بحار الأنوار - ج ٣٠

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار - ج ٣٠

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


المحقق: الشيخ عبد الزهراء العلوي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الرضا
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٨
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

بن صعصعة ، فقالوا (١) : إنما رأينا أعجازا ولا ندري ما الوجوه (٢)؟. فلما قامت صمموا ، وخرج المغيرة إلى الصلاة ، فحال أبو بكرة بينه وبين الصلاة ، وقال : لا تصل بنا ، وكتبوا إلى عمر بذلك ، وكتب المغيرة إليه أيضا ، فأرسل عمر إلى أبي موسى ، فقال : يا أبا موسى! إني مستعملك ، وإني باعثك إلى أرض قد (٣) باض فيها الشيطان وفرخ ، فالزم ما تعرف ، ولا تستبدل فيستبدل الله بك. فقال : يا أمير المؤمنين! أعني بعدة من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من المهاجرين والأنصار ، فإني وجدتهم في هذه الأمة وهذه الأعمال كالملح لا يصلح الطعام إلا به. قال : فاستعن بمن أحببت ، فاستعان بتسعة وعشرين رجلا منهم : أنس بن مالك وعمار (٤) بن حصين وهشام بن عامر .. وخرج أبو موسى بهم حتى أناخ بالبصرة في المربد (٥) ، وبلغ المغيرة أن أبا موسى قد أناخ بالمربد ، فقال : والله ما جاء أبو موسى تاجرا ولا زائرا (٦) ولكنه جاء أميرا ، وإنهم لفي ذلك إذ جاء أبو موسى حتى دخل عليهم ، فدفع إلى المغيرة كتابا من عمر ـ إنه لأزجر (٧) كتاب كتب به أحد من الناس ـ أربع كلم عزل فيها وعاتب (٨) واستحث وأمر : أما بعد ، فإنه بلغني نبأ عظيم فبعثت أبا موسى (٩) فسلم ما في يديك إليه والعجل. وكتب إلى

__________________

(١) هنا عبارة سقطت ـ وقد جاءت في الطبري ـ.

(٢) في الطبري : الوجه.

(٣) في شرح النهج : الأرض التي قد ..

(٤) كذا ، وفي المصدر والشرح : عمران ، وهو الظاهر.

(٥) جاء في حاشية ( ك‍ ) ما يلي : المربد : الموضع الذي يحبس فيه الإبل وغيرها ، ومنه يسمى مربد البصرة. ذكره الجوهري ، وقال : الفارهة : الجارية الجميلة. [ منه ( رحمه‌الله ) ].

انظر : الصحاح ٢ ـ ٤٧١ في مادة : ربد ، وفيه : تحبس. وما ذكره للفارهة من المعنى لم نجده في الصحاح. قال في القاموس ٤ ـ ٢٨٩ : والفارهة : الجارية المليحة ، والفتية.

(٦) في شرح النهج والطبري : لا زائرا ولا تاجرا ـ بتقديم وتأخير ـ.

(٧) في المصدر والشرح : لأوجز ، وهو الظاهر.

(٨) في الطبري : عزل منها وعاتب.

(٩) جاءت زيادة كلمة : أميرا ، في الطبري.

٦٤١

أهل البصرة : أما بعد ، فإني قد بعثت أبا موسى أميرا عليكم ليأخذ لضعيفكم من قويكم ، وليقاتل بكم عدوكم ، وليدفع عن ذمتكم ، وليجبي (١) لكم فيئكم ، وليقسم فيكم (٢) ، وليحمي لكم طرقكم (٣).

فأهدى إليه المغيرة وليدة من مولدات الطائف تدعى : عقيلة ، فقال : إني قد رضيتها لك ـ وكانت فارهة ـ ، وارتحل المغيرة وأبو بكرة ونافع بن كلدة وزياد وشبل بن معبد البجلي حتى قدموا على عمر ، فجمع بينهم وبين المغيرة ، فقال المغيرة : يا أمير المؤمنين! سل هؤلاء الأعبد كيف رأوني مستقبلهم أم مستدبرهم؟ فكيف رأوا المرأة وعرفوها؟ فإن كانوا مستقبلي فكيف لم أستتر! وإن كانوا مستدبري فبأي شيء استحلوا النظر إلي في منزلي على امرأتي! والله ما أتيت إلا امرأتي ، فبدأ بأبي بكرة فشهد عليه أنه رآه بين رجلي أم جميل ، وهو يدخله ويخرجه (٤) ، قال عمر : كيف رأيتهما؟. قال : مستدبرهما. قال : كيف استبنت (٥) رأسها؟. قال : تخافيت (٦). فدعا بشبل بن معبد فشهد مثل ذلك ، وقال : استقبلتهما واستدبرتهما (٧) ، وشهد نافع بمثل شهادة أبي بكرة ، ولم يشهد زياد بمثل شهادتهم ، قال : رأيته جالسا بين رجلي امرأة ، ورأيت قدمين مرفوعين يخفقان (٨) ، واستين

__________________

(١) في (س) : ولتجئ. وفي الطبري : وليحصي.

(٢) في (س) : طرفكم. وفي الطبري : لينقي لكم طرقكم.

(٣) في الطبري : ثم ليقسمه بينكم ولينقي ..

(٤) في الطبري زيادة : كالميل في المكحلة.

(٥) في المصدر والشرح : فكيف استثبت.

(٦) في شرح النهج : تجافيت. وفي الطبري : تحاملت.

(٧) في الطبري : فقال : استدبرتهما أو استقبلتهما؟. قال : استقبلتهما.

(٨) جاء في حاشية ( ك‍ ) : خفقت الراية : اضطربت وتحركت. وفي الطبري : قدمين مخضوبتين تخفقان. وحفز المرأة ـ بالحاء المهملة والزاي المعجمة ـ : جامعها ، وكذا بالمهملتين.

وفي النهاية : الحفز : الحث والإعجال ، ومنه حديث أبي بكرة ، أنه دب إلى الصف راكعا وقد حفزه النفس. وقال الراجز : الحفز : النفس الشديد المتتابع الذي كأنه يدفع من سياق. [ منه ( رحمه‌الله ) ].

٦٤٢

مكشوفين ، وسمعت حفزا شديدا ، قال عمر : فهل رأيته فيها كالميل في المكحلة؟. قال : لا. قال : فهل تعرف المرأة؟. قال : لا ، ولكن أشبهها .. فأمر عمر بالثلاثة الحد (١) وقرأ : ( فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكاذِبُونَ ) (٢) ، فقال المغيرة : الحمد لله الذي أخزاكم ، فصاح به عمر : اسكت .. (٣) أسكت الله نأمتك (٤) ، أما والله لو تمت الشهادة لرجمتك بأحجارك ، فهذا ما ذكره الطبري (٥)

أقول : ثم روى (٦) من كتاب الأغاني (٧) لأبي الفرج الأصفهاني روايات مختلفة تؤدي مؤدى تلك الرواية .. إلى أن قال (٨) : قال أبو الفرج : قال أبو زيد عمر بن شيبة (٩) : فجلس له عمر ودعا به وبالشهود ، فتقدم أبو بكرة ، فقال : أرأيته بين فخذيها؟. قال : نعم ، والله لكأني أنظر إلى تشريم (١٠) جدري بفخذيها.

__________________

انظر : القاموس ٣ ـ ٢٢٨ في مادة : خفق ، و ٢ ـ ١٢ في مادة : حفر وحفز. والنهاية ١ ـ ٤٠٧ في مادة : حفز ، وحكى الجوهري في الصحاح ٣ ـ ٨٧٤ في مادة : حفز ، قول الراجز. وفي الطبري : حفزانا.

