بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٤٥
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

بسم الله الرحمن الرحيم

٢٣

* ( باب ) *

* ( القراءة وآدابها وأحكامها ) *

الايات : النحل : فاذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم (١).

المزمل : ورتل القرآن ترتيلا (٢).

____________________

(١) النحل : ٩٨ ، لكن خطاب الاية الكريمة متوجه التى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فتكون الاستعاذة المأمور بها فرضا عليه وسنة لامته صلى‌الله‌عليه‌وآله بالاقتداء والتأسى ، لكونها سنة في فريضة : الاخذبها هدى وتركها ضلالة وكل ضلالة سبيلها إلى النار.

(٢) المزل : ٤ ، والاية توجب ترتيل القرآن بمعنى قراءته مرتلا منسقا سورة بعد سورة حتى يأتى على آخرها ، قال عزوجل : يا ايها المزمل قم الليل الا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا ) فأمر رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم أولا بتهجد الليل ثم بترتيل القرآن ، الا أن أمره بقيام الليل مستقل من أمهات الكتاب ، وأمره بالترتيل غير مستقل من المتشابهات بها ، فأوله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الصلاة بعد تكبيرة الاحرام قبل الركوع ، فتكون سنة في فريضة الاخذ بها هدى وتركها ضلالة ، ومن تركها عمدا بطلت صلاته لا عراضه عن سنة الرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وانما قلنا بقراءته سورة بعد سورة حتى يأتى على آخرها ، لا طلاق لفظ القرآن والاطلاق في كلام الحكيم محكم ، وأما امكان ذلك في تهجد ليلة ، أو صلوات يوم وليلة

١

____________________

فلان سورة المزمل من أوائل السور النازلة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد قيل بأنها ثالث ثلاثة : نزلت أولا سورة العلق ثم القلم ثم المزمل ، وان كان لا يخلو عن بعد بملاحظة مضمون الايات الكريمة.

وكيف كان ، لازم قوله عزوجل : ( ورتل القرآن ترتيلا ) نزول صدر السورة وفيها هذه الاية الشريفة في ظرف كان يمكن قراءة سور القرآن مسنقا ومنضدا ومرتلا في تهجد واحد ، ولعله لم تكن السور النازلة قبلها تربو على عدد الاصابع ، وسيأتى تأييد ذلك في الاية المتممة للعشرين من هذه السورة.

وأما الترتيل : فهو معنى لا يتعلق الا بالشئ ذى الاجزاء المختلفة والمراد تنسيق تلك الاجزاء وتنضيدها أحسن نضد واتساق ، وانتظامها سلكا واحدا يقع كل جزء موقعه الخاص به المناسب له من حيث الترتيب ، يقال ثغر مرتل : اذا كان مستوى النبات حسن التنضيد ، كلام رتل : حسن التأليف ، ترتل في الكلام : ترسل وتأنق في قراءته بتبيين الحروف وأداء الوقوف وحسن تنسيقها ، لا يندمج بعضها في بعض.

وأما القرآن الكريم ، فلما كان مشتملا على سور متعددة ، وكل سورة في طيها آيات وكل آية مركب من جملات ، وكل جملة من كلمات ، وكل كلمة من حروف ، كان ترتيل القرآن بقراءته سورة بعد سورة لا أقل من قراءة سورتين في ركعة ، ليتم معنى التنسيق والتنضيد وترتيل السورة بقراءة آياتها مرتبة منسقة من دون تقديم وتأخير بين.

آياتها المتناسقة وبلا زيادة فيها ونقيصة منها ، ومنه الوقف عند تمام الاية الشريفة كما كان يفعله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لئلا يندمج الاية في الاية.

وأما ترتيل الاية فبقراءة جملاتها منظمة مترسلة ومنه حفظ الوقوف ، وترتيل الجملة بقراءة الكلمات بعضها اثر بعض من دون ريث وسكتة ، ومنه رعاية الوقف بالحركة و الوصل بالسكون ، وترتيل الكلمة بترسيل الحروف متسقة وتبيينها من مخارجها منتظمة لا يندمج بعضها في بعض.

ومن الترتيل وحسن الترسل في القراءة أن يتانق في اعلاء صوته حين القراءة كما

٢

وقال سبحانه : فاقرؤا ماتيسر من القرآن (١).

____________________

يتأنق الخطيب المصقع يتصوب بصوته تارة ويتصعد به اخرى حسب مقتضى المقام ، فلو علا بصوته في كلمة ثمخفض صوته بالكلمة بعدها وهكذا بحيث صار مخالفا لطبع القراءة كان خارجا عن الترتيل الواجب عليه بالسنة ، والكلام في الاسراع بالقراءة والابطاء فيها كالكلام في اعلاء الصوت واخفاضها لايا بلاى.

ويؤيد هذا المعنى بل يصرح به قوله تعالى : ( وقال الذين كفروا لولانزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا ) الفرقان : ٣٣ ، لان المعنى انا أنزلنا القرآن متفرقا بين قطعاتها سورة سورة لنثبت به فؤادك بانزال كل سورة عند الحاجة اليها ولتقرءه على الناس على مكث ، فيتعلموه ويتأنسوا به.

لكنه معذلك لم يكن التفريق بين قطعة وقطعة وبين سورة وسورة ، وآية وآية كتفرقة الدقل ونثره ونثر الشذر بانقطاع سلكه ، بل رتلناه ترتيلا يتسق نظام آياته و ينتظم نطاق قصصه وعبره ، ويتنضد سياق حكمه وأمثاله ، وزواجره ورغائبه ، مع ما في طيها من أحكام المعاملات والعبادات وقد وقع كل موقعه بحسن التأليف والترصيف.

(١) المزمل : ٢٠ ، وقد كان على المؤلف العلامة أن ينقل تمام الاية لمسيس الحاجة اليها ، وها أناذا أنقلها مع ما يتعلق بها من الابحاث : قال عزوجل : ( ان ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثى الليل ونصفه وثلثه ( اشارة إلى ما نزل في صدر السورة من أمره صلى‌الله‌عليه‌وآله بقيام الليل في هذه الاوقات المعينة ثلاث مرات متهجدا ثم أمره بترتيل القرآن سورة بعد سورة حتى يأتى على آخرها في تمام تهجده ) و ( هكذا يعلم أنه تقوم ) طائفة من الذين معك ) رغبة في حسن ثواب الله من المقام المحمود ، واقتداء وتأسيا بك رجاء لله وفى اليوم الاخر ، لكنه ليس لهم طاقة كطاقتك. ولا رغبة كرغبتك ، ولا هم يحفظون ويتذكرون سور القرآن بتمامها ) والله يقدر الليل والنهار ( فتارة يقصر الليل ويطول النهار وتارة بالعكس ، فلا يسع الوقت لقراءة القرآن بتمام سوره ).

