خطط الشام - ج ٦

محمّد كرد علي

خطط الشام - ج ٦

المؤلف:

محمّد كرد علي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة النوري
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٦٤

حجة وبيانا ، وليس له في مذهب السلف أكثر من بسطه وشرحه وتآليفه في نصرته. ولد سنة ستين ومائتين وتوفي سنة أربع وعشرين وثلاثمائة.

وأما الماتريدية فهم أصحاب الإمام أبي منصور محمد بن محمد بن محمود الماتريدي نسبة إلى قرية بسمرقند ، الحنفي المتكلم ناصر السنة وقامع البدعة ومحيي الشريعة ، كان إماما جليلا مناضلا عن الدين موطدا لعقائد أهل السنة قطع المعتزلة وذوي البدع في مناظراتهم ، وله مصنفات منها كتاب التوحيد وكتاب بيان وهم المعتزلة وكتاب تأويلات القرآن وهو كتاب لا يوازيه فيه كتاب.

وليس هو من أتباع الأشعري لكونه أول من أظهر مذهب أهل السنة كما ظن. لأن الماتريدي مفصل لمذهب الإمام أبي حنيفة وأصحابه المظهرين قبل الأشعري مذهب أهل السنة. وكانت وفاته بسمرقند سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة.

والحاصل أن كلا من هذين الإمامين الجليلين أبي الحسن وأبي منصور لم يبدعان من عندهما رأيا ولم يشتقا مذهبا إنما هما مقرران لمذاهب السلف مناضلان عما كان عليه أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. أحدهما قام بنصرة مذهب الشافعي وما دل عليه ، والثاني قام بنصرة مذهب أبي حنيفة وما دل عليه. وناظر كل منهما ذوي البدع والضلالات حتى انقطعوا.

ومما ينبغي أن يعلم أنه ليس بين هاتين الطائفتين اختلاف في أصول الدين ، وإنما اختلفوا في بعض مسائل متفرعة عن الأصول لا تستلزم تضليلا ولا تفسيقا.

ثم إن عقائد أهل السنة والجماعة تنحصر في أربعة أركان هي مبنى الإيمان : الإلهيات والصفات والأفعال والسمعيات.

(الركن الأول في ما يجب لله تعالى وما يجوز وما يستحيل) ـ العالم بجميع أجزائه حادث وجد بعد أن لم يكن ، وهو قابل للفناء وله صانع واجب الوجود لذاته ممتنع العدم بالنظر لذاته ، واحد لا شريك ولا مثيل له في ذاته وصفاته وأفعاله ، قديم لا بداية له ، أبدي لا نهاية له ، متصف بصفات الكمال ، منزه عن سمات النقص ، ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض ، ولا تحله الجواهر

٢٤١

ولا الأعراض ، ولا يحل في غيره ولا يتحد بغيره ، ولا يقوم بذاته حادث ، منزه عن التحول والانتقال ، استوى على العرش على الوجه الذي عناه وبالمعنى الذي أراده ، استواء يليق بجلال ذاته ، وهو فوق سمواته فوق عرشه ، مباين لخلقه لا يحمله العرش بل العرش وحملته محمولون بقدرته ، ومع ذلك فهو قريب من كل موجود بل هو أقرب إلينا من حبل الوريد ، وهو تعالى مرئي للمؤمنين بالأبصار في دار القرار ، فيرونه لا في مكان ولا على جهة من مقابلة واتصال شعاع أو ثبوت مسافة بين الرائي والمرئي.

(الركن الثاني في العلم بصفاته تعالى) الله تعالى متصف بالعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام والحياة ، وهي صفات له أزلية ونعوت له أبدية ، فهو تعالى قادر على جميع الممكنات ، وجميع الحوادث واقعة بقدرته تعالى ، وقدرة الله على المقدورات كلها قدرة واحدة ، يقدر بها على جميع المقدورات على طريق الاختراع دون الاكتساب ، ومقدوراته تعالى لا تفنى.

وهو سبحانه مريد لأفعاله فلا وجود إلا وهو مستند إلى مشيئته وصادر عن إرادته ، لا يقع شيء في العالم إلا بإرادته ومشيئته ، فالخير والشر والطاعة والمعصية واقعة بإرادة الله تعالى وقضائه وقدره ومشيئته ، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ، وإرادته تعالى قديمة وهي في القدم تعلقت بإحداث الحوادث في أوقاتها اللائقة بها على وفق سبق العلم الأزلي ، والإرادة غير الأمر لأنه قد يأمر بالشيء ولا يريده ، ويريد الشيء ولا يأمر به ، ويريد الشيء ويأمر به ، ولا يريد الشيء ولا يأمر به. وغير الرضا أيضا فإن الإرادة قد تتعلق بما لا يرضى به الله تعالى كالكفر الواقع من الكفار فإنه تعالى أراده ولم يرض به ولا يرضى لعباده الكفر ، وليست عين العلم لأن العلم يتعلق بالواجب والمستحيل والجائز ، والإرادة لا تتعلق إلا بالجائز.

وهو تعالى عالم بجميع الموجودات كلياتها وجزئياتها ، ومحيط بكل المخلوقات لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السموات ، وعلمه واحد يعلم به جميع المعلومات على تفصيلها من غير حس ولا بداهة ولا استدلال عليه ، وعلمه قديم لم يزل عالما بذاته وصفاته وما يحدثه من مخلوقاته ، ومهما حدثت

٢٤٢

المخلوقات لم يحدث له علم بها بل حصلت مكشوفة بالعلم الأزلي. وهو تعالى حي وحياته بلا روح ولا اغتذاء ، وجميع الأرواح مخلوقة ، والحياة شرط في العلم والقدرة والإرادة والرؤية والسمع ، فمن ليس بحي لا يصح أن يكون عالما قادرا مريدا سامعا مبصرا.

وهو سبحانه سميع بصير يسمع ويرى لا يعزب عن سمعه مسموع وإن خفي ، ولا يغيب عن رؤيته مرئي وإن دق ، ولا يحجب سمعه بعد ، ولا يدفع رؤيته ظلام ، لم يزل رائيا لنفسه ، وسامعا لكلام نفسه ، وأن الانكشاف بالسمع غير الانكشاف بالبصر ، وأن كليهما غير الانكشاف بالعلم ، بل لكل منها حقيقة يفوض علمها لله تعالى. وهو تعالى متكلم بكلام قائم بذاته ليس بحرف ولا صوت هو به آمر ناه مخبر وأن القرآن كلام الله غير مخلوق.