(١) في الشرح : فجلدوا الحد. وفي الطبري : قال : فتح وأمر بالثلاثة فجلدوا الحد.

(٢) النور : ١٣.

(٣) في الطبري : فقال المغيرة : اشفني من الأعبد. فقال : اسكت.

(٤) في حاشية ( ك‍ ) : قال الجوهري : النأمة ـ بالتسكين ـ : الصوت ، يقال : أسكت الله نأمته : .. أي نغمته وصوته. [ منه ( رحمه‌الله ) ].

انظر : الصحاح ٥ ـ ٢٠٣٨.

(٥) تاريخ الطبري ٤ ـ ٢٠٧ [ ٣ ـ ١٦٩ ـ ١٧٠ ] حوادث سنة ١٧ ه‍.

(٦) أي ابن أبي الحديد في شرحه ١٢ ـ ٢٣٤ ـ ٢٣٦.

(٧) الأغاني ١٤ ـ ٧٧ ـ ١٠٠.

(٨) شرح ابن أبي الحديد ١٢ ـ ٢٣٦ ـ ٢٣٧.

(٩) في المصدر : عمر بن شبة.

(١٠) جاء في حاشية ( ك‍ ) : التشريم : التشقيق ، وقال الجوهري : ألا يألو .. أي قصر. [ منه ( قدس‌سره ) ].

انظر : الصحاح ٥ ـ ١٩٥٩ ، وجاء في القاموس ٤ ـ ١٣٦ ، والنهاية ٢ ـ ٤٦٨ ، ومجمع البحرين ٦ ـ ٩٩ في مادة : شرم ، والصحاح ٦ ـ ٢٢٧٠ ـ أيضا ـ في مادة : ألي.

٦٤٣

فقال المغيرة : لقد ألطفت النظر. قال : لم آل أن أثبت ما يخزيك الله به. فقال عمر : لا والله حتى تشهد ، لقد رأيته يلج فيها كما يلج المرود في المكحلة. قال : نعم ، أشهد على ذلك. فقال عمر : أذهب عنك ، مغيرة ذهب (١) ربعك.

قال أبو الفرج : ويقال : إن عليا عليه‌السلام هو قائل هذا القول ، ثم دعا نافعا ، فقال : على ما تشهد؟. قال : على مثل شهادة أبي بكرة. فقال عمر : لا ، حتى تشهد أنك رأيته يلج فيها ولوج المرود في المكحلة. قال : نعم ، حتى بلغ قذذه (٢). فقال : أذهب عنك ، مغيرة ذهب نصفك ، ثم دعا الثالث ـ وهو شبل بن معبد ـ فقال : على ما ذا (٣) تشهد؟. قال : على مثل شهادة صاحبي؟. فقال : أذهب عنك ، مغيرة ذهب ثلاثة أرباعك. قال : فجعل المغيرة يبكي إلى المهاجرين فبكوا معه ، وبكى إلى أمهات المؤمنين حتى بكين معه ، قال : ولم يكن زياد حضر ذلك المجلس ، فأمر عمر أن ينحى الشهود الثلاثة وأن لا يجالسهم أحد من أهل المدينة ، وانتظر قدوم زياد ، فلما قدم جلس له في المسجد واجتمع رءوس المهاجرين والأنصار ، قال المغيرة ـ وكنت قد أعددت كلمة أقولها ـ فلما رأى عمر زيادا مقبلا قال : إني لأرى رجلا لن يخزي الله على لسانه رجلا من المهاجرين (٤).

__________________

(١) في (س) : وذهب.

(٢) القذذ : ريش السهم ، الواحدة القذة. قاله في الصحاح ٢ ـ ٥٦٨ ، والقاموس ١ ـ ٣٥٧ ، والنهاية ٤ ـ ٢٨ ، ومجمع البحرين ٣ ـ ١٨٦.

(٣) في المصدر : على م.

(٤) وفي فتوح البلدان : ٣ ـ ٣٥٢ : أما إني أرى وجه رجل أرجو أن لا يرجم رجل من أصحاب رسول الله (ص) على يده ولا يخزى بشهادته ، وفي لفظ المتقي الهندي في كنز العمال ٣ ـ ١٨ : إني أرى غلاما كيسا لن يشهد ـ إن شاء الله ـ إلا بحق!. وأوردها البيهقي في سننه ٨ ـ ٢٣٥.

وقد أورد القصة بتفصيلها شيخنا الأميني في الغدير ٦ ـ ١٣٧ ـ ١٤٤ عن عدة مصادر ، وذكرها ابن الأثير في الكامل ٢ ـ ٢٨٨ ، وابن خلكان في تاريخه ٢ ـ ٤٥٥ ، وابن كثير في تاريخه ٧ ـ ٨١ ، وفي عمدة القاري ٦ ـ ٣٤٠ ، وفي أخبار عمر لعلي وناجي الطنطاوي : ٥٩ ( ط : دار الفكر ) ، تاريخ أبي الفداء ١ ـ ١٧٤ ، وكنز العمال ٣ ـ ٨٨ [ ٨ ـ ٢٣٥ ] ، وغيرها من المصادر.

٦٤٤

قال أبو الفرج : وفي حديث أبي زيد (١) ، عن السري ، عن عبد الكريم بن رشيد ، عن أبي عثمان النهدي أنه لما شهد الشاهد الأول عند عمر تغير (٢) لون عمر ، ثم جاء الثاني فشهد فانكسر لذلك انكسارا شديدا ، ثم جاء الثالث فشهد فكأن الرماد نثر على وجه عمر ، فلما جاء زياد جاء شاب يخطر (٣) بيديه ، فرفع عمر رأسه إليه وقال : ما عندك أنت يا سلح (٤) العقاب؟ وصاح أبو عثمان النهدي صيحة يحكي (٥) صيحة عمر ، قال عبد الكريم (٦) : لقد كدت أن يغشى علي لصيحته.

قال أبو الفرج : فكان المغيرة يحدث ، قال : فقمت إلى زياد ، فقلت : لا مخبأ لعطر بعد عروس (٧) ، يا زياد! أذكرك الله وأذكرك موقف القيامة وكتابه ورسوله أن

__________________

(١) في شرح النهج : زيد بن عمر بن شبة.

(٢) في المصدر : تغير الثالث لذلك. والظاهر زيادة كلمة : الثالث ، وكونها للسطر الآتي.

أقول : إن ملاحظة القصة بصدرها وذيلها تعطي علة تغير لون عمر أولا ، وانكساره ثانيا ، وصيرورته كأن الرماد نثر على وجهه ثالثا ، وإيعازه إلى رابع الأربعة في الشهادة بكتمان شهادته رابعا ، ولعل لمثل هذه الأوصاف والأفعال صار مثلا للعدل عند أهل التسنن؟!.

(٣) جاء في حاشية ( ك‍ ) : والخطر ـ بالكسر ـ : نبات يختضب به. صحاح.

انظر : الصحاح ٢ ـ ٦٤٨. أقول : المعنى المناسب للمقام ما جاء في النهاية لابن الأثير ٣ ـ ٤٦ :

يخطر بسيفه .. أي يهزه معجبا بنفسه.

(٤) جاء في حاشية ( ك‍ ) : في مصباح اللغة : سلح الطائر سلحا ـ من باب نفع ـ : هو منه كالتغوط من الإنسان ، وهو سلحه تسمية بالمصدر. [ منه ( رحمه‌الله ) ].

