بحار الأنوار - ج ٣٠

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار - ج ٣٠

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


المحقق: الشيخ عبد الزهراء العلوي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الرضا
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٨
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

وأنت بعد الاطلاع على ما سيأتي من أخبار الجانبين في ذلك لا ترتاب في أن ذلك الإنكار ليس إلا للجهل الكامل بالآثار ، وللتعصب المفرط المنبئ عن خلع الغدار (١) ، وقد اعترف قاضي القضاة (٢) ببطلان ذلك الإنكار لإقرار الثقات من علمائهم بعزله وشهادة الأخبار به.

وقال ابن أبي الحديد (٣) : روى طائفة عظيمة من المحدثين أنه لم يدفعها إلى أبي بكر ، لكن الأظهر الأكثر أنه دفعها إليه ثم أتبعه بعلي عليه‌السلام فانتزعها منه. انتهى.

ولم نظفر في شيء من رواياتهم بما يدل على ما حكاه ، وكان الأنسب أن يصرح بالكتاب والراوي حتى لا يظن به التعصب والكذب.

وأما حديث النسخ ، فأول ما فيه إنا لا نسلم عدم جوازه ، وقد جوزه جمهور الأشاعرة وكثير من علماء الأصول ، سلمناه لكن لا نسلم أمره صلوات الله عليه أبا بكر بتبليغ الآيات ، ولعله أمره بحملها إلى ورود أمر ثان ، أو تبليغها لو لم يرد أمر بخلافه ، ولم يرد في الروايات أمر صريح منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتبليغ أبي بكر إياها مطلقا ، وورود النهي عن التأدية لا يدل على سبق الأمر بها ككثير [ من ] النواهي ، ولئن سلمنا ذلك لا نسلم كون الأمر مطلقا ـ وإن لم يذكر الشرط ـ ، لجواز كونه منويا وإن لم تظهر الفائدة.

فإن قيل : فأي فائدة في دفع السورة إلى أبي بكر وهو لا يريد أن يؤديها ، ثم ارتجاعها؟ وهلا دفعها ابتداء إلى (٤) علي عليه‌السلام؟.

قلنا : الفائدة ظهور فضل أمير المؤمنين عليه‌السلام ومزيته ، وأن الرجل الذي نزعت منه السورة لا يصلح له ، وقد وقع التصريح بذلك في بعض الأخبار

__________________

(١) الكلمة مشوشة في (س).

(٢) في كتابه المغني ـ الجزء المتمم للعشرين ـ : ٣٥٠ ، وقد ذكره عنه في الشافي ٤ ـ ١٥٣.

(٣) في شرحه على نهج البلاغة ١٧ ـ ٢٠٠ ، بتصرف واختصار.

(٤) في (س) : على ، بدلا من : إلى.

٤٢١

وإن كان يكفينا الاحتمال.

ومنها : ما اعتذر به الجبائي (١) ، قال : لما كانت عادة العرب أن سيدا من سادات قبائلهم إذا عقد عهدا لقوم فإن ذلك العقد لا ينحل إلا أن يحله هو أو بعض سادات قومه ، فعدل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن أبي بكر إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام حذرا من أن لا يعتبروا نبذ العهد من أبي بكر لبعده في النسب.

وتشبث به جل من تأخر عنه ، كالفخر الرازي (٢) ، والزمخشري (٣) والبيضاوي (٤) وشارح التجريد (٥) .. وغيرهم (٦).

ورد عليهم أصحابنا (٧) بأن ذلك كذب صريح وافتراء على أصحاب الجاهلية والعرب ، ولم يعرف في زمان من الأزمنة أن يكون الرسول ـ سيما لنبذ العهد ـ من سادات القوم وأقارب العاقد ، وإنما المعتبر فيه أن يكون موثوقا به ، مقبول القول ولو بانضمام قرائن الأحوال ، ولم ينقل هذه العادة من العرب أحد من أرباب السير ورواة الأخبار ، ولو كانت موجودة في رواية أو كتاب لعينوا موضعها ، كما هو الشأن في مقام الاحتجاج.

وقد اعترف ابن أبي الحديد (٨) بأن ذلك غير معروف عن عادة العرب ، وإنما

__________________

(١) كما في المغني ، الجزء المتمم للعشرين : ٣٥١ ، وحكاه في الشافي ٤ ـ ١٥٥ ، وأجاب عنه.

(٢) في تفسيره ١٥ ـ ٢١٨.

(٣) في كشافه ٢ ـ ١٧٢.

(٤) في تفسيره ١ ـ ٤٠٥ في سورة البراءة.

(٥) شرح التجريد : ٣٧٢ ـ الحجرية ـ.

(٦) مثل ابن كثير في تفسيره ٢ ـ ٣٤٥ ، والقرطبي في جامع أحكام القرآن ٨ ـ ٦١ ، وصاحب تفسير بحر المحيط ٥ ـ ٧ ، وغيرهم.

(٧) قد مرت مصادر متعددة ، ونذكر هنا مثالا : الشافي ٤ ـ ١٥٠ ، والصراط المستقيم ٢ ـ ٦ ، وتلخيص الشافي ٢ ـ ٢٣٣.

(٨) في شرحه على نهج البلاغة ١٧ ـ ٢٠٠ بتصرف ، وقال قبله : فالذي قاله المرتضى أصح وأظهر.

٤٢٢

هو تأويل تأول به متعصبو أبي بكر لانتزاع البراءة منه ، وليس بشيء. انتهى.

ومما يدل على بطلانه ، أنه لو كان ذلك معروفا من عادة العرب لما خفي على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى بعث أبا بكر ، ولا على أبي بكر وعمر العارفين بسنن الجاهلية الذين يعتقد المخالفون أنهما كانا وزيري رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنه كان لا يصدر عن شيء ولا يقدم على أمر إلا بعد مشاورتهما واستعلام رأيهما ، ولو كان بعث أمير المؤمنين عليه‌السلام استدراكا لما صدر عنه على الجهل بالعادة المعروفة أو الغفلة عنها ، لقال الله له : اعتذر إلى أبي بكر ، وذكره عادة الجاهلية حتى لا يرجع خائفا يترقب نزول شيء فيه ، أو كان يعتذر إليه بنفسه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد رجوعه ، بل لو كان كذلك فما غفل عنها الحاضرون من المسلمين حين بعثه والمطلعون عليه ، ولا احتاج صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الاعتذار بنزول جبرئيل لذلك من عند الله تعالى.

