بحار الأنوار - ج ٣٠

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار - ج ٣٠

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


المحقق: الشيخ عبد الزهراء العلوي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الرضا
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٨
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

كلاما استحسنه عن الخطابي ، وهذا لفظه ، قال ـ بعد تقسيم أهل الردة إلى ثلاثة أقسام ـ : فأما مانعو الزكاة منهم المقيمون على أصل الدين فإنهم أهل بغي ، ولم يسموا على الانفراد منهم كفارا وإن كانت الردة قد أضيفت إليهم لمشاركتهم المرتدين في منع بعض ما منعوه من حقوق الدين ، وذلك أن اسم الردة اسم لغوي ، وكل من انصرف عن أمر كان مقبلا عليه فقد ارتد عنه ، وقد وجد من هؤلاء القوم الانصراف عن الطاعة ومنع الحق وانقطع عنهم اسم الثناء والمدح بالدين ، وعلق بهم الاسم القبيح لمشاركتهم القوم الذين كان ارتدادهم حقا.

ثم قال ـ بعد كلام في تقسيم خطاب الله ـ فإن قيل : كيف تأولت أمر الطائفة التي منعت الزكاة على الوجه الذي ذهبت إليه وجعلتهم أهل بغي؟! وهل إذا أنكرت طائفة من المسلمين في زماننا فرض الصلاة (١) والزكاة وامتنعوا من أدائها يكون حكمهم حكم أهل البغي؟!.

قلنا : لا ، فإن من أنكر فرض الزكاة (٢) في هذا الزمان كان (٣) كافرا بإجماع المسلمين ، والفرق بين هؤلاء وأولئك أنهم إنما (٤) عذروا لأسباب وأمور لا يحدث مثلها في هذا الزمان ، منها : قرب العهد بزمان الشريعة الذي كان يقع فيه تبديل الأحكام بالنسخ ، ومنها : إن القوم كانوا جهالا بأمور الدين وكان عهدهم بالإسلام قريبا فدخلتهم الشبهة فعذروا ، فأما اليوم وقد شاع دين الإسلام

__________________

الدين ... والصنف الآخر : هم الذين فرقوا بين الصلاة والزكاة ، فأقروا بالصلاة وأنكروا فرض الزكاة ووجوب أدائها إلى الإمام ، وهؤلاء على الحقيقة أهل بغي ، وإنما لم يدعوا بها الاسم في ذلك الزمان خصوصا لدخولهم في غمار أهل الردة ، فأضيف الاسم في الجملة إلى الردة ، إذ كان أعظم الأمرين وأهمها ..

(١) في ( ك‍ ) خط على كلمة : الصلاة.

(٢) في (س) بدل الزكاة : الصلاة ، ثم جعل الزكاة نسخة بدل.

(٣) لا توجد : كان ، في (س).

(٤) وضع في ( ك‍ ) على : إنما : رمز نسخة بدل.

٤٨١

واستفاض في المسلمين علم وجوب الزكاة حتى (١) عرفها الخاص والعام واشترك فيهم العالم والجاهل ، فلا يعذر أحد بتأويل يتأوله في إنكارها ، وكذلك الأمر في كل من أنكر شيئا مما أجمعت (٢) الأمة عليه من أمور الدين إذا كان علمه منتشرا كالصلوات الخمس وصوم شهر رمضان والاغتسال من الجنابة وتحريم الزنا والخمر ونكاح ذوات المحارم (٣) ونحوها من الأحكام ، إلا أن يكون رجلا حديث عهد بالإسلام ولا يعرف حدوده ، فإنه إذا أنكر شيئا منها جهلا به لم يكفر وكان سبيله سبيل أولئك القوم في صدق اسم الدين عليه ، فأما ما كان الإجماع فيه معلوما من طريق علم الخاصة كتحريم نكاح المرأة على عمتها وخالتها ، وإن القاتل عمدا لا يرث ، وإن للجدة السدس .. وما أشبه ذلك من الأحكام ، فإن من أنكرها لا يكفر بل يعذر فيها لعدم استفاضة علمها في العامة ونحوه.

قال في شرح الوجيز (٤) في أول كتاب الجنايات : وأما التلازم بين العبادتين في الوجود فأمر لم يدعه السيد ولا حاجة له إلى ادعائها ، وإنما ادعى الملازمة بين اعتقاد وجوب الصلاة وبين التصديق بوجوب الزكاة على الوجه الذي علم من الدين ضرورة ، وخرج منكره عن الإسلام.

والظاهر إن غرضه أن منكر الضروري إنما يحكم بكفره لكون إنكاره ذلك كاشفا عن تكذيب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإنكار نبوته ، لا أن ذلك الإنكار في نفسه علة للحكم بالكفر ، ولذلك لا يحكم بكفر من ادعى شبهة محتملة ، ولو دل دليل على كفر من أنكر ضروريا من الدين (٥) مخصوصا مطلقا لم يحكم (٦)

__________________

(١) لا توجد : حتى ، في (س).

(٢) في ( ك‍ ) : اجتمعت.

(٣) خط في (س) على الألف واللام من كلمة : المحارم.

(٤) شرح الوجيز ، ولم نحصل عليه للتخريج.

(٥) لا توجد في (س) : من الدين.

(٦) في (س) : نحكم.

٤٨٢

بكفره ، لكون ذلك الإنكار من أفراد هذا الأمر الكلي ، بل لقيام ذلك الدليل بخصوصه ، والظاهر أن من أنكر ضروريا من الدين ـ لا لشبهة قادته إلى الإنكار لم ينفك إنكاره ذلك عن (١) إنكار سائر الضروريات ، وتكذيب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وما يشاهد في بعض الناس من نفي بعض الضروريات كحدوث العالم والمعاد الجسماني ونحو ذلك مع الإقرار في الظاهر بنبوة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واعترافهم بسائر الضروريات وما جاء به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فذلك لأحد الأمرين : إما لكونهم ضالين لشبهة اعترتهم فيما زعموه كتوهمهم كون أباطيل بعض الفلاسفة وسائر الزنادقة برهانا يوجب تأويل الأدلة السمعية ونحو ذلك ، أو لكونهم منكرين للنبوة في الباطن ولكن لخوف القتل والمضار الدنيوية لا يتجرءون (٢) على إنكار غير ما كشفوا عن إنكاره من الضروريات ، وأما إظهارهم إنكار ذلك البعض فلارتفاع الخوف في إظهاره لاختلاط عقائد الفلاسفة وغيرهم بعقائد المسلمين بحيث لا تتميز إحداهما عن الأخرى إلا عند من عصمه الله سبحانه ، فمن دخل منهم تحت القسم الأول يشكل الحكم بخروجهم عن الإسلام ، لكون ما أنكروه غير ضروري في حقهم وإن صدق عليه عنوان الضرورة بالنسبة إلى غيرهم ، ولا ينافي ذلك أن يكونوا من أهل الضلال معاقبين على إنكارهم لاستناده إلى تقصير منهم في طلب الحق.

