القول الرّشيد في الإجتهاد والتقليد - ج ١

السيّد عادل العلوي

القول الرّشيد في الإجتهاد والتقليد - ج ١

المؤلف:

السيّد عادل العلوي


الموضوع : الفقه
الناشر: مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي الكبرى
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
964-6121-61-6

الصفحات: ٤٧٢
الجزء ١ الجزء ٢

١
٢

٣
٤

٥
٦

الإهداء

إلى وليّ الله الأعظم صاحب العصر والزمان مولانا الإمام المهدي من آل محمّد (عليهم‌السلام) وعجّل الله فرجه الشريف.

إلى فقهاء الإسلام عبر الأعصار والأمصار ..

إلى مؤسّس الحوزة العلميّة المباركة في النجف الأشرف شيخ الطائفة شيخنا الطوسي (قدس‌سره) (المتوفّى ٤٦٠ ه‍ ق).

إلى مؤسّس الحوزة العلميّة المباركة في قم المقدّسة شيخنا الكريم الحائري (قدس‌سره) (المتوفّى ١٣٥٥ ه‍ ق).

إلى القرّاء الأعزّاء.

أُقدّم هذا المجهود المتواضع بأمل القبول والدعاء ..

العبد

عادل العلوي

قم المقدّسة الحوزة العلمية

٧

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله ربّ العالمين المحمود لآلائه ، المشكور لنعمائه ، المطاع في أقواله ، الرشيد في أفعاله ، والمعبود لكماله .. حمداً وشكراً لا يبلغه الحامدون والمجتهدون في حمده وثنائه .. والصلاة والسلام على أشرف خلقه وأوّل الممكنات سيّد الكائنات ، أفضل المرسلين وخاتم النبيّين ، محمّد المصطفى الأمين ، وعلى آله الطاهرين وذرّيته المكرّمين ، واللعن الدائم على أعدائهم ومنكري فضائلهم وفقههم من بدو الخلق إلى قيام يوم الدين.

٨

كتاب الاجتهاد والتقليد

وفيه مسائل

المسألة الاولى في المنهاج (١)

قال سيّدنا الأُستاذ (قدس‌سره) :

١ يجب على كلّ مكلّف في عباداته ومعاملاته بالمعنى الأعمّ الشامل للسياسات والعاديات أيضاً ، فالمراد ما يشمل كافّة الاختيارات فعلاً وتركاً ، أن يكون مجتهداً أو مقلّداً أو محتاطاً.

__________________

(١) منهاج المؤمنين ١ : ٣.

٩

(المسألة الاولى في العروة)

جاء في العروة الوثقى (١)

__________________

(١) قد ذكر آية الله العظمى المحقّق السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي (قدس‌سره) قبل بيان المسائل مقدّمة نذكرها للتيمّن والبركة ، فقال :

المقدّمة : الحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على محمّد خير خلقه وآله الطاهرين.

وبعد ، فيقول المعترف بذنبه المفتقر إلى رحمة ربّه محمّد كاظم الطباطبائي : هذه جملة مسائل ممّا تعمّ به البلوى وعليها الفتوى ، جمعت شتاتها وأحصيت متفرّقاتها ، عسى أن ينتفع بها إخواننا المؤمنون ، ويكون ذخراً ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون ، والله وليّ التوفيق.

أقول : قوله (هذه جملة مسائل ممّا تعمّ به البلوى) ربما حين التصنيف تكون بعض المسائل يبتلى بها الفقيه من باب الاستطراد ، وإلّا فكثير من مسائل هذا الكتاب القيّم ليس ممّا يبتلي بها المكلّف ، كمسائل العبيد والإماء في كثير من أبواب الفقه ، كما أنّ هناك مسائل قليلة الابتلاء ربما تلحق بالعدم لندرتها ، كبعض فروع العلم الإجمالي.

ثمّ قوله (وعليها الفتوى) ليس المقصود الفتوى التي تقابل الاحتياط أي الفتوى المصطلحة في لسان الفقهاء ، بل المراد أنّ هذه المسائل هي مطرح أنظار الفقهاء ، وإنّها معنونة في مصنّفاتهم الفقهيّة ، أو من باب تسمية الكلّ باسم الجزء ، فيكون من التعبير المجازي.

قوله (جمعت شتاتها وأحصيت متفرّقاتها) يدلّ على جهده الجهيد واشتغاله السديد في جمع الشتات وإحصاء المتفرّقات ، فإنّ أهل الخبرة أعرف بما يقوله ، وبما تحمّله من

١٠

مسألة ١ يجب على كلّ مكلّف في عباداته ومعاملاته أن يكون مجتهداً أو مقلّداً أو محتاطاً.