وقال ابن أبي الحديد (١) ـ في مقام الاعتذار ، بعد رد اعتذار القوم بما عرفت ـ : لعل السبب في ذلك أن عليا عليه‌السلام من بني عبد مناف ، وهم جمرة (٢) قريش بمكة ، وعلي أيضا شجاع لا يقام له ، وقد حصل في صدور قريش منه (٣) الهيبة الشديدة والمخافة العظيمة ، فإذا حصل مثل هذا الشجاع البطل وحوله من بني عمه من (٤) هم أهل العز والقوة والحمية ، كان أدعى إلى نجاته من قريش وسلامة نفسه ، وبلوغ الغرض من نبذ العهد على يده.

ولا يخفى عليك أنه تعليل عليل ، إذ لو كان بعث أمير المؤمنين عليه‌السلام باجتهاد منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان الغرض سلامة من أرسل لتبليغ

__________________

(١) في شرحه على النهج ١٧ ـ ٢٠٠.

(٢) قال في النهاية ١ ـ ٢٩٢ : وبنو فلان جمرة : إذا كانوا أهل منعة وشدة .. والجمرة : اجتماع القبيلة على من ناواها.

(٣) لا توجد : منه ، في (س).

(٤) في المصدر : و، بدلا من : من.

٤٢٣

الآيات ونجاته كان الأحرى أن يبعث عمه العباس أو عقيلا أو جعفرا أو غيرهم من بني هاشم ممن لم يلتهب في صدور المشركين نائرة حقده لقتل آبائهم وأقاربهم ، لا من كانوا ينتهزون الفرصة لقتله والانتقام منه بأي وجه كان ، وحديث الشجاعة لا ينفع في هذا المقام ، إذ كانت آحاد قريش تجترئ عليه صلوات الله عليه في المعارك والحروب ، فكيف إذا دخل وحده بين جم غفير من المشركين؟!.

وأما من جعله من الدافعين الذابين عنه عليه‌السلام من أهل مكة فهم كانوا أعاظم أعاديه وأكابر معانديه ، وأيضا لو كان الغرض ذلك (١) لكان الأنسب أن يجعله أميرا على الحاج كما ذهب إليه قوم من أصحابنا ، لا كما زعموه من أنه لم يعزل أبا بكر عن الإمارة بل جعله مأمورا بأمره ، كما مر.

بل نقول : الأليق بهذا الغرض بعث رجل حقير النفس خامل الذكر في الشجاعة من غير الأقارب حتى لا يهموا بقتله ، ولا يعدوا الظفر عليه انتقاما وثأرا لدماء من قتل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من عشيرتهم وذوي قراباتهم ، مع أنه لم تجر العادة بقتل من بعث إلى قوم لأداء رسالة ، لا سيما إذا كان ميتا في الأحياء ، غير معروف إلا بالجبن والهرب ، وكيف لم يستشعر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك الذي ذكره حتى أرسل أبا بكر ثم عزله؟! وكيف اجترأ أبو بكر حتى عرض نفسه للهلكة مع شدة جبنه؟! وكيف غفل عنه عمر بن الخطاب ـ الوزير بزعمهم المشير في عظائم الأمور ودقائقها ـ مع شدة حبه لأبي بكر؟ ولو كان الباعث ذلك لأفصح عن ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو غيره بعد رجوع أبي بكر أو قبله كما سبق التنبيه على مثله ، هذا مع كون تلك التعليلات مخالفة لما صرح به الصادقون ، الذين (٢) هم أعرف بمراد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ابن أبي الحديد والجبائي ومن اقتفى أثرهما.

__________________

(١) في ( ك‍ ) : منه ، نسخة بدل : من ذلك.

(٢) في (س) : الذي ، وقد تقرأ في ( ك‍ ) كذلك ، وما أثبتناه أظهر.

٤٢٤

وقد حكى في كتاب الصراط المستقيم (١) ، عن كتاب المفاضح (٢) أن جماعة قالوا لأبي بكر : أنت المعزول والمنسوخ من الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن أمانة واحدة ، وعن راية خيبر ، وعن جيش العاديات ، وعن سكنى المسجد ، وعن الصلاة (٣) ، ولم ينقل أنه أجاب وعلل بمثل هذه التعليلات.

والعجب من هؤلاء المتعصبين الذين يدفعون منقصة عن مثل أبي بكر بإثبات جهل أو غفلة عن عادة معروفة أو مصلحة من المصالح التي لا يغفل عنها آحاد الناس للرسول المختار الذي لا ينطق عن الهوى ، وليس كلامه إلا وحيا يوحى ، أو لا يجوز (٤) عليه السهو والنسيان ، بل يثبتون ذلك له ولجميع أصحابه ، نعوذ بالله من التورط في ظلم الضلالة والانهماك في لجج الجهالة.

وأعجب من ذلك أنهم يجعلون تقديم أبي بكر للصلاة نصا صريحا لخلافته ـ مع ما قد عرفت مما فيه من وجوه السخافة ـ ويتوقفون في أن يكون مثل هذا التخصيص والتنصيص والكرامة موجبا لفضيلة له عليه‌السلام ، مع أنهم رووا أن جبرئيل عليه‌السلام قال : لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك (٥).

فإما أن يراد به الاختصاص التام الذي كان بين الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبين أمير المؤمنين عليه‌السلام كما يدل عليه ما سيأتي (٦) ومضى (٧) من الروايات

__________________

(١) كتاب الصراط المستقيم ٢ ـ ٧.

(٢) في المصدر : الفاضح.

(٣) ثم قال في الصراط المستقيم : فكيف تولى في الأمور العامات والخاصات وليس للأمة تولية من عزله الله في السماء ورسول الله في الأرض.

(٤) كذا ، والظاهر : ولا يجوز ـ بالواو ـ.

(٥) قد مرت مصادره ، وجاء في الملل والنحل ١ ـ ١٤٤ ، وفي الإرشاد للشيخ المفيد : ٣٧ ، وأورده في إحقاق الحق ٥ ـ ٢٤٢ ـ ٢٥٥ ، و ٦ ـ ٤٤٣ ، و ٧ ـ ٣٩٠ ، و ٩ ـ ٢٦٩ ـ ٤٨١ ، عن عدة مصادر عامية ، وذكره في كتاب فضائل الخمسة من الصحاح الستة ١ ـ ١٦٨.

(٦) سيأتي من المصنف ـ قدس‌سره ـ في بحاره ٣٧ ـ ٨٠ و ٤٠ ـ ١٨.

