بحار الأنوار - ج ٣٠

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار - ج ٣٠

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


المحقق: الشيخ عبد الزهراء العلوي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الرضا
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٨
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

[١٩] باب

ما أظهر أبو بكر وعمر من الندامة

على غصب الخلافة عند الموت

١ ـ قال أبو الصلاح قدس الله روحه في تقريب المعارف (١) : لما طعن عمر جمع بني عبد المطلب وقال : يا بني عبد المطلب! أراضون أنتم عني؟.

فقال رجل من أصحابه : ومن ذا الذي يسخط عليك؟ .. فأعاد الكلام ثلاث مرات ، فأجابه رجل بمثل جوابه ، فانتهره عمر وقال : نحن أعلم بما أشعرنا قلوبنا ، إنا والله أشعرنا قلوبنا ما .. نسأل الله أن يكفينا شره ، وإن بيعة أبي بكر كانت فلتة نسأل الله أن يكفينا شرها.

وقال لابنه عبد الله ـ وهو مسنده إلى صدره ـ : ويحك! ضع رأسي بالأرض ، فأخذته الغشية ، قال : فوجدت من ذلك ، فقال : ويحك! ضع رأسي بالأرض ، فأخذته الغشية ، قال : فوجدت من ذلك ، فقال : ويحك! ضع رأسي بالأرض ، فوضعت رأسه بالأرض فعفر بالتراب ، ثم قال : ويل لعمر! وويل لأمه! إن لم يغفر الله له.

وقال ـ أيضا ـ حين حضره الموت : أتوب إلى الله من ثلاث : من اغتصابي هذا الأمر أنا وأبو بكر من دون الناس ، ومن استخلافي عليهم ، ومن تفضيلي

__________________

(١) لم نعثر عليه في القسم الأول المطبوع ، وأما القسم الثاني المربوط بهذا الموضوع فلم يطبع.

١٢١

المسلمين بعضهم على بعض.

وقال ـ أيضا ـ : أتوب إلى الله من ثلاث : من ردي رقيق اليمن ، ومن رجوعي عن جيش أسامة بعد أن (١) أمره رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] علينا ، ومن تعاقدنا على أهل البيت إن قبض رسول الله أن لا نولي منهم أحدا.

ورووا عن عبد الله بن شداد بن الهاد ، قال : كنت عند عمر ـ وهو يموت فجعل يجزع ، فقلت : يا أمير المؤمنين! أبشر بروح الله وكرامته ، فجعلت كلما رأيت جزعه قلت هذا ، فنظر إلي فقال : ويحك! فكيف بالممالأة على (٢) أهل بيت محمد صلى الله عليه [ وآله ]. انتهى ما أخرجناه من التقريب (٣).

وقال الزمخشري في ربيع الأبرار (٤) : لما حضرت عمر بن الخطاب الوفاة قال لبنيه ومن حوله : لو أن لي ملء الأرض من صفراء أو بيضاء لافتديت به من أهوال ما أرى.

٢ ـ ل (٥) : المظفر العلوي ، عن ابن العياشي ، عن أبيه ، عن محمد بن

__________________

(١) لا توجد : أن في ( ك‍ ) ، وبدلا منها : إذ ، ووضع عليها رمز نسخة بدل.

(٢) قال في مجمع البحرين ١ ـ ٣٩٩ : وفي حديث علي عليه‌السلام : ما قتلت عثمان ولا ملأت عليه .. أي ما ساعدت ولا عاونت.

أقول : استعمال الملاء مع كلمة ( على ) يفيد معنى المساعدة والمعاونة على ضرر شخص ، وعليه تكون الممالاة مساوقة للمعاداة.

(٣) مرت مصادر جملة من هذه النصوص ، وستأتي لبعضها الآخر مصادر من طريق العامة.

(٤) ربيع الأبرار للزمخشري : والرواية قد حذفت من الطبعة الحديثة مع مراجعتنا لكل مجلدات الكتاب أكثر من مرة ، نعم ، فيه قوله لعمر : لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما استعملت أحدا من الطلقاء. ٤ ـ ٢١٩ ، وقوله أيضا : لو كان لنا مع إسلامنا أخلاق آبائنا لكنا!! ٢ ـ ٣٨ ، وفيه قصة مفصلة عند ما قيل لعمر : لو أخذت حلي الكعبة فجهزت به جيوش المسلمين ... وقد سأل فيها عليا وقال في آخرها له سلام الله عليه : لولاك لافتضحنا .. ٤ ـ ٢٦ ، ونهج البلاغة ٤ ـ ٦٥ ، وغيرها. وجاء فيه ١ ـ ٨٢٨ قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : علي مع الحق والحق مع علي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض.

(٥) الخصال للشيخ الصدوق ١ ـ ١٧١ ـ ١٧٣ باب الثلاثة حديث ٢٨٨ مع تفصيل في السند.

١٢٢

حاتم ، عن عبد الله بن حماد وسليمان بن معبد ، هما عن عبد الله بن صالح ، عن الليث بن سعد ، عن علوان بن داود بن صالح ، عن صالح بن كيسان ، عن عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبيه ، قال : قال أبو بكر في مرضه الذي قبض فيه : أما إني لا آسى من الدنيا إلا على ثلاث فعلتها ، ووددت (١) أني تركتها ، وثلاث تركتها وددت (٢) أني فعلتها ، وثلاث وددت أني كنت سألت عنهن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أما التي وددت أني تركتها ، فوددت أني لم أكن كشفت بيت فاطمة وإن كان علق (٣) على الحرب ، ووددت أني لم أكن حرقت (٤) الفجاءة وأني قتلته سريحا (٥) أو أطلقته نجيحا (٦) ، ووددت أني يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين ـ عمر أو أبي عبيدة ـ فكان أميرا وكنت وزيرا.

وأما التي تركتها (٧) : فوددت أني يوم أتيت بالأشعث أسيرا كنت ضربت عنقه ، فإنه يخيل إلي أنه لم ير صاحب شر إلا أعانه ، ووددت أني حين سيرت خالدا إلى أهل الردة كنت قدمت إلى قربه (٨) فإن ظفر المسلمون ظفروا وإن هزموا (٩) كنت بصدد لقاء أو مدد ، ووددت أني كنت إذ وجهت خالدا إلى الشام قذفت المشرق

__________________

(١) في المصدر : ووددت.

