأعلم إذا كان فتوى غيره مخالفة للاحتياط ، وإلّا فيرجع إلى غير الأعلم فيما لو وافق الاحتياط ، كأن يفتي الأعلم بالإباحة وغيره بالوجوب.

وعند موافقتهما في الفتوى فإنّهم يحرزون المراجعة إلى أيّ منهما ، وإن كان يرجّح الرجوع إلى الأعلم لا سيّما مع احتمال المخالفة ، وإنّما يجوّزون الرجوع إلى أحدهما عند موافقتهما لوجود الملاك في رأي كلّ منهما ، وكاشفيّة كلّ منهما عن الواقع.

وعند العلم بمخالفتهما في الفتوى إجمالاً أو تفصيلاً ، وكان فتوى غير الأعلم مخالفة للاحتياط ، أو كان كلّ منهما موافقة من جهة ومخالفة من جهةٍ أُخرى ، فالظاهر من سيرتهم هو الرجوع إلى الأعلم ، وإذا كان غيره يوافق الاحتياط أو يقول به فيؤخذ بقوله من باب الاحتياط لا الحجّية ، فتدبّر.

__________________

(١) المستمسك ١ : ٢٨.

١٩٢

الثاني : ليس على نحو الإطلاق عند العقلاء يرجعون إلى الأعلم عند اختلاف الرأي ، فلو قال الطبيب الأعلم بإجراء عملية جراحيّة لمريض ولو لا ذلك لمات ، وقال الآخر بخلافه بأنّه لو أتى بالعملية فإنّه يموت ، ففي مثل هذا الموقف لا يأخذون برأي الأعلم ، وكذا لو قوّم الأفضل الدار بثمن قليل وغيره قوّم بالأكثر ، فلا يعمل بقول الأعلم من دون تأمّل وتردّد.

الثالث : أنّ ملاك السيرة في اتباع الأعلم والأفضل هو الوثوق والاطمئنان النفسي بقوله ، وربما يحصل هذا الملاك في غير الأعلم ، كما لو كان قوله موافقاً للاحتياط.

حكم العقل :

ويقرّر ذلك بوجوه :

الأوّل : قيل : لو خلّي العقل ونفسه فإنّه يحكم بلزوم تقليد الأعلم عند الاختلاف ، وذلك من الشكل الأوّل وهو بديهي الإنتاج ، من صغرى وجدانيّة أو عقليّة وكبرى عقليّة ، بأنّ رأي الأعلم أقرب إلى الواقع من رأي غيره ، وكلّما كان كذلك فيجب اتباعه ، فرأي الأعلم يجب اتباعه.

وإنّما رأي الأعلم أقرب ، لمعرفته على خصائص أكثر من غيره ، سواء أكانت الخصائص عبارة عن الأحكام التي نزلت على النبيّ (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أو الطرق الشرعيّة أو العقلائيّة الممضاة شرعاً أو الأُصول العمليّة أو غير ذلك.

ولمّا كان مؤدّى الأمارات وقول المجتهد هو الطريقيّة للواقع ، فيجب الأخذ

١٩٣

بكلّ طريق يوصلنا إليه ، ولا يجوز العدول إلى غيره ، فيجب تقليد الأعلم.

وأُورد عليه صغرويّاً وكبرويّاً بمنع الأقربيّة وبمنع وجوب الترجيح بالأقربيّة عند التعارض ، توضيح ذلك :

ففي الصغرى أنّه لا يلزم ذلك دائماً ، فإنّه قد يوافق نظر غير الأعلم نظر المجتهد الميّت الأعلم منهما ، أو الأعلم الفاسق الفاقد لشرائط التقليد أو كان موافقاً لقول المشهور فيلزم أن يكون أقرب للواقع من الأعلم ، إلّا أن يقال بأنّ المراد من الأقربيّة هي الاقتضائيّة ، فهو أقرب في ذاته وطبعه ، إلّا أنّ العقل لا يرى الفرق في ذلك.