(٧) قد مرت في البحار ٢٤ ـ ٨٨ ، و ٢٥ ـ ٢٩ ، و ٢٦ ـ ٣ و ٤ ، وغيرها.

٤٢٥

الواردة في أنهما كانا من نور واحد ،و ما اتفقت عليه الخاصة والعامة من أنه لما وقع منه عليه‌السلام ما وقع يوم أحد ، قال جبرئيل : يا محمد! إن هذه لهي المواساة. فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنه مني وأنا منه. فقال جبرئيل : وأنا منكما (١). ولم يقل : وإنكما مني .. رعاية للأدب وتنبيها على شرف منزلتهما ، وقوله تعالى : ( وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ) (٢) في آية المباهلة (٣)، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لبني وليعة (٤) : لأبعثن إليكم رجلا كنفسي. (٥) وغير ذلك مما سيأتي.

وإما أن يراد به الاختصاص الذي نشأ من كونه عليه‌السلام من أهل بيت الرسالة ، ويناسبه ماورد في بعض الروايات : لا ينبغي أن يبلغ عني إلا رجل من أهل بيتي (٦) ، أو ما نشأ من كثرة المتابعة وإطاعة الأوامر كما فهمه بعض الأصحاب وأيده بقوله تعالى : ( فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ) (٧) وعلى أي التقادير يدل على أن من لم يتصف بهذه الصفة لا يصلح للأداء عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكلما كان هذا الاختصاص أبلغ في الشرف كان أكمل في إثبات الفضيلة

__________________

(١) كما جاء في تاريخ الطبري ٢ ـ ٥١٤ ، وتاريخ الكامل لابن الأثير ٢ ـ ١٥٤ وذيلهما حري بالملاحظة ، وتفسير الفرات الكوفي : ٢٢ ، وكتاب عيون أخبار الرضا (ع) ١ ـ ٨١ ـ ٨٥ ، حديث ٩ ، وإرشاد المفيد : ٥٤٣ ـ ٥٤٨ ، وقد ورد مواساة أمير المؤمنين عليه‌السلام في غزوة أحد في موارد مختلفة من بحار الأنوار ، منها : ٢٠ ـ ٥٤ و ٥٥ و ٦٩ و ٧١ و ٨٥ و ٩٥ و ١٠٥ و ١٠٧ و ١٠٨ و ١١٢ و ١١٣ و ١٢٩ و ١٤٤ و ٣٩ ـ ١١١.

(٢) إبراهيم : ٣٦.

(٣) قد فصل المصنف ـ قدس‌سره ـ البحث فيها في بحاره : ٢١ ـ ٢٧٦ ، و ٣٧ ـ ٤٩.

(٤) قال في القاموس ٣ ـ ٩٧ : بنو وليعة ـ كسفينة ـ : حي من كندة.

(٥) كما جاء في مستدرك الصحيحين ٢ ـ ١٢٠ ، وخصائص النسائي ١٩ ، ومجمع الهيثمي ٧ ـ ١١٠ ، وكنز العمال ٦ ـ ٤٠٠ ، والاستيعاب ٢ ـ ٤٦٤ ، وتفسير الكشاف في تفسير قوله تعالى : « يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق » ... إلخ من سورة الحجرات ، وغيرها كثير.

(٦) كما جاء في عيون أخبار الرضا (ع) ٢ ـ ٦١ ، باب ٣١ ، حديث ٢٤٣ ، وعلل الشرائع ١ ـ ١٨٩ ، باب ١٥٠ ، حديث ١ ، وتلاحظ بقية روايات الباب ، وإرشاد المفيد : ٣٧.

(٧) آل عمران : ٦١.

٤٢٦

لأمير المؤمنين عليه‌السلام ، وكلما ضايق الخصم في كماله كان أتم في إثبات الرذيلة لأبي بكر ، فلا نتربص في ذلك إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ ، كما ذكره بعض الأفاضل.

ثم إن المفعول المحذوف في هذا الكلام ، إما أن يكون أمرا عاما ـ كما يناسب حذفه ـ خرج ما خرج منه بالدليل فبقي حجة في الباقي ، أو يكون أمرا خاصا هو تبليغ الأوامر المهمة ، أو يخص بتبليغ تلك الآيات ، كما ادعى بعض (١) العامة ، وعلى التقادير الثلاثة يدل على عدم استعداد أبي بكر لأداء الأوامر عامة عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أما على الأول فظاهر ، وكذا على الثاني ، لاشتمال الخلافة على تبليغ الأوامر المهمة ، وأما على الثالث فلأن من لم يصلح لأداء آيات خاصة وعزل عنه بالنص الإلهي كيف يصلح لنيابة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تبليغ الأحكام عامة ، ودعوة الخلائق كافة؟!.

ولنكتف بذلك حذرا من الإطناب ، وسيأتي تمام الكلام في ذلك في أبواب فضائله عليه‌السلام إن شاء الله تعالى (٢).

الطعن الثاني :

التخلف عن جيش أسامة.

قال أصحابنا رضوان الله عليهم : كان أبو بكر وعمر وعثمان من جيش أسامة (٣) ، وقد كرر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ لما اشتد مرضه ـ الأمر بتجهيز جيش أسامة ولعن المتخلف عنه (٤) ، فتأخروا عنه واشتغلوا بعقد البيعة في سقيفة بني ساعدة ، وخالفوا أمره ، وشملهم اللعن ، وظهر أنهم لا يصلحون للخلافة.

قالوا : ولو تنزلنا عن هذا المقام وقلنا بما ادعاه بعضهم من عدم كون أبي بكر

__________________

(١) في (س) : كما ورد عن بعض ..

(٢) بحار الأنوار ٣٨ ـ ١٩٥ ـ ٤٥٨ ، والمجلد الذي يليه.

(٣) في (س) : من جيشه ، بدلا من : من جيش أسامة.

(٤) كما في الطرائف ٢ ـ ٤٤٩ ، تلخيص الشافي ٣ ـ ٣٢ ، الشافي ٤ ـ ١٤٤ ، وغيرها.

٤٢٧

من الجيش.

نقول : لا خلاف في أن عمر منهم ، وقد منعه أبو بكر من النفوذ معهم ، وهذا كالأول في كونه معصية ومخالفة للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

أما أنهم كانوا من جيش أسامة ، فلما ذكره السيد الأجل رضي‌الله‌عنه في الشافي (١) من : أن كون أبي بكر في جيش أسامة ، قد (٢) ذكره أصحاب السير والتواريخ (٣) : قال روى البلاذري في تاريخه (٤) ـ وهو معروف ثقة كثير الضبط وبريء (٥) من ممالأة الشيعة ـ : أن أبا بكر وعمر كانا معا في جيش أسامة.

