بحار الأنوار - ج ٣٠

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار - ج ٣٠

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


المحقق: الشيخ عبد الزهراء العلوي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الرضا
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٨
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

اللفوت (١) ، وأضم العنود (٢) ، وأكثر الزجر (٣) ، وأقل الضرب ، وأشهر بالعصا ، وأدفع باليد ، ولو لا ذلك لأعذرت.

قال أبو جعفر : وكان معاوية إذا حدث بهذا الحديث يقول : كان والله عالما برعيته.

قال ابن قتيبة : رملت السرير وأرملته : إذا نسجته بشريط من خوص أو ليف.

وذقن عليها .. أي وضع عليها ذقنه يستمع الحديث.

وقوله : فقرع حجكم .. أي خلت أيام الحج من الناس ، وكانوا يتعوذون من قرع الفناء و (٤) ذلك ألا يكون فيه أهل.

والقائبة (٥) : قشر البيضة إذا خرج منها الفرخ.

والقوب : الفرخ ..

قوله : إني لأرتع وأشبع (٦) وأسقي فأروي .. مثل مستعار من رعية الإبل ، .. أي إذا أرتعت الإبل .. أي أرسلتها ترعى ، تركتها حتى تشبع ، وإذا سقيتها تركتها حتى تروى.

وقوله : أضرب العروض .. فالعروض (٧) : الناقة تأخذ يمينا وشمالا ولا

__________________

(١) اللقوت : جاء في (س).

(٢) جاء في حاشية ( ك‍ ) : قال الجزري في حديث عمر : وأنهز الفوت وأضم العنود .. اللفوت : هي الناقة الضجور عند الحلب تلتفت إلى الحالب فتعضه فينهزها بيده فتدور ليفتدي باللبن من النهر وهو الضرب ، فضربها مثلا للذي يستعصي ويخرج عن الطاعة. منه [ ( رحمه‌الله ) ].

انظر : النهاية ٤ ـ ٢٥٩ ، لا توجد فيه : اللفوت ـ الثاني ـ وفيه أيضا : فتدر لتغتدي.

(٣) في المصدر : الضجر. إلا أنه عند نقل كلام ابن قتيبة ذكره بالزاى كالمتن.

(٤) لا توجد الواو في (س).

(٥) هنا سقط ذكره في شرح النهج ، وهو : وذلك ألا يكون عليه غاشية وزوار ، ومن قرع المراح ، وذلك ألا يكون فيه إبل ، والقابية.

(٦) في المصدر : فأشبع.

(٧) في المصدر : العروض ـ بلا فاء ـ.

٦٢١

تلزم الحجة (١) يقول : أضربها حتى يعود (٢) إلى الطريق ، ومثله قوله : وأضم العنود.

والعجول : البعير يند (٣) عن الإبل و (٤) يركب رأسه عجلا ويستقبلها.

وقوله : وأؤدب قدري .. أي قدر طاقتي.

وقوله : وأسوق خطوتي .. أي قدر خطوتي.

واللفوت : البعير يلتفت يمينا وشمالا ويروغ.

وقوله : وأكثر الزجر وأقل الضرب .. أي إنه يقتصر من التأديب في السياسة على ما يكتفي به حتى يضطر إلى ما هو أشد منه وأغلظ.

وقوله : وأشهر بالعصا وأدفع باليد .. يريد أنه يرفع العصاء يرعب (٥) بها ولا يستعملها ولكنه يدفع بيده.

و (٦) قوله : ولو لا ذلك لأعذرت .. أي لو لا هذا التدبير والسياسة (٧) لخلفت بعض ما أسوق ، تقول : أعذر الراعي الشاة أو الناقة (٨) .. إذا تركها ، والشاة العذيرة ، وعذرت هي .. إذا تخلفت عن الغنم ، انتهى.

وقد ذكر ابن الأثير في النهاية كثيرا من ألفاظ هذه الرواية وفسرها.

قال (٩) : في حديث عمر : إن عمران بن سوادة قال له : أربع خصال

__________________

(١) في المصدر : المحجة.

(٢) في الشرح : حتى تعود.

(٣) في (س) : ينتد.

(٤) لا توجد الواو في (س).

(٥) في شرح النهج : يرهب.

(٦) لا توجد الواو في المصدر.

(٧) في الشرح : وهذه السياسة.

(٨) جاءت العبارة في المصدر هكذا : يقال أعذر الراعي الشاة والناقة.

(٩) النهاية : ٢ ـ ١٦٢ ، ومثله في لسان العرب ١٣ ـ ١٧٣.

٦٢٢

عاتبتك عليها رعيتك ، فوضع عود الدرة ثم ذقن عليها وقال : هات. يقال : ذقن على يده وعلى عصاه ـ بالتشديد والتخفيف ـ : إذا وضعه تحت ذقنه واتكأ عليها.

وقال (١) في قوب : منه .. حديث (٢) عمر إن اعتمرتم في أشهر الحج رأيتموها مجزية من حجتكم (٣) فكانت قائبة قوب عامها. ضرب هذا مثلا لخلو مكة من المعتمرين في باقي السنة ، يقال : قيبت البيضة (٤) إذا انفلقت عن فرخها وإنما قيل لها : قائبة (٥) ، وهي مقوبة على تقدير : ذات قوب .. أي ذات فرخ ، والمعنى أن الفرخ إذا فارق بيضته لم يعد إليها وكذا إذا اعتمروا في أشهر الحج لم يعودوا إلى مكة.

وقال (٦) في العنود : وفي حديث عمر ويذكر سيرته : « وأضم العنود » (٧) وهو من الإبل : الذي لا يخالطها ولا يزال منفردا عنها ، وأراد : من خرج عن الجماعة أعدته إليها وعطفته عليها.

وقال ابن أبي الحديد (٨) : وفي حديث عمر ، أنه قال ـ في متعة الحج ـ : قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] فعلها وأصحابه ولكن كرهت أن يظلوا بهن معرسين تحت الأراك ، ثم يلبون بالحج يقطر رءوسهم ، قال : المعرس : الذي

__________________

(١) النهاية ٤ ـ ١١٨ ، وانظر : لسان العرب ١ ـ ٦٩٤.

(٢) في المصدر : وفي حديث ، وفي ( ك‍ ) : ومنه حديث.

(٣) في النهاية : عن حجكم.

(٤) هنا سقط قد جاء في حاشية ( ك‍ ) أيضا وهو : يقال : قيبت البيضة فهو مقوبة : إذا خرج فرخها منها ، فالقائبة : البيضة ، والقوب : الفرخ ، وتقوبت البيضة : إذا انفلقت عن فرخها .. إلى آخر ما في المتن. نهاية. انظر : النهاية ٤ ـ ١١٨.

(٥) في (س) : إنما هي قائبة.

(٦) قاله ابن الأثير في النهاية ٣ ـ ٣٠٨ ، ونحوه في لسان العرب ٣ ـ ٣٠٨.

(٧) لا توجد في المصدر : وأضم العنود.

(٨) شرح ابن أبي الحديد ١٢ ـ ١٥٠ ـ ١٥١.

