القول الرّشيد في الإجتهاد والتقليد - ج ١

السيّد عادل العلوي

القول الرّشيد في الإجتهاد والتقليد - ج ١

المؤلف:

السيّد عادل العلوي


الموضوع : الفقه
الناشر: مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي الكبرى
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
964-6121-61-6

الصفحات: ٤٧٢
الجزء ١ الجزء ٢

التقليد لغةً واصطلاحاً

لغةً :

قال الفيومي في المصباح : قلّدت المرأة تقليداً : جعلت القلادة في عنقها ومنه تقليد الهَدي ، وهو أن يعلّق بعنق البعير قطعة من جلد ليعلم أنّه هدي ، فيكفّ الناس عنه ، وتقليد العامل توليته ، كأنّه جعل قلادة في عنقه.

وقال العلائلي في المرجع : تقليد : تطويق العنق بحبل ومثله ، وتعليق القلادة فيه ، وشرعياً : الاتباع من غير نظر وتأمّل في الدليل ، والانقياد من غير تثبّت.

قال سيّدنا الأُستاذ السيّد رضا الصدر (قدس‌سره) : المعنى الأخير ليس بمعنى شرعي للتقليد ، بل هو معنى عرفي متّخذ من معناه الشرعي.

ويشهد لذلك كلام صاحب أقرب الموارد حيث قال : قلّده في كذا : تبعه من غير نظر وتأمّل.

فالمعنى الشرعي كالنواة لذلك المفهوم العرفي الوسيع ، لكونه اتباع الغير في الأحكام من غير نظر وتأمّل.

١٤١

ويبدو لي عدم تماميّة الإشكال فإنّ تعريف العلائلي إنّما هو على مبنى القوم في تعريف الاجتهاد والتقليد ، وما يقوله الأُستاذ على مبنى أصحابنا الكرام ، فالنزاع حينئذٍ يكون مبنائيّاً ، فتأمّل.

وأمّا التقليد اصطلاحاً :

فقد اختلف الأعلام في ذلك على أقوال : فقيل التقليد هو الالتزام ، وقيل هو العمل ، وقيل التطبيق أو المطابقة ، وغير ذلك.

توضيح ذلك : منهم من جعل التقليد أمراً سابقاً على العمل بفتوى المجتهد ، فقد عرّفه في العروة الوثقى : بأنّه الالتزام بالعمل بقول مجتهد معيّن وإن لم يعمل.

وقال صاحب الفصول : أنّه الأخذ بفتوى الغير.

وقال المحقّق الخراساني في الكفاية : إنّه الأخذ بفتوى الغير للعمل في الفرعيات والالتزام في الاعتقاديّات.

ويرى السيّد الحكيم في المستمسك : إنّ الأخذ عندهم بمعنى العمل ، ولكن هذا يتنافى مع تعريف الكفاية ، كما هو واضح.

هذا لمن جعل التقليد بمعنى الالتزام والأخذ ، ومنهم من جعله نفس العمل.

قال العلّامة في النهاية : إنّ التقليد هو العمل بقول الغير ، من غير حجّة معلومة.

وقال صاحب المعالم : إنّه العمل بقول الغير من غير حجّة.

والمحقّق الأصفهاني في تعليقته على الكفاية وفي رسالته في الاجتهاد والتقليد

١٤٢

قال : إنّه العمل استناداً إلى رأي الغير ، وقال : إنّ مفهومه اللغوي أوفق بالعمل من الأخذ للعمل.

وقال السيّد الحكيم : إنّ العمل اعتماداً على رأي الغير.

وذهب الشيخ المؤسس الحائري اليزدي : إنّه متابعة المجتهد في العمل ، بأن يكون معتمداً على رأيه في العمل.

وعند السيّد صدر الدين الصدر : إنّه تطبيق العمل على رأي الغير.

ويذهب سيّدنا الأُستاذ السيّد رضا الصدر إلى أنّ التحقيق مع الطائفة الثانية في قولهم : إنّ التقليد هو العمل وأنّ الطائفة الأُولى قد خلطوا بين التقليد وبين بعض مقدّماته ، ثمّ يذكر أُموراً تؤيّد ذلك (١) :

من أنّ التقليد صفة عارضة لما فيه التقليد ، والتقليد في العمل بالأحكام الشرعيّة أمر من مقولة العمل لعروضه عليه ووجوده بوجوده ، ولا يجوز سبق الصفة على الموصوف في الوجود ، فكيف يكون التقليد سابق على العمل ، كما عند صاحب الكفاية فهو فاسد. وإنّ السنخيّة بين الصفة والموصوف والعارض والمعروض شرط في الاتصاف أو العروض ، فإنّ السنخيّة علّة الانضمام ، والالتزام من الأفعال القلبيّة ولا يصحّ عروضه على الأفعال الخارجيّة ، نعم الالتزام والأخذ من مقدّمات التقليد كالعزم والقصد ، ويدلّ على ذلك سيرة العقلاء التي هي من أُصول التقليد ، فمن التزم باتّباع طبيب في علاج مرضه لا يعدّ متابعاً له ما دام لم يعمل بقوله. فالالتزام

__________________

(١) الاجتهاد والتقليد : ٦٩.