وروى سعيد بن محمد بن مسعود الكازراني ـ من متعصبي الجمهور ـ في تاريخه (٦) أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر الناس بالتهيؤ لغزو الروم لأربع ليال بقين من صفر سنة إحدى عشرة ، فلما كان من الغد دعا أسامة بن زيد ، فقال له : سر إلى موضع مقتل أبيك فأوطئهم [ مد ] (٧) الخيل ، فقد وليتك هذا الجيش ، فلما كان يوم الأربعاء بدأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فحم وصدع ، فلما أصبح يوم الخميس عقد لأسامة لواء بيده ، ثم قال : أغز بسم الله في سبيل الله ، فقاتل من كفر بالله. فخرج وعسكر بالجرف ، فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين والأنصار إلا

__________________

(١) الشافي : ٢٤٦ ـ الحجرية ـ ، و ٤ ـ ١٤٧ ـ المحققة ـ.

(٢) في ( ك‍ ) : وقد.

(٣) نص على ذلك ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ١ ـ ١٥٩ ، تاريخ الطبري ٣ ـ ١٨٦ ، تاريخ ابن عساكر ـ في ترجمة أسامة ـ ٢ ـ ٣٩١ ، طبقات ابن سعد ٢ ـ ٤١ ، حياة محمد (ص) ل : محمد حسنين هيكل : ٤٨٣ ، سيرة ابن هشام ٢ ـ ٦٥٠ ، كنز العمال ٥ ـ ٣١٢ ، تاريخ اليعقوبي ٣ ـ ٩٣ ، تاريخ الخميس ٢ ـ ١٧٢.

(٤) لم نجده في المقدار المطبوع من تاريخ البلاذري ، وحكاه في الشافي وتلخيصه.

(٥) قد تقرأ الكلمة في (س) : تبرئ.

(٦) تاريخ الكازراني. أقول : لعله لعلي بن محمد بن محمود الكازروني ظهير الدين ( ٦١١ ـ ٦٩٧ ه‍ ) ، يعد مؤرخا ، وله جملة مصنفات في التاريخ وغيره ، ولا أعلم بطبع تاريخه ـ مع كل ما بحثت عنه كما لم يدرجه المصنف ( طاب ثراه ) في أول كتابه من مصادره ولعله نقل عن غيره.

(٧) وضع على كلمة : مد ، رمز نسخة بدل في ( ك‍ ).

٤٢٨

انتدب في تلك الغزاة ، فيهم أبو بكر وعمر وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وأبو عبيدة وقتادة بن النعمان ، فتكلم قوم وقالوا : يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين؟! فغضب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله غضبا شديدا ، فخرج وقد عصب على رأسه عصابة وعليه قطيفة ، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد ، أيها الناس! فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأمير أسامة ، ولئن طعنتم في تأميري أسامة فقد طعنتم في تأميري أباه من قبله ، وايم الله إنه كان للإمارة لخليقا ، وإن ابنه من بعده لخليق للإمارة ، وإن (١) كان لمن أحب الناس إلي فاستوصوا به خيرا فإنه من خياركم.

ثم نزل فدخل بيته ، وذلك يوم السبت لعشر خلون من ربيع الأول ، وجاء المسلمون الذين يخرجون مع أسامة يودعون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ويمضون إلى العسكر بالجرف ، وثقل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلما كان يوم الأحد اشتد برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وجعه ، فدخل أسامة من معسكره والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مغمى عليه ، وفي رواية : قد أصمت وهو لا يتكلم فطأطأ رأسه فقبله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فجعل يرفع يديه إلى السماء ثم يضعهما على أسامة. قال : فعرفت أنه يدعو لي ، ورجع أسامة إلى معسكره ، فأمر الناس بالرحيل ، فبينا هو يريد الركوب إذا رسول أمه ـ أم أيمن ـ قد جاءه يقول : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يموت .. إلى آخر القصة.

وذكر ابن الأثير في الكامل (٢) أن في المحرم من سنة إحدى عشرة ضرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعثا إلى الشام وأميرهم أسامة بن زيد .. وذكر بعض ما مر ، وصرح بأنه كان منهم أبو بكر وعمر ، قال : وهما ثبتا (٣) الناس على الرضا

__________________

(١) كذا ، والظاهر : وإنه.

(٢) الكامل في التاريخ لابن الأثير ٢ ـ ٣٣٤ ـ ٣٣٦.

(٣) قال في الصحاح ١ ـ ٢٤٥ : وأثبته غيره وثبته بمعنى ، ويقال أثبته السقم : إذا لم يفارقه ، وقوله تعالى : « ليثبتوك » .. أي يجرحوك جراحة لا تقوم معها ، ونحوه في لسان العرب ٢ ـ ١٩ ـ ٢٠. وعليه فيحتمل أن يكون المعنى : أنهما يجرحان الناس ويعيبان عليهم لرضايتهم بإمارة أسامة. ويحتمل أن العبارة هكذا : ثبطا الناس عن الرضا أو تبطئا ...

٤٢٩

بإمارة أسامة.

وروى ابن أبي الحديد في شرح النهج (١) ، عن أحمد بن عبد العزيز الجوهري ، عن أحمد بن سيار ، عن سعيد بن كثير ، عن عبد الله بن عبد الله (٢) بن عبد الرحمن (٣) ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في مرض موته أمر أسامة بن زيد بن حارثة على جيش فيه جلة المهاجرين والأنصار ، منهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح وعبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير ، وأمره أن يغير على مؤتة حيث قتل أبوه زيد ، وأن يغزوا [ يغزو ] وادي فلسطين ، فتثاقل أسامة وتثاقل الجيش بتثاقله ، وجعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يثقل (٤) ويخف ويؤكد القول في تنفيذ ذلك البعث ، حتى قال له أسامة : بأبي أنت وأمي! أتأذن لي أن أمكث أياما حتى يشفيك الله تعالى. فقال : اخرج وسر على بركة الله تعالى. فقال : يا رسول الله (ص)! إني إن خرجت وأنت على هذه الحال خرجت وفي قلبي قرحة منك. فقال :سر على النصر والعافية. فقال : يا رسول الله (ص)! إني أكره أن أسأل عنك الركبان. فقال : أنفذ لما أمرتك به .. ثم أغمي على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقام أسامة فجهز (٥) للخروج ، فلما أفاق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سأل عن أسامة والبعث ، فأخبر أنهم يتجهزون ، فجعل يقول : أنفذوا جيش (٦) أسامة ،

__________________

(١) شرح النهج ٦ ـ ٥٢.