(٢) في المصدر : ووددت.

(٣) في ( ك‍ ) نسخة بدل : أعلق ، وفي المصدر : أعلن ، وجاء في هامشه : أغلق ، وفي النسخة المطبوعة :علق.

(٤) في المصدر وفي ( ك‍ ) : أحرقت.

(٥) كتب في حاشية (س) هنا : أي سريعا. وهو معنى السريح كما في القاموس ١ ـ ٢٢٨. وانظر قصة الفجاءة ذيل الخصال ، وفصلها شيخنا الأميني في غديره ٧ ـ ١٥٦ ـ ١٥٨.

(٦) قال في القاموس ١ ـ ٢٥١ : النجيح : الصواب من الرأي.

(٧) في نسخة على المصدر : فوددت أني فعلتها.

(٨) في المصدر : قرية.

(٩) في الخصال زيادة لفظ : كيدا.

١٢٣

بعمر بن الخطاب ، فكنت بسطت يدي ـ يميني وشمالي ـ في سبيل الله.

وأما التي وددت أني كنت سألت عنهن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :فوددت أني كنت سألته فيمن هذا الأمر فلم ننازعه أهله ، ووددت أني كنت سألته هل للأنصار في هذا الأمر نصيب ، ووددت أني كنت سألته عن ميراث الأخ والعم ، فإن في نفسي منها حاجة (١).

قال الصدوق رضي‌الله‌عنه (٢) : إن يوم غدير خم لم يدع لأحد عذرا ، هكذا قالت سيدة النسوان فاطمة عليها‌السلام لما منعت من فدك وخاطبت الأنصار فقالوا : يا بنت محمد! لو سمعنا هذا الكلام منك قبل بيعتنا لأبي بكر ما عدلنا بعلي أحدا. فقالت : وهل ترك أبي يوم غدير خم لأحد عذرا؟!.

٣ ـ ل (٣) : أبي ، عن المؤدب ، عن أحمد الأصبهاني ، عن الثقفي ، عن يحيى بن الحسن بن الفرات ، عن هارون بن عبيدة ، عن يحيى بن عبد الله بن الحسن (٤) بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما‌السلام قال : قال عمر حين حضره الموت : أتوب إلى الله من ثلاث : اغتصابي هذا الأمر أنا وأبو بكر من دون الناس ، واستخلافي عليهم ، وتفضيلي المسلمين بعضهم على بعض.

٤ ـ ل (٥) : بالإسناد إلى الثقفي ، عن المسعودي ، عن الحسن بن حماد

__________________

(١) ذكر القصة جمهور علماء العامة ، ونص عليها الطبري في تاريخه ٤ ـ ٥٢ ، وابن قتيبة في الإمامة والسياسة ١ ـ ١٨ ، والمسعودي في مروج الذهب ١ ـ ٤١٤ ، وابن عبد البر في العقد الفريد ٢ ـ ٢٥٤ ، وأبو عبيدة في الأموال : ١٣١ ، وغيرهم. والإسناد صحيح رجاله كلهم ثقات عندهم أربعة منهم من رجال الصحاح الست ، كما نص على ذلك شيخنا الأميني في الغدير ٧ ـ ١٧٠ ١٧١ ، فراجع. وانظر حول الكشف عن بيت فاطمة سلام الله عليها ـ غير ما مر ـ تاريخ ابن جرير ٢ ـ ٦١٩ ، وميزان الاعتدال ٢ ـ ٢١٥ ، وغيرهما.

(٢) الخصال ١ ـ ١٧٣.

(٣) الخصال ١ ـ ١٧٠ باب الثلاثة حديث ٢٢٥ ، بتفصيل في السند.

(٤) وضع على : الحسن ، في ( ك‍ ) رمز نسخة بدل.

(٥) الخصال ١ ـ ١٧١ ، باب الثلاثة حديث ٢٢٦ ، باختلاف يسير.

١٢٤

الطائي ، عن زياد بن المنذر ، عن عطية ـ فيما يظن ـ ، عن جابر بن عبد الله ، قال : شهدت عمر عند موته يقول : أتوب إلى الله من ثلاث : من ردي رقيق اليمن ، ومن رجوعي عن جيش أسامة بعد أن أمره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله علينا ، ومن تعاقدنا على أهل هذا البيت إن قبض الله رسوله لا نولي منهم أحدا.

٥ ـ ل (١) : بالإسناد إلى الثقفي ، عن محمد بن علي ، عن الحسين بن سفيان ، عن أبيه ، عن فضل بن الزبير ، عن أبي عبيدة الحذاء ، قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : لما حضر عمر الموت قال : أتوب إلى الله من رجوعي من جيش أسامة ، وأتوب إلى الله من عتقي سبي اليمن ، وأتوب إلى الله من شيء كنا أشعرناه قلوبنا نسأل الله أن يكفينا ضره ، وأن بيعة أبي بكر كانت فلتة.

بيان :

قال في النهاية في حديث عمر : « إن بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله شرها ».، أراد بالفلتة : الفجأة ، ومثل هذه البيعة جدير (٢) بأن تكون مهيجة للشر والفتنة ، فعصم الله عن ذلك ووقى ، والفلتة : كل شيء فعل من غير روية وإنما يورد (٣) بها خوف انتشار الأمر ، وقيل : أراد بالفلتة : الخلسة .. أي إن الإمامة يوم السقيفة مالت إلى توليها الأنفس ولذلك كثر (٤) فيها التشاجر ، فما (٥) قلدها أبو بكر إلا انتزاعا من الأيدي واختلاسا ، وقيل : الفلتة آخر ليلة من الأشهر الحرم ، فيختلفون (٦) أمن الحل هي أم من الحرام (٧)؟ فيتسارع الموتود (٨) إلى درك الثار

__________________

(١) الخصال ١ ـ ١٧١ ، باب الثلاثة حديث ٢٢٧ ، مع تفصيل في الإسناد.

(٢) في المصدر وفي اللسان : جديرة.

(٣) في المصدر وفي اللسان : بودر.

(٤) لا توجد : كثر ، في (س).

(٥) وضع على : فما في ( ك‍ ) رمز نسخة بدل.

(٦) في النهاية واللسان : فيختلفون فيها.