(الركن الثالث في الأفعال) الله تعالى لا خالق سواه وكل حادث في العالم حدث بقدرته وخلقه لا محدث له غيره ، وجميع أفعال العباد اختيارية واضطرارية ، مخلوقة له تعالى ومتعلقة بقدرته ، وإنما الله تعالى خلق في العبد قوة تسمى الإرادة الجزئية وأقدر عبده على صرف هذه القوة إلى ما شاء من جزئيات المأمورات والمنهيات باختياره ، وهذا الصرف هو الذي يسمى بالكسب تارة وبالميل والجزء الاختياري تارة أخرى. ويسمى أيضا بقدرة العبد. وقد جرت عادة الله تعالى أنه لا يخلق القدرة على المعصية في أعضاء العبد حتى يصرف العبد إرادته الجزئية إليها ، فإذا صرفها إليها بأن مال قلبه وعزم عليها فهناك يخلق الله تعالى القدرة في أعضائه على فعلها فيفعلها ، فقدرة العبد التي هي الميل المذكور مقارنة لإيجاد الله تعالى ليس لها تأثير في إيجاد الفعل بل مجرد مقارنة.

وهو تعالى لا يجب عليه شيء من فعل الأصلح لعباده ، ورعاية الحكمة والمصلحة في فعله ، فله أن يعذب على الطاعات ويثيب على المعاصي ، وأن يبتلي عبده بضروب الآلام من غير جرم سابق ومن غير ثواب لا حق ، ولا يعد ذلك منه قبيحا ولا ظلما لأنه يتصرف في ملكه لا في ملك غيره ، يفعل ما يريد ، ولا حاكم عليه بل له الحكم ، وإنما يثيب على الطاعة بحكم الكرم والوعد لا بحكم الاستحقاق واللزوم ، ويعاقب على المعصية عدلا منه تعالى ،

٢٤٣

وقد راعى الحكمة فيما خلق وأمر تفضلا منه ورحمة ولا باعث له على الفضل.

بعثة الأنبياء ممكنة عقلا وواقعة قطعا ، وفي وقوعها حكمة بالغة ورحمة للعالم شاملة ، واحتياج الناس إلى الأنبياء كاحتياجهم إلى الأطباء ، النبوة إنما تحصل بمجرد اصطفاء إلهي لا باستحقاق من المبعوث واجتماع شروط فيه ، بل الله يختص برحمته من يشاء وهو تعالى أعلم حيث يجعل رسالته ، وقد أرسل الله تعالى رسلا من البشر إلى البشر مبشرين ومنذرين ، لئلا يكون للناس على الله حجة ، وأيدهم بالمعجزات الخارقة للعادات المقرونة بالتحدي ، وكلهم جاءوا بتوحيد الله تعالى والنهي عن الشرك وإخلاص العبادة له تعالى ، وهم صادقون فيما جاءوا به مصونون عن التحريف والتبديل ، معصومون من كل نقص حسي أو معنوي (١) مبلغون أممهم جميع ما أمروا بتبليغه ، وأولهم آدم وآخرهم نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

إن الله سبحانه أرسل نبينا محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الخلق كافة بشيرا ونذيرا ، وجعله خاتم النبيين فلا نبي بعده وأيده بالمعجزات الباهرة ، والبراهين الظاهرة ، وأنزل عليه القرآن الكريم الذي هو له معجزة باقية إلى يوم الدين ، فنسخ بشريعته الشرائع التي كانت قبله إلا ما قرر منها ، وفضله على سائر الأنبياء ، وجعل الشهادة له بالرسالة شطر الإيمان ، وألزم الناس تصديقه في جميع ما أخبر به عنه ، وأمره بتبليغ ما أنزل عليه فقال تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) فبلغ صلوات الله وسلامه عليه الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة حتى أتاه اليقين.

إن لله تعالى ملائكة هم عباد الله المكرمون ورسل الله بينه وبين أنبيائه وأمناؤه على وحيه لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ، لا يوصفون بذكورة وأنوثة ، ولا يأكلون ولا يشربون ، ولا يعلم حقيقتهم ولا عددهم إلا خالقهم الله؟؟؟ وهم أجسام لطيفة نورانية يروننا ولا نراهم بصورهم الأصلية.

(الركن الرابع في السمعيات) إن لهذه الدنيا أجلا محدودا فإذا جاء أجلها يتبدل نظام هذا الكون ، فتبدل الأرض غير الأرض والسموات غير السموات ،

__________________

(١) النقص الحسي يكون في الذات كالجذام والبرص والعمى والجنون ، والمعنوي يكون في الصفات كدناءة الحرفة ودناءة النسب وكالمعاصي الكبائر والصغائر.

٢٤٤

ويعيد الله تعالى الأرواح إلى الأجساد ، ثم يجازي الله تعالى كل نفس بما كسبت إما بنعيم أبدي أو عذاب سرمدي ، وجميع ما أخبر به الصادق من عذاب القبر ونعيمه ، وسؤال الملكين ووزن الأعمال ، والمرور على الصراط ، والشفاعة لمن أذن له الرحمن ، جميع ذلك حق يجب الإيمان به.

الشيعة :

الشيعة لفظ معناه الأتباع والأنصار يطلق على الواحد والمثنى والجمع والمذكور والمؤنث، تقول هو شيعة وهما وهم وهن شيعة وجمعه شيع وأشياع ، ثم صار علما بالغلبة على أتباع علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

عرف جماعة من كبار الصحابة بموالاة علي في عصر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مثل سلمان الفارسي القائل : بايعنا رسول الله على النصح للمسلمين والائتمام بعلي بن أبي طالب والموالاة له. ومثل أبي سعيد الخدري الذي يقول : أمر الناس بخمس فعملوا بأربع وتركوا واحدة. ولما سئل عن الأربع قال : الصلاة والزكاة وصوم شهر رمضان والحج قيل : فما الواحدة التي تركوها؟ قال : ولاية علي بن أبي طالب قيل له : وإنها لمفروضة معهن قال : نعم هي مفروضة معهن. ومثل أبي ذر الغفاري وعمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان وذي الشهادتين خزيمة بن ثابت وأبي أيوب الأنصاري وخالد بن سعيد بن العاص وقيس ابن سعد بن عبادة وكثير أمثالهم. ومن أرادهم فليراجع كتاب الدرجات الرفيعة لابن معصوم.

عرف هؤلاء باسم شيعة علي ثم غلب فأطلق فقيل لهم شيعة. ذكر أبو حاتم الرازي في كتاب الزينة في الألفاظ المتداولة بين أرباب العلوم على ما نقل في كتاب الروضات أن أول اسم ظهر في الإسلام على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (الشيعة) وكان لقب أربعة من الصحابة وهم أبو ذر وسلمان وعمار والمقداد إلى أن آن أوان صفين فاشتهر بين موالي علي عليه‌السلام. ومهما تكن منزلة هذه الرواية من الثقة فالأمر الذي لا خلاف فيه أنه لما استقل الأمويون بالأمر وناهضوا الهاشميين وأتباعهم تلك المناهضة الشديدة كان اسم الشيعة على إطلاقه علما على أتباع آل البيت.

٢٤٥

أما ما ذهب إليه بعض الكتاب من أن أصل مذهب التشيع من بدعة عبد الله ابن سبإ المعروف بابن السوداء فهو وهم وقلة علم بحقيقة مذهبهم. ومن علم منزلة هذا الرجل عند الشيعة وبراءتهم منه ومن أقواله وأعماله وكلام علمائهم في الطعن فيه بلا خلاف بينهم في ذلك ، علم مبلغ هذا القول من الصواب.