(٢) وضع على كلمة : عبد الله ، رمز نسخة بدل في ( ك‍ ) ، ولا توجد في المصدر.

(٣) جاء السند في شرح النهج : قال أبو بكر : حدثنا أحمد بن إسحاق بن صالح عن أحمد بن سيار عن سعيد بن كثير الأنصاري عن رجاله عن عبد الله بن عبد الرحمن ..

(٤) في المصدر : في مرضه يثقل.

(٥) في المصدر : فتجهز.

(٦) جاء في شرح النهج : بعث ، بدلا من : جيش ، وهي نسخة بدل في ( ك‍ ).

٤٣٠

لعن الله من تخلف عنه .. ويكرر (١) ذلك ، فخرج أسامة واللواء على رأسه والصحابة بين يديه ، حتى إذا كان بالجرف نزل ومعه أبو بكر وعمر وأكثر المهاجرين ، ومن الأنصار : أسيد بن حضير (٢) وبشر (٣) بن سعد .. وغيرهم من الوجوه ، فجاءه رسول أم أيمن يقول له : ادخل فإن رسول الله (ص) يموت ، فقام من فوره فدخل المدينة واللواء معه ، فجاء به حتى ركزه بباب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد مات في تلك الساعة ، قال : فما كان أبو بكر وعمر يخاطبان أسامة إلى أن مات إلا ب : الأمير.

وروى الطبري في المسترشد (٤) ـ على ما حكاه في الصراط المستقيم (٥) ـ أن جماعة من الصحابة كرهوا إمارة (٦) أسامة فبلغ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك فخطب وأوصى (٧) ثم دخل بيته ، وجاء المسلمون يودعونه فيلحقون (٨) بأسامة ، وفيهم أبو بكر وعمر ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : أنفذوا جيش أسامة ، فلما بلغ الجرف بعثت أم أسامة ـ وهي أم أيمن ـ أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يموت ، فاضطرب القوم وامتنعوا عليه ولم ينفذوا لأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم بايعوا لأبي بكر قبل دفنه.

وقال في الصراط المستقيم (٩) ـ أيضا ـ أسند الجوهري في كتاب السقيفة أن أبا بكر وعمر كانا فيه.

__________________

(١) في المصدر : كرر ، ونسخة بدل : تكرر.

(٢) حصر ، بدلا من : حضير ، جاءت في (س) ، وهي غلط.

(٣) في شرح النهج : بشير ـ بالباء ـ.

(٤) المسترشد : ١ و ٢ ، مع اختلاف يسير وتلخيص.

(٥) الصراط المستقيم ٢ ـ ٢٩٦ ـ ٢٩٧.

(٦) خط على كلمة : إمارة ، في (س) ، وفي المصدر بدلا منها : تأمير.

(٧) في الصراط : وأوصى به.

(٨) في الصراط : ويلحقون.

(٩) الصراط المستقيم ٢ ـ ٢٩٨.

٤٣١

وقال (١) : حدث الواقدي ، عن ابن أبي الزياد (٢) ، عن هشام بن عروة أن أباه قال : كان فيهم أبو بكر.

قال : وحدث ـ أيضا ـ مثله ، عن محمد بن عبد الله بن عمر.

وذكره البلاذري في تاريخه ، والزهري ، وهلال بن عامر ، ومحمد بن إسحاق ، وجابر ، عن الباقر عليه‌السلام. و ـ محمد بن أسامة ، عن أمية (٣). ونقلت الرواة أنهما كانا في حال خلافتهما يسلمان على أسامة بالإمرة.

وفي كتاب العقد (٤) : اختصم أسامة وابن عثمان في حائط ، فافتخر ابن عثمان ، فقال أسامة : أنا أمير على أبيك وصاحبيه (٥) ، أفإياي تفاخر؟! ، ولما بعث أبو بكر إلى أسامة يخبره بخلافته (٦) ، قال : أنا ومن معي ما وليناك أمرنا ، ولم يعزلني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عنكما ، وأنت وصاحبك بغير إذني رجعتما ، وما خفي على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله موضع ، وقد ولاني عليكما ولم يولكما ، فهم الأول أن يخلع نفسه فنهاه الثاني ، فرجع أسامة ووقف بباب المسجد وصاح : يا معاشر المسلمين! عجبا لرجل استعملني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فعزلني وتأمر علي (٧) ، انتهى كلامه.

وقال محمد بن عبد الكريم الشهرستاني في كتاب الملل والنحل (٨) ـ عند ذكر الاختلافات الواقعة في مرض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ : الخلاف الثاني : أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : جهزوا جيش أسامة ، لعن الله من تخلف عن جيش

__________________

(١) في الصراط المستقيم ٢ ـ ٢٩٧.

(٢) في المصدر : ابن أبي الزناد ـ بالنون ـ ، وهو الظاهر.

(٣) في الصراط المستقيم : عن أبيه ، بدلا من : عن أمية.

(٤) الصراط المستقيم ٢ ـ ٢٩٧ ، ولم نجده في العقد الفريد المطبوع.

(٥) في (س) : وصاحبه. ولا توجد همزة الاستفهام التالية في المصدر.

(٦) في المصدر : إلى أسامة أنه خليفة.

(٧) في الصراط : استعلمني عليه فتآمر علي وعزلني.

(٨) الملل والنحل ١ ـ ٢٩ ( وفي طبعة دار المعرفة ١ ـ ٢٣ ).

٤٣٢

أسامة (١). فقال : قوم (٢) يجب علينا امتثال أمره ، وأسامة قد برز من المدينة. وقال قوم : قد اشتد مرض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فلا تسع قلوبنا لمفارقته والحال (٣) هذه ، فنصبر حتى نبصر أي شيء يكون من أمره؟ ، انتهى.

وصرح صاحب روضة الأحباب (٤) ، بأن أبا بكر وعمر وعثمان كانوا من جيش أسامة.

وقال الشيخ المفيد قدس الله روحه في كتاب الإرشاد (٥) : لما تحقق لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من دنو أجله ما كان قدم (٦) الذكر به لأمته ، فجعل صلى‌الله‌عليه‌وآله يقوم مقاما بعد مقام في المسلمين يحذرهم الفتنة بعده والخلاف عليه ، ويؤكد وصاءتهم (٧) بالتمسك بسنته (٨) والإجماع عليها والوفاق ، ويحثهم على الاقتداء بعترته والطاعة لهم والنصرة والحراسة والاعتصام بهم في الدين ، ويزجرهم

__________________

(١) في الملل والنحل : من تخلف عنه.