٦٢٣

يغشى امرأته. قال : كره أن يحل الرجل من عمرته ثم يأتي النساء ، ثم يهل بالحج (١).

وقال في النهاية (٢) في الأعراس : ومنه حديث عمر نهى عن متعة الحج ، وقال : قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم فعله ولكن (٣) كرهت أن يظلوا بها معرسين ـ أي ملمين بنسائهم ـ.

وروى في جامع الأصول (٤) ، عن الترمذي (٥) ، عن سالم بن عبد الله ، أنه سمع رجلا من أهل الشام وهو يسأل عبد الله بن عمر عن التمتع بالعمرة إلى الحج ، فقال عبد الله بن عمر : أرأيت إن كان (٦) أبي ينهى عنها وصنعها (٧) رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] ، أمر (٨) أبي يتبع أم أمر رسول الله صلى الله عليه [ وآله ]؟!. فقال الرجل : بل أمر رسول الله (ص) ، فقال : لقد صنعها رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] (٩).

__________________

(١) وانظر : الفائق ٢ ـ ١٣٦ ، وجمع الجوامع للسيوطي كما في ترتيبه ٣ ـ ٣٢ نقلا عن جمهرة من الحفاظ.

(٢) النهاية ٣ ـ ٢٠٦ ، ونظيره في لسان العرب ٦ ـ ١٣٥.

(٣) في المصدر : ولكني ـ بالياء ـ.

(٤) جامع الأصول ٣ ـ ١١٥ ـ ١١٦ حديث ١٤٠١ ، وأورده القرطبي في تفسيره ٢ ـ ٣٦٥ نقلا عن الدارقطني.

(٥) سنن الترمذي ١ ـ ١٥٧ كتاب الحج باب ما جاء في التمتع حديث ٨٢٤ ، ثم قال : وإسناده صحيح ، وجاء في زاد المعاد لابن القيم ١ ـ ١٩٤ ، وشرح المواهب للزرقاني ٢ ـ ٢٥٢ ، ومجمع الزوائد ١ ـ ١٥٨ ، وذكره بصورتين البيهقي في سننه ٥ ـ ٢١ ، وقال في الآخر : أفكتاب الله عز وجل أحق أن يتبع أم عمر؟!.

(٦) لا توجد : كان ، في (س).

(٧) الظاهر أن الكلمة في (س) : وضعها. وفي المصدر : نهى عنها.

(٨) في المصدر : أأمر.

(٩) وقريب منه ما جاء في مسند أحمد بن حنبل ٢ ـ ٩٥ وفي ذيله : أفرسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم أحق أن تتبع سنته أم سنة عمر؟!.

وبعد تلك النصوص التي سلفت وتأتي عن صاحب الرسالة صلوات الله عليه وآله وسلم نجد هناك نصوصا مستفيضة عن عبد الله بن عمر تحكي نهي أبيه عنها ، نظير قوله : أفصلوا بين حجكم

٦٢٤

وروى مسلم (١) ، عن سعد بن أبي وقاص ، قال : لقد تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] ، وهذا ـ يعني معاوية ـ كافر بالعرش ـ يعني بالعرش .. بيوت مكة في الجاهلية ـ.

قال في جامع الأصول (٢) ـ بعد حكايتها عن مسلم ـ : وفي رواية الموطإ (٣) والترمذي (٤) والنسائي (٥) ، عن محمد بن عبد الله بن الحارث ، أنه سمع سعد بن أبي وقاص والضحاك بن قيس عام حج معاوية يذكران التمتع بالعمرة إلى الحج ، فقال الضحاك : لا يصنع ذلك إلا من جهل أمر الله. فقال له سعد : بئسما قلت يا ابن أخي. فقال الضحاك : إن عمر قد نهى عن ذلك. فقال سعد : قد صنعناها مع رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] بأمره ، وصنعها هو صلى الله عليه [ وآله ] وسلم (٦).

__________________

وعمرتكم .. اجعلوا الحج في أشهر الحج .. اجعلوا العمرة في غير أشهر الحج .. أتم للعمرة أن يعتمر في غير أشهر الحج وغيرها ، كما في موطإ مالك ١ ـ ٢٥٢ ، وسنن البيهقي ٥ ـ ٥ ، وتيسير الوصول ١ ـ ٢٧٩ ، والدر المنثور ١ ـ ٢١٨ ، وغيرها من المصادر.

(١) صحيح مسلم كتاب الحج باب جواز التمتع حديث ١٢٢٥. وانظر ما ذكره في الغدير ٦ ـ ٢١٧.

(٢) جامع الأصول ٣ ـ ١١٣ ـ ١١٤ حديث ١٣٩٩.

(٣) الموطأ لمالك ١ ـ ٣٤٤ [ ١ ـ ١٤٨ ] كتاب الحج باب ما جاء في التمتع.

(٤) سنن الترمذي ١ ـ ١٥٧ كتاب الحج باب ما جاء في التمتع حديث ٨٢٣.

(٥) سنن النسائي ٥ ـ ١٥٢ ـ ١٥٣ كتاب الحج باب التمتع باختلاف سندا عما هنا ، ويشهد له أحاديث في الباب.

(٦) وقد جاء في كتاب الأم للشافعي ٧ ـ ١٩٩ ، وأحكام القرآن للجصاص ١ ـ ٣٣٥ ، وسنن البيهقي ٥ ـ ١٧ ، وتفسير القرطبي ٢ ـ ٣٦٥ قال : هذا حديث صحيح ، وزاد المعاد لابن القيم ١ ـ ٨٤ ، وشرح المواهب للزرقاني ٨ ـ ١٥٣.

وقريب منه ما أورده الدارمي في سننه ٢ ـ ٣٥ ، ومسلم في صحيحه كتاب الحج باب التقصير في العمرة ، وكتاب النكاح باب نكاح المتعة ، وأحمد في المسند ١ ـ ٥٢ و ١٧٤ و ٢٥٢ ، والبيهقي في سننه ٥ ـ ١٦ ، والطحاوي في معاني الآثار ٢ ـ ٣٥.

وفي مسند أحمد ١ ـ ٣٣٧ في آخر الحديث جاء : فقال ابن عباس : أراهم سيهلكون. أقول :قال النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ويقول : نهى أبو بكر وعمر. وأصرح من ذلك كله ما رواه في

٦٢٥

قال (١) : ليس عند الترمذي : عام حج معاوية.

وروى في صحيح مسلم (٢) وفي جامع الأصول (٣) وفي المشكاة (٤) عن عطاء ، عن جابر بن عبد الله ، قال : أهللنا أصحاب محمد صلى الله عليه [ وآله ] بالحج خالصا وحده ، فقدم النبي صلى الله عليه [ وآله ] صبح رابعة مضت (٥) من ذي الحجة فأمرنا أن نحل ، قال عطا : قال : أحلوا وأصيبوا النساء ، ولم يعزم عليهم ولكن أحلهن لهم. فقلنا : لما لم يكن (٦) بيننا وبين عرفة إلا خمس أمرنا أن نفضي إلى نسائنا فنأتي عرفة يقطر مذاكيرنا المني!. قال جابر بيده ـ كأني أنظر إلى قوله بيده يحركها ـ (٧).