وأما القسم الثاني فخروجهم عن الإسلام لإنكار النبوة ، فظهر أن إنكار أمر ضروري على وجه يوجب الكفر لا ينفك عن إنكار النبوة المستلزم لإنكار سائر الضروريات.

فإن قيل : من أين يعلم أن مالكا وأصحابه لم يكونوا من القسم الثاني ، فلعلهم لم ينكروا الصلاة في الظاهر لأمر دنيوي.

__________________

(١) في (س) : على ، بدلا من : عن.

(٢) في ( ك‍ ) : لا يجترون.

٤٨٣

قلنا : أولا : هذا خلاف ما اعترف به ابن أبي الحديد وقاضي القضاة والخطابي .. وغيرهم (١).

وثانيا : إن مالكا وأصحابه لو كانوا مشفقين من أهل الإسلام أو بقي لهم مطمع فيهم لما أعلنوا بالعداوة ، ولم يريدوا قتال المسلمين كما زعمه الجمهور ، على أنه لا نزاع في إسلامهم قبل ذلك الامتناع ، فقد كان عاملا من قبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على صدقات قومه ـ كما رواه أرباب السير منهم (٢) ـ ، وإذا ثبت إسلامهم وأقروا في الظاهر بسائر الضروريات لم يحكم بكفرهم بمجرد ذلك الامتناع المحتمل للأمرين ، بل لأمر ثالث : وهو أن يكون منعهم مستندا إلى الشح والبخل ، فلم يلزم كفرهم كما ادعاه قاضي القضاة وغيرهم ، ولم يجز (٣) سبي ذراريهم ونسائهم وأخذ أموالهم كما فعلوا وإن جاز قتالهم لأخذ الزكاة لو أصروا على منعها على الوجه الأخير ، بعد أن يكون المتصدي للأخذ مستحقا له.

وأما إذا استند المنع إلى الشبهة فكان الواجب على من تصدى للأخذ (٤) وأراد القتال أن يبدأ (٥) بإزالة شبهتهم ، كما صرح به فقهاؤهم في جمهور أهل البغي.

قال في شرح الوجيز في بحث البغاة من كتاب الجنايات (٦) : لا يبدءون بالقتال حتى يبدءوا وليبعث الإمام أمينا ناصحا يسألهم ما ينقمون ، فإن عللوا امتناعهم بمظلمة أزالها ، وإن ذكروا شبهة كشفها لهم ، وإن لم يذكروا شيئا نصحهم ووعظهم وأمرهم بالعود إلى الطاعة ، فإن أصروا آذنهم بالقتال .. إلى آخر ما قال.

__________________

(١) مرت المصادر قريبا ، فراجع.

(٢) كالطبري في تاريخه ٣ ـ ٢٧٧ ، وابن الأثير في كامله ٢ ـ ٣٥٨ ، وغيرهما في غيرهما.

(٣) قد تقرأ ما في (س) : ولم يخبر ، ولا معنى لها هنا.

(٤) لا توجد جملة : على من تصدى للأخذ ، في (س).

(٥) في ( ك‍ ) : يبدءوا.

(٦) شرح الوجيز ، ولم نحصل عليه.

٤٨٤

فكان على خالد أن يسألهم أولا عن شبهتهم ويبين لهم بطلانها ، ثم إن أصروا على الامتناع والخروج عن الطاعة قاتلهم ، ولم ينقل أحد أن خالدا وأصحابه أزاح لهم علة أو أبطل لهم شبهة ، ولا أنهم أصروا على العصيان ، بل قد سبق (١) في القصة التي رواها السيد وصدقه ابن أبي الحديد (٢) أنهم قالوا : نحن مسلمون ، فأمرهم أصحاب خالد بوضع السلاح ، ولما وضعوا أسلحتهم ربطوهم أسارى ، وكان على أبي بكر أن ينكر على خالد ويوضح سوء صنيعه للناس ، لا أن يلقاه بوجه يخرج من عنده ويستهزئ بعمر ويقول له : هلم إلي يا ابن أم شملة!.

وقد روى كثير من مؤرخيهم ـ منهم صاحب روضة الأحباب (٣) ـ أنه قبض على قائمة سيفه وقال لعمر ذلك.

ولا يذهب على من له نصيب من الفهم أنه لو شم من أبي بكر رائحة من الكراهة أو التهديد لما اجترأ على عمر بالسخرية والاستهزاء ، والأمر في ذلك أوضح من أن يحتاج إلى الكشف والإفصاح ، هذا مع أنه قد اعترف أبو بكر بخطإ خالد ـ كما رواه ابن أبي الحديد (٤) ـ حيث قال : لما قتل خالد مالك بن نويرة ونكح امرأته كان في عسكره أبو قتادة الأنصاري ، فركب فرسه والتحق بأبي بكر ، وحلف أن لا يسير في جيش تحت لواء خالد أبدا ، فقص على أبي بكر القصة ، فقال أبو بكر : لقد فتنت الغنائم العرب ، وترك خالد ما أمرته (٥). فقال عمر : إن عليك أن تقيده بمالك ، فسكت أبو بكر ، وقدم خالد فدخل المسجد وعليه ثياب قد صدئت من الحديد ، وفي عمامته ثلاثة أسهم ، فلما رآه عمر قال : أرياء! يا عدو الله؟ ، عدوت على رجل من المسلمين فقتلته ونكحت امرأته ، أما والله إن أمكنني الله (٦)

__________________

(١) في هذا الطعن صفحة : ٤٧٦.

(٢) شرح نهج البلاغة ١٧ ـ ٢٠٦.

(٣) روضة الأحباب ، انظر : التعليقة رقم (٤) في صفحة (٤٣٢) ، من هذا المجلد.

(٤) شرح ابن أبي الحديد لنهج البلاغة ١ ـ ١٧٩.

(٥) في المصدر : ما أمر به.

(٦) في المصدر زيادة : منك ، بعد لفظ الجلالة.

٤٨٥

لأرجمنك ، ثم تناول الأسهم من عمامته فكسرها ، وخالد ساكت لا يرد عليه ظنا أن ذلك عن أمر أبي بكر ورأيه ، فلما دخل على (١) أبي بكر وحدثه صدقه (٢) فيما حكاه وقبل عذره ، فكان عمر يحرص (٣) أبا بكر على خالد ويشير عليه أن يقتص منه بدم مالك ، فقال أبو بكر : إيها (٤) يا عمر! ما هو بأول من أخطأ! فارفع لسانك عنه (٥)! ثم ودى مالكا من بيت مال المسلمين ، انتهى.

