خطط الشام - ج ٦

محمّد كرد علي

خطط الشام - ج ٦

المؤلف:

محمّد كرد علي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة النوري
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٦٤

كنيسة لدّ التي أنشئت في النصف الثاني من القرن الثاني عشر ، كما خرب كثيرا من الكنائس في عهده وخرب بعضها في الحروب وخرب الآخر قصدا لأسباب سياسية وحربية حافزة. وفي جينين دير ومدرسة للذكور وللروم كنيسة وللبرتستانت وللكاثوليك ولكل كنيسة مدرسة تابعة لها. وبالجملة فكل بلد في فلسطين لا يخلو من دير أو كنيسة أو كنيس مهما بلغ من قلة ساكنيه من المسيحيين والإسرائيليين.

والفضل في إنشاء هذه الكنائس لجماعة الرهبان والمبشرين فهم الذين استوكفوا أكف المحسنين في الغرب وصرفوا عقولهم وأوقاتهم في إقامة تلك المعاهد المهمة ، وقد جاء منهم نوابغ في كل قرن خلدوا اسمهم بقدر ما يذكر؟؟؟ من العناية بنشر دينهم وإقامة شعائره ومعابده فاستفاد العمران من عمر؟؟؟ فوائد لا ينكرها منصف. كتب إيليا بطريرك بيت المقدس؟؟؟ أنسطاس ملك الروم : قد بعثت إليك بجماعة عبيد الله ورؤساء رهبان بريتنا وفيهم؟؟؟ الفاصل؟؟؟ الذي قد صيّر بريتنا مدائن وأعمرها وهو نجم فلسطين.

كنائس الأردن :

وفي عبر الأردن كنائس أهمها كنيسة مادبا أو ميدبا وقد تقدم الكلام عليها في المصانع ونزيد الآن أن ميدبا (عن مجلة المسرة) فاقت أخوا؟؟؟ بكنائسها الفخمة العشر وأن سرجيوس مشيد الكنائس شيد كنيسة على اسم الرسل القديسين. ومن الكنائس التي بقي ذكرها إلى اليوم كنيسة البتول التي يرجع عهدها إلى؟؟؟ أيام القيصر يوستنيانوس. ولما فاضت جيوش الأعاجم على هذه الديار حرقت الكنائس والديرة وذبحت الألوف من الرهبان والنصارى ثم وطئتها أقدام الفاتحين من المسلمين فدثرت؟؟؟ تلك الأسقفية وعادت أخربة ينعق فيها البوم عصورا طويلة.

وكان في أكثر أمهات قرى حوران كنائس مهمة في الإسلام خربت بطول الزمن حتى قيل إنه كان في إقليم حوران فقط أربع وثلاثون أسقفية وناهيك بما يقتضي لها من الكنائس. واشتهرت اليوم كنائس تبنة وبصير وخبب. وفي جبل عجلون عدة كنائس منها ثلاث في الحصن أكبرها كنيسة اللاتين. وفي عجلون عدة كنائس صغرى جعل بجانبها مدارس.

٢١

وفي الكرك ثلاث كنائس للروم والكاثوليك والبرتستانت. وقد بلغ الغرام برجال المذاهب المسيحية أن أهل كل مذهب إذا وجدوا خمس عيال في قرية من رعاياهم أنشأوا لهم كنيسة فالكنائس الصغيرة كثيرة جدا في كل بلد وكل قرية أنشأ فيها اللاتين كنيسة أنشأ فيها البرتستانت أيضا والعكس بالعكس.

كنائس لبنان :

أما كنائس لبنان فكثيرة جدا لا تكاد تخلو قرية من كنيسة أو كنيستين وربما أكثر ، وليست كلها على جانب عظيم من العظمة ولا يرد عهدها إلى زمن قديم ، فإن معظم ما كان منها في كسروان وما إليه إلى جنوبي الجبل ليس له من العمر أكثر من مئتي سنة ، ذلك لأن الموارنة لم يمتدوا إلى كسروان قبل القرن السادس عشر للميلاد ، وكان عشهم في شمالي لبنان قبل ذلك. ولقد ترى في بعض المدن اللبنانية كزحلة وهي أكثر القرى سكانا في الجبل كثيرا من الكنائس التي لم تقم على ما يظهر إلا بسائق المنافسة ففيها ١٢ كنيسة للكاثوليك وكنيستان للأرثوذكس وكنيستان للموارنة وكنيسة ودير لليسوعيين وكنيسة للسريان الكاثوليك وكنيسة للأميركان ، وفي زحلة أيضا دير القديس الياس الطوق للرهبنة الباسيلية وفيها كنيسة في المدرسة الشرقية وغير ذلك من الكنائس الملحقة بالمدارس ولا تقل عن ست وعشرين كنيسة. وفي مدينة بيروت وطرابلس واللاذقية وصور وصيدا كنائس كثيرة لكل طائفة ولكل جمعية تبشيرية وأهمها ما كان في بيروت فللروم الأرثوذكس وللروم الكاثوليك وللبرتستانت الأميركان ولغيرهم من الطوائف كنائس وبيع مهمة ، وأهمها ما كان لليسوعيين أو المرسلين الأميركان.

وفي الهدنة التي عقدت بين المنصور قلاوون وولده الملك الصالح وبين حكام الفرنج بعكا سنة (٦٨٢) أن تكون كنيسة الناصرة وأربع بيوت من أقرب البيوت إليها لزيارة الحجاج وغيرهم من دين الصليب كبيرهم وصغيرهم على اختلاف أجناسهم وأنفارهم من عكا والبلاد الساحلية ويصلي

٢٢

بالكنيسة الأقساء والرهبان وتكون البيوت المذكورة لزوار كنيسة الناصرة خاصة ، وإذا نقبت الحجارة التي بالكنيسة المذكورة ترمى برا ولا يحط حجر منها على حجر لأجل بنايته ولا يتعرض إلى الأقساء والرهبان وذلك على وجه الهبة لأجل زوار دير الصليب.