( وعلى أى حال وعلة ) علم أن لن تحصوه ( أى لن تحصوا القرآن بقراءة تمام

٣

وقال تعالى : فأقرؤا ما تيسر منه.

تفسير : ( فاذا قرأت القرآن ) أي أردت قراءته ، ونقل عليه الاجماع ، قال في ____________________

سوره وترتيله سورة سورة ، خصوصا في مستقبل أمركم حيث ينزل عليكم سائر القرآن بسوره السبع الطوال والمثانى والمئين والمفص ) فتاب عليكم ( وخفف عنكم حيث كتب على نفسه الرحمة من تشريع دين سمحة سهلة ) فاقرؤا ما تيسر ما القرآن ( أى فلا يلزمكم بعدئذ أن ترتلوا القرآن بتمامه سورة بعد سورة ، بل اقرؤا ما تيسر لكم من سور القرآن ، كل بحسب حاله وفراغه وذكره حتى لا يختل عليكم أمر المعاد والمعاش ، والنوم واليقظة.

فالمراد من قوله عزوجل : ( ما تيسر من القرآن ) بقرينة لفظ اليسر والمقابلة بقوله ( علم أن لن تحصوه ) هو سورة كاملة يتيسر قراءتها ويكون تذكرها وحفظها وتعلمها وترتيلها سهلا يسيرا ، كل على حسب حاله ، كما صرح بذلك في قوله عزوجل : ( ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ) حيث نزل القرآن سورة سورة وجعل لكل سورة نسقا ونضدا في ترتيب آياتها ، فمن كان ذا ذكر قوى يقدر أن يحفظ أمثال سورة البقرة من السبع الطوال ، ومن كان على دون ذلك يحفظ أمثال سورة الحجر من المئين ومن كان دون ذلك يحفظ أمثال سورة الرحمن من المفصل ، ومن كان يغلب عليه النسيان فلا أقل من أنه يحفظ السور القصار.

وقد كان تنبه لذلك من المتقدمين ابن سيرين حيث قال لرجل : لا تقل سورة خفيفة ، ولكن قل سورة ميسرة لان الله يقول : ( ولقد يسرنا القرآن للذكر ) أخرجه ابن المنذر عنه على ما في الدر المنثور ج ٦ ص ١٣٥.

ثم قال عزوجل : علم أن سيكون منكم مرضى ( فيشغله هم الوجع من قراءة القرآن ) وآخرون يضربون في الارض ( عند أسفارهم ) يبتغون من فضل الله ( فليس لهم كثير فراغ ) وآخرون يقاتلون في سبيل الله ( اشارة إلى ما سيؤل اليه أمر الامة بالقتال مع المشركين فيخافون أن يفتنهم الذين كفروا ) فاقرؤا ماتيسر منه ( في هذه الحالات ، فانه لا أقل من قراءة سورة واحدة خفيفة يسيرة كسورة النصر ثلاث آيات ، ومن رغب عن قراءة القرآن مطلقا فلا صلاة له على أى حالة كانت.

ولا يذهب عليك أن هذا الحكم كان قبل نزول قوله تعالى في سورة الحجر :

٤

مجمع البيان : (١) معناه إذا أردت يا محمد قراءة القرآن فاستعذ بالله من شر الشيطان المرجوم المطرود الملعون ، وهذا كما يقال : إذا أكلت فاغسل يديك ، وإذا صليت فكبر ، ومنه ( إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ) والاستعاذة استدفاع الادنى بالاعلى على وجه الخشوع والتذلل ، وتأويله استعذ بالله من سوسة الشيطان عند قراءتك لتسلم في التلاوة من الزلل وفي التأويل من الخطل ، والاستعاذة عند التلاوة مستحبة غير واجبة بلاخلاف في الصلاة ، وخارج الصلاة انتهى.

وفي كيفية الاستعاذة عند القراء اختلاف كثير ، فقال ابن كثير وعاصم وأبوعمرو : ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ) ونافع وابن عامر والكسائي كذلك بزيادة ( إن الله هو السميع العليم ) وحمزة ( نستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ) وأبوحاتم ( أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ) والاشهر بيننا الاول والاخير ، وفي بعض رواياتنا ( أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ) وزاد في بعضها ( إن الله هو السميع العليم ) وفي بعضها ( أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، وأعوذ بالله أن يحضرون ) وفي بعضها ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إن الله هو الفتاح العليم ).

قال الشهيد ره في الذكرى في سنن القراءة : فمنها الاستعاذة قبل القراءة في الركعة الاولى خاصة من كل صلاة ، لعموم فاذا قرأت القرآن أي أردت القراءة ، ولما روى أبوسعيد الخدري (٢) أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقول قبل القراءة : أعوذ بالله من

____________________

( ولقد آتيناك سبعا من المثانى والقرآن العظيم ) الاية : ٨٧ ، وبعد ما نزلت الاية وجعل سورة الفاتحة في قبال القرآن العظيم كانها في كفة والقرآن العظيم في كفة ، اختارها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بدلا من قراءة قرآن كامل ، وجعلها في أول الركعة ، وقال : لا صلاة الا بفاتحة الكتاب وخير المصلين على ما خيرهم الله في آية المزمل بقراءة سورة ميسرة بعدها على حسب حالهم حتى أنه يمكنهم أن يجتزئوا من قراءة السورة بقراءة الحمد في حال المرض والسفر ، فان الفاتحة أيضا سورة ميسرة ، والحمدلله رب العالمين.

(١) مجمع البيان ج ٦ ص ٣٨٤.

(٢) الذكرى : ١٩١.

٥

الشيطان الرجيم ، ولرواية الحلبي (١) عن الصادق عليه‌السلام وصورته ما روى الخدري ، وروي أعوذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم ، ورواه البزنطي عن معاوية بن عمار (٢) عن الصادق عليه‌السلام واختاره المفيد في المقنعة ، وروى (٣) سماعة أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم ، وقال ابن البراج : يقول : ( أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم ).