فقوله ما هو بأول من أخطأ! .. صريح في أنه كان مخطئا في زعمه أيضا ، وأما تصديقه وقبول عذره فكان للأغراض الدنيوية ، وإلا فالتنافي بينه وبين قوله : ما هو بأول من أخطأ ، وأداء دية مالك من بيت المال (٦) واضح.

وبالجملة ، لم ينقل أحد من أرباب السير أن أبا بكر أنكر خطأ خالد ، وإنما ذكروا أنه قال : لا أغمد سيفا سله الله على الكفار (٧) ، قيل : وذلك ـ على تقدير صحته ـ ليس إلا تمسكا بخبر موضوع رووه مرسلا عن أبي هريرة الكذاب أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : نعم عبد الله ، خالد سيف من سيوف الله.

وروى ذلك في خبر طويل يلوح من صدره إلى عجزه آثار الوضع (٨) ، والأظهر أنه ليس غرضه التمسك بالخبر ، بل إنما جعله سيفا سله (٩) الله على الكفار لمعاونته له على التسلط على الأخيار.

__________________

(١) خط على كلمة : على ، في (س) ، وكتب عليها : كذا. وفي المصدر بدلا منها : إلى.

(٢) لا توجد كلمة : صدقه ، في (س).

(٣) في شرح النهج : يحرض ـ بالضاد المعجمة ـ.

(٤) قال في الصحاح ٦ ـ ٢٢٢٦ : إيه : اسم سمي به الفعل .. فإذا أسكته وكففته قلت : إيها عنا ، وإذا أردت التبعية قلت : أيها ـ بفتح الهمزة ـ بمعنى هيهات.

(٥) في (س) : عنهم.

(٦) كما ذكره ابن الأثير في كامله ٢ ـ ٣٥٩.

(٧) انظر مثلا : الكامل في التاريخ لابن الأثير ٢ ـ ٣٥٩ ، وتاريخ الطبري ٣ ـ ٢٧٩ ، وغيرهما.

(٨) وجاء في مثل الكامل في التاريخ لابن الأثير ٣ ـ ٣٥٩ ، وتاريخ الطبري ٣ ـ ٢٧٩ ، ويوجد في صحيحي البخاري ومسلم ، كما حكاه عنهما في كتاب الصراط المستقيم ..

(٩) نسخة في ( ك‍ ) : سلطه ، بدلا من : سله.

٤٨٦

وقد (١) ذكر ابن الأثير في الكامل (٢) تبرى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من صنيع خالد ، وأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبخه لكلامه لعبد الرحمن بن عوف ، وأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أرسل أمير المؤمنين عليه‌السلام لإصلاح ما أفسده. كما مر (٣) وسيأتي في أبواب فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام (٤).

وقد اعترف ابن أبي الحديد (٥) بأن خالدا : كان جبارا فاتكا (٦) لا يراقب الدين فيما يحمله عليه غضبه وهوى نفسه.

وقال ابن عبد البر في الإستيعاب (٧) في ترجمة مالك بن نويرة (٨) : قال الطبري (٩) : بعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (١٠) مالك بن نويرة على صدقة بني يربوع ـ وكان قد أسلم هو وأخوه : متمم الشاعر (١١) ـ فقتل خالد مالكا بظن (١٢) أنه ارتد ـ حين وجهه أبو بكر لقتال أهل الردة ـ ، وقد اختلف فيه هل قتله مسلما أو

__________________

(١) وضع على : قد ، رمز نسخة بدل ، في ( ك‍ ).

(٢) الكامل ٢ ـ ٢٥٦ ، ٣ ـ ١٧٣ ـ ١٧٤ و ١٨٠.

(٣) بحار الأنوار ٢١ ـ ١٣٩ ـ ١٤٦ حديث ١ ـ ٧ باب ٢٧ عن أمالي الشيخ الصدوق : ١٠٤ ـ ١٠٥ ، والخصال ٢ ـ ١٥٢ ، وأمالي الشيخ الطوسي : ٣١٧ وغيرها.

(٤) بحار الأنوار ٣٩ ـ ٩٠.

(٥) في شرحه على النهج ١٧ ـ ٢١٤ ، باختلاف يسير.

(٦) الفاتك : الجريء ، والفتك : أن يأتي الرجل صاحبه وهو غار غافل حتى يشد عليه فيقتله ... وفي الحديث : « قيد الإيمان الفتك ، لا يفتك مؤمن » قاله في الصحاح ٤ ـ ١٦٠٢ ، ومثله في النهاية ٣ ـ ٤٠٩ ، إلا أنه ذكر الحديث هكذا : « الإيمان قيد الفتك ». ويحتمل قويا تعدد الرواية عندهما.

(٧) الاستيعاب المطبوع على هامش الإصابة ٣ ـ ٥١٥.

(٨) كذا ، والصحيح : متمم بن نويرة أخوه.

(٩) في تاريخه ٣ ـ ٥٩١.

(١٠) في المصدر : بتقديم وتأخير.

(١١) لا توجد : الشاعر ، في المصدر ، وفيه : قال أبو عمر : أما مالك فقتله خالد بن الوليد ، واختلف فيه هل قتله مرتدا أو مسلما ، وأما متمم فلم يختلف في إسلامه وكان شاعرا محسنا ..

(١٢) في ( ك‍ ) : يظن.

٤٨٧

مرتدا؟ ـ والله ـ أعلم (١) قتله خطأ ، وأما متمم فلا شك في إسلامه ، انتهى (٢).

ومما يدل على سوء صنيع (٣) خالد أن عمر لما نزع الأسهم من رأسه وقال ما قال ، لم يرد عليه ولم ينكره ، وظاهر للمصنف أنه لو كان له عذر ، ولم يكن خائفا لخيانته لأبدى عذره ، ولما صبر على المذلة.

وقد روى أصحابنا (٤) أن مالكا إنما منع أبا بكر الزكاة لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال له ـ لما سأل أن يعلمه الإيمان ـ : هذا وصيي من بعدي ـ وأشار إلى علي بن أبي طالب عليه‌السلام ـ فلما توفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رجع في بني تميم إلى المدينة فرأى أبا بكر على منبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فتقدم إليه ، وقال : من أرقاك هذا المنبر وقد جعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا عليه‌السلام وصيه ، وأمرني بموالاته؟!. فأمر أبو بكر بإخراجه من المسجد ، فأخرجه قنفذ بن عمير وخالد بن الوليد ، ثم وجه أبو بكر خالدا وقال له : لقد علمت ما قال ، ولست آمن أن يفتق علينا فتقا لا يلتئم فاقتله ، فقتله خالد وتزوج بامرأته في ليلته.