ومن كنائس لبنان وما إليه كنيسة معاد وكنيسة رشكيدا وكنيسة حدنون وكنائس اهدن وعبدله وبحديدات وصربا وكفر شليمان وقنوبين وبكفيا وادّه وبشرّي وبكركي والديمان وزحلة ودير القمر والشرفة وبرمانا وغزير وبيت خشبو وبزمار وبعبدات والقريّة وحريصا وأميون وجزين وجبيل وأفقة والكورة والزاوية وبحنّس ودير مار الياس والشوير وبسكنتا وكفتين ودير مار يعقوب المقطع ودير سيدة الراس ودير حماطورة ودير مار جرجس ودير مار الياس النهر ودير ناطور ودير سيدة النورية عند وجه الحجر ودير كفتون ودير جبرائيل ودير ميخائيل المعظمة في برج صافيتا ودير مار جرجس الحميرا ودير الأحمر. ودير مار شربين ودير مار توما قرب صيدنايا.

وكان الصليبيون أنشأوا عدة كنائس في أرواد وطرطوس وصيدا وبيروت وغيرها من الساحل فهدمت ، ثم بنيت مساجد ولأن بعضها كان بمثابة حصون في أيدي الرهبنات المتجندة مثل الهيكليين والاسبتاريين والتوتونيين. وفي أمهات المدن الصغيرة كنائس مهمة مثل بعلبك وعكار والحصن وحمص وحماة ويبرود والقبيات والإسكندرونة وأنطاكية. وفي هذه فقط تسع كنائس وفيها أنشئت أول كنيسة في الشام وكانت في جميع أدوارها موضع إعجاب المؤرخين والسائحين ومنها ما هو في القرى مثل صدد ومعلولا وصيدنايا وهذه أليق بأن تذكر في باب الأديار لأنها بعيدة عن المدن والدير في الحقيقة كنيسة وزيادة. ولليهود في حلب ودمشق عدة كنائس ولكنها ليست من المكانة على شيء ولهم في تادف وجوبر وغيرهما كنائس قديمة ينتابونها للعبادة ومن عادة الإسرائيليين أن يكون في دار كل غني كنيس وهو عبارة عن غرفة كبيرة تجعل للعبادة وأشهرها في دمشق كنيس سوق الجمعة ولهم في حلب كنائس مهمة وكذلك في بيروت.

٢٣

عمل الرهبان والراهبات العظيم :

يتصور القارئ مبلغ عناية الرهبان والراهبات بدينهم من إلقاء نظرة على الفصل التالي: للراهبات الالمانيات مدرسة ودار للأيتام في القدس ومستشفى في حيفا ومستشفى ومدرسة ليلية ونهارية للإناث في بيروت ومعهد في دمشق وآخر في حلب وقد جئن القدس سنة (١٨٨٧). وجاء راهبات السجود القدس سنة (١٨٨٨) وأسسن فيها ديرا كبيرا ثم جئن بيروت وأنشأن دارا للعبادة. وللعازاريين محال مهمة وهم يقسمون قسمين قسم الرهبان اللعازريين الالمان جاءوا سورية عام (١٨٩٠) وأنشأوا في القدس مدرسة ، والقسم الثاني رهبان فرنسيون جاءوا سورية منذ نحو قرنين وأخذوا الأديار التي كانت لليسوعيين ولهم مدرسة في بيروت وأخرى في عينطورة وأهدن في لبنان ورابعة في دمشق وخامسة في ريفون.

وجاء الآباء الساليزيون القدس سنة (١٨٩١) ولهم دار للأيتام في بيت لحم ودار للأيتام زراعية في بيت جمال وثالثة في الناصرة ومدرسة ابتدائية في بيت لحم. وجاء الراهبات الساليزيات القدس سنة (١٨٩١) وهن يشتغلن مع الرهبان الساليزيين. وأتى راهبات صهيون القدس عام (١٨٥٦) وأنشأن معهدا في كنيستهن المسماة اكس هومو. وقدم الآباء البيض القدس عام (١٨٧٨) وأنشأوا كنيستين فيها. ونزل آباء القلب المقدس القدس عام (١٨٧٩) وأنشأوا مدرسة في بيت لحم. ولراهبات الوردية عمل ديني مثل بنات جنسهن. وجاء القدس آباء سيدة صهيون عام (١٨٨٤). والدومنيكان أو رهبان مار عبد الأحد وردوا على القدس عام (١٨٨٢) وأسس الرهبان الصعوديون مأواهم في القدس عام (١٨٨٧) وأسس الآباء الترابيون ديرا في الاطرون وهم معروفون بفن الألبان والزراعة. وجاء الراهبات البندكتيات القدس عام (١٨٩٦) وراهبات هورتوس كونكلوز وهن اميركانيات جئن القدس عام (١٩٠١).

ولراهبات الناصرة مدرسة في حيفا وأخرى في شفاعمرو وثالثة في عكا ودير الناصرة في بيروت وقد جئن سورية سنة (١٨٥٥). وقدم الراهبات

٢٤

الكرمليات الشام سنة (١٨٧٣) وأنشأن ديرهن المعروف في جبل الزيتون في القدس ولهن دير في بيت لحم وآخر في سفح جبل الكرمل قرب حيفا. وجاء رهبان الفرير الشام سنة (١٨٧٨) ولهم مدرسة في القدس وأخرى في حيفا وثالثة في الناصرة ورابعة في بيت لحم وخامسة في بيروت وسادسة في طرابلس وسابعة في إسكندرونة وثامنة في دمشق وتاسعة في يافا. وجاء رهبان مار يوحنا الالهي القدس عام (١٨٧٩) فأسسوا مستشفى في طنطور على طريق بيت لحم ولهم مستشفى ومستوصف في الناصرة.

وجاء راهبات سانت كلير الشام عام (١٨٨٤) وأنشأن ديرا على طريق بيت لحم ولهن دير في الناصرة. ووردت الراهبات الفرنسيسيات البيض القدس عام (١٨٨٥) وأنشأن ميتما ولهن ميتم في بيت لحم وأنشأن مدرسة في دمشق. وجاء راهبات المحبة القدس عام (١٨٨٦) ولهن مستشفى ودار للأيتام في بيت لحم ومستشفى ومدرسة في حيفا ومستشفى في الناصرة ولهن في بيروت مستشفى عظيم ودار للأيتام ودار للصناعة للذكور والإناث وثلاث مدارس صغرى في بيروت ومكتب للصنائع في طرابلس ودور نقاهة في اهدن وبحنّس من لبنان ومدرسة في برج البراجنة وفي كل معهد منها دار للعبادة يختلف إليها أهل المذهب الذي يبشرون به.

