بحار الأنوار - ج ٣٠

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار - ج ٣٠

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


المحقق: الشيخ عبد الزهراء العلوي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الرضا
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٨
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

وأورد عليه ابن أبي الحديد (١) : .. بأن أبا بكر كان حديدا (٢) ولكن لا يخل ذلك بالإمامة ، لأن المخل بالإمامة من ذلك ما يخرج به الإنسان عن العقل ، فأما ما دون ذلك فلا ، وقوله : فاجتنبوني لا أوثر في أشعاركم وأبشاركم .. محمول على البلاغة (٣) في وصف القوة الغضبية لا على ظاهره ، لأنه لم ينقل أنه قام إلى رجل فضربه بيده ومزق شعره ...

وأما قول شيخنا أبي علي إن كلام أبي بكر خرج مخرج الإشفاق والحذر .. فجيد.

واعتراض المرتضى غير لازم ، لأن في هذه عادة العرب يعبرون عن الأمر بما هو منه بسبيل ، كقولهم : لا تدن من الأسد فيأكلك ، ليس أنهم قطعوا على الأكل عند الدنو.

فأما الكلام في قوله : أقيلوني .. فلو صح الخبر لم يكن فيه مطعن عليه ، لأنه إنما أراد في اليوم الثاني اختبار حالهم في (٤) البيعة التي وقعت في اليوم الأول ليعلم وليه من عدوه منهم .. على أنا لو سلمنا أنه استقالهم البيعة حقيقة ، فلم قال المرتضى : إن ذلك لا يجوز؟. أليس يجوز للقاضي أن يستقيل من القضاء بعد توليه إياه ودخوله فيه؟ فكذلك يجوز للإمام أن يستقيل من الإمامة إذا آنس من نفسه ضعفا عنها ، أو آنس من رعيته نبوة (٥) عنه أو أحس بفساد ينشأ في الأرض من جهة ولايته على الناس ، ومن يذهب إلى (٦) أن الإمامة تكون بالاختيار كيف

__________________

(١) في شرحه على النهج ١٧ ـ ١٦١ ـ ١٦٤ عند شرح قوله عليه‌السلام : هذه صفة طائش لا يملك لنفسه .. ، وقد نقله باختصار.

(٢) هي صفة مشبهة من الحدة بمعنى النشاط والسرعة في الأمور والمضاء فيها ، كما في نهاية ابن الأثير ١ ـ ٣٥٣.

(٣) في المصدر : على المبالغة ، وهو الظاهر.

(٤) في (س) : على ، بدلا من : في.

(٥) قال في القاموس ٤ ـ ٣٩٣ : نبا بصره نبوا ونبيا ونبوة ، والسيف عن الضريبة نبوا ونبوة : كل.

(٦) لا توجد في (س) : إلى.

٥٠١

يمنع من جواز استقالة الإمام وطلبه إلى الأمة أن يختاروا غيره لعذر يعلمه من حال نفسه؟! وإنما يمتنع من ذلك المرتضى وأصحابه القائلون بأن الإمامة بالنص .. ، على أنه إذا جاز عندهم ترك (١) الإمام الإمامة في الظاهر ـ كما فعله الحسن عليه‌السلام ، والأئمة بعد الحسين عليهم‌السلام ـ جاز (٢) للإمام على مذهب أصحاب الاختيار أن يترك الإمامة ظاهرا وباطنا لعذر يعلمه.

والجواب ، أن الكل اتفقوا على اشتراط العدالة في الإمام ، ولا ريب في أنه يكون من الحدة والطيش ما لا يضبط الإنسان نفسه عند هيجانه فيقدم على المعصية ، ولا يدخل بذلك عرفا في زمرة المجانين ، ولا يخرج عن حد التكليف ، وقوله : فاجتنبوني لا أوثر في أشعاركم وأبشاركم .. اعتراف باتصافه بفرد بالغ من هذا النوع ، ولا خلاف في كونه قادحا في الإمامة ، وادعاؤه أنه لم ينقل أنه فعل ذلك برجل ، فقد روى نفسه ما يكذبه ، حيث روي عن محمد بن جرير الطبري (٣) أن الأنصار بعثوا عمر إلى أبي بكر يسأله أن يولي أمرهم رجلا أقدم سنا من أسامة ، فوثب أبو بكر ـ وكان جالسا ـ فأخذ بلحية عمر ، وقال : ثكلتك أمك يا ابن الخطاب! استعمله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وتأمرني أن أنزعه؟!. فخرج عمر إلى الناس ، فقالوا : ما صنعت؟. قال : امضوا ثكلتكم أمهاتكم ، ما لقيت في سببكم اليوم من خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .. إلى آخر ما رواه.

و (٤) وثوبه على عمر بن الخطاب وأخذه بلحيته وشتمه ـ مع كونه معظما مبجلا عنده في أول خلافته ، والمقام لم يكن مقام الخفة والطيش ـ يدل على أن ذلك الصنيع لم يخرج منه مخرج الندرة والافتلات ، بل كان ذلك من الفعل المعتاد ، ومع الإغماض عنه نقول : إن ذلك الشهادة من قبيل الرجم بالغيب ، ومن الذي

__________________

(١) في شرح النهج : أن يترك.

(٢) في المصدر زيادة : للتقية ، قبل كلمة : جاز.

(٣) في تاريخه ٣ ـ ٢٢٦.

(٤) لا توجد الواو في ( ك‍ ).

٥٠٢

أحصى أفعال أبي بكر حتى علم أنه لم يفعل ذلك بأحد من معاشريه وخواصه وأهل بيته؟ وبعد تسليم أنه لم يقدم قط على جرح الأبشار ونتف الأشعار ، نقول : إذا بلغ الطيش والحدة في الشدة إلى حد يخاف صاحبه على نفسه الوثوب على الناس فلا يشك في أنه يصدر عنه عند الغضب من الشتم والبذاء وأصناف الأذى قولا وفعلا ما يخرجه عن حد العدالة المشترطة في الإمامة ، ولو قصر الغضب عن القيام بما يخل بالعدالة ـ ولو بالإصرار على ما كان من هذا النوع من قبيل الصغائر لم يعبر عنه بهذا النوع من الكلام.

وبالجملة ، حمل كلام أبي بكر على المبالغة لا ينفعهم ولا يضرنا ، وكذا التمسك بقولهم : لا تدن من الأسد .. لا ينفعهم ، إذ لا يقال ذلك إلا إذا جرت عادته بأكل من دنى منه ، فكذلك لا موقع لكلام أبي بكر ما لم تجر عادته بأن يؤثر غضبه في أشعار الناس وأبشارهم ، أو يؤذيهم بالشتم والبذاء .. ونحو ذلك مما كنى عنه بقوله : لا أوثر في أشعاركم وأبشاركم ، ومثل هذا الطيش والحدة لا ريب في كونه مخرجا عن العدالة ، قادحا في صلوح صاحبه للإمامة ، فخروج الكلام مخرج الإشفاق والحذر ـ على هذا الوجه ـ لا ينفع في دفع الطعن.

