خطط الشام - ج ٦

محمّد كرد علي

خطط الشام - ج ٦

المؤلف:

محمّد كرد علي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة النوري
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٦٤

كتبهم. ولما ملك بطلميوس (بطولوماوس) فيلادلفوس من ملوك الإسكندرية فحص عن كتب العلم فعهد إلى رجل اسمه زميرة فجمع من ذلك على ما حكي أربعة وخمسين ألف كتاب ومائة وعشرين كتابا. وقال له : قد بقي في الدنيا شيء كثير في السند والهند وفارس وجرجان والارمان وبابل والموصل وعند الروم. وذكروا أن النعمان ملك الحيرة أمر فنسخت له أشعار العرب في الطّنوج أي الكراريس فكتبت له ثم دفنها في قصره الأبيض ، فلما كان المختار ابن عبيد قيل له : إن تحت القصر كنزا فاحتفره فأخرج تلك الأسفار. قالوا : فمن ثم كان أهل الكوفة أعلم بالأشعار من أهل البصرة. وبلغ من عناية ملوك الفرس بصيانة العلوم ، وحرصهم على بقائها على وجه الدهر ، وإشفاقهم عليها من أحداث الجو وآفات الأرض ، أن اختاروا لها من المكاتب أصبرها على الأحداث ، وأبقاها على الأيام ، وأبعدها عن التعفن والدروس ، فكتبوا في لحاء شجر الخدنك ، ولحاؤه يسمى التّوز ، وكانت تعمل منه القسي ، وبهم اقتدى في ذلك أهل الهند والصين ومن يليهم من الأمم.

ولما حصل الفرس العلوم طلبوا لها من يفاع الأرض أصحها تربة وأقلها رطوبة ، وأبعدها من الزلازل والخسوف ، وأعلكها طينا ، وأبقاها على الأيام بناء ، يقيمون فيها خزائنهم ودور كتبهم فاختاروا مدينة جيّ من عمل أصفهان جعلوها في قهندرز أي حصن ، فانهارت هذه المصنعة في الإسلام فظهروا فيها على أزج معقود من طين الشقيف ، أي بيت مستطيل من الخزف ، فوجدوا فيها كتبا كثيرة من كتب الأوائل مكتوبة كلها في لحاء التوز بالكتابة الفارسية القديمة ، وقالوا : إن الفرس كانوا يودعون كتبهم في سارويه ، أحد الأبنية الوثيقة القديمة المعجزة البناء ، وتشبه الأهرام في الجلالة وإعجاز البناء ، وكانت الكتب تكتب على صفحة صفحة أي من وجه واحد.

هذا ما يؤخذ من كلام ابن النديم وغيره في منشإ الكتب عند القدماء ، ومع هذا لم تحفظ لغات الأقدمين لو لا ما وجد منها مكتوبا على الأحجار ، وكان بعض تلك اللغات اندثر في القرون الأخيرة حتى لا يحلها إنسان ، مثل اللغة الهيروغليفية لغة قدماء المصريين المقدسة فعثروا في رشيد من ثغور مصر

١٨١

في سنة (١٨٢٦) على حجر كان مكتوبا بالهيروغليفي والديموطيقي واليوناني ، فحل شمبوليون الخط الهيروغليفي ، وهو الخط الخاص بالآثار عند قدماء المصريين ، وكان الخط المعتاد عندهم الخط الهيراطيقي يكتبون به حاجاتهم العادية وفنونهم وآدابهم. وهذا يكتب على البرديّ بقلم من البوص المعروف بالغاب ، يغمس في مداد أسود أو أحمر ومنه أدراج طويلة قد يبلغ طول الواحدة منها ثلاثين مترا ، ومنها نماذج حفظت في متاحف الغرب ومتحف مصر ، وكذلك ما عثروا عليه في رسائل تل العمارنة في المنيا بمصر في سنة (١٨٨٨) وقد كتبت بالآجر بالحروف المسمارية البابلية ، وفيها سجلات الدولة في عهد فرعون مصر أمينوفيس الرابع وأبيه أمينوفيس الثالث ، وانحلت بهذه الآجرّات عقد من التاريخ القديم استدل بها على علاقة الشام بمصر.

ومثل ذلك يقال في الأثر النفيس الذي اكتشفه أحد أمراء روسيا في تدمر سنة (١٨٨٢) وانحلت به مشاكل كثيرة من الحضارة التدمرية. وقد حل الخط التدمري بارتلمي ، واكتشف دوسو في الجنوب الشرقي من النمرة في الصفا حجرا مكتوبا بالخط الآرامي وهو بالعربية ، وحل لغة الصفا بيمان وهاليفي. واكتشفت في البتراء المصانع المكتوبة بالآرامية ، وحلّ علماء الآثار اللغة الحميرية السبئية في اليمن. وحلّ لغة البابليين دي مورغان ، ومن أهم ما عثر عليه من آثارهم مسلّة عظيمة عملت بمسحوق الحجر البركاني وقد زبرت عليها شريعة حمورابي أحد أعاظم ملوك البابليين ، وكان من أصل عربي كما يقول هومل.