وللشيخ أبي علي ابن الشيخ الاعظم أبي جعفر الطوسي قول بوجوب التعوذ للامر به ، وهو غريب ، لان الامر هنا للندب بالاتفاق ، وقد نقل فيه والده في الخلاف الاجماع ، وقد روى الكليني (٤) عن أبي جعفر عليه‌السلام إذا قرأت بسم الله الرحمن الرحيم فلا تبال أن لاتستعيذ.

ثم قال ـ ره ـ : لاتتكرر الاستعاذة عندنا وعند الاكثر ، ولو نسيها في الاولى لم يأت بها في الثانية ، انتهى.

وأقول : الظاهر التخيير بين أنواع الاستعاذة الواردة في النصوص ، ولولا الاخبار الكثيرة لتأتى القول بوجوب الاستعاذة في كل ركعة يقرء فيها بل في غير الصلاة عند كل قراءة (٥) لكن الاخبار الكثيرة تدل على الاستحباب ، وتدل بظواهرها على

____________________

(١) تراه في التهذيب ج ١ ص ١٥٢.

(٢) أخرجه في الذكرى ، ولم يعثر عليه في الكتب الاربعة.

(٣) التهذيب ج ١ ص ١٧٧.

(٤) الكافى ج ٣ ص ٣١٣ ، ولما روى أيضا أن الشياطين اذا سمعوا ( بسم الله الرحمن الرحيم ) ولوا على أدبارهم نفورا ، وبعد نفورهم وتوليهم مدبرين لاحاجة إلى الاستعاذة منهم ، فتكون البسملة كالاستعاذة بل هو أحسن.

(٥) قد عرفت في ج ٨٣ ص ١٦٦ أن الاية من المتشابهات ، ظاهرها الاستقلال ، وليس كذلك ، فلا يجوز اتباعها الابعد تأويلها ، وقد أولها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام إلى الركعة الاولى من الصلاة ، فالمتبع سنته صلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم لايجوز التخطى عنها أبدا وانما لم تجب الاستعاذة في حال الاختيار كسائر السنن ولم تبطل الصلاة بتعمد تركها لكون البسملة خلفا عن الاستعاذة ، على ما عرفت.

٦

اختصاصه بالركعة الاولى والاجماع المنقول والعمل المستمر مؤيد ، ومن مخالفة ولد الشيخ يعلم معنى الاجماع الذي ينقله والده قدس سره (١) وهو أعرف بمسلك أبيه ومصطلحاته.

( ورتل القرآن ترتيلا ) قال في الصحاح : الترتيل في القراءة الترسل فيها والتبيين من غير بغي ، وفي النهاية التأني فيها والتمهل ، وتبيين الحروف والحركات تشبيها بالثغر المرتل ، وهو المشبه بنور الاقحوان.

وفي المغرب الترتيل في الاذان وغيره أن لايعجل في إرسال الحروف ، بل يتثبت فيها ويبينها تبيينا ، ويوفيها حقها من الاشباع ، من غير إسراع ، من قولهم ثغر مرتل ورتل مفلج مستوى النسبة حسن التنضيد.

وقال المحقق في المعتبر : هو تبيينها من غير مبالغة ، قال : وربما كان واجبا إذا اريد به النطق بالحروف ، بحيث لايدمج بعضها في بعض ، ويمكن حمل الاية عليه لان الامر عند الاطلاق للوجوب ، وتبعه العلامة في المنتهى وقال في النهاية : يعني به بيان الحروف وإظهارها ولايمد بحيث يشبه الغناء وقال في الذكرى : هو حفظ الوقوف وأداء الحروف.

وقال في مجمع البيان (٢) أي بينه بيانا واقرءه على هينتك وقيل معناه ترسل فيه ترسلا ، وقيل : تثبت فيه تثبتا وروي عن أميرالمؤمنين عليه‌السلام في معناه أنه قال : بينه بيانا ولاتهذه هذ الشعر ، ولاتنثره نثر الرمل ، ولكن أقرع به القلوب القاسية ،

____________________

(١) كان الشيخ قدس سره يذهب إلى قاعدة اللطف بأن على الامام الغائب ـ أرواح العالمين له الفداء ـ أن يظهر الحق من الاحكام عند اشراف الامة على خلاف الحق لئلا تجتمع شيعته على الخطاء ، وكان قدس سره رئيس المذهب في وقته لايشذ العلماء المتفقهون عن حوزته ، فاذا عنون مسألة فقهية وبحث فيها ولم يخالف معه أحد ممن لايعرف شخصه ونسبه ، ولم ينقل خلاف فيه ممن هو كذلك ادعى الشيخ قدس سره الاجماع على المسألة و لو كان ولده أو السيد المرتضى وأمثالهما ممن يعرف شخصه ونسبه مخالفا في المسألة. فافهم ذلك.

(٢) مجمع البيان ج ٩ ص ٣٧٧.

٧

ولايكونن هم أحدكم آخر السورة ، وروى أبوبصير عن أبي عبدالله عليه‌السلام في هذا قال : هو أن تتمكث فيه وتحسن به صوتك انتهى.

وعد الشهيد ـ ره ـ في النفلية الترتيل من المستحبات ، وقال : هو تبيين الحروف بصفاتها المعتبرة من الهمس والجهر والاستعلاء والاطباق والغنة وغيرها ، والوقف التام والحسن ، وعند فراغ النفس مطلقا ، وفسر الشهيد الثاني ـ ره ـ التام بالذي لايكون للكلام قبله تعلق بما بعده لفظا ولامعنى ، والحسن بالذي يكون له تعلق من جهة اللفظ دون المعنى ، ثم قال : ومن هنا يعلم أن مراعاة صفات الحروف المذكورة وغيرها ليس على وجه الوجوب ، كما يذكره علماء فنه ، مع إمكان أن يريدوا تأكيد الفعل كما اعترفوا في اصطلاحهم على الوقف الواجب.

ثم قال : ولو حمل الامر بالترتيل على الوجوب كان المراد ببيان الحروف إخراجها من مخارجها على وجه يتميز بعضها عن بعض ، بحيث لايدمج بعضها في بعض وبحفظ الوقوف مراعاة مايخل بالمعنى ويفسد التركيب ، ويخرج عن اسلوب القرآن الذي هو معجز بغريب اسلوبه وبلاغة تركيبه انتهى.