١٤٣

والأخذ من مقدّمات الاتباع لا نفسه ، ثمّ من اللوازم العقليّة لحجّية قول المفتي للمقلّد المعذّرية وهذا لا يتحقّق إلّا بالعمل ، فالاعتذار يصحّ عند صدور عمل مطابق للفتوى ، كما إنّ الظاهر من آية النفر (لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) هو الحذر العملي الخارجي ، كما إنّ الظاهر من قوله (عليه‌السلام) : (فللعوام أن يقلّدوه) هو العمل على طبق قول العالم الموصوف بتلك الصفات ، وكذلك قوله (عليه‌السلام) : (فارجعوا إلى رواة أحاديثنا) هو عمل المأمور بقول المرجع ، وصحيحة أبي عبيدة الحذّاء عن أبي جعفر (عليه‌السلام) قال : من أفتى الناس بغير علم ولا هدى من الله لعنته ملائكة الرحمة والعذاب ولحقه وزر من عمل بفتياه) (١) فالظاهر تقليد المفتي في العمل ، فالتقليد هو العمل دون غيره.

ثمّ يذكر السيّد حجج من قال : إنّ التقليد سابق على العمل ويناقشها.

ويبدو لي أنّ التقليد هو : مطابقة العمل لرأي المجتهد الجامع للشرائط ، فإنّ المطلوب في صحّة العبادة هو مطابقة العمل للواقع مع وجود قصد القربة فيه. نعم الطريق للواقع بالنسبة إلى العامي هو قول المفتي الجامع ، أعمّ من أن يكون ذلك بنحو الالتزام والأخذ أو نفس العمل مطلقاً أو مع الاستناد ، وذلك لما سيأتي من أنّه عمل العامي من دون تقليد ولا احتياط باطل ، وحكموا أيضاً إذا كان مطابقاً لفتوى المجتهد الذي يجوز تقليده فإنّه يصحّ عمله ، مع أنّ هذا العامي لم يكن مقلّداً له بحسب الالتزام والقصد القلبي ، كما لم يكن الاستناد في عمله. وهذا يكشف عن كون مجرّد

__________________

(١) فروع الكافي ٢ : ٣٥٨.

١٤٤

المطابقة كافياً في تحقّق التقليد ، فتأمّل لعلّ ذلك من جهة مطابقة عمله للحجّة التي هي بمنزلة الواقع ، لا من باب تحقّق التقليد منه ، كما إنّ التقليد من باب التفعيل والمطابقة من باب المفاعلة ، وفرق واضح بين البابين كما في علم الصرف ، فالذي يتلائم مع التقليد هو التطبيق.

زبدة الكلام

إنّ الكلام في التقليد يقع في مقامين :

المقام الأوّل :

في معنى التقليد لغةً واصطلاحاً ، وقد ذكرنا مجمل القول فيهما إلّا أنّ المحقّق الخراساني يرى أنّ التقليد هو الأخذ بقول الغير الذي يعيّن الحكم الشرعي الفرعي العملي ، وفي الاعتقادات هو الالتزام بقول الغير ، والأوّل يكون بنحو التعبّد أي من دون مطالبة دليل ، وقيد التعبّد ليس للأخذ بقول ، بل بمعنى أنّ متابعة قول الغير تعبّدياً ، فالعامي تعبّداً يأخذ بالحكم الشرعي من مقلّده المجتهد من دون مطالبة الدليل على ذلك.

وأهمّ الأقوال في التقليد ثلاثة :

١ ـ كما قاله الآخوند ففي الفرعيات أخذ وتعلّم قول الغير للعمل ، وفي الاعتقادات الالتزام.

٢ ـ التقليد نفس الالتزام بالعمل بقول الغير وإن كان لم يعلم قول الغير ولكن

١٤٥

يلتزم به وكذا في الاعتقادات ، ومن هنا قيل أخذ الرسالة العمليّة للعمل بمعنى التقليد وإن لم يعلم بما في الرسالة.