ولو تنزلنا عن ذلك وفرضنا أن مالكا وأصحابه كفروا بمنع الزكاة ، فلا ريب في إسلام النساء والذراري ، وليس ارتداد الرجال بمنعهم الزكاة موجبا لكفر النساء والذراري ( وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ) (٥) ، فما العذر في سبي خالد

__________________

(١) في حاشية ( ك‍ ) كتبت : وأراه ، ورمز لها برمز مشوش ، ولم يظهر محله جيدا ، ولعلها نسخة بدل من : أعلم.

(٢) ولاحظ : الإصابة في تمييز الصحابة لابن الحجر العسقلاني ٣ ـ ٣٥٧ برقم ٧٦٩٦ في ترجمة مالك بن نويرة ، وأسد الغابة ٤ ـ ٢٩٥ ، وسيرة ابن هشام ٤ ـ ٢٤٧ ، وسيرة ابن كثير ٣ ـ ٥٩١ ، وغيرها في هذا الموضوع.

(٣) في متن ( ك‍ ) : ضع. والظاهر أنها : صنع ، وجعل فيها : صنيع ، نسخة بدل.

(٤) وقد سلف منا وحكاه عن الفضائل لابن شاذان ، وجاء أيضا في الصراط المستقيم ٢ ـ ٢٨٠ عن البراء عن كتاب الواحدة للشيخ القمي ، وغيره.

(٥) الأنعام : ١٦٤ ، والإسراء : ١٥ ، وفاطر : ١٨ ، والزمر : ٧.

٤٨٨

وإغماض أبي بكر عن غصب الفروج والزنا حتى رد عمر بن الخطاب الأموال والنساء الحوامل إلى أزواجهن؟.

وسيأتي (١) في باب أحوال أولاد أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه لما سبيت الحنفية ـ فيمن سبي ـ ونظرت إلى جمع الناس ، عدلت إلى تربة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فرنت رنة (٢) ، وزفرت (٣) زفرة (٤) وأعلنت بالبكاء والنحيب ، ثم نادت : السلام عليك يا رسول الله صلى الله عليك وعلى أهل بيتك من بعدك ، هؤلاء أمتك سبونا (٥) سبي النوب والديلم ، والله ما كان لنا إليهم من ذنب إلا الميل إلى أهل بيتك ، فجعلت الحسنة سيئة والسيئة حسنة ، فسبينا ، ثم انعطفت إلى الناس وقالت : لم سبيتمونا؟! وقد أقررنا بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله (ص)؟!. قالوا : أمنعتمونا [ منعتمونا ] (٦) الزكاة. قالت : هؤلاء الرجال (٧) منعوكم ، فما بال النساء؟. فسكت المتكلم كأنما ألقم حجرا (٨).

وقد روي (٩) أن أمير المؤمنين عليه‌السلام لما أخذها بعثها إلى أسماء بنت عميس حتى جاء أخوها فتزوجها ، ويظهر بذلك بطلان ما تمسك به بعضهم من أنه لو كان السبي ظلما لما أخذ أمير المؤمنين عليه‌السلام من سبيهم ، ولو كان أمير

__________________

(١) بحار الأنوار ٤٢ ـ ٨٥. وحكاه عن الخرائج ٢ ـ ٥٨٩ ـ ٥٩٣ ، وجاء أيضا فيه ٢ ـ ٥٦٢ ـ ٥٦٥. وفي مدينة المعاجز : ٣٥٠ ، حديث ٩٨ ، وإثبات الهداة ٥ ـ ٩٢ ، حديث ٤٥ ملخصا ، وجاء في البحار ٤١ ـ ٣٠٢ مع فرق يسير.

(٢) رنت المرأة ترن رنينا وأرنت أيضا : صاحت. قاله في الصحاح ٥ ـ ٢١٢٧.

(٣) قال في القاموس ٢ ـ ٣٩ : زفر يزفر زفرا وزفيرا : أخرج نفسه بعد مده إياه. وقال في الصحاح ٢ ـ ٦٧٠ : الزفير : اغتراق النفس للشدة.

(٤) لا توجد كلمة : زفرة في ( ك‍ ) ، ولا في المجلد الثاني والأربعين من البحار المطبوع.

(٥) في الخرائج : سبينا.

(٦) في المصدر : منعتمونا.

(٧) في الخرائج : هب الرجال.

(٨) أي فكأنما جعل الحجر لقمة له ، وهو كناية عن السكوت الناشئ من العجز عن الجواب.

(٩) بحار الأنوار ٤٢ ـ ٨٧ و ٤١ ـ ٣٠٤.

٤٨٩

المؤمنين عليه‌السلام تزوجها لكونها من السبي لردها عمر فيمن رد.

ومن نظر في القصة حق النظر علم أن ما صنعه خالد لم يكن إلا لأخذ الغنيمة والطمع في النساء والذراري وأحقاد الجاهلية.

وقد روى مؤلف روضة الأحباب (١) أنه لما أحضر مالك للقتل جاءت زوجته أم تميم بنت المنهال ـ وكانت من أجمل نساء زمانها ـ فألقت نفسها عليه ، فقال لها : اعزبي عني ، فما قتلني غيرك (٢).

وقال الزمخشري في أساس البلاغة (٣) : أقتله و (٤) عرضه (٥) للقتل كما قال مالك بن نويرة لامرأته حين رآه (٦) خالد بن الوليد : أقتلتني بامرأة (٧)؟ يعني سيقتلني خالد بن الوليد (٨) من أجلك.

وقال ابن الأثير في النهاية (٩) في حديث خالد : إن مالك بن نويرة قال لامرأته يوم قتله خالد : أقتلتني ..؟! أي عرضتني للقتل بوجوب الدفع (١٠) عنك والمحاماة عليك ـ وكانت جميلة تزوجها (١١) خالد بعد قتله.

ثم إن ابن أبي الحديد (١٢) روى عن الطبري (١٣) عذرا لخالد ، وساق الرواية

__________________

(١) روضة الأحباب : .. انظر : التعليقة رقم (٤) في صفحة ٤٣٢ من هذا المجلد.

(٢) وجاء في الإصابة ٣ ـ ٣٥٧ ترجمة ٧٦٩٦.

(٣) أساس البلاغة : ٣٥٤ ، في مادة قتل.

(٤) لا توجد الواو في المصدر : وهو الصحيح.

(٥) في (س) : عوضه ، وهو سهو ظاهرا.

(٦) في المصدر : رآها ، وهو الظاهر ، وفي (س) : رؤيا.

(٧) في أساس البلاغة : يا مرأة ، وهو الظاهر.

(٨) لا توجد في المصدر : بن الوليد.

(٩) النهاية ٤ ـ ١٥.

(١٠) في المصدر : الدفاع ، بدلا من : الدفع.

(١١) في النهاية : وتزوجها.

(١٢) في شرحه على النهج ١٧ ـ ٢٠٥ ـ ٢٠٦ ، وانظر فيه ١ ـ ١٧٩.