فظهر مما ذكرنا أن الذي يظهر من كلام اللغويين هو أن الترتيل الترسل والتأني وعليه حمل الاية جماعة من أصحابنا وغيرهم كما عرفت ، لكن لما روى الخاص والعام عن أميرالمؤمنين عليه‌السلام وابن عباس تفسيره بحفظ الوقوف وأداء الحروف ، وفي بعض الروايات وبيان الحروف تمسك به أصحاب التجويد ، وفسروه بهذا الوجه و تبعهم الشهيد قدس سره وكثير ممن تأخر عنه ، وتبعوهم في تفسيرهم الحديث حيث فسروه على قواعدهم ومصطلحاتهم.

ولقد أحسن الوالد قدس سره حيث قال : الترتيل الواجب هوأداء الحروف من المخارج ، وحفظ أحكام الوقوف ، بأن لايقف على الحركة ولايصل بالسكون فانهما غير جائزين باتفاق القراء وأهل العربية ، والترتيل المستحب هو أداء الحروف بصفاتها المحسنة لها ، وحفظ الوقوف التي استحبها القراءة وبينوها في تجاويدهم.

والحاصل أنه إن حملنا الترتيل في الاية على الوجوب كما هو دأبهم في أوامر

٨

القرآن ، فليحمل على ما اتفقوا على لزوم رعايته من حفظ حالتي الوصل الوقف ، و أداء حقهما من الحركة والسكون ، أو الاعم منه ومن ترك الوقف في وسط الكلمة اختيارا ومنع الشهيد ـ ره ـ من السكوت على كل كلمة بحيث يخل بالنظم ، فلو ثبت تحريمه كان أيضا داخلا فيه ، ولو حمل الامر على الندب أو الاعم كان مختصا أو شاملا لرعاية الوقف على الايات مطلقا كما ذكره جماعة من أكابر أهل التجويد.

ويشمل أيضا على المشهور رعاية ما اصطلحوا عليه من الوقف اللازم والتام والحسن والكافي والجائز والمجوز والمرخص والقبيح ، لكن لم يثبت استحباب رعاية ذلك عندي ، لان تلك الوقوف من مصطلحات المتأخرين ، ولم تكن في زمان أميرالمؤمنين عليه‌السلام ، فلا يمكن حمل كلامه عليه‌السلام عليه إلا أن يقال : غرضه عليه‌السلام رعاية الوقف على مايحسن بحسب المعنى على ما يفهمه القارئ ، ولاينافي هذا حدوث تلك الاصطلاحات بعده.

ويرد عليه أيضا أن هذه الوقوف إنما وضعوها على حسب مافهموه من تفاسير الايات ، وقد وردت الاخبار الكثيرة كما سيأتي في أن معاني القرآن لايفهمها إلا أهل بيت نزل عليهم القرآن ، ويشهد له أنا نرى كثيرا من الايات كتبوا فيها نوعا من الوقف بناء على مافهموه ، ووردت الاخبار المستفيضة بخلاف ذلك المعنى ، كما أنهم كتبوا الوقف اللازم في قوله سبحانه : ( وما يعلم تأويله إلا الله ) على آخر الجلالة لزعمهم أن الراسخين في العلم لايعلمون تأويل المتشابهات ، وقد وردت الاخبار المستفيضة في أن الراسخين هم الائمة عليهم‌السلام ، وهم يعلمون تأويلها ، مع أن المتأخرين من مفسري العامة والخاصة رجحوا في كثير من الايات تفاسير لاتوافق ما اصطلحوا عليه في الوقوف.

ولعل الجمع بين المعينين لورود الاخبار على الوجهين وتعميمه بحيث يشمل الواجب والمستحب من كل منهما حتى أنه يراعى في الوقف ترك قلة المكث بحيث ينافي التثبت والتأني ، وكثرة المكث بحيث ينقطع الكلام ويتبدد النظام ، فيكره أويصل إلى حد يخرج عن كونه قارئا فيحرم على المشهور ، أولى وأظهر تكثيرا للفائدة

٩

ورعاية لتفاسير العلماء واللعويين ، وأخبار الائمة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين ، والله يعلم حقائق كلامه المجيد.

( فاقرؤا ما تيسر من القرآن ) استدل به بعض الاصحاب على وجوب القراءة في الصلاة حيث دل الامر على الوجوب ، وأجمعوا على أنها لاتجب في غير الصلاة ، فتجب فيها ، وعلى هذه الطريقة استدلوا به على وجوب السورة حيث قالوا الامر للوجوب وماتيسر عام فوجب قراءة كل ماتيسر لكن وجوب الزائد على مقدار الحمد والسورة في الصلاة منفي بالاجماع فبقى وجوب السورة سالما عن المعارض.

واجيب بأنه يجوز أن تكون كلمة ما نكرة موصوفة لاموصولة حتى يفيد العموم فالمعنى شيئا ما تيسر أي اقرؤا مقدار ما أردتم وأحببتم ، ولعل ذلك أظهر لكونه المتبادر عرفا كما يقال أعطه ما تيسر ، وكونه أنسب بسياق الاية ، وغرض التخفيف والامتثال المقصود بيانه بها والتفريع على قوله ( فتاب عليكم ) واستلزامه التفصي عن مثل هذا التخصيص الذى هو في غاية البعد.

وأيضا الاية واقعة في سياق آيات صلاة الليل والظاهر كون المراد القراءة في صلاة الليل أوفي الليل مطلقا على الندب والاستحباب كما سيأتي.

وقيل : المراد بالقراءة الصلاة تسمية للشئ باسم بعض أجزائه ، وعنى بها صلاة الليل ، ثم نسخ بالصلوات الخمس ، وقيل الامر في غير الصلاة ، فقيل على الوجوب نظرا في المعجزة ، ووقوفا على دلائل التوحيد ، وإرسال الرسل ، وقيل على الاستحباب فقيل أقله في اليوم والليلة خمسون آية ، وقيل مائة ، وقيل مائتان كذا ذكره في كنز العرفان ، ومع تطرق تلك الاحتمالات التي أكثرها أظهر من التخصيص يشكل الاستدلال بعموم الايات ، وسيأتي تمام القول فيه وفي قوله تعالى : ( فاقرؤا ما تيسر منه ).

١ ـ تفسير الامام : قال عليه‌السلام الذى ندبك الله إليه وأمرك به عند قراءة القرآن ( أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ) فان أميرالمؤمنين عليه‌السلام قال إن قوله ( أعوذ بالله ) أمتنع بالله ( السميع ) لمقال الاخيار والاشرار ، ولكل من المسموعات

١٠

من الاعلان والاسرار ( العليم ) بأفعال الفجار والابرار وبكل شئ مما كان وما يكون وما لايكون أن لو كان كيف كان يكون ( من الشيطان ) هو البعيد من كل خير الرجيم المرجوم باللعن المطرود من بقاع الخير ، والاستعاذة هي مما قد أمرالله به عباده عند قراءتهم القرآن ، فقال : ( فاذا قرأت القرآن ) (١) الاية.