__________________

الصعاب والمشاقّ في سبيل ذلك ، فإنّ الاجتهاد كما يقول شيخنا الأعظم الشيخ الأنصاري (قدس‌سره) : دونه خرط القتاد ، فكيف بجمع هذه المجموعة الكبيرة من المسائل الفقهيّة والفروعات الكثيرة.

ولعمري قد أجاد في الجمع والإحصاء والتدقيق والتحقيق ، حتّى صار كتابه القيّم (العروة الوثقى) التي لا انفصام لها ، محور الأبحاث الفقهيّة العليا والدراسات العميقة في الحوزات العلمية بين من يدرّسه ويشرحه ويعلّق ويهمّش عليه ، جزاهم الله خيراً عن الإسلام والمؤمنين والمسلمين.

وكان من قبل ولا يزال عند بعض الأعلام محور بحوثهم في الفقه الاستدلالي ودروس الخارج الفقهيّة ، هو (شرائع الإسلام) للمحقّق الحلّي (قدس‌سره) ، وعند البعض (العروة الوثقى) ، كما أنّ غير واحدٍ من الأعلام المعاصرين من علّق على العروة ، ومنهم سيّدنا الأُستاذ آية الله العظمى السيّد شهاب الدين المرعشي النجفي (قدس‌سره) ، فقد علّق عليها في مجلّدين باسم (الغاية القصوى لمن رام التمسّك بالعروة الوثقى).

وقد حرّرت عام ١٤٠٦ رسالة عملية مطابقة لفتاويه باسم (منهاج المؤمنين) في مجلّدين : العبادات والمعاملات ، وكان المرجع فيه (العروة) و (الغاية القصوى).

وحين بدئي بتدريس الخارج الفقهي عام ١٤١٧ ه‍ ق في مجموعة من فضلاء حوزة قم العلميّة المباركة من جاليات إسلامية مختلفة جعلت المحور (العروة الوثقى) ، إلّا أنّه في تحرير الدروس حَفَفتُ مسائل (العروة) بما جاء في (المنهاج) و (الغاية القصوى) تكريماً وتعظيماً وإحياءً لفقه سيّدنا الأُستاذ قدس‌سره الشريف ، متقرّباً بذلك إلى الله ورسوله وعترته الأطهار (عليهم‌السلام) ض ، وما توفيقي إلّا بالله العليّ العظيم.

١١

وجاء في الغاية القصوى (١ : ٥) :

في قوله : (يجب على) : بوجوب تخييري عقلي ، بل فطري.

وفي قوله : (ومعاملاته) : بالمعنى الأعمّ الشامل للسياسات والعاديّات أيضاً ، فالمراد ما يشمل كافة الاختيارات فعلاً وتركاً.

وفي قوله : (أن يكون مجتهداً) : كون الطرق عرضيّة محلّ إشكال.

__________________

أقول : والله المستعان على كلّ حال وفي جميع الأحوال ، أنّ ديدننا في شرح المسائل وبيان مداركها وأدلّتها التفصيليّة هو أن نذكر أوّلاً أهمّ ألفاظها لغةً واصطلاحاً ، ثمّ ندخل في صلب الموضوعات الفقهيّة والأُصوليّة ، وبيان النصوص الشرعية والمدارك والمسانيد وآراء الأعلام ونظرياتهم وما هو المختار ، ومن الله التوفيق والتسديد والصواب.

والحكمة في بيان المعاني اللغوية والمصطلحات الفقهيّة ، أنّ المعنى المصطلح على لسان الفقهاء أو لسان الشرع المقدّس كثيراً ما ينقل من المعنى اللغوي ، المتكفّل لبيانه معاجم اللغة وقواميسها ، التابع لوضع الواضع التعيّني والتعييني. ثمّ النقل إمّا أن يكون مألوفاً كنقل المعنى العامّ إلى الخاصّ ، أو بالعكس كما هو في كثير من الموارد ، أو غير مألوف كالنقل من مباين إلى آخر. ولمّا كان الغالب في النقل من المألوف ، فإنّه يستلزم أوّلاً أن يبحث في الكلمات عن معانيها اللغوية ، فإنّه ممّا يزيد في معرفة المعاني المصطلحة ، كما يعرف به محلّ النزاع في التعاريف والمصطلحات

١٢

الخاصّة.

ولمثل هذا يدور البحث في البداية حول الألفاظ التالية الواردة في المسألة الأُولى لغةً واصطلاحاً وهي :

١ الوجوب.

٢ التكليف والمكلّف.