(٢) في ( ك‍ ) : يا قوم.

(٣) في المصدر : والحالة ..

(٤) روضة الأحباب .. أقول : الذي يظهر ـ كما سيصرح قريبا ـ أنه من كتب العامة ، ولا نعرف للخاصة بهذا الاسم إلا ما ألفه السيد الأمير جمال ( جلال ) الدين عطاء الله بن فضل الله بن عبد الرحمن الحسيني النيسابوري الدشتكي الملقب ب : الأمير جمال الدين المحدث الشيرازي ، وهو ( في سيرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والآل والأصحاب ) المتوفى حدود سنة ٩٥٣ ه‍ ، فارسي ، في ثلاث مجلدات ، كتب بأمر الأمير علي شير الوزير في هراة ، وفرغ منه سنة ٩٥٣ ه‍ ، ومع هذا فقد راجعته ولم أجد ما نقله المصنف طاب ثراه منه إلا مورد واحد سنذكره فيما بعد ، ولم يذكره المصنف في مصادره ، وهناك كتاب مطبوع بهذا الاسم باللغة التركية في مكتبة السيد النجفي المرعشي أستبعد كونه هو ، فلاحظ.

(٥) الإرشاد : ٩٦ ـ ٩٨.

(٦) في ( ك‍ ) : ندم ، ولا معنى له.

(٧) كذا ، والظاهر : وصايتهم ـ بالياء ـ وهي اسم كالوصية.

(٨) جاء في (س) : وسنته.

٤٣٣

عن الاختلاف (١) والارتداد .. وساق الكلام إلى (٢) قوله : ثم إنه عقد لأسامة بن زيد (٣) الإمرة ، وأمره وندبه أن يخرج بجمهور الأمة إلى حيث أصيب أبوه من بلاد الروم ، واجتمع رأيه صلى‌الله‌عليه‌وآله على إخراج جماعة من مقدمي المهاجرين والأنصار في معسكره ـ حتى لا يبقى في المدينة عند وفاته من يختلف في الرئاسة ، ويطمع في التقدم على الناس بالإمارة ـ ليستتب (٤) الأمر بعده لمن استخلفه من بعده ، ولا ينازعه في حقه منازع ، فعقد له الإمرة على ما ذكرناه ، وجد صلى‌الله‌عليه‌وآله في إخراجهم ، وأمر أسامة بالبروز عن المدينة بعسكره (٥) إلى الجرف ، وحث الناس على الخروج إليه ، والمسير معه وحذوهم [ حذرهم ] (٦) من التلوم والإبطاء عنه ، فبينا (٧) هو في ذلك إذ عرضت له الشكاة التي توفي فيها .. وساق الحديث إلى قوله : واستمر المرض به أياما وثقل ، فجاء بلال عند صلاة الصبح ـ ورسول الله مغمور بالمرض ـ ، فنادى : الصلاة يرحمكم الله ، فأوذن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بندائه ، فقال : يصلي بالناس بعضهم فإني مشغول بنفسي ، فقالت عائشة :مروا أبا بكر ، وقالت حفصة : مروا عمر ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ حين سمع كلامهما ، ورأى حرص كل واحدة منهما على التنويه (٨) بأبيها ، وافتتانهما بذلك ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حي ـ : اكففن فإنكن كصويحبات يوسف ،

__________________

(١) في المصدر : الخلاف.

(٢) في ( ك‍ ) : في ، بدلا من : إلى.

(٣) جاء في المصدر : لأسامة بن زيد بن الحارثة.

(٤) قال في لسان العرب ١ ـ ٢٢٦ : استتب الأمر : تهيأ واستوى ، واستتب أمر فلان : إذا اطرد واستقام وتبين. وفي المصدر : ويستتب.

(٥) في الإرشاد : بمعسكره.

(٦) كذا ، وفي المصدر : حذرهم ، وهو الظاهر.

(٧) في الإرشاد : فبينما.

(٨) جاء في مجمع البحرين ٦ ـ ٣٦٤ : نوهت باسمه ـ بالتشديد ـ : إذا رفعت ذكره ، ونوهته تنويها : إذا رفعته.

٤٣٤

ثم قام صلى‌الله‌عليه‌وآله مبادرا خوفا من تقدم أحد الرجلين ، وقد كان أمرهما بالخروج مع أسامة ولم يك عنده أنهما قد تخلفا ، فلما سمع من عائشة وحفصة ما سمع علم أنهما متأخران عن أمره ، فبدر (١) لكف الفتنة وإزالة الشبهة ، فقام صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وإنه لا يستقل على الأرض من الضعف ـ فأخذ بيده علي بن أبي طالب عليه‌السلام والفضل بن عباس ، فاعتمد عليهما ورجلاه يخطان (٢) الأرض من الضعف ، فلما خرج إلى المسجد وجد أبا بكر و (٣) قد سبق إلى المحراب ، فأومأ إليه بيده أن تأخر عنه ، فتأخر أبو بكر وقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مقامه ، فقام وكبر (٤) وابتدأ الصلاة التي كان ابتدأها أبو بكر ، ولم يبن على ما مضى من فعاله ، فلما سلم انصرف إلى منزله ، واستدعى أبا بكر وعمر وجماعة ممن حضر المسجد (٥) من المسلمين ، ثم قال : ألم آمر (٦) أن تنفذوا جيش أسامة؟!. فقالوا : بلى يا رسول الله (ص)!. قال : فلم تأخرتم عن أمري؟!. قال أبو بكر : إني (٧) خرجت ثم رجعت لأجدد بك عهدا. وقال عمر : يا رسول الله (ص) إني لم أخرج ، لأنني لم أحب أن أسأل عنك الركب. فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : نفذوا جيش أسامة .. يكررها ثلاثا (٨) .. إلى آخر ما مر (٩) في أبواب وفاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله مع أخبار أخر أوردناها هناك ، وقد تقدم (١٠) في هذا المجلد خبر

__________________

(١) في الإرشاد : لبدر.

(٢) في المصدر : تخطان.

(٣) لا توجد الواو في المصدر ، وهو الظاهر.

(٤) لا توجد في المصدر : فقام ، وفيه : فكبر.

(٥) في الإرشاد : بالمسجد.

(٦) في المصدر : آمركم.

