خطط الشام - ج ٦

محمّد كرد علي

خطط الشام - ج ٦

المؤلف:

محمّد كرد علي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة النوري
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٦٤

الشرقية والشمالية والحائط الخارجي الشمالي من الجامع ربما كان الجزء الأسفل من المنارة بما فيه الحجارة المنحوتة البيضاء والسوداء قديم العهد أيضا. وفي هذا الجامع بقايا منبر جميل عمل من الخشب ويرد إلى زمن نور الدين ثم محراب مزين أجمل زينة له سوار من الرخام المجزع من زمن الملك المظفر تقي الدين (٦٢٦ ـ ٦٤٢) وفي مكان آخر من الشرق محراب ذو سوار من المرمر زبر في تيجانها اسم أبي الفداء.

والجامع الأول هو الذي قام على أنقاض الكنيسة أو حوّل منها في زمن الفاتح ، وهو جامع السوق الأعلى وجدّد في خلافة المهدي من خراج حمص على ما نقش على رخامة فيه ، ثم جاء المظفر عمر فزاد فيه وبنى مدرسة بجواره ، ثم أتى إبراهيم الهاشمي فأنشأ منارته الشمالية سنة (٨٢٥) كما زبر ذلك على رخامة فوق بابها ، ومن بنائه الحرم الصغير في جانب المسجد من جهة الشرق ورواق الجامع أيضا بناه سنة (٨٣٢) ، وجامع الحيات أو جامع الدهشة الذي بناه الملك المؤيد وبنى لحرمه من جهة الشرق شباكين كبيرين بينهما عمود كبير من الرخام على صورة أفاعي ملتفة ولهذا يسمى جامع الحيات. وقد نقش حرمه بالذهب والفسيفساء والرخام الملون في جدرانه وأرضه وعمل له من الغرب شباكين كما في جهة الشرق ، غير أنهما هدما وأدخلا في البستان المجاور له ، ولم يبق غير الشباكين. وذهبت خزانة الكتب الموقوفة وكان فيها سبعة آلاف مجلد. ويرى الداخل إلى حرمه حتى اليوم زنارا على ساريتين محفورا من الرخام وصورته :

«أمر بعمل هذا الجامع المبارك السلطان الملك المؤيد عماد الدنيا والدين إسماعيل بن الملك الأفضل نور الدين علي بن الملك المظفر تقي الدين محمود ابن الملك المنصور ناصر الدين محمد بن الملك المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه ابن أيوب في شهور سنة سبع وعشرين وسبعمائة».

ومن الجوامع في حماة جامع السلطان في محلة الدباغة وهو متسع ، بناه السلطان بدر الدين حسن شقيق أبي الفداء على هيأة جامع الدهشة وفي كل منهما رخام محفور بالآيات القرآنية كتبتها يد واحدة ، وله رواق كبير وفي محرابه كتبت آيات بالخط الكوفي. وفيها جامع العزة بناه محمد بن حمزة

٦١

العزي سنة (٧٢٣) وهو مهجور. وفيها جوامع بناها بعض آل الكيلاني الذين سكنوا حماة منذ القرن السابع ولها أوقاف عظيمة دارة إلى اليوم. ومن الجوامع الحديثة جامع الحميدية الخ.

جوامع العاصمة وضواحيها :

إذا صرفنا النظر عن الكلام على الجامع الأموي مفخرة دمشق على توالي الأيام والمعدود من المصانع العظيمة في العالم ، وعمدنا إلى وصف بعض جوامع العاصمة ومساجدها نجد عدد المساجد في العهد الأخير بحسب إحصاء ديوان الأوقاف ثمانية وخمسين مسجدا وجامعا ، منها جامع الباشورة في الشاغور ومسجد الجديد في مسجد الأقصاب وجامع الأتابكية في الجركسية بالصالحية وجامع حسان في القماحين بباب الجابية ودرويش باشا في الدرويشة (٩٨٢) واسمه القديم الاخصاصية وسعه درويش باشا ، وجامع الدقاق في الميدان الفوقاني والركنية في الصالحية ومسجد رستم في العقيبة وزيد بن ثابت في باب السريجة وجامع السقيفة في العمارة وجامع سيدي بشارة في باب المصلى وجامع سيدي صهيب في الميدان التحتاني وجامع السنجقدار وشادي بك في القنوات والطاغوسية في البحصة والعداس في القنوات ومسجد العداس الصغير في العمارة وجامع عبد الغني النابلسي في الصالحية وجامع برسباي المعروف بجامع الورد في سوق ساروجا (٨٥٢) وجامع كافل سيباي في الدرويشية.

وفي هذا الإحصاء نظر لأن جوامع دمشق ومساجدها أكثر من ذلك ولعل من مصلحة الأوقاف أن تقلل من عددها لكي يتسع لها المجال أكثر مما اتسع لاستصفاء وقوفها فقد فاتها في هذه الجريدة ذكر جامع السنانية عمره يوسف عبد الله سنان باشا سنة (٩٩٩) في محل مسجد البصل وجامع يلبغا أنشئ سنة (٨٤٧) وجامع التوبة في العقيبة وجامع الجراح في باب الصغير عمره الملك الأشرف موسى (٦٣١) وله منبر جميل مهم. وجامع الجديد وهو جامع المعلق بين الحواصل أجمل بناء في دمشق جدده نائب الشام سنة (١٠٥٨) ويظن أن أصله من القرن السابع أو السادس. وجامع الحنابلة في الجبل ويقال له جامع المظفري أنشأه ابن قدامة المقدسي (٥٩٨) وأتمه الملك المظفر كوكبوري صاحب إربل وهو جامع جليل.

٦٢

ومن الجوامع الجليلة جامع المرادية في السويقة له منبر ومحراب بديعان. ومنها جامع منجك في الميدان أنشأه الأمير إبراهيم بن سيف الدين منجك (٨٠٠). جامع النحاس شرقي الركنية في الصالحية في بستان النحاس عماد الدين بن عبد الله بن الحسين بن النحاس (٦٥٤). ومن الجوامع التاريخية التي لم تشتهر كثيرا جامع الحشر في الجانب الغربي من القلعة لأرغون شاه جدده سنان جاووش يكيجري (١٠٠٨). الحيوطية للأمير علي بن حيوط (٨٨٥) العسالي لأحمد باشا كوجك (١٠٥٤) أنشأه أحمد بن علي العسالي شيخ الخلوتية. جامع المزاز (٨١٣) لعزران شاه السيد تقي الدين الزينبي الجنوبي خرب في فتنة تيمور فجدده الطوش مرحاب. جامع الجوزة في العمارة وسعه القاضي ناظر الجيش (٨٣٠) جامع خليخان خارج باب كيسان من الجنوب أنشأه نجم الدين بن خليخان (٧٢٦) جامع الكريمي (٧٢٤) بالقبيبات أنشأه عبد الكريم بن هبة الله المصري. جامع باب المصلى أنشأه (٦٠٦) الملك العادل أبو بكر بن أيوب. وكان هذا السلطان مولعا بالعمران أنشئت في عهده مساجد كثيرة في مملكته. جامع الحاجب في سوق ساروجا (٨٨٠) جامع السقيفة دفن فيه عثمان السقيفي من الصحابة فيما يقال أنشأه خليل الطوغاني (٨١٤) وكان محله يعرف بالسبعة. وهناك مساجد دثرت لانها ليس في جوارها من يتعهدها مثل جامع الأحمر في حي اليهود والبهائية في باب توما.