٢ ـ المجازات النبوية : للسيد الرضي قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : كل صلاة لايقرء فيها بفاتحه الكتاب فهي خداج. وروي بلفظ آخر وهو قوله : كل صلاة لاقراءة فيها فهي خداج.

قال السيد رضي الله عنه هذه استعارة عجيبة لانه صلى‌الله‌عليه‌وآله جعل الصلاة التي لا يقرء فيها ناقصة بمنزلة الناقة إذا ولدت ولدا ناقص الخلقة أو ناقص المدة ويقال أخدج الرجل صلاته إذا لم يقرء فيها وهو مخدج وهي مخدجه ، وقال بعض أهل اللغة يقال خدجت الناقة إذا ألقت ولدها قبل أوان النتاج ، وإن كان تام الخلقة ، و أخدجت إذا ألقته ناقص الخلق ، وإن كان تام الحمل ، فكأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : كل صلاة لايقرء فيها فهي نقصان (٢).

٣ ـ قرب الاسناد : عن عبدالله بن الحسن ، عن جده علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل يكون مستعجلا يجزيه أن يقرء في الفريضة بفاتحة الكتاب وحدها؟ قال : لابأس (٣).

تبيين : لاخلاف بين الاصحاب في وجوب القراءة في الصلاة ، وإليه ذهب أكثر المخالفين ، وليست بركن في الصلاة عند الاكثر حتى أن الشيخ نقل الاجماع عليه ، وحكى في المبسوط القول بركنيتها عن بعض الاصحاب ، والاول أصح للروايات

____________________

(١) تفسير الامام : ٦.

(٢) المجازات النبوية : ٧٠ ، وزاد بعده : ( الا أنها مع نقصانها مجزية ، و ذلك كما يقال في قوله عليه‌السلام لاصلاة لجار المسجد الافى المسجد ، وانما أراد به نفى الفضل لانفى الاصل ، فكانه قال لاصلاة كاملة أو فاضلة الا في المسجد وان كانت مجزية في غير المسجد الخ.

(٣) قرب الاسناد : ٩٦ ط حجر ص ١٢٧ ط نجف.

١١

الكثيرة المستفيضة الدالة على عدم إعادة الصلاة بتركها نسيانا ، وتجب في الفريضة الثنائية وفي الاوليين من غيرها الحمد عند علمائنا أجمع على مانقله جماعة من الاصحاب وهل يتعين الفاتحة في النافلة؟ الاقرب ذلك وقال في التذكرة : لاتجب قراءة الفاتحة فيها للاصل ، والاصوب اشتراط الفاتحة فيها كسائروا جبات الصلاة إلا ما أخرجه الدليل.

ولاخلاف بين الاصحاب في جواز الاقتصار على الحمد وحدها في النوافل مطلقا وفي الفرائض عند الضرورة كالخوف والمرض وضيق الوقت ، ونقل الاتفاق على ذلك العلامة في المنتهى والمحقق في المعتبر ، واختلفوا في وجوب السورة عند عدم الضرورة فذهب الاكثر إلى الوجوب ، والشيخ في النهاية وابن الجنيد وسلار والمحقق في المعتبر إلى الاستحباب ، ومال إليه في المنتهى واختاره جماعة من المتأخرين والاخبار في ذلك متعارضة فبعضها يدل على وجوب السورة الكاملة ، وأكثر الاخبار المعتبرة تدل على عدم الوجوب : فبعضها يدل على عدم وجوب السورة أصلا ، وبعضها على جواز الاكتفاء ببعض السورة وهي أكثر.

ويظهر من الشيخ في المبسوط وابن الجنيد الميل إلى هذه الاخبار ، والقول بوجوب شئ مع الحمد إما سورة كاملة أو بعض سورة قال في المبسوط قراءة سورة بعد الحمد واجب على أنه إن قرء بعض السورة لانحكم ببطلان الصلاة ، وقال ابن الجنيد : ولو قرئ بام الكتاب وبعض سورة في الفرائض أجزء ، وهذا مما يضعف استدلال أكثر المتأخرين بتلك الاخبار تمسكا بعدم القول بالفصل ، وبالجملة القول بعدم وجوب السورة الكاملة قوي من حيث الاخبار ، والاحتياط يقتضي عدم ترك السورة إلا عند الاضطرار ، وإنما عدل الاكثر عن تلك الاخبار إلى الوجوب ، لان عدم الوجوب قول المخالفين إلا شاذا منهم ، وهذا مما يؤكد الاحتياط.

وهذا الخبر مما استدل به على الوجوب ، وأجاب القائلون بالاستحباب بأن دلالته بالمفهوم ولا يعارض المنطوق ، ويمكن حمله على الاستحباب ، بل يمكن أن يستدل به على الندب إذ الاستعجال أعم من أن يكون لحاجة ضرورية أوغيرها ، مع أن مفهومه ثبوت البأس عند عدمه ، وهو أعم من الحرمة.

١٢

٤ ـ قرب الاسناد : عن عبدالله بن الحسن ، عن جده علي بن جعفر قال : سألت أخي موسى عليه‌السلام عن رجل قرء سورتين في ركعة ، قال : إذا كانت نافلة فلا بأس ، فأما الفريضة فلا يصلح (١).

بيان : ظاهره كراهة القران بين السورتين في ركعة في الفريضة ، وعدمها في النافلة وأما جواز القران في النافلة فلا خلاف فيه بين الاصحاب ، بل ظاهرهم الاتفاق على عدم الكراهة أيضا ، وقد دلت عليه أخبار كثيرة عموما وفي خصوص كثير من النوافل كصلاة الوتر وصلاة أميرالمؤمنين عليه‌السلام وصلاة فاطمة وصلاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وغيرها ، والاولى عدم القران فيما لم يرد فيه بالخصوص لاطلاق بعض الاخبار.

وأما القران في الفريضة فذهب الشيخ في الاستبصار وابن إدريس والمحقق وجمهور المتأخرين إلى الكراهة ، وذهب الشيخ في النهاية والخلاف والمبسوط إلى أنه غير جائز ، بل قال في الاخيرين إنه مفسد ، وإليه ذهب المرتضى في الانتصار ، وادعى عليه الاجماع ، والاخبار فيها متعارضة ، ويمكن الجمع بينها بوجهين : أحدهما حمل أخبار المنع على الكراهة ، وثانيهما حمل أخبار الجواز على التقية ، والاول أظهر ، والثاني أحوط.