(٧) في الإرشاد : إني كنت ..

(٨) إلى هنا في الإرشاد : ٩٦.

(٩) بحار الأنوار ٢٢ ـ ٤٦٨ ، وجاء فيه : ٢١ ـ ٤١٠ ـ ٤١١ ، وتقدم الإشارة إليها فيه : ٣٩٠.

(١٠) بحار الأنوار : ٢٢ ـ ٤٦٥ ـ ٤٧٠ باب ١.

٤٣٥

الصحيفة المشتمل على تلك القصة مفصلا.

هذا ما يتعلق بكونهم في جيش أسامة وأمره (ص) بالخروج ولعنه المتخلف.

وأما عدم خروجهم وتخلفهم فلا ينازع أحد فيه.

وأما أن في (١) ذلك قادح (٢) في خلافتهم ، فلأنهم كانوا مأمورين لأسامة ما دام لم يتم غرض الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في إنفاذ الجيش ، فلم يكن لأبي بكر الحكم على أسامة ، والخلافة رئاسة عامة تتضمن الحكم على الأمة كافة بالاتفاق ، فبطل خلافة أبي بكر ، وإذا بطل خلافته ثبت بطلان خلافة عمر لكونها بنص أبي بكر ، وخلافة عثمان لابتنائها على الشورى بأمر عمر.

وأيضا لو لم تبطل خلافة الأخيرين لزم خرق الإجماع المركب ، ولأن رد كلام الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في وجهه ـ كما سبق ـ من أبي بكر وعمر وعدم الانقياد لأمره بعد تكريره (٣) الأمر إيذاء له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد قال الله عز وجل : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ ) (٤) ، وقال : ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ) (٥) ، وذلك مع قطع النظر عن اللعن الصريح في ذلك الأمر ـ كما اعترف به الشهرستاني (٦) ـ والمستحق للعن من الله ومن رسوله لا يصلح للإمامة ، ولو جوزوا لعن خلفائهم صالحناهم على ذلك واتسع الأمر علينا.

وأجاب قاضي القضاة في المغني : بأنا لا نسلم أن أبا بكر كان في جيش

__________________

(١) خط في ( ك‍ ) على كلمة : في ، وهو أولى.

(٢) الظاهر ذلك اسمها وقادح خبرها.

(٣) الكلمة مشوشة في ( ك‍ ).

(٤) الأحزاب : ٥٧.

(٥) التوبة : ٦١.

(٦) الملل والنحل ١ ـ ٢٩.

٤٣٦

أسامة (١) ، ولم يسند منعه إلى رواية وخبر ، وذكر له بعض المتعصبين (٢) خبرا ضعيفا يدل بزعمه على أنه لم يكن فيه.

وقال ابن أبي الحديد (٣) : كثير من المحدثين يقولون كان أبو بكر من الجيش ، والأمر عندي في هذا الموضع مشتبه ، والتواريخ مختلفة (٤).

والجواب أن وروده في رواياتهم ـ سيما إذا كان جلهم قائلين به مع اتفاق رواياتنا عليه ـ يكفينا في الاحتجاج ولا يضرنا خلاف بعضهم.

وأما استناد صاحب المغني (٥) في عدم كونه من الجيش بما حكاه عن أبي علي من أنه لو كان أبو بكر من الجيش لما ولاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر الصلاة في مرضه مع تكريره أمر الجيش بالخروج والنفوذ (٦) ، فقد عرفت ما في حكاية الصلاة من وجوه الفساد ، مع أنه لم يظهر من رواياتهم ترتيب بين الأمر بالتجهيز والأمر بالصلاة ، فلعل الأمر بالصلاة كان قبل الأمر بالخروج ، أو كان في أثناء تلك الحال ، فلم يدل على عدم كون أبي بكر من الجيش.

ويؤيده ما رواه ابن أبي الحديد (٧) من أنه لم يجاوز آخر القوم الخندق حتى قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ولو بني الكلام على ما رويناه ، فبعد تسليم الدلالة على التأخر ينهدم به بنيان ما أسسه ، إذ يظهر منها أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما سمع صوت أبي بكر ، وعلم أنه تأخر عن أمره ولم يخرج ، خرج متحاملا وأخره عن المحراب وابتدأ بالصلاة.

__________________

(١) المغني ، الجزء المتمم للعشرين : ٣٤٤.

(٢) كما حكاه ابن أبي الحديد في شرحه على النهج ١٧ ـ ١٨٢ ـ ١٨٣.

(٣) قاله في شرحه ١٧ ـ ١٨٣.

(٤) ذكره في شرح النهج ١٧ ـ ١٨٢.

(٥) المغني ، الجزء المتمم للعشرين : ٣٤٦.

(٦) وقد حكاه عنه في الشافي ٤ ـ ١٥٤ ، وشرح النهج لابن أبي الحديد ١٧ ـ ١٧٦.

(٧) في شرحه على النهج ١٧ ـ ١٨٣ بتصرف.

٤٣٧

ثم أجاب صاحب المغني (١) ـ بعد تسليم أنه كان من الجيش ـ بأن الأمر لا يقتضي الفور ، فلا يلزم من تأخره أن يكون عاصيا (٢).

ورد عليه السيد رضي‌الله‌عنه في الشافي (٣) : بأن المقصود بهذا الأمر الفور دون التراخي ، أما من حيث مقتضى الأمر على مذهب من يرى (٤) ذلك لغة ، وأما شرعا (٥) ، من حيث وجدنا جميع الأمة من لدن الصحابة إلى هذا الوقت يحملون أوامره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٦) على الفور ، ويطلبون في تراخيها الأدلة.

قال (٧) : على أن في قول أسامة : لم أكن لأسأل عنك الركب (٨) .. أوضح

__________________

(١) المغني ، الجزء المتمم للعشرين : ٣٤٤ ، ونص عبارته : فيقال عند ذلك : إن نفس الأمر يقتضي تأخره ، فكيف يكون عاصيا بأن يتأخر ..

(٢) وقد نقله في الشافي ٤ ـ ١٤٤ ، وشرح النهج لابن أبي الحديد ١٧ ـ ١٨٥.

(٣) الشافي ٢٤٦ ـ الحجرية ـ ، وفي الطبعة الجديدة ٤ ـ ١٤٧ ـ ١٤٨ ، باختلاف يسير.

(٤) في المصدر : من رأى.

(٥) في الشافي : أو شرعا ، وهو الظاهر ، وفي شرح النهج : وشرعا.

(٦) في المصدر زيادة : ونواهيه.