٣ ـ التقليد نفس العمل بقول الغير ، فما دام لم يعمل لا يحصل التقليد. ويرى صاحب الكفاية عدم تمامية هذا القول لوجود المحذور فيه ، فإنّ التقليد قبل العمل ، فلو كان نفس العمل يلزم أن يكون العمل بلا تقليد.

نقول :

أوّلاً : إنّ الاجتهاد ليس بمعنى صرف الاستنباط ، بل بمعنى أن يكون العمل بالاجتهاد ويكون الاجتهاد مؤمّناً من العقوبة أي في أمان من العقاب ، وكذلك التقليد بمعنى الأمان من العقوبة ، فلو ثبت أنّ قول المجتهد للعامي مثل الأمارات للمجتهد فتكون مؤمّنة له ، فهذا يعني أنّ اعتبار الشارع للاجتهاد والتقليد ، وكذلك الاحتياط بمعنى التأمين من العقاب ، وهذا ما يحكم به العقل.

وثانياً : الاستناد لا يلزم أن يكون قبل العمل بل يحكم العقل به أيضاً لو كان حين العمل وبعده ، فلو صلّى في المدينة المنوّرة صلاة تامّة وهو مسافر وكان عليه أن يصلّي قصراً رجاءً متقرّباً ، ثمّ رجع إلى المجتهد فوجده يجوّز ذلك ، فالعقل يحكم بكفاية ذلك ، وأنّه من مصاديق التأمين من العقاب ، فالشائع كما اعتبر ظاهر خبر الثقة للمجتهد كذلك التقليد معتبر في الظاهر للعامي ، والعقل يرى كفاية الاستناد إلى المجتهد ولو بعد العمل.

وثالثاً : لنا أدلّة وروايات تدلّ على وجوب التعلّم للمسائل التي يبتلى بها المكلّف ، أو يحتمل احتمالاً عقلائياً أنّه سوف يبتلى بها ، وطلب العلم فريضة لكلّ

١٤٦

مسلم ومسلمة ، باعتبار الوجوب الطريقي ، فإنّ الشارع أراد أن يسقط الجهل عن الاعتذار به ، ولهذا يقال لمن لا علم له (هلّا تعلّمت) إذا أراد أن يعتذر بالجهل ، فالجهل ليس عذراً بالنسبة إلى التكاليف في حقّ الجميع سواء الرجل أو المرأة ، فكما أنّ وجوب التعلّم في الوقائع بالتعلّم الوجداني ، ووجوبه طريقي للمجتهد ، فلو قام دليل أنّ مثل خبر الثقة للمجتهد كقول المجتهد للعامي كما يذكر في المقام الثاني ، فإنّ أدلّة وجوب التعلّم يدلّ على التقليد أيضاً ، ولكن لا على نحو النفسيّة ، بل يجوز الاحتياط أو الاستناد بعد العمل ، فوجوب التقليد بهذا النحو سيكون بمعنى وجوب التعلّم ، ولا ربط له بالعمل ، كما إنّ الاجتهاد الفعلي هو التعلّم بمعنى أنّ الجهل يسقط عن كونه معذّراً ، ثمّ يترتّب على التعلّم العمل ، كذلك التقليد هو من التعلّم المستلزم للعمل عقلاً. ولهذا جاء في العروة عمل العامي بلا اجتهاد ولا تقليد باطل أي باطل عقلاً لا شرعاً ، وإلّا للزم التنافي بين هذه المسألة والمسألة الأُخرى التي تقول لو عمل العامي من دون الرجوع إلى الفقيه ، ثمّ رأى أنّ عمله يطابق قول المجتهد ، فعمله صحيح ، فالمراد من الباطل البطلان العقلي لا الشرعي ، وإنّما يبطل عمله عقلاً ، لأنّه لم يستند إلى دليل ، كما أنّ الجهل ليس معذّراً.

وربما يقال إنّ سيرة المتشرّعة وكذلك العقلائيّة جارية على أن يأخذ العامي بقول الأعلم ، إلّا أنّه يصعب عليه تشخيص ذلك ، فلا تنفعه السيرة بقسميها ، ويقال برجوعه إلى أهل الخبرة وفي مورد اختلافهم يأخذ بالأقوى منهم ولو بنفر واحد ، ولمّا كانت الحجّة ما يلتزم به الإنسان ولا حجّة في الخبر المتعارضين كذلك في تعارض أهل الخبرة ، فيلزم القول بالتخيير حينئذٍ ، لمطلوبيّة الجامع بين الطريقين ، إلّا

١٤٧

أنّ هذا لا يصدق في الأمارات لتنافي الطريقين ، فيأخذ بأحدهما في ما نحن فيه ، وهذا يعني الالتزام وهو التقليد.