وفي مفكرات طارق أن اسم سوق القطن القديم بدمشق سوق النسقار وفيه جامع هشام أنشأه القاضي بدر الدين بن مزهر (٨٣٠) وأن محراب جامع التوبة مهم وكذلك منبره ونوافذه ومثل ذلك جامع الشامية وجامع التبان في المناخلية فإن فيه عمودين مهمين وفيه قاشاني ومنبر قديم وملاصق جامع السيدة سكينة جامع من بناء الملك الظاهر عليه كتابات وفي جامع ركن الدين منكورش المعروف بالركنية في حي الأكراد نقوش وكتابات مهمة.

هذا غاية ما يقال في مساجد دمشق اليوم. وقد عدد ابن عبد الهادي القسم الأعظم من مساجدها في القرن العاشر مع أنه لم يستقص أسماء كثير من الجوامع في الضاحية بما يناهز خمسمائة قال : فناهيك ببلدة يحتوي واديها فقط على

٦٣

زهاء ألف وخمسمائة مسجد ، وأما ما هو محيط بمعاملتها مما وراء جبالها فهو كثير للغاية اه. وذيل على كتابة الدكتور أسعد طلس فأورد وصف ثلاثمائة وثمانية مساجد في دمشق زارها كلها وبحث في حاضرها وغابرها وبعضها من المساجد التي عرضنا لها في هذا الفصل وكان فات إدارة الأوقاف ذكرها في المساجد الباقية. قال كاتب چلبي في القرن الحادي عشر : إن عدد جوامع دمشق بين كبير وصغير يبلغ مئة وخمسين جامعا وإن الدولة العثمانية أنشأت فيها عدة جوامع على طرز جوامع ديار الروم فبنت جامع السلطان سليمان بين الشرفين الأعلى والأدنى وأنشأت جامع درويش باشا مير ميران ولاية الشام وأنشأت جامع سنان باشا خارج باب الجابية وأنشأت جامع قره مراد باشا مير ميران ولاية الشام خارج السور فوق طريق الشام على سمت طريق باب المصلى اه.

وإذا توغلنا في التاريخ إلى القرن السادس نجد ابن عساكر قد عد من المساجد التي بنيت بدمشق ٢٤١ مسجدا وجامعا في داخلها و ١٨٤ في ظاهرها مما ليس في قرية مسكونة أو معمورة. قال ابن شاكر : وقد أحدثت بعد الحافظ ابن عساكر مساجد كثيرة داخلا وخارجا هذا مع ما اختصت به دمشق من كثرة المدارس والأوقاف. ومن المساجد التي عدها الحافظ منسوبة إلى أحد الصحابة مسجد ايمن بن خريم (١) بن فاتك الأسدي الصحابي ، ومسجد مروان بن الحكم ومسجد واثلة بن الأسقع ، وفضالة بن عبيد الصحابي الأنصاري قاضي دمشق. ولتغير المعالم بها لا تعرف أسماء الأحياء التي ذكر أنها كانت فيها. قال ابن شاكر : وأما المساجد الخارجية عن البلد فمنها مسجد بين حجيرا وراوية (قبر الست) على قبر مدرك بن زياد ومسجد في راوية على أم كلثوم من أهل البيت. ومسجد كنان قبلي قذايا. قرية كانت قبلي مقابر اليهود فخربت ، ومسجد في مقبرة باب توماء عند النهر المجدول بقرب الصفوانية يعرف بخالد بن الوليد لأنه صلى به وقت الحصار ، ومسجد يعرف بمسجد النبي في أرض المصيصة له منارة. والمصيصة قرية كانت عامرة فخربت شرقي

__________________

(١) لا يؤيد التاريخ بعض قبور الصحابة والمساجد المنسوبة إليهم. وعن الحافظ عبد الغني قال : لم يتفق المسلمون على معرفة قبر نبي وصحابي غير قبر نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقبري صاحبيه أبي بكر وعمر رضي‌الله‌عنهما.

٦٤

بيت لهيا ، ومسجد عند بيت أبيات يعرف بمسجد آدم ، ومسجد معاوية من أرض قينية على طريق المزة وداريا ، ومسجد الحجر ويعرف بمسجد النارنج قرب المصلى ، ومسجد القدم عند القطائع بقرب عالية وعويلية قديم له منارة.

ولقد كانت مساجد الغوطة عامرة كلها إلى دخول العثمانيين ثم أخذت تخرب في عهدهم ، فقد كان في كل قرية من قرى دمشق مسجد أو مساجد جامعة بحسب ضخامة القرية ، وعشرات من هذه القرى خربت برمتها في القرون الأخيرة فذهبت معها الجوامع بالطبيعة. ومن القرى التي مرت بنا وذهب اسمها ورسمها راوية وفذايا والمصيصة وبيت لهيا وبيت أبيات وقينية وعالية وعويلية والنيرب والربوة. ولقد كان في الربوة عدة مساجد ومدارس. وفي تاريخ الصالحية أن المقاصف كانت تعمر عمائرها للنزهة من غير طين ، والعمائر المكلفة كانت للمدارس والجوامع وأن قاعة المسجد الديلمي الذي جدده نور الدين في الربوة قد بناها على شعب الجبل ، سقفها نهر يزيد ، وأساسها نهر ثورا من المقامات التي لا تدرك. قال : وبقي بعد الألف من هذا المسجد المأذنة وأثر العمار ثم دثر.