(٧) في المصدر واللسان : أم من الحرم.

(٨) في اللسان وفي المصدر : فيسارع الموتور ، وهو الصحيح.

١٢٥

فيكثر الفساد ويسفك (١) الدماء ، فشبه أيام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) بالأشهر الحرم ويوم موته بالفلتة في (٣) وقوع الشر من ارتداد العرب وتخلف الأنصار عن الطاعة ، ومنع من منع الزكاة ، والجري على عادة العرب في أن لا يسود (٤) القبيلة إلا رجل منها (٥). انتهى.

ولا يخفى ضعف تلك التأويلات على عاقل ، وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى (٦).

٦ ـ جا (٧) : الجعابي ، عن العباس بن المغيرة ، عن أحمد بن منصور ، عن سليمان بن حرب ، عن حماد بن بريد (٨) ، عن يحيى بن سعيد ، عن عاصم ، عن (٩) عبيد الله بن (١٠) عبد الرحمن بن أبان بن عثمان ، عن أبيه ، عن عثمان بن عفان ، قال : كنت آخر (١١) الناس عهدا بعمر بن الخطاب ، دخلت عليه ورأسه في حجر ابنه عبد الله وهو يولول (١٢) ، فقال له : ضع خدي بالأرض ، فأبى عبد الله ، فقال له : ضع خدي بالأرض لا أم لك ، فوضع خده على الأرض ، فجعل يقول :

__________________

(١) في النهاية ولسان العرب : وتسفك.

(٢) في المصدر : عليه الصلاة والسلام ، بدل التصلية.

(٣) في النهاية : من ، وفي اللسان : في ، كما في المتن.

(٤) كتب في المصدر : مدغما ـ ألا يسود ـ وما في اللسان كالمتن.

(٥) النهاية ٣ ـ ٤٦٧ ـ ٤٦٨ وفيه : وفي صفة مجلس رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم : لا تثنى فلتاته .. الفلتات : الزلات ، جمع فلتة .. أي لم يكن في مجلسه زلات فتحفظ وتحكى. ومثل النهاية ما في لسان العرب ٢ ـ ٦٧ ـ ٦٨ ، وقال في القاموس ١ ـ ١٥٤ : وفلتات المجلس : هفواته وزلاته.

(٦) في ( ك‍ ) : فيه ، بعد كلمة : تعالى ، بتقديم وتأخير.

(٧) مجالس ( أمالي ) الشيخ المفيد : ٥٠ حديث ١٠ ، بتفصيل في الإسناد.

(٨) في المصدر : بن زيد.

(٩) في المصدر : بن ، بدلا من : عن ، وهو الظاهر.

(١٠) في الأمالي : عن ، بدلا من : بن ، وهو الظاهر.

(١١) في المجالس : أنا آخر ..

(١٢) جاءت في حاشية المصدر ، وفي متنه : ملول.

١٢٦

ويل أمي! ويل أمي! إن لم تغفر لي .. فلم يزل يقولها حتى خرجت نفسه.

٧ ـ إرشاد القلوب (١) : ـ بحذف الإسناد ـ مرفوعا إلى عبد الرحمن بن غنم الأزدي ـ ختن معاذ بن جبل (٢) ـ وحين مات (٣) كانت ابنته (٤) تحت معاذ بن جبل ، وكان أفقه (٥) أهل الشام وأشدهم اجتهادا ، قال : مات معاذ بن جبل بالطاعون ، فشهدت يوم مات ـ والناس متشاغلون بالطاعون ـ ، قال : وسمعته حين احتضر وليس (٦) في البيت غيري ـ وذلك في خلافة (٧) عمر بن الخطاب ـ ، فسمعته يقول : ويل لي! ويل لي (٨)!. فقلت في نفسي : أصحاب الطاعون يهذون ويقولون الأعاجيب. فقلت له : أتهذي؟. قال : لا ، رحمك الله (٩). قلت : فلم تدعو بالويل والثبور؟. قال : لموالاتي عدو الله على ولي الله. فقلت له : من هم (١٠)؟. قال :موالاتي عتيقا و [ رمع ] على خليفة رسول الله ووصيه علي بن أبي طالب عليه‌السلام. فقلت : إنك لتهجر!. فقال : يا ابن غنم! والله ما أهجر ، هذان ، رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي بن أبي طالب عليه‌السلام يقولان لي : يا معاذ! أبشر بالنار

__________________

(١) إرشاد القلوب ٢ ـ ١٨٣ ـ ١٨٦ [ ٢ ـ ٣٩١ ـ ٣٩٤ ] تحت عنوان فيما قاله معاذ بن جبل حين موته .. باختلاف يسير أشرنا لبعضه.

(٢) لا يوجد : ختن معاذ بن جبل ، في المصدر.

(٣) في إرشاد القلوب : حين مات معاذ بن جبل ، ووضع على : حين مات ، رمز نسخة بدل في ( ك‍ ).

(٤) في (س) : ابنة ـ بلا ضمير ـ ..

(٥) جاء في المصدر : .. الأزدي حين مات معاذ بن جبل وكان أفقه ..

(٦) في الإرشاد : وليس معه ..

(٧) في المصدر : في زمن خلافة.

(٨) في ( ك‍ ) : وويل لي ، ووضع على الواو رمز نسخة بدل. وفي (س) جاءت الجملة مشوشة.

(٩) وضع على : رحمك الله ، رمز نسخة بدل في مطبوع البحار.

(١٠) من قوله : فقلت في نفسي. إلى هنا لا يوجد في إرشاد الديلمي المطبوع ، وفيه : فقلت له : مم؟.

قال : من موالاتي.

١٢٧

أنت (١) وأصحابك. أفليس قلتم إن مات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أو قتل (٢) زوينا الخلافة عن علي بن أبي طالب (ع) فلن تصل إليه ، فاجتمعت أنا و [ عتيق ورمع ] وأبو عبيدة وسالم (٣) ، قال : قلت : متى يا معاذ؟. قال : في حجة الوداع ، قلنا : نتظاهر على علي (ع) فلا ينال الخلافة ما حيينا ، فلما قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قلت لهم : أنا (٤) أكفيكم قومي الأنصار فاكفوني قريشا ، ثم دعوت على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى (٥) هذا الذي تعاهدنا عليه بشر بن سعيد وأسيد (٦) بن حصين فبايعاني على ذلك ، فقلت : يا معاذ! إنك لتهجر ، فألصق خده بالأرض فلما (٧) زال يدعو بالويل والثبور حتى مات.