(١٣) تاريخ الطبري ٣ ـ ٢٧٨. وجاء في الكامل لابن الأثير ٢ ـ ٣٥٨.

٤٩٠

إلى قوله : فلما اختلفوا فيهم أمر بهم خالد فحبسوا ـ وكانت ليلة باردة لا يقوم لها شيء ـ فأمر خالد مناديا ينادي : أدفئوا أسراءكم .. فظنوا أنه (١) أمر بقتلهم ، لأن هذه اللفظة تستعمل في لغة كنانة في القتل (٢) ، فقتل ضرار بن الأزور مالكا ... وأن (٣) خالد لما سمع الواعية ، خرج وقد فرغوا منهم ، فقال : إذا أراد الله أمرا أصابه .. ، وتزوج خالد زوجته ، وإن أبا قتادة فارقه وقال : هذا عملك ، فغضب عليه أبو بكر ولم يرض إلا أن يرجع إلى خالد.

ويتوجه عليه أنه يدل على بطلانه ما رواه الطبري (٤) وابن الأثير (٥) وغيرهما (٦) من أرباب السير : أن خالدا كان يعتذر عن قتل مالك بأنه كان يقول ـ وهو يراجع الكلام ـ : ما أخال صاحبكم إلا قال : .. كذا.

وقد حكى قاضي القضاة (٧) عن أبي علي أنه : قتل خالد مالكا لأنه أوهم بقوله ذلك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس صاحبا له ، فلو كان قتله ضرار عن غير أمر خالد فأي حاجة له إلى هذا الاعتذار ، فالتعارض بين الاعتذارين واضح ، فتساقطا.

ويدل على بطلانهما أن عمر لما عاتبه وكسر أسهمه لم يعتذر بأني لم أقتل مالكا بل قتله ضرار عن غير أمري ، أو بأنه ارتد عن الدين لقوله : صاحبك .. فلا موضع لإبداء العذر أليق من ذلك ، وهل يجوز عاقل أن يكون لخالد عذر يرى نفسه به بريئا من الإثم والخيانة ، ثم يصبر مع جرأته وتهتكه على ما أصابه عن (٨)

__________________

(١) في المصدر : أنهم.

(٢) في الشرح : للقتل.

(٣) ومن هنا إلى آخره جاء في شرح النهج لابن أبي الحديد ١٧ ـ ٢١٣ ، بتصرف واختصار.

(٤) في تاريخه ٣ ـ ٢٧٩.

(٥) في الكامل ٢ ـ ٣٥٩.

(٦) قد سلفت مصادره قريبا ، فلاحظ.

(٧) في المغني ، الجزء المتمم للعشرين : ٣٥٥.

(٨) كذا ، والظاهر : من ، بدلا من : عن.

٤٩١

عمر من الإهانة والأذى؟!.

ويدل على أن القتل كان بأمر خالد ، أو كان هو القاتل ، قول أبي بكر : تأول فأخطأ.

قال ابن الأثير في الكامل (١) ، قال عمر لأبي بكر : إن سيف خالد فيه رهق وأكثر عليه في ذلك. فقال : يا عمر (٢)! تأول فأخطأ ، فارفع لسانك عن خالد ، فإني لا أشيم (٣) سيفا سله الله على الكافرين ، وودى مالكا وكتب إلى خالد أن يقدم عليه ففعل (٤) ، ودخل المسجد وعليه قباء وقد غرز في عمامته أسهما ، فقام إليه عمر فانتزعها فحطمها (٥) ، وقال له : قتلت امرأ مسلما ثم نزوت على امرأته ، والله لأرجمنك بأحجارك .. وخالد لا يكلمه يظن أن رأي أبي بكر مثله ، ودخل على أبي بكر فأخبره الخبر واعتذر إليه فعذره وتجاوز عنه ، وعنفه في التزويج للذي (٦) كانت عليه العرب من كراهة أيام الحرب ، فخرج خالد وعمر جالس. فقال : هلم إلي يا ابن أم شملة (٧) ، فعرف عمر أن أبا بكر قد رضي عنه فلم يكلمه ، انتهى.

فلو كان القاتل ضرارا لم يكن خالد متأولا ولا مخطئا ، بل كان ضرارا (٨) هو المتأول المخطئ في فهم النداء الذي أمر به خالد من قوله : ادفئوا أسراءكم ، ولا يخفى أن هذا الاعتذار لو كان صحيحا لصار الأمر في تزويج زوجة مالك أفحش ، إذ لو كان حبسه لاختلاف الجيش في أنه وقوم (٩) يصلون أم لا ، ولم يثبت كفره ،

__________________

(١) الكامل ٢ ـ ٢٤٢ ـ ٢٤٣ من الطبعة الثانية ، وفي الأخرى ٢ ـ ٣٥٨ ـ ٣٥٩.

(٢) في المصدر : هيه يا عمر!.

(٣) شمت السيف : أغمدته ، وشمته : سللته ، وهو من الأضداد ، قاله في الصحاح ٥ ـ ١٩٦٣ ، وغيره.

(٤) في (س) : فنعل.

(٥) في المصدر : فنزعها وحطمها.

(٦) في الكامل : الذي ـ بلا لام ـ.

(٧) في المصدر : أم سملة.

(٨) كذا ، والظاهر : ضرار ـ بالرفع ـ.

(٩) خ. ل : وقومه ، وهو الظاهر.

٤٩٢

وقد كان إسلامه سابقا مستصحبا إلى أن يتحقق ما يزيله ـ ولو كان قتله لخطإ ضرار في فهم نداء خالد ـ فزوجته (١) في حكم زوجات سائر المسلمين المتوفى عنهن أزواجهن ، ولا يجوز تزوجها إلا بعد انقضاء عدتها ، فظهر شناعة الجواب الذي حكاه قاضي القضاة (٢) عن أبي علي أو أجاب به من عند نفسه ، وهو أنه إذا قتل الرجل على الردة في دار الكفر جاز التزويج بامرأته (٣) عند كثير من أهل العلم وإن كان لا يجوز وطؤها (٤) إلا بعد الاستبراء.

على أن التزوج بامرأته فجور على أي حال ، لكون المرأة مسلمة وارتداد الزوج لا يصير سببا لحل التزوج بامرأته ، ولا لكون الدار دار الكفر ، سيما إذا كان ارتداده لما اعتذروا به من قوله : صاحبك .. فإن ذلك ارتداد لا يسري إلى غيره من زوجته وأصحابه.

ومن الغرائب أن الشارح الجديد للتجريد (٥) ادعى أن امرأة مالك كانت مطلقة منه وقد انقضت عدتها.