وأهم الكتابات الفينيقية التي ظهرت ما وجد مزبورا على ناووس أحد ملوك صيدا سنة (١٨٥٥) ، والخط الفينيقي أشبه بالخط العبراني ، والخط المسند هو الذي كتبت به مصانع الفرس القدماء ومصانع أشور وبابل وأرمينية وخوزستان وما إلى ذلك من أرض العراق. ولا يزال العلماء يكتشفون الآثار والعاديات في أرض الشام ، وإلى اليوم لم ينحل خط الحثيين أقدم شعوب هذه الديار ، ولا يزال علماء الآثار منذ عثر بروكهار في حماة على حجر مكتوب بهذا الخط سنة (١٨١٢) متوفرين على حل هذا القلم وقد ظفروا بكثير من آثار الحثيين في هيرابوليس أو قرقميش عاصمة الحثيين وفي طرابلس

١٨٢

وحلب وأرفاد وحمص وغيرها.

ومعنى كل هذا أنه لم يصل إلى أهل العلم الحديث بعد تطاول الأعصار من تلك اللغات القديمة إلا ما كان مزبورا على الأحجار والآجر ، ثم ما كان على الخشب والرّق ثم الورق ، وكانت للعرب في الكتابة على الرّق والورق يد طولى نقلوا بواسطتهما ما أمكن من علوم القدماء ، وأعطوه لأهل الحضارات الحديثة بأمانة وإخلاص. فالقدماء إذا وضعوا الكتب أيام عرفوا الكتابة ، فكان لبعضهم كالفرس واليهود والهنود كتب مقدسة ، وخلف الرومان واليونان تواريخ وقصائد وخطبا ومقالات فلسفية. قال سنيوبوس : وقلما نجد في الكتب المواد اللازمة لمباحثنا إذ ليس لدينا كتاب أشوري ولا فينيقي. أما ما بقي من أسفار الشعوب الأخرى فتافه جدا. وكان القدماء يكتبون ولكن أقلّ منا ، ولذلك كانت تآليفهم أندر ، ولم يكن لهم من كل مصنف غير نسخ قليلة لما أن الحال كانت تقضي باستنساخها كلها باليد ، وقد دثر غالب هذه النسخ أو ضاع وتعذرت قراءة ما بقي منه ، ويسمى علم حلها باليوغرافيا أي علم الخطوط والكتابات القديمة.

نشأة الخزائن والعناية بحفظها :

عرفنا بما تقدم أننا لا نستطيع أن نحكم على العصور التي سبقت الإسلام في الشام في أمر الكتب والخزائن فلا أنطاكية نطقت بما كان فيها من علوم القدماء ، وانتقلت إليها من حران والإسكندرية ، ولا بيروت ولا مدرسة الفقه التي كانت فيها قبل الإسلام ، اطلعتانا على ما كان فيهما من خزائن وأسفار ، فإن أخبار هاتين المدينتين أنطاكية وبيروت انطمست منذ القديم كما انطمست معالمهما بالزلازل المدهشة التي قضت على دور العلم فيهما ، وأتت أيضا على مدن برمتها في العصور الأولى للإسلام ، والزلازل كالحريق تتلف الكتب وتدمر دورها.

ثبت أن العرب لم يدونوا في الجاهلية شيئا من مآثرهم بالعربية ، لأن الخط العربي محدث انتقل إليهم من الأنبار قبيل الإسلام ، ولكنهم كانوا أول من أسرع إلى التدوين خارج جزيرتهم ، ولا سيما في العراق والشام أوائل الإسلام.

١٨٣

ومن أهم الكتب القديمة في الشام مصحف سيدنا عثمان الذي أرسله عام ثلاثين للهجرة إلى دمشق ليكون الاعتماد عليه كما أرسل مثله إلى الأمصار الكبرى في الأقطار الأخرى. والغالب أنه نقلت عنه عدة مصاحف عدّت من الأمهات منها ما جعل في طبرية ، ومنها ما وضع في قنسرين. وكثرت النسخ بعد ذلك ، لكن هذه المصاحف ذهبت في الحريق الذي أصيبت به الجوامع في عصور مختلفة ، وكلما حرق مصحف قديم قال القوم : إنه مصحف عثمان ، والأصح أن يقال المصحف المنقول عن مصحف عثمان. وحدثني الشيخ مسعود الكواكبي أنه تشرف غير مرة بزيارة مصحف كتب عليه حرره عثمان بن عفان وهو محفوظ في مكتبة جامع أياصوفيا في الاستانة.