لا ريب في أن أول ظهور الشيعة كان في الحجاز بلد المتشيع له. وكان التشيع هناك ضعيف الحول ولكنه مكين في قلوب أهله. ثم استفحل أمره في العراق زمن خلافة علي عليه‌السلام. أما في الشام فالمعروف بين الشيعة في جبل عامل خلفا عن سلف أن الذي دلّهم على هذا المذهب أبو ذر الغفاري لما سيّر إلى الشام ولا يزال في قرية الصرفند (بين صيدا وصور) له مقام معروف باسمه اتخذ مسجدا معمورا وهو غير مسجد القرية الجامع ، وفي قرية ميس الجبل له مقام آخر. وميس هذه قرية في جبل عامل على طريق القادم من دمشق. وروى الحر العاملي في كتابه أمل الآمل أن أبا ذر لما أخرج إلى الشام تشيع فيها جماعة ثم أخرجه معاوية إلى القرى فوقع في جبل عامل فتشيعوا من ذلك اليوم. ثم ذكر رواية عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام وقد سئل عن أعمال الشقيف فقال : أرنون وبيوت وريوع وتعرف بسواحل البحار وأوطئة الجبال هؤلاء شيعتنا حقا.

وفي كتاب الروضة والفضائل لشاذان بن جبرئيل القمي رواية مسندة إلى عمار بن ياسر وزيد بن أرقم تدل على أنه كان زمن خلافة علي عليه‌السلام قرية في الشام عند جبل الثلج تسمى أسعار أهلها من الشيعة ، وأسعار هذه قرية خربة بين مجدل شمس وجباتا الزيت وهناك نهر يعرف بنهر أسعار.

المتاولة جمع متوالي مأخوذ من الموالاة وهي الحب ، لموالاتهم أهل البيت واتباعهم طريقتهم. والظاهر أن تلقيبهم بهذا اللقب في جبل عامل لم يتقدم عن القرن الثاني عشر للهجرة لأن كل المؤرخين قبل هذا القرن لم يعرفوا لهم هذا اللقب ولم ينبزهم به أحد منهم ، وكانوا إذا أرادوا ذلك تجنبوا الشيعة وقالوا : الرافضة كما فعل المحبي في خلاصة الأثر. ولكن من تأخر عن القرن الحادي عشر لم يلزمهم بترك نبزهم به كما فعل المرادي في سلك الدرر فإنه لم يذكرهم في جبل عامل إلا باسم المتاولة وفاقا للشهرة في عصره.

٢٤٦

وقد جاء في إحدى «السالنامات» التركية أن ابتداء ظهور المتاولة سنة (١١٠٠) للهجرة. وعلى الجملة إن هذا اللقب أطلق عليهم لما أظهروا وجودهم السياسي وخلعوا طاعة أمراء لبنان واجتمعوا جملة واحدة في جبل عامل تحت قيادة آل نصار الوائليين ، وفي بعلبك تحت لواء بني حرفوش ، وفي شمالي لبنان بزعامة المشايخ آل حمادة.

كانوا يومئذ (ينتخون) باسم بني متوال فعرفوا به واشتهر عنهم ، ويدلنا على ذلك أن هذا اللقب لم يكن إلا للذين دخلوا في غمار تلك الفتن فعرف به شيعة جبل عامل وبعلبك وشمالي لبنان ، ولم يعرف لشيعة حلب وحمص وحماة ، ولا لشيعة دمشق إلا الذين تديروا الصالحية وأطراف الميدان وهم من مهاجرة بعلبك وجبل عامل.

الشيعة في الشام هم في جبل عامل ، وهو البلد الواقع بين صفد جنوبا ، ونهر الأولي شمالا ، وغور الحولة وما حاذاه إلى أرض البقاع شرقا ، والبحر المتوسط غربا. وفي مدينة بعلبك وأعمالها وزمنهم فيها قديم.

وفي أعمال حمص قرى قليلة لهم وفي نفس المدينة جماعات ظاهرة ومستترة ، وفي أعمال ادلب قرى الفوعة ونبّل وغيرهما وكلها شيعة ، وفيهما إلى اليوم السادة بنو زهرة نقباء الأشراف في مدينة حلب في الزمن السالف. وكل هؤلاء من بقايا زمن الحمدانيين ومن فلول شيعة حلب يوم تشتت شملهم.

وفي دمشق ويرجع عهدهم إلى القرن الأول للهجرة ، وفي أكناف حوران وهم من مهاجرة جبل عامل ، وفي شمالي لبنان والمتن والبترون وهم من مهاجرة بعلبك. ولا يقل عدد نفوس الشيعة في الشام عن مائتي ألف من الإمامية.

معتقدات الشيعة ، وهم فرقة من المسلمين ، اعتقادات المسلمين العامة عينها ولكنهم في الأصول يخالفون أهل السنة بالإمامة ، وهي عندهم رياسة عامة في أمور الدين والدنيا لشخص من الأشخاص بحق النيابة عن النبي ، وهي واجبة عقلا على الله لأنها لطف وكل لطف واجب عليه تعالى ، ولذلك خالفوا المعتزلة القائلين بوجوبها على الخلق عقلا ، والأشاعرة القائلين بوجوبها على الخلق شرعا.

ويجب عندهم أن يكون الإمام معصوما وانفرد بهذا الشرط الإمامية

٢٤٧

والإسماعيلية من الشيعة ، وأن يكون منصوصا عليه وأن يكون افضل أهل زمانه.

وإن الأئمة اثنا عشر أولهم علي بن أبي طالب المنصوص عليه من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وآخرهم محمد بن الحسن العسكري الذي اختفى عام (٢٦٠) في سرمن رأى وهو حي يرزق ولا يعلم الناس مقره وسيظهر في آخر الزمان في مكة المكرمة ، وقد قال بقولهم هذا فريق من أهل السنة. وأما القول بأنه يخرج من سرداب سرمن رأى فلم يقل به أحد من الشيعة وإن نسبه إليهم من لا يعرف مذهبهم جهلا بحقيقة الحال.

ويخالفون الأشاعرة في بعض صفاته تعالى فالأشاعرة تقول في كونه تعالى متكلما : إن الكلام معنى قائم بذاته تعالى ليس بحرف ولا صوت ولا شيء من أساليب الكلام وهو قديم. والشيعة والمعتزلة يقولون : إن الكلام قائم بالغير يراد من كونه متكلما فعل الكلام لا أن الكلام قائم به ولذلك فالكلام حادث.

والأشاعرة تقول : إن أفعاله تعالى لا لغرض وإلا لكان ناقصا مستكملا بذلك الغرض. وعند الإمامية أن أفعاله معللة بالعلل والأغراض وإلا لكان عابثا. والغرض عائد لغيره إما لمنفعة العبد أو لاقتضاء نظام الوجود ذلك الغرض.