وكان بالنيرب تسعة مساجد عدها ابن عبد الهادي ، والآن ليس فيها أثر لمسجد ولا لقرية. وكان في القابون الفوقاني ثلاثة مساجد وبالقابون التحتاني ثلاثة ، وليس فيهما الآن سوى مسجد واحد حقير. وهكذا مساجد قرى الغوطة والمرج وقلمون فإنها كلها ليست ذات شأن ، ومن أجملها اليوم جامع التل وعربيل ودومة وداريا. ومما دثر مسجد خاتون في منتصف الطريق بين دمشق والمزة. كما دثرت مساجد المزة وكانت بضعة مساجد وجوامع ، منها مسجد بناه ابن عنين الوزير الشاعر في القرن السابع ، وفي هذا القرن أيضا بنى بها الوزير صفي الدين بن شاكر جامعا ، وهو الذي بلط جامع دمشق وأحاط سور المصلى عليه وعمل الفوارة وبنى جامع حرستا. والجوامع والمساجد اليوم صورة من عمراننا ، وعمراننا كان متراجعا إلى عهد قريب ، وهو اليوم آخذ بالتقدم فلا يبعد أن تقوم المساجد بعد الآن على قانون ينم عن حسن ذوق في البناء فيعيد الصورة القديمة مضمومة إلى التحسين الحديث.

٦٥

المدارس

نشأة المدارس :

اتخذ المسلمون مساجدهم للصلاة والعبادة وتلقي القرآن وعلومه والحديث وفنونه وعلوم اللسان ، وما يتعلق بذلك من المطالب التي فيها قيام أمرهم ، وخدمة دينهم أولا ولغتهم ثانيا ، وظلوا على ذلك في الشام حتى أنشأ بدمشق رشأ بن نظيف بن ما شاء الله الدمشقي سنة (٤٤٤) مدرسته المعروفة بالرشائية اتخذها دار قرآن ، وكان الحسن بن عمار قاضي طرابلس للفاطميين والمتغلب عليها أقام في بلده دار حكمة أو شبه مدرسة جامعة على نحو دار الحكمة التي أنشأها الحاكم بأمر الله في مصر سنة أربعمائة. ولما أراد المعتضد بالله العباسي بناء قصره ببغداد استزاد في الذرع بعد أن فرغ من تقدير ما أراد فسئل عن ذلك فذكر أنه يريده ليبني فيه دورا ومساكن ومقاصير يرتب في كل موضع رؤساء كل صناعة ومذهب من مذاهب العلوم النظرية والعملية ويجري عليهم الأرزاق السنية ليقصد كل من اختار علما أو صناعة رئيس ما يختاره فيأخذ عنه. وأول من حفظ عنه أنه بنى مدرسة في الإسلام أهل نيسابور فبنيت بها المدرسة البيهقية ثم مدرسة الأمير نصر بن سبكتكين وتبعه غيره. وعني السلاجقة بإنشاء المدارس في أقطار الشرق ، وكان آلب أرسلان إذا رأى في بلد رجلا متميزا متبحرا في العلم بنى له مدرسة ووقف عليها وقفا وقرر فيها للفقهاء معاليم وجعل فيها دار كتب ، ونظام الملك أحد وزراء السلاجقة الذي أنشأ المدرسة النظامية في بغداد في القرن الخامس أيضا.

أصبحت طرابلس بدار الحكمة التي أنشأها فيها ابن عمار كعبة علم ،

٦٦

كما كانت حلب على عهد سيف الدولة بن حمدان كعبة أدب. ويقال : إنه كان في طرابلس في ذاك القرن عدة مدارس وخزائن كتب لم يبلغنا خبرها. وعلى هذا فالمدارس في الإسلام نشأت في أواخر القرن الرابع وعرفت جيدا في الخامس والسادس. ونقصد بالمدارس تلك الدور المنظمة التي يأوي إليها طلاب العلم ، وتدر عليهم المعاليم والأرزاق ، ويتولى تدريسهم وتثقيفهم فئة صالحة من المدرسين والعلماء ، وهم موسع عليهم في الرزق ، يختارون بحسب شروط الواقف ممن يحسنون القيام بالغرض الذي ندبوا للدعوة إليه ، ويجازون بما تعلموا من ضروب المعارف الآلهية والبشرية.

ولقد كان من نور الدين محمود بن زنكي لما استولى على الشام همة عظيمة في إنشاء المدارس لأهل السنة والجماعة كما أنشأ القائد جوهر الأزهر في القاهرة ، والقاضي ابن عمار دار الحكمة في طرابلس لبث التشيع ، وأخذ نور الدين يستدعي فحول العلماء من الأقطار ويبني لهم المدارس ويدر عليهم المشاهرات حتى قالوا : إن الشام أصبح على عهده مقر العلماء والفقهاء والصوفية. بنى سنة (٥٤٥) في حلب المدرسة العصرونية واستدعى لها من سنجار شرف الدين بن أبي عصرون من أعيان فقهاء عصره وبنى له مدرسة بمنبج وأخرى بحماة وثالثة في حمص ورابعة ببعلبك وخامسة بدمشق ، وفوض إليه أن يولي التدريس فيها من يشاء. وبنى لقطب الدين النيسابوري المدرسة العادلية بدمشق ولم يتمها. وأول مدرسة بنيت في حلب أنشأها بدر الدولة أبو الربيع سليمان ابن عبد الجبار بن أرتق صاحب حلب سنة عشر وخمسمائة وسميت المدرسة الزجاجية. وأول ما عرف من المدارس في القدس ما بناه صلاح الدين يوسف ابن أيوب ونسب إلى جماعته.

وقد ذكر الرحالة ابن جبير الذي زار دمشق في سنة ثمانين وخمسمائة أنه كان فيها نحو عشرين مدرسة تقوم بالإنفاق على من يدخل فيها للتعليم والاستفادة. وقال : إن هذه المارستانات مفخر عظيم من مفاخر الإسلام والمدارس كذلك وأن الرباطات قصور مزخرفة. وقال في كلامه على مشاهد دمشق : ولكل مشهد من هذه المشاهد أوقاف معينة من بساتين وأرض بيضاء ورباع حتى : إن البلدة تكاد الأوقاف تستغرق جميع ما فيها وكل مسجد يستحدث

٦٧

بناؤه أو مدرسة أو خانقة يعين لها السلطان أوقافا تقوم بها وبساكنيها والملتزمين لها ، وهذه أيضا من المفاخر المخلدة. ومن النساء الخواتين ذوات الأقدار من تأمر ببناء مسجد أو رباط أو مدرسة وتنفق فيها الأموال الواسعة وتعين لها من مالها الأوقاف ، ومن الأمراء من يفعل مثل ذلك اه.