ولا عجب ممن غلب عليه الشقاء ، وسلب الله منه الحياء أن يعتمد في رفع هذا الطعن الفاحش عن إمامه الغوي وعن خالد الشقي بإبداء هذا الاحتمال الذي لم يذكره أحد ممن تقدمه ، ولم يذكر في خبر ورواية ، ولم يعتذر به خالد في جواب تشنيع عمر وطعنه عليه بأنه نزا على زوجة خالد (٦) وتهديده بالرجم للزنا.

ثم أعلن (٧) أن معاتبة عمر وغيظه على خالد في قتل مالك لم يكن مراقبة

__________________

(١) فزوجته ، جواب ل : لو كان ..

(٢) في المغني ، الجزء المتمم للعشرين : ٣٥٥ ـ القسم الأول ـ.

(٣) في المصدر : ذلك ، بدلا من : التزويج بامرأته.

(٤) في المغني : أن يطأها.

(٥) شرح التجريد للقوشجي : ٣٧٣ ـ الحجرية ـ.

(٦) كذا ، والظاهر : مالك.

(٧) شرح التجريد للقوشجي : ٣٧٣ ـ الحجرية ـ ، وعبارته هكذا : وإنكار عمر عليه لا يدل على قدحه في إمامة أبي بكر ولا على قصده إلى القدح فيها ، بل إنما أنكر ، كما ينكر بعض المجتهدين على بعض.

٤٩٣

للدين ورعاية لشريعة سيد المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإنما تألم من قتله لأنه كان حليفا له في الجاهلية ، وقد عفا عن خالد لما علم أنه هو قاتل سعد بن عبادة.

روي عن بعض أصحابنا ، عن أهل البيت عليهم‌السلام أن عمر استقبل (١) في خلافته خالد بن الوليد يوما في بعض حيطان المدينة ، فقال له : يا خالد! أنت الذي قتل مالكا؟. فقال : يا أمير المؤمنين! إن كنت قتلت مالك بن نويرة لهنات كانت بيني وبينه فقد قتلت لكم سعد بن عبادة لهنات كانت بينكم وبينه ، فأعجب عمر قوله وضمه إلى صدره ، وقال له : أنت سيف الله وسيف رسوله (ص)!.

وجملة القصة (٢) ، أن سعد بن عبادة لما امتنع من بيعة أبي بكر يوم السقيفة وأراد المبايعون لأبي بكر أن يطالبوه بالبيعة ، قال لهم قيس بن سعد : إني ناصح لكم فاقبلوا مني. قالوا : وما ذاك؟. قال : إن سعدا قد حلف أن لا يبايعكم ، وهو إذا حلف فعل ، ولن يبايعكم حتى يقتل ، ولن يقتل حتى يقتل معه ولده وأهل بيته ، ولن يقتلوا حتى يقتل الأوس كلها ، ولن يقتلوا حتى يقتل الخزرج ، ولن يقتل الأوس والخزرج حتى يقتل اليمن ، فلا تفسدوا عليكم أمرا قد كمل واستتم لكم ، فقبلوا منه ولم يتعرضوا لسعد.

ثم إن سعدا خرج من المدينة إلى الشام ، فنزل في قرى غسان من بلاد دمشق ـ وكان غسان من عشيرته ، وكان خالد يومئذ بالشام ، وكان ممن يعرف بجودة الرمي ، وكان معه رجل من قريش موصوف بجودة الرمي ـ فاتفقا على قتل سعد بن عبادة لامتناعه من البيعة لقريش ، فاستترا ليلة بين شجر وكرم ، فلما مر بهما في مسيره رمياه بسهمين ، وأنشدا بيتين من الشعر ونسباهما إلى الجن :

__________________

(١) في (س) : إن عمرا مستقبل. أقول : إن الألف في : عمرا زائدة.

(٢) كما أوردها مفصلا الطبري في تاريخه ٣ ـ ١٩٨ ، ٢٠٠ ، ٢٠٧ ، ٢١٠ ، وانظر : ما جاء في مسند أحمد بن حنبل ١ ـ ٤٠٥ ، وطبقات ابن سعد ٢ ـ ١٢٨ ، وغيرها.

٤٩٤

نحن قتلنا سيد الخزرج

سعد بن عباده

ورميناه بسهمين

فلم نخط فؤاده

فظنت العامة أن الجن قتلوه ، فكان قول خالد لعمر كشفا لما استتر على الناس في تلك الواقعة ، ومثل هذه الرواية ـ إن لم تنهض بانفرادها حجة على المخالفين لكونها من روايات أصحابنا ـ إلا (١) أن سكوت عمر عن خالد أيام خلافته وترك الاقتصاص منه مع قوله في خلافة أبي بكر : لئن وليت الأمر لأقيدنك به ، قرينة واضحة على صحتها ، ومع قطع النظر عن تلك الرواية فلا ريب في المناقضة بين هذا السكوت وذلك القول ، فظهر أن له أيضا من قداح هذا القدح (٢) سهم ، ومن نصال هذا الطعن نصيب.

الطعن السادس :

إن أبا بكر قال ـ مخبرا عن نفسه ـ : إن لي شيطانا يعتريني ، فإن استقمت فأعينوني وإن زغت فقوموني .. (٣).

__________________

(١) في (س) : إلى ، وهو خلاف الظاهر.

(٢) أي له من أسهم هذا الطعن سهم وكذا ما بعده.

(٣) أقول : وردت هذه القصة بألفاظ مختلفة في موارد متعددة نذكر بعضها ونختمها بجملة من المصادر.

فمنها : قد وليت أمركم ولست بخيركم ، فإن أحسنت فأعينوني وإن زغت فقوموني ـ كما جاء في لفظ ابن الجوزي في الصفوة ـ.

ومنها : إني وليت عليكم ولست بخيركم ، فإن رأيتموني على الحق فأعينوني ، وإن رأيتموني على الباطل فسددوني ـ كما في طبقات ابن سعد ٣ ـ ١٥١ [ ٣ ـ القسم الأول ـ ١٣٩ ].

ومنها : ألا وإنما أنا بشر ولست بخير من أحد منكم فراعوني ، فإذا رأيتموني استقمت فاتبعوني ، وإن رأيتموني غضبت فاجتنبوني ، لا أوثر في أشعاركم وأبشاركم ـ كما في الطبقات أيضا ـ والإمامة والسياسة ١ ـ ١٦ ، وتاريخ الطبري ٣ ـ ٢١٠ ، وغيرها.

ومنها : أما والله ما أنا بخيركم ، ولقد كنت لمقامي هذا كارها ، ولوددت أن فيكم من يكفيني ، أفتظنون أني أعمل فيكم بسنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟! إذن لا أقوم بها ، إن رسول الله كان

٤٩٥

ولا يصلح للإرشاد من يطلب الرشاد.

وقال : أقيلوني فلست بخيركم ..

ولا يحل للإمام الاستقالة من البيعة.