ولكن يرد عليه أنّه يتمّ بناءً على القول بالتخيير في تعارض المجتهدين أو اختلاف الأعلمين كما يدّعي الشيخ الأعظم الشيخ الأنصاري الإجماع على ذلك ، إلّا أنّ المسألة من المستحدثات فلا ينفعها الإجماع ، ولو قيل به أو برواية تدلّ على التخيير ، إلّا أنّه من يقول بأنّه بمجرّد الالتزام تتمّ الحجّة ، بل القدر المتيقّن في الإجماع على أنّه دليل لبّي هو العمل بالالتزام فتكون الحجّة.

أمّا مجرّد الالتزام من دون عمل لا يكون من الحجّة ، ومجرّد التزام العامي بقول المجتهد ليس من العمل ، بل لا بدّ من العمل الخارجي بفتوى المجتهد حتّى تكون الحجّة.

فأخذ الرسالة العمليّة من مرجع التقليد من دون العمل لا يصدق عليه التقليد ومجرّد الالتزام كما يظهر من السيّد اليزدي (قدس‌سره) لا يكون من التقليد.

ثمّ المؤمّن من العقاب في العمل هو المطابقة للواقع أو لقول المجتهد فهذا هو التقليد كما نذهب إليه.

وقيل : التقليد هو نفس العمل ، ولهذا لو مات المجتهد وكان العامي عاملاً بفتاواه فيجوز له البقاء على تقليده. إلّا أنّ هذا لا يتمّ فإنّ العمل غير معتبر لإطلاق الروايات الدالّة بالرجوع في معالم الدين إلى الفقيه والتعلّم منه كالرجوع إلى يونس ابن عبد الرحمن مثلاً ، فإنّه إنّما يرجع إليه في حياته ، إلّا أنّه في العمل فهي مطلقة ، فإنّه يعمل بقول يونس أعمّ من أن يكون حيّاً أو ميّتاً ، وفي السيرة العقلائيّة لو تعلّم

١٤٨

من الأعلم ، فإنّه يبقى أن يعمل بقوله حتّى لو مات. نعم لو لم يتعلّم فإنّه يرجع إلى الحيّ كما سيعلم.

ثمّ لو قلّد الأعلم فإنّه لا يصحّ منه الرجوع إلى غيره ، إلّا إذا ثبت أعلميّة الثاني ، فيجب العدول ، فإنّ العلم حينئذٍ عند الأعلم.

ثمّ التقليد لم يكن موضوعاً للحكم الشرعي ، إنّما الموضوع هو وجوب التعلّم.

أدلّة تقليد المجتهد الجامع

المقام الثاني : في الأدلّة الدالّة على تقليد المجتهد الجامع للشرائط.

وقبل بيان الأدلّة من الكتاب والسنّة والسيرة العقلائيّة والمتشرّعة لا بأس أن نذكر الأصل الأوّلي والثانوي في التقليد عند العقل ، أي حكم العقل في التقليد.

فنقول : من الواضح أنّ العقل يرى قبح الاتباع لكلّ أحد من دون دليل وحجّة ، ويذمّ من يميل مع كلّ ريح ، وينعق مع كلّ ناعق ، وهذا ما يسمّى بالتقليد الأعمى ، فالأصل الأوّلي الحاكم به العقل هو عدم جواز التقليد ، وأنّ الشكّ في حجّية قول يلازم الحكم بعدم حجّيته ، والاتباع لكلّ قول يشترط فيه ثبوت حجّيته. كما أنّ قول الغير لا يفيد الوثوق غالباً ، فلا يعتمد عليه.

نعم لو عرف الإنسان من يتبعه ، وعرف مورد الاتباع وذلك بالحجّة والدليل

١٤٩

فإنّه يخرج عن التقليد المذموم ، كما يدلّ عليه السيرة العقلائيّة. فإنّهم في شؤونهم عند جهلهم بشيء يتبعون العارف به ، بل ويدلّ عليه العقل الفطري برجوع الجاهل إلى العالم (١) ، وإنّ من لا يعرف الطريق يسأل العارف به.

ثمّ المقصود من تقليد العامي للمجتهد في الأحكام الشرعيّة الفرعيّة هو هذا المعنى المعقول والممدوح ، واعتمد الشارع على حكم العقل البشري في ذلك. كما لم يردع عن هذا السيرة العقلائيّة ، ولو كان لبان ، أضف إلى ذلك الأدلّة النقليّة الدالّة على التقليد كما سنذكر ذلك إن شاء الله تعالى.