والأشاعرة تقول : إن الأفعال كلها واقعة بقدر الله وأنه لا فعل للعبد أصلا. وقال بعضهم : إن للعبد من ذلك الكسب أي كونه طاعة أو معصية. وقال آخرون : إن العبد إذا صمم خلق الله الفعل عقيب التصميم وأنه تعالى فاعل للكل حسنا أو قبيحا. والشيعة إمامية أو زيدية يقولون بقدرة العبد واختياره وأنه ليس بمجبر على فعله ، بل له أن يفعل وله أن لا يفعل وأن الفعل منسوب إليه نفسه وأنه يستحيل عليه تعالى فعل القبيح. وقالت الإمامية بوجوب اللطف عليه تعالى وهو ما يقرب من الطاعة ويبعد عن المعصية ولا حظ له في التمكين ولا يبلغ درجة الإلجاء.

وقالوا بجريان المسببات عن أسبابها فالشبع مثلا شيء حادث عن الأكل لا أنه شيء يحدثه الله عند الأكل.

وقالت الأشاعرة بإمكان الرؤية البصرية يوم القيامة على الله تعالى. وقالت الشيعة والمعتزلة باستحالتها مطلقا.

٢٤٨

وقالت الأشاعرة في الحسن والقبح بأنهما شرعيان أي أنه ليس في العقل ما يدل على الحسن والقبح ، بل ما حسنه الشرع فهو حسن وما قبحه فهو ، قبيح ، وقالت الشيعة الإمامية بأن الحسن حسن في نفسه يستحق صاحبه المدح ، والقبيح قبيح بنفسه يستحق صاحبه الذم ولا يتوقف ذلك على حكم الشارع.

ويقولون : إن العدل صفة من صفاته تعالى واجبة الثبوت له. هذه أمهات المسائل الأصولية التي يخالفون فيها بعض فرق المسلمين كالأشاعرة ، وربما وافقهم في أكثرها غيرهم كالمعتزلة. وأما في الفروع فلا تكاد تجد لهم قولا مخالفا لا يكون قائلا به غيرهم من فرق المسلمين اليوم.

نعم انفردوا اليوم بالقول بالمتعة وإن كان أثرها في العرب منهم قليلا بل أندر من النادر. وهي متعتان متعة النكاح ومتعة الحج ، فالأولى هي الزواج إلى أجل مسمى تحل عقدته بانقضاء الأجل ، وعلى الزوجة المتمتع بها بعد انقضاء الأجل أن تعتد العدة الشرعية فلا تنكح زوجا غيره حتى تنقضي عدتها ، ولا بد فيها من ذكر المهر والأجل ، ولا توارث بينها وبين الزوج للدليل الخاص إلا مع الاشتراط ، ولكن الولد منها ولد شرعي لا فرق بينه وبين إخوته. وأما متعة الحج فهي الطواف الأخير المعروف بطواف النساء فلا تحل للمحرم النساء حتى يأتي به.

ومنها في الميراث مسألة العول والتعصيب فهم ينكرون العول. ويقول إمامهم جعفر بن محمد الصادق على أن الذي أحصى رمال عالج يعلم أن المواريث لا تعول ، ويجرون فيما جاء من ذلك على قاعدة من له الغنم فعليه الغرم.

ولا يقولون بالتعصيب بل يرثه أقرب الناس إليه ، وطبقات الإرث في النسب ثلاث : الآباء والأبناء ، والإخوة والأجداد ، والأخوال والأعمام. فالمتقدمة من هذه الطبقات تحجب ما بعدها ، فإذا كان ذو فرض أخذ فرضه وردّ الباقي على نفس الطبقة لا يتعداها سواء كان المردود عليه ذكرا أو أنثى.

فإذا مات الميت عن بنت وأب أخذت البنت النصف والأب السدس بالفرض ورد الباقي عليهما كل بقدر سهمه لأنهما من طبقة واحدة ، فلو لم

٢٤٩

يكن له أب بل جد أو أخ كان الرد على البنت لأنها من الطبقة الأولى والجد والأخ من الطبقة الثانية فهي أولى منه بآية وأولو الأرحام.

ويقولون بالجمع بين صلاتي الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء سفرا وحضرا ولكن التفريق أفضل.

وإذا قال القائل لزوجته أنت طالق ثلاثا فإن كانت جامعة لشروط الطلاق وقعت واحدة وإلا كان الطلاق باطلا. وشرط صحة الطلاق أن تكون الزوجة طاهرة في طهر لم يواقعها الزوج فيه وأن يكون الطلاق بشهادة ذوي عدل.

وتجتمع الشيعة في أيام عاشوراء فتقيم المآتم على الحسين بن علي شهيد كربلاءعليه‌السلام ، وعهدهم بذلك بعيد يتصل بعصر الفاجعة وأول من رثاه أبو دهبل الجمحي بقصيدة يقول فيها :

تبيت النشاوى من أمية نوّما

وبالطفّ قتلى ما ينام حميمها

والظاهر من سيرة ديك الجن الحمصي في كتاب الأغاني أن هذه الاجتماعات للمآتم كانت معروفة في زمانه. ثم إن بني بويه أيام دولتهم عنوا بها مزيد العناية. ولا تزال إلى اليوم تقام في جميع أقطار الشيعة ، وليست هي من الفروض كما يتوهم بل يستحبونها لأنها تصدر عن ولاء ومحبة. وقد تطرف بعض العجم فأبدعوا فيها بدعا يمقتها الله والناس من ضرب أنفسهم بالمدى وإسالة الدماء على أثوابهم وعمل ما يسمونه (الشبيه) وقد مقته العلماء من الشيعة ولم تذعن لهم به العامة في كثير من البلدان التي استحكمت فيها هذه العادة.

الباطنية :

أطلق هذا اللقب على فرق خالفت الإسلام مدعية بأن لكل ظاهر باطنا ولكل تنزيل تأويلا. ولهم ألقاب كثيرة سوى هذه على لسان قوم قوم. فبالعراق يسمون الباطنية والقرامطة والمزدكية ، وبخراسان التعليمية والملحدة ، وهم يقولون : نحن إسماعيلية لأنا تميزنا من فرق الشيعة بهذا الاسم وهذا الشخص ، ثم إن الباطنية القديمة قد خلطوا كلامهم ببعض كلام الفلاسفة وصنفوا كتبهم على ذلك المنهاج ـ هذا ما قاله الشهرستاني. وقال عبد القاهر

٢٥٠

البغدادي : إن الذين وضعوا أساس دين الباطنية كانوا من أولاد المجوس ، وكانوا مائلين إلى دين أسلافهم ، ولم يجسروا على إظهاره خوفا من سيوف المسلمين ، فوضع الأغمار منهم أساسا من قبله صار في الباطن إلى تفضيل أديان المجوس ، وتأولوا آيات القرآن وسنن النبي عليه الصلاة والسلام على موافقة أساسهم. ولما تأولت أصول الدين على الشرك احتالت أيضا لتأويل أحكام الشريعة على وجوه تؤدي إلى رفع الشريعة أو إلى مثل أحكام المجوس.