وأجاب قاضي القضاة في المغني (١) ناقلا عن شيخه أبي علي أن إخباره عن نفسه بما أخبر لو كان نقصا فيه لكان قوله تعالى في آدم وحواء : ( فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ ) (٢) (٣) ، وقوله : ( فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ ) (٤) ، وقوله تعالى : ( وَما أَرْسَلْنا مِنْ

__________________

يعصم بالوحي وكان معه ملك ، وإن لي شيطانا يعتريني ، فإذا غضبت فاجتنبوني ..

انظر : مسند أحمد بن حنبل ١ ـ ١٤ ، مجمع الزوائد للهيثمي ٥ ـ ١٨٣ ، الإمامة والسياسة ١ ـ ١٦ [ صفحة : ٦ ، ضمن خطبة أبي بكر ] ، والصفوة ١ ـ ٩٩ ، المجتبى لابن دريد : ٢٧ ، عيون الأخبار لابن قتيبة ٢ ـ ٢٣٤ ، كنز العمال ٣ ـ ١٢٦ ، ١٣٥ و ١٣٦. قال : رواه الطبراني في الأوسط ، الرياض النضرة ١ ـ ١٦٧ و ١٧٧ ، تاريخ الطبري ٣ ـ ٢٠٣ و ٢١٠ ، تاريخ ابن كثير ٥ ـ ٢٤٧ ، تاريخ الخلفاء : ٤٧ ـ ٤٨ ، تاريخ ابن جرير ٢ ـ ٤٤٠ ، تاريخ اليعقوبي ٢ ـ ١٠٧ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١ ـ ١٣٤ و ٣ ـ ٨ و ١٤ ، ٤ ـ ١٦٧ [ الطبعة ذات أربعة مجلدات ] ، سيرة ابن هشام ٤ ـ ٣٤٠ ، السيرة الحلبية ٣ ـ ٣٨٨ ، تهذيب الكامل ١ ـ ٦ ، إعجاز القرآن : ١١٥ ، العقد الفريد ٢ ـ ١٥٨ ، وغيرها من مصادر العامة ، ولاحظ : الطرائف ٢ ـ ٤٠٢ ، والفصول المختارة من العيون والمحاسن : ٧ و ١٩٧ ، والصراط المستقيم ٢ ـ ٢٩٤ ـ ٢٩٦ و ٣٠٠ ، وكشف المحجة : ٦٧ ، والغدير ٢ ـ ٤٢ و ٧ ـ ١٠٤ و ١٠٥ و ١٠٨ و ١١٨ ..

ومن هذا الباب ما جاء منه في الجواب عن الكلالة : إني سأقول فيها برأي فإن يكن صوابا فمن الله ، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان ، والله ورسوله بريئان منه.

أخرجه سعد بن منصور الدارمي في سننه ٢ ـ ٣٦٥ ، وابن جرير الطبري في تفسيره ٦ ـ ٣٠ ، وابن المنذر البيهقي في سننه الكبرى ٦ ـ ٢٢٣ ، وحكى عنهم السيوطي في الجامع الكبير ـ كما في ترتيبه ـ ٦ ـ ٢٠ ، وذكره ابن كثير في تفسيره ١ ـ ٢٦٠ ، والخازن في تفسيره ١ ـ ٣٦٧ ، وابن القيم في أعلام الموقعين : ٢٩ ، كما نقله العلامة الأميني ـ ; ـ في غديره ٧ ـ ١٠٤ ـ ١٠٥.

(١) المغني ، الجزء المتمم للعشرين : ٣٣٨ ـ ٣٣٩ ـ القسم الأول ـ.

(٢) في المصدر : إليه ، وهو غلط.

(٣) الأعراف : ٢٠.

(٤) البقرة : ٣٦.

٤٩٦

قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذا تَمَنَّى ) ... (١) الآية ، يوجب النقص في الأنبياء عليهم‌السلام ، وإذا لم يجب ذلك فكذلك (٢) ما وصف به أبو بكر نفسه ، وإنما أراد أن عند الغضب يشفق من المعصية ويحذر منها ، ويخاف (٣) أن يكون الشيطان يعتريه في تلك الحال فيوسوس إليه ، وذلك منه على طريق الزجر لنفسه عن المعاصي.

وقد روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه ترك مخاصمة الناس في حقوقه إشفاقا من المعصية ، وكان يولي ذلك عقيلا ، فلما أسن عقيل كان يوليها (٤) عبد الله بن جعفر رحمه‌الله.

قال : فأما ما روي في إقالة البيعة فهو خبر ضعيف ، وإن صح فالمراد به التنبيه على أنه لا يبالي لأمر يرجع إليه أن يقيله الناس (٥) البيعة ، وإنما يضرون بذلك أنفسهم ، فكأنه نبه بذلك على أنه غير مكره لهم ، وأنه قد خلاهم وما يريدون إلا أن يعرض ما يوجب خلافه ، وقد روي أن أمير المؤمنين عليه‌السلام أقال عبد الله بن عمر البيعة حين استقاله.، والمراد بذلك على أنه تركه وما يختاره ولم يكرهه (٦).

وأورد عليه السيد المرتضى رضي‌الله‌عنه في الشافي (٧) بأن قول أبي بكر : وليتكم ولست بخيركم ، فإن استقمت فاتبعوني ، وإن اعوججت فقوموني ، فإن

__________________

(١) الحج : ٥٢.

(٢) في المغني : فكيف.

(٣) في المصدر : ويجوز منها ويخشى.

(٤) في المغني : فلما أيس عقيل منها كان يوليها.

(٥) في المصدر : لأمر إن يرجع إليه أن يستقيله الناس ..

(٦) في المصدر : وما يختار من التأخير وغير ذلك ، بدلا من : وما يختاره ولم يكرهه.

انظر : المغني ٢١ ـ ٣٣٨ ـ ٣٣٩ ، باختلاف يسير.

(٧) الشافي : ٤١٥ ـ ٤١٦ الحجرية [ ٤ ـ ١٢١ ـ ١٢٤ ].

٤٩٧

لي شيطانا يعتريني عند غضبي ، فإذا رأيتموني مغضبا فاجتنبوني لا أوثر في أشعاركم ولا أبشاركم .. (١) يدل (٢) على أنه لا يصلح للإمامة من وجهين :

أحدهما : أن هذه صفة من ليس بمعصوم ولا يأمن الغلط على نفسه ، ومن يحتاج إلى تقويم رعيته له إذا واقع المعصية ، وقد بينا أن الإمام لا بد أن يكون معصوما مسددا موفقا.