٣ العبادات.

٤ المعاملات.

٥ الاجتهاد والمجتهد.

٦ التقليد والمقلّد.

٧ الاحتياط والمحتاط.

١٣

الوجوب لغةً واصطلاحاً

الوجوب لغةً : يعدّ من كلمات الأضداد ، وهي التي تحمّل معنيين متضادّين ، وهما في الوجوب : الثبوت والسقوط ، ومنه قوله تعالى (وَجَبَتْ جُنُوبُها)(١) أي سقطت ، ومنه وجبت الشمس إذا غابت وسقطت.

والواجب يقال على أوجه :

الأوّل في مقابلة الممكن وهو الحاصل الذي إذا قُدّر كونه مرتفعاً حصل منه محال ، نحو وجود الواحد مع وجود الاثنين ، فإنّه محال أن يرتفع الواحد مع حصول الاثنين.

الثاني يقال في الذي إذا لم يفعله الإنسان استحقّ به اللوم ، وذلك ضربان : واجب من جهة العقل كوجوب معرفة الوحدانيّة ومعرفة النبوّة ، وواجب من جهة الشرع كوجوب العبادات الموظّفة (٢).

__________________

(١) الحجّ : ٣٦.

(٢) الراغب الأصفهاني ، مفردات القرآن : ٥٤٨.

١٤

ثمّ الوجوب مصدر وهو من المعاني الإضافيّة التي يتوقّف تعقّلها وتصوّرها على معانٍ اخرى ، فالوجوب بين من أوجب ، وما وجب ، وما تعلّق به الوجوب وهو الواجب ، وباعتبار كلّ واحد من الأركان ينقسم إلى تقسيمات أوّلية وثانويّة وهكذا. فباعتبار من أوجب ينقسم إلى الوجوب العقلي والفطري والشرعي.

أمّا الشرعي فيعني ما أمر به الشارع المقدّس وهو الله سبحانه وتعالى ثمّ نبيّه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وخلفاءه الأطهار (عليهم‌السلام) فيبتني على التكليف الإلهي.

وأمّا الفطري فيبتني على فطرة الإنسان وجبلّته (١) وغريزته ، بل على مطلق الغريزة الحيوانيّة ، وملاك الوجوب الفطري هو دفع الضرر المحتمل ، فكيف بالمظنون ، أو يقال المراد من المحتمل هو المظنون أي المحتمل العقلائي.

والوجوب العقلي هو الذي يستقلّ به العقل الإنساني ، والذي يبتني على الحسن والقبح العقليّين بملاكات منها فيما نحن فيه وجوب شكر المنعم ، وهذا أضيق دائرة من الوجوب الفطري ، فإنّه يختصّ بالعقلاء بخلاف الفطري فإنّ قاعدة (دفع الضرر المحتمل) تعمّ سائر الحيوانات ، فإنّها بمجرّد احتمال الخطر تفرّ أو تحمي نفسها من الخطر بأيّ نحوٍ كان ، فالفطري على ما يفهمه العرف في محاوراته هو الجبلّي الارتكازيّ الغريزي ، ضرورة أنّ الاتّقاء والحفظ من الضرر ارتكازي لكلّ ذي شعور ودرك جزئي من سائر الحيوانات فضلاً عن الإنسان ، كما أنّ الملكيّة

__________________

(١) الجبلة مأخوذة من الجبل بمعنى ما له جذور كالوتد في الأرض كما يطلق على الجبال ، والفطريات من الرواسخ كالإبرة المغروزة في بواطن ، الإنسان كالجوع والعطش والغريزة الجنسيّة ، فهذه غرائز وفطريات ، ومنها دفع الضرر المحتمل.

١٥

الشخصيّة من الفطريات كرجوع الطير إلى وكره.

ولا مجال حينئذٍ لإشكال المحقّق الأصفهاني (قدس‌سره) (١) : «بأنّ الفطري المصطلح عليه في فنّه (٢) هي القضيّة التي قياسها معها لكون الأربعة زوجاً لانقسامها إلى متساويين ، وما هو الفطري بهذا المعنى هو كون العلم نوراً وكمالاً للعاقلة في قبال الجهل ، لا لزوم التقليد عند الشارع والعقلاء ، ولا نفس رفع الجهل بعلم العالم ، والفطري بمعنى الجبلة والطبع هو شوق النفس إلى كمال ذاتها ، أو كمال قواها لا لزوم التقليد» (٣).