فقال ابن غنم : ما حدثت بهذا الحديث يا ابن قيس بن (٨) هلال أحدا إلا ابنتي امرأة معاذ ورجلا آخر ، فإني فزعت مما رأيت وسمعت من معاذ.

قال : فحججت ولقيت الذي غمض أبا عبيدة وسالما فأخبراني أنه حصل لهما ذلك (٩) عند موتهما ، لم يزد فيه حرفا ولم ينقص حرفا ، كأنهما قالا مثل ما قال معاذ بن جبل ، فقلت : أولم يقتل سالم يوم التهامة؟. قال : بلى ، ولكنا احتملناه وبه رمق (١٠).

قال سليم : فحدثت بحديث ابن غنم هذا كله محمد بن أبي بكر ، فقال

__________________

(١) لا توجد : أنت ، في المصدر.

(٢) أو قتل .. لا توجد في الإرشاد.

(٣) في المصدر : وسالم مولى حذيفة.

(٤) لا توجد : أنا ، في المصدر.

(٥) في الإرشاد : على ، بدلا من : إلى.

(٦) في (س) : أسد.

(٧) في المصدر : فما .. وهو الظاهر.

(٨) في إرشاد الديلمي : ما حدثت غير قيس بن ..

(٩) في (س) : كذلك ، وفي المصدر : نحو ذلك.

(١٠) من قوله : فقلت أولم .. إلى هنا لا يوجد في المطبوع من المصدر.

١٢٨

لي : اكتم علي واشهد أن أبي قد قال عند موته مثل مقالتهم ، فقالت عائشة : إن أبي يهجر (١).

قال محمد : فلقيت عبد الله بن عمر في خلافة عثمان وحدثته بما سمعت من أبي عند موته فأخذت عليه العهد والميثاق ألا يكتم (٢) علي. فقال لي ابن عمر : اكتم علي ، فو الله لقد قال أبي مثل ما قال أبوك وما زاد (٣) ولا نقص ، ثم تداركها ابن عمر بعد وتخوف أن أخبر بذلك علي بن أبي طالب عليه‌السلام لما علم من حبي له وانقطاعي إليه ، فقال : إنما كان يهجر. فأتيت أمير المؤمنين عليه‌السلام فأخبرته بما سمعته من أبي وما حدثني به ابن عمر.

فقال علي (ع) (٤) : قد حدثني بذلك عن أبيك وعن أبيه وعن أبي عبيدة وسالم وعن معاذ من هو أصدق منك ومن ابن عمر. فقلت : ومن ذاك يا أمير المؤمنين؟.

فقال : بعض (٥) من حدثني. فعرفت ما عنى ، فقلت : صدقت ، إنما ظننت إنسانا حدثك ، وما شهد أبي ـ وهو يقول ذلك ـ غيري.

قال سليم : قلت لابن غنم : مات معاذ بالطاعون فبما مات أبو عبيدة؟. قال : مات بالدبيلة (٦) ، فلقيت محمد بن أبي بكر فقلت : هل شهد موت أبيك غيرك وأخيك (٧) عبد الرحمن وعائشة وعمر؟. قال : لا. قلت : وهل (٨) سمعوا (٩) منه ما

__________________

(١) في المصدر : يهجو .. ولا معنى له.

(٢) في المصدر : ليكتم علي .. وما في المتن هو الظاهر.

(٣) في المصدر : فو الله لقد قال مثل مقالة أبيك ما زاد ..

(٤) في الإرشاد : قال عليه‌السلام.

(٥) خط على : بعض ، في ( ك‍ ) ، ولا توجد في المصدر.

(٦) قال في القاموس ٣ ـ ٣٧٣ : ودبيل مبالغة وكجهينة : الداهية ، وداء في الجوف. وقال في مجمع البحرين ٥ ـ ٣٦٩ : الدبيلة : الطاعون ، وخراج ، ودمل يظهر في الجوف ويقتل صاحبه غالبا.

(٧) في المصدر : وغير أخيك.

(٨) وضع رمز نسخة بدل على : هل ، في المطبوع من البحار.

(٩) لا توجد : سمعوا ، في (س).

١٢٩

سمعت؟. قال : سمعوا منه طرفا فبكوا. وقال [ قالوا ] : هو يهجر ، فأما كل ما سمعت أنا فلا ، قلت : فالذي سمعوا ما هو؟. قال : دعا بالويل والثبور ، فقال له عمر : يا خليفة رسول الله! لم تدعو بالويل والثبور؟!. قال : هذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومعه علي بن أبي طالب يبشراني بالنار ، ومعه الصحيفة التي تعاهدنا عليها في الكعبة ، وهو يقول : قد وفيت بها وظاهرت على ولي الله (١) فأبشر أنت وصاحبك بالنار في أسفل السافلين ، فلما سمعها عمر خرج وهو يقول : إنه ليهجر! قال : لا والله لا أهجر (٢) أين تذهب؟. قال عمر : كيف لا تهجر وأنت ( ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ ) (٣)؟! قال : الآن أيضا! أولم أحدثك أن محمدا ـ ولم يقل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ قال لي وأنا (٤) معه في الغار : إني أرى سفينة جعفر وأصحابه تعوم (٥) في البحر ، فقلت : أرنيها ، فمسح يده على وجهه (٦) فنظرت إليها ، وأضمرت عند ذلك أنه ساحر ، وذكرت لك ذلك بالمدينة ، فأجمع (٧) رأيي ورأيك أنه ساحر ، فقال عمر : يا هؤلاء! إن أباكم (٨) يهجر فاكتموا ما تسمعون عنه (٩) لئلا يشمت بكم أهل هذا البيت ، ثم خرج وخرج أخي وخرجت عائشة ليتوضئوا للصلاة ، فأسمعني من قوله ما لم يسمعوا ، فقلت له ـ لما خلوت به : يا أبت! (١٠) قل : لا إله إلا

__________________

(١) في ( ك‍ ) هنا زيادة : وأصحابك.

(٢) في المصدر : ما أهجر.