وأمّا الإيراد في الكبرى فقيل إنّ الأحكام العقليّة تارةً على نحو البتّ والقطع كاجتماع النقيضين محال ، وأُخرى في مقام الامتثال فإنّه يحكم بوجوبه عند الاشتغال فيما لو خلّي ونفسه ، وللشارع أن يجعل الأمارة حجّة في عرضه ويعبّدنا بذلك ويكفي عن الامتثال العلمي القطعي ، فيجوز للشارع أن يعبّدنا برأي غير الأعلم أو التخيير بينه وبين الأعلم إذا كانت المفسدة في الرجوع إلى الأعلم أو كانت المصلحة في التوسعة على المكلّف ، فلم تتمّ الكبرى حينئذٍ ، والنتيجة تابعة لأخسّ المقدّمات ، فإذا قيل كلّ إنسان جسم وكلّ جسم متحيّز ويمكن أن لا يكون متحيّزاً ، فإنّه لا ينتج كلّ إنسان متحيّز.

كما نوقشت الكبرى بنحو آخر : بأنّ المدعي لوجوب تقليد الأعلم لا بدّ له من إثبات أحد أمرين : إمّا إثبات أنّ الأخذ بفتوى غير الأعلم أو التخيير بينه وبين الأعلم من ترجيح المرجوح على الراجح ، كما يقبح عقلاً الحكم بالتساوي بينهما مع

١٩٤

أعلميّة أحدهما (١).

أو إثبات أنّه علم من الشارع بأنّه لا يرضى بترك الواقعيّات على كلّ حال وإن لزم ما لزم. ودون إثباتهما خرط القتاد. للأخذ بالنصّ القاطع في ذلك ، كما أمضى الشارع الأمارات والأُصول العقلائيّة حتّى لو خالف الواقع ، ونكشف بذلك عدم لزوم مراعاة الأحكام الواقعيّة وإن لزم ما لزم ، فيجوز حينئذٍ للشارع أن يرجع إلى غير الأعلم ، كما أنّه لو تمّ الأمر الثاني للزم العسر والحرج واختلال النظام المنفي ذلك في الشرع المقدّس ، فإنّ فتوى الأعلم ليست مصيبة للواقع دائماً فتدبّر ، فإنّه لو تمّ الأمر الثاني للزم انهدام أساس الفقه المبتني على الأخبار الآحاد والأُصول العمليّة وما شابه.

الثاني : لقد ثبت في لزوم التقليد أنّ العامي في مقام العمل لا بدّ له من الحجّة الشرعيّة ، فإن لم يحصل له بنفسه فلا بدّ أن يستند إلى من له الحجّة ، ولمّا كان الأعلم أكثر إحاطة بالجهات الموجبة للاستنباط والدخيلة فيه ، وأكثر شمولاً بالمدارك الشرعيّة والعقليّة للأحكام ، فيلزم أن يكون أقوى نظراً من العالم.

فهو أوثق بمقتضيات الحجج الشرعيّة والعقليّة ، فيكون بالنسبة إلى غيره كنسبة العالم إلى الجاهل ، فالعقل في مقام إبراء الذمّة يرى حجّية رأيه وفتواه بناء على أنّه أوثق بمقتضيات الحجج ، فيجب تقليد الأعلم حينئذٍ عقلاً ، وإلّا يلزم التسوية بين الجاهل والعالم وهو غير جائز بحكم العقل.

__________________

(١) الدرّ النضيد ١ : ٣١٧ ، نقلاً عن الإمام الخميني (قدس‌سره).

١٩٥

وأُجيب أنّه من مصاديق الأقربيّة ، فيرجع إلى الوجه الأوّل ، ثمّ كيف يلزم أن تكون النسبة بين العالم والأعلم نسبة الجاهل والعالم ، وكلاهما مجتهدان ، كما لا يرجع العالم إلى الأعلم ، فلو كان بمنزلة الجاهل لوجب عليه تقليد الأعلم ، والحال ربما يخطأه في مقام الاستنباط. كما إنّ السيرة العقلائيّة بعدم رجوعهم إلى الجاهل دون الفاضل مع وجود الأفضل فلا يردّون قوله مطلقاً. ثمّ الحكم على العالم بالجهل يحتاج إلى دليل تعبّدي وتنزيل من جانب الشرع ، وكيف يسلب منه العناوين الواردة في الروايات كالعارف والفقيه والراوي بمجرّد مخالفته لقول الأعلم. كما إنّ قول العالم حجّة عند عدم مخالفته للأعلم بخلاف الجاهل فلا حجّة في قوله أصلاً. فقياسه بالجاهل قياس مع الفارق من وجوه عديدة ، فليس تعارض الحجّتين كتعارض الحجّة واللاحجّة. كما يمكن أن يكون ملاك الحجّية في التقليد هو الإحاطة بمقدار من الجهات الموجب لصدق عنوان الفقيه والعالم ، فعنوان العالم والجاهل من الأُمور الإضافيّة فربما يكون جاهلاً بالمقدار الزائد الملغى اعتباره في ملاك الحجّية ..