قال : فقام النبي صلى الله عليه [ وآله ] فينا فقال : قد علمتم أني أتقاكم لله عز وجل وأصدقكم وأبركم ، ولو لا هدي لحللت كما تحلون ، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي ، فحلوا ، فحللنا وسمعنا وأطعنا (٨) .. إلى هنا

__________________

٤ ـ ٣ منه ، فراجع ولاحظ ما ذكره العلامة الأميني في غديره ٦ ـ ٢٠١ ، وغيره.

(١) جامع الأصول ٣ ـ ١١٥.

(٢) صحيح مسلم كتاب الحج باب بيان وجوه الإحرام حديث ١٢١٤ ، وانظر ما قبله وما بعده.

(٣) جامع الأصول ٣ ـ ١٣١ ـ ١٣٢ ضمن حديث ١٤١٣.

(٤) مشكاة المصابيح : ١ ـ ٢٢٦.

(٥) لا توجد في جامع الأصول : مضت.

(٦) في (س) نسخة بدل : نكن.

(٧) في ( ك‍ ) : تحركها.

(٨) أقول : إن جابرا وأمثاله حذوا حذو النبي (ص) وتبعوا سنته. وأما عمر وأضرابه فقد دعوا لمخالفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حال حياته وبعد مماته وأصروا على شقاق الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد تقدمت من الروايات ما تضمنت مخالفته. وقد نقل أبو حنيفة ـ كما في زاد المعاد لابن القيم ١ ـ ٢٢٠ ـ عن الأسود بن يزيد قال : بينما أنا واقف مع عمر بن الخطاب بعرفة عشية عرفة فإذا هو برجل مرجل شعره يفوح منه ريح الطيب ، فقال له عمر : أمحرم أنت؟. قال : نعم. فقال عمر : ما هيئتك بهيئة محرم ، إنما المحرم الأشعث الأغبر الأذفر. قال : إني قدمت متمتعا وكان معي أهلي ، وإنما أحرمت اليوم. فقال عمر عند ذلك : لا تتمتعوا في هذه الأيام فإني لو رخصت في المتعة لهم لعرسوا بهن في الأراك ثم راحوا بهن حجاجا.

٦٢٦

رواية البخاري (١).

وفي رواية مسلم (٢) ، قال جابر : فقدم علي عليه‌السلام من سعايته (٣) ، فقال : بما أهللت؟. قال : بما أهل به النبي صلى الله عليه [ وآله ]. فقال له رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] : فأهد وامكث حراما ، وأهدى له علي عليه‌السلام هديا ، فقال سراقة بن مالك بن جعشم : يا رسول الله! لعامنا هذا أم لأبد؟ قال : بل لأبد (٤).

__________________

وذكر ابن القيم عن ابن حزم ، أنه قال : وكان ما ذا؟! وحبذا ذلك وقد طاف النبي (ص) على نسائه ثم أصبح محرما ، ولا خلاف أن الوطء مباح قبل الإحرام بطرفة عين ، والله أعلم.

وقريب منه ما أخرجه أبو يوسف في كتاب الآثار : ٩٧ عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم عن عمر.

(١) صحيح البخاري ٣ ـ ٤٠٢ و ٤٠٣ كتاب الحج في أبواب متفرقة بمضامين متعددة ، وأورده في باب المغازي أيضا ، والاعتصام بالكتاب والسنة باب نهي النبي (ص) عن التحريم ، ورواه أبو داود في صحيحه المجلد الحادي عشر باب إفراد الحج باختلاف يسير ، وأحمد بن حنبل في مسنده ٣ ـ ٣١٧ ، وغيرهما ممن جمع الحديث كثير لا حاجة إلى ذكرهم.

(٢) صحيح مسلم ١ ـ ٣٤٦.

(٣) السعاية : هي العمل والسعي على جمع الصدقات ، وكان علي عليه‌السلام قد أرسله النبي (ص) إلى اليمن لجمع الصدقات.

(٤) في (س) : لأبد. وفي المصدر : للأبد.

أقول : وقد رواه البخاري في صحيحه ٣ ـ ١٤٨ كتاب الحج باب عمرة التنعيم ، والقاضي أبو يوسف في كتاب الآثار : ١٢٦ ، وابن ماجة في سننه ٢ ـ ٢٣٠ ، وأحمد بن حنبل في المسند ٣ ـ ٣٨٨ و ٤ ـ ١٧٥ ، وأبو داود في سننه ٢ ـ ٢٨٢ كتاب الحج باب في إفراد الحج ، والنسائي في صحيحه ٥ ـ ١٧٨ و ١٧٩ كتاب الحج باب إباحة فسخ الحج بعمرة لمن لم يسق الهدي ، والبيهقي في سننه ٥ ـ ١٩ ، وغيرهم.

قال شيخنا الأميني في غديره ٦ ـ ٢١٣ : .. هذا شطر من أحاديث المتعتين ، وهي تربو على أربعين حديثا بين صحاح وحسان ـ تعرب عن أن المتعتين كانتا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونزل فيهما القرآن وثبتت إباحتهما بالسنة ، وأول من نهى عنهما عمر ، وقد عده العسكري في أولياته ، والسيوطي في تاريخ الخلفاء : ٩٣ ، والقرماني في تاريخه ـ هامش الكامل ـ ١ ـ ٢٠٣ أنه أول من حرم المتعة.

٦٢٧

فهذه جملة من الأخبار العامية.

وأخبار الخاصة في ذلك أكثر من أن يمكن إيرادها هنا ، وسيأتي بعضها في كتاب الحج (١) ، وكتب أخبارنا مشحونة بها (٢).

وأجاب المخالفون : أما عن متعة النساء ، فبأنها كانت على عهد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم نسخت ، وعولوا في ذلك على روايات متناقضة أوردوها في كتبهم تركناها مخافة الإطناب ، وأجيب عنها بوجوه :

الأول : أن تناقض تلك الروايات تدل على كونها موضوعة ، إذ بعضها يدل على أنها نسخت يوم خيبر ، وبعضها يدل على أن الإباحة والتحريم كانا في مكة قبل الخروج منها بعد الفتح ، وبعضها يدل على أنهم شكوا العزوبة في حجة الوداع فأذن لهم في المتعة ، وبعضها يدل أنها ما حلت (٣) إلا في عمرة القضاء ، وكانت بعد فتح خيبر ، وقد دل بعض رواياتهم على أنها نسخت يوم (٤) خيبر كما عرفت ، وبعضها على أنها نسخت في غزوة تبوك ، وبعضها على أنها كانت مباحة في أول الإسلام حتى نسخت بقوله تعالى : ( إِلاَّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ ) (٥).

ولا ريب في أنه لا يعبر عن عام حجة الوداع والفتح وخيبر وتبوك بأول الإسلام ، على أن هذه الآية ـ التي تدل روايتهم عن ابن عباس على نسخ المتعة

__________________

أقول : في هذا الباب أحاديث كثيرة جدا عن طريق العامة دالة على إباحتها ـ إن لم نقل على استحبابها ـ لم يتعرض العلامة الأميني لها في غديره لخلوها عن نهي عمر ، ولعل فيما ذكرناه كفاية لمن يستمع القول ويلقي السمع ويتبع أحسنه.