وذكر أنه خرج منهم أناس بالبحرين والقطيف والأحساء ومنهم من ظهر في طريق الحجاز واستولى على مكة. ومنهم من ظهر بالقيروان واستولى بأتباعه على بلاد المغرب. ومنهم من استولى على هجر. ومنهم من ظهر باليمن وقتل الكثير من أهلها. ومنهم من خرج بالشام وهو أبو القاسم بن مهرويه. وأن زعيمهم الأول ميمون بن ديصان كان مجوسيا أولا. ومنهم من نسب الباطنية إلى الصابئين الذين هم بحرّان ، واستدل على ذلك بأن حمدان قرمط داعية الباطنية بعد ميمون بن ديصان كان من الصابئة الحرانية. واستدل على ذلك أيضا بأن صابئة حران يكتمون أديانهم ولا يظهرونها إلا لمن كان منهم. والباطنية أيضا لا يظهرون دينهم إلا لمن كان منهم ، بعد إحلافهم إياه على أن لا يذكر أسرارهم لغيرهم. قال عبد القاهر : الذي يصح عندي من دين الباطنية أنهم دهرية زنادقة يقولون بقدم العالم وينكرون الرسل والشرائع كلها لميلهم إلى استباحة كل ما يميل إليه الطبع. والأرجح أن المحور الأعظم الذي تدور عليه الباطنية هو مسائل الملك والسلطان وهي أشبه من بعض الوجوه بالطريقة الماسونية.

وعلى الجملة فإن منشأ هذه المذاهب خلافة علي بن أبي طالب ، وطلب شيعته باسمه الملك فغالوا فيه مغالاة عظيمة حتى أخرجه بعضهم عن البشرية. وقد كان أكثر أهل الشام في القرون الثلاثة الأولى للإسلام على ما يظهر من مذاهب النصارى ، والمسلمون أقل منهم. ولقد انتهى الحال بجميع القبائل القديمة في الشام مثل بني كلاب وبني جذام وبني عاملة أن دانوا بالإسلام ولم يتخلف عنهم بادئ بدء سوى تنوخ في حلب وتغلب في شمالي شرقي تدمر. ولما مرّ السائح ويليبالد في القرن الأول للهجرة بحمص كانت نصف

٢٥١

مسلمة وقويت حركة الإسلام في القرون التالية لما سكنها العباس من قواد المروانيين في خمسين من أولاده.

وكانت الشام في الإسلام توالي عليا وأصحابه تارة وتوالي غيره أخرى. وكان أهل حلب سنية حنفية حتى قدم الشريف أبو إبراهيم الممدوح فصار فيها شيعية وشافعية. وأتى صلاح الدين وخلفاؤه فيها على التشيع كما أتى عليه في مصر. وكان المؤذنون في جوامع الشهباء يؤذنون بحي على خير العمل. وحاول السلجوقيون مرات القضاء على التشيع فلم يوفقوا إلى ذلك. وكان حكم بني حمدان وهم شيعة من جملة الأسباب الداعية إلى تأصل التشيع في الشمال. ولا يزال على حائط صحن المدفن الذي في سفح جبل جوشن بظاهر حلب ذكر الأئمة الاثني عشر وقد خرب الآن. وفي سنة (١٤١) ظهر في حلب قوم يقال لهم الراوندية خرجوا بحلب وحيران وكانوا يزعمون أنهم بمنزلة الملائكة ، وصعدوا تلا بحلب فيما قالوا ولبسوا ثيابا من حرير وطاروا من التل فكسروا وهلكوا.

وصف المقدسي مذاهب الشام في القرن الرابع للهجرة فقال : إن السامرة فيه من فلسطين إلى طبرية ولا تجد فيه مجوسيا ولا صابئا ، مذاهبهم مستقيمة أهل جماعة وسنة. وأهل طبريا ونصف نابلس وقدس وأكثر عمان شيعة ولا ماء فيه لمعتزلي إنما هم خفية ، وببيت المقدس خلق من الكرّامية لهم خوانق ومجالس ولا ترى به مالكيا ولا داوديا ، وللأوزاعية مجلس بجامع دمشق والعمل كان فيه على مذهب أصحاب الحديث ، والفقهاء شفعوية وأقل قصبة أو بلد ليس فيه حنفي ، وربما كانت القضاة منهم قال : واليوم أكثر العمل على مذهب الفاطمي.

ووصف ابن جبير المذاهب المتغلبة على الشام في القرن السادس فقال : وللشيعة في هذه البلاد أمور عجيبة وهم أكثر من السنيين بها وقد عموا البلاد بمذاهبهم ، وهم فرق شتى منهم الرافضة وهم السبابون ومنهم الإمامية والزيدية وهم يقولون بالتفضيل خاصة. ومنهم الإسماعيلية والنصيرية يزعمون الإلهية لعلي رضي الله تعالى عنه. ومنهم الغرابية وهم يقولون : إن عليا (رض) كان أشبه بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الغراب بالغراب ، وينسبون إلى الروح

٢٥٢

الأمين عليه‌السلام قولا تعالى الله عنه علوا كبيرا. إلى فرق كثيرة يضيق عنهم الإحصاء. قال : وسلط الله على هذه الرافضة طائفة تعرف بالنّبوية سنيون يدينون بالفتوة وبأمور الرجولة كلها ، وكل من ألحقوه بهم لخصلة يرونها فيه منها يحرّمونه السراويل فيلحقونه بهم ، ولا يرون أن يستعدى أحد منهم في نازلة تنزل به ، لهم في ذلك مذاهب عجيبة ، وإذا أقسم أحدهم بالفتوة برّ قسمه وهم يقتلون هؤلاء الروافض اين ما وجدوهم. وشأنهم عجيب في الأنفة والائتلاف.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالته الرد على النصيرية أيام استولى هؤلاء على جانب كبير من الشام : إن للقرامطة في معاداة الإسلام وقائع مشهورة وكتبا مصنفة ، فإذا كانت لهم مكنة سفكوا دماء المسلمين وقد قتلوا من علماء المسلمين ومشايخهم وأمرائهم وجندهم ما لا يحصي عدده إلا الله تعالى ، وهم دائما مع كل عدو للمسلمين ، فهم مع النصارى على المسلمين ، ومن أعظم المصائب عندهم انتصار المسلمين على التتار ، ومن أعظم أعيادهم إذا استولى النصارى على ثغور المسلمين ، وبسببهم استولى النصارى على القدس الشريف وغيره ، فإن أحوالهم كانت من أعظم الأسباب في ذلك. واتفقوا بعد صلاح الدين ونور الدين مع النصارى فجاهدهم المسلمون حتى فتحوا البلاد. وقال : إن لهم ألقابا معروفة عند المسلمين تارة يسمون الملاحدة وتارة يسمون القرامطة وتارة يسمون الباطنية وتارة يسمون الإسماعيلية وتارة يسمون النصيرية وتارة يسمون الخرمية وتارة يسمون المحمرة. وهذه الأسماء منها ما يعمهم ومنها ما يخص بعض أصنافهم. وهم كما قال العلماء فيهم ، ظاهر مذهبهم الرفض وباطنه الكفر المحض. وحقيقة أمرهم أنهم لا يؤمنون بنبي من الأنبياء والمرسلين لا بنوح ولا إبراهيم ولا موسى ولا عيسى ولا محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ولا بشيء من كتب الله المنزلة لا التوراة ولا الإنجيل ولا القرآن ، ولا يقرون بأن للعالم خالقا خلقه ولا بأن له دينا أمر به ، ولا أن له دارا يجزي الناس فيها على أعمالهم في غير هذه الدار ، وهم يبنون قولهم على مذاهب الفلاسفة تارة وعلى أقوال المجوس الذين يعبدون النور. وقال : إن إخوان الصفا ونحوهم هم من أئمتهم