ولقد قالوا : إن عدد الجمعيات الأجنبية التي تسعى لتنوير أفكار النصارى في سورية تبلغ ثمانين جمعية ، وأهمها جمعية اليسوعيين وردوا الشام قبل قرنين أو ثلاثة فأسسوا الأديار التي ينزلها اللعازريون اليوم ثم غادروا الديار فلم يعودوا إليها إلا عام (١٨٣١) فأنشأوا مدرستهم في غزير من لبنان وفي عام (١٨٧٦) افتتحوا كليتهم العظمى في بيروت ولهم الآن عدة أديار ومدارس في بكفيا والمعلقة وزحلة وغزير ودمشق وحلب وتعنايل وجزين وقد أنشأوا بعد الحرب العالمية مدارس صغرى كثيرة في ربوع جمهورية لبنان ويوشكون أن يتوسعوا في الداخلية كثيرا بمدارسهم وكنائسهم. أما الفرنسيسكان فلم يزالوا في الشام منذ الحروب الصليبية وزادوا عام (١٨٤٨) عدد أديارهم وأنشأوا ملاجئ للزوار في القدس ولهم فيها ستة ملاجئ ولهم أديار وملاجئ في بيت لحم وعين كارم وطبريا وجبل الطور والناصرة وقانا وعكا وصور

٢٥

وصيدا وبيروت وحريصا وطرابلس واللاذقية ودمشق وحلب وإسكندرونة ولهم مدرسة في حلب.

وكان الكرمليون تركوا الشام مع القافلة الأخيرة من الصليبيين ثم عادوا إلى جبل الكرمل عام (١٦٣٦) وبنوا ديرا ومحلا للضيافة في الجبل ولهم أديار في حيفا وطرابلس والقبيات من إقليم عكار ومدرسة في بشرّي. وديرهم في الكرمل من أجمل أديار الشام ترى منه أجمل المناظر. وجاء راهبات القديس يوسف أو الراهبات اليوسفيات من مرسيليا إلى القدس عام (١٨٤٨) ولهن في فلسطين ١٣ معهدا و ٣ مستشفيات أحدها في القدس والآخر في يافا والثالث في الناصرة. ولهن في هذه المدن ثلاث دور للأيتام ومدرستان نهاريتان وخمس مدارس دينية ومدرسة في بيروت ودير في صيدنايا ومدرسة فيها دير ومدرسة في دير القمر وديران ومدرستان ليليتان ومستشفى في حلب ودير ومدرسة في إسكندرونة.

الأديار القديمة في الشام :

«دير إسحاق» كان بين حمص وسلمية في موضع حسن نزه على نهر جار وحوله كروم ومزارع إلى جانب ضيعة صغيرة يقال لها جدر ، وهي التي ذكرها الأخطل في قوله :

كأنني شارب يوم استبدّ بهم

من قرقف عتقتها حمص أو جدر

وقال فيه أبو عبد الرحمن الهاشمي السلماني من أهل سلمية :

وإذا مررت بدير إسحاق فقل

جادتك غيث سحائب وبروق

دير يشبّه ماؤه بهوائه

وهواؤه بلطافة المعشوق

وليس لهذا الدير من أثر اليوم.

«دير الباعفي» كان قبلي بصرى من أرض حوران وهو دير بحيرا الراهب كما زعموا ولا يعرف الآن. وبحيرا شخص خيالي.

«دير باعنتل» من جوسية على أقل من ميل وجوسية على مرحلة من حمص ولا يعرف اليوم هذا الدير.

«دير البتراء» كان في وادي موسى دير للراهبات وذكر البولونديون

٢٦

ديرا للرهبان في البتراء كان يرأسه القديس موسى أسقف البدو الرحالة يقال : إن بانيه اثينوجينوس أوائل القرن السابع للميلاد. وذكر الرحالة تيتمار أنه طاف تلك الفيافي سنة (١٢١٧) وعثر بين أخربة البتراء على كنيسة ودير لم يزل يسكنه بعض الرهبان. وهناك الكنيسة الكاتدرائية المثلثة السواعد وقد كانت اما لسائر الكنائس الملكية الكاثوليكية في هذه البلاد الشرقية (عن مجلة المسرة).

«دير البخت» كان على فرسخين من دمشق ويسمى دير ميخائيل وكان عبد الملك بن مروان قد ارتبط عنده بختا وهي جمال الترك فغلب عليها وكان لعلي بن عبد الله بن عباس قربه جنينة يتنزه فيها. وقرية دير البخت معروفة الى اليوم في الجيدور. ووجه التسمية في هذا الدير بعيد لأنه عرف بهذا الاسم قبل الإسلام على ما ظهر من رواية ابن عساكر في بعض وقائع عمر بن الخطاب في الجاهلية ومروره بدير البخت واجتماعه براهب أكرمه وتفرس فيه الخير فيما قال.

«دير بصرى» قيل هو الذي كان فيه بحيرا الراهب في حوران. مجهول محله.

«دير بلاض» من أعمال حلب مشرف على العمق فيه رهبان لهم مزارع وهو دير قديم مشهور لم يبلغنا أنه موجود.

«دير البلمند» من أديار الروم الأرثوذكس المشهورة على نشز عال قرب مدينة طرابلس في أقصى حدود جبل لبنان يقال : إنه من أديار الصليبيين وإن اسمه جاء من تركيب بل مونت أي الجبل الجميل وهو اليوم عامر.

«دير بلودان» مر به ابن فضل الله العمري ونزل إليه فقال فيه : إن بناءه قديم بديع الحسن وافر الغلة كثير الكروم والفواكه والماء الجاري ، بقربه قرية بلودان وهي محاذية لكفر عامر تطلّ من مشترفها على جبة الزبداني وبه رهبان نظاف ونظم فيه أبياتا ومنها :

حبذا الدير من بلودان دارا

أيّ دير به وأيّ نصارى

فيهم كل أحور الطرف أحوى

فائق الحسن في حسان العذارى

وقال محاسن الشوا الحلبي :

٢٧

حييا ساكني بلودان عني

ورجالا بدير قانون زهرا

ولا يعرف متى زال هذا الدير ، ودير قانون من قرى الوادي لا دير فيه اليوم.