الثالث : بحكم العقل لا يجوز العدول من الأفضل إلى المفضول ، فإنّه عدول عن أقوى الأمارتين إلى أضعفهما.

وأُجيب : إنّ هذا من المصادرة بالمطلوب ، فإثبات قول الأفضل أقوى الأمارتين شرعاً أوّل الكلام ، وكذا عدم جواز العدول مطلقاً عن أقوى الأمارتين ، كما إنّ هذا الوجه قريب إلى ما سبق فهو من مصاديقه ، وقد عرفت ما في الوجهين السابقين ، فتأمّل.

١٩٦

وجوه جواز تقليد غير الأعلم ومناقشتها

ذهب جمع من الأعلام إلى جواز الرجوع إلى العالم مع وجود الأعلم ، ويستدلّ على ذلك بالكتاب والسنّة وسيرة المتشرّعة وحكم العقل.

الكتاب الكريم :

أمّا الكتاب الكريم ففي قوله تعالى في آية النفر :

(فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ).

وقد مرّ الكلام في الاستدلال بها عند بيان مشروعيّة أصل التقليد. فهي تدلّ على وجوب التحذّر العملي عند إنذار المنذر مطلقاً ، سواء أكان هناك من هو أعلم منه أم لا؟ إلّا أنّه يقال ظاهر الآية في التحذّر هو التحذّر النفساني من إنذار المنذرين بذكر الجحيم وما فيها من العذاب ، ولا يكاد يحصل بمجرّد الفتوى والأخبار ، ولكن العموم يشمله ، كما يحصل الإنذار والتخويف عند مخالفة الفتوى.

وفي قوله تعالى في آية الذكر :

(فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ).

فإنّها مطلقة وإنّ المراد هو السؤال عمّن شاؤوا من أهل العلم والذّكر ، مع العلم باختلافهم في الفهم والعلم ، واتّفاقهم في رأي قليل نادر ، والمسؤول في الآية إمّا جميع أهل العلم وهو مقطوع البطلان ، أو الواحد المعيّن منهم أو غير المعيّن

١٩٧

وكلاهما غير مراد ، فيبقى الفرض الرابع بأن يسأل عمّن شاء من أهل العلم سواء كان غيره أفضل منه أو لا؟ ولكن ربما يقال أنّ الآية ناظرة إلى أهل الكتاب في التفسير ، أو الأئمة الأطهار في التأويل ، ولكنّ المورد لا يخصّص ، إلّا أنّه ربما يقال بأنّ الانصراف إلى رجوع مطلق الجاهل إلى العالم يمنع عن الإطلاق وشمولها لاختلافهم ، أو تعارض الأفضل مع الفاضل ، فالآية لبيان أصل الحكم والمعنى العرفي الارتكازي وهو رجوع الجاهل إلى العالم.

وأمّا السنّة الشريفة :

فمنها : مقبولة عمر بن حنظلة ، ومورد الاستدلال صدرها في قوله (عليه‌السلام) : من كان منكم ممّن روى حديثنا ، ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا ، فليرضوا به حكماً ، فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً.