(٣) لا يوجد : إذ هما ، في المصدر.

(٤) في ( ك‍ ) : قال لي أنا.

(٥) أي تسبح وتسير ، قاله في القاموس ٤ ـ ١٥٥.

(٦) في المصدر : وجهي ، وهو الظاهر.

(٧) في إرشاد الديلمي : وذكرت ذلك لك بالمدينة فاجتمع ..

(٨) في المصدر : إن أبا بكر.

(٩) في المصدر : منه ، بدلا من : عنه.

(١٠) في المطبوع من البحار وضع على : يا أبت ، رمز نسخة بدل ، ولا توجد في المصدر.

١٣٠

الله ، قال : لا أقولها (١) ولا أقدر عليها أبدا حتى أرد النار فأدخل التابوت ، فلما ذكر التابوت ظننت أنه يهجر ، فقلت له : أي تابوت؟. فقال : تابوت من نار مقفل بقفل من نار فيه اثنا عشر رجلا ، أنا وصاحبي هذا ، قلت : عمر؟. قال : نعم ، وعشرة في جب من جهنم عليه صخرة إذا أراد الله أن يسعر جهنم رفع الصخرة. قلت : أتهذي؟. قال : لا والله (٢) ما أهذي ، ولعن الله ابن صهاك هو الذي ( أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي فَبِئْسَ الْقَرِينُ ) ، ألصق خدي بالأرض ، فألصقت خده بالأرض (٣) ، فما زال يدعو بالويل والثبور حتى غمضته ، ثم دخل عمر علي ، فقال : هل قال (٤) بعدنا شيئا (٥)؟ فحدثته (٦).

فقال : يرحم الله خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، اكتم! هذا كله هذيان ، وأنتم أهل بيت يعرف لكم الهذيان في موتكم؟. قالت عائشة : صدقت ، ثم قال لي عمر : إياك أن يخرج منك شيء مما سمعت به إلى علي بن أبي طالب (ع) (٧) وأهل بيته.

قال : قال سليم (٨) : قلت لمحمد : من تراه حدث أمير المؤمنين عليه‌السلام عن هؤلاء الخمسة بما قالوا ، فقال : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، إنه يراه في (٩)

__________________

(١) في المصدر : لا قلتها ولا أقولها.

(٢) في الإرشاد : .. من جهنم عليه صخرة ، قلت : هل تهذي؟ قال : والله ..

(٣) في المصدر : ثم ألصق خده بالأرض فما زال ..

(٤) في المصدر : هل حدث.

(٥) لا توجد كلمة : شيئا ، في (س).

(٦) في ( ك‍ ) والمصدر : فحدثتهم.

(٧) في المصدر : مما سمعت ويشمت به ابن أبي طالب.

(٨) وضع على : قال سليم ، في المطبوع من البحار رمز نسخة بدل ، ولا توجد في المصدر.

(٩) لا توجد في المصدر : في.

١٣١

كل ليلة في المنام وحديثه إياه (١) في المنام مثل حديثه (٢) إياه في اليقظة والحياة ، وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي في نوم ولا يقظة (٣) ولا بأحد من أوصيائي إلى يوم القيامة.

قال سليم (٤) : فقلت لمحمد : فمن حدثك بهذا؟. قال : علي (٥). فقلت : قد سمعت أنا أيضا منه كما سمعت أنت ، قلت لمحمد : فلعل ملكا من الملائكة حدثه. قال : أو (٦) ذاك؟ قلت : فهل تحدث الملائكة إلا الأنبياء؟!. قال : أما تقرأ كتاب الله : وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي (٧) ولا محدث.

قلت أنا : أمير المؤمنين (٨) محدث. قال : نعم ، وفاطمة محدثة ، ولم تكن نبية ، ومريم محدثة ولم تكن نبية ، وأم موسى محدثة ولم تكن نبية ، وسارة امرأة إبراهيم قد (٩) عاينت الملائكة ولم تكن نبية ، فبشروها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ.

قال سليم : فلما قتل محمد بن أبي بكر بمصر وعزينا (١٠) أمير المؤمنين ، جئت إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام (١١) وخلوت به فحدثته بما أخبرني به محمد بن أبي بكر وبما حدثني به ابن غنم.

__________________

(١) في (س) : أباه ، وفي المصدر : وحدثه أباه.

(٢) في الإرشاد : مثل ما حدثه.

(٣) في المصدر : في النوم ولا في اليقظة.

(٤) لا توجد في المصدر : قال سليم ، وهي نسخة في المطبوع من البحار.

(٥) في الإرشاد : قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

(٦) في المصدر : الواو ، بدلا من : أو.

(٧) الحج : ٥٢.

(٨) في المصدر : قلت فأمير المؤمنين عليه‌السلام ..

(٩) في إرشاد الديلمي : وسارة امرأة إبراهيم محدثة قد ..

(١٠) لعلها تقرأ في مطبوع البحار : غوينا ، أو غزينا ، إلا أنها في المصدر : ونعي فعزيت ..

(١١) لا توجد : جئت إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام .. في المصدر.

١٣٢

قال : صدق محمد رحمه‌الله ، أما إنه شهيد حي مرزوق ، يا سليم! إني وأوصيائي أحد عشر رجلا من ولدي أئمة هدى مهديون محدثون.

قلت : يا أمير المؤمنين! ومن هم؟ (١).

قال : ابني [ ابناي ] الحسن والحسين ، ثم ابني هذا ـ وأخذ بيد علي بن الحسين عليهم‌السلام وهو رضيع ـ ثم (٢) ثمانية من ولده واحدا بعد واحد ، وهم الذين أقسم الله (٣) بهم فقال : ( وَوالِدٍ وَما وَلَدَ ) (٤) ، فالوالد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنا ، وما ولد يعني هؤلاء الأحد عشر وصيا صلوات الله عليهم (٥).

قلت : يا أمير المؤمنين! يجتمع إمامان؟.

قال : لا ، إلا و (٦) أحدهما صامت لا ينطق حتى يهلك الأول.

٨ ـ أقول : وجدت الخبر في كتاب سليم (٧) عن أبان عن سليم عن عبد الرحمن بن غنم .. وذكر الحديث مثله سواء.