٢٥٣

وينكرون على الرسل ودعوى أنهم من جنسهم طالبون للرئاسة فمنهم من أحسن بطلبها ومنهم من أساء في طلبها حتى قتل ، ويجعلون محمدا وموسى من القسم الأول والمسيح من القسم الثاني ويستهزئون بالصلاة والزكاة والصوم والحج الخ اه.

الإسماعيلية :

هم القائلون بانتقال الإمامة بعد جعفر الصادق إلى ابنه الأكبر إسماعيل ، انتقلت إليه بعد أبيه دون أخيه موسى الكاظم. وهم يوافقون الإمامية في سوق الإمامة من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلى جعفر الصادق ثم يعدلون بها عن موسى الكاظم الذي هو الإمام عند الإمامية إلى إسماعيل هذا. ثم يسوقونها في بنيه فيقولون : إن الإمامة انتقلت بعد أمير المؤمنين علي إلى ابنه الحسن ثم إلى أخيه الحسين ثم إلى ابنه علي زين العابدين ثم إلى ابنه محمد الباقر ثم إلى ابنه جعفر الصادق ثم إلى ابنه إسماعيل الذي تنسب إليه هذه الفرقة بالنص من أبيه. ثم يقولون : إنها انتقلت من إسماعيل إلى ابنه محمد المكتوم ثم إلى ابنه جعفر الصادق ثم إلى ابنه محمد الحبيب ثم إلى ابنه عبيد الله المهدي أول خلفاء الفاطميين ببلاد المغرب ، وهو جد الخلفاء الفاطميين بمصر ، ثم إلى ابنه العزيز بالله أبي منصور نزار ثم إلى ابنه الظاهر لإعزاز دين الله أبي الحسن علي ثم إلى ابنه المستنصر بالله أبي تميم معدّ خامس خلفائهم بمصر.

ومن ها هنا افترقت الإسماعيلية إلى فرقتين مستعلوية ونزارية. فأما المستعلوية فيقولون : إن الإمامة انتقلت بعد المستنصر بالله إلى ابنه المستعلي بالله أبي القاسم ثالث خلفائهم بمصر ثم إلى ابنه الآمر بأحكام الله أبي علي منصور إلى آخر من جاء بعدهم وهو حادي عشر خلفائهم بمصر. وأما النزارية فإنهم يقولون : إن الإمامة انتقلت بعد المستنصر إلى ابنه نزار بالنص من أبيه المستعلي. ثم الإسماعيلية في الجملة من المستعلوية والنزارية يسمون أنفسهم أصحاب الدعوة الهادية تبعا لإمامهم إسماعيل المذكور ، وكان يسمى صاحب الدعوة الهادية ـ وفي القرن التاسع كانوا يسمون في ديوان الإنشاء بالقصاد وبين العامة بالفداوية ـ وهم يرون أن الأرواح مسجونة في هذه

٢٥٤

الأجسام المكلفة بطاعة الإمام المطهر ، فإذا انتقلت على الطاعة كانت قد تخلصت وانتقلت للأنوار العلوية ، وأن انتقلت على العصيان هوت في الظلمات السفلية.

وذكر في العبر أن منهم من يدعي ألوهية الإمام بنوع الحلول ، ومنهم من يدعي رجعة من مات من الأئمة بنوع التناسخ والرجعة ، ومنهم من ينتظر مجيء من يقطع بموته ، ومنهم من ينتظر عود الأمر إلى أهل البيت. ويتفق المستعلوية والنزارية في بعض المعتقدات ويختلفون في بعضها. ولدعاة الأئمة المستورين عندهم مكانة عظمى لا سيما الداعي القائم بذلك أولا وهو الداعي إلى محمد المكتوم أول أئمتهم المستورين ، فإن له من الرتبة عندهم فوق ما لغيره من الدعاة القائمين بعده. واشتهر من دعاتهم رمضان وابنه ميمون وعبد الله القداح بن ميمون ، اطلع هذا على أسرار الدعوة من أبيه وسار من نواحي أصفهان إلى الأهواز والبصرة وسلمية من أرض الشام يدعو الناس إلى أهل البيت. ثم أنشأ ابنه أحمد فأرسل هذا أحد دعاته إلى اليمن وإلى المغرب. ومن نسب أحدا من هؤلاء الدعاة إلى ارتكاب محظور أو احتقاب إثم فقد ضل وخرج عن جادة الصواب عندهم ، ويرون تخطئه من مالأ على الإمام عبيد الله المهدي أول أئمتهم القائمين ببلاد المغرب وارتكابه المحظور وضلاله عن طريق الحق ، وكذلك من خذل الناس عن أتباع القائم بأمر الله بن عبيد الله ثاني خلفائهم ببلاد المغرب أو نقض الدولة على المعز لدين الله أول خلفائهم بمصر ، ويرون ذلك من أعظم العظائم وأكبر الكبائر.

ومن أعيادهم العظيمة الخطر عندهم يوم غدير خم (غيضة بين مكة والمدينة على ثلاثة أيام من الجحفة) وسبب جعلهم له عيدا أنهم يذكرون أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم نزل فيه ذات يوم فقال لعلي : «اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، وأدر الحق معه حيث دار». ومن أكبر الكبائر عندهم وأعظم العظائم أن يرمى أحد من آل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولا سيما الأئمة بكبيرة ، أو ينسبها أحد إليهم أو يوالي لهم عدوا أو يعادي وليا. ويقولون : إن الإمام منهم لا يموت إلا وقد خلف ولدا ذكرا منصوصا عليه.