ثمّ يذهب صاحب الكفاية إلى بديهيّة جواز التقليد متمسّكاً بوجوه :

١ ـ إنّه حكم جبلي فطري لا يحتاج إلى دليل.

٢ ـ وإلّا لزم سدّ باب العلم على العامي مطلقاً غالباً ، لعجزه عن معرفة ما دلّ عليه الكتاب والسنّة.

٣ ـ ولا يجوز التقليد في التقليد أيضاً ، وإلّا لدار أو تسلسل.

وأُشكل عليه :

أوّلاً : أنّه لو كان بديهيّاً لما اختلف فيه اثنان ، والحال وقع الاختلاف فيه ، كما يشير إليه على ما حكي عن الشهيد في الذكرى قائلاً :

«خالف فيه بعض قدماء الأصحاب وفقهاء حلب فأوجبوا على العوام الاستدلال واكتفوا فيه بمعرفة الإجماع والنصوص الظاهرة ، وأنّ الأصل في المنافع

__________________

(١) الاجتهاد والتقليد : ٧٩.

١٥٠

الإباحة ، وفي المضارّ الحرمة ، مع فقد نصّ قاطع في متنه ودلالته ، والنصوص محصورة.

ثمّ قال عليه الرحمة : ويدفعه إجماع السلف والخلف على الاستغناء من غير نكير ولا تعرّض لدليل» (١).

كما ذمّ القرآن الكريم اتباع الظنّ فإنّه من التقليد الأعمى كما في قوله تعالى :

(إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً)(٢).

(وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً)(٣).

(وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِ)(٤).

(وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)(٥).

فالذي يجب أن يتّبع هو العلم والعلمي دون غيره ، فتقليد العالم مستحسن عقلاً ونقلاً ، وهذا هو الأصل الثانوي في التقليد.

وقال صاحب الفصول عليه الرحمة : شرذمة أوجبوا على العامي الرجوع إلى

__________________

(١) هذا وإن كان إلّا أنّه ربما يقال بأنّه أجنبيّ عن التقليد التعبّدي في الأحكام الشرعيّة الذي هو مورد البحث والكلام.

(٢) النجم : ٢٨.

(٣) يونس : ٣٦.

(٤) النساء : ١٥٧.

(٥) الإسراء : ٣٦.

١٥١

عارف عدل يذكر له مدرك الحكم من الكتاب والسنّة ، فإن ساعد نعته على معرفة مدلولهما وإلّا ترجم له معانيها بالمرادف من نعته ، وإن كانت الأدلّة متعارضة ذكر له المتعارضين ونبّهه على طريق الجمع ، وبعد تعذّره يذكر أخبار العلاج ، وإذا احتاج إلى معرفة الراوي ذكر له حاله.

ثمّ قال صاحب الفصول : ووضوح فساده يغني عن البيان.

فالمسألة حينئذٍ اختلافية ، وإن كان القائل بوجوب الاجتهاد على العامي نادراً وفاسد القول. فإنّه يلزمه العسر والحرج واختلال النظام ، كما أنّ الرجوع إلى عارف عدل هو من التقليد ، فتأمّل.

وثانياً : لو كان جواز التقليد بديهيّاً لما احتاج القوم إلى إثباته في الفروع بالدليل ، كما لا حاجة إلى أن يقول حينئذٍ : (وإلّا لزم سدّ باب التقليد على العامي).

وثالثاً : إن أُريد من الفطرة كما في علم النفس بمعنى الغريزة في الإنسان ، فجواز التقليد في الأحكام لم ينشأ من الغريزة ، فكيف كان الحكم به جبلّي فطري؟

وإن أُريد به المعنى المصطلح المنطقي أي القضايا التي قياساتها معها ككون الأربعة زوجاً ، لانقسامها إلى متساويين فهو غير تامّ (فإنّ الفطري بهذا المعنى كون العلم نوراً وكمالاً للعاقلة في قبال الجهل ، لا لزوم رفع الجهل بعلم العالم ولا نفس رفع الجهل ، وإن أُريد من الفطري أنّ جواز التقليد جبلّي طبعي فهو غير وجيه لأنّ ما هو جبلّي طبعي شوق النفس إلى كمال ذاتها وكمال قواها لا لزوم

١٥٢

التقليد ، بل ولا لزوم تحصيل العلم حقيقة بما هو لزوم من قبل الشارع أو العقلاء ، فليس وجوب التقليد تعبّداً إمّا من الشارع أو من العقلاء فطرياً ولا جبلّياً) (١).