(٧) جاءت العبارة في الشافي هكذا : ثم لم يثبت كل ذلك لكان قول أسامة .. وهي غير وافية بالمطلوب إلا بإضافة كلمة : لو ، بعد : ثم ، مثلا.

(٨) جاء في حاشية ( ك‍ ) ما يلي :غرض السيد ; أنه ٦ لو لم يأمره على الفور وكان أمره فيه سعة وتراخ ، وجاز له أن يتأخر كما تأخر أبو بكر أمكن أن يستغني عن سؤال الركب إما بصحته ٦ أو برحلته وعلم أسامة بذلك ، وعلى التقديرين لا معنى لسؤال الركب والتعلل به.

وتعرض رحمه‌الله لشق ( كذا ، والظاهر : للشق ) الثاني وأحال الأول على الظهور ، فلا يرد عليه ما أورده ابن أبي الحديد بأن هذا قول من توهم على قاضي القضاة أنه يقول : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنما أمرهم بالنفوذ بعد الوفاة ولم يقل القاضي بذلك ، وإنما ادعى أن الأمر بالسير المتراخي لا غير ، وأن كلام أسامة لا يدل على أنه فعل ( الكلمة مشوشة ، ولعله : فعله بالفور ) الفور ، بل يمكن أن يكون الأمر فيه مهلته يفوض إلى رأيه التأجيل والتعجيل ، فلما قال له النبي : لم تأخرت عن المسير؟. قال له ذلك الكلام.

[ منه ( طاب ثراه ) ]

٤٣٨

دليل على أنه عقل من الأمر الفور ، لأن سؤال الركب بعد الوفاة لا معنى له (١).

وأما قول صاحب الكتاب أنه لم ينكر على أسامة تأخره فليس بشيء ، وأي إنكار أبلغ من تكراره الأمر ، ويزداده القول في حال يشغل عن المهم ويقطع عن الفكر إلا فيها ، وقد (٢) ينكر الآمر على المأمور تارة بتكرر (٣) الأمر ، وأخرى بغيره.

وأيده (٤) بما حكاه صاحب المغني عن أبي علي من الاستدلال على عدم كون أبي بكر من الجيش بأمر الصلاة وابتناؤه على كون الأمر للفور واضح. وقد ارتضى صاحب المغني استدلاله. فهذا المنع مناقض له.

أقول (٥) : ومن القرائن الواضحة على أنهم فهموا من هذا الأمر الفور خروجهم عن المدينة ـ مع شدة مرضه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ إذ العادة قاضية بأنه لو كان لهم سبيل إلى تأخير الخروج حتى يستعلموا مصير الأمر في مرضه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لتوسلوا إليه بوسعهم ، لاشتغال قلوبهم وحرصهم على العلم ببرئه ، واستعلام حال الخلافة ، ولخوفهم من وقوع الفتن في المدينة ، وفيكون ما استخلفوه من الأموال والأولاد معرضا للهلكة والضياع ، وقد كانوا وتروا (٦) العرب وأورثوهم الضغائن ، ولعمري إنهم ما خرجوا إلا وقد ضاق الخناق عليهم ، وبلغ أمره وحثه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهم كل مبلغ ، ونال التقريع والتوبيخ منهم كل منال ، وما سبق من رواية الجوهري واضح الدلالة على أن المراد هو الفور والتعجيل ، وقد اعترف ابن أبي الحديد (٧) بأن الظاهر في هذا الموضع صحة ما ذكره السيد ، لأن قرائن

__________________

(١) في المصدر : لأن سؤال الركب عنه (ص) لا معنى له بعد الوفاة.

(٢) في (س) : ولم ، بدلا من : وقد.

(٣) في الشافي : بتكرار.

(٤) الشافي ٤ ـ ١٤٩ ، وهو حاصل كلامه هناك.

(٥) في (س) : قوله ، بدلا من : أقول.

(٦) الكلمة مشوشة في ( ك‍ ) ، ولعلها : أوتروا.

(٧) في شرحه على النهج ١٧ ـ ١٨٥ بتصرف ، ثم قال : وهذا هو الفور.

٤٣٩

الأحوال عند من يقرأ السير والتواريخ (١) يدل على أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يحثهم على الخروج والمسير ، انتهى.

على أن التراخي إنما ينفع له إذا كان أبو بكر قد خرج في الجيش ولو بعد حين ، ولم يقل أحد بخروجه مطلقا.

ثم أجاب صاحب المغني (٢) ـ بعد تسليمه كون أبي بكر من الجيش ـ بأن خطابه (ص) بتنفيذ الجيش يجب أن يكون متوجها إلى القائم بالأمر بعده ، لأنه من خطاب الأئمة ، وهذا يقتضي أن لا يكون المخاطب بالتنفيذ في الجملة.

ثم قال : وهذا يدل على أنه لم يكن هناك إمام منصوص عليه ، لأنه لو كان لأقبل بالخطاب عليه ، وخصه بالأمر بالتنفيذ دون الجميع.

ويرد عليه : أن المخاطب في هذا المقام إما الخليفة المنصوص عليه أو من يختاره الأمة ، وإما الجيش المأمور بالخروج ، وإما جميع الحاضرين ـ الجيش وغيرهم ـ ، وإما الجماعة الخارجة من الجيش بأمره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعلى أي حال فالمأمور به إما إنفاذ الجيش حال حياته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو بعد وفاته ، أو مطلقا.

أما كون المخاطب الخليفة ـ بقسميه ـ مع كون المأمور به تنفيذ الجيش حال الحياة فباطل ، لورود الخطاب بلفظ الجمع ، ولأنه لا حكم للخليفة في حياته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حيث الخلافة ، ولأنه لو كان المخاطب هو بعينه لأنكر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تأخر القوم عن الخروج عليه لا على القوم ، والمروي خلافه.

ويخص القسم الثاني بأنه لا معنى لخطاب من يختاره الأمة بعد الوفاة بالأمر بتنفيذ الجيش حال الحياة ، وهو واضح ، وكذا على الإطلاق ، ولو خوطب بالتنفيذ بعد الوفاة فبأمر من خرج الأصحاب حال حياته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ ولما ذا ينكر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تخلف من تخلف ويحثهم على الخروج؟! وكذا لو كان المخاطب

__________________

(١) في المصدر : ويعرف التواريخ.

(٢) المغني ، الجزء المتمم للعشرين : ٣٤٥ ، وهذا حاصل كلامه ، وقد حكاه عنه في الشافي ٤ ـ ١٤٥.

٤٤٠