(١) بحار الأنوار ٩٩ ـ ٨٦ ـ ١٠١.

(٢) انظر : علل الشرائع : ٤١٢ ـ ٤١٣ ، ٤١٥ ، وعيون أخبار الرضا (ع) ٢ ـ ١٥ ، ١٢٤ ، وخصال الصدوق ١ ـ ٦٩ و ٢ ـ ٣٩٤ ، وأمالي الشيخ الطوسي ٢ ـ ١٥ ، وقرب الإسناد : ١٠٤ ، ١٠٦ ، ١٠٧ ، ١٦٩ ، ودعائم الإسلام ١ ـ ٣١٧ و ٣١٨ و ٣١٩ ، وغيرها كثير.

(٣) في ( ك‍ ) : حللت.

(٤) لا توجد في (س) : يوم. وهي نسخة بدل في ( ك‍ ).

(٥) المؤمنون : ٦.

٦٢٨

بها ـ تكررت في سورتين : سورة المعارج (١) ، وسورة المؤمنون (٢) ، وهما مكيتان كما ذكره المفسرون (٣) ، فكيف كان الإذن بها والنهي عنها في حجة الوداع ، وعام الفتح ، وغيرهما؟! ولهذا (٤) الاختلاف الفاحش التجئوا إلى التشبث بوجوه فاسدة سخيفة في الجمع بينها ، كالقول بتكرر الإباحة والتحريم ، وحمل التحريم في بعضها على التأبيد (٥) ، وفي بعضها على التأكيد ، وذكروا وجوها سخيفة أخرى لا نسود (٦) الكتاب بذكرها ، وما رووه عن الحسن أنه : ما حلت إلا في عمرة القضاء (٧) ظاهر المناقضة لتلك الوجوه.

وبالجملة ، هذا النوع من الاختلاف في الرواية دليل واضح على كذب الراوي.

الثاني : أن ما سبق من روايات جابر وغيرها صريح في أن العمل بإباحة المتعة كان مستمرا إلى منع عمر بن الخطاب عنها. والقول بأن جابر أو غيره من الصحابة لم يبلغهم النسخ إلى زمان عمر .. ظاهر الفساد ، وهل يجوز عاقل أن يبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مناديه ينادي بإباحة المتعة بين الناس ـ كما مر ـ ويبوح بإباحتها (٨) ويتلو الآية الدالة على حلها ، ثم لما (٩) نسخ الحكم يخفيه عن طائفة من أصحابه ولا يعلن به بحيث لم يبلغ نسخ الحكم مثل جابر ـ مع شدة ملازمته

__________________

(١) المعارج : ٣٠.

(٢) المؤمنون : ٦.

(٣) كما في الدر المنثور ٥ ـ ٣ ، ٦ ـ ٤١٥ ، والكشاف ٣ ـ ١٧٤ ، ٤ ـ ١٤٨ ، وغيرهما.

(٤) في (س) : خط على اللام في : لهذا.

(٥) في ( ك‍ ) : التأييد.

(٦) في (س) : لا تسود ، وما أثبتناه هو الظاهر.

(٧) كما رواه النسائي في سننه كتاب المناسك : ١٠٩ ، ١٢١ ، والترمذي في كتاب الأدب : ٧٠ ، وغيرهما.

(٨) أي يظهر إباحتها ، يقال : باح بسره .. أي أظهره ، كما في الصحاح ١ ـ ٣٥٧.

(٩) وضع على : لما ، في ( ك‍ ) رمز نسخة بدل.

٦٢٩

للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في السفر والحضر ـ حتى كانوا يداومون على منكر شنيع يرى عمر رجم من ارتكبه ، كما رواه مالك في الموطأ (١).

وبالجملة ، دعوى كون الحكم في نسخ مثل هذا الحكم بحيث يخفى على مثل جابر وابن مسعود وابن عباس وأضرابهم ، بل على أكثر الصحابة ـ على ما هو الظاهر من قول جابر : كنا نستمتع على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر وعمر ـ دعوى واضح الفساد.

الثالث : أن الرواية المشهورة بين الفريقين من أنه قال في خطبته : متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] و (٢) أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما (٣) .. صريحة في دوام الحكم بحلها إلى ذلك الزمان ، وكذلك يشهد بعدم

__________________

(١) الموطأ لمالك ٢ ـ ٣٠ كتاب النكاح ٤١ ، وهناك روايات جمة في الباب. وقد أورد بعضها ابن ماجة في سننه : ٤٤ كتاب النكاح.

أقول : قد جاء قول عمر في رجم رجل تزوج امرأة إلى أجل في مصادر متعددة بألفاظ مختلفة ، وإليك بعضها : روى مسلم في صحيحه ١ ـ ٤٧٦ ، والجصاص في أحكام القرآن ٢ ـ ١٧٨ ، والرازي في تفسيره ٣ ـ ٢٦ ، والهندي في كنز العمال ٨ ـ ٢٩٣ وقال : أخرجه ابن جرير ، والسيوطي في الدر المنثور ١ ـ ٢١٦ وفيه : قول عمر هكذا : وانتهوا [ وابتوا ] عن نكاح هذه النساء ، لا أوتى برجل نكح [ تزوج ] امرأة إلى أجل إلا رجمته. ونص على بعضها ابن الجوزي في مرآة الزمان. وأورده الطيالسي في مسنده ٨ ـ ٢٤٧ هكذا : واتبعوا نكاح هذه النساء ، فلا أوتى برجل تزوج امرأة إلى أجل إلا رجمته. وأورده البيهقي في سننه الكبرى ٥ ـ ٢١ و ٧ ـ ٢٠٦ ، وبألفاظ أخر : كنكح امرأة .. أو : إلا غيبته بالحجارة.

وجاء في مسند الشافعي : ١٣٢ ، عن عروة بن الزبير ـ في حديث ـ ، قال فيه عمر : هذه المتعة ، ولو كنت تقدمت فيه لرجمت ، وقال في كتاب الأم ٧ ـ ٢١٩ ، وذكر الجصاص ١ ـ ٣٤٢ و ٣٤٥ و ٢ ـ ١٨٤ قول عمر : ومتعة النساء لو تقدمت لرجمته.

ونقل البيهقي ٧ ـ ٢٠٦ في متعة النساء : ولا أقدر على رجل تزوج امرأة إلى أجل إلا غيبته بالحجارة. وقال : أخرجه مسلم في الصحيح من وجه آخر عن همام.

ولعل هذه الألفاظ الصادرة منه تفسير لقوله : أعاقب عليهما ، على متعة الحج ومتعة النساء.

(٢) لا توجد الواو في (س).