ورابعاً : قوله : ولا يجوز التقليد في التقليد نفسه وإلّا للزم الدور إذا كان يتوقّف عليه ، أو يلزم التسلسل إذا كان يتوقّف على ما لا نهاية. فجوابه : أنّه لو كان جواز التقليد في الأحكام موقوف على سيرة العقلاء أو تقليد العقلاء في أُمورهم ، ولكن لا يتوقّف تقليد العقلاء في أُمورهم على جواز التقليد في الأحكام ، فلا يلزم توقّف الشيء على نفسه الذي هو ملاك الدور الباطل ، كما إنّ جواز تقليد العقلاء ممّا يحكم به العقل السليم فلا تسلسل حينئذٍ.

هذا ولمّا لم يكن التنافي بين الحجّتين الباطنيّة (العقل) والظاهريّة (النقل) فإنّهما صادران من الواحد الأحد جلّ جلاله ، فلا من التطابق بينهما ، وكلّ ما حكم به العقل حكم به الشرع ، فلمّا كان الأصل الأوّلي عند العقل مذمّة التقليد وقبحه ، فكذلك الأصل الأوّلي عند الشرع ، فإنّه يذمّ التقليد الأعمى من دون دليل لتقليد الآباء في باطلهم ، كما في قوله تعالى :

(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ)(٢).

__________________

(١) بحوث في الأُصول ؛ للمحقّق الشيخ محمّد حسين الأصفهاني ، رسالة في الاجتهاد والتقليد : ١٦.

(٢) المائدة : ١٠٤.

١٥٣

وقال عزوجل :

(وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ)(١).

فالقرآن الكريم وكذلك السنّة الشريفة ليوبّخان من يتّبع أباه الجاهل الضالّ الذي لا يعلم ولا يهتدي.

أدلّة جواز التقليد

وأمّا الأدلّة النقليّة الدالّة على جواز التقليد وصحّته فيما يبتنى على العلم والحجّة فهي كما يلي في الكتاب الكريم والسنّة الشريفة والسيرة العقلائيّة.

أوّلاً : إنّ في القرآن الكريم لآيات شريفة تدلّ على جواز التقليد بل حسنه ورجحانه ، بل لزومه :

١ ـ منها : آية النفر : قوله تعالى (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)(٢).

وكيفية الاستدلال بها أنّ الله سبحانه يحرّض طائفة وجماعة من المؤمنين ويأمرهم بالتفقّه في الدين أوّلاً ، ثمّ الإنذار ثانياً ، والظاهر من الإنذار هو بيان

__________________

(١) البقرة : ١٧٠.

(٢) التوبة : ١٢٢.

١٥٤

الأحكام الشرعيّة التي تفقّهوا فيها كما يظهر من صدر الآية ، ثمّ بيان الأحكام تارة يكون بحكاية قول المعصوم (عليه‌السلام) وأُخرى بما يستفاد من قوله أو فعله أو تقريره ، ويسمّى الثاني بالاجتهاد.

ثمّ كلمة (لعلّ) في مثل هذا المورد لا يحمل على معناه الحقيقي من التوقّع ، فإنّه يلزمه الجهل على الله سبحانه لأخذ الشكّ في مفهوم التوقّع ، بل بمعنى أنّه مطلوب لله تعالى ، والحذر من الأفعال الاختياريّة وهو في الآية غاية للإنذار الواجب فيكون واجباً أيضاً ، فإنّه إذا وجب المغيّا فبالأولويّة تجب الغاية ، لظهور أنّ وجوب المغيّا ينشأ من وجوب الغاية ، ثمّ الحذر بمعنى التحرّز والخوف وقد جعل كناية عن العمل بما أخبر الفقهاء والرواة. فالعمل أو المطابقة بما أخبر المجتهد الفقيه هو التقليد عنه.

٢ ـ آية الذكر في قوله تعالى (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(١).

وكيفيّة الاستدلال بها أنّ المخاطب بالسؤال هو من لا يعلم ممّن يعلّم للمقابلة ، وهذا ما يدلّ عليه السيرة والفطرة ، فإنّ الجاهل لرفع جهله يرجع إلى العالم ، فلا بدّ للعامي من التقليد حينئذٍ بمطابقة أفعاله لمن يجب عليه تقليده كالأعلم فيما نشترط ذلك ، وإنّما من سنّ البلوغ نقول بالتقليد ليعرف الأعلم ، وإلّا فيقلّد أحدهم عند تساويهم ، ولا منافاة حينئذٍ بين المطابقة والرجوع إلى المجتهد ، والمقصود المطابقة إلّا

__________________

(١) النحل : ٤٢.