كيفية الاستدلال : أنّها دلّت على نفوذ حكم من جمع هذه الأوصاف مطلقاً ، وهي : العارف ، الراوي ، الناظر في الحلال والحرام. فصدر المقبولة يدلّ على نفوذ حكم الفقيه مطلقاً حتّى لو كان من هو أفضل منه ، وفي ذيلها دلّت على الأفقه وترجيح الأعلم إلّا أنّه عند الاختلاف في الحكم ، ثمّ مورد المقبولة وإن كانت الخصومة والقضاء إلّا أنّ إطلاقها يعمّ الشبهات الحكميّة وباب الإفتاء ، ولازم نفوذ حكم الحاكم نفوذ فتواه المستندة لحكمه أيضاً ، فمن باب تنقيح المناط يتعدّى من باب القضاء إلى باب الإفتاء ، ولا يلتفت إلى تضعيف السند فثبت المطلوب.

ولكن قد مرّت المناقشات الدلاليّة ، ومن الصعب تعدّي الحكم من القضاء

١٩٨

إلى الإفتاء مع وجود الفوارق الكثيرة بينهما ، ومن الصعب إلغاء الخصوصيّة في باب القضاء ، كما يصعب استفادة الأولويّة لعدم فهم العرف من ذلك كما في المفهوم الموافق في آية الافّ (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ).

ومثل المقبولة سنداً ودلالة روايتا أبي خديجة (١) ، قال : بعثني أبو عبد الله (عليه‌السلام) إلى أصحابنا فقال : قل لهم إيّاكم إذا وقعت بينكم خصومة أو تداعي في شيء من الأخذ والعطاء أن تحاكموا إلى أحد من هؤلاء الفسّاق ، اجعلوا بينكم رجلاً قد عرف حلالنا وحرامنا ، فإنّي قد جعلته عليكم قاضياً ، وإيّاكم أن يخاصم بعضكم بعضاً إلى سلطان جائر (٢).

قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : إيّاكم أن يحاكم بعضكم بعضاً إلى أهل الجور ، ولكن انظروا إلى رجلٍ منكم يعلم شيئاً من قضايانا (قضائنا ن خ) فاجعلوه بينكم فإنّي قد جعلته قاضياً فتحاكموا إليه).

ومنها : قوله (عليه‌السلام) كما مرّ في جواب أحمد بن حاتم وأخيه في الكتاب الشريف : فاصمدا في دينكما على كلّ مسنّ في حبّنا ، وكلّ كثير القدم في أمرنا ، فإنّهما

__________________

(١) الوسائل ، باب ١١ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ١.

(٢) الوسائل ، باب ١ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٥.

١٩٩

كافوكما إن شاء الله.

كيفيّة الاستدلال : بإطلاق الخبر وأنّ المقصود من كلّ مسنّ وكلّ كثير القدم بيان صفات المفتي ولشخص واحد فكما يحصل الفقه للمسنّ في محبّة أهل البيت (عليهم‌السلام) كذلك يحصل لمن كان كثير القدم في أمرهم وإن لم يكن مسنّاً. فعموم الخبر وإطلاقه يدلّ على جواز تقليد غير الأعلم مع وجوده واختلافه ، فكما يدلّ الخبر على التخيير في المتساويين في الفضل كذلك يدلّ على المتفاضلين في العلم.

وأُورد عليه بضعف السند للإهمال ، إلّا أنّه رواه الكشّي في مقدّمة كتابه في مقام مدح الرواة ، فيكشف عن وثوقه بصدوره وصحّته عنده ، فإنّه يستبعد الاحتجاج والاستشهاد بحديث ضعيف في مثل هذا الكتاب الذي وضع لبيان الموثّق من غيره. نعم في دلالة الخبر ربما يمنع الإطلاق الانصراف إلى جواز التقليد من الفاضل مع وجود الأفضل عند عدم اختلافهما ، وإلّا فيرجع إلى الأعلم.

ومنها : ما رواه الصدوق في كتاب إكمال الدين ، والشيخ في كتاب الغيبة ، والطبرسي في الاحتجاج في التوقيع المبارك عن إسحاق بن يعقوب قال : سألت محمّد بن عثمان العمري أن يوصل لي كتاباً قد سئلت فيه عن مسائل أشكلت عليّ ، فورد التوقيع بخطّ مولانا صاحب الزمان (عليه‌السلام) : أمّا ما سألت عنه أرشدك الله وثبّتك .. إلى أن قال : وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا فإنّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله (١).

__________________

(١) الوسائل ، باب ١١ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٩.

٢٠٠