وقال الشهيد الثاني ـ ره ـ يتحقق القران بقراءة أزيد من سورة ، وإن لم يكمل الثانية ، بل بتكرير السورة الواحدة أو بعضها ، ومثله تكرار الحمد ، وفيه نظر لانه ينافي تجويزهم العدول قبل تجاوز النصف ، وكثير من الروايات تدل على جواز قراءة أكثر من سورة ، وعلى أي حال ، فالظاهر كون موضع الخلاف قراءة الزايد على أنه جزء من القراءة المعتبرة في الصلاة ، إذ لاخلاف ظاهرا في جواز القنوت ببعض الايات وإجابة المسلم بلفظ القرآن ، والاذان للمستأذن بقوله ( ادخلوها بسلام ) ونحو ذلك.

٥ ـ قرب الاسناد : بالاسناد المتقدم عن علي بن جعفر ، عن أخيه عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل يقرء في الفريضة سورة النجم أيركع بها؟ أو يسجد ثم يقوم فيقرء بغيرها؟ قال : يسجد ثم يقوم فيقرء بفاتحة الكتاب ويركع ، ولايعود يقرء في الفريضة

____________________

(١) قرب الاسناد : ٩٣ ط حجر ص ١٢٢ ط نجف.

١٣

بسجدة (١).

٦ ـ كتاب المسائل : لعلي بن جعفر عنه عليه‌السلام مثله إلا أن فيه : ويركع ، وذلك زيادة في الفريضة فلا يعودن يقرء السجدة في الفريضة (٢).

بيان : المشهور بين الاصحاب عدم جواز قراءة العزيمة في الفرائض ، ونقل جماعة عليه الاجماع ، وقال ابن الجنيد : لوقرء سورة من العزائم في النافلة سجد ، وإن كان في فريضة أومأ ، فاذا فرغ قرأها وسجد ، وظاهره جواز القراءة في الفريضة ، وربما يحمل كلامه على أن المراد بالايماء ترك قراءة السجدة مجازا وهو بعيد جدا ، نعم يمكن حمله على الناسي ، وهذه الرواية تدل ظاهرا على جواز قراءتها في الفريضة و السجود في أثنائها ويمكن حملها على الناسي أوعلى التقية.

ثم الظاهر من كلام القائلين بالتحريم بطلان الصلاة بقراءتها ، وقال في المعتبر : والتحقيق أنا إن قلنا بوجوب سورة مضافة إلى الحمد وحرمنا الزيادة ، لزم المنع من قراءة سورة العزيمة ، وإن أجزنا أحدهما لم يمنع ذلك ، إذا لم يقرء موضع السجود وقال في الذكرى : لو قرأها سهوا في الفريضة ففي وجوب الرجوع منها مالم يتجاوز النصف وجهان ، وإن تجاوز ففي جواز الرجوع أيضا وجهان ، والمنع أقرب ، وإن منعناه أومأ بالسجود ثم ليقضها ، ويحتمل وجوب الرجوع مالم يتجاوز السجدة وهو أقرب انتهى ملخصا.

وإذا أتم السورة ناسيا فظاهر الشهيد أنه يومئ ثم يقضي ، وبه قطع الشهيد الثاني والعلامة خير بين الايماء والقضاء ، وقال ابن إدريس : مضى في صلاته ثم قضى ، والاحوط اختيار الاول مع الاعادة أو العمل بهذا الخبر مع الاعادة ، ولو استمع في الفريضة قال العلامة في النهاية : أومأ أوسجد بعد الفراغ ، والجمع بينهما أحوط ، وقرب العلامة تحريم الاستماع في الفريضة كالقراءة ، ولايخلو من تأمل.

كل ذلك في الفريضة فأما في النافلة فالمشهور جواز قراءتها ، ووجوب السجود

____________________

(١) قرب الاسناد : ٩٣ ط حجر : ١٢١ ط نجف.

(٢) المسائل ـ البحار ج ١٠ ص ٢٨٥.

١٤

في الاثناء ثم يقوم فيتم القراءة ، ولو كانت السجدة آخر السورة استحب له بعد القيام قراءة الحمد ليركع عن قراءة لرواية الحلبي (١) وقال الشيخ : يقرء الحمد وسورة أو آية معها ، ولو نسي السجدة حتى ركع سجد إذا ذكر ، لصحيحة محمد بن مسلم (٢) ولو كان مع إمام ولم يسجد إمامه ولم يتمكن من السجدة أومأ للروايات الكثيرة ، والاحوط القضاء بعدها أيضا.

٧ ـ قرب الاسناد : عن عبدالله بن الحسن ، عن جده علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : سألته عن إمام قرأ السجدة فأحدث قبل أن يسجد كيف يصنع؟ قال : يقدم غيره فيسجد ويسجدون ، وينصرف ، فقد تمت صلاتهم (٣).

بيان : روى هذا الخبر في التهذيب (٤) بسند صحيح عن علي بن جعفر ، والجواب هكذا ، قال : يقدم غيره فيتشهد ويسجد وينصرف هو ، وقد تمت صلاتهم.

والخبر يحتمل وجوها : الاول أن يكون فاعل التشهد والسجود والانصراف جميعا الامام الاول فيكون التشهد محمولا على الاستحباب للانصراف عن الصلاة ، والسجود للتلاوة لعدم اشتراط الطهارة فيه.

الثاني أن يكون فاعل الاولين الامام الثاني ، بناء على أن الامام قد ركع معهم ، والمراد بقول السائل قبل أن يسجد قبل سجود الصلاة لاسجود التلاوة ، ولا يخفى بعده.

الثالث أن يكون فاعل التشهد الامام الثاني أي يتم الصلاة بهم وعبر عنه بالتشهد

____________________

(١) الكافى ج ٣ ص ٣١٨ ، الاستبصار ج ١ ص ٣١٩.

(٢) التهذيب ج ١ ص ٢١٩.

(٣) قرب الاسناد ص ٩٤ ط حجر ص ١٢٣ ط نجف.

(٤) التهذيب ج ١ ص ٢٢٠ ، ولعل المراد بقوله ( قرأ السجدة ) أى السجدة الاولى من صلاته ( فأحدث قبل أن يسجد ) أى الثانية ، بقرينة أن لكل ركعة سجدتان ، والجواب ظاهر ، فان الامام يقدم غيره ليسجد بهم السجدة الثانية ويسجدون ، وينصرف هو ليتوضأ ويبنى على صلاته ، وعلى هذا الوجه ليس الرواية من الباب.