(٣) وقد سلفت منا جملة من مصادر قوله : أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما ، ونذكر هنا جملة أخرى منها :

٦٣٠

نسخها عدم اعتذار عمر بالنسخ في الرواية السابقة ، واعتذاره بأن حلها كان في زمان ضرورة ، وهل يجوز عاقل أنه كان عالما بنسخها ونهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنها ومع ذلك يعتذر بمثل هذا العذر الظاهر الفساد؟! فإن إباحة حكم في زمان لا يقتضي تقييد الإباحة بها ، وترك عمل الصحابة بأمر مباح ـ على تقدير تسليمه ـ لا يدل على عدم (١) إباحته (٢) ، على أن ذلك شهادة نفي في أمر محصور ، ويكذبه قول جابر وغيره : كنا نستمتع .. إلى زمن نهيه ، ولو كان مستنده عدم اطلاعه على عمل الصحابة بها بعد زمان (٣) الضرورة فبطلانه أوضح.

الرابع : أن المتعة لو كانت منسوخة لما خفي ذلك على أهل بيته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وهم أعلم بما في البيت ـ وقد أجمعوا على حلها ، وإجماعهم حجة ، وإنكار قولهم بذلك مكابرة واضحة.

وأما متعة الحج ، فقد عولوا في دفع الطعن فيها على أنه نهى عنه عمر وكذلك عثمان ـ كما سبق ـ على وجه التنزيه ، لكون الإفراد أفضل لا على وجه التحريم ، وفيه نظر من وجوه :

الأول : أن قول عمر : أنا أحرمهما .. ظاهر في التحريم ، ولو سلمنا كون بعض الروايات : أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما .. فمع (٤) أن الظاهر من لفظ

__________________

شرح معاني الآثار للطحاوي ، كتاب الحج : ٣٧٤ و ٣٧٥ و ٤٠١ ، كنز العمال ٨ ـ ٢٩٣ ـ ٢٩٤ بطريقين ، وقال : أخرجهما ابن جرير ، والبيان والتبيين للجاحظ ٢ ـ ٢٢٣ ، وأحكام القرآن للجصاص ١ ـ ٢٤٢ و ٢٤٥ و ٢ ـ ١٨٤ ، وتفسير القرطبي ٢ ـ ٣٧٠ ، والمبسوط للسرخسي باب القران من كتاب الحج وصححه ، وجاء في زاد المعاد لابن القيم ١ ـ ٤٤٤ ، وقال : ثبت عن عمر ، وتفسير الفخر الرازي ٢ ـ ١٦٧ و ٣ ـ ٢٠١ ، ٢٢٢ ، وضوء الشمس ٢ ـ ٩٤ ، وتاريخ ابن خلكان ٢ ـ ٣٥٩ ، وغيرها.

(١) لا توجد : عدم ، في (س).

(٢) في ( ك‍ ) : إباحة ـ بلا ضمير ـ.

(٣) في ( ك‍ ) : الزمان ، وهو خلاف الظاهر.

(٤) في المطبوع من البحار : وفمع. ولا معنى لها.

٦٣١

النهي أيضا التحريم ، قد قرن بالتحريم والنهي قوله : أعاقب عليهما ، ولا ريب في أن المعاقبة تنافي التنزيه.

الثاني : أنه لو كان نهيه عن متعة الحج للتنزيه لكان نهيه عن متعة النساء أيضا كذلك ، للتعبير عنهما بلفظ واحد ، ولم يقل أحد بأنه نهى عن متعة النساء تنزيها ، مع أنه قد مر أنه أوعد عليها بالرجم ، وقد سبق في رواية عائشة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دخل عليها غضبان لذلك ، وكيف يغضب صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعدول الناس في عبادة ربهم إلى الأفضل أو لترددهم فيه ، بل لا يشك منصف في أن ما تضافرت به الروايات من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ، ولو لا أن معي الهدي لأحللت .. دليل قاطع على بطلان أفضلية الإفراد كما زعموه.

وبالجملة ، القول بأن أمره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالإحلال والعدول إلى التمتع كان أمرا بالمرجوح لبيان الجواز ، ظاهر الفساد.

الثالث : أن رواية عمران بن سوادة الليثي واضحة الدلالة على أن نهيه عنها كان على وجه التحريم ، كما لا يخفى على من تأمل فيها ، ولو كان نهيه على وجه التنزيه لقال : إني ما حرمتها عليهم ولكني أمرتهم بأفضل الأفراد ، وقد تقدم في رواية ابن حصين قوله : لم ينزل قرآن يحرمه ولم ينه عنها حتى مات. قال رجل برأيه ما شاء (١).

وقال البخاري : يقال إنه عمر (٢) ، ومن تأمل في الأخبار لا يشك في أنه لم يكن الكلام في أفضلية التمتع أو الإفراد ، بل في جواز التمتع أو حرمته.

الرابع : أنه لو كان نهي عمر وعثمان عن المتعة أمرا بالأفضل فلما ذا كان أمير

__________________

(١) قد مرت الرواية بمصادرها.

(٢) وقد جاءت في بعض نسخ صحيح البخاري ، كما نص على ذلك العلامة الأميني في الغدير ٦ ـ ١٩٩ ، وحكى عن غير واحد منهم ، كما نقله الإسماعيلي عن البخاري ، ولعله حذف منه أو حرف.

وانظر : تفسير ابن كثير ١٠ ـ ٢٣٣ ، وفتح الباري لابن حجر ٤ ـ ٣٣٩ ، والإرشاد للقسطلاني ٤ ـ ١٦٩ ، وشرح مسلم للنووي ، وغيرها.

٦٣٢

المؤمنين عليه‌السلام ينازع عثمان ، وعثمان ينازعه ، كما مر.

وروى في جامع الأصول (١) ، عن الموطإ (٢) بإسناده عن جعفر بن محمد ، عن أبيه [ عليهما‌السلام ] أنه قال : إن المقداد بن الأسود دخل على علي بن أبي طالب [ عليه‌السلام ] بالسقيا ، وهو ينجع بكرات له دقيقا وخبطا. فقال : هذا عثمان بن عفان ينهى أن يقرن بين الحج والعمرة ، فخرج علي [ عليه‌السلام ] وعلى يديه أثر الدقيق والخبط ، ـ فما أنسى الخبط والدقيق على ذراعيه ـ حتى دخل على عثمان بن عفان ، فقال : أنت تنهى عن أن يقرن بين الحج والعمرة؟. فقال عثمان : ذلك رأي. فخرج (٣) علي [ عليه‌السلام ] مغضبا وهو يقول : لبيك اللهم (٤) بحجة وعمرة معا.

ومعلوم من سيرته عليه‌السلام أنه كان لا يجاهر الخلفاء بالخلاف ولا يعارضهم إلا في عظائم الأمور ، بل كان يداريهم ويتقي (٥) شرهم ما استطاع ، ولا يظهر الخلاف إلا في البدع الشنيعة ، وهل يجوز عاقل أن يأمر عثمان بطاعة (٦) الله تعالى بما هو أرضى عنده ثم يقول أمير المؤمنين عليه‌السلام : ما تريد إلا أن تنهى عن أمر فعله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟. ويرفع صوته بين الناس بما نهى عنه مع علمه بأن ذلك يثمر العداوة ويثير الفتنة.