ثبت أن أول خزانة كتب في الإسلام أنشئت في دمشق أو في حلب أنشأها حكيم آل مروان خالد بن يزيد الأموي المتوفى سنة خمس وثمانين ، ولم يصل إلينا من أخبارها شيء ، ولا شك أنها كانت تحوي بعض العلوم التي نقلها من القبطية واليونانية والسريانية ، في الكيمياء والطب والنجوم وغيرها ، وربما كان فيها شيء من كتب الجغرافيا لأنه ثبت مما قاله ابن السنبدي الذي زار خزانة الكتب بالقاهرة في سنة (٤٣٥ ه‍) أنه كان فيها كرة من نحاس من عمل بطلميوس ، كتب عليها حملت هذه الكرة من الأمير خالد بن يزيد ابن معاوية. وقال : إنه كان في تلك الخزانة من كتب النجوم والهندسة والفلسفة خاصة ستة آلاف وخمسمائة جزء. ولا شك أن خزانة خالد بن يزيد كان فيها أيضا كتاب عبيد بن شرية الجرهمي الذي كان استحضره جده معاوية من صنعاء اليمن وسأله عن الأخبار المتقدمة ، وملوك العرب والعجم ، وسبب تبلبل الألسنة ، وأمر افتراق الناس في البلدان. فأجابه إلى ما أراد ، فأمر معاوية أن يدوّن وينسب إلى عبيد بن شرية. ولعبيد كتاب الأمثال وكتاب الملوك وأخبار الماضين. وهذا من أول التدوين في النصف الأول من القرن الأول. ولوهب بن منبه المتوفى سنة (١١٠) أو ١٤ أو ١٦ تصنيف ترجمه بذكر الملوك المتوجة من حمير وأخبارهم وقصصهم وقبورهم وأشعارهم ، رآه ابن خلكان في القرن الثامن وقال : إنه من الكتب المفيدة.

وجاء القرن الثاني والشام تهتز أعصابها بانتقال الملك من بني أمية إلى

١٨٤

بني العباس فلم يؤثر عنها أنه كان فيها خزانة كتب ، ولا عرف أحد من الخاصة بأنه كان مولعا بجمع الأسفار ، فكانت الكتب القليلة التي لهم تجعل في الجوامع أو في بعض دور الخاصة على ما كانت الحال في أكثر المدن الإسلامية. وإذ وقع التدوين في القرن الأول لم يدخل القرن الثاني حتى كثرت الكتب ، وقد ورد في سيرة الزهري المتوفى سنة (١٢٤ ه‍) أنه كان إذا جلس في بيته وضع كتبه حوله مشتغلا بها عن كل أحد ، فقالت له زوجته : والله لهذه الكتب أشد عليّ من ثلاث ضرائر. وهذا دليل على تكاثر الكتب حتى صارت للزهري مجموعة منها ينصرف إليها بكليته ، وامرأته تريده على أن يكون لها فقط. وكل هذه الكتب لم تبق الأيام عليها. والغرب كان أمهر منا في الاحتفاظ بما دون فإن أقدم كتاب في أوربا يرد إلى القرن الثاني للمسيح.

ولم يعرف قبل عهد الرشيد والمأمون أن جمعت الكتب في خزانة وسميت دار الحكمة أو بيت الحكمة أو بيت المعرفة. وكانت دار الحكمة أشبه بجامعة فيها دار كتب يجتمع فيها رجال يتفاوضون ويطالعون وينسخون. ويدير شؤون تلك الدور من يثق الخليفة بعقلهم وأمانتهم وعلمهم. كان هذا في القرن الثاني واعتوره في القرن الثالث بعض الفتور ، وظل بيت الحكمة في القرنين الرابع والخامس في بغداد مفتح الأبواب. وأنشأ أحد وزراء العباسيين أبو نصر سابور بن أردشير في القرن الخامس دارا بالكرخ في بغداد سماها دار العلم ، وقفها على العلماء ونقل إليها كتبا كثيرة. وأنشأ الفاطميون في القاهرة دار العلم في القرن الرابع تشبها بالعباسيين في بغداد ، أنشأها الحاكم بأمر الله سنة (٤٠٠) وفرشها ونقل إليها الكتب العظيمة وأسكنها من شيوخ السنة شيخين. قال ابن قاضي شهبة : وبقي الحاكم كذلك ثلاث سنين ثم أخذ يقتل أهل العلم وأغلق دار العلم. ولم تعهد الشام دار حكمة إلا في القرن الخامس أنشأها بنو عمار في طرابلس. وكان في كل من كفر طاب والمعرة في زمن أبي العلاء المعري خزانة كتب وقد زارهما كما زار خزانة طرابلس. وهذه الخزانة كانت قبل خزانة بني عمار بمدة خلافا لما وهم بعض المؤلفين المعاصرين ، لأن بني عمار لم يستولوا على طرابلس إلا بعد الأربعين وأربعمائة.

١٨٥

وكان أبو العلاء زار طرابلس قبل هذا التاريخ أي في أواخر القرن الرابع ، وانتفع بخزانتها وكتبها الموقوفة.