انظر : المصباح المنير ١ ـ ٣٤٣ ، وفيه زيادة الواو بعد : نفع.

(٥) في شرح النهج : تحكي.

(٦) في المصدر : عبد الكريم بن رشيد.

(٧) جاء في حاشية ( ك‍ ) : ما يلي : قال الميداني في مجمع الأمثال : لا مخبأ لعطر بعد العرس ، ويروى لا عطر بعد العروس ، قال المفضل : أول من قال ذلك امرأة من عذرة يقال لها : أسماء بنت عبد الله ، وكان لها زوج من بني عمها يقال له : عروس فمات عنها فتزوجها رجل من قومها يقال له : نوفل ، وكان أعسر أبخر بخيلا دميما ، فلما أراد أن يظعن بها قالت له : لو أذنت لي فرثيت ابن عمي وبكيت عند رمسه؟. فقال : افعلي ، فقالت : أبكيك يا عروس الأعراس ، يا ثعلبا في أهله وأسدا عند

٦٤٥

تتجاوز إلى ما لم تر ، ثم صحت يا أمير المؤمنين! إن هؤلاء قد احتقنوا (١) دمي ، فالله الله في دمي ، قال : فرتقت (٢) عينا زياد واحمر وجهه ، وقال : يا أمير المؤمنين! أما أن أحق ما حق القوم فليس عندي ، ولكني رأيت مجلسا قبيحا ، وسمعت نفسا حثيثا وانتهارا ، ورأيته متبطنها. فقال عمر : رأيته يدخل في فرجها كالميل في المكحلة (٣)؟. قال : لا.

قال أبو الفرج : وروى كثير من الرواة أنه قال : رأيته رافعا رجليها ، ورأيت خصييه مترددين بين فخذيها ، ورأيت حفزا شديدا ، وسمعت نفسا عاليا ، فقال عمر : رأيته يدخله ويخرجه كالميل في المكحلة؟. قال : لا. قال عمر : الله أكبر ، قم يا مغيرة إليهم فاضربهم ، فقام المغيرة إلى أبي بكرة فضربه ثمانين (٤) وضرب

__________________

البأس مع أشياء ليس يعلمها الناس. قال : وما تلك الأشياء؟. قالت : كان عن الهمة غير نعاس ويعمل السيف صبيحات البأس. ثم قالت : يا عروس الأعز الأزهر الطيب الخيم الكليم المحضر مع أشياء له لا تذكر. قال : وما تلك الأشياء؟. قالت : كان عيوفا للخنا والمنكر ، طيب النكهة غير أبخر ، أيسر غير أعسر ، فعرف الزوج أنها تعرض به ، فلما رحل بها قال سمي إليك عطرك .. وقد نظر إلى قشوة عطرها مطروحة. فقالت : لا عطر بعد عروس .. فذهبت مثلا.

ويقال : إن رجلا تزوج امرأة فأهديت إليه فوجدها تفلة ، فقال لها : أين الطيب؟. فقالت :خبأته. فقال لها : لا مخبأ لعطر بعد عروس .. فذهبت مثلا ، يضرب لمن لا يدخر عنه نفيس.

وقيل : عروس اسم رجل مات فحملت امرأته أواني العطر فكسرتها وصبت العطر ، فوبخها بعض معارفها ، فقالت ذلك.

يضرب على الأول في ذم ادخار الشيء وقت الحاجة إليه ، وعلى الثاني في الاستغناء عن ادخار الشيء لعدم من يدخر له ، انتهى.

ولعل المناسب هنا الأول من المعنيين الأخيرين. [ منه ( رحمه‌الله ) ].

انظر : مجمع الأمثال ٢ ـ ١١٢ ـ ١١٣ برقم ٣٤٩١ بتصرف. وجاءت الفقرة الأخيرة في المستقصى لأمثال العرب للزمخشري ٢ ـ ٢٦٤ برقم ٩٩١.

(١) كذا ، في المصدر : احتقروا. وهو الظاهر.

(٢) في شرح النهج : فترنقت.

(٣) في المصدر : أرأيته يدخل ويخرج كالميل في المكحلة؟.

(٤) في ( ك‍ ) : ثمانين جلدة.

٦٤٦

الباقين.

وروى قوم أن الضارب لهم الحد لم يكن المغيرة.

قال (١) : وأعجب عمر قول زياد : ودرأ الحد عن المغيرة ، فقال أبو بكرة بعد أن ضرب : أشهد أن المغيرة فعل كذا .. وكذا ، فهم عمر بضربه ، فقال له علي عليه‌السلام : إن ضربته رجمت (٢) صاحبك ، ونهاه عن ذلك (٣).

قال أبو الفرج : يعني إن ضربه يصير شهادته شهادتين فيوجب بذلك الرجم على المغيرة. قال : واستتاب (٤) عمر أبا بكرة ، قال : إنما تستتيبني لتقبل (٥) شهادتي؟. قال : أجل. قال : فإني لا أشهد بين اثنين ما بقيت في الدنيا.

قال : فلما ضربوا الحد ، قال المغيرة : الله أكبر! الحمد لله الذي أخزاكم. فقال عمر : اسكت أخزى الله مكانا رأوك فيه. قال : وقام أبو بكرة على قوله ، وكان يقول : والله ما أنسى قط فخذيها ، وتاب الاثنان فقبل شهادتهما ، وكان أبو بكرة بعد ذلك إذا طلب إلى شهادة يقول : اطلبوا غيري ، فإن زيادا أفسد علي شهادتي ..

قال (٦) أبو الفرج : وحج عمر بعد ذلك مرة فوافق الرقطاء بالموسم ، فرآها وكانت (٧) المغيرة يومئذ هناك ـ فقال عمر للمغيرة : ويحك! أتتجاهل علي ، والله ما أظن أبا بكرة كذب عليك ، وما رأيتك إلا خفت أن أرمى بحجارة من السماء (٨).

__________________

(١) قال .. أي ابن أبي الحديد في الشرح ١٢ ـ ٢٣٧.

(٢) في ( ك‍ ) : وجهت. وفي (س) نسخة بدل : رحمت ، وقد تقرأ : رجمت ، وهو الظاهر.

(٣) وجاء في سنن البيهقي ٨ ـ ٢٣٥ قول علي عليه‌السلام بلفظ : إن كانت شهادة أبي بكرة شهادة رجلين فارجم صاحبك وإلا فقد جلدتموه ، تارة ، وبلفظ : إن جلدته فارجم صاحبك ، ثانية ، وبلفظ : لئن ضربت هذا فارجم ذاك ، ثالثة.

(٤) في شرح النهج : فاستتاب.

(٥) لا توجد : لتقبل في (س).

(٦) شرح النهج لابن أبي الحديد ١٢ ـ ٢٣٨.

(٧) كذا ، وفي المصدر : وكان. وهو الظاهر.

(٨) ليت شعري لما ذا كان عمر يخاف أن يرمى بالحجارة من السماء؟ إنها الردة حقا! وحاشا الله أن يرمي

٦٤٧

قال : وكان علي عليه‌السلام ـ بعد ذلك ـ يقول : إن ظفرت بالمغيرة لأتبعته أحجاره (١).

قال ابن أبي الحديد (٢) ـ بعد إيراد تلك الأخبار وغيرها ـ : فهذه الأخبار كما تراها تدل متأملها على أن الرجل زنى بالمرأة لا محالة ، وكل كتب التواريخ والسير يشهد (٣) بذلك ، وإنما اقتصرنا نحن منها على ما في هذين الكتابين.