والوجه الآخر : أن هذه صفة من لا يملك نفسه ، ولا يضبط غضبه ، ومن هو في نهاية الطيش والحدة ، والخرق والعجلة ، ولا خلاف في (٣) أن الإمام يجب أن يكون منزها عن هذه الأوصاف غير حاصل عليها ، وليس يشبه قول أبي بكر ما تلاه من الآيات كلها ، لأن أبا بكر خبر عن نفسه بطاعة الشيطان عند الغضب ، وأن عادته بذلك جارية ، وليس هذا بمنزلة من يوسوس له الشيطان ولا يطيعه ، ويزين له القبيح فلا يأتيه ، وليس وسوسة الشيطان قبحا (٤) بعيب على الموسوس له إذا لم يستزله ذلك عن الصواب ، بل هو زيادة في التكليف ووجه يتضاعف معه الثواب.

وقوله تعالى : ( أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ) (٥) قيل معناه : في تلاوته ، وقيل :في فكرته على سبيل الخاطر ، وأي الأمرين كان فلا عار في ذلك على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا نقص ، وإنما العار والنقص على من يطيع الشيطان ويتبع ما يدعو

__________________

(١) أي لا أترك أثرا في أشعاركم بالنتف ولا في أبشاركم بالجرح ، وهو نوع كناية عن التجاوز والجور.

وقد جاء في الصواعق المحرقة : ٣٠ ، وبلفظ : أقيلوني في صفحة : ٥٠ ، ورياض النضرة ١ ـ ١٧٥ ، والإمامة والسياسة ١ ـ ١٤.

وعبارة ابن قتيبة في صفحة : ١٦ هكذا : لا حاجة لي في بيعتكم أقيلوني .. ثم قال : واحتجب عن الناس ثلاثة يشرف كل يوم يقول : أقلتكم بيعتي.

وقد سبق منا مصادر جمة في أول هذا الطعن ولا حاجة إلى الإعادة ، فراجع.

(٢) في المصدر : فإنه يدل ..

(٣) لا توجد في الشافي كلمة : في.

(٤) لا توجد : قبحا ، في المصدر.

(٥) الحج : ٥٢.

٤٩٨

إليه ، وليس لأحد أن يقول هذا ـ إن سلم لكم في جميع الآيات ـ لم يسلم لكم في قوله تعالى (١) : ( فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ ) (٢) لأنه قد خبر عن تأثير غوايته ووسوسته بما كان منهما من الفعل ، وذلك لأن المعنى الصحيح في هذه الآية أن آدم وحواء كانا مندوبين إلى اجتناب الشجرة وترك التناول منها ، ولم يكن ذلك عليهما واجبا لازما ، لأن الأنبياء عليهم‌السلام لا يخلون بالواجب ، فوسوس لهما الشيطان حتى تناولا من الشجرة فتركا مندوبا إليه ، وحرما بذلك أنفسهما الثواب وسماه (٣) : إزلالا ، لأنه حط لهما عن درجة الثواب ، وفعل الأفضل.

وقوله تعالى في موضع آخر : ( وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى ) (٤) لا ينافي هذا المعنى ، لأن المعصية قد يسمى بها من أخل بالواجب والندب ، وقوله : ( فَغَوى ) .. أي خاب من حيث لم يستحق الثواب على ما ندب إليه ، على أن صاحب المغني (٥) يقول : إن هذه المعصية من آدم كانت صغيرة لا يستحق بها عقابا ولا ذما ، فعلى مذهبه ـ أيضا ـ يكون (٦) المفارقة بينه وبين أبي بكر ظاهرة ، لأن أبا بكر خبر عن نفسه أن الشيطان يعتريه حتى يؤثر في الأشعار والأبشار ، ويأتي ما يستحق به التقويم ، فأين هذا من ذنب صغير لا ذم و (٧) لا عقاب عليه؟ وهو يجري من وجه من الوجوه مجرى المباح ، لأنه لا يؤثر في أحوال فاعله وحط رتبته ، وليس يجوز أن يكون ذلك منه على سبيل الخشية والإشفاق على ما ظن ، لأن مفهوم خطابه يقتضي خلاف ذلك ، ألا ترى أنه قال : إن لي شيطانا يعتريني ، وهذا قول من قد عرف عادته ، ولو كان على سبيل الإشفاق والخوف لخرج غير هذا المخرج ، ولكان يقول

__________________

(١) لا توجد : تعالى ، في المصدر.

(٢) البقرة : ٣٦.

(٣) في المصدر : وسمي ـ بلا ضمير ـ.

(٤) طه : ١٢١.

(٥) في الشافي : صاحب الكتاب.

(٦) في المصدر : تكون.

(٧) لا توجد الواو في (س).

٤٩٩

فإني لا آمن من كذا .. وإني لمشفق منه.

فأما ترك أمير المؤمنين عليه‌السلام مخاصمة الناس (١) ، فإنما كان تنزها وتكرما ، وأي شبه بين ذلك وبين من صرح وشهد على نفسه بما لا يليق بالأئمة؟!.

وأما خبر استقالة البيعة وتضعيف صاحب المغني (٢) له فهو ـ أبدا ـ يضعف ما لا يوافقه من غير حجة يعتمدها في تضعيفه.

وقوله : إنه ما استقالها (٣) على التحقيق وإنما نبه على أنه لا يبالي بخروج الأمر عنه ، وإنه غير مكره لهم عليه .. فبعيد عن الصواب (٤) ، لأن ظاهر قوله : أقيلوني .. أمر بالإقالة ، وأقل أحواله أن يكون عرضا لها أو بذلا ، وكلا الأمرين قبيح. ولو أراد ما ظنه لكان له في غير هذا القول مندوحة (٥) ، ولكان يقول : إني ما أكرهتكم ولا حملتكم على مبايعتي ، وما كنت أبالي أن لا يكون هذا الأمر في ، ولا إلي ، وإن مفارقته لتسرني (٦) لو لا ما ألزمنيه الدخول فيه من التمسك به ، ومتى عدلنا عن ظواهر الكلام (٧) بلا دليل جر ذلك علينا ما لا قبل لنا به.

فأما أمير المؤمنين عليه‌السلام فإنه لم يقل ابن عمر البيعة بعد دخوله فيها ، وإنما استعفاه من أن يلزمه البيعة ابتداء فأعفاه (٨) ، علما بأن إمامته لا تثبت بمبايعة من يبايعه عليها ، فأين هذا من (٩) استقالة بيعة قد تقدمت واستقرت ، انتهى كلامه رفع الله مقامه.

__________________

(١) في المصدر زيادة : في حقوقه ، بعد : الناس.

(٢) في المصدر : صاحب الكتاب.

(٣) في الشافي : ما استقال ـ بلا ضمير ـ.

(٤) جاء في المصدر : من الصواب.

(٥) في (س) : مندرجة. وهو سهو ظاهرا.

(٦) في الشافي : تسرني ـ بلا لام ـ.

(٧) لا توجد : الكلام ، في (س).

(٨) في المصدر زيادة : قلة فكر فيه ، بعد : فأعفاه.

(٩) لا توجد : من ، في (س).

٥٠٠