وأما ما أشار (١) إليه ـ تبعا للقاضي ـ من منع صحة الخبر في استقالة أبي بكر فمما لا وقع له ، لاستفاضة الخبر واشتهاره في كل عصر وزمان ، وكونه مسلما عند كثير من أهل الخلاف ، ولذا لمن يمنع الرازي في نهاية العقول (٢) صحته مع ما علم من حاله من كثرة التشكيك والاهتمام بإيراد الأجوبة العديدة ، وإن كانت سخيفة ضعيفة.

وقد رواه أبو عبيد القاسم بن سلام ـ على ما حكاه بعض الثقات من الأصحاب ـ.

__________________

(١) في (س) : أشاروا ـ بصيغة الجمع ـ.

(٢) نهاية العقول : مخطوط.

٥٠٣

وقال مؤلف كتاب الصراط المستقيم (١) : ذكره الطبري في تاريخه (٢) ، والبلاذري في أنساب الأشراف (٣) ، والسمعاني في الفضائل (٤) ، وأبو عبيدة : قول (٥) أبي بكر على المنبر ـ بعد ما بويع (٦) ـ : أقيلوني فلست بخيركم وعلي فيكم (٧).

وقد أشار إليه أمير المؤمنين عليه‌السلام في الخطبة الشقشقية (٨) بقوله : فيا عجبا! بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته .. وصحة الخطبة مسلمة عند ابن أبي الحديد (٩) وقاضي القضاة (١٠) وغيرهما (١١) كما عرفت.

وأما عدم رواية أصحاب أصولهم قصة الاستقالة فلا حجة فيه ، لأنهم لا يروون ما لا تتعلق أغراضهم بروايته ، بل تعلق غرضهم بانمحاء ذكره.

ويدل على بطلان ما زعمه من أن أبا بكر أراد اختبار حال الناس في اليوم الثاني من بيعته ليعلم وليه من عدوه ، قول أمير المؤمنين عليه‌السلام : بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته ... إذ لو كان المراد ما توهمه لم يكن عقده لآخر بعد الوفاة مع الاستقالة في الحياة موضعا للعجب ، وإنما التعجب من صرفها عن أمير المؤمنين عليه‌السلام عند الوفاة وعقدها لغيره مع الاستقالة منها

__________________

(١) الصراط المستقيم ٢ ـ ٢٩٤.

(٢) تاريخ الطبري ٣ ـ ٢١٠.

(٣) أنساب الأشراف ، ما طبع منه حتى الآن لم نجده فيه.

(٤) فضائل السمعاني ، لم نجد له نسخة خطية فضلا عن المطبوعة.

(٥) في المصدر : من قول.

(٦) في الصراط المستقيم : حين بويع.

(٧) انظر : الإمامة والسياسة : ١٦ ، وسيرة ابن هشام ٢ ـ ٦٦٦ ، والطرائف ٢ ـ ٤٠٢ ، والصراط المستقيم ٢ ـ ٢٩٤ وغيرها مما تقدم من المصادر.

(٨) الخطبة الثالثة من النهج في طبعة محمد عبده ١ ـ ٣٢ ، وفي طبعة الدكتور صبحي الصالح : ٤٨.

(٩) كما اعترف به في شرحه على النهج ١٧ ـ ١٦١.

(١٠) في كتابه المغني ٢٠ ـ ٣٢٨.

(١١) قد مرت مصادرها مفصلة ، فراجع.

٥٠٤

في الحياة ، لعلمه بأنه كان حقا لأمير المؤمنين عليه‌السلام وهو واضح ، ولعلهم لا ينكرون أن فهم أمير المؤمنين عليه‌السلام مقدم على فهمهم.

وقد ظهر مما ذكرناه ضعف ما أجاب به الفخر الرازي في نهاية العقول (١) من أنه (٢) ذكر ذلك على سبيل التواضع وهضم النفس ، كما قال عليه‌السلام : لا تفضلوني على يونس بن متى .. والفرق بين استقالة أبي بكر والخبر الذي رواه على تقدير صحته ـ واضح ، ولو أراد مجرد الاستشهاد على ورود الكلام للتواضع وهضم النفس ـ وهو أمر لا ينازع فيه ـ لكن لا يلزم منه صحة حمل كل كلام عليه.

وأما ما ذكره من جواز الاستقالة تشبيها بالقضاء ، فيرد عليه ، أنه إذا جازت الاستقالة من الإمام ولم يتعين عليه القيام بالأمر فلم لم يرض عثمان بالخلع مع أن القوم حصروه وتواعدوه (٣) بالقتل ، فقال : لا أخلع قميصا قمصنيه الله عز وجل (٤) ، وأصر على ذلك حتى قتل ، وقد جاز ـ بلا خلاف ـ إظهار كلمة الشرك وأكل الميتة والدم ولحم الخنزير عند الخوف على النفس ، فدل ذلك الإصرار منه على أن الخلع أعظم من إظهار كلمة الكفر وغيره من الكبائر ، وأن ما أتى به أبو بكر كان أعظم مما ذكر على مذهب عثمان ، فما دفع به الطعن عن أبي بكر يوجب قدحا شنيعا في عثمان ، فإن تعريض النفس للقتل لأمر مباح لم يقل بجوازه أحد.

وقد أشار إلى ذلك الشيخ المفيد قدس الله روحه (٥) ، حيث قال : على أن

__________________

(١) نهاية العقول : مخطوط.

(٢) في طبعة (س) هنا كلمة : رض ، وخط عليها في ( ك‍ ).

(٣) في ( ك‍ ) : توعدوه.

(٤) أو قال : سربلني الله. وقد ذكر شيخنا الأميني ـ رحمه‌الله ـ قصة الحصار مفصلا بمصادرها في غديره ٩ ـ ١٧٧ ـ ٢٠٣.

(٥) في الفصول المختارة من العيون والمحاسن : ١٩٩.

٥٠٥

الاختيار إن كان للأمة وكان (١) إليها الخلع والعزل لم يكن (٢) لدعائها عثمان إلى أن يخلع نفسه معنى يعقل ، لأنه كان لها أن تخلعه وإن لم يجبها إلى ذلك (٣) ، وإن كان الخلع إلى الإمام فلا معنى لقول أبي بكر (٤) : أقيلوني .. وقد (٥) كان يجب لما كره الأمر أن يخلع هو نفسه ... وهذا أيضا تناقض آخر يبين عن بطلان الاختيار وتخليط القوم.