وكانت في الشرقية التي بجامع حلب خزانة كتب مهمة اسمها خزانة الصوفية. واتفقت فتنة في بعض أيام عاشوراء بين أهل السنة والشيعة ونهبت خزانة الكتب ، ولم يبق في خزانة الكتب إلا قليل. قال ابن العديم : وجدد الكتب بعد ذلك الوزير أبو النجم هبة الله بن بديع وزير الملك رضوان ثم وقف غيره كتبا أخر. وقد ذكر ابن سنان الخفاجي (٤٦٦) هذه الخزانة في قصيدته اليائية التي كتبها من القسطنطينية يداعب أحد أصدقائه قال فيها :

أبلغ أبا حسن السلام وقل له

هذا الجفاء عداوة الشيعية

فلأطرفن بما صنعت مكابرا

وأبثّ ما لاقيت منك شكية

ولأجلسنك للقضية بيننا

في يوم عاشوراء بالشرقية

حتى أثير عليك فيها فتنة

تنسيك يوم «خزانة الصوفية»

وقد ظلت هذه الخزانة في حلب عامرة إلى القرن السابع وهي مسبلة على المطالعة ، ولم يعلم هل كانت الخزانة المهمة التي أنشأها في حلب سيف الدولة بن حمدان وجمع فيها الأمهات الجيدة عامة للناس أيضا كخزانة الصوفية أم هي خاصة به وبجماعته في قصره ، وقد اشتهر عنه ولوعه بالكتب إلى الغاية. وناهيك بخزانة كان من جملة خزانها الخالديان الشاعران المشهوران. وربما ذهبت هذه الخزانة في هجمة الروم على حلب وتخريبهم قصر سيف الدولة.

وقلّت عناية الملوك بخزائن الكتب ، لما كثرت المدارس في هذه الديار في القرن الخامس «اكتفاء بخزائن كتب المدارس التي أثبتوها من حيث أنها بذلك أمسّ» ولم تكد تخلو مدرسة من المدارس في الشام من خزانة كتب. وكان لحلب ودمشق والقدس الحظ الأوفر من ذلك ، لو لم تنازعها طرابلس التي كان يراد من إنشاء دار الحكمة فيها نشر التشيع على ما يقال ، وساعد على كثرة الكتب في طرابلس ما كان فيها من معمل الورق الجيد. وقد عرفنا أن معامل الورق كانت تخرج الكاغد والقراطيس والطوامير الجيدة في طرابلس ودمشق وحلب ومنبج وطبرية وغيرها من المدن. ومن أشهر خزائن الملوك والأمراء في القرن السادس والسابع خزانة الكتب التي

١٨٦

وقفها بحلب نور الدين محمود بن زنكي على مدرسته وسلمت إلى محمد بن علي ابن ياسر الجياني الأندلسي ، زميل ابن عساكر مؤرخ دمشق ، وأجريت عليه جراية ثم وقف كتبه على أصحاب الحديث توفي سنة (٥٥٣) ووقف نور الدين على البيمارستان الذي أنشأه بدمشق جملة كثيرة من الكتب الطبية كما وقف كتبا كثيرة على أهل العلم في أرجاء مملكته.

وأعطى صلاح الدين يوسف لمؤدب ولده الأفضل أبي سعيد البندهي (أو البنجديهي) كتبا كثيرة من خزانة كتب حلب ، أباح له أن يأخذ منها ما شاء ، وهذا جمعها وحصل من الكتب التي لم تحصل لغيره ، ووقفها بخانقاه السميساطي بدمشق. وكثيرا ما كان صلاح الدين يبيح لرجاله أن يأخذوا ما شاءوا من الكتب التي وقعت إليه ، كما فعل في مصر وأعطى وزيره القاضي الفاضل من خزانة الفاطميين قدرا كبيرا من كتبها ، وأعطى عماد الدين الكاتب أيضا بعض أسفارها ، وكان في هذه الخزانة على ما قيل ألف ألف كتاب وفيها من تاريخ الطبري فقط ألف ومائتا نسخة. فبيعت خزانة الفاطميين وتشتتت على هذه الصورة ولم يكن في ديار الإسلام أعظم منها. ووهب صلاح الدين القاضي الفاضل ما شاء من كتب خزانة آمد لما فتحها وكان فيها ألف ألف وأربعون ألف كتاب فانتخب منها الفاضل سبعين حملا. وهذه الألوف من الكتب التي ملكها القاضي الفاضل وقفها بعد على إحدى مدارس القاهرة وكان هو وابنه من غلاة الكتب.

ومن الخزائن التي كانت بالشام خزانة علي بن طاهر السلمي النحوي (٥٠٠) كانت له حلقة بالجامع بدمشق ووقف فيه خزانة كتب. وكان لتاج الدين الكندي في الجامع الأموي خزانة كتب فيها كل نفيس. ووقف شرف الدين بن عروة الموصلي المنسوب إليه مشهد ابن عروة في الجامع الأموي خزائن كتبه فيه. ومن الخزائن خزانة بني جرادة العلماء في حلب فقد كتب أحدهم أبو الحسن ابن أبي جرادة (٥٤٨) بخطه ثلاث خزائن من الكتب النفيسة وخزانة لولده أبي البركات وخزانة لابنه عبد الله. ومات موفق الدين ابن المطران (٥٨٧) وفي خزانته من الكتب الطبية وغيرها ما يناهز عشرة آلاف مجلد خارجا عما استنسخه. وكان في خدمته ثلاثة نساخ يكتبون له أبدا ولهم

١٨٧

منه الجامكية والجراية. ومات أمين الدولة السامري وقد اجتمع عنده نحو عشرين ألف مجلد لا نظير لها في الجودة. وكان مهذب الدين الدخوار صاحب مدرسة الطب بدمشق من أهل القرن السابع اقتنى كتبا كثيرة ، واقتنى من آلات النحاس التي يحتاج إليها في علم الهيأة والنجوم ما لم يكن عند غيره أي إنه كان عنده مرصد فلكي وخزانة كتب.