ومعظم المدن مدارس مدينة دمشق ، كثرت في الدولتين النورية والصلاحية وقام بإنشاء بعضها العتقاء والخصيان والإماء والبنات ، ومنها ما بني بالمال الحلال من أموال الغنائم ، ومنها ما بناه بعض أهل الخير من بنات الملوك والملكات ، ومن القواد والسادة ، ومنها ما أنشأه أهل اليسار من التجار وغيرهم. وأكثر من بنوا المدارس في دمشق هم غرباء عنها ، ولو لا بضع مدارس أنشئت في القرن الثاني عشر في حلب ودمشق لقلنا : إن تاريخ المدارس فيهما ختم بانقراض ملوك الطوائف ودخول الدولة العثمانية الديار الشامية. ومن رأى كثرة المدارس في القرن السادس والسابع والثامن والتاسع وقلة ما شيد منها في القرن العاشر والحادي عشر والثاني عشر ، يستنتج معنا أن الأمة إذ ذاك كانت على جانب من التدين والغنى وحب الخير أكثر من القرون التالية ، وأن بعض من جمعوا ثروات كانوا يحبون أن يتصدقوا من مالهم بشيء يعتقدون أنه قربى لهم يوم الجزاء ، وقد فسد الناس في القرون الأخيرة وتوفروا على التهام تلك المدارس وأوقافها. وهي على الأكثر تقسم إلى أقسام ، فمنها مدارس للشافعية يقرأ فيها فقه الإمام أحمد بن إدريس الشافعي ، وأخرى للحنفية يتلى فيها فقه الإمام الأعظم أبي حنيفة ، وغيرها للحنابلة لفقه الإمام أحمد بن حنبل ، وبعضها للمالكية أي فقه الإمام مالك بن أنس ، ومنها مدارس أو دور للقرآن يتلقون فيها القراءات على الأصول وما يتعلق بذلك ، ومنها دور للحديث يأخذون فيها فنون الحديث ويروونه. وكان في دمشق خاصة مدارس لتعليم الطب والصيدلة والكحالة ومدرسة للهندسة يتخرج فيها مهندسون وبناؤون ، ولم يتصل بنا أنه أنشئ في عواصم ذاك العهد : قصبة الوسط دمشق ، وقصبة الشمال حلب ، وقصبة الجنوب القدس ، مدارس لتعليم الفلسفة والعلوم الطبيعية والرياضية ، ولعل بعض العلوم وخصوصا الفلك والجغرافيا والتاريخ كانت تدرس في تلك المدارس كما كانت تدرس في الجوامع في بعض الأدوار ،

٦٨

وكان أبو شامة في القرن السادس يقرئ التاريخ درسا عاما في الجامع الأموي بدمشق ، وقد وصف أبو الفضل بن منقذ الكناني هذه المدارس بقوله :

ومدارس لم تأتها في مشكل

إلا وجدت فتى يحل المشكلا

ما أمّها مرء يكابد حيرة

وخصاصة إلا اهتدى وتمولا

وبها وقوف لا يزال مغلها

يستنقذ الأسرى ويغني العيّلا

وأئمة تلقي الدروس وسادة

تشفي النفوس وداؤها قد أعضلا

ومعاشر تخذوا الصنائع مكسبا

وأفاضل حفظوا العلوم تجملا

وقال السابق أبو اليمن المعري في وصف مدارس حلب ومنه استدللنا أنها كانت تدرس العلوم المختلفة :

فلديها كل الفنون وفيها

ما اشتهاه الشرعي والفلسفي

لا جرم أنه كان لإلقاء العلوم في تلك المدارس نظم ومناهج ، ويقرأ الطلبة أشهرا مخصوصة ويفحصون فيما تعلموه ، ولا ينال الإجازة بالتدريس والخطابة والإمامة إلا من ثبتت لمشايخه كفايته ، وكان على استعداد لأن يزداد علما بعد إنجاز الطلب وإجازة الطلاب بمسموعات مشايخهم ومروياتهم.

دور القرآن بدمشق :

في مدينة الرسول بنيت أول دار للقرآن في الإسلام. وذكر الواقدي أن عبد الله بن أم كلثوم قدم مهاجرا إلى المدينة مع مصعب بن عمير رضي‌الله‌عنهما وقيل : قدم بعد بدر بيسير فنزل دار القرآن. وكان في دمشق سبع دور للقرآن على ما في الدارس وهي :

(١) «الخيضرية» شمالي دار الحديث السكرية بالقصاعين وتنسب إليها اليوم محلة الخيضرية ، أنشأها قاضي القضاة قطب الدين الخيضري الدمشقي سنة (٨٧٨) ووقف عليها وعلى مسجد آخر أوقافا جمة ، وقد بقي اليوم جزء صغير منها استحال زاوية للشاذلية.

(٢) «الدلامية» بالقرب من الماردانية على الجسر الأبيض بالجانب الشرقي من الشارع الآخذ إليه بالصالحية فوق نهر ثورة على طريق الجركسية ، أنشأها زين الدين دلامة بن عز الدين نصر الله البغدادي البصري وكان من أجل

٦٩

أعيان الخواجكية بالشام ووقفها سنة (٨٤٧) وهي الآن عبارة عن مصلى ومنزلين بالقرب من جامع كعكع. وفي كتاب وقفها أن صاحبها رتب بها إماما وله من المعلوم مائة درهم ، وقيّما وله مثل الإمام ، وستة أنفار من الفقراء الغرباء المهاجرين لقراءة القرآن ، ولكل منهم ثلاثون درهما في كل شهر ، ومن شرط الإمام الراتب أن يتصدى لإقراء القرآن للمذكورين وله على ذلك زيادة على معلوم الإمامة عشرون درهما ، وستة أيتام بالمكتب الذي على بابها ولكلمنهم عشرة دراهم في كل شهر أيضا وقرر لهم شيخا وله من المعلوم ستون درهما في كل شهر ، ولقراءة البخاري في الشهور الثلاثة وللقارئ من المعلوم مائة درهم ، وعاملا وله من المعلوم كل سنة ستمائة درهم ، ورتب للزيت في كل عام مثلها ، وللشمع لقراءة البخاري والتراويح مائة درهم ، ولأرباب الوظائف خمسة عشر رطلا من الحلواء ورأسي غنم أضحية ، ولكل من الأيتام جبة قطنية وقميصا.

(٣) «الجزرية» قيل : إنها كانت بدرب الحجر نسب إيقافها لمحمد بن محمد الجزري المقري المحدث. ولعل درب الحجر هو طريق الجركسية قرب الدلامية فتكون دار الشيخ محمد في حارة الشرباتي.

(٤) «الرشائية» شمالي الخانقاه السميساطية الملاصقة للجامع الأموي من شماليه أنشأها في حدود سنة أربع وأربعين وأربعمائة رشأ بن نظيف ابن ما شاء الله الدمشقي المقري. وقد درست الآن وبنيت المدرسة الاخنائية مكانها كما في الكواكب السائرة. وقيل : كانت بباب الناطفانيين أو بالعصرونية. قال الكتبي : هي التي جوار الخانقاه السميساطية من الشمال. قال ابن قاضي شهبة : وقد زالت عينها وأدخلت في غيرها.