والبكرة : الفتية من الإبل (٧).

__________________

(١) جامع الأصول ٣ ـ ١٠٥ حديث ١٣٩١.

(٢) الموطأ ١ ـ ٣٣٦ كتاب الحج ، باب القران في الحج ، وجاء ما بمعناه في الصحيحين وغيرهما كما تقدم.

(٣) لا توجد : فخرج ، في (س).

(٤) في المصدر : لبيك اللهم لبيك.

(٥) في ( ك‍ ) : وينفي.

(٦) جاء في (س) : في طاعة.

(٧) كما ذكره ابن الأثير في النهاية ١ ـ ١٤٩ ، والجوهري في الصحاح ٢ ـ ٥٩٥ ، والطريحي في مجمع البحرين ٣ ـ ٢٢٩ ، وغيرهم.

٦٣٣

والخبط ـ بالتحريك ـ : الورق الساقط من الشجر ، وهو من علف الإبل (١).

وينجع .. أي يعلفها النجوع ، والنجيع : وهو أن يخلط العلف من الخبط والدقيق بالماء ثم تسقى الإبل (٢).

والسقيا ـ بالضم ـ : منزل بين مكة والمدينة (٣).

تذييل :

اعلم ، أنه لا يشك عاقل ـ بعد التأمل فيما روت الخاصة والعامة في تلك القصة ـ أن هذا الشقي جبه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالرد حين أدى عن الله تعالى حكم التمتع بالعمرة إلى الحج ، وواجهه صلى‌الله‌عليه‌وآله بألفاظ ركيكة ، بعد قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : هذا جبرئيل يأمرني أن آمر من لم يسق هديا أن يحل .. ولج في ذلك حتى أغضبه وأحزنه ـ كما مر في خبر عائشة ـ وقال : إنك لم تؤمن بهذا أبدا ، كما ورد في روايات أهل البيت عليهم‌السلام (٤).

ثم لما لم يمكنه رفع هذا الخبر أضمر في نفسه الخبيثة ذلك إلى أن استولى على الأمر وتمكن ، فقام خطيبا وصرح بأنه يحرم ما أحله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحث عليه ، وأحيا سنة أهل الشرك والجاهلية ، وشنع عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالوجوه الركيكة التي ذكرها اعتذارا من ذلك ، فكيف يكون مثل هذا مؤمنا؟! وقد قال عز وجل : ( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا

__________________

(١) جاء في النهاية ٢ ـ ٧ ، وانظر : مجمع البحرين ٤ ـ ٢٢٤ ، والقاموس ٢ ـ ٣٥٦ ، وغيرهما.

(٢) ذكره ابن الأثير في النهاية ٥ ـ ٢٢ مع الفقرة الأولى من الرواية ، وابن منظور في لسانه ٨ ـ ٣٤٨.

(٣) انظر : معجم البلدان ٣ ـ ٢٢٨ ، ومراصد الاطلاع ٢ ـ ٧٢١ ، وقد جاء أيضا في نهاية ابن الأثير ٢ ـ ٣٨٢ ، ولاحظ : مجمع البحرين ١ ـ ٢٢١ ، والقاموس ٤ ـ ٣٤٣.

(٤) كما جاءت في علل الشرائع للصدوق : ٤١٢ و ٤١٣ ، وبحار الأنوار ٩٩ ـ ٨٨ ـ ٨٩ و ٩٠ ، ووسائل الشيعة ٨ ـ ١٥٠ ـ ١٥٤ و ١٥٧ ـ ١٥٨ و ١٦٤ و ١٦٥ ـ ١٦٦ و ١٦٨ ـ ١٦٩ ، وتهذيب الشيخ الطوسي ١ ـ ٥٧٦ ، وفروع الكافي ١ ـ ٢٣٣ و ٢٣٤ ، ومن لا يحضره الفقيه ١ ـ ٨٤ و ١١٢ ، وعيون أخبار الرضا (ع) : ٢٦٣ و ٢٦٤ ، وإعلام الورى : ٨٠ [١٣٨] ، وغيرها كثير.

٦٣٤

فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (١).

تتميم :

أجاب الفخر الرازي في تفسيره (٢) عن الطعن بنهيه عن متعة الحج بوجه آخر ، حيث قال : التمتع (٣) بالعمرة إلى الحج هو أن يقدم مكة فيعتمر في أشهر الحج ثم يقيم حلالا بمكة (٤) حتى ينشئ منها الحج فيحج في (٥) عامه ذلك .. ، وهذا (٦) صحيح و (٧) لا كراهة فيه (٨) ، وهاهنا نوع آخر (٩) مكروه ، وهو الذي خطب به عمر (١٠) ، وهو أن يجمع بين الإحرامين ثم يفسخ الحج إلى العمرة فيتمتع (١١) بها إلى الحج.

وروي أن رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم أذن لأصحابه في ذلك ، ثم نسخ.

وهو باطل بوجوه :

الأول : أن هذا المعنى لا يفهم من التمتع عند الإطلاق ، وإنما يفهم منه المعنى المعروف عند فقهاء الفريقين ، ولا ريب في أن الناس قديما وحديثا لم يفهموا

__________________

(١) النساء : ٦٥.

(٢) تفسير الفخر الرازي ٥ ـ ١٥٣.

(٣) في المصدر : المتمتع.

(٤) في التفسير : بمكة حلالا ـ بتقديم وتأخير ـ ، ولا توجد فيه : حتى.

(٥) في المصدر : من ، بدلا من : في.

(٦) ذكر الفخر الرازي وجه التسمية ثم قال : والتمتع على هذا الوجه ..

(٧) لا توجد الواو في المصدر.

(٨) لا توجد : فيه ، في (س).

(٩) نوع آخر من التمتع : هكذا جاء في المصدر.

(١٠) في التفسير : حذر عنه عمر. وهنا سقط جاء فيه ، وهو : وقال : متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما : متعة النساء ومتعة الحج. والمراد من هذه المتعة أن يجمع.

(١١) في المصدر : ويتمتع.

٦٣٥

من المتعة ومنعها غير المعنى المعروف ، وإنما ذلك معنى تكلفه المتعصبون لضيق الخناق.

الثاني : أن روايات عمران بن حصين في أن : ما نهى عنه الرجل وقال فيه برأيه ما شاء ، هو المعنى المعروف ، وإيقاع العمرة في أشهر الحج ، وظاهر أن النهي عن المتعة والقول بالرأي فيها لم يكن من غير عمر ، ولذا لم يصرح عمران به تقية (١).

الثالث : أنه قد مر في رواية أبي موسى ، أنه علل عمر ما أحدثه في شأن النسك بقوله ، كرهت أن يظلوا معرسين .. وظاهر أن هذا التعليل يقتضي (٢) المنع عن المتعة بالمعنى المعروف ، والرواية صريحة في أن أبا موسى كان يفتي بالمتعة فحذره الرجل عن مخالفة عمر.