٢٥٥

وأصل هذه الفرقة كانت بالبحرين في المائة الثانية وما بعدها ، ومنهم كانت القرامطة الذين خرجوا من البحرين حينئذ ثم ظهروا بأصبهان في أيام السلطان ملكشاه السلجوقي ، واشتهروا هناك بالباطنية لأنهم يبطنون خلاف ما يظهرون ، وبالملاحدة لأن مذهبهم كله إلحاد ، ثم صاروا إلى الشام ونزلوا فيما حول طرابلس وأظهروا دعوتهم هناك ، وإليهم تنسب قلاع الإسماعيلية المعروفة بقلاع الدعوة فيما حول طرابلس كمصياف والخوابي والقدموس والمرقب والعليقة والمينقة والكهف والرصافة وغيرها. وهم يعظمون راشد الدين سنان ، وهو رجل كان بقلاع الدعوة وانتهت إليه رياستهم في زمن صلاح الدين.

ولما افترق الإسماعيلية إلى مستعلوية ونزارية أخذ من منهم ببلاد المشرق بمذهب النزارية عملا بدعوة ابن الصباح ، وأخذ من منهم بالشام بقلاع الإسماعيلية بمذهب المستعلوية وصاروا شيعة لمن بعد المستعلي من خلفاء الفاطميين بمصر واشتهروا باسم الفداوية لمفاداتهم بالمال على من يقتلونه. روى هذا القلقشندي وقال ابن ساعد : ويلقب الإسماعيلية بالسبعية لقولهم بسبعة أئمة ، ويرون أن في كل دور سبعة أئمة ، إما ظاهرون وهو دور الكشف ، وإما مختفون وهو دور الستر ، ولا بد من إمام ، إما ظاهر وإما مستور ، لقول أمير المؤمنين رضي‌الله‌عنه لن تخلو الأرض عن قائم لله بحججه ، ويلقبون أيضا بالباطنية لقولهم : إن لكل ظاهر باطنا ، وبالتعليمية لقولهم : إن العلم بالتعلم من الأئمة خاصة ، وربما لقبوا بالملاحدة لعدولهم عن ظواهر الكتاب والسنة لأنهم يتأولون سائر النصوص ، وعندهم أن من مات ولم يعرف إمام زمانه وليس في عنقه بيعة إمام مات ميتة جاهلية اه.

وذكر كاتب چلبي أنه كان للفداوية الذين اشتهروا في زمن الظاهر بيبرس ـ هكذا كانت العامة تسمي الإسماعيلية ـ من طرابلس إلى صيدا إلى حلب على الساحل حتى حوران سبعون قلعة أهمها قلعة صهيون. وقد ذكر مؤرخو حلب أنه جاء إلى جبل السماق سنان بن سلمان بن محمد أبو الحسن البصري صاحب الدعوة النزارية ومتولي الحصون الإسماعيلية ، وكان أديبا فاضلا عارفا بعلم الفلسفة وله شعر حسن وكلام منثور جيد ، وتمكن

٢٥٦

في الحصون وانقادت إليه الطائفة الإسماعيلية ما لم ينقادوا إلى غيره.

ويقضي مذهبهم على ما قال هوار في المعلمة الإسلامية بأن الله لا صفات له ولا تدركه العقول ولا تفهمه الألباب ولم يخلق العالم مباشرة ، بل تجلت إرادته في أمره وهو العقل العام وفيه تختفي جميع الخصائص الإلهية وهو الله المتجلي. وإذ كان لا يصلى لكائن لا يدرك فإن الصلاة تتجه نحو صورتها الخارجية وهي العقل الذي هو حقيقة معبود الإسماعيلية. فكما أنه لا سبيل إلى معرفة الله بل يعرف العقل فقط فهذا العقل يطلق عليه أسماء الحجاب والمكان والأزل والعقل والأول. والعقل يخلق الروح العام الذي هو الجوهر في الحياة ، وإذ كانت حياة العقل بالعلم وهو ناقص من هذا النظر فيرمي بالضرورة إلى تحقيق الكمال. ومن هنا تنشأ حركة بمعنى آخر عن حركة أخرى تتولد منها. الروح تخرج المادة الأولى التي تتألف منها الأرض والكواكب وهي غير عاملة بل تتجلى في أشكال تنطوي فيها الأفكار على العقل. وهناك كائنان ضروريان وأصليان وهما الأمد والزمان. والكواكب والعناصر نتيجة لازمة من عمل هذه المخلوقات الخمسة مشتركة. ويفسر ظهور الإنسان بالضرورة التي يشعر بها الروح العام في إحراز العلم الكامل حتى يرقى إلى طبيعة العقل العام ومتى جرى الوصول إلى هذه الغاية تبطل كل حركة. وللخلاص يجب على المرء تحصيل العلم الذي لا يتأتى أن يأتي إلا من تجسد العقل على هذه الأرض ويتجسد ذلك في الرسول وخلفائه والأئمة. ويسمى العقل المتجسد «الناطق» والروح المتجسد «الأساس» والأول هو الرسول الذي يتجلى فيه الكلام الموحى ، والثاني هو ترجمان هذا الكلام بما يحوي من المعاني التي تؤول. والمبادىء الثلاثة الأخيرة هي الإمام والحجة ، الذي يبرهن على رسالة الأساس ، والداعية. وكان محمد الناطق وعليّ الأساس.

والذين يرخص لهم بالاطلاع على أسرار الدين هم طبقات كانوا أولا سبعة ثم صاروا تسعة. ويبدأ الداعية مع من يريد تلقينه أسرار الدعوة بأن يضع له مشكلات في صعوبة فهم الشريعة وهي الطريقة التي يجري عليها الباطنية عامة ، ولا يزال به حتى يذكر له أن هذه المشاكل قد حلت على أيسر

٢٥٧

وجه بتأويل القرآن ومعرفة رموزه. وللحساب المستخرج من قيمة الحروف العددية شأن كبير. ومتى اقتنع المدعو بقوة البراهين التي أوردها له الداعية يستحلفه بأن لا يبوح بأدنى سر من الأسرار التي سيفضي بها إليه ، ويعلمه بأن الواسطة للنجاة أن يخضع خضوعا أعمى لأوامر الإمام الروحية والزمنية. وجمهور المؤمنين بهذه الدعوة ما كانوا يقفون على أكثر من الدرجة الأولى أو الثانية من الأسرار ، والدعاة يصلون إلى الدرجة السادسة إلا قليلا. ولا يبلغ الدرجة العالية إلا بعض الممتازين. وهذا أشبه بتعاليم الشيعة والمتصوفة في تعيين درجة الإنسان الكامل.

والجنة معناها مجازا حالة النفس الواصلة إلى كامل العلم ، وجهنم معناها الجهل ، وما من نفس يحكم عليها بالخلود في جهنم على الأبد ، بل تعود إلى الأرض بالتناسخ حتى تعرف إمام الزمان وتأخذ عنه علوم الدين. والشر لا بقاء له ولا بد من زواله يوما بتمثل كل الموجودات في العقل العام تمثلا تدريجيا. ومع ما اشتهر عن الإسماعيلية من القتل يجب أن نذهب إلى أن ما اجترحوه لم ينشأ عن عقيدة لهم بل يجب أن ينظر فيه إلى الإفراط الذي عرف به رؤساؤهم في نيل السلطة السياسية. وقال رسو من السياح : إن من عرفهم من الإسماعيلية هم على جانب عظيم من الكرم ولطف الأخلاق ، وقلما يحبون التنقل ويعملون في أرضهم ويتمسكون بأهداب دينهم الذي يخالف مذهبهم القديم كل المخالفة ، وهم أشداء عند الحاجة خاضعون لزعمائهم. انتهى قول هوار.