(٥) «السنجارية» كانت تجاه باب الجامع الأموي الشمالي أنشأها علي بن إسماعيل السنجاري أحد التجار الأخيار المتوفى سنة (٧٣٥) وهي أمام الاخنائية استحالت دارا ولم يبق غير بابها وعليه وقفها (١).

(٦) «الصابونية» خارج باب الجابية قبالة تربة الباب الصغير لشهاب

__________________

(١) أشكر للشيخ عبد المحسن الأسطواني لتفضله بإطلاعي على مفكراته في مدارس هذه المدينة ومطالعاته الخاصة فيها.

٧٠

الدين أحمد بن علم الدين بن سليمان بن محمد البكري المعروف بالصابوني تم إنشاؤها سنة (٨٦٨) وبنى أيضا تجاهها بشرق مكتبا لأيتام عشرة بشيخ لهم يقرئهم القرآن العظيم بمعاليم شرطها لهم معلومة تصرف عليهم من جهات عديدة منها عدة قرى غربي مدينة بيروت تحت يد أمير الغرب تعرف بالصابونية ولا تزال هذه الدار باقية إلى اليوم وهي مدفن السادة بني البكري.

(٧) «الوجيهية» قبلي المدرسة العصرونية والمسرورية وغربي الصمصامية التي شمالي الخاتونية أنشأها وجيه الدين محمد بن عثمان بن المنجا الرئيس شيخ الحنابلة الدمشقي التنوخي سنة (٦٩٠) درست وأصبحت مخازن ودورا.

وفي ترجمة تنكز أنه عمل دارا للقرآن إلى جانب داره دار الذهب بدمشق وعلى ذلك فتكون دور القرآن ثمانية. وما أجمل ما قال علي بن منصور السروجي في دمشق :

في كل قصر بها للعلم مدرسة

وجامع جامع للدين معمور

كأن حيطانه زهر الربيع فما

يملّه الطرف فهو الدهر منظور

يتلى القران به في كل ناحية

والعلم يذكر فيه والتفاسير

دور الحديث بدمشق :

عني المسلمون أي عناية برواية الحديث الشريف لفهم السنة والكتاب وللتبرك والتفقه. وأول من بنى دار حديث في الشام وربما كانت مدرسته الأولى من نوعها في بلاد الإسلام نور الدين محمود بن زنكي وكثرت دور الحديث بعد ذلك. وكان في دمشق على ما ذكر في الدارس ثماني عشرة دارا للحديث وهي :

(٨) «الأشرفية» جوار باب القلعة الشرقي غربي العصرونية ، وشمالي القايمازية الحنفية ، وفي رواية أن القايمازية مدرسة ، وكانت دار الأمير قايماز ابن عبد الله النجمي فاشتراها الملك الأشرف موسى بن العادل وبناها دار حديث ونجز بناؤها سنة (٦٣٠) ، درس بها جلة من العلماء مثل ابن الصلاح وابن الحرستاني وأبي شامة والنواوي والشريشي والفارقي وابن الوكيل وابن الزملكاني والحافظ المزي والسبكي وابن كثير وغيرهم ، وكانت يد

٧١

التعدي تسطو على هذه المدرسة في أواخر القرن الماضي كما سطت على غيرها من المدارس فقام الشيخ يوسف البيباني المغربي واستخلصها وأعادها مدرسة وسكنها من بعده نجله الشيخ بدر الدين الحسني جعلها مقره تقرأ فيها دروسه وقد حرقت في حريق سنة (١٣٣٠ ه‍) الذي دمر أربعة شوارع من شوارع المدينة ودمر ما فيها من المدارس ثم رممت ترميما خفيفا وعاد بعض الطلبة والغرباء فسكنوها.

(٩) «الأشرفية البرانية» بسفح جبل قاسيون على ضفة نهر يزيد تجاه تربة الوزير تقي الدين التكريتي وشرقي المرشدية الحنفية وغربي الأتابكية الشافعية ، بناها الملك الأشرف المظفر موسى بن العادل باني دار الحديث المتقدمة قبل سنة (٦٤٣) ودرس فيها جلة من العلماء أخذها المجمع العلمي العربي من الأوقاف ليجعل فيها خزانة كتب يختلف إليها أهل تلك المحلة ولم يتم له ترميمها لقلة المال.

(١٠) «البهائية» داخل باب توماء كانت دار بهاء الدين أبي محمد القاسم ابن بدر الدين أبي غالب المظفر المتوفى سنة (٧٢٣) وليس لها اليوم أثر.

(١١) «الحمصية» كانت معروفة بحلقة صاحب حمص في الجامع الأموي فقدت وجهل مكانها ، وفي مفكرات طارق أن الحمصية في سويقة صاروجا أمام جامع الشامية بدئ باختلاسها منذ سنة (٩٠٠).

(١٢) «الدوادارية» دار حديث ومدرسة ورباط داخل باب الفرج وهو باب المناخلية اليوم ، لعلم الدين سنجر الدوادار المحدث الحافظ المتوفى سنة (٦٩٩) من نجباء الترك وعلمائهم وهي غير معروفة لعهدنا ولعلها الدار الكائنة أمام بحرة الدفاقة فظاهرها يدل على ذلك.

(١٣) «السامريّة» وبها خانقاه بالقرب من محلة مأذنة الشحم في زقاق الشيخ الدسوقي ، أنشأها أحمد بن محمد البغدادي السامرّي وهو مدفون بها. والسامرّي نسبة إلى سرّ من رأى بلد على دجلة. قال الصلاحي الكتبي : إن سيف الدين السامرّي كان يسكن داره المليحة التي وقف عليها خانقاها ووقف عليها باقي أملاكه وكان السلطان صادرها (٦٩٦). وهي موجودة اليوم ولكن لم يبق منها غير المدفن ويقال للحي زقاق السلمي.

٧٢

ومن دور الحديث الداثرة.

(١٤) «السكرية» بالقصاعين وهو أول سوق الخلق (القميلة) وكان أمس سوق القطن داخل باب الجابية ، وهي ما يظهر داخل الدخلة التي شرقي جامع شركس ، درست وكان درّس بها ابن تيمية ووالده والحافظ الذهبي.

(١٥) «الشقيشقية» بدرب البانياسي في ظاهر المدينة أنشأها نصر الله الشيباني الصفّار المعروف بابن الشقيشقة وهي من الدوارس ، ومن الدوارس أيضا.

(١٦) «العروية» بمشهد عروة من الصحن الشرقي من الجامع الأموي قبالة الحلبية المعروفة قديما بمشهد علي ، أنشأها محمد بن عروة الموصلي ووقف عليها مكتبة عظيمة توفي سنة (٦٢٠) ومحلها معروف وهي مستودع للجامع.

(١٧) «الفاضلية» بالكلاسة منسوبة للقاضي الفاضل البيساني من رجال صلاح الدين والمدرسة جوار تربة هذا السلطان وهي الآن مساكن.