فجعل الفطري بمعنى القضيّة التي قياسها معها ، ولا تحتاج إلى النظر والاستدلال ، وما نحن فيه ليس كذلك ، وجوابه أنّ دفع المضارّ الأُخرويّة أو المضارّ الدنيويّة المهمّة ممّا هو في جبلّة الإنسان وفطرته السليمة ، بل دفع الضرر بهذا المعنى في غريزة كلّ حيوان ، فما أفاده إنّما هو من المصطلح عند أرباب المعقول ، وما يراد إثباته إنّما هو عند المتفاهم العرفي ، وفرق بين المقامين كما هو واضح.

هذا في معنى الوجوب ، ثمّ قيل : الوجوب في عبارة الماتن إنّما هو من

__________________

(١) رسالة الاجتهاد والتقليد : ١١.

(٢) القياس في علم المنطق باعتبار هيئته يتكوّن منه الإشكال الأربعة وباعتبار مادّته الصناعات الخمسة ومنها البرهان ، وهو ما كان مقدّماته الصغرى والكبرى من الأوّليّات ، وهي ستّة ، منها : الفطريات وهي عبارة عن القضايا التي قياساتها معها كاجتماع النقيضين وارتفاعهما مستحيل ، وكالزوجيّة للأربعة.

(٣) الدرّ النضيد في الاجتهاد والاحتياط والتقليد : ٢٠.

١٦

الوجوب الفطري.

«فقيل الوجوب التخييري بين الأُمور الثلاثة (الاجتهاد والتقليد والاحتياط) هو من قبيل وجوب الطاعة في قوله تعالى (أَطِيعُوا اللهَ) فإنّه فطري بمناط وجوب دفع الضرر المحتمل ، حيث إنّ في ترك جميع الأبدال والأقسام الثلاثة احتمال الضرر الدنيوي والأُخروي ، وإنّه عقلي بملاك وجوب شكر المنعم وهذا يستلزم أن يكون المكلّف حينئذٍ ملتفتاً غير غافل ، كما أنّه يكون ذلك في احتمال التكليف المنجّز فمع الغفلة عن التكليف أو احتمال التكليف غير الإلزامي أو الإلزامي غير المنجّز لم يجب شيء من ذلك ، لعدم احتمال الضرر في تركها ، ولا هو ممّا ينافي الشكر الواجب» (١).

ثمّ إنّما يقال بالأُمور الثلاثة لما ثبت في علم الكلام وقرّر في محلّه أنّ حكم العقل وقاعدة اللطف (ما يقرب العبد إلى الطاعة ويبعّده عن المعصية لا على نحو الإلجاء) أوجب على الله من باب (كتب على نفسه الرحمة) أن يرشد العباد إلى ما فيه السعادة الدنيويّة والأُخرويّة وتعريفهم للثواب ودفع العقاب والفوز بلقاء الله ورضوانه ، وذلك بإرسال الرسل وإنزال الكتب السماويّة لبيان الشرائع السمحاء والمناهج الإلهيّة ، وتبليغ الأحكام والقوانين الربّانية ، ولئلّا يكون على الناس حجّة ، وقد فعل الله ذلك وأرسل الأنبياء والمرسلين مبشّرين ومنذرين ، وختم النبوّة بأفضلهم نبيّنا الأعظم محمّد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) :

__________________

(١) مستمسك العروة الوثقى ١ : ٦.

١٧

(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)(١).

وقال الرسول الأكرم (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) في حجّة الوداع في خطبته المشهورة : (يا أيّها الناس والله ما من شيء يقرّبكم من الجنّة ويباعدكم من النار إلّا وقد أمرتكم به ، وما من شيء يقرّبكم من النار ويباعدكم من الجنّة إلّا وقد نهيتكم عنه) (٢).

فقام بالرسالة الإسلامية ونشر الأحكام والمعارف وتتميم مكارم الأخلاق أيام حياته المباركة ، وكمل دين الإسلام بالولاية والإمامة وإمارة أمير المؤمنين علي (عليه‌السلام) والخلفاء المعصومين من بعده بنصّ آية الإكمال وغيرها ، ثمّ الناس غير مهملين ولم يتركوا من دون تكليف ، فلا بدّ للمكلّف أن يعرف حكمه ووظيفته الشرعية والدينية ، حتّى يتخلّص من العقاب ويفوز بالثواب ، ولولا ذلك فإنّه يحتمل الوقوع في الضرر ، بل يظنّ ذلك ، فكلّ واحد يعلم إجمالاً أنّه مكلّف شرعاً بأحكام ووظائف دينية.

ثمّ معرفة الأحكام الشرعية والعلم بها إنّما يكون من طريقين :

١ ـ العلم الوجداني والقطع اليقيني كالاستماع من لفظ المعصوم النبي أو الإمام (عليهما‌السلام) أو قيام خبر متواتر قطعي يفيد العلم ، أو خبر واحد محفوف بالقرائن القطعيّة ونحوها.