«دير بولس» كان بنواحي الرملة نزله الفضل بن إسماعيل وقال فيه شعرا لم يسمه في أوله :

عليك سلام الله يا دير من فتى

بمهجته شوق إليك طويل

ولا زال من جو السماكين وابل

عليك لكي يروي ثراك هطول

قال البكري : ودير بولس آخر و «دير بطرس» (أو نطرس) وهما معروفان بظاهر دمشق في نواحي بني حنيفة في ناحية الغوطة وإياهما عنى جرير بقوله :

لما تذكرت بالديرين أرّقني

صوت الدجاج وقرع بالنواقيس

فقلت للركب إذ جدّ الرحيل بنا

يا بعد يبرين من باب الفراديس

ولا نعرف شيئا عن هذا الدير.

«دير البنات» وهو دير أبيض البناء مشرف على أرض طرابلس كان للرواهب قال فيه الطيبي :

دير البنات الزهر أنت المنى

وأنت من دون الأماني المرام

لم أنس يوما فيك أذهبته

باللهو بل ذهبته بالمدام

ونحن في غرة أيامنا

والعيش مثل الطيف حلو اللمام

والدوح ما جفت له زهرة

والروض طفل ما جفاه الغمام

وبيننا خود كشمس الضحى

وأغيد قد فاق بدر التمام

لو لا نبات الشّعر في خده

لم تدر أي الأغيدين الغلام

ولا نعرف اليوم أي أديار البنات هذا.

«دير يونّا» أي يوحنا وروي بالباء بدل الياء كان بجانب الغوطة بدمشق ليس بكبير ولا رهبانه بكثير ولكنه في رياض مشرقة وأنهار متدفقة ويقال بأنه من أقدم ديرة النصارى. اجتاز به الوليد بن يزيد فأقام فيه أياما وقال فيه :

حبذا يومنا بدير يونّا

حيث نسقى براحه ونغنّى

٢٨

واستهنا بالناس فيما يقولو

ن إذا خبروا بما قد فعلنا

قال ابن فضل الله وهذا الدير اليوم لا وجود له.

«دير حمطورا» هو في شرقي طرابلس في جانب الوادي الذي أسفل من طرزيه والحدث. وهو بناء في سفح الجبل من ذلك الجانب قبالة الطريق السالك إلى طرابلس وهو حصين جدا لا يسلك إليه إلا من طريق واحد وظهر الجبل الذي له ممتنع ـ قاله ابن فضل الله.

«دير الحنابلة» في تاريخ الصالحية لم يكن في الجبل أي قاسيون إلا بناية يسيرة من الناحية الغربية دير أبي العباس الكهفي ودار بيت الضيا وغيرها ، ومن الناحية الشرقية دير يقال له دير الحنابله وكان أولا لناس من الرهبان فاتفق أنهم أحدثوا شيئا فأخرجوا منه ثم بنى الشيخ أبو عمر المدرسة.

«دير حنيناء» دير بالشام وهناك مات معاوية بن هشام بن عبد الملك فقال الكميت يرثيه :

فأي فتى دنيا ودين تلمست

بدير حنيناء المنايا فدّلت

تعطلت الدنيا به بعد موته

وكانت له حينا به قد تحلّت

وقيل : إن الذي رثي بهذا الشعر البطال أحد قواد الأموية وفرسانهم مات بدير حنيناء قافلا مع معاوية بن هشام من غزوة فأمر معاوية الشعراء برثائه. والرواية في شعر أبي تمام حبيناء بالباء المعجمة ولا يعلم عنه شيء في عصرنا.

«دير الخمان» كان هذا الدير بأرض أذرعات بني بالحجارة السود على نشز من الأرض يشرف على بركة الفوار وهو من البناء الرومي القديم. ولا يعرف اليوم عنه شيء.

«دير خالد» وهو دير صليبا بدمشق كان مقابل باب الفراديس نسب الى خالد بن الوليد لنزوله فيه عند حصاره دمشق قال ابن الكلبي : وهو على ميل من الباب الشرقي ولا يعرف عنه شيء آخر وفي هذا الدير يقول محمد ابن علي المعروف بأبي البقاء :

جنة لقبت بدير صليبا

مبدعا حسنه كمالا وطيبا

جئته للمقام يوما فظلنا

فيه شهرا وكان أمرا عجيبا

شجر محدق به ومياه

جاريات والروض يبدو ضروبا

٢٩

من بديع الألوان يضحي به الثا

كل مما يرى لديه طروبا

كم رأينا بدرا به فوق غصن

مائس قد علا بشكل كثيبا

وشربنا به الحياة مداما

تطلع الشمس في الكؤوس غروبا

فكأن الظلام فيها نهار

لسناها تسرّ منا القلوبا

لست أنسى ما مر فيه ولا أج

عل مدحي إلا لدير صليبا

«دير خناصرة» ورد ذكره في شعر بني مازن في قول حاجب بن ذبيان المازني مازن بن تميم من عمرو بن تميم لعبد الملك بن مروان في جدب أصاب العرب قال :

وما أنا يوم دير خناصرات

بمرتد الهموم ولا مليم

ولكني ألمت بحال قومي

كما ألم الجريح من الكلوم

وخناصرة بلدة في قبلي حلب وليس للدير ذكر الآن.

«دير الدواكيس» شرقي القدس حسن البناء له سمعة وذكر وكان له وقف يعود منه على الرهبان السكان جليل فائدة ونفع ولابن فضل الله فيه وقد مر به غير مرة أبيات منها :

دير الدواكيس أم ريش الطواويس

أم الشموس سنا تلك الشماميس

مأوى المياسير لكن بعد أوبتهم

منه يعدّون في حزب المفاليس

فانزل به وأقم فيما تريد وقل

إملا كؤوسي وفرّغ عندها كيسي

واقدح زناد سرور من مدامته

فهذه النار من تلك المقابيس

«دير رمانين» جمع رمان بلفظ جمع السلامة يعرف أيضا بدير السابان وهو بين حلب وأنطاكية مطل على بقعة تعرف بسرمن وهو دير حسن كبير خرب قبل القرن السابع وآثاره باقية كما قال ياقوت وفيه يقول الشاعر :

ألف المقام بدير رمانينا

للروض إلفا والمدام خدينا

والكأس والإبريق يعمل دهره

وتراه يجني الآس والنّسربنا

قال ياقوت ودير السابان وهو دير رمّانين وتفسيره بالسريانية دير الشيخ.