وأنت ـ أرشدك الله ـ إذا تأملت قول أمير المؤمنين عليه‌السلام (٦) : فيا عجبا! بينا هو يستقيلها .. إلى آخره ، وجدته عجبا ، وعرفت من المغزى كان (٧) من الرجل في القوم وبان خلاف الباطن منه (٨) ، وتيقنت الحيلة التي أوقعها والتلبيس ، وعثرت به على الضلال وقلة الدين ، والله (٩) نسأل التوفيق ، انتهى.

وأما ما ذكره من قياس خلع الخليفة نفسه اختيارا بما صدر عن أئمتنا عليهم‌السلام تقية واضطرارا فهو أظهر فسادا من أن يفتقر إلى البيان ، مع أنه يظهر مما مر جوابه وسيأتي بعض القول في ذلك ، وَاللهُ الْمُسْتَعانُ.

الطعن السابع :

أنه كان جاهلا بكثير من أحكام الدين (١٠) ، فقد قال في الكلالة : أقول فيها

__________________

(١) في المصدر : فكان.

(٢) في الفصول المختارة : ولم يكن.

(٣) في المصدر : إذا لم يجبها إلى ذلك واختار ..

(٤) في المصدر زيادة : للناس ، بعد : أبي بكر.

(٥) وضع على : قد ، في ( ك‍ ) رمز نسخة بدل.

(٦) في المصدر زيادة : في خطبته في الكوفة عند ذكر الخلافة حيث يقول ..

(٧) في المصدر زيادة : الذي ، قبل : كان.

(٨) في الفصول المختارة زيادة : للظاهر ، بعد : منه.

(٩) في المصدر : والله تعالى.

(١٠) إن غاية جهد الباحث عن علم الخليفة بالسنة وسعة اطلاعه عليها لتوصله إلى أمور مضحكة ظاهرا

٥٠٦

برأيي ، فإن كان صوابا فمن الله وإن يكن خطأ فمني (١) ولم يعرف ميراث الجدة (٢) فقال : لجدة سألته عن إرثها؟ لا أجد لك شيئا في كتاب الله وسنة نبيه

__________________

مبكية واقعا ، وقد قال العلامة الأميني في غديره ٧ ـ ١١٥ : إذا قسنا مجموع ما ورد عن الخليفة ـ من الصحيح والموضوع في التفسير والأحكام والفوائد ، من المائة وأربعة حديث ، أو المائة واثنين وأربعين حديث ـ إلى ما جاء عن النبي الأقدس من السنة الشريفة لتجدها كقطرة من بحر لجي ، لا تقام به قائمة للإسلام ، ولا تدعم به أي دعامة للدين ، ولا تروى بها غلة صاد ، ولا تنحل بها عقدة أية مشكلة .. إلى آخر ما أجاد وأفاد.

(١) وقد قال في الكلالة : أراه ما خلا الولد والوالد ، فلما استخلف عمر قال : إني لأستحيي الله أن أرد شيئا قاله أبو بكر!!.

أقول : قد أخرجه جمع من الحفاظ ورجال الحديث ، منهم الدارمي في سننه ٢ ـ ٣٦٥ ـ ٣٦٦ ، والطبري في تفسيره ٦ ـ ٣٠ [ ٤ ـ ١٩١ ـ ١٩٢ ] ، والبيهقي في السنن الكبرى ٦ ـ ٢٢٣ ، والسيوطي في ترتيب الجامع الكبير ٦ ـ ٢٠ ، وابن كثير في تفسيره ١ ـ ٢٦٠ ، والخازن في تفسيره ١ ـ ٣٦٧ ، وابن القيم في أعلام الموقعين : ٢٩ ، وغيرهم.

وفي تفسير ابن كثير ١ ـ ٥٩٥ ، عن ابن عباس ، قال : كنت آخر الناس عهدا بعمر بن الخطاب ، قال : اختلفت أنا وأبو بكر في الكلالة والقول ما قلت.

وذكر الحاكم في المستدرك ٢ ـ ٣٠٤ ، والبيهقي في السنن الكبرى ٦ ـ ٢٢٥ ، وابن كثير في تفسيره ١ ـ ٥٩٥ ، والذهبي في تلخيص المستدرك ، وكلهم صححوا الحديث عن ابن عباس ، قال : كنت آخر الناس عهدا بعمر فسمعته يقول : القول ما قلت. قلت : وما قلت؟. قال : قلت : الكلالة ما لا ولد له. وهذا عمر يقول.

وقد ذكر عنه البيهقي في سننه الكبرى ٦ ـ ٢٢٤ : أتى علي زمان لا أدري ما الكلالة ، وإذا الكلالة من لا أب له ولا ولد.

(٢) والرواية مفصلة جاءت بطرق متعددة تجدها في صحيح الترمذي ٤ ـ ٤٢٠ كتاب الفرائض باب ١٠ حديث ٢١٠٠ ـ ٢١٠١ ، وفي سنن الدارمي ٢ ـ ٣٥٩ ، وسنن أبي داود ٢ ـ ١٧ [ ٣ ـ ١٢١ حديث ٢٨٩٤ ] ، وسنن ابن ماجة ٣ ـ ١٦٣ [ ٢ ـ ٩١٠ حديث ٢٧٢٤ ] ، ومسند أحمد ٤ ـ ٢٢٤ ، وسنن البيهقي ٦ ـ ٢٣٤ ، وموطأ مالك ١ ـ ٣٣٥ ، وبداية المجتهد ٢ ـ ٣٤٤ ، ومصابيح السنة ٢ ـ ٢٢ ، وغيرها من المصادر.

وقد ذكرها الخاصة أيضا ، انظر مثالا : الغدير ٧ ـ ١٠٤ ـ ١٠٥ ، والصراط المستقيم ٢ ـ ٢٩٦ ، والسبعة من السلف : ٩٠ ، وما بعدها ، والشافي ٤ ـ ١٩٣ ، وتلخيصه ٤ ـ ٢٥ ، وقد قضى في الجد سبعين قضية ، كما صرح بذلك ابن أبي الحديد في شرحه على النهج ٣ ـ ١٦٥ ، و ٤ ـ ٢٦٢ [ أربعة

٥٠٧

صلى الله عليه [ وآله ] ، فأخبره المغيرة ومحمد بن مسلمة أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله أعطاها السدس ، وقال : أطعموا الجدات السدس (١).، وقطع يسار السارق (٢) ، وأحرق فجاءة بالنار (٣) ، ولم يعرف ميراث العمة والخالة (٤) .. إلى غير ذلك.