١٥

لانه آخر أفعالها ، ويسجد الامام الاول للتلاوة وينصرف.

الرابع أن يكون فاعل الاولين الامام الثاني ، ويكون المراد بالتشهد إتمام الصلاة بهم وبالسجود سجود التلاوة أي يتم الصلاة بهم ويسجد للتلاوة بعد الصلاة.

وأما على ما في قرب الاسناد فالمعنى يسجد الامام الثاني بالقوم إما في أثناء الصلاة كما هو الظاهر أو بعده على احتمال بعيد ، وينصرف أي الامام الاول بعد السجود منفردا أو قبله ، بناء على اشتراط الطهارة فيه ، وهو أظهر من الخبر.

وعلى التقادير يدل على جواز قراءة العزيمة في الفريضة ، ولايمكن حمله على النافلة لعدم جواز الجماعة فيها ، ويكن حمله على المشهور على النسيان أو على التقية ومع قطع النظر عن الشهرة يمكن حمل أخبار المنع على الكراهة.

٨ ـ قرب الاسناد وكتاب المسائل : بسنديهما عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : سألته عن رجل أراد سورة فقرأ غيرها هل يصلح له أن يقرأ نصفها ثم يرجع إلى السورة التي أراد؟ قال : نعم ، ما لم يكن قل هو الله أحد ، وقل يا أيها الكافرون (١).

وسألته عن القراءة في المعة بما يقرء؟ قال : بسورة الجمعة وإذا جاءك المنافقون وإن أخذت في غيرها وإن كان قل هو الله أحد فاقطعها من أولها وارجع إليها (٢).

بيان : في كتاب المسائل في السؤال الاول هكذا ( هل يصلح له بعد أن يقرأ ) نصفها أن يرجع ).

ثم اعلم أنه يستفاد من الخبر أحكام :

الاول : جواز العدول عن غير الجحد والتوحيد بعد قراءة نصف السورة إلى غيرها والمشهور بين الاصحاب جواز العدول من سورة إلى اخرى في غير السورتين ، مالم يتجاوز النصف ، واعتبر ابن إدريس والشهيد في الذكرى عدم بلوغ النصف ، وأسنده في الذكرى إلى الاكثر ، واعترف جماعة من الاصحاب بأن التحديد بمجاوزة النصف أو

____________________

(١) قرب الاسناد ص ٩٥ ط حجر ١٢٤ ط نجف المسائل ج ١٠ ص ٢٧٥ من البحار.

(٢) قرب الاسناد ص ٩٧ ط حجر ص ١٢٨ ط نجف.

١٦

بلوغه غير موجود في النصوص وهو كذلك وما ورد في هذا الخبر إنما وقع التقييد في كلام السائل (١) ومع اعتباره يوافق أحد القولين ، وسائر الروايات مطلقة بجواز العدول إلا موثقة ابن بكير (٢) عن عبيد بن زرارة عن أبي عبدالله عليه‌السلام في الرجل يريد أن يقرأ السورة فيقرأ غيرها ، فقال : له أن يرجع ما بينه وبين أن يقرأ ثلثيها ، وهذا التفصيل لم يقل به أحد ، ويمكن حمله على كراهة العدول بعد الثلثين ، فلو ثبت إجماع على عدم جواز العدول بعد النصف كان حجة والظاهر عدمه فالقول بالجواز مطلقا متجه والاحتياط ظاهر.

الثانى : عدم جواز العدول عن السورتين إلى غيرهما عداما استثني ، والمشهور تحريم العدول عنهما مطلقا في غيرما سيأتي ، ونقل المرتضى في الانتصار إجماع الفرقة عليه ، وذهب المحقق في المعتبر إلى الكراهة ، وتوقف فيه العلامة في المنتهى والتذكرة وهو في محله.

الثالث : جواز العدول عن التوحيد والجحد أيضا إلى الجمعة والمنافقين في صلاة الجمعة واستحبابه وهو المشهور بين الاصحاب لكن قيده أكثر الاصحاب بعدم تجاوز النصف في السورتين ، وقال في الشرايع في أحكام الجمعة : وإذا سبق الامام إلى قراءة سورة فليعدل إلى الجمعة والمنافقين ما لم يتجاوز نصف السورة إلا في سورة الجحد والتوحيد ، وهو ظاهر إطلاق ابن الجنيد والسيد ، ولعل جواز العدول أقوى.

ثم المشهور جواز العدول عن السورتين كما هو ظاهر هذا الخبر والروايات التي أوردها الاصحاب في كتبهم إنما تضمنت جواز العدول عن التوحيد فقط وربما يتمسك في ذلك بعدم القول بالفصل ، وفيه إشكال ، ولذا توقف بعض المتأخرين في العدول عن الجحد ، ولا يبعد كون هذا الخبر بانضمام الشهرة بين القدماء المتأخرين كافيا في إثباته.

__________________

(١) راجع في ذلك ج ٨٢ ص ٣٤٦.

(٢) التهذيب ج ١ ص ٢٢٠.

١٧

ثم اعتبار عدم تجاوز النصف في جواز العدول عنهما مصرح به في كلام الاكثر وكثير من عبارات الاصحاب مجمل والاخبار مطلقة ، وربما يستند في ذلك إلى مارواه الشيخ عن صباح بن صبيح (١) قال : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام رجل أراد أن يصلي الجمعة فقرأ بقل هوالله أحد ، قال : يتمها ركعتين ثم يستأنف ، بأن الجمع بينها وبين ساير الروايات يقتضي حملها على بلوغ النصف ، وسائرها على عدمه ، وهذا هو التفصيل الذى صرح به الصدوق وابن إدريس ، ولا يخفى ما فيه ، بل الجمع بالتخيير أقرب كما يشعر به كلام الكلينى ـ ره ـ (٢).

ثم إنه اشترط الشيخ علي والشهيد الثاني قدس الله روحهما في جواز العدول عن السورتين أن يكون الشروع فيهما نسيانا ، ولعل التعميم أظهر ، كما هو المستفاد من إطلاق أكثر الروايات.