١٥٥

أنّه إنّما يؤمّن من العقاب بالرجوع مطلقاً سواء بالأخذ أو الالتزام أو التطبيق أو نفس العمل أو الاستناد ، فهذه من لوازم المطابقة ، فتأمّل.

وأُورد على الاستدلال بها :

أوّلاً : بأنّه يحتمل أن يكون المقصود من الإرجاع هو تحصيل العلم في الأُصول والاعتقادات لا للأخذ تعبّداً في الفرعيّات.

وثانياً : كما أنّ المسئول فيها في تفسيرها الظاهر هم علماء أهل الكتاب وفي تأويلها أهل البيت (عليهم‌السلام).

إلّا أنّه يجاب عن الأوّل : أنّ تحصيل المعرفة تارة مطلوب لنفسه وأُخرى للعمل أو معرفة المطابقة للواقع أو ما ينزل منزلته ، فلا تختصّ الآية بأُصول الدين فقط بل بكلّ ما يتعلّق بالدين في أُصوله وفروعه.

وعن الثاني : إنّ المورد لا يوجب تخصيص العامّ وحصر الكلّي عليه ، فعموم الآية يتناول السؤال من المجتهد الجامع أيضاً.

وممّا يستدلّ على جواز أصل التقليد شرعاً بآية الكتمان كما يستدلّ بها وبغيرها على حجّية قول خبر الثقة كما هو في الأُصول مفصّلاً ، إلّا إنّه ثبت في محلّه ضعف الاستدلال بها على حجّية الفتوى ، فتدبّر.

ثانياً في السنّة الشريفة :

وهي تعني قول المعصوم (عليه‌السلام) وفعله وتقريره ، فلنا روايات كثيرة تدلّ على جواز التقليد في الأحكام الشرعيّة ، وهي على نحوين : فتارة تتعلّق بعصر الحضور ،

١٥٦

وأُخرى بعصر الغيبة ، وكلّ واحد منهما على طوائف ، وإليك تفصيل ذلك بذكر نماذج من كلّ طائفة ، فتدبّر فبعضها قابلة للنقاش في كيفية الاستدلال بها ، كما يناقش سند البعض ، إلّا أنّه من حيث المجموع نقطع بجواز التقليد شرعاً.

النحو الأوّل الطائفة الأُولى :

المستفاد من هذه الطائفة أنّ الأئمة (عليهم‌السلام) قرّروا التقليد المتداول بين المسلمين برجوع العامي الجاهل إلى العالم الفقيه ، وإن خطّأوا الحكم المأخوذ بذلك.

كما في مرفوعة إبراهيم بن هاشم :

سألت امرأة أبا عبد الله (عليه‌السلام) فقالت : إنّي كنت أقعد من نفاسي عشرين يوماً حتّى أفتوني بثمانية عشر يوماً؟ فقال (عليه‌السلام) : ولِمَ أفتوك بثمانية عشر يوماً؟! فقال رجل : للحديث الذي روي عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال لأسماء بنت عميس حين نفست بمحمّد بن أبي بكر. فقال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : إنّ أسماء سألت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وقد أتى بها ثمانية عشر يوماً ولو سألته قبل ذلك لأمرها أن تغتسل وتفعل ما تفعله المستحاضة ، ومثلها الخبر الوارد في امرأة محمّد بن مسلم عن حمران بن أعين (١).

قالت امرأة محمّد بن مسلم وكانت ولوداً : أقرئ أبا جعفر السلام وأخبره أنّي كنت أقعد في نفاسي أربعين يوماً ، وإنّ أصحابنا ضيّقوا عليّ فجعلوها ثمانية عشر يوماً؟

__________________

(١) فروع الكافي ١ : ٢٨.

١٥٧

فقال أبو جعفر (عليه‌السلام) : من أفتاها بثمانية عشر يوماً؟! قلت : للرواية التي رووها في أسماء بنت عميس (١).

فالإمام (عليه‌السلام) قرّر أصل تقليد المرأتين عن بعض وإن كان خطّأ فتوى ذلك البعض ، فلم ينكر عليهما أصل التقليد ، فلو كان غير جائز لكان المفروض أن ينكر ذلك أوّلاً فهو الأصل فإذا انتفى انتفى الحكم الباطل أيضاً.