__________________

مجلدات ـ مصر ] ، وروى مائة قضية كل منها ينقض الآخر ، كما أخرجه البيهقي في سننه الكبرى ٦ ـ ٢٤٥ عن عبيدة ، ومثله عن المتقي الهندي في كنز العمال ٦ ـ ١٥ كتاب الفرائض ، وفي المبسوط للسرخسي ٢٩ ـ ١٨٠ : والصحيح أن مذهب عمر لم يستقر على شيء في الجد. وهو القائل ـ كما ذكره ابن أبي الحديد في شرحه ١ ـ ٦١ ، وغيره ـ : من أراد أن يقتحم جراثيم جهنم فليقل في الجد برأيه ..

(١) ونظير هذا رأيه في الجدتين ، فقد روى القاسم بن محمد أنه قال : أتت الجدتان إلى أبي بكر ، فأراد أن يجعل السدس للتي من قبل الأم ، فقال له رجل من الأنصار .. إلى آخره. وجاء بألفاظ أخر ، انظر : موطأ مالك ١ ـ ٣٣٥ ، وسنن الدارمي ٢ ـ ٣٥٩ ، وسنن ابن ماجة ٢ ـ ٩١٠ حديث ٢٧٢٤ ، وسنن البيهقي ١ ـ ٢٣٥ ، وبداية المجتهد ٢ ـ ٣٤٤ ، والاستيعاب ٢ ـ ٤٠٠ ، والإصابة ٢ ـ ٤٠٢ ، وقال : رجاله ثقات ، وكنز العمال ٦ ـ ٦ ، وغيرها ، ونقله في الصراط المستقيم ٢ ـ ٢٩٦ عن الترمذي ، وغيره.

وعن جمع من الصحابة قالوا : إن أبا بكر جعل الجد أبا ، أي كان يحجب الإخوة بالجد ولم يشرك بينهما ، كما أن الأب يحجب الإخوة والأخوات! كما جاء في صحيح البخاري باب ميراث الجد ، وسنن الدارمي ٢ ـ ٣٥٢ ، وأحكام القرآن للجصاص ١ ـ ٩٤ ، وسنن البيهقي ٦ ـ ٢٤٦ ، وتاريخ الخلفاء للسيوطي : ٦٥ ، وتفسير القرطبي ٥ ـ ٦٨ ، وانظر : أعذار الدارمي في سننه ٢ ـ ٣٥٣.

(٢) روى شيخنا الأميني ـ رحمه‌الله ـ في غديره ٧ ـ ١٢٩ عن جمع بعدة طرق ، منها ما أورده البيهقي في سننه ٨ ـ ٢٧٣ ـ ٢٧٤ ، من جهل الخليفة في قطع السارق ، إذ روى أن رجلا سرق على عهد أبي بكر مقطوعة يده ورجله ، فأراد أبو بكر أن يقطع رجله ويدع يده يستطيب بها ويتطهر بها وينتفع بها .. كما وقد تعرض لها في الصراط المستقيم ٢ ـ ٣٠٥.

(٣) كما أورده الطبري في تاريخه ٣ ـ ٢٦٤ ، وأحمد بن أعثم الكوفي في الفتوح ١ ـ ١٦ ، وغيرهما. وقد ذكر القصة مفصلا في المتن عن كامل ابن الأثير ، وتعرض لها العلامة الأميني في غديره ٧ ـ ١٥٦ ـ ١٥٧ و ١٧٠ ـ ١٧١ عن عدة مصادر ، فراجع.

(٤) لاحظ : الغدير ٧ ـ ١٧١.

٥٠٨

وقصة فجاءة ـ على ما ذكره ابن الأثير في الكامل (١) ـ هي : أنه جاء فجاءة السلمي ـ واسمه : إياس بن عبد الله (٢) ياليل (٣) ـ إلى أبي بكر ، فقال له : أعني بسلاح أقاتل أهل الردة ، فأعطاه سلاحا وأمره أمره فخالف إلى المسلمين ، وخرج حتى نزل بالجواء (٤) ، وبعث نجية (٥) وأمره بالمسلمين ، فشن الغارة على كل مسلم في سليم وعامر وهوازن ، فبلغ ذلك أبا بكر ، فأرسل إلى طريفة بن حاشي [ الحاشي ] فأمره (٦) أن يجمع له ويسير إليه ، وبعث إليه عبد الله بن قيس (٧) الحاشي عونا ، فنهض (٨) إليه وطلباه ، فلاذ منهما (٩) ، ثم لقياه على الجواء (١٠) فاقتتلوا فقتل (١١) نجية وهرب الفجاءة ، فلحقه طريفة فأسره ، ثم بعث به إلى أبي بكر ، فلما قدم أمر أبو بكر أن

__________________

(١) الكامل ٢ ـ ٢٣٧ ، باختلاف يسير.

(٢) وضع على لفظ الجلالة رمز نسخة بدل في (س) ، وخط عليها في ( ك‍ ) ، وهو الظاهر.

(٣) في الغدير وجملة من المصادر جاء اسم الفجاءة إياس بن عبد الله بن عبد ياليل بن عميرة بن خفاف.

وهنا حاشية جاءت في ( ك‍ ) وهي : وابن عبد ياليل بن عبد كلال ـ كغراب ـ عرض النبي (ص) نفسه عليه ، فلم يجبه إلى ما أراد. قاموس. وجاء : إياس بن عبد ياليل ، كما في المصدر.

انظر : القاموس ٤ ـ ٤٦. ومن هنا جاء نص ما أورده ابن الأثير في الكامل ٢ ـ ٣٥٠ [ وفي الطبعة الثانية ٢ ـ ٢٣٧ ].

(٤) في (س) : الحواء ، ولعلها سهو. وجاء في حاشية ( ك‍ ) : والجواء ـ ككتاب ـ : ماء بحمى ضرية ، وموضع باليمامة ، وواد في ديار عبس. قاموس.

انظر : القاموس ٤ ـ ٣١٤. وقريب منه في مراصد الاطلاع ١ ـ ٣٥٢ ـ ٣٥٣ ، ومعجم البلدان ٢ ـ ١٧٤.

(٥) وفي المصدر : نخبة بن أبي الميثاء من بني الشريد ، بدلا من : نجية.

(٦) في الكامل : طريفة بن جاجز يأمره.

(٧) في ( ك‍ ) : قش ـ بالشين المعجمة ـ.

(٨) في المصدر : فنهضا.