وقد روى المدائني أن المغيرة كان أزنى الناس في الجاهلية ، فلما دخل في الإسلام قيده الإسلام ، وبقيت عنده منه بقية ظهرت في أيام ولايته بالبصرة (٤) ، ثم أورد في ذلك روايات أخر تركناها اختصارا.

وقال الشيخ قدس الله روحه في تلخيص الشافي (٥) : فإن قالوا : لم يعطل الحد وإنما لم يتكامل الشهادة ، وإرادة الرابع لأن يشهد لا تكمل بها البينة وإنما تكمل بإقامتها ..

وقوله : أرى وجه رجل لا يفضح الله على يده رجلا .. سائغ صحيح ، فجرى مجرى ما روي عنه (ص) من أنه أتي بسارق فقال له (٦) : لا تقر. وقال لصفوان بن أمية ـ لما أتاه بالسارق وأمر بقطعه ـ فقال : هي له ـ يعني ما سرق ـ هلا قبل أن تأتيني به ، فلا يمتنع أن يجب (٧) أن لا تكمل الشهادة ، وينبه الشاهد على

__________________

مقيم الحق ، أو لتعطيله الحكم؟ أو لجلده مثل أبي بكرة ـ الذي عدوه من خيار الصحابة. وكان من العبادة كالنصل ـ؟!. انظر : الغدير ٦ ـ ١٤٠.

(١) وفي الأغاني ١٤ ـ ١٤٧ : قال عليه‌السلام : لئن لم ينته المغيرة لأتبعنه أحجاره. وفيه أيضا : لئن أخذت المغيرة لأتبعنه أحجاره.

(٢) شرح النهج ٢ ـ ٢٣٩ [ ٣ ـ ١٦٣ ].

(٣) لا توجد : يشهد ، في (س). وفي المصدر : تشهد. وهو الظاهر.

(٤) إلى هنا كلام ابن أبي الحديد في شرحه على النهج ١٢ ـ ٢٣٩ بتصرف.

(٥) تلخيص الشافي ٤ ـ ٢١ ـ ٢٥.

(٦) لا توجد : له ، في (س).

(٧) كذا ، والظاهر : أن يحب ـ بالحاء المهملة ـ. وفي المصدر : أنه.

٦٤٨

أن لا يشهد ، وجلد الثلاثة من حيث صاروا قذفة ، قالوا (١) : ليس حالهم (٢) وقد شهدوا كحال من لم تتكامل الشهادة عليه ، لأن الحيلة في إزالة الحد عنه ـ ولما تكاملت الشهادة ـ ممكنة بتلقين وتنبيه وغيره ، ولا حيلة فيما قد وقع من الشهادة ، فلذلك حدهم ، وليس في إقامة الحد عليهم من الفضيحة ما في تكامل الشهادة على المغيرة ، لأنه يتصور بأنه زان ويحكم بذلك فيه ، وليس كذلك حال الشهود ، لأنهم لا يتصورون بذلك وإن وجب في الحكم أن يجعلوا في حكم القذفة ، على أنه قيل إن القذف منهم كان (٣) تقدم بالبصرة ، لأنهم صاحوا به في نواحي (٤) المسجد بأنا نشهد بأنك زان ، فلو لم يعيدوا الشهادة لكان يحدهم لا محالة ، فلم يمكن (٥) في إزالة الحد عنهم ما أمكن في المغيرة ، وما روي من أن عمر إذا رآه كان يقول : لقد خفت أن يرميني الله بحجارة من السماء .. ، غير صحيح ، ولو صح لكان تأويله التخويف وإظهار قوة الظن بصدق القوم لما شهدوا عليه ردعا (٦) له ، وغير ممتنع أن يحب (٧) أن لا يفتضح لما كان متوليا للبصرة من قبله ، وسكوت زياد عن إقامة الشهادة لا يوجب تفسيقه ، لأنا علمنا بالشرع أن له السكوت ، ولو كان فسقا لما ولاه أمير المؤمنين عليه‌السلام فارس ، ولما ائتمنه (٨) على أموال المسلمين ودمائهم.

قيل (٩) لهم : إنما نسب عمر إلى تعطيل الحد من حيث كان في حكم

__________________

(١) لا توجد : قالوا ، في المصدر ، ووضع عليها في ( ك‍ ) رمز نسخة بدل.

(٢) في (س) زيادة هنا وهي : في إقامة الحد شيء.

(٣) في ( ك‍ ) : وكان.

(٤) في تلخيص الشافي : من نواحي.

(٥) في ( ك‍ ) : فلم يكن.

(٦) في المصدر : ودعاه.

(٧) في ( ك‍ ) : يجب ـ بالجيم المعجمة ـ.

(٨) في (س) : يأتمنه.

(٩) قيل جواب وجزاء لقوله : فإن قالوا ..

٦٤٩

الثابت ، وإنما بتلقينه لم تكمل الشهادة ، لأن زيادا ما حضر إلا ليشهد بما شهد به أصحابه ، وقد صرح بذلك كما صرحوا قبل حضورهم ، ولو لم يكن هذا هكذا لما شهد القوم قبله وهم لا يعلمون هل حال زياد في (١) ذلك كحالهم ، لكنه أحجم (٢) في الشهادة لما رأى كراهية متولي الأمر لكمالها ، وتصريحه بأنه لا يريد أن يعمل بموجبها.

ومن العجائب أن يطلب الحيلة في دفع الحد عن واحد وهو لا يندفع إلا بانصرافه إلى ثلاثة ، فإن كان درأ الحد والاحتيال في دفعه من السنن المتبعة ، فدرؤه عن ثلاثة أولى من درئه عن واحد.

وقولهم : إن درء (٣) الحد عن المغيرة ممكن ، ودرؤه (٤) عن الثلاثة ـ وقد شهدوا غير ممكن طريف ، لأنه لو لم يلقن الشاهد الرابع الامتناع من الشهادة لاندفع عن الثلاثة الحد ، فكيف لا تكون الحيلة ممكنة فيما ذكروه ، بل لو أمسك عن الاحتيال جملة لما لحق الثلاثة حد.

وقولهم : إن المغيرة يتصور بصورة زان لو تكاملت الشهادة ، وفي هذا من الفضيحة ما ليس في حد الثلاثة .. غير صحيح؟ لأن الحكم في الأمرين واحد ، لأن الثلاثة إذا حدوا يظن بهم الكذب وإن جوز (٥) أن يكونوا صادقين ، والمغيرة لو كملت (٦) الشهادة عليه بالزنا ظن ذلك به مع التجويز لأن يكون (٧) الشهود كذبة ، فليس في أحد الأمرين إلا ما (٨) في الآخر.

__________________

(١) في (س) زيادة : حاله ، قبل : حال زياد ، خط عليها في ( ك‍ ). وفي المصدر : هل حاله في ذلك ..

(٢) في تلخيص الشافي : لجلج.

(٣) في المصدر : دفع ، وهي نسخة بدل في ( ك‍ ).

(٤) في المصدر : دفعه ، وهي نسخة بدل في ( ك‍ ).

(٥) في المصدر : جوزوا.

(٦) في التلخيص : لو كانت.

(٧) جاءت في المصدر : تكون ـ بالتاء ـ.

(٨) لا توجد : ما ، في المصدر.