بيان :

هذا الخبر أحد الأمور التي صارت سببا للقدح في كتاب سليم ، لأن محمدا ولد في حجة الوداع ـ كما ورد في أخبار الخاصة والعامة ـ فكان له عند موت أبيه سنتان وأشهر ، فكيف كان يمكنه التكلم بتلك الكلمات ، وتذكر تلك الحكايات؟.

ولعله مما صحف فيه النساخ أو الرواة ، أو يقال إن ذلك كان من معجزات

__________________

(١) في المصدر : قلت : من هم يا أمير المؤمنين.

(٢) هنا زيادة : قال .. في المصدر.

(٣) في المصدر : الله تبارك وتعالى.

(٤) البلد : ٣.

(٥) في المصدر : أوصياء عليهم‌السلام واللعنة على أعدائهم أبد الآبدين.

(٦) لا يوجد : إلا و، في المصدر.

(٧) كتاب سليم بن قيس : ٢٢٢ ـ ٢٢٧ ، وانظر : معالم الزلفى : ٤٢٩.

١٣٣

أمير المؤمنين عليه‌السلام ظهر فيه.

وقال بعض الأفاضل : رأيت فيما وصل إلي من نسخة هذا الكتاب أن عبد الله بن عمر وعظ أباه عند موته.

والحق أن بمثل هذا لا يمكن القدح في كتاب معروف بين المحدثين اعتمد عليه الكليني والصدوق وغيرهما من القدماء ، وأكثر أخباره مطابقة لما روي بالأسانيد الصحيحة في الأصول المعتبرة ، وقل كتاب من الأصول المتداولة يخلو عن مثل ذلك.

قال النعماني في كتاب الغيبة (١) ـ بعد ما أورد من كتاب سليم أخبارا كثيرة ما هذا لفظه ـ : .. كتابه أصل من الأصول (٢) التي رواها أهل العلم وحملة حديث أهل البيت عليهم‌السلام وأقدمها ، لأن جميع ما اشتمل عليه هذا الكتاب (٣) إنما هو عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين عليه‌السلام والمقداد وسلمان الفارسي وأبي ذر ومن جرى مجراهم ممن شهد رسول الله وأمير المؤمنين عليهما‌السلام وسمع منهما ، وهو من الأصول التي ترجع الشيعة إليها وتعول عليها. انتهى (٤).

٩ ـ وقال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة (٥) : المبرد في الكامل (٦) ، عن عبد الرحمن بن عوف ، قال : دخلت على أبي بكر أعوده في مرضه الذي مات فيه ، فسلمت وسألته (٧) فاستوى جالسا ، فقلت : لقد أصبحت بحمد الله بارئا. فقال :

__________________

(١) غيبة الشيخ النعماني : ١٠١ ـ ١٠٢ ، باختلاف يسير تحت عنوان : ما روي في أن الأئمة اثنا عشر إماما.

(٢) في المصدر : من أكبر كتب الأصول.

(٣) في الغيبة : هذا الأصل.

(٤) انظر مقدمة كتاب سليم بن قيس إذ نقل أقوال العلماء والقدماء حول الكتاب وجامعه.

(٥) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢ ـ ٤٥ ـ ٤٧.

(٦) الكامل للمبرد ـ شرح المرصقي ـ ١ ـ ٥٤ ـ ٥٥ ، وجاء في تاريخ الطبري ٣ ـ ٢٣٤ وما بعدها.

(٧) في المصدر : وسألته كيف به.

١٣٤

أما إني على ما ترى لوجع ، وجعلتم لي ـ معشر المهاجرين ـ شغلا مع وجعي ، جعلت لكم عهدا من بعدي ، واخترت لكم خيركم في نفسي ، فكلكم ورم لذلك أنفه رجاء أن يكون الأمر له ، ورأيتم الدنيا قد أقبلت ، والله لتتخذن ستور الحرير ونضائد الديباج ، وتألمون ضجائع الصوف الأزدري (١) ، كأن أحدكم على حسك السعدان ، والله لأن يقدم أحدكم فيضرب عنقه في غير حد لخير له من أن يسبح في غمرة الدنيا ، وإنكم غدا لأول صال بالنار (٢) ، تجودون (٣) عن الطريق يمينا وشمالا ، يا هادي الطريق جرت ، إنما هو البحر (٤) أو الفجر. فقال له عبد الرحمن :لا تكثر على ما بك فيهيضك ، والله ما أردت إلا الخير (٥) ، وأنا (٦) صاحبك لذو خير ، وما الناس إلا رجلان ، رجل رأى ما رأيت فلا خلاف عليك منه (٧) ، ورجل رأى غير ذلك ، وإنما يشير عليك برأيه ، فسكن وسكت هنيئة ، فقال عبد الرحمن :ما أرى بك بأسا ، والحمد لله ، فلا تأس (٨) على الدنيا ، فو الله إن علمناك إلا صالحا مصلحا.

فقال : أما إني لا آسى إلا على ثلاث فعلتهن وددت أني لم أفعلهن ، وثلاث لم أفعلهن وددت أني فعلتهن ، وثلاث وددت (٩) أني سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عنهن.

__________________

(١) في ( ك‍ ) : الأزري ، وفي المصدر : الأذربي ، وسيتعرض المصنف رحمه‌الله مفصلا في بيانه الآتي ، فراجع.

(٢) في ( ك‍ ) نسخة بدل : بالناس. وفي المصدر : لأول ضال بالناس.

(٣) في المصدر : تجورون ، وهو الصحيح ، وسيتعرض لها في بيانه.

(٤) في المصدر : البجر ، والعبارة تختلف في الكامل وتعرض لها المصنف رحمه‌الله في بيانه الآتي.

(٥) في المصدر : خيرا. وإلى هنا رواية المبرد في الكامل.

(٦) في شرح النهج : وإن ، وهي نسخة جاءت في ( ك‍ ).

(٧) في ( ك‍ ) : فيه.

(٨) في المصدر : فلا بأس.

(٩) جاءت نسخة في ( ك‍ ) : ودت.

١٣٥

فأما الثلاث التي فعلتها ووددت أني لم أكن فعلتها ، فوددت أني لم أكن كشفت عن بيت فاطمة (ع) وتركته ولو أغلق على حرب ، ووددت أني يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين ، عمر أو أبي عبيدة ، فكان أميرا وكنت وزيرا ، ووددت أني إذ أتيت بالفجاءة (١) لم أكن أحرقته (٢).