(٩) في (س) : منها.

(١٠) في (س) : الحواء.

(١١) في الكامل : وقتل.

٥٠٩

يوقد (١) له نار في مصلى المدينة ، ثم رمى به فيها مقموطا ـ أي مشدود اليدين والرجلين ـ (٢).

وقد روى القصة كثير من أرباب السير (٣).

وأجاب صاحب المواقف وشارحه (٤) بأن الأصل ـ وهو كون الإمام عالما بجميع الأحكام ـ ممنوع ، وإنما الواجب الاجتهاد ، ولا يقتضي كون جميع الأحكام حاضرة عنده بحيث لا يحتاج المجتهد فيها إلى نظر وتأمل ، وأبو بكر مجتهد ، إذ ما من مسألة ـ في الغالب ـ إلا وله فيه قول مشهور عند أهل العلم ، وإحراق فجاءة إنما كان لاجتهاده وعدم قبول توبته لأنه زنديق ، ولا تقبل توبة الزنديق في الأصح.

وأما قطع يسار السارق ، فلعله من غلط الجلاد ، أو رآه في المرة الثالثة من السرقة ، وهو رأي الأكثر من العلماء. ووقوفه في مسألة الجدة ورجوعه إلى الصحابة في ذلك لأنه غير بدع من المجتهد البحث عن مدارك الأحكام ، انتهى.

وأجيب : بأنه قد ثبت أن من شرائط الإمامة العلم بجميع الأحكام ، وقد ظهر من أبي بكر الاعتراف على نفسه بأنه لم يعرف الحكم فيها ، وعدم تعرض من تصدى للجواب لمنع صحة ما ذكر اعتراف بصحته (٥).

ثم إن الكلالة ـ على ما رواه الأصحاب عن أئمتنا عليهم‌السلام ـ أولاد

__________________

(١) في المصدر : أن توقد.

(٢) انظر : الصحاح ٣ ـ ١١٥٤ ـ ١١٥٥ ، ومجمع البحرين ٤ ـ ٢٧٠.

(٣) وقد سلفت منا جملة من المصادر في قصة الفجاءة ، وإليك جملة أخرى منها : تاريخ الطبري ٣ ـ ٢٣٤ ، وتاريخ ابن كثير ٦ ـ ٣١٩ ، وتاريخ اليعقوبي ٢ ـ ١٣٤ ، والبداية والنهاية لأبي الفداء ٣ ـ ٣١٩ ، والإصابة ٢ ـ ٣٢٢ ، وشرح القوشجي على التجريد : ٤٨٢ ، وذكرها ملخصة ابن أبي الحديد في شرحه ١٧ ـ ٢٢٢ ، وغيرهم.

(٤) المواقف وشارحه : ٤٠٣ [ شرح المواقف وحواشيه ٨ ـ ٣٤٨ ] وقصة فجاءة في ٨ ـ ٣٥٧.

(٥) لاحظ : المصدر السالف ، والتجريد وشرحه : ٢٩٦ ، والصواعق المحرقة : ٣٣ ، وجهله بهذه المسألة وغيرها جاء ـ أيضا ـ في : سنن ابن ماجة ٣ ـ ١٦٣ ، ومسند أحمد بن حنبل ٤ ـ ٢٢٤ ، وسنن أبي داود ٢ ـ ١٧ ، والموطأ ١ ـ ٣٣٥ ، وغيرها كما سلف بعضه.

٥١٠

الأب والأم ، وهم الإخوة من الطرفين أو من أحدهما (١) ، وقد دلت آية الميراث في أول سورة النساء (٢) على حكم من كان (٣) من قبل الأم منهم ، وفي آخر السورة (٤) على حكم من كان من قبل الأب والأم أو من قبل الأب ، سميت كلالة لإحاطتها بالرجل كالإكليل بالرأس ـ وهو ما يزين بالجوهر ـ شبه العصابة ، أو لأنها مأخوذة من الكل لكونها ثقلا على الرجل (٥) ، والذي رواه قوم من المفسرين عن أبي بكر و (٦) عمر وابن عباس ـ في أحد (٧) الروايتين ـ عنه أنها من عدا الوالد والولد (٨). وفي الرواية الأخرى عن ابن عباس أنها من عدا الولد (٩).

أقول : يرد هنا آخر على أبي بكر ، بل على صاحبه ، وهو أنهما فسرا القرآن برأيهم ـ كما صرح به أبو بكر (١٠) ـ ورووا في صحاحهم المنع من ذلك ،

__________________

(١) لاحظ مثالا : فروع الكافي ٧ ـ ١٠٠ حديث ٣ ، والتهذيب ٩ ـ ٢٩٠ حديث ٥ ، ومن لا يحضره الفقيه ٤ ـ ٢٠٠.

(٢) في قوله تعالى : « وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة .. » الآية ، النساء : ١٢.

(٣) في (س) : على ما كان.

(٤) النساء : ١٧٦.

(٥) كما جاء في مجمع البحرين ٥ ـ ٤٦٤ ، والنهاية ٤ ـ ١٩٧ ، وغيرهما.

(٦) في (س) : أو.

(٧) في ( ك‍ ) : إحدى.

(٨) كما أورده الدارمي في سننه ٢ ـ ٣٦٦ ، والبيهقي في سننه ٦ ـ ٢٢٥ أيضا ، والطبري في تفسيره ٤ ـ ١٩٢ ، وغيرهم في غيرها.

(٩) كما جاءت في تفسير الطبري ٤ ـ ١٩٣ ، وسنن البيهقي ٦ ـ ٢٢٥. وفي ( ك‍ ) : للوالد ، بدلا من : الولد.

(١٠) ولقد فتح الخليفة وخليفته ـ لقصر باعه في علوم الكتاب والسنة ـ باب القول بالرأي بمصراعيه بعد ما سده رسول الله ٦ على أمته بكلي ذراعيه ، إذ نجد أن جمعا من الأعلام كابن سعد في الطبقات ، وأبي عمر في كتاب العلم ٢ ـ ٥١ ، والسيوطي في تاريخ الخلفاء :٧١ ، وابن القيم في أعلام الموقعين : ١٩ ، وغيرهم ذكروا أن أبا بكر نزلت به قضية فلم يجد في كتاب الله منها أصلا ولا في السنة أثرا ، فاجتهد رأيه ، ثم قال : هذا رأي فإن يكن صوابا فمن الله وإن يكن خطأ فمني.

٥١١

ومن فسر القرآن برأيه فقد كفر (١) ، وروى في المشكاة والمصابيح (٢) ، عن الترمذي (٣) ، عن ابن عباس ، قال : من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار.