٢ ـ العلم التعبّدي الشرعي ، أي ما علم حجّيته شرعاً وهو على أنحاء ثلاثة :

__________________

(١) الجمعة : ٢.

(٢) أُصول الكافي ٢ : ٧٤ ، باب الطاعة والتقوى.

١٨

١ ـ الاجتهاد : بأن يعلم الحجّة الشرعيّة على الحكم الواقعي وتكون أمارة كاشفة عنه ، أو حجّة في مرحلة الظاهر عند الشكّ والجهل كما في الأُصول العمليّة اجتهاداً عن أدلّتها التفصيلية.

٢ ـ التقليد : بأن تستند أفعال المكلّف وتروكه إلى قول الغير الذي علم حجّية قوله.

٣ ـ الاحتياط : بأن يأتِ المكلّف بكلّ ما يحتمل وجوبه ويترك كلّ ما يحتمل حرمته ، كما سنذكر تفصيل ذلك عند تعاريف الأُمور الثلاثة.

وحينئذٍ بحكم الفطرة السليمة من باب (دفع الضرر المحتمل) والعقل السليم من باب (شكر المنعم واجب) يجب على المكلّف في تكاليفه جميعاً العبادات والمعاملات إمّا أن يكون مجتهداً أو مقلّداً أو محتاطاً.

وممّا يدلّ على هذا الوجوب أيضاً ما يقال من باب الفطرة أو حكم العقل أنّه من باب قانون العبوديّة والمولويّة يجب ذلك ، بلحاظ أنّ في مخالفة المولى خروجاً عن رسم وزيّ العبودية ، فيحتمل الضرر ، أو يصير بذلك ظالماً لمولاه ، والعقل يستقلّ بقبح الظلم كما يذمّ فاعله.

والظاهر أنّه من حكم العقل دون الفطرة لاختصاصه بالعقلاء ، والفطرة تعمّ الحيوانات ، كما أنّها مختصّة بمقولة الفعل ، ولا دخل للعقل في صدورها ولا صلة له بالإدراكات النفسيّة التي هي من مقولة الكيف ، كما أنّ صدور فعل عن الغريزة والفطرة أمر بالطبع لا بالعقل.

إلّا أن يقال إنّ المراد من الفطرة هنا هي الفطرة الإنسانية التي تلازم العقل ،

١٩

وربما ترادفه في الأحكام ، فتأمّل.

وربما يقال أنّ شكر المنعم يؤول إلى دفع الضرر المحتمل ، فإنّه لولاه لكان المتنعّم عليه معرّضاً لزوال النعمة ونزول النقمة ، فيلزمه الضرر ، فدفعاً له عليه أن يشكر.

كما أنّه ليس شكر المنعم واجب على نحو الكلّية ، بل إنّما هو حسن ، وليس كلّ حسن واجب ، حتّى يصل إلى أوج الحسن وشدّته.

والجواب عن المناقشة الاولى أنّ حكم العقل في مستقلّاته العقليّة إنّما يبتني على التحسين والتقبيح العقليّين كما هو مقرّر في محلّه فهو مختصّ بذوي العقول والألباب وأمّا حكم الفطرة فإنّه يبتني على الجبلّيّات المغروزة التي تعمّ سائر الحيوانات كالجوع والعطش ومنها دفع الضرر المحتمل ، فإنّ الحيوان يدفع عن نفسه الضرر بمجرّد أن يحسّه أو يحتمله ، ففرق بين المناطين ، وحينئذٍ العقل يستقلّ بالحكم أنّه يقبح على من أُنعم عليه بأنواع النعم والمواهب أن لا يشكر منعمه ، ويعدّه ظالماً ، والظلم قبيح ومذموم.

وأمّا الجواب عن المناقشة الثانية ، فإنّه يقال : وإن كان شكر المنعم إنّما يجب في الجملة لعدم الدليل على وجوب كلّ ما هو شكر للمنعم وبالنسبة إلى كلّ منعم ، إلّا أنّ ما نحن فيه وما يقتضيه المقام إنّما هو على نحو وجوب شكر المنعم.

وعند المشهور أنّ كلا الملاكين (دفع الضرر المحتمل وشكر المنعم) إنّما هو من حكم العقل ، وربما يطلق عليه بالعقل الفطري ، والعقل الارتكازي.

والظاهر عندي أنّه إذا كان الملاك في الفطري عموميّته وأنّه في سائر

٢٠