وجمع جمال الدين بن القفطي (٦٤٦) في حلب ما لا يوصف من الكتب ، وكانت خزانته تساوي خمسين ألف دينار. وكانت خزانة قطب الدين النيسابوري مهمة وقفها على إحدى المدارس بدمشق. وكان الملك الناصر ابن الملك المعظم عيسى (٦٥٦) معنيا بتحصيل الكتب النفيسة ، وكان جمع قبله محمد بن عمر ابن شاهنشاه صاحب حماة وابن صاحبها من الكتب ما لا مزيد عليه ، وكان في خدمته ما يناهز مائتي متعمم من الفقهاء والأدباء والنحاة والمشتغلين بالحكمة والمنجمين والكتاب (٦١٠) ووقف الملك الأشرف موسى (٦٣٥) كتبه بالمدرسة الأشرفية بدمشق ، واشتهرت في هذا القرن خزانة ابن أبي أصيبعة وتلميذه ابن القف بدمشق. ومن خزائن القرن الثامن والتاسع والعاشر التي بلغنا خبرها خزانة أبي الفداء صاحب حماة فإنه جمع من الكتب سبعة آلاف مجلد وقفها على جامع الدهشة. ولم يقم في هذا القرن بعد الملوك من بني أيوب أحد من الأمراء عني بالكتب وتسبيلها على المطالعة ، فالقرن الثامن كان خاتمة هذه الحركة المباركة في الشام.

ومن الخزائن في هذه الحقبة خزانة ناصر الدين العسقلاني (٧٢٣) فقد خلف ثماني عشرة خزانة مملوءة كتبا نفيسة. واقتنى ابن قيم الجوزية تلميذ ابن تيمية خزانة مهمة. وملك عمر القرشي الدمشقي (٧٩٢) من نفائس الكتب شيئا كثيرا. ووقف تقي الدين اليلداني أكثر كتبه ومجاميعه بالخزانة الفاضلية بالكلاسة بدمشق سنة (٦٥٥) وحصل شمس الدين البعلي كتبا وكتب بخطه المليح شيئا كثيرا (٧٧٤) ، وخلف الفتح الفارقي (٦٩٤) ألفي مجلدة ومائتي مجلدة. وكانت خزانة ابن رواحة الحموي (٦٢٢) في مدرسته بدمشق. وخلف بدر الدين ابن غانم الدمشقي ألفي مجلدة. واجتمع لشرف الدين البارزي الحموي (٧٣٨) من الكتب ما لم يجتمع لأهل عصره. وكانت

١٨٨

خزانة أرغون نائب حلب (٧٣١) عامرة بالكتب النفيسة. ومن الخزائن المشهورة خزانة ابن فضل الله العمري وابن مالك النحوي وابن خلكان المؤرخ.

واقتنى بعض ولاة العثمانيين في الشام كتبا نفيسة بطرق مختلفة ومنهم سنان باشا صاحب الجامع خلف مائة وستين مصحفا مرصعا بالدر والجوهر وخمسة وثلاثين صندوقا مملوءة بالكتب التي لا تقدر بثمن ، وكانت الصناديق مرصعة باليواقيت والمعدن. وكل هذا أخذه صاحبه من اليمن والشام وغيرها ونقل إلى الاستانة. وكان في القرن العاشر في الجامع الأموي بدمشق خزانة كتب خاصة بالمالكية والأمين عليها مفتي أهل هذا المذهب. ووقف علي الدفتري من أهل القرن الحادي عشر كتبا نفيسة غالية بدمشق. وكان لبولس الزعيم اللبناني من أهل القرن السابع عشر للميلاد خزانة مخطوطة.

ولم يبلغنا أن قامت للكتب سوق في وراء جنوب دمشق من الأرجاء إلى أقصى حدود الشام ، مع أن بعض أقاليمها أنجبت علماء أجلاء مثل قمرا وامتان وعرّمان ونجران وشهبة وصرخد وبصرى والصلت ووادي الأردن وجبل الشراة وعمّان ومعان والشوبك وعجلون وأذرعات وجرش والسويداء.