٦٥٠

وما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من أنه أتي بسارق فقال له : لا تقر. ـ إن كان صحيحا ـ لا يشبه ما نحن فيه ، لأنه ليس في دفع الحد عن السارق ، إيقاع غيره في المكروه ، وقصة المغيرة تخالف ذلك (١) ، لما ذكرناه.

وأما قوله (٢) صلى‌الله‌عليه‌وآله لصفوان : هلا (٣) قبل أن تأتيني به .. فلا يشبه ما نحن فيه ، لأنه بين أن ذلك القول كان يسقط الحد لو تقدم ، وليس فيه تلقين يوجب إسقاط الحدود.

وأما قولهم : إن القذف منهم كان قد (٤) تقدم فغير معروف ، والمروي خلافه ، والظاهر أنه إنما حدهم عند نكول زياد عن الشهادة ، وأن ذلك كان السبب في إيقاع الحد بهم. وتأويلهم لقول عمر : لقد خفت أن يرميني الله بحجارة .. لا يليق بما قالوه ، لأنه يقتضي (٥) التندم والتأسف على تفريط وقع ، ولم يخاف أن يرمى بالحجارة وهو لم يدرأ الحد (٦) عن مستحق له ، ولو أراد الردع والتخويف لمغيرة لأتى بكلام يليق بذلك ولا يقتضي إضافة التفريط إلى نفسه ، وكونه واليا من قبله لا يقتضي أن يدرأ الحد عنه (٧) ويعدل به إلى غيره.

وأما قولهم (٨) : إنا ما كنا نعلم أن زيادا كان يتمم الشهادة .. فقد بينا أن ذلك كان (٩) معلوما بالظاهر ، ومن قرأ ما روي في هذه القصة علم ـ بلا شك ـ أن

__________________

(١) ذلك ، لا توجد في التلخيص.

(٢) في المصدر : فأما.

(٣) في (س) : هل.

(٤) قد ، لا توجد في المصدر و (س).

(٥) في المصدر : لأنه لا يقتضي ، وهو الظاهر.

(٦) في (س) : الحق.

(٧) في ( ك‍ ) زيادة : الحق.

(٨) في المصدر : وقولهم.

(٩) لا توجد : كان ، في تلخيص الشافي.

٦٥١

حال زياد كحال الثلاثة في أنه إنما حضر للشهادة ، وإنما عدل عنها لكلام عمر.

وقولهم : إن الشرع يبيحه السكوت. ليس بصحيح ، لأن الشرع قد حظر كتمان الشهادة.

وقولهم : لم يفسق زياد لأن أمير المؤمنين عليه‌السلام ولاه فارس .. فليس بشيء يعتمد ، لأنه لا يمتنع أن يكون تاب بعد ذلك وأظهر توبته له عليه‌السلام ، فجاز أن يوليه.

وكان بعض أصحابنا يقول في قصة المغيرة شيئا طيبا ـ وهو معتمد في باب الحجة ـ وهو (١) أن زيادا إنما امتنع من التصريح بالشهادة المطلوبة في الزنا ، وقد شهد بأنه شاهده بين شعبها الأربع وسمع نفسا عاليا ، فقد صح على المغيرة بشهادة الأربعة جلوسه منها جلوس مجلس (٢) الفاحشة .. إلى غير ذلك من مقدمات الزنا وأسبابه ، فألا ضم إلى جلد الثلاثة تعزير هذا الذي صح عنده بشهادة الأربعة ما (٣) صح من الفاحشة مثل (٤) تعريك (٥) أذنه أو ما جرى مجراه من خفيف التعزير ويسيره؟! ، وهل في العدول عن ذلك حين عدل (٦) عن لومه وتوبيخه والاستخفاف به إلا ما ذكروه من السبب الذي يشهد الحال به ، انتهى كلامه رفع الله مقامه.

وأقول : اعترض ابن أبي الحديد (٧) وغيره (٨) على هذا الكلام بوجوه سخيفة لا طائل في التعرض لها لوهنها.

__________________

(١) لا توجد : وهو ، في المصدر.

(٢) مجلس : لا توجد في (س) والمصدر.

(٣) في ( ك‍ ) نسخة بدل : من ، بدلا من : ما.

(٤) لا توجد : مثل ، في تلخيص الشافي.

(٥) قال في الصحاح ٤ ـ ١٥٩٩ : عركت الشيء أعركه عركا : دلكته.

(٦) لا توجد : حين عدل ، في المصدر ، وفيه : حتى ، وهو الظاهر.

(٧) في شرحه على النهج : ١٢ ـ ٢٤٤.

(٨) كما في المواقف وشرحها ، والمقاصد وشرحها ، كما سيأتي.

٦٥٢

وقال ابن أبي الحديد (١) ـ في تضاعيف كلامه ـ : ورد في الخبر أن عمر قال للمغيرة : ما أظن أبا بكرة كذب عليك .. وقال : تقديره أظنه لم يكذب عليك ، انتهى.

ولا يخفى أن هذا إسناد معصيته (٢) إلى عمر ، إذ لو لم يكن ذلك قذفا صريحا يوجب الحد فلا أقل يكون تعريضا يوجب التعزير ، بل كذلك قوله : ما رأيتك إلا خفت أن يرميني الله بحجارة من السماء (٣)؟! وهل يقال مثل ذلك لمن ندب الله إلى درء الحد عنه وسمى في كتابه من رماه بالفجور كاذبا؟! ، ولو أراد عمر أن يعظ المغيرة أمكنه أن يذكره عذاب الله ويأمره (٤) بالاجتناب عن ارتكاب مساخطه على وجه لا يوجب قذفا ، ولا يتضمن تعريضا.

ثم إن ما ذكروه أن سبب حبه للمغيرة أنه كان واليا من قبله فلا وجه له ، بل لا يخفى على من تتبع أحوالهما أنه لم يكن الباعث على الحب وعلى جعله واليا إلا الاتفاق في النفاق والاشتراك في بغض أمير المؤمنين عليه‌السلام (٥).

__________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١٢ ـ ٢٣٨ [ ٣ ـ ١٦٢ ].

(٢) كذا ، والظاهر : معصية ـ بلا ضمير ـ.

(٣) الأغاني ١٤ ـ ١٤٧ ، ونقله في شرح النهج لابن أبي الحديد ١٢ ـ ٢٣٨ [ ٣ ـ ١٦٢ ].

(٤) في (س) : يأمر ـ بدون ضمير ـ.

(٥) كان المغيرة في مقدم أناس كانوا ينالون عليا أمير المؤمنين ٧. انظر : رسائل الجاحظ :٩٢ ، والأذكياء : ٩٨ ، ومسند أحمد بن حنبل ١ ـ ١٨٨ ، و ٤ ـ ٣٦٩ ، وغيرها.

قال ابن الجوزي : قدمت الخطباء إلى المغيرة بن شعبة بالكوفة ، فقام صعصعة بن صوحان فتكلم ، فقال المغيرة : أخرجوه ، فأقيموه على المصطبة فيلعن عليا. فقال : لعن الله من لعن الله ولعن علي بن أبي طالب .. إلى آخره.

وذكر إمام الحنابلة في مسنده ٤ ـ ٣٦٩ بإسناده ، قال : نال المغيرة بن شعبة من علي ، فقال زيد ابن أرقم : قد علمت أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان ينهى عن سب الموتى ، فلم تسب عليا وقد مات؟!!. وغيره من روايات الباب هناك.