وفي رواية (٤) : من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار.

وعن الترمذي (٥) وأبي داود (٦) ، عن جندب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] : من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ.

وعن أحمد (٧) وابن ماجة (٨) بإسنادهما عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، قال : سمع النبي صلى الله عليه [ وآله ] قوما يتدارءون (٩) في القرآن ، فقال :

__________________

(١) كما في صحيح الترمذي ٥ ـ ١٩٩ كتاب التفسير حديث ٢٩٥٣ ، وسنن أبي داود كتاب العلم حديث ٣٦٥٢ ، جامع البيان برقم ٨٠ ، ونقله ابن الأثير في جامع الأصول ٢ ـ ٣ حديث ٤٦٩ عن أصولهم.

(٢) مشكاة المصابيح : ٣٥.

(٣) صحيح الترمذي ٥ ـ ١٩٩ كتاب التفسير حديث ٢٩٥١ و ٢٩٥٢.

(٤) صحيح الترمذي ٥ ـ ١٩٩ كتاب التفسير حديث ٢٩٥٠. ونقلها عنه ابن الأثير في جامع الأصول ٢ ـ ٦ حديث ٤٧٠ ، وأخرجها أحمد في مسنده ١ ـ ٢٣٣ برقم ٢٠٦٩ ، ٣٠٢٥ ، والطبري في جامع البيان : ١ ـ ٧٣ ـ ٨٠.

(٥) صحيح الترمذي ٥ ـ ١٩٩ كتاب التفسير الباب الأول حديث ٢٩٥٢ ، وتلاحظ بقية روايات الباب.

(٦) سنن أبي داود ٣ ـ ٣٢٠ كتاب العلم حديث ٣٦٥٢.

(٧) مسند أحمد بن حنبل ٢ ـ ١٨٥.

(٨) سنن ابن ماجة ، ولم نجده فيه.

وذكره الهندي في كنز العمال ١ ـ ١٩٦ حديث ٩٧٠ عن البيهقي في شعب الإيمان.

(٩) قال في مجمع البحرين ١ ـ ١٣٦ ـ ١٣٧ : وفي الحديث : يتدارءون الحديث .. أي يتدافعونه ، وذلك أن كل واحد منهم يدفع قول صاحبه بما ينفع له من القول ، وكأن المعنى إذا كان بينهم محاجة في القرآن طفقوا يدافعون بالآيات ، وذلك كأن يسند أحدهم كلامه إلى آية ثم يأتي صاحبه بآية أخرى مدافعا يزعم أن الذي أتى به نقيض ما استدل به صاحبه ، ولهذا شبه حالهم بحال من قبلهم ، فقال : ضربوا كتاب الله بعضه ببعض.

٥١٢

إنما هلك من كان قبلكم بهذا ، ضربوا كتاب الله بعضه ببعض ، وإنما نزل كتاب الله يصدق بعضه بعضا ، فلا تكذبوا بعضه ببعض ، فما علمتم منه (١) فقولوا ، وما جهلتم فكلوه إلى عالمه. والأخبار في ذلك كثيرة.

وقال الفخر الرازي (٢) : اختار أبو بكر أن الكلالة عبارة عن سوى (٣) الوالدين والولد ، وهذا هو المختار (٤) ، وأما عمر فإنه كان يقول : الكلالة ما (٥) سوى الولد ، وروي أنه لما طعن قال : كنت أرى الكلالة (٦) من لا ولد له وأنا أستحيي أن أخالف أبا بكر (٧).

وعن عمر فيه رواية أخرى وهو التوقف ، وكان يقول : ثلاثة لأن يكون بينها الرسول ص لنا أحب إلي من الدنيا وما فيها ، الكلالة ، والخلافة ، والربا. انتهى (٨).

ولا يشتبه على الفطن الناظر في مثل هذه الروايات أن آراءهم لم يتفرع عن أصل وليست إلا اتباعا للأهواء وقولا في أحكام الله بغير علم ولا هدى من الله ، ولو كان ما رآه عمر في الكلالة اجتهادا منه ـ كما زعموا ـ لما جاز له الحكم بخلافه استحياء من خلاف أبي بكر ، والله ورسوله أحق بأن يستحي منهما ، ومن لا يستحي من أن يقول لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الرجل ليهجر (٩) ، فاللائق

__________________

(١) في (س) : من ـ بلا ضمير ـ ، ولا معنى لها.

(٢) تفسير الفخر الرازي ٩ ـ ٢٢١.

(٣) في المصدر : واختيار أبي بكر الصديق أنها عبارة عمن سوى ..

(٤) في التفسير زيادة : والقول الصحيح ، بعد كلمة : المختار.

(٥) في المصدر : من ، بدلا من : ما.

(٦) في تفسير الفخر : أن الكلالة.

(٧) إلى هنا ذكره الطبري في تفسيره ٤ ـ ١٩٢ أيضا. وفي المصدر بعد لفظ أبي بكر : الكلالة من عدا الوالد والولد.

(٨) وانظر سنن ابن ماجة ٢ ـ ٩١١ حديث ٢٧٢٧ ، وسنن البيهقي ٦ ـ ٢٢٥.

(٩) ستأتي مصادره مفصلا ، وانظر مثالا : صحيح البخاري ١ ـ ٣٩ ، كتاب العلم باب ٣٩ حديث ٤ ، والصراط المستقيم ٣ ـ ٣ ـ ٧ ، وغيرهما.

٥١٣

بحاله أن لا يستحي من أحد ، وتمنيه أن يكون الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين لهم الخلافة دليل واضح على شكه في خلافة أبي بكر وفي خلافته ، كما سبق ما يدل على الشك عن أبي بكر ، وما جعله دليلا على اجتهاد أبي بكر ـ من أن له في المسائل أقوالا مشهورة عند أهل العلم ـ فأول ما فيه أنه افتراء على أبي بكر ، وأين هذه الأقوال المشهورة التي لم يسمعها أحد؟! ومن لم يرو عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مدة البعثة ، وقد كان ـ بزعمهم الفاسد ـ أول الناس إسلاما ، وكان من بطانته وصاحبا له في الغار غير مفارق عنه في الأسفار ـ إلا مائة واثنين وأربعين حديثا (١) ، مع ما وضعه في ميراث الأنبياء لحرمان أهل البيت عليهم‌السلام ودفنهم حيث يموتون لأن يدفن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيت عائشة ويسهل ما أوصى به من دفنه مع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وغير ذلك لأغراض أخر ، فمبلغ علمه وكثرة أقواله ظاهر لأولي الألباب.