(١٨) «القلانسية» غربي مدرسة أبي عمر بالصالحية بها رباط ومنارة يمر في وسطها نهر يزيد ، إنشاء أبي يعلى حمزة التميمي المعروف بابن القلانسي من كبراء دمشق المتوفى سنة (٧٢٩) وكان في رباطه هذا مأذنة ودار حديث وبر وصدقة ، وقد جعلت هذه المدرسة مسجدا صغيرا بمعاونة رجل اسمه إسماعيل التكريتي.

(١٩) «القوصية» بالقرب من الرحبة قال بعضهم : إنها في الجامع الأموي بجوار الشافعية وهي إحدى حلقات الجامع قديما.

(٢٠) «الكرّوسية» غربي مأذنة الشحم لمحمد بن عقيل بن كرّوس السلمي محتسب دمشق المتوفى سنة (٦٤١) كان فيها ثلاثة قبور وجعلت دورا وهي شمالي السامرية.

(٢١) «النورية» هي من دور الحديث الباقية وأول دار أنشئت لهذا الغرض أنشأها نور الدين محمود بن زنكي ، وهي الآن مسجد جامع وبها قبره يزار ويتبرك به ، تولى مشيختها في عصره الحافظ أبو القاسم بن عساكر

٧٣

هذه هي النورية الكبرى.

(٢٢) أما «النورية الصغرى» فهي في العصرونية بين دار الحديث الأشرفية ومدرسة العصرونية أمام العادلية الصغرى وقد حرقت في الحريق الأخير. وفي النورية الكبرى فيما نظن يقول عرقلة الدمشقي :

ومدرسة سيدرس كل شيء

وتبقى في حمى علم ونسك

تضوّع ذكرها شرقا وغربا

بنور الدين محمود بن زنكي

يقول وقوله حق وصدق

بغير كناية وبغير شك

دمشق في المدائن بيت ملكي

وهذي في المدارس بيت ملكي

(٢٣) «النفيسية» قبلي البيمارستان الدقاقي (كذا) وباب الزيادة أي القوافين اليوم على يمنة الخارج منه شمالي غربي المدرسة الأمينية إنشاء النفيس إسماعيل بن محمد الحرّاني ناظر الأيتام المتوفى سنة (٦٩٦) حدثنا الثقة أنه رأى حجر بابها باقيا بحاله وقد طمس بالطين حتى لا يظهر أثرها وأصبحت دورا.

(٢٤) «الناصرية» كان بها رباط قبلي جامع الأفرم بسفح قاسيون وهي الناصرية البرانية إنشاء الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن الملك العزيز سنة (٦٥٤) أمست حديقة الآن وكانت أنقاضها ظاهرة الى عهد قريب وأدخلت أحجارها في ترصيف ضفة يزيد وفيها جسر معقود جميل ربما كان الموصل إلى دمشق ويتجاوز عرضه ثلاثين مترا.

(٢٥) «التنكزية» دار قرآن وحديث شرقي حمام نور الدين الشهيد وراء سوق البزورية أنشأها نائب السلطنة تنكز سنة (٧٢٨) وهي الآن مدرسة للصبيان سميت الهاشمية وكان هندسها المعمار أيدمر المعني.

(٢٦) «الصبابية» دار قرآن وحديث قبلي العادلية الكبرى وشمالي الطبرية أنشأها شمس الدين بن الصباب. قال في مختصر الدارس إنها احترقت في الفتنة أي فتنة تيمورلنك ولم يبق لها أثر سوى سبيل الماء.

(٢٧) «المعبدية» دار حديث وقرآن والمشهور إنها دار قرآن ، إنشاء الأمير علي بن معبد البعلبكي ليست معروفة.

٧٤

مدارس الشافعية بدمشق :

في الدارس أنه كان في دمشق سبع وخمسون مدرسة للشافعية وهي :

(٢٨) «الأتابكية» بالصالحية غربيها المرشدية ودار الحديث الأشرفية المقدسية ، أنشأتها أخت نور الدين أرسلان بن أتابك صاحب الموصل المتوفاة سنة (٦٤٠) وبها قبرها وقد جعلت لعهدنا مصلى درس بها زمرة من مشاهير علماء الشافعية.

(٢٩) «الإسعردية» بالجسر الأبيض بالصالحية دثرت وهي في وسط البساتين ، أنشأها إبراهيم بن مبارك شاه الإسعردي من أرباب الثراء والسخاء توفي سنة (٨٢٦) ودفن بتربة مدرسته. قال ابن قاضي شهبة : كان الإسعردي هذا والشمس ابن المزلق أكبر تجار دمشق وله المتاجر السائرة في البلدان قد أعطاه الله المال والبنين ، وكان عنده كرم وإحسان إلى الفقراء ، وكان صاحب هذه المدرسة الإسعردية يقول : عجائب الدنيا أربعة وأحسنها غوطة دمشق ، وأحسن الغوطة الصالحية ، وأحسن الصالحية الجسر الأبيض!

(٣٠) «الأسدية» بالشرف القبلي ظاهر دمشق مطلة على الميدان الأخضر وهي على الفريقين الشافعية والحنفية ، إنشاء أسد الدين شير كوه من قواد نور الدين وهي في حديقة الشرف وأنقاضها ماثلة للعيان.

(٣١) «الأصفهانية» كانت بمحلة الغرباء بالقرب من درب الشعارين لتاجر من أصفهان ، وفي رواية أنها خلف المدرسة القاچمازية وغربا ، محلتها ومكانها غير معروف على التحقيق ، ويذهب بعضهم إلى أنها كانت موضع تكية أحمد باشا وقد أدخلت فيها.

(٣٢) «الإقبالية» داخل باب الفرج وباب الفراديس وبينهما شمالي الجامع الأموي والظاهرية الجوانية وشرقي الجاروخية وغربي التقوية لشمال ، أنشأها جمال الدولة إقبال خادم نور الدين وعتيق ست الشام ، وقد استحالت دارا ثم استخلصت على يد الحاكم وألحقت بأملاك المعارف ولم يبق منها إلا الحجر الذي كان على بابها وفيه أوقافها وهي شمالي حمام العقيقي.

(٣٣) «الاكزية» قبالة الشبلية الحنفية ، إنشاء اكز حاجب نور الدين

٧٥

محمود وهي غربي الطيبة والتنكزية وشرقي أم الصالح ، غيرت معالمها وبابها موجود ، وقد استحالت دارا.