ويكفي هذا وغيره في إثبات نفاقه أو كفره أو كونه ولد زنا لما ثبت بالنصوص الصريحة المستفيضة من أنه من أبغض عليا (ع) كان أحد هؤلاء الثلاثة.

٦٥٣

كما روي أنه كان من أصحاب الصحيفة الملعونة (١) التي كتبوها لإخراج الخلافة عن أهل البيت عليهم‌السلام ، ولو لم يكن يحبه حبا شديدا فلم كان يتغير عند شهادة كل شاهد على الوجه المتقدم؟! ، مع أن المغيرة لم يكن ذا سابقة في الإسلام ، ومن أهل الورع والاجتهاد حتى يتوهم أنه كان مثل ذلك سببا لحبه ، وبغض المغيرة لأمير المؤمنين عليه‌السلام كان أظهر من الشمس ، وقد اعترف ابن أبي الحديد (٢) بذلك حيث قال : قال أصحابنا البغداديون : من كان إسلامه على هذا الوجه ـ أي على الخوف والمصلحة ـ وكانت خاتمته ما تواتر الخبر به من لعن علي عليه‌السلام على المنابر إلى أن مات على هذا الفعل ، وكان المتوسط من عمره الزنا (٣) ، وإعطاء البطن والفرج سؤالهما ، وممالاة الفاسقين ، وصرف الوقت إلى غير طاعة الله ، كيف نتولاه؟! وأي عذر لنا في الإمساك عنه؟ وأن لا نكشف للناس فسقه ...

وذكر (٤) أخبارا كثيرة في أنه ـ لعنه الله ـ كان يلعن عليا عليه‌السلام على المنبر ويأمر بذلك ، وكذا اشتهاره بالزنا في الجاهلية والإسلام مما اعترف به ابن أبي الحديد (٥) ، فكفى طعنا لعمر حبه لمثل هذا الرجل مثل هذا الحب ، وهل يظن أحد بعمر أنه لم يكن يعلم بغضه لأمير المؤمنين عليه‌السلام ، وقد كان سمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : لا يحب عليا إلا مؤمن ولا يبغضه إلا كافر (٦) منافق (٧)

__________________

(١) قد مرت مفصلا في بحار الأنوار ٢٨ ـ ٨٥ ـ ١٠٠ [ الحجرية كمباني ٨ ـ ١٩ و ٢٣ و ٥٤ ].

(٢) في شرحه على النهج : ٢٠ ـ ١٠ ، وذكر عن الأغاني فيه : كيفية إسلام المغيرة ، فهي حرية بالملاحظة.

(٣) في المصدر : الفسق والفجور ، بدلا من : الزنا.

(٤) في شرح النهج لابن أبي الحديد ٢٠ ـ ١٠.

(٥) انظر : شرحه على النهج ٤ ـ ٦٩ ، و ٦ ـ ٢٨٨ ، وغيرها.

وقد مرت آنفا مصادر أخرى في ذلك ، فراجع.

(٦) لا توجد : كافر ، في (س).

(٧) جاء بألفاظ مختلفة وبأسانيد متعددة ـ والمعنى واحد ـ ، مثل : لا يحب عليا المنافق ولا يبغضه المؤمن. أو بزيادة : ولا يحبه إلا مؤمن. أو قوله (ص) : لا يحبك إلا مؤمن ، ولا يبغضك إلا منافق.

٦٥٤

الطعن السادس :

أنه منع من المغالاة في صدقات النساء ، وقال : من غالى في مهر ابنته أجعله في بيت مال المسلمين (١) ، لشبهة أنه رأى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله زوج فاطمة عليها‌السلام بخمسمائة درهم ، فقامت إليه امرأة ونبهته بقوله تعالى : ( وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً ) (٢) على جواز المغالاة ، فقال : كل الناس أفقه من عمر حتى المخدرات في البيوت (٣).

__________________

ذكر في الغدير ٣ ـ ١٨٣ ـ ١٨٨ أكثر من ثلاثين مصدرا ينتهي إسنادها إلى ابن عباس ، وسلمان ، وأبي ذر ، وحذيفة اليماني ، وأبي ليلى الغفاري ، وغيرهم ، أخرج عنهم جمع كبير من الحفاظ والأعلام ، فراجع.

وأورده الحميدي أبو بكر عبد الله بن الزبير ـ المتوفى سنة ٢١٩ ه‍ ـ في مسنده ١ ـ ٣١ حديث ٥٨ ، والترمذي عن طريق يحيى بن عيسى ٤ ـ ٣٣٢ ، وغيرهما.

وقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أهل البيت (ع) : لا يحبهم إلا سعيد الجد طيب المولد ولا يبغضهم .. الرياض النضرة ٢ ـ ١٨٩ ، وتاريخ بغداد ٣ ـ ٢٨٩.

وقول علي عليه‌السلام : لا يحبني كافر ولا ولد زنا. كما في شرح ابن أبي الحديد ١ ـ ٣٧٣.

(١) جعله في بيت المال جاء بألفاظ شتى وطرق عديدة جدا نذكر جملة منها : الدر المنثور ٢ ـ ١٣٣ ، وسيرة عمر لابن الجوزي : ١٢٩ ، والأذكياء له أيضا : ١٦٢ ، وجمع الجوامع ـ كما في ترتيب السيوطي الكنز ـ ٨ ـ ٢٩٨ ، وسنن البيهقي ٧ ـ ٢٣٣ ، وتفسير القرطبي ٥ ـ ٩٩ ، وتفسير ابن كثير ١ ـ ٤٦٧ ، وحاشية سنن ابن ماجة للسندي ١ ـ ٥٨٣ و ٥٨٤ ، وكشف الخفاء للعجلوني ١ ـ ٢٦٩ و ٢٧٠ و ٢ ـ ١١٨ ، والمستطرف ١ ـ ٧٠ ، وغيرها. وأخرجه الزبير بن بكار في الموفقيات ، وابن عبد البر في جامع العلوم ، كما في مختصره : ٦٦.

(٢) النساء : ٢٠.

(٣) للقصة صور عديدة بألفاظ مختلفة وأسانيد متظافرة متحدة المعنى ، سبق بعضها وسيأتي الآخر ، تجدها في : المسند الكبير لأبي يعلى ، وسنن سعيد بن منصور ، وأمالي المحاملي ، وسيرة عمر لابن الجوزي : ١٢٩ ، وتفسير ابن كثير ١٠ ـ ٤٦٧ عن أبي يعلى ، ومجمع الزوائد للهيثمي ٤ ـ ٢٨٤ ، والدر المنثور للسيوطي ٢ ـ ١٣٣ ، وجمع الجوامع ـ كما في ترتيبه الكنز ـ ٨ ـ ٢٩٨ ، الدرر المنتثرة : ٢٤٣ نقلا عن سبعة من الحفاظ ، وفتح الغدير للشوكاني ١ ـ ٤٠٧ ، وتفسير الكاشف ١ ـ ٣٥٧ ، تفسير القرطبي ٥ ـ ٩٩ ، تفسير النيسابوري في سورة النساء ، وتفسير الخازن ١ ـ ٣٥٣ ، والفتوحات

٦٥٥

__________________

الإسلامية ٢ ـ ٤٧٧ ، والأربعين للرازي : ٤٦٧ ، والتمهيد للباقلاني : ١٩٩ ، وقد جاءت القصة في المصادر كلها مذيلة بقول عمر : كل الناس أفقه من عمر ، وفي بعضها زيادة : حتى النساء ، وفي بعضها الآخر : حتى المخدرات في البيوت.