ثم لو سلمت كثرة أقواله فليس مجرد القول دليلا على الاجتهاد والقوة في العلم ، ومن تتبع آثارهم وأخبارهم علم أنه ليس فيها ما يدل على دقة النظر وجودة الاستنباط ، بل فيها ما يستدل به على دناءة الفطرة وركاكة الفهم ، كما لا يخفى على المتتبع.

وأما قطع يسار السارق في المرة الأولى فهو خلاف الإجماع ، وقد اعترف به الفخر الرازي في تفسير آية السرقة (٢) ، ولو كان من غلط الجلاد لأنكره عليه أبو بكر وبحث عن الحال ، هل كان عن تعمد من الجلاد فيقاصه بفعله أو على السهو والخطإ فيعمل بمقتضاه؟ وكون القطع في المرة الثالثة خلاف المنقول ، ولم يبد هذا الاحتمال أحد غير الفخر الرازي (٣) وتبعه المتأخرون عنه.

__________________

(١) كما في شرح رياض الصالحين للصديقي ٢ ـ ٢٣ ، وفصله شيخنا الأميني في غديره ٧ ـ ١٠٨ ١١٤.

(٢) تفسير الفخر الرازي ١١ ـ ٢٢٧.

(٣) تفسير الفخر الرازي ١١ ـ ٢٢٧.

٥١٤

وأما الاجتهاد في إحراق فجاءة السلمي فهو من قبيل الاجتهاد في مقابلة النص ، وقد قامت الأدلة على بطلانه ، وما ذكره من عدم قبول توبته لأنه زنديق فاسد ، إذ لم ينقل أحد عن فجاءة إلا الإغارة على قوم من المسلمين ، ومجرد ذلك ليس زندقة حتى لا تقبل توبته ، وقد ذكر في المواقف (١) في الطعن أنه كان يقول : أنا مسلم .. ولم يمنعه في مقام الجواب.

واعلم أن الرواية الدالة على عدم التعذيب بالنار من الروايات الصحيحة عند العامة ، ورواه (٢) البخاري في باب لا يعذب بعذاب الله من كتاب الجهاد (٣) عن أبي هريرة وعن ابن عباس.

ورواه ابن أبي الحديد (٤) أيضا.

والذي رواه أصحابنا ما روي في الفقيه (٥) وغيره (٦) ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه نهى أن يحرق شيء من الحيوان بالنار ، لكن في بعض أخبارنا (٧) ما ينافي هذا العموم ، وسيأتي الكلام فيه في كتاب المناهي (٨) إن شاء الله تعالى ، ولا يضر ذلك في الطعن ، لأن بناءه على الإلزام لاعتراف العامة بصحتها.

وما روي من فعل أمير المؤمنين عليه‌السلام فهو عندنا استناد إلى نص خاص ورثه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعند العامة استناد إلى الاجتهاد ،

__________________

(١) المواقف : ٤٠٢.

(٢) في (س) : رواه في.

(٣) صحيح البخاري ٤ ـ ٧٤ ـ ٧٥.

(٤) في شرحه على النهج ١٧ ـ ٢٢٢.

(٥) كتاب من لا يحضره الفقيه ٤ ـ ٣ باب ١ ، ذيل حديث الأول.

(٦) أمالي الصدوق : ٢٥٤.

(٧) كما جاء في الكافي ٧ ـ ١٩٩ حديث ٥ ، و ٦ وفي صفحة : ٢٠١ حديث ١ ، وفي صفحة : ٢٠٤ حديث ٣ ، والتهذيب ٦ ـ ١٤٢ باب ٦٣ حديث ٢ ، والمحاسن : ١١٢ باب ٥١ حديث ١٠٦ ، وأورده في بحار الأنوار ٢٥ ـ ٣٠٠ عن رجال الكشي : ١٩٨ ـ ١٩٩.

(٨) بحار الأنوار ٧٦ ـ ٣٢٩.

٥١٥

فلا مطعن فيه بالاتفاق.

* * * * *

٥١٦

خاتمة

في ذكر ولادة أبي بكر ووفاته وبعض أحواله

قال المخالفون : كان مولده بمكة بعد الفيل بسنتين وأربعة أشهر إلا أياما ، واسمه : عبد الله بن عثمان (١) بن (٢) أبي قحافة بن عامر بن عمر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب ، وقيل اسمه : عتيق ، وقيل : كان اسمه : عبد رب الكعبة ، فسماه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عبد الله ، وأمه أم الخير سلمى بنت صخر بن عامر بن كعب (٣).

غصب (٤) الخلافة ثاني يوم مات فيه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومات بالمدينة ليلة الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة بين المغرب والعشاء وله ثلاث وستون سنة ، وقيل خمس وستون ، والأول أشهر. وكانت مدة خلافته المغصوبة سنتين وأربعة أشهر (٥).

__________________

(١) وضع في ( ك‍ ) على كلمة : عثمان ، رمز نسخة بدل.

(٢) لا توجد في (س) : بن.

(٣) كما جاء في تاريخ الطبري ٣ ـ ٤١٩ ـ ٤٢٤ [ ٤ ـ ٤٦ ] ، والكامل لابن الأثير ٢ ـ ٤١٨ ـ ٤٢٤ [ ٢ ـ ١٦٠ ].

(٤) في ( ك‍ ) : وغصب.

(٥) انظر : تاريخ اليعقوبي ٢ ـ ١٠٦ ، وصفة الصفوة ١ ـ ٨٨ ، وحلية الأولياء ٤ ـ ٩٣ ، وتاريخ الخميس

٥١٧

وقال في الاختصاص (١) : مات وهو ابن ثلاث وستين سنة ، وولي الأمر سنتين وستة أشهر.

ثم اعلم أنه لم يكن له نسب شريف ولا حسب منيف ، وكان في الإسلام خياطا ، وفي الجاهلية معلم الصبيان ، ونعم ما قيل :

كفى للمرء نقصا أن يقال بأنه

معلم أطفال وإن كان فاضلا

وكان أبوه سيئ الحال ضعيفا ، وكان كسبه أكثر عمره (٢) من صيد القماري والدباسي لا يقدر على غيره ، فلما عمي وعجز ابنه عن القيام به التجأ إلى عبد الله ابن جدعان ـ من رؤساء مكة ـ فنصبه ينادي على مائدته كل يوم لإحضار الأضياف ، وجعل له على ذلك ما يعونه من الطعام ، ذكر ذلك جماعة منهم الكلبي في كتاب المثالب (٣) ـ على ما أورده في الصراط المستقيم (٤) ـ ولذا قال أبو سفيان لعلي عليه‌السلام ـ بعد ما غصب الخلافة ـ : ـ أرضيتم يا بني عبد مناف! ـ أن يلي عليكم تيمي رذل؟! ، وقال أبو قحافة : ما رواه ابن حجر في صواعقه (٥) حيث قال : وأخرج الحاكم (٦) أن أبا قحافة لما سمع بولاية ابنه قال : هل رضي بذلك بنو عبد مناف وبنو المغيرة؟. قالوا : نعم. قال : اللهم لا واضع لما رفعت ولا رافع لما وضعت (٧).