(٣٤) «الأمجدية» بالشرف الأعلى الشمالي مطلة على المرجة قرب مدرسة التجهيز، إنشاء الملك المظفر عمران بن عبد الملك الأمجد بهرام شاه صاحب بعلبك وهي دار فروخشاه وكان الملك الأمجد أشعر بني أيوب ، قال ابن الشحنة : دفن الأمجد بمدرسة والده التي على الشرف بدمشق ، وكانت هذه المدرسة عامرة إلى القرن الثاني عشر درس بها إبراهيم بن حمزة ، ولكثرة ما في جوار هذه الدار من المدارس سمي اليوم الزقاق الموصل إليها وهو الذي يبتدئ من أمام جامع الطاووسية ومستودع الترامواي الكهربائي وينتهي بمستودع البارود بزقاق المدارس.

(٣٥) «الأمينية» قبلي باب الزيادة المعروف اليوم بباب القوافين من أبواب الجامع الأموي ، وهي شرقي المجاهدية جوار قيسارية القواسين بظهر سوق السلاح وكان به بابها وتعرف هذه المحلة قديما بباب القباب ، وهناك دار مسلمة بن عبد الملك ، قيل : إنها أول مدرسة بنيت بدمشق للشافعية بناها أتابك العساكر الملقب بأمين الدولة ربيع الإسلام أمين الدين كمشتكين ابن عبد الله الطغتكيني المتوفى سنة (٥٤١) وقد بنيت المدرسة سنة (٥١٤) وفي تاريخ دمشق أن الحسن بن محمد النهربيتي المقري الفقيه سمع الحديث بدمشق في المدرسة الأمينية وأول من درس بها علي بن المسلم الدمشقي سنة (٥١٤) وهي الآن في سوق الحرير جعلت كتاب صبيان واختلس الجيران بعضها.

(٣٦) «الباذرائية» جاء في الدارس أنها داخل باب الفراديس والسلامة شمالي جيرون وشرقي الناصرية الجوانية ، وفي المختصر أنها على باب الجامع الأموي الشرقي المؤدي إلى العمارة ، وكانت قبل ذلك دارا تعرف بأسامة وهو أسامة الجبلي أحد كبار الأمراء المتوفى سنة (٦٠٩) أنشأها أبو محمد الباذرائي البغدادي المتوفى سنة (٦٥٥) قال الذهبي : الباذرائي قاضي القضاة سفير الخلافة نجم الدين عبد الله بن الحسن الباذرائي الشافعي صاحب المدرسة التي بخط جيرون. ولا تزال أسوارها باقية وهي سائرة نحو الخراب وقد اقتطع جانب منها وجعل دورا.

٧٦

(٣٧) «البهنسية» بسفح قاسيون أنشأها مجد الدين المعروف بأبي الأشبال وزير الملك الأشرف مظفر الدين موسى المتوفى سنة (٦٢٨) وهي على طريق المهاجرين بطرف السكة بجوار حاكورة العدس.

(٣٨) «التقوية» داخل باب الفراديس (العمارة) شمالي الجامع شرقي الظاهرية والإقبالية كانت من أجلّ مدارس دمشق ، بناها سنة (٥٧٤) الملك المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب ودرس بها جلة العلماء وفي عرف البشام أن المدرسة القصاعية والمدرسة التقوية كانتا عامرتين في القرن العاشر تقام بها الأذكار الآن باسم خانقاه ولها مخصصات شهرية من الحكومة.

(٣٩) «الجاروخية» داخل بابي الفرج والفراديس وفي حي السبعة طوالع بالقرب من الإقبالية الحنفية شمالي الجامع الأموي والظاهرية الجوانية المعروفة. بناها جاروخ التركماني برسم محمود بن المبارك المعروف بالمجير الواسطي البغدادي سنة (٥٩٠) درس بها كثير من العلماء ومنهم زمرة من الفقهاء بني جهبل. وهي دار بني الكيلاني اليوم.

(٤٠) «الحمصية» تجاه الشامية البرانية قال ابن كثير : في سنة (٧٢٦) فتحت المدرسة الحمصية ودرس بها محيي الدين الطرابلسي الملقب بأبي رباح. في مختصر الدارس أنها خربت بعد قليل من تشييدها ، والغالب أنها درست وجعلت دورا ولم يبق منها إلا قطعة خربة.

(٤١) «الحلبية» بمحلة السبعة طوالع وهي خلف دار الكتب الظاهرية أو المدرسة الظاهرية مجهول حالها ومنشئها من القديم. قال في الدارس : إن شهاب الدين ابن عبد الخالق المتوفى سنة (٨١٥) وقف إلى جانب المدرسة الحلبية مسجدا وأضافه إلى المدرسة ووقف عليها ، وممن وقف عليها الأمير سيف الدين من مماليك برقوق.

(٤٢) «الخبيصية» قبلي الزنجاري ، وخان الزنجاري هو جامع التوبة الآن ، تولى مشيختها ابن قاضي أذرعات وقد استحالت دورا.

(٤٣) «الخليلية» بانيها سيف الدين بكتمر الخليلي المتوفى (٧٤٦) ولا يعرف عنها شيء.

(٤٤) «الدماغية» كانت داخل باب الفرج وغربي الباب الثاني الذي

٧٧

قبلي باب الطاحون وهي قبلي وشرقي الطريق الآخذ إلى باب القلعة الشرقي وهذا الطريق بينها وبين الخندق وهي أيضا شمالي العمادية بين الشافعية والحنفية ، أنشأتها عائشة جدة فارس الدين بن الدماغ زوجة شجاع الدين بن الدماغ (٦٣٨) درس بها جلة من العظماء وهي الآن قاعة النشا التي في المناخلية. وفي الصالحية مدرسة أخرى اسمها الدماغية أنشأها أو درس بها افتخار الكاشغري.

(٤٥) «الدولعية» بجيرون قبلي المدرسة الباذرائية لجمال الدين محمد الثعلبي الدولعي خطيب دمشق ، وقد كانت الدولعية والشبلية عامرتين في القرن الحادي عشر ، درس بهما إسماعيل الحائك ، والدولعية في الدخلة المشهورة بدخلة الداغستاني في نصف الطريق الآخذ من دار بني منجك إلى زقاق الباذرائية ، اختلست وجعلت دورا وفي إحدى الدور قبر مدفون فيه واقف المدرسة محمد بن أبي الفضل بن زيد الخطيب التغلبي الأرقمي الدولعي ثم الدمشقي (٦٣٥) قاله الصفدي ودفن في الصفة الغربية من المدرسة وهاك نسخة التوقيع الذي كتب للفخر المصري المتوفى (٧٥١) بتدريس الدولعية ونظرها : رسم بالأمر العالي لا زال يرتفع به العلم الشريف إلى فخره ، ويعيده إلى خير حبر تقتبس الفوائد من نوره وتغترف من بحره ، ويحمد الزمان بولاية من هو علم عصره وفخر مصره ، أن يعاد المجلس العالي الفخري إلى كذا وكذا وضعا للشيء في محله ، ورفعا للوابل على طله ، ودفعا لسيف النظر إلى يد هي مألف هزّه وسله ، ومنعا لشعب مكة أن ينزله غير أهله ، إذ هو لأصحاب الشافعي رضي الله تعالى عنه حجة ، ولبحر مذهبه الزاخر لجة ، إلى أن قال : فليباشر ما فوض إليه جريا على ما عهد من إفادته ، وألف من رياسته لهذه العصابة وزيادته ، وعرف من زيادة يومه على أمسه ، فكان كنيل بلاده ولا يتعجب في زيادته ، حتى يحيا بدرسه ما درس ، ويثمر عود الفروع فهو الذي أنبته بهذه المدرسة وغرس ، مجتهدا في نظر وقفها ، معتمدا على تتبع ورقات حسابها وصحفها ، عاملا بشروط الواقف فيما شرط ، قابضا ما قبضه وباسطا ما بسط الخ.