قال ابن درويش الحوت في أسنى المطالب : ١٦٦ : حديث كل أحد أعلم أو أفقه من عمر ، قاله عمر لما نهى عن المغالاة في الصداق.

وقد جاءت مذيلة بقوله : كل أحد أعلم من عمر ، في : تفسير الكشاف ١ ـ ٣٥٧ ، إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري للعسقلاني ٨ ـ ٥٧ ، تفسير النسفي ـ هامش الخازن ١ ـ ٣٥٣ ، كشف الخفاء ١ ـ ٣٨٨.

كما وقد وردت مع قوله : امرأة أصابت ورجل أخطأ في : الموفقيات للزبير بن بكار ، وجامع العلم لابن عبد البر ـ كما في مختصره : ٦٦ ـ ، سيرة عمر لابن الجوزي : ١٢٩ ، والأذكياء لابن الجوزي : ١٦٢ ، وتفسير القرطبي ٥ ـ ٩٩ ، وتفسير ابن كثير ١ ـ ٤٦٧ ، والدر المنثور ٢ ـ ١٣٣ ، وجمع الجوامع ـ كما في ترتيب السيوطي ـ ٨ ـ ٢٩٨ نقلا عن ابن بكار وابن عبد البر ، وحاشية سنن ابن ماجة للسندي ١ ـ ٥٨٤ ، وكشف الخفاء للعجلوني ١ ـ ٢٦٩ ، ٢٧٠ ، ٣٨٨ و ٢ ـ ١١٨.

وجاءت في تفسير الخازن ١ ـ ٣٥٣ بلفظ عمر : امرأة أصابت وأمير أخطأ.

وأخرجها البيهقي في سننه ٧ ـ ٢٣٣ عن الشعبي ، قال : خطب عمر بن الخطاب الناس فحمد الله وأثنى عليه وقال : ألا لا تغالوا في صداق النساء فإنه لا يبلغني عن أحد ساق أكثر من شيء ساقه رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم أو سبق إليه إلا جعلت فضل ذلك في بيت المال ، ثم نزل.

عرضت له امرأة من قريش ، فقالت : يا أمير المؤمنين! أكتاب الله أحق أن يتبع أو قولك؟.

قال : بل كتاب الله تعالى .. فما ذاك؟.

قالت : نهيت الناس آنفا : أن يغالوا في صداق النساء ، والله تعالى يقول في كتابه : « وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا ».

فقال عمر : كل أحد أفقه من عمر .. مرتين أو ثلاثا. الحديث. وأورده المتقي الهندي في كنز العمال ٨ ـ ٢٩٧ ـ ٢٩٨.

وجاء في بعض المصادر ـ ذيله ـ أنه قال لأصحابه : تسمعوني أقول مثل القول فلا تنكرونه علي حتى ترد علي امرأة ليست من أعلم النساء!. كما في تفسير الكاشف ١ ـ ٣٥٧ ، وشرح صحيح البخاري للقسطلاني ٨ ـ ٥٧ ، وسبقهم السندي في حاشية السنن لابن ماجة ١ ـ ٥٨٣ ، والعجلوني في كشف الخفاء ١ ـ ٢٦٩ ، و ٢ ـ ١١٨ ، وغيرهم. وانظر خيانة الخطيب البغدادي في تاريخه ٣ ـ ٢٥٧.

٦٥٦

وأجيب بأنه لم ينه نهي تحريم بل نهي تنزيه ، وقوله : كل الناس أفقه من عمر .. على طريق التواضع وكسر النفس (١).

وأجاب السيد المرتضى (٢) رضي‌الله‌عنه بأن (٣) : المروي أنه منع من ذلك وحظره حتى قالت له المرأة ما قالت ، ولو كان غير حاظر للمغالاة لما (٤) كان في الآية حجة عليه ، ولا كان لكلام المرأة موقع ، ولا كان يعترف لها بأنها أفقه منه ،

__________________

ومن هذا وغيره يظهر مدى الاستبداد الديني الحاكم والضغط السياسي المتسلط من قبل الخليفة آنذاك ، وإلا فلا يعقل عدم التفات المسلمين لمثل هذا الحكم.

وجمع الحاكم النيسابوري طرق هذه الخطبة لعمر بن الخطاب في جزء كبير ـ كما قاله في المستدرك ٢ ـ ٢٧٧ ـ وقال : تواترت الأسانيد الصحيحة بصحة خطبة أمير المؤمنين! عمر بن الخطاب بذلك ، وأقره الذهبي في تلخيص المستدرك ، وأخرجها الخطيب البغدادي في تاريخه ٣ ـ ٢٥٧ بعدة طرق وصححها ، غير أنه لم يذكر الحديث بتمامه.

وذكره السيوطي في جمع الجوامع ـ كما في الكنز ٨ ـ ٢٩٨ ـ نقلا عن سنن سعيد بن منصور والبيهقي ، ورواه السندي في حاشية سنن ابن ماجة ١ ـ ٥٨٣ ، والعجلوني في كشف الخفاء ١ ـ ٢٦٩ و ٢ ـ ١١٨.

وأخرج الحافظ الطبري في الرياض النضرة في أنه دخل علي عليه‌السلام على عمر ـ وإذا امرأة حبلى تقاد ترجم ـ فقال : ما شأن هذه؟. فقالت : يذهبون ليرجموني .. وفي ذيلها : فقال عمر : كل أحد أفقه مني ـ ثلاث مرات .. وحكاه الحافظ الكنجي في الكفاية : ١٠٥ ، وقال في ذخائر العقبى : ٨١ :. هذه غير تلك ـ أي القصة التي مرت للمرأة الحامل ، لأن اعتراف تلك كان بعد تخويف فلم يصح فلم ترجم ، وهذه رجمت ، كما مر.

وقد ذكر العلامة الأميني ـ رحمه‌الله ـ في الغدير ٦ ـ ٩٥ ـ ٩٩ صورا تسعا من هذه القصة ، وأورد المصادر العديدة ، فراجع. وجاء في العقد الفريد ٣ ـ ٤١٦ : لما قيل له نهاك الله عن التجسس تجسست ، ونهاك عن الدخول بغير إذن فدخلت ، فقال : هاتان بهاتين ، وهو يقول : كل الناس أفقه من عمر.

(١) كما في المغني للقاضي ٢٠ ـ ١٤ ـ القسم الأول ـ.

(٢) الشافي ٤ ـ ١٨٥.

(٣) في المصدر : فهو دفع للعيان ، لأن ..

(٤) في الشافي : ولو كان راغبا عن المغالاة وغير حاظر لها لما ..

٦٥٧

بل كان الواجب عليه (١) أن يرد عليها ويوبخها ويعرفها أنه ما حظر ذلك وإنما تكون الآية حجة عليه لو (٢) كان حاظرا مانعا.

وأما التواضع فلا يقتضي إظهار القبيح وتصويب الخطإ ، إذ (٣) لو كان الأمر على ما توهمه المجيب (٤) لكان (٥) هو المصيب والمرأة مخطئة ، وكيف يتواضع بكلام يوهم أنه المخطئ وهي المصيبة؟ انتهى.

أقول : ومما يدل على بطلان كون هذا (٦) الأمر للاستحباب ما رواه ابن أبي الحديد (٧) في شرح نهج البلاغة أنه خطب فقال : لا يبلغني أن امرأة تجاوز صداقها صداق زوجات رسول الله (٨) صلى الله عليه [ وآله ] إلا ارتجعت ذلك منها ، فقامت إليه امرأة فقالت : والله ما جعل الله ذلك لك (٩) ، إنه تعالى يقول : ( وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً ) ... (١٠) ، فقال عمر : لا تعجبون (١١) من إمام أخطأ وامرأة أصابت ، ناضلت إمامكم فنضلته! (١٢).