عن العبد الصالح موسى بن جعفر (عليه‌السلام) قلت : إنّ أُناساً من أصحابنا قد لقوا أباك وجدّك وسمعوا منهما الحديث ، فربما كان الشيء يبتلى به بعض أصحابنا وليس في ذلك شيء بعينه وعندهم ما يشبهه ، أيسعهم أن يأخذوا بالقياس؟ فقال (عليه‌السلام) : لا (٢).

فالظاهر رجوع الناس إلى الأصحاب في فتاواهم ، إلّا ما يبتنى على القياس الباطل.

عن عليّ بن أسباط قلت للرضا (عليه‌السلام) : يحدث الأمر لا أجد بُدّاً من معرفته ، وليس في البلد الذي أنا فيه أحد أستفتيه من مواليك؟ فقال (عليه‌السلام) : ائت فقيه البلد فاستفته عن أمرك ، فإذا أفتاك بشيء فخذ بخلافه فإنّ الحقّ فيه.

__________________

(١) المنتقى ١ : ١٩١ الاجتهاد والتقليد : ٨٧.

(٢) الجامع ١ : ٤٨.

١٥٨

والظاهر أنّ سيرة الأصحاب كانت على الاستفتاء من فقهاء تلامذة الأئمة (عليهم‌السلام) ، وأمضاها الإمام (عليه‌السلام).

النحو الأوّل الطائفة الثانية :

يظهر من هذه الطائفة أنّ الإفتاء من فقهاء أصحاب الأئمة (عليهم‌السلام) كان متداولاً في عصر الحضور ، وقد أقرّه الإمام (عليه‌السلام).

مثل خبر حمزة بن حمران (١).

سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : من استأكل بعلمه افتقر ، فقلت : جعلت فداك ، إنّ في شيعتك ومواليك قوماً يتحمّلون علومكم ويبثّونها في شيعتكم ، فلا يعدمون منهم البرّ والصلة والإكرام؟ فقال (عليه‌السلام) : ليس أُولئك بمستأكلين ، إنّما المستأكل بعلمه الذي يفتي بغير علم ولا هدى من الله عزوجل ليبطل به الحقوق طمعاً في حطام الدنيا.

والظاهر أنّ بثّ علوم أهل البيت لم ينحصر بنقل الأحاديث ، بل يعمّ الإفتاء بالأحكام ، ولازمه جواز التقليد.

النحو الأوّل الطائفة الثالثة :

وردت نصوص كثيرة عن الأئمة الأطهار (عليهم‌السلام) أرجعوا شيعتهم إلى رواة وفقهاء أصحابهم وتلامذتهم ، وهذا يعني صحّة الرجوع والتقليد.

روى الكليني في أُصوله الكافي بسنده عن أبي الحسن الهادي (عليه‌السلام) في جواب

__________________

(١) الوسائل : كتاب القضاء ، باب ٩ صفات القاضي ، الحديث ٣٦.

١٥٩

سؤال أحمد بن إسحاق : من أُعامل؟ أو عمّن آخذ؟ وقول من أقبل؟ قال (عليه‌السلام) : العمري ثقتي فما أدّى إليك عنّي فعنّي يؤدّي ، وما قال لك عنّي فعنّي يقول ، فاسمع له وأطع وهذا بوضوح يدلّ على لزوم التقليد ، وليس الجواز ورجحانه وظاهر السؤال طلب المعرفة عمّن يصلح للإفتاء وليس المراد رواية الحديث لمكان الاستماع والإطاعة.

ومثل هذا السؤال سأله أحمد عن أبي محمّد العسكري (عليه‌السلام) فقال : العمري وابنه ثقتان ، فما أدّيا إليك فعنّي يؤدّيان ، وما قالا لك عنّي فعنّي يقولان ، فاسمع لهما وأطعهما فإنّهما الثقتان المأمونان.

ومن الأخبار رواية شعيب العرقوفي : قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : ربما احتجنا أن نسأل عن الشيء فمن نسأل؟ قال (عليه‌السلام) : عليك بالأسدي ، يعني أبا بصير.

وظاهر السؤال عن الشيء حكم الشيء وهذا من الإفتاء والإرجاع إلى المفتي وجواز تقليده.

عن عبد الله بن أبي يعفور : قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : إنّي ليس كلّ ساعة ألقاك ويمكن القدوم ، ويجيء الرجل من أصحابنا فيسألني وليس عندي كلّ ما يسألني عنه؟ قال (عليه‌السلام) : فما يمنعك عن محمّد بن مسلم الثقفي ، فإنّه قد سمع أبي

١٦٠