ثم إن المذكور في كثير من عبارات الاصحاب في هذه المسألة ظهر الجمعة ، وفي كثير منها إجمال ، والظاهر اشتراك الحكم عندهم بين الظهر والجمعة بلاخلاف في عدم الفرق بينهما ، والاخبار إنما وردت بلفظه الجمعة ، والظاهر أنها تطلق على ظهر يوم الجمعة مجازا ، وربما يقال إنها مشتركة بين الجمعة والظهر اشتراكا معنويا وهو غير ثابت ، والعلامة في التذكرة عمم الحكم في الظهرين ، وتبعه الشهيد الثاني ولامستند له ، ونقل عن الجعفى تعميم الحكم في صلاة الجمعة وصبحها والعشاء ليلة الجمعة ، ودليله غير معلوم ، ولو تعسر الاتيان ببقية السورة للنسيان أو حصول ضرر بالاتمام فقد صرح الاصحاب بجواز العدول.

الرابع : ذكر أكثر الاصحاب وجوب البسملة للسورة المخصوصة ، فقالوا لو قرأها بعد الحمد من غير قصد سورة فلا يعيدها ، ومع العدول يعيد البسملة وعللوا

__________________

(١) التهذيب ج ١ ص ٢٤٧.

(٢) حيثما روى باسناده عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما في الرجل يريد أن يقرء بسورة الجمعة في الجمعة فيقرء قل هوالله أحد؟ قال : يرجع إلى سورة الجمعة. ثم قال بعده : وروى أيضا : يتمها ركعتين ثم يستأنف. راجع ج ٣ ص ٤٢٦ من الكافى.

١٨

ذلك بأن البسملة صالحة لكل سورة فلا يتعين لاحدى السور إلا بالتعيين ، فلو قصد بها سورة وعدل إلى غيرها فلا يحسب من المعدول إليها.

وفيه نظر لانا لانسلم أن للنية مدخلا في صيرورة البسملة جزء من السورة بل الظاهر أنه إذا أتى بالبسملة فقد أتى بشئ يصلح لان يكون جزء لكل سورة ، وليس لها اختصاص بسورة معينة ، فاذا أتى ببقية الاجزاء فقد أتى بجميع أجزاء السورة المعينة كما إذا كتب بسملة بقصد سورة تم كتب بعدها غيرها لايقال : إنه لم يكتب هذه السورة بتمامها ، ولو تم ما ذكروه يلزم أن يحتاج كل كلمة مشتركة بين السورتين إلى القصد ، مثل الحمدلله والظاهر أنه لم يقل به أحد.

ويمكن أن يستدل بهذا الخبر على عدم لزوم نية البسملة لانه إذا كان مريدا لسورة اخرى فقد قرأ البسملة لها ففي صورة عدم العدول يكون قد اكتفى ببسملة قصد بها اخرى ، ولو قيل لعله عند قراءة السورة قصد البسملة لها ، قلنا إطلاق الخبر يشمل ما إذا نسي السورة بعد قراءة البسملة للاخرى ، وعدم التفصيل في الجواب دليل العموم.

٩ ـ الخصال : عن أبيه ، عن سعد بن عبدالله ، عن محمد بن عيسى ، عن القاسم بن يحيى ، عن جده الحسن ، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم ، عن أبي عبدالله ، عن آبائه ، عن أميرالمؤمنين عليهم‌السلام قال : أعطوا كل سورة حقها [ حظها ] من الركوع والسجود (٥).

وقال عليه‌السلام : تقرأ في صلاة الجمعة في الاولى الحمد والجمعة ، وفي الثانية الحمد والمنافقين (٢).

وقال عليه‌السلام : إذا فرغتم من المسبحات الاخيرة فقولوا : سبحان الله الاعلى ، وإذا قرأتم إن الله وملائكته يصلون على النبى فصلوا عليه في الصلاة كنتم أو في غيرها ، وإذا قرأتم والتين فقولوا في آخرها : ونحن على ذلك من الشاهدين ، وإذا قرأتم قولوا آمنا بالله ، فقولوا آمنا بالله ، حتى تبلغوا إلى قوله مسلمون (٣).

____________________

(١) الخصال ج ٢ ص ١٦٤.

(٢ ـ ٣) الخصال ج ٢ ص ١٦٥ و ١٦٦.

١٩

توضيح : المشهور بين الاصحاب استحباب الجمعة والمنافقين في ظهري الجمعة وصلاة الجمعة ، وظاهر الصدوق وجوبها في ظهر يوم الجمعة واختاره أبوالصلاح ونقل في الشرايع قولا بوجوب السورتين في الظهرين يوم الجمعة ولا يعلم قائله ، وربما يظن أنه وهم من كلام الصدوق ذلك ، وهو بعيد من مثله ، وظاهر السيد وجوب السورتين في صلاة الجمعة ولعل الاظهر الاستحباب في الجميع والاحوط عدم الترك وهذا الخبر يدل على رجحان قرائتهما في الجمعة ، ويدل صدور الخبر على مرجوحية القران بين السورتين في ركعة ، وحمل على الفريضة ، كما عرفت.

١٠ ـ العياشى : عن يونس بن عبدالرحمن عمن رفعه قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام ( ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم ) قال : هى سورة الحمد وهى سبع آيات منها بسم الله الرحمن الرحيم وإنما سميت المثانى لانها تثنى في الركعتين (١).

ومنه : عن أبى حمزة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سرقوا أكرم آية في كتاب الله بسم الله الرحمن الرحيم (٢).

ومنه : عن صفوان الجمال قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : ما أنزل الله من السماء كتابا إلا وفاتحته بسم الله الرحمن الرحيم ، وإنما كان يعرف انقضاء السورة بنزول بسم الله الرحمن الرحيم ابتداء للاخرى (٣).

ومنه : عن الحسن بن خرزاد قال : روي عن أبى عبدالله عليه‌السلام قال : إذا أم الرجل القوم جاء شيطان إلى الشيطان الذي هو قرين الامام ، فيقول هل ذكرالله؟ يعنى هل قرء بسم الله الرحمن الرحيم؟ فان قال : نعم هرب منه ، وإن قال : لا ، ركب عنق الامام ودلى رجليه في صدره ، فلم يزل الشيطان إمام القوم حتى يفرغوا من صلاتهم (٤).

ومنه : عن أبي بكر الحضرمى قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : إذا كانت لك حاجة فاقرأ

____________________

(١) تفسر العياشى ج ٢ ص ٢٥٠ والاية في الحجر : ٨٧.

(٢ ـ ٣) تفسير العياشى ج ١ ص ١٩.

(٤) تفسير العياشى ج ١ ص ٢٠.

٢٠