والمناضلة : المغالبة في الرمي ، ونضلته .. أي غلبته فيه (١٣) ، فإن كراهة

__________________

(١) لا توجد : عليه ، في المصدر.

(٢) في ( ك‍ ) : ولو.

(٣) في الشافي : الواو ، بدلا من : إذ.

(٤) في المصدر : صاحب الكتاب.

(٥) في (س) : لو كان.

(٦) لا توجد : هذا ، في (س).

(٧) شرح النهج لابن أبي الحديد ١ ـ ١٨٢ [ ١ ـ ٦١ ] ، وأشار إليه في ١٢ ـ ٢٠٨ [ ٣ ـ ٩٦ ] ، وغيرها من الموارد. وقريب منه في تفسير الخازن ١ ـ ٣٥٣ ، وتفسير القرطبي ٥ ـ ٩٩ ، والأربعين للرازي : ٤٦٧ ، والتمهيد للباقلاني : ١٩٩ ، وغيرهم.

(٨) في المصدر : صداق نساء النبي.

(٩) في شرح النهج : فقالت له امرأة : ما جعل لك ذلك.

(١٠) النساء : ٢٠.

(١١) في المصدر : فقال : كل الناس أفقه من عمر حتى ربات الحجال ، ألا تعجبون ، وهو الظاهر.

(١٢) في شرح النهج : فاضلت إمامكم ففضلته.

(١٣) كما في المصباح المنير ٢ ـ ٣١٧ ، وانظر : مجمع البحرين ٥ ـ ٤٨٤ ، والصحاح ٥ ـ ١٨٣١ ،

٦٥٨

المغالاة لا يقتضي جواز الارتجاع ، بل استلزام الحرمة له أيضا محل تأمل.

وقال ابن أبي الحديد (١) ـ أيضا ـ في شرح غريب ألفاظ عمر في حديثه أنه خطب ، فقال : ألا لا تغالوا في صداق النساء ، فإن الرجل يغالي بصداق المرأة حتى يكون ذلك لها في قلبه عداوة ، يقول جشمت إليك عرق القربة (٢).

قال أبو عبيدة : معناه : تكلفت لك حتى عرقت عرق القربة ، وعرقها : سيلان مائها.

وقال الفخر الرازي في تفسيره (٣) : روي أن عمر بن الخطاب (٤) قال على المنبر : ألا لا تغالوا في مهور نسائكم ، فقامت امرأة فقالت : يا ابن الخطاب! الله يعطينا وأنت تمنعنا (٥) ، وتلت (٦) قوله تعالى : ( وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً ) ... (٧)

__________________

والقاموس ٤ ـ ٥٨ ، والنهاية ٥ ـ ٧٢ ، وغيرها.

(١) في شرحه على النهج ١٢ ـ ١٣٤ ـ ١٣٥ بتصرف. وانظر : الفائق ٢ ـ ١٣٥ ، وغيرهما.

(٢) جاء في حاشية ( ك‍ ) حاشية لم يعلم عليها ، ولعل محلها هنا ، وهي : قال الجوهري : قال الأصمعي : يقال : لقيت من فلان عرق القربة ، ومعناه : الشدة ، ولا أدري ما أصله. وقال غيره : العرق إنما هو للرجل لا للقربة. قال : وأصله : أن القرب إنما تحملها الإماء الزوافر ، ومن لا معين له ، وربما افتقر الرجل الكريم واحتاج إلى حملها بنفسه فيعرق لما يلحقه من المشقة والحياء من الناس ، فيقال : تجشمت لك عرق القربة.

وفي النهاية ، في حديث عمر : جشمت إليك عرق القربة .. أي تكلفت إليك وتعبت حتى عرقت كعرق القربة ، وعرقها سيلان مائها.

وقيل : أراد بعرق القربة عرق حاملها من ثقلها.

وقيل : أراد أني قصدتك وسافرت إليك واحتجت إلى عرق القربة وهو ماؤها.

وقيل : أراد تكلفت لك ما لم يبلغه أحد وما لا يكون ، لأن القربة لا تعرق. [ منه ( قدس‌سره ) ].

انظر : الصحاح ٤ ـ ١٥٢٢ ـ ١٥٢٣ ، والنهاية ٣ ـ ٢٢٠ ـ ٢٢١.

(٣) تفسير الفخر الرازي ١٠ ـ ١٣.

(٤) لا توجد في المصدر : بن الخطاب.

(٥) في التفسير : وأنت تمنع.

(٦) في (س) : ثلث ، وفي نسخة جاءت عليها : تلت. وفي المصدر : وتلت هذه الآية.

(٧) النساء : ٢٠.

٦٥٩

الآية ، فقال عمر : كل الناس أفقه منك يا عمر! (١) ، ورجع عن كراهة المغالاة.

ثم قال (٢) : وعندي أن الآية لا دلالة فيها على جواز المغالاة (٣) ، لأنه لا يلزم من جعل الشيء شرطا لآخر (٤) كون ذلك الشرط جائز الوقوع في نفسه ، كما يقول (٥) الرجل : لو كان الإله جسما لكان محدثا ، انتهى.

والظاهر أنه حذف منها ارتجاع المهر دفعا للطعن بذلك ، وليتمكن من حملها على الكراهة ، إلا (٦) أنه مع قطع النظر عنه لا يدفع الطعن ، فإن الآية ـ بعد تسليم دلالتها على جواز إيتاء القنطار ـ لا شك في عدم دلالتها على نفي كراهة المغالاة ، فرجوع عمر عن القول بالكراهة ـ كما اعترف به ـ واعترافه بالخطإ بما تلت (٧) عليه المرأة دليل واضح على جهله ، ولو حمل منعه على التحريم لم يظهر جهله بتلك المثابة ، وإن كان أفحش في مخالفته الشرع ، فظهر أن الحمل على الكراهة ( لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ )

والظاهر من رواية ابن أبي الحديد أنه منع من المغالاة على سبيل الاجتهاد ، لظنه أنه مثمر للعداوة في قلب الزوج ، فرجوعه عن ذلك القول ـ بعد سماع الآية كما دلت عليه الروايات ـ يدل على جواز الاجتهاد في مقابلة النص ، وإلا لما اعترف بالخطإ ولم يرجع عن قوله ، ولو جاز فرجوعه عن اجتهاده (٨) بسماع الآية دليل واضح على جهله ، فظهر توجه الطعن سواء كانت المغالاة مباحة أو محرمة أو مكروهة.

__________________

(١) في تفسير الفخر : أفقه من عمر.

(٢) الفخر الرازي في تفسيره ١٠ ـ ١٣ ـ ١٤.

(٣) هنا سقط جاء في المصدر.

(٤) في التفسير : لشيء آخر.

(٥) في المصدر : الشرط في نفسه جائز الوقوع ، وقد يقول : .. وقبلها سقط جاء فيه ، فلاحظ.

(٦) في ( ك‍ ) : لا.

(٧) الكلمة في المطبوع مشوشة وما أثبتناه أولى ، وقد تقرأ : قلت ، ولا معنى لها.

(٨) في (س) : اجتهاد ، ـ بلا ضمير ـ.

٦٦٠