الرابع : أن رواية عمران بن سوادة صريحة في اعتراف عمر بأنه حرم المتعة في أشهر الحج معللا بما ذكر فيها ، وكذا رواية الترمذي عن ابن عمر صريحة في أنه نهى عن التمتع بالعمرة إلى الحج ، وكذا غيرهما مما سبق من الروايات.

الخامس : أنه لو كان ما نهى عنه وحرمه عمر أمرا منسوخا في زمن الرسول (ص) لأنكر على عمران بن سوادة قوله : لم يحرمهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا أبو بكر ، وقد صدقه وعلل التحريم بما سبق.

وبالجملة ، لا مجال للشك في أن ما حرمه عمر هو التمتع بالعمرة إلى الحج الذي صرحت روايات الفريقين (٣) بأنه حكمه باق إلى يوم القيامة ، وأنه للأبد ،

__________________

(١) وقد مرت القصة بمصادرها ، ونزيدها بما أخرجه القرطبي في تفسيره ٢ ـ ٣٦٥ ، وعد لها العلامة الأميني في غديره ٦ ـ ١٩٨ ـ ١٩٩ جملة من المصادر ، فلاحظ.

(٢) في ( ك‍ ) : يقضي.

(٣) قد سلفت مجموعة كبيرة من الروايات بهذا المضمون كادت أن تكون متواترة ، انظر : صحيح النسائي ٢ ـ ٢٣ ، وصحيح ابن ماجة : ٢٢٠ أبواب المناسك ، صحيح أبي داود ١١ باب إفراد الحج ، مسند أحمد بن حنبل ١ ـ ٢٣٦ ، ٢٥٣ و ٢٥٩ و ٢٩٢ و ٣٦٦ و ٣٨٨ ، وغيرها من مواضع كتابه وكتب أخرى منهم.

٦٣٦

وأبد الأبد ، بل إنه نهى عن أعم منه وهو الاعتمار في أشهر الحج (١).

ولنعم ما حكى الشهيد الثاني ، قال (٢) : وجدت في بعض كتب الجمهور أن رجلا كان يتمتع بالنساء ، فقيل له : عمن أخذت حلها؟. قال : عن عمر. قيل له : كيف ذلك وعمر هو الذي نهى عنها وعاقب عليها؟. فقال : لقوله : متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنا أحرمهما (٣) وأعاقب عليهما ، متعة

__________________

(١) عد شيخنا الأميني ـ رحمه‌الله ـ في الغدير ٦ ـ ٢١٤ ـ ٢٢٠ جملة من الشبهات وناقشها بما لا مزيد عليه ، ولا نرى حاجة لسردها.

(٢) انظر : الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية ٥ ـ ٢٤٥ ـ ٢٨٤.

(٣) أقول : إن العلة في تحريم عمر لمتعة الحج ـ وقد أحلها الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله للأبد! كما مر ـ ففيها جملة روايات نذكر منها مثالا :

منها : ما ورد في صحيح مسلم كتاب الحج باب في نسخ التحلل عن أبي موسى الأشعري في حديث ، وفيه .. فقال عمر : قد علمت أن النبي (ص) قد فعله وأصحابه ولكن كرهت أن يظلوا معرسين بهن في الأراك ، ثم يروحون في الحج تقطر رءوسهم. وسنن النسائي ٢ ـ ١٥ ، وصحيح ابن ماجة أبواب المناسك ، باب التمتع بالعمرة إلى الحج ، ومسند أحمد بن حنبل ١ ـ ٤٩ ، ٥٠ ، وسنن البيهقي ٥ ـ ٥ ، ٢٠ بطريقين ، وغيرها. وانظر : شرح معاني الآثار للطحاوي في كتاب مناسك الحج : ٣٧٥ و ٤٠١ عدة روايات ، وحلية الأولياء لابن نعيم ٥ ـ ٢٠٥ فيه روايتان وغيرها.

وقد أفاد السيد الفيروزآبادي ـ رحمه‌الله ـ في كتابه السبعة من السلف : ٦٩ علة التحريم بما حاصله : أن العلة في نهيه عن متعة الحج هو إحياء سنة الجاهلية وأهل الشرك ، لما مر من الروايات في الباب من أن العمرة في أشهر الحج كانت من أفجر الفجور عندهم في الأرض ، وكانوا يقولون : إذا برأ الدبر وعفا الأثر وانسلخ صفر حلت العمرة لمن اعتمر .. فراجع. وانظر أيضا ما فصله شيخنا الأميني ـ رحمه‌الله ـ في الغدير ٦ ـ ٢١٣ ـ ٢١٦.

وقد تعجب ابن عباس ممن ترك سنة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واتبع قول أبي بكر وعمر ، حيث روى سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : تمتع رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ، فقال عروة : نهى أبو بكر وعمر عن المتعة؟. فقال ابن عباس : ما يقول عرية؟!. قال : يقول نهى أبو بكر وعمر عن المتعة. فقال ابن عباس : أراهم سيهلكون ، أقول : قال رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ويقولون : قال أبو بكر وعمر. ذكره أحمد بن حنبل في مسنده ١ ـ ٣٣٧ ، وأبو عمر في كتاب مختصر العلم : ٢٢٦ ، والذهبي في تذكرة الحفاظ ٣ ـ ٥٣ ، وابن القيم في زاد المعاد ١ ـ ٢١٩.

أقول : ويظهر من هذه الرواية أن النهي عن المتعة كان في زمان أبي بكر أيضا ، ولكن التهديد

٦٣٧

الحج ومتعة النساء ، فأنا أقبل روايته في شرعيتها على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا أقبل نهيه (١) من قبل نفسه (٢).

__________________

وإسقاط المتعة عن جامعة المسلمين حدثت في زمن عمر كما في الروايات الآخر ، فتدبر.

ويكفينا في المقام ما جاء عن حبر الأمة ـ ابن عباس ـ إذ يقول : والله ما أعمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عائشة في ذي الحجة إلا ليقطع بذلك أمر أهل الشرك. وقال : كانوا يرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض. كما ذكره البخاري في صحيحه ٣ ـ ٦٩ ، ومسلم في صحيحه ١ ـ ٣٥٥ ، والبيهقي في سننه ٤ ـ ٣٤٥ ، والنسائي في سننه ٥ ـ ١٨٠ ، وغيرهم.

(١) جاء عن ابن عباس ـ كما أخرجه النسائي في سننه ٥ ـ ١٥٣ ـ أنه قال : سمعت عمر يقول : والله إني لأنهاكم عن المتعة ، وإنها لفي كتاب الله ، ولقد فعلها رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم!! يعني العمرة في الحج.

وإن ابن عباس قال ـ لمن كان يعارضه في متعة الحج بأبي بكر وعمر ـ : فقد تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ولم ينهنا عن ذلك ، فأضرب عن ذلك عمر ، وأراد أن ينهى عن حلل الحبرة لأنها تصبغ بالبول ، فقال له أبي : ليس لك ذلك ، قد لبسهن النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ولبسناهن في عهده.