وأما الثلاث التي لم أفعلها (٣) ووددت أني فعلتها ، فوددت أني يوم أتيت بالأشعث أسيرا (٤) كنت ضربت عنقه ، فإنه يخيل إلي أنه لا يرى شرا إلا أعان عليه ، ووددت أني حيث وجهت خالدا إلى أهل الردة أقمت بذي القصة (٥) ، فإن ظفر المسلمون (٦) وإلا كنت ردءا لهم (٧) ، ووددت حيث وجهت خالدا إلى الشام كنت وجهت عمر إلى العراق ، فأكون قد بسطت كلتا يدي ـ اليمين والشمال ـ في سبيل الله.

وأما الثلاث اللواتي وددت أني كنت سألت رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] عنهن ، فوددت أني سألته فيمن هذا الأمر ، فكنا لا ننازعه أهله؟ ووددت أني سألته هل للأنصار في هذا الأمر نصيب؟ ووددت أني سألته عن ميراث العمة وابنة

__________________

(١) الفجاءة : هو إياس بن عبد الله بن عبد ياليل السلمي ، وكان قد استعرض الناس يقتلهم ويأخذ أموالهم ، فأمر أبو بكر بإحراقه ، انظر : تاريخ الطبري ٣ ـ ٢٣٤ ، تاريخ ابن كثير ٦ ـ ٣١٩ ، الكامل لابن الأثير ٢ ـ ١٤٦ ، الإصابة ٢ ـ ٣٢٢ ، وغيرها.

(٢) في المصدر زيادة : وكنت قتلته بالحديد أو أطلقته.

(٣) في المصدر : التي تركتها ، بدلا من : لم أفعلها.

(٤) لا توجد : أسيرا ، في شرح النهج.

(٥) ذو القصة ، موضع بينه وبين المدينة أربعة وعشرون ميلا ، وهو طريق الربذة ، وقد ورد أن أبا بكر خرج إليه ـ وهو على بريد من المدينة تلقاء نجد ـ قطع الجنود فيه وعقد فيه ألوية ، انظر : معجم البلدان ٤ ـ ٣٦٦ ، ومراصد الاطلاع ٣ ـ ١١٠٢ ، ولاحظ القاموس ٢ ـ ٣١٣.

(٦) فإن ظفر المسلمون ، خط عليها في (س).

(٧) وضع على : لهم ، في المطبوع من البحار رمز نسخة بدل.

١٣٦

الأخ (١) فإن في نفسي منهما حاجة.

توضيح :

قوله : ورم أنفه (٢) .. أي امتلأ وانتفخ من ذلك غضبا ، وخص الأنف بالذكر لأنه موضع الأنفة والكبر ، كما يقال : شمخ بأنفه ، ومنه قول الشاعر : ولا يهاج إذا ما أنفه ورما (٣) ...

وفي النهاية ، في حديث أبي بكر : لتتخذن نضائد الديباج .. أي الوسائد ، واحدتهما (٤) نضيدة (٥).

والآزري : نسبة إلى آزر ، وهي ـ كهاجر ـ : ناحية بين الأهواز ورامهرمز (٦).

وفي النهاية : الأزربي (٧) ، قال : في حديث أبي بكر : لتأملن (٨) النوم على الصوف الأزربي كما يألم أحدكم النوم على حسك السعدان .. الأزربي منسوب إلى أذربيجان ـ على غير قياس ـ هكذا تقوله العرب ، والقياس أن تقول أزري ـ بغير باء (٩) ـ كما يقال في النسب إلى رامهرمز : وامي (١٠) وهو مطرد في النسب إلى الأسماء

__________________

(١) في المصدر : الأخت ، وهي نسخة في ( ك‍ ).

(٢) قال في النهاية ٥ ـ ١٧٧ : ومنه حديث أبي بكر : وليت أموركم خيركم فكلكم ورم أنفه على أن يكون الأمر له من دونه.

(٣) نص عليه في النهاية ٥ ـ ١٧٧ ، ولسان العرب ١٢ ـ ٦٣٤.

(٤) في المصدر : واحدتها ، وهو الصحيح.

(٥) النهاية ٥ ـ ٧١ ، ومثله في لسان العرب ٣ ـ ٤٢٤ ، وغيره.

(٦) صرح به في القاموس ١ ـ ٣٦٣.

(٧) كذا ، والظاهر أن تكون العبارة هكذا : والأذربي في النهاية قال .. أي جاءت الأذربي في النهاية.

وجاء في النهاية : أذرب ( س [ ه‍ ] ) في حديث .. وكل ما ذكره المصنف ـ طاب ثراه ـ جاء في المصدر بالذال المعجمة.

(٨) في المصدر : لتألمن ، وكذا في اللسان.

(٩) في (س) : بغير ياء ، وهو سهو.

(١٠) كذا ، والظاهر : رامي ، كما جاءت في المصدر.

١٣٧

المركبة (١) ، والسعدان : نبت ذو شوك يشبه حلمة الثدي (٢) ، والحسك جمع الحسكة ـ بتحريكهما ـ : وهي شوكة صلبة (٣).

والجور : الميل عن الطريق (٤).

وقال ابن الأثير ـ في حديث أبي بكر ـ : « إنما هو الفجر أو البجر » البجر ـ بالفتح والضم ـ : الداهية والأمر العظيم .. أي إن انتظرت حتى يضيء الفجر أبصرت الطريق ، وإن خبطت (٥) الظلماء أفضت بك إلى المكروه ، ويروى البحر ـ بالحاء ـ يريد غمرات الدنيا ، شبهها بالبحر لتبحر أهلها فيها (٦).

والهيض ـ بالفتح ـ : الكسر بعد الجبر وهو أشد ما يكون من الكسر ، يقال هاضه الأمر يهيضه (٧).

ولا تأس .. أي لا تحزن (٨).

تذييل :

اعلم أن ما اشتمل عليه هذا الخبر أحد المطاعن المشهورة لأبي بكر ذكره الأصحاب ، قالوا : إن قوله : ليتني كنت سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هل للأنصار في هذا الأمر حق؟ يدل على شكه في صحة بيعته ، وقوله : ليتني تركت بيت فاطمة عليها‌السلام لم أكشفه ، وليتني في ظلة بني ساعدة كنت ضربت على يد أحد الرجلين .. يدل على ما روي من إقدامه على بيت فاطمة عليها

__________________

(١) النهاية ١ ـ ٣٣ ، ومثله في لسان العرب ١ ـ ٢٠٧.