«دير سابر» كان من نواحي دمشق وهو من إقليم خولان سكنه عمر ابن محمد الأموي. وخولان كانت بقرب دمشق خربت بها قبر أبي مسلم

٣٠

الخولاني وبها آثار باقية ـ ياقوت. وبيت سابر اليوم قرية في سفح جبل الشيخ من عمل وادي العجم.

«دير سعد» كان من ديرة الشام نزله عقيل بن علّفة المري وكان يصهر إليه خلفاء بني أمية وهذا كل ما عرف عنه قديما.

«دير سليمان» دير بجسر منبج وهو في جبل عال من جبال دلوك مطل على مرج العين وهو غاية في النزاهة قال أبو الفرج أخبرني جعفر بن قدامة قال : ولي إبراهيم بن المدبّر عقيب نكبته وزوالها عنه الثغور الجزرية وكان أكثر مقامه بمنبج فخرج في بعض ولايته إلى نواحي دلوك برعبان وخلف بمنبج جارية كان يتحظاها يقال لها غادر فنزل بدلوك على جبل من جبالها بدير يعرف بدير سليمان من أحسن بلاد الله وأنزهها ودعا بطعام خفيف فأكل وشرب ثم دعا بدواة وقرطاس فكتب :

أيا ساقيينا وسط دير سليمان

أديرا الكؤوس فانهلاني وعلاني

وخصا بصافيها أبا جعفر أخي

فذا ثقتي دون الأنام وخلصاني

وميلا بها نحو ابن سلّام الذي

أود ، وعودا بعد ذاك لنعمان

وعما بها النعمان والصحب إنني

تنكر عيشي بعد صحبي وإخواني

ولا تتركا نفسي تمت بسقامها

لذكرى حبيب قد سقاني وغناني

ترحلت عنه عن صدود وهجرة

فأقبل نحوي وهو باك فأبكاني

وفارقته والله يجمع شملنا

بلوعة محزون وغلة حرّان

وليلة عين المرج زار خياله

فهيج لي شوقا وجدد أحزاني

فأشرفت أعلى الدير أنظر طامحا

بألمح آماق وأنظر إنسان

لعلي أرى أبيات منبج رؤية

تسكن من وجدي وتكشف أشجاني

فقصّر طرفي واستهل بعبرة

وفدّيت من لو كان يدري لفدّاني

ومثله شوقي إليه مقابلي

وناجاه عني بالضمير وناجاني

«دير سمعان» بنواحي أنطاكية على البحر قال ابن بطلان وبظاهر أنطاكية دير سمعان وهو مثل نصف دار الخلافة ببغداد يضاف به المجتازون وله من الارتفاع كل سنة عدة قناطير من الذهب والفضة وقيل : إن دخله في السنة أربعمائة ألف دينار ومنه يصعد إلى جبل اللكام ـ قال هذا في

٣١

القرن الخامس للهجرة. وفي رواية أن دير سمعان بنواحي حلب بين جبل بني عليم والجبل الأعلى. ودير سمعان أيضا في قرية تعرف بالبقرة من قبلي معرة النعمان وبه قبر عمر بن عبد العزيز مشهور لا ينكر ذكره السيد الرضي في رثائه بقوله :

با ابن عبد العزيز ولو بكت العي

ن فتى من أمية لبكيتك

أنت نزهتنا عن السب والشت

م فلو يمكن الجزا لجزيتك

دير سمعان لاعدتك الغوادي

خير ميت من آل مروان ميتك

وقال أبو فراس بن أبي الفرج البزاعي وقد مر به فرآه خرابا فغمه :

يا دير سمعان قل لي أين سمعان

وأين بانوك خبرني متى بانوا

وأين سكانك اليوم الألى سلفوا

قد أصبحوا وهم في الترب سكان

أصبحت قفرا خرابا مثل ما خربوا

بالموت ثم انقضى عمر وعمران

وقفت اسأله جهلا ليخبرني

هيهات من صامت بالنطق تبيان

أجابني بلسان الحال إنهم

كانوا ويكفيك قولي إنهم بانوا

«دير السيق» كان معروفا قديما ويقع قبلي البيت المقدس على نشز عظيم عال مشرف على الغور غور أريحا يطل على تلك البسائط الخضر ومجرى الشريعة وبه رهبان ظراف أكياس لا يأتيهم إلا قاصد لهم أو مارّ في مزارع الغور. تحتهم وفوقهم الطريق الآخذة الى الكثيب الأحمر. ومشهد موسى عليه‌السلام في القبة التي بناها عليه الملك الظاهر بيبرس وفي هذا الدير ومشترفه وأطلال قلاليه وغرفه قال ابن فضل الله العمري :

أرى حسن دير السيق يزداد كلما

نظرت إليه والفضاء به نضر

بنوه على نجد من الغور مشرف

كتخت مليك تحته بسط خضر

وأشرق في سود الغمام كأنما

تشقق ليلا عن جلابيبه الفجر

وقام على طود عليّ كأنما

مصابيحه تحت الدجى الأنجم الزهر

وزفت إليه الشمس من جنب خدرها

وناغاه جنح الليل في أفقه البدر

وألقت إليه الريح فضل عنانها

وأحنى عليها لا تبلّ له عذر

ولو كان كالنسرين هان ارتقاؤه

ولكنه قد حط من دونه النسر

علا نهر ريحا والمجرّة فوقه

فمن فوقه نهر ومن تحته نهر

٣٢

«دير شق معلولا» وهو بباطن جبة عسال وهو بناء رومي بالحجر الأبيض معلّق بسقيف وبها صدع فيها ماء ينقط نحو الذي بصيدنايا ، ويأخذه النصارى للتبرك معتقدين فيه نحو اعتقادهم في الآخر وإنما الاسم للذي بصيدنايا ـ قاله في مسالك الأبصار والغالب أنه دير الروم الباقي الى اليوم.