وبعد فقد كانت الوراقة أو صنعة الكتب من نسخ وتجليد وتذهيب صناعة رائجة ومن أهم الصناعات في العهد القديم ، والناسخ يرزق بقدر إجادته الخط أو الخطوط التي يعرفها ويحسنها. وكذلك المجلد والمذهب يكافأ كل واحد منهما بحسب غنائهما. وكان كثير من العلماء يكتبون الخط المنسوب أي الخط ذا القاعدة وينسخون نسخا لا بأس به ويعيشون من نسخهم. ومنهم من كانوا يتعففون عن القضاء ، أو تولي شيء من أمر الأمة ، ويؤثرون أن يعيشوا بالنسخ أو الوراقة أو الاتجار بالكتب ، ومنهم من أثروا منها. وكان في كل حاضرة سوق لبيع الكتب يختلف إليه العلماء والأدباء. ومن العلماء من نسخوا المئة بل المئات من الكتب ، ومنهم من نسخ ألف مجلد في حياته. ولم يكد الكتاب يخرج من يد مؤلفه خصوصا إذا كان من المشاهير الثقات حتى تتعاوره الأيدي بالنسخ ، ويتنقل من قطر إلى قطر ، ويتداول في الأيدي ، ويجلد ويوضع في القماطر.

وقد جاء زمن على دمشق (من القرن السابع إلى القرن الحادي عشر)

١٨٩

وكل مدرسة من مدارسها الكثيرة لا تخلو من خزانة وافية بغرض الأساتيذ والتلاميذ. ومن أهم المدارس التي حوت خزائن ذات شأن العمرية والعروية والناصرية والعادلية والأشرفية. جاء في فتاوى التقي السبكي صك وقف دار الحديث الأشرفية هذا : ويصرف إلى خازن الكتب ثمانية عشر درهما في كل شهر وعليه الاهتمام بترميم الكتب ، وإعلام الناظر أو نائبه ليصرف فيه من مغل الوقف ما يفي بذلك ، وكذلك إذا مست الحاجة إلى تصحيح كتاب أو مقابلته. وجاء فيه : وجعل جزءا من الوقف يصرف على مصالح المدرسة النورية ومن ذلك أن يصرف في شراء ورق وآلات نسخ من مركّب (حبر) وأقلام ودويّ ونحو ذلك ما يقع به الكفاية لمن ينسخ في الديوان الكبير أو قبالته الحديث أو شيئا من علومه أو القرآن العظيم أو تفسيره ، ويصرف إلى من يكتب في مجالس الإملاء ، وإلى من يتخذ لنفسه كتبا أو استجازة ، ولا يعطى من ذلك إلا لمن ينسخ لنفسه لغرض الاستفادة والتحصيل دون التكسب والانتفاع بثمنه. قال : وللشيخ الناظر أن يستنسخ للوقف أو يشتري ما تدعو الحاجة إليه من الكتب والأجزاء ثم يقف ذلك أسوة ما في الدار من كتبها. وكتب سنة ستمائة واثنتين وثلاثين اه.

وكان رهبان الموارنة في لبنان منذ القرن الخامس عشر يصرفون أوقات فراغهم في نسخ المخطوطات الدينية والعلمية وكان بعض بطارقتهم وأساقفتهم يحملون الشمامسة الرهبان وغيرهم على نسخ الكتب يزيدون بها مجاميع الأديار والبيع في الجبل ويتقيلون في ذلك مثال إخوانهم علماء المسلمين في المدن. وبهذه الطريقة كانت تنمو الكتب والأيدي تتناولها على أيسر وجه كأنها بعض المقدسات. وكأن القوم كانوا يتعبدون الله بحفظها وإماطة الأذى عنها وتجليدها وتخليدها ، وخدمتها بالتعليق عليها ومعارضتها بالنسخ الصحيحة ووضع الفهارس لها بحسب عرفهم في تلك الأيام ، يتخيرون لها ما يبقى ويخلد طويلا من الورق المتين والمركب الجيد والجلد النفيس المجود الدبغ لندرتها ، والنادر موضع العناية وهو خليق بأن تشد عليه يد الضنانة وتحتفظ النفوس به وتغتبط بتعاور الأيدي عليه من دون أن يناله سوء من عوادي الدهر.

١٩٠

مصائب الكتب ودورها :

ما برحت خزائن الكتب تزيد على الزمن بازدياد الحضارة في الإسلام وتنتقل الكتب من مصر إلى الشام ، ومن الشام إلى العراق ، ومن الحجاز إلى الشام مثلا ، ويعنى بها العلماء والأدباء ، ويتنافس في اقتنائها الملوك والأمراء ، ويضعف الغرام بها يوم تضعف الحركة العلمية ويرغب عن الفضائل ، ما برحت الحال على ذلك حتى دخل الروم حلب وأحرقوها سنة (٣٥١) ثم أحرقوا حمص وغيرها من المدن. ثم وقع الحريق الأعظم الذي في الجامع الأموي سنة (٤٦١) ودثر ما كان فيه من الكتب والمصاحف. وربما حرق فيه المصحف العثماني القديم. ومن أهم النكبات التي أصيبت بها الكتب نكبة طرابلس لما فتحها الصليبيون وإحراق صنجيل أحد أمرائهم كتب دار العلم فيها ، وأخذ الصليبيون بعض ما طالت أيديهم إليه من دفاترها وكتب الخاصة في بيوتهم. واختلفت الروايات في عدد المجلدات التي كانت في خزانة بني عمار أو دار حكمتهم في طرابلس ، وعلى أصح الروايات أنها ما كانت تقل عن مائة ألف مجلد ، وأوصلها بعضهم إلى ألف ألف وبعضهم إلى أكثر. وقفها الحسن بن عمار وجاء بعده علي بن محمد بن عمار الذي جدد دار العلم سنة (٤٧٢) ثم عمار بن محمد حتى صارت طرابلس كما قال ابن الفرات في زمن آل عمار جميعها دار علم ، وكان في تلك الدار مائة وثمانون ناسخا ينسخون لها الكتب بالجراية والجامكية ، فضلا عما يشترى لها من الكتب المنتخبة من الأقطار. وابن الفرات هو ممن يقول بأن عدد ما كان في دار العلم هذه من الكتب نحو ثلاثة ملايين كتاب عند ما أحرقها الصليبيون سنة (٥٠٣ ه‍). والغالب أنه كان في طرابلس من الكتب الموقوفة غير دار العلم وقفت قبل بني عمار ، وأراد ابن الفرات بهذه الثلاثة آلاف الألف عدد الكتب التي كانت في مكاتب طرابلس كلها.