(٢) ذكره في الصحاح ٢ ـ ٤٨٨ ، والقاموس ١ ـ ٣٠٢ ، ولسان العرب ٣ ـ ٢١٥.

(٣) قاله في النهاية ١ ـ ٣٨٦ ، وانظر : مجمع البحرين ٥ ـ ٢٦٢ ، والقاموس ٣ ـ ٢٩٨.

(٤) كما في النهاية ١ ـ ٣١٣ ، وانظر : مجمع البحرين ٣ ـ ٢٥١ ، والقاموس ٢ ـ ٣٩٤.

(٥) تقرأ الكلمة في (س) : خطت ، وفي المصدر ولسان العرب : خبطت ، كالمتن.

(٦) النهاية ١ ـ ٩٧ ، ومثله في لسان العرب ٤ ـ ٤١.

(٧) نص عليه في نهاية ابن الأثير ٥ ـ ٢٨٨ ، ومثله في لسان العرب ٧ ـ ٢٤٩ ، وانظر : مجمع البحرين ٤ ـ ٢٣٣ ، والقاموس ٢ ـ ٣٤٨.

(٨) ذكره في مجمع البحرين ١ ـ ٢٧ ، والصحاح ٦ ـ ٢٢٦٩ ، والقاموس ٤ ـ ٢٩٩.

١٣٨

السلام عند اجتماع علي عليه‌السلام والزبير وغيرهما فيه ، وعلى أنه كان يرى الفضل لغيره لا لنفسه.

وقوله : وددت أني سألت فيمن هذا الأمر فكنا لا ننازعه أهله .. كالصريح في أنه لم يكن أهلا للإمامة.

وقوله : وددت أني سألت عن ميراث العمة والخالة .. اعتراف بجهله بأحكام الدين.

وأجاب عنه قاضي القضاة في المغني (١) بأن قوله : ليتني .. لا يدل على الشك فيما تمناه (٢) ، وقول إبراهيم عليه‌السلام : ( رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ) (٣) أقوى في الشبهة من ذلك (٤) ، ثم حمل تمنيه على أنه أراد سماع شيء مفصل ، أو (٥) أراد ليتني سألته عند الموت لقرب العهد ، لأن ما قرب عهده لا ينسى ، ويكون أردع للأنصار عما حاولوه (٦).

ثم قال : على أنه ليس في ظاهره أنه تمنى أن يسأل (٧) هل له حق للإمامة أم لا؟ لأن الإمامة قد يتعلق بها حقوق سواها ، ثم دفع الرواية المتعلقة ببيت فاطمة عليها‌السلام ، وقال : فأما (٨) تمنيه أن يبايع غيره ، فلو ثبت لم يكن ذما ، لأن من اشتد التكليف عليه فهو يتمنى خلافه (٩).

__________________

(١) المغني ٢٠ ـ ٣٤١ ، باختلاف وتصرف.

(٢) هنا بياض في المصدر بعد كلمة : فيما. ولا توجد : تمناه.

(٣) البقرة : ٢٦٠ ، وقد ذكر في المصدر القسم الأول منها إلى قوله تعالى : الموتى.

(٤) في المغني : أقوم من ذلك في الشبهة.

(٥) في (س) : واو ، بدلا من : أو.

(٦) من قوله : ثم حمل .. إلى هنا نقل بالمعنى عن المصدر.

(٧) في المغني : أن يشك.

(٨) في (س) : فقال فأما .. وفي المصدر : وقال وأما ..

(٩) إلى هنا كلام قاضي القضاة في المغني.

١٣٩

وذكر شارح المقاصد (١) الطعن بأنه شك عند موته في استحقاقه للإمامة ، حيث قال : وددت أني سألت رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] عن هذا الأمر فيمن هو وكنا لا ننازع أهله؟ ثم أجاب : بأن هذا على تقدير صحته لا يدل على الشك ، بل على عدم النص ، وبأن (٢) إمامته كانت بالبيعة والاختيار ، وأنه في طلب الحق بحيث يحاول أن لا يكتفي بذلك ، بل يريد اتباع النص خاصة.

وبنحو ذلك أجاب الفخر الرازي في نهاية العقول (٣) عن الطعن بقوله : ليتني سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هل للأنصار فيه حق؟ .. إلا أنه لم يمنع صحة الرواية.

وأورد السيد الأجل رضي‌الله‌عنه في الشافي (٤) على كلام صاحب المغني بأنه ليس يجوز أن يقول أبو بكر : ليتني سألت عن .. كذا إلا مع الشك والشبهة ، لأن مع العلم واليقين لا يجوز مثل هذا القول ، هكذا يقتضي الظاهر ، فأما قول إبراهيم عليه‌السلام فإنما ساغ أن يعدل عن (٥) ظاهره ، لأن الشك لا يجوز على الأنبياء عليهم‌السلام ويجوز على غيرهم ، على أنه عليه‌السلام قد نفى عن نفسه الشك بقوله : ( بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ) (٦) ، وقد قيل : إن نمرود قال له : إذا كنت تزعم أن لك ربا يحيي الموتى فاسأله أن يحيي لنا ميتا إن كان على ذلك قادرا ، فإن لم يفعل ذلك قتلتك (٧) ، فأراد بقوله : ( وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ) (٨) .. أي لآمن

__________________

(١) شرح المقاصد ٥ ـ ٢٨٠.

(٢) في المصدر : وإن.

(٣) نهاية العقول : لا زلنا لا نعرف له نسخة خطية تامة فضلا عن كونه مطبوعا.

(٤) الشافي ٤ ـ ١٣٨ ـ ١٤٠ [ الحجرية : ٢٤٤ ـ ٢٤٥ ].

وفيه : يقال له : ليس يجوز .. إلى آخره.

(٥) وضع على : عن ، في مطبوع البحار رمز نسخة بدل ، وهو مثبت في المصدر.

(٦) البقرة : ٢٦٠.

(٧) في المصدر : فقتلتك.

(٨) البقرة : ٢٦٠.

١٤٠