«دير صليبا» ويعرف بدير السائمة (السائحة؟) وهو بدمشق مطل على الغوطة ويليه من أبوابها باب الفراديس نزل دونه خالد بن الوليد أيام محاصرة دمشق وهو في موضع نزه كثير البساتين وبناؤه حسن عجيب وإلى جانبه دير للنساء فيه رهبان ورواهب وإياه أراد جرير بقوله :

إذا تذكرت بالديرين أرقني

صوت الدجاج وقرع بالنواقيس

فقلت للركب إذ جد النجاء بهم

يا بعد يبرين من باب الفراديس

وقد مر بنا هذان البيتان في دير بولس برواية أخرى. وقال الآخر :

يا دير باب الفراديس المهيج لي

بلابلا بقلاليه وأشجاره

لو عشت تسعين عاما فيك مصطبحا

لما قضى منك قلبي بعض أوطاره

قال ابن فضل الله وهذا اليوم (أي في الثامن) لا عين له ولا أثر وإنما صار دورا وأبنية ومساجد ومدافن وهي بناحية محلة حمام النحاس اه.

«دير صيدنايا» يؤخذ مما قاله صاحب مسالك الأبصار أنهما اثنان أحدهما يقصده النصارى بالزيارة وهو في دمنة القرية والآخر على بعد منها مشرف على الجبل شماليها بشرق وهو دير مار شربين ويقصد للتنزه من بناء الروم بالحجر الجليل الأبيض وهو دير كبير وفي ظاهره عين ماء سارحة وفيها ما يطلّ على بواطن ما وراء ثنية العقاب ويمتد النظر من طاقاته الشمالية إلى ما أخذ شمالا عن بعلبك. وأما الذي في القرية فمن بناء الروم بالحجر الأبيض أيضا ويعرف بدير السيدة وله بستان وبه ماء جار في بركة عملت به وعليه أوقاف كثيرة وله مغلات واسعة وتأتيه نذور وافرة وطوائف النصارى من الفرنج تقصد هذا الدير وتأتيه للزيارة. وكنت أراهم يسألون السلطان في أن يمكنهم من زيارته وإذا كتب لهم زيارة قمامة ولم يكتب معها صيدنايا يعاودون السؤال في كتابتها لهم ، ولهم فيها معتقد. وقال جاءت مرة كتب ريد فرنس

٣٣

(ملك فرنسا) وكتب الاذفونش (ملك اسبانيا) على أيدي رسلهم ومما سألوا فيها تمكين رسلهم من التوجه الى صيدنايا للتبرك بها فأجاب السلطان سؤالهم وحمل الرسل على خيل البريد إليها. وهذا الدير لم يزل عامرا إلى اليوم يزوره الناس وفيه راهبات أرثوذكسيات وفي عيد الصليب من كل سنة تجري في قربه اجتماعات وأفراح ويأتيه الناس من الأقاليم المجاورة وغيرها.

«دير الطور» الطور في الأصل الجبل المشرف ، والطور ها هنا جبل مستدير واسع الأسفل مستدير الرأس لا يتعلق به شيء من الجبال وليس له إلا طريق واحد وهو ما بين طبرية واللّجون مشرف على الغور ومرج اللّجون وفيه عين تنبع بماء غزير كثير والدير في نفس القلة مبني بالحجر وحوله كروم يعتصرونها ويعرف عندهم بدير التجلي والناس يقصدونه من كل موضع فيقيمون به ويشربون فيه وموضعه حسن يشرف على طبرية والبحيرة وما والاها وعلى اللجون. وما زال هذا الدير عامرا وقد جدد في أدوار مختلفة وفيه يقول مهلهل بن يوسف المزرّع :

نهضت الى الطور في فتية

سراع النهوض الى ما أحب

كرام الجدود حسان الوجوه

كهول العقول شباب اللعب

فأي زمان بهم لم يسرّ

وأي مكان بهم لم يطب

أنخت الركاب على ديره

وقضيت من حقه ما يجب

وأنزلتهم وسط أعتابه

وأسقيتهم من عصير العنب

وأحضرتهم قمرا مشرقا

تميل الغصون به في الكثب

نحث الكؤوس بأهزاجه

ومرسوم أرماله بالعجب

وما بين ذاك حديث يروق

وخوض لهم في فنون الأدب

فيا طيب ذا العيش لو لم يزل

ويا حسن ذا السعد لو لم يغب

«دير عمان» قال ياقوت : بنواحي حلب وتفسيره بالسريانية دير الجماعة قال فيه حمدان بن عبد الرحيم الحلبي :

دير عمان ودير سابان

هجن غرامي وزدن أشجاني

إذا تذكرت منهما زمنا

قضيته في عرام ريعاني

٣٤

ومرّ به أبو فراس بن أبي الفرج البزاعي فقال ارتجالا :

قد مررنا بالدير دير عمانا

ووجدناه داثرا فشجانا

ورأينا منازلا وطلولا

دارسات ولم نر السكانا

وأرتنا الآثار من كان فيها

قبل تفنيهم الخطوب عيانا

فبكينا فيه وكان علينا

لا عليه لما بكينا بكانا

لست أنسى يا دير وقفتنا في

ك وإن أورثتني النسيانا

من أناس حدّوك دهرا فخلّو

ك وأمسوا قد عطلوك الآنا

فرّقتهم يد الخطوب فأصبح

ت خرابا من بعدهم أسيانا

وكذا شيمة الليالي تميت ال

حيّ منا وتهدم البنيانا

حربا ما الذي لقينا من الده

ر وماذا من خطبه قد دهانا

نحن في غفلة بها وغرور

وورانا من الردى ما ورانا

ولا نعرف عنه شيئا الآن.

«دير فاخور» وهو الموضع الذي تعمد فيه المسيح من يوحنا المعمدان كما في كتب الجغرافية.

«دير فيق» هو في ظهر عقبة فيق ـ عقبة تنحدر الى الغور من أرض الأردن ومن أعلاها طبرية وبحيرتها ـ وهذا الدير فيما بين العقبة وبين البحيرة في لحف جبل يتصل بالعقبة منقور في الحجر وكان عامرا بمن فيه من الرهبان ومن يطرقه من السيّار ، والنصارى يعظمونه ، واجتاز به أبو نواس فقال في غلام نصراني فيه قصيدة منها :

بحجك قاصدا ما سرجسان

فدير النوبهان فدير فيق

وبالمطران إذ يتلو زبورا

يعظمه ويبكي بالشهيق

وهذا الدير غير عامر الآن.