ولا ينبغي أن يذهب عن الخاطر أن ما كانوا يسمونه جزءا أو مجلدا أو مجلدة لا يتجاوز بضع كراريس من كراساتنا ، والكراسة قد لا تكون أكثر من ثماني صحائف بمعنى أن ألف المجلدة أو المجلد لا تبلغ في مصطلحنا

١٩١

أكثر من خمسين كتابا أو ستين أو سبعين كتابا ، فكان المجلد في تلك العصور قليل الأوراق، لأن الورق أو الرّق غليظ فإذا جعل كل مجلد مئتين أو ثلاثمائة أو أربعمائة أو خمسمائة ورقة يصعب تناوله وحمله ونقله ولا يصح ما قاله ابن الفرات من أنه كان في دار العلم في طرابلس ثلاثة آلاف ألف يوم نكبتها إلا على هذه الصورة ، أي إن كتبها كانت بين المائتين وثلاثمائة ألف ومنها أجزاء صغيرة ورسائل ، وقد يكون الجزء من كتاب لا تتجاوز سطوره سطور مقالة من مقالاتنا أو إملاءة من أمالينا أو محاضرة أو مسامرة من محاضراتنا ومسامراتنا.

فالمصيبة الأولى العظمى التي أصابت الكتب في الشام كانت على عهد الصليبيين والمصيبة الثانية ما حمله منها التتر في نوبة هولاكو وما أحرق في مدارس دمشق وجوامعها من أمهاتها ، فقد ذكر المؤرخون أنه امتلأت خزانة الكتب بمراغة بما نهبه هذا الطاغية من الشام والعراق وغيرهما. وقدر ما حمله بأربعمائة ألف مجلد ، ومنها ما حرق في فتنة غازان سنة (٦٩٩) وفي وقعة تيمور سنة (٨٠٣) فان النار ظلت تحرق دور دمشق ومدارسها وجوامعها في الفتنة التيمورية ثلاثة أيام ، فذهب في هذين الحريقين وغيرهما كتب المدرسة الضيائية والمدرسة العادلية وغيرهما من المدارس.

ومن الخزائن التي دمرت في الخروب الصليبية خزانة أسامة بن منقذ أحد أصحاب قلعة شيزر فإنها كانت أربعة آلاف مجلد من الكتب الفاخرة أرسل بها بعد أن أخذ عهدا من الصليبيين من دمياط إلى عكا في بطسة فنهبت ونهب معها ثلاثون ألف دينار قال : إن ذهابها حزازة في قلبه ما عاش. ومن مصائب الكتب ما وقع من حريق في دار صاحب حماة سنة (٦٨٧) ذهب فيه من الكتب مقدار عظيم.

ومنذ دخل الصليبيون الشام أخذوا على ما يظهر يقتنون الكتب العربية ولكن على صورة ضعيفة لأن العلم بها كان معدوما عندهم ، يبتاعونها على أنها عاديات قديمة غريبة الشكل ، ولما لمعت في القرن السادس عشر شعلة النهضة في إيطاليا أراد الباباوات اقتناء الكتب العربية ، فندبوا لذلك بعض العارفين من رهبان الموارنة وحملوا إلى رومية من أديار لبنان ما كان محفوظا فيها

١٩٢

من كتب الدين والعلم بالعربية والسريانية. وحمل يوسف السمعاني من لبنان (١٧٦٨ م) كتبا في ثلاثة مراكب إلى رومية ملأها بالمخطوطات العربية وغيرها فغرق منها مركبان.