(٤٦) «الركنية الجوانية» شمالي الإقباليتين شرقي العزية الجوانية والفلكية غربي المقدمية ، واقفها ركن الدين منكورس عتيق فلك الدين سليمان ، درس

٧٨

بها جلة من العظماء منهم ابن خلكان وأبو شامة وبنو حمزة وهي اليوم في زقاق بني مفلح أمام المقدمية وبينهما الطريق ويعرف بدخلة بني عبد الهادي في العمارة وهي منضمة إلى دار بني العمري ولم يبق لها أثر.

(٤٧) «الرواحية» شرقي مسجد ابن عروة بالجامع الأموي ولصيقه شمالي جيرون وغربي الدولعية وقبلي السيفية الحنبلية. بانيها زكي الدين بن رواحة الحموي التاجر الغني المعدّل المتوفى سنة (٦٢٢) درس بها ابن الصلاح والسهروردي وابن البازري وابن الزملكاني وأبناء السبكي وغيرهم ، وقد أنشئت هذه المدرسة نحو سنة (٦٠٠). قال المؤرخون : إن زكي الدين بن رواحة بنى بحلب مدرسة للشافعية وبدمشق مثلها داخل باب الفراديس ووقف عليهما أوقافا حسنة وقنع بعد ذلك باليسير ، وكان يسكن في بيت المدرسة الدمشقية وهو الذي في إيوانها من الشرق ويقابله من الغرب خزانة الكتب التي وقفها وهي كتب جليلة كان من أرباب الثروة. وأصبحت المدرسة الرواحية الآن دارا.

(٤٨) «الزاوية الخضراء» بمقصورة الخضراء غربي الجامع الأموي وهي مكان داخل الجامع أشبه بالحلقات.

(٤٩) «الشامية البرانية» بمحلة العقيبة ، إنشاء ست الشام بنت نجم الدين أيوب بن شادي المتوفاة سنة (٦١٦) وتعرف هذه المدرسة بالحسامية لأن ابنها حسام الدين دفن فيها كما أنها هي أيضا دفنت فيها. وهي اليوم مدرسة ابتدائية للأيتام تقوم بها جمعية الإسعاف الخيري ، وكان درّس بها من المشاهير ابن الصلاح وابن أبي عصرون ، وابن الزكي والفارقي والشريشي وابن الوكيل وابن قاضي شهبة وغيرهم.

(٥٠) «الشامية الجوانية» قبلي البيمارستان النوري ، إنشاء ست الشام أيضا درّس بها من عظماء الشافعية ابن الصلاح قال ابن خلكان في ترجمته : إن الملك الأشرف بن الملك العادل بن أيوب لما بنى دار الحديث بدمشق فوض تدريسها إليه ، ثم تولى تدريس مدرسة ست الشام زمرد خاتون بنت أيوب وهي شقيقة شمس الدولة توران شاه بن أيوب التي هي داخل البلد قبلي البيمارستان النوري ، وهي بنت المدرسة الأخرى ظاهر دمشق وبها قبرها وقبر أخيها المذكور وزوجها ناصر الدين بن أسد الدين شير كوه صاحب حمص ،

٧٩

فكان يقوم بوظائف الجهات الثلاث. قلنا : وكثير من هؤلاء الفقهاء والمحدثين كانوا يدرسون في المدرستين والثلاث وربما أكثر. ومن مدرسيها سالم بن أبي الدر أمين الدين (٧٢٦) وزين الدين الفارقي شيخ دار الحديث الأشرفية. وقد خربت هذه المدرسة ولم يبق فيها سوى بابها وواجهتها الحجرية واتخذت دارا. ومن أوقافها قرية جرمانا.

(٥١) «الشاهينية» بالقرب من جامع التوبة بحارة العقيبة إنشاء الدوادار (١) شاهين الشجاعي أحرقت (٨١٦) فأعاد عمارتها هو أيضا.

(٥٢) «الشومانية» إنشاء خاتون بنت ظهير الدين شومان وهي المسماة بالطيبة ، والطيبة كما في الدارس قبلي النورية الكبرى ليست معروفة.

(٥٣) «الشريفية» كانت عند حيّ الغرباء بدرب الشعارين عند باب السلام ، وفي تاريخ مبرات الشام أنها قبلي الجامع الأموي بالصاغة لم يعرف واقفها ، درست وأصبحت حوانيت.

(٥٤) «الصالحية» غربي الطيبة والجوهرية الحنفية وقبلي الشامية الجوانية بشرق وتعرف بتربة أم الصالح إسماعيل صارت مساكن ولم يعرف لها أثر ، وكان من جملة مدرسيها الذهبي وابن كثير.

(٥٥) «الصارمية» داخل بابي النصر والجابية قبلي العذراوية بشرق ، إنشاء صارم الدين أزبك مملوك قايماز النجمي (٦٢٢) أصبحت دورا وكان درس بها طبقة عالية من المدرسين.

(٥٦) «الصلاحية» بالقرب من البيمارستان النوري ، وهي من إنشاء نور الدين محمود بن زنكي وإليه نسبها ابن قاضي شهبة ومنسوبة للسلطان صلاح الدين. لم يبق لها أثر.

(٥٧) «التقطائية» داخل باب الصغير في الشاغور بنحو مائة ذراع إلى شرق شمال غربي بيت الخواجا الناصري قبلي منارة الشحم ، عمر بعضها ومجهول بانيها وليس لها أثر.

(٥٨) «الطبرية» بجوار باب البريد ، أنشأها نور الدين الشهيد درّس

__________________

(١) الدوادار هو مبلغ الرسائل عن السلطان ومقدم القصص إليه وله المشارفة على من يحضر إلى الباب الشريف وتقديم البريد ويأخذ الخط على عامة المناشير والتواقيع والكتب.

٨٠