«دير القاروس» قال ابن فضل الله : إنه على جانب اللاذقية من شمالها وهو في أرض مستوية وبناؤه مربع وهو حسن البقعة. وفيه يقول أبو علي حسن بن علي الغزي :

لم أنس في القاروس يوما أبيضا

مثل الجبين يزينه فرع الدجى

في ظل هيكله المشيد وقد بدا

للعين معقود السكينة أبلجا

٣٥

واللاذقية دونه في شاطىء

بلوره قد زيّن الفيروزجا

ولديّ من رهبانه متنمس

أضحى لفرط جماله متبرجا

أحوى أغنّ إذا تردد صوته

في مسمع رد احتجاج ذوي الحجى

لا شيء ألطف من شمائله إذا

حث الشّمول ولفظه قد لجلجا

فله ولليوم الذي قضيته

معه بكائي لا لربع قد شجا

«دير القديس سابا» إلى الجنوب الشرقي من أورشليم على بعد ثلاث ساعات ونصف عنها على الراجل وعلى انخفاض ٥٦٠ مترا عنها عند الطريق المؤدي منها الى البحر الميت على مقربة من وادي الراهب (النار) وعلى عدوة وادي قدرون إلى شمال بيت ساحور الشرقي. وهو أشبه بقلعة منيعة غريبة الأبنية. ومن الدير إلى هضم الوادي ٢٧٥ ذراعا فيصعد من الوادي إلى الدير بسلالم بعضها منقور بالصخر والآخر مبني على شكل أدراج ولا يدخل إليه إلا باذن البطريرك الأورشليمي. ورهبانه ستون راهبا يعيشون عيشة تقشف منقطعين إلى الصلاة والصوم والعبادة وفي كل جمعة يبعث لهم دير القبر المقدس في أورشليم طعامهم مرة واحدة ولا يسمح للنساء أن يدخلنه ، وتلك عادة منذ تشييده إلى اليوم لم تدخله امرأة ، وقربه برج مار سمعان وهو دير خرب فيه بيت كبير يشرف على دير القديس سابا على بعد خمس دقائق فيسمح للنساء أن ينظرن الدير الكبير من بيت هذا البرج وقربه دير على قمة جبل تاودوسيوس وهو عامر الآن وفيه رهبان ويسميه العرب دير عبيد (من مجلة النعمة).

«دير قنّسري» على شاطئ الفرات من الجانب الشرقي من نواحي الجزيرة وديار مضر مقابل جرابلس (في الأصل جرباس) وجرابلس شامية ، وبين هذا الدير ومنبج أربعة فراسخ وبينه وبين سروج سبعة فراسخ ، فهو دير كبير كان فيه أيام عمارته ثلاثمائة وسبعون راهبا ، ووجد في هيكله مكتوبا :

أيا دير قنّسري كفى بك نزهة

لمن كان بالدنيا يلذّ ويطرب

فلا زلت معمورا ولا زلت آهلا

ولا زلت مخضرا تزار وتعجب

«دير كعب» كان من أديار الشام وهو الذي جاء فيه المثل أطول من

٣٦

فراسخ دير كعب قال الشاعر :

ذهبت تماديا وذهبت عرضا

كأنك من فراسخ دير كعب

«دير كفتون» ولعله المعروف اليوم بدير كفتين قال فيه ابن فضل الله : إنه ببلاد طرابلس مبني على جبل وهو دير كبير وبناؤه بالحجر والكلس في نهاية الجودة وبه ماء جار وله حوض كبير مملوء من شجر النارنج يحمل نارنجه إلى طرابلس يباع فيها ويرتفق بثمنه الرهبان وله مستشرف مطل على البلاد والمزارع ومنه مكان يشرف عن بعد على البحر ، ولهذا الدير صيت جائل وسمعة مذكورة وبه رهبان كثيرو العدد والنصارى تقصده وتحمل إليه النذور ويقصده كثير من أهل البطالة واللهو للتفرج به والتنزه فيه ، وفيه يقول الطيبي :

أدير كفتون تكفى كل نائبة

من الهموم وتلقى كل سراء

من كل خضراء في الأشجار مائسة

وكل صهباء في الكاسات حراء

حللت في دير كفتون فلا عجب

إذ متّ سكرا بحمراء وخضراء

«دير مارون» قال المسعودي في التنبيه والإشراف : وفي أيام موريق من ملوك الروم ظهر رجل من أهل حماة من أعمال حمص يعرف بمارون إليه تنسب المارونية من النصارى. وأمرهم مشهور بالشام وغيرها أكثرهم بجبل لبنان وسنير وحمص وأعمالها كحماة وشيزر ومعرة النعمان وكان له دير عظيم يعرف به شرقي حماة وشيزر ذو بنيان عظيم حوله أكثر من ثلاثمائة صومعة فيها الرهبان وكان فيه من آلات الذهب والفضة والجوهر شيء عظيم فخرب هذا الدير وما حوله من الصوامع بتواتر الفتن من الأعراب وحيف السلطان وهو بقرب نهر الارنط (العاصي) نهر حمص وأنطاكية. وقال ابن بطريق : وكان في عصر موريق ملك الروم راهب يقال له مارون وكان يقول : إن سيدنا المسيح طبيعتان ومشيئة واحدة وفعل واحد وأقنوم واحد وأكثر من تبعه على مقالته تلاميذه القائلون به أهل مدينة حماة وقنسرين والعواصم وجماعة من أرض الروم فسموا الموارنة ولما مات مارون بنى أهل حماة ديرا بحماة وسموه دير مارون. قلنا : ولعله دير آخر غير الدير الذي نشأ فيه مارون شرقي حماة وشيزر. وقد خرب دير مار مارون سنة (٧٥)

٣٧

للهجرة لما غزا موريق وموريقان بلاد الشام وحملا على هذا الدير وقتلا منه خمسمائة راهب وهدما بنيانه ثم تحولا من هناك إلى قنسرين والعواصم فقتلا الأهلين ونهبا وخربا المساكن ولم يعفيا عن أحد من أتباع مار مارون. وقال الدويهي : كان قرب دمشق فوق نهر يزيد دير على اسم القديس مارون. قال : ولقد استدللنا برسومه وأطلاله الماثلة إلى اليوم على عظمه وشرفه ذكره ابن الحريري المؤرخ فيما كتبه عن الحاكم بأمر الله سنة (٣٨٦). ولا أثر اليوم لدير حماة ولا لدير دمشق.