__________________

٢ ـ ١٩٩ ، والرياض النضرة : ٤٤ ـ ١٨٧ ، ومنهاج السنة ٣ ـ ١١٨ ، وطبقات ابن سعد ٩ ـ ٢٦ ٢٨ ، وغيرها.

(١) الاختصاص : ١٣٠.

(٢) في (س) : من عمره.

(٣) المثالب للكلبي ـ هشام بن محمد السائب الكلبي المتوفى سنة ٢٠٥ ه‍. ذكره ابن النديم في فهرسته : ١٤١ ، ولا نعلم بطبعه. توجد منه نسخة في المتحف العراقي ، ولا يسمح لأحد برؤيتها أو نسخها أو غير ذلك.

(٤) الصراط المستقيم ٣ ـ ١٠٢ ، وانظر صفحة : ٢٨.

(٥) الصواعق المحرقة : ٧ ـ طبعة الحلبي ، مصر ـ.

(٦) المستدرك للحاكم النيسابوري ، ولم نجد هذه الرواية هناك.

(٧) وقريب منه في الاستيعاب ٢ ـ ٢٥٦.

٥١٨

وقالت فاطمة عليها‌السلام ـ في بعض كلماتها ـ : إنه من أعجاز قريش وأذنابها (١). وقال بعض الظرفاء : بل من ذوي أذنابها.

وقال صاحب إلزام النواصب (٢) : أجمع النسابون أن أبا قحافة كان حبرا لليهود يعلم أولادهم (٣).

والعجب أنهم مع ذلك يدعون أن الله تعالى أغنى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمال أبي بكر.

وعقد الخلافة عند موته لعمر ، فحمل أثقاله مع أثقاله ، وأضاف وباله إلى وباله.

وقال ابن أبي الحديد (٤) ـ في كيفية ذلك ـ أنه أحضر أبو بكر عثمان ـ وهو يجود بنفسه ـ فأمر (٥) أن يكتب عهدا ، وقال : اكتب : ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) ، هذا ما عهد به (٦) عبد الله بن عثمان (٧) إلى المسلمين أما بعد ، .. ثم أغمي عليه ، فكتب عثمان : قد استخلفت عليكم ابن الخطاب (٨) ، وأفاق أبو بكر ، فقال : اقرأ فقرأه ، فكبر أبو بكر ، وقال (٩) : أراك خفت أن يختلف الناس إن مت في غشيتي!

__________________

(١) كما في شرح النهج لابن أبي الحديد ١ ـ ١٦٤ ـ ١٦٥.

(٢) وقال في إلزام النواصب : ٩٧ ـ خطية ـ : أبو بكر بن أبي قحافة ، أجمع أهل السير أن أبا قحافة كان أجيرا لليهود يعلم أولادهم ، وقد تعجب أبوه : أبو قحافة يوم بويع ابنه للخلافة ، فقال : كيف ارتضت الناس بابني مع حضور بني هاشم؟!. قالوا : لأنه أكبر الصحابة سنا. فقال : والله أنا أكبر منه. ثم قال : هذا يدل على انحطاطه عن مرتبة الخلافة.

(٣) لا توجد : يعلم أولادهم ، في (س).

(٤) في شرحه على النهج ١ ـ ١٦٥ ، بتصرف.

(٥) في المصدر : فأمره.

(٦) لا توجد في المصدر : به.

(٧) في تاريخ الطبري ٤ ـ ٥٢ [ ٣ ـ ٤٢٩ ] : وفيه : أبو بكر بن أبي قحافة.

(٨) في شرح النهج : عمر بن الخطاب.

(٩) في المصدر : وسر وقال ..

٥١٩

قال : نعم. قال : جزاك الله خيرا عن الإسلام وأهله ، ثم أتم العهد وأمره أن يقرأ على الناس فقرأ (١) ، ثم أوصى إلى عمر بوصايا (٢).

قال : وروى كثير من الناس أن أبا بكر لما نزل به الموت دعا عبد الرحمن بن عوف ، فقال : أخبرني عن عمر ، فقال : إنه أفضل من رأيته (٣) إلا أن فيه غلظة. فقال : ذاك لأنه يراني رفيقا (٤) ولو قد أفضى الأمر إليه لترك كثيرا مما هو عليه ، وقد رمقته (٥) إذا أنا غضبت على رجل أراني الرضا عنه ، وإذا لنت أراني الشدة عليه ، ثم دعا عثمان ، فقال : أخبرني عن عمر. فقال : سريرته خير من علانيته ، وليس فينا مثله. فقال لهما : لا تذكرا مما قلت لكما شيئا ، ولو تركت عمر ما (٦) عدوتك يا عثمان ، والخيرة لك أن لا تلي من أمورهم شيئا ، ولوددت أني كنت من أموركم خلوا ، وكنت فيمن مضى من سلفكم.

ودخل طلحة (٧) على أبي بكر ، فقال : إنه بلغني أنك ـ يا خليفة رسول الله (ص)! ـ استخلفت على الناس عمر ، وقد رأيت ما يلقى الناس منه وأنت معه ، فكيف إذا (٨) خلا بهم؟! وأنت غدا لاق ربك فسائلك (٩) عن رعيتك!. فقال أبو بكر : أجلسوني .. أجلسوني (١٠) ، ثم قال : أبالله تخوفني؟! ، إذا لقيت ربي فساءلني ، قلت : استخلفت عليهم خير أهلك. فقال طلحة : أعمر خير الناس

__________________

(١) في شرح النهج : وأمر أن يقرأ .. فقرأ عليهم.

(٢) في المصدر : أوصى عمر فقال له : ..

(٣) في المصدر : رأيك. وما ذكره نقله عن الطبري ٣ ـ ٤٢٨.

(٤) في شرح النهج : رقيقا.

(٥) رمقته .. أي أطلت النظر إليه ، كما في مجمع البحرين ٥ ـ ١٧٣.

(٦) في المصدر : لما.

(٧) في شرح النهج : طلحة بن عبيد الله.

(٨) في المصدر : فكيف به.

(٩) في شرح النهج : فيسألك.

(١٠) لا توجد في المصدر : أجلسوني ـ الثانية ـ.

٥٢٠