أخرجه إمام الحنابلة في مسنده ٥ ـ ١٤٣ ، وذكره البيهقي في مجمع الزوائد ٣ ـ ٢٤٦ نقلا عن أحمد ، وقال : رجاله رجال صحيح ، والسيوطي في جمع الجوامع ، كما في ترتيبه ٣ ـ ٣٣ نقلا عن أحمد ، وقريب منه ما في الدر المنثور ١ ـ ٢١٦ نقلا عن مسند ابن راهويه وأحمد.

وروى ابن القيم الجوزية في زياد المعاد ١ ـ ٢٢٠ عن طريق علي بن عبد العزيز البغوي : أن عمر أراد أن يأخذ مال الكعبة وقال : الكعبة غنية عن ذلك المال ، وأراد أن ينهى أهل اليمن أن يصبغوا بالبول ، وأراد أن ينهى عن متعة الحج ، فقال أبي بن كعب : قد رأى رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم وأصحابه هذا المال وبه وبأصحابه حاجة إليه فلم يأخذه وأنت فلا تأخذه ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم وأصحابه يلبسون الثياب اليمانية فلم ينه عنها ، وقد علم أنها تصبغ بالبول ، وقد تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم فلم ينه عنها ولم ينزل الله تعالى فيها نهيا ، قد سلف.

(٢) ذكر الطعن الرابع العلامة الأميني في غديره مفصلا ٣ ـ ٣٠٦ و ٣٢٩ ـ ٣٣٣ و ٦ ـ ١٩٨ ـ ٢٤٠ ، وأجمله السيد الفيروزآبادي في السبعة من السلف : ٥٦ ـ ٧٧ ، وتعرض له غيرهما من أعلامنا طاب ثراهم.

٦٣٨

الطعن الخامس :

إنه عطل حد الله في المغيرة بن شعبة لما شهدوا عليه بالزنا ، ولقن الشاهد الرابع الامتناع من الشهادة اتباعا لهواه ، فلما فعل ذلك عاد إلى الشهود وفضحهم وحدهم ، فتجنب أن يفضح المغيرة ـ وهو واحد وكان آثما ـ وفضح الثلاثة ، وعطل حد الله ووضعه في غير موضعه.

قال ابن أبي الحديد (١) : ـ روى الطبري في تاريخه (٢) ، عن محمد بن يعقوب بن عتبة ، عن أبيه ، قال : كان المغيرة يختلف إلى أم جميل ـ امرأة من بني هلال بن عامر ـ وكان لها زوج من ثقيف هلك قبل ذلك يقال له : الحجاج بن عبيد ، وكان المغيرة ـ وهو أمير البصرة ـ يختلف إليها سرا ، فبلغ ذلك أهل البصرة فأعظموا ، فخرج المغيرة يوما من الأيام (٣) فدخل عليها ـ وقد وضعوا عليهما الرصد ـ فانطلق القوم الذين شهدوا عند عمر فكشفوا الستر فرأوه قد واقعها ، فكتبوا بذلك إلى عمر ، وأوفدوا إليه بالكتاب أبا بكرة ، فانتهى أبو بكرة إلى المدينة ، وجاء إلى باب عمر فسمع صوته وبينه وبينه حجاب ، فقال : أبو بكرة؟. فقال : نعم. قال : لقد جئت لشر!. قال : إنما جاء به (٤) المغيرة .. ثم قص عليه القصة وعرض عليه الكتاب ، فبعث (٥) أبا موسى عاملا وأمره أن يبعث إليه المغيرة ، فلما دخل أبو موسى البصرة وقعد في الإمارة أهدى إليه المغيرة عقيلة (٦) ، وقال : وإنني قد رضيتها

__________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١٢ ـ ٢٣١ ـ ٢٣٤ [ ٣ ـ ١٦١ أربع مجلدات ] بتصرف.

(٢) تاريخ الطبري ٤ ـ ٢٠٧ [ ٣ ـ ١٦٨ ] باختصار واختلاف يسير.

(٣) في الشرح زيادة : إلى المرأة.

(٤) في الطبري : بي ، بدلا من : به.

(٥) في الطبري زيادة : عمر.

(٦) جاء في حاشية ( ك‍ ) ما يلي : قال الفيروزآبادي : العقيلة ـ كسفينة ـ الكريمة المخدرة ، ومن القوم :سيدهم ، ومن كل شيء : أكرمه.

وقال : الغرمول ـ بالضم ـ : الذكر.

٦٣٩

لك ، فبعث أبو موسى بالمغيرة إلى عمر.

قال الطبري (١) : وروى الواقدي (٢) ، عن مالك بن أوس (٣) ، قال : قدم المغيرة على عمر فتزوج في طريقه امرأة من بني مرة ، فقال له عمر : إنك لفارغ القلب شديد الشبق ، طويل العزمول [ الغرمول ] (٤). ثم سأل عن المرأة فقيل له : يقال لها : الرقطاء ، كان زوجها من ثقيف ، وهي من بني هلال.

قال الطبري (٥) : وكتب إلي السري ، عن شعيب ، عن سيف : أن المغيرة كان يبغض أبا بكرة ، وكان أبو بكرة يبغضه ، ويناغي (٦) كل واحد منهما صاحبه وينافره عند كل ما يكون منه ، وكانا متجاورين بالبصرة بينهما طريق ، وهما في مشربتين متقابلتين ، فهما في داريهما في كل واحدة منهما كوة مقابلة الأخرى ، فاجتمع إلى أبي بكرة نفر يتحدثون في مشربته ، فهبت ريح ففتحت باب الكوة ، فقام أبو بكرة ليصفقه فبصر بالمغيرة وقد فتح (٧) الريح بالكوة التي في مشربته ، وهو بين رجلي امرأة ، فقال للنفر : قوموا فانظروا ، فقاموا فنظروا ، ثم قال : اشهدوا ، قالوا : ومن هذه؟. قال : أم جميل بنت الأفقم ، وكانت أم جميل إحدى بني عامر (٨)

__________________

وقال : ناغاه : أي باراه وعارضه. [ منه ( رحمه‌الله تعالى ) ].

انظر : القاموس ٤ ـ ١٩ في مادة عقل ، و ٤ ـ ٢٤ في مادة غرمول ـ بالغين المعجمة والراء المهملة وقال في ٤ ـ ٣٩٤ : ناغاه : داناه وباراه ، والمرأة : غازلها.

(١) تاريخ الطبري ٣ ـ ١٦٩ بتصرف.

(٢) هنا سقط في السند جاء في المصدر وشرح النهج لابن أبي الحديد ، وهو : قال : حدثني عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن الطبري عمرو بن حزم الأنصاري عن أبيه ..

(٣) في المصدر والشرح زيادة : بن الحدثان.

(٤) في شرح النهج : الغرمول ـ بالغين المعجمة والراء المهملة ـ وهو الظاهر كما تقدم.

(٥) تاريخ الطبري ٣ ـ ١٦٩ باختلاف كثير واختصار شديد في الإسناد والمتن.

(٦) في ( ك‍ ) : يناعي.

(٧) في الشرح : صحت. وفي الطبري : وفتحت.

(٨) جاءت العبارة في شرح النهج هكذا : قال : أم جميل إحدى نساء بني عامر.

٦٤٠