ومن المصائب التي أصيبت بها الكتب أن بعض دول أوربا ومنها فرنسا وجرمانيا وبريطانيا العظمى وهولاندة وروسيا أخذت تجمع منذ القرن السابع عشر كتبا تبتاعها من الشام بواسطة وكلائها وقناصلها والأساقفة والمبشرين من رجال الدين ، وكان بلغ الجهل ببعض من اتسموا بشعار الدين ومن كان يرجع إليهم أمر المدارس والجوامع أن يفضلوا درهما على أنفس كتاب فخانوا الأمانة واستحلوا بيع ما تحت أيديهم أو سرقة ما عند غيرهم والتصرف به تصرفهم بملكهم. حدثني الثقة أن أحد سماسرة الكتب في القرن الماضي كان يغشى منازل بعض أرباب العمائم في دمشق ، ويختلف إلى متولي خزائن الكتب في المدارس والجوامع ، فيبتاع منها ما طاب له من الكتب المخطوطة بأثمان زهيدة وكان يبيعها على الأغلب ، وأكثرها في غير علوم الفقه والحديث ، من قنصل بروسيا إذ ذاك بما يساوي ثمن ورقها أبيض ، وبقي هذا سنين يبتاع الأسفار المخطوطة من أطراف الشام حتى اجتمع له منها خزانة مهمة رحل بها فأخذتها حكومته منه وكافأته عليها ، والغالب أن معظم الكتب العربية المحفوظة في خزانة الأمة في برلين هي من هذا القطر. وفهرس هذه الخزانة فقط في عشرة مجلدات ضخمة ما عدا الملحق. يتألف من فهارس الكتب العربية في خزائن الغرب اليوم خزانة برأسها. وإن بعيدا يحسن القيام على هذا التراث الوافر لأحرى به من قريب يبدده جزافا. وإن أمما عرفتنا أكثر مما عرفنا أنفسنا حتى قال أحد علمائهم : إن العرب وضعوا من المصنفات ما لا يستطيع أحدنا أن يقرأه طول عمره ، لجديرون بإرث الشرق في مادياته ومعنوياته كما قلنا من فصل في مجلة المقتطف منذ أربع وأربعين سنة. نعم إن كتبا تترك للأرضة تعيث فيها ، والعفن يعبث بجمال جسمها ورسمها ، وتحرم النور ويعفّي أثرها الغبار والأوساخ ، ويحرم النظر فيها على من يحسن الاستفادة منها ، أو تفضّل عليها دريهمات معدودة حرية بأن تكون في ملك من يستفيد منها ويفيد.

١٩٣

ومن الخزائن المشهورة التي بعثرت في عهدنا ولم نعرف متى جمعت خزانة قبة صحن الجامع الأموي ، وكانت مملوءة برقوق نفيسة فتحت سنة (١٣١٧ ه‍) بأمر السلطان عبد الحميد الثاني إجابة لمقترح الامبراطور غليوم الثاني الألماني فعثروا فيها على قطع من الرقوق كتبت فيها سور من القرآن الكريم بالخط الكوفي ، ومنها قطع مهمة من مصاحف وربعات وقطع من الأشعار المقدسة بالآرامية الفلسطينية وكتابات دينية وأدبيات دينية وقصص رهبانية ومزامير عربية مكتوبة بالحرف اليوناني ومقاطيع شعرية لأوميروس ، وكراريس وأوراق بالقبطية والكرجية والأرمنية في موضوعات دينية ، وجذاذات عبرانية وسامرية فيها نسخ من التوراة وتقاويم أعياد السامريين وصلوات وصكوك للبيع والأوقاف وعهود زواج وبينها مقاطيع لاتينية وإفرنسية قديمة وقصائد شعرية يرتقي عهدها إلى أيام الصليبيين ونسخ إنجيل برقوق. فأهدى السلطان بعضها لعاهل ألمانيا ووزع قسم منها على بعض رجال الاستانة ورجال دمشق واستخلصت بعض قطع منها حفظت الآن في دار الآثار في دمشق وأهمها تلك القطعة الكوفية المكتوبة على رق من ربعة شريفة وقفها عبد المنعم بن أحمد سنة (٢٩٨) وعلى الوجه الثاني نقش مذهب باسم واقفها. ورأى شيخنا طاهر الجزائري في تلك القبة جزءا مكتوبا عليه أنه حبس على مشهد زين العابدين صلوات الله عليه وعلى أبنائه الأئمة سنة نيف وسبعين وأربعمائة.

وكانت في دير صيدنايا من جبل قلمون خزانة كتب حافلة بالمخطوطات النادرة ولا سيما السريانية ، فحاذر وكلاء الدير من كثرتها (المشرق ٢ ص ٥٨٨) أن تكون حجة بيد السريان يتقوون بها على إثبات حقوقهم في الدير ، فأجمع رأيهم على إخراجها وإتلافها تخلصا منها ، فجمعوها ومعظمها من النفائس المخطوطة على رق وبدأوا يحرقونها وقودا للفرن خبزوا عليها خبزتين وكان هذا من نحو عشر سنين ومئة سنة. وهو عمل مثّل الجهل المطبق والتعصب الممقوت. وكم وقع من حوادث إفرادية من مثل هذه فضاعت فيها الكتب ولم تبلغنا تفاصيلها. ومما أعان على تشتت الكتب أن بعض من أولعوا في العهد

١٩٤

العثماني بتسنم ذرى المناصب والقضاء ، وكان لهم مشاكل وقضايا يريدون حلها في المراجع العليا أو لمجرد التقرب