ولم يعرف الزمن الذي نزل فيه الإسماعيلية بعض أرجاء الشام إذ لم يجر لهم ذكر قبل أوائل القرن الخامس للهجرة. وكان الحكيم المنجم وأبو طاهر الصائغ وهما من دعاة الإسماعيلية وأمثالهما من العجم أول من أظهر هذا المذهب بالشام في أيام الملك رضوان بن تتش السلجوقي صاحب حلب الذي أغضى عنهم وأراد اتخاذهم حزبا له فقبل دعوتهم على ما قيل ، واستمالوا إليهم خلقا كثيرا بسرمين والجوز وجبل السماق وبني عليم وجعل لهم في حلب دار دعوة. ولم يلبثوا أن اغتالوا في جامع حمص (٤٩٦) عمه جناح الدولة صاحب حمص ، تولى ذلك ثلاثة من العجم يلبسون لباس الصوفية

٢٥٨

بينما كان يتهيأ لغزوة صنجيل أمير طرابلس من الصليبيين لرفع الحصار عن حصن الأكراد. ولم يلبث هذا الطبيب المنجم أن قضى نحبه عاهدا بالدعوة إلى رفيقه أبي طاهر الصائغ. واستولى الإسماعيلية على أفامية من الصليبيين ثم استرجعها هؤلاء منهم (٤٩٨) ووضع السيف في الإسماعيلية بحلب سنة (٥٠٧) و (٥٠٨) كما وضع فيهم في دمشق سنة (٥٢٢) (خطط الشام ج ١ وج ٢) وكذلك كان حالهم في الباب من عمل حلب. قال ابن جبير : فداخلت أهل البلاد الحمية فتجمعوا من كل أوب عليهم ووضعوا السيوف فيهم فاستأصلوهم عن آخرهم. وقال : إن الإسماعيلية يبذلون الأنفس دون إمامهم سنان وحصلوا من طاعته وامتثال أمره بحيث يأمر أحدهم بالتردي من شاهقة جبل فيتردى. وفي تلك السنة أيضا قتلوا برق بن جندل أحد مقدمي وادي التيم. وفي سنة (٥٧١) حاول أحد الإسماعيلية من العجم اغتيال السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب فأنجاه الله وأغضى الطرف عنهم. وفي سنة (٥٨٨) قتل الإسماعيلية كونراد أمير صور. وبعد مدة قتلوا ريموند بن بويمند الرابع المعروف بالأعور أمير أنطاكية من الصليبيين قتلوه في الكنيسة. وفتح الظاهر بيبرس والتتار قلاعهم وخضعوا بعد ذلك لمماليك مصر.

وكان للإسماعيلية في بلاد العجم وقائع عظيمة وهم الذين قتلوا الوزير نظام الملك في بغداد وغيره من رجال الإسلام حتى ضاقت بهم الصدور. وقد سموا أوائل دخول الصليبيين إلى الشام بالحشاشين أو القتلة (Les assassins) لأن رؤساءهم كانوا فيما قيل يعطون الحشيشة لمن يريدونه على قتل أحد خصومهم السياسيين. وكان الصليبيون يطلقون على رئيسهم شيخ الجبل. وقد نالوا من الصليبيين كثيرا كما نالوا من أمراء المسلمين. وهم جمعية سياسية ترمي إلى إقامة ملك. وما كان هذا القتل منهم عن باعث مذهبي بل سياسي. على أنهم أخافوا رجال السياسة في هذه الديار وهي في أشد أوقات ضيقها زمن الحروب الصليبية وحروب التتار. ويبلغ عدد الإسماعيلية اليوم في الشام نحو خمسة وثلاثين ألفا منهم جماعة في سلمية وفي قلاع الدعوة في جبل النصيرية. ومن الإسماعيلية عشرات ألوف في العجم والهند والأفغان وعمان ومسقط وزنجبار وإفريقية الشرقية. وإسماعيلية هذه الديار يجبون

٢٥٩

الزكاة كل سنة ويرسلونها إلى إمامهم آغا خان في الهند أما ، سائر الإسماعيلية فليسوا مرتبطين به. وقد ذكر بعض أعيانهم أن الإسماعيلية اليوم يقولون : إن كل زمن لا يخلو عن رجل من السلالة الطاهرة يسمونه إماما واعتباره اعتبار علمي ديني خال من كل غرض سياسي.

النصيرية أو العلوية :

قال القدماء : هم أتباع نصير غلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وهم يدعون ألوهية علي رضي‌الله‌عنه مغالاة فيه ويزعمون أن مسكنه السحاب وإذا مر بهم السحاب قالوا : السلام عليك يا أبا الحسن ويقولون : إن الرعد صوته والبرق ضحكه ، وهم من أجل ذلك يعظمون السحاب ، ويقولون : إن سلمان الفارسي رسوله ، وإن كشف الحجاب عما يقوله من أي كتاب بغير إذن ضلال ، ويحبون ابن ملجم قاتل علي ويقولون : إنه خلص اللاهوت من الناسوت ويخطئون من يلعنه. وإن لهم خطابا بينهم من خاطبوه به لا يعود يرجع عنهم ولا يذيعه ولو ضرب عنقه. وهم يخفون مقالتهم ومن أذاعها فقد أخطأ عندهم. ولهم اعتقاد في تعظيم الخمر ويرون أنها من النور ولزمهم من ذلك أن عظموا شجرة العنب التي هي أصل الخمر حتى استعظموا قلعها. ويزعمون أن الصديق وأمير المؤمنين عمر وأمير المؤمنين عثمان تعدوا على علي ومنعوه حقه من الخلافة.

وقال المحدثون منهم أنفسهم على ما ذكره صاحب تاريخ العلويين : إن النصيرية رجع لهم اسمهم القديم بعد انتهاء الحرب العامة (١٩١٨ م) وسميت العلوية وكانت محرومته مدة (٤١٢) سنة أي من قتال الأتراك للعلويين وإن اسم العلويين الذي كان يطلق على طائفتهم دثر عدة قرون (١) وسمى الموجودون باسم الجبل ويظن بعضهم أن اسم النصيرية هو نسبة للسيد أبي شعيب محمد بن نصير البصري النميري مع أن الأصح هو لأنه تغلب اسم

__________________

(١) أجمع المؤرخون ومن كتبوا في الملل والنحل أن النصيرية عرفوا بهذا الاسم في القرن السادس والسابع وبعده ، فدعوى أنه كان يطلق عليها اسم العلويين وحرم عليهم أربعة قرون فيها نظر

٢٦٠