«دير مار مروثا» وهو دير صغير بظاهر حلب في سفح جبل جوشن على نهر العرجان (العوجان؟). وكان سيف الدولة محسنا إلى أهله وقلما مرّ به إلا نزله ووهب لأهله هبة كبيرة وكان يقول : رأيت أبي في النوم يوصيني به ـ وفي رواية والدته ـ. وله بساتين قليلة ومباقل وفيه نرجس وبنفسج وزعفران ويعرف بالبيعتين لأن فيه مسكنين للرجال والنساء. قال الخالدي وإياه عنى الصنوبري بقوله :

كأنما اختيرت الفصوص له

بين عقيق وبين فيروزج

أما ترى البيعتين أفردتا

بمفرد الأقحوان والمزوج

أثوابه المزن كيف ما اتصلت

وناره البرق كيف ما أجّج

هذا ما رواه ابن فضل الله في هذا الدير ، وفي رواية ياقوت أن هذا الدير ذهب ولا أثر له وقد استجد في موضعه مشهد زعم الحلبيون أنهم رأوا الحسين ابن علي رضي‌الله‌عنه يصلي فيه فجمع له المتشيعون بينهم مالا وعمروه أحسن عمارة وأحكمها وفيه أيضا يقول بعض الشاميين :

بدير مارت مروثا ال

شريف ذي البيعتين

والراهب المتحلي

والقس ذي الطمرين

إلا رثيت لصبّ

مشارف للحين

قد شفه منك هجر

من بعد لوعة بين

قال وفيه يقول الحسين بن علي التميمي :

يا دير مارت مروثا

سقيت غيثا مغيثا

٣٨

فأنت جنة حسن

قد حزت روضا أثيثا

«دير مارت مريم» قال الخالدي : وبالشام دير يقال له مارت مريم وهو من قديم الديرة ونزله الرشيد وفيه يقول الشاعر :

نعم المحل لمن يسعى للذته

دير لمريم فوق الظهر معمور

ظل ظليل وماء غير ذي أسن

وقاصرات كأمثال المها حور

«دير الماطرون» يروى لزيد بن معاوية فيه :

ولها بالماطرون إذا

أكل النمل الذي جمعا

حرقة حتى إذا ربعت

ذكرت من جلق بيعا

في قباب حول دسكرة

بينها الزيتون قد ينعا

قال أبو محمد حمزة بن القاسم قرأت على الحائط من بستان الماطرون هذه الأبيات :

أرقت بدير الماطرون كأنني

لساري النجوم آخر الليل حارس

وأعرضت الشعرى العبور كأنها

معلق قنديل عليها الكنائس

ولاح سهيل عن يميني كأنه

شهاب نجاة وجهه الريح قابس

ولم يبق في الوجود من هذا الدير غير اسمه.

«دير المصلّبة» وهو بظاهر مدينة القدس الشريف في شامها بغرب وهو دير رومي قديم البناء بالحجر والكلس محكم الصنعة مونق البقعة في بحيرة من أشجار الزيتون والكروم وشجر التين بإزاء قرية تجري على الدير بمرسوم السلطان. قال في مسالك الأبصار بعد ما تقدم : وهذا الدير دخلت إليه ورأيته وفيه صور يونانية في غاية من محاسن التصوير وتناسب المقادير وصعدت إلى سطحه فرأيت له حسن مشترف وسعة فضاء ورهبانه من الكرج. قال وكان أخذ وجعل مسجدا للمسلمين ثم أعيد ديرا للنصارى وتوصل إلى هذا بكتاب أحضر من ملك الكرج وأعان عليه قوم آخرون. قال : وحدثه رهبانه بأن على ديرهم وقوفا في بلادهم منها خيول سائمة تحمل أثمان نتاجها إليهم وأنه يجيء منها في كل سنة قدر جليل وأنها تنفق في مصالح الدير وابن السبيل. وفيه يقول أبو علي حسن الغزي :

يا حسن أيام قطعت هنيئة

بالدير حيث التين والزيتون

٣٩

دير المصلبة الرفيع بناؤه

تفدي عبير ترابه دارين

في ظل هيكله وأسراب الدّمى

مجلوّة والمرمر المسنون

ومزنرين إذا تلوا إنجيلهم

وتعطفوا فحمائم وغصون

غزلان وجرة هم وبين جفونهم

لأسود بيشة إن عرضن عرين

نزعوا القلانس والمسوح فزحزحت

منهن عن غرر الشموس دجون

وسعوا بكاسات المدام وما دروا

أن للكؤوس الدائرات جنون

فقضيت بينهم زمانا لم يزل

عندي إليه تشوق وحنين

تلك المنازل قد سفحن مدامعي

لا مصر قاطبة ولا جيرون

ولا يزال هذا الدير عامرا وهو للروم الأرثوذكس.

«دير مرقس» الغالب أنه كان من نواحي حلب ورد في شعر حمدان بن عبد الرحيم في قوله :

أسكان عرشين القصور عليكم

سلامي ما هبت صبا وقبول

ألا هل إلى حث المطيّ إليكم

وشم خزامى حربنوش سبيل

وهل غفلات العيش في دير مرقس

تعود وظل اللهو فيه ظليل

إذا ذكرت لذاتها النفس عندكم

تلاقى عليها زفرة وعويل

بلاد بها أمسى الهوى غير أنني

أميل مع الأقدار حيث تميل

«دير مرّان» هذا اسم لديرين في الشام كان أحدهما على الجبل المشرف على كفر طاب قرب المعرة يزعمون أن فيه قبر عمر بن عبد العزيز (رض) وهو مشهور بذلك كان يزار في عصر ياقوت. والثاني بالقرب من دمشق على تل مشرف على مزارع الزعفران ورياض حسنة وبناؤه بالجص وأكثر فرشه بالبلاط الملون ، وهو دير كبير وفيه رهبان كثيرة وفي هيكله صورة عجيبة دقيقة المعاني والأشجار محيطة به. روى ذلك الخالدي أما محل الدير فمحل خلاف منذ القديم قال ابن فضل الله : والناس في اختلاف اين كان دير مران فمن قائل إنه كان بمشارق السفح نواحي برزة والأكثر على أنه كان بمغاربه وأن مكانه الآن (القرن الثامن) المدرسة المعظمية ، وأما الذي كان بمشارق السفح فهو دير السائمة المسمى دير صليبا. وروى صاحب قضاة دمشق قال : لما وافى المأمون دمشق سنة خمس عشرة ومائتين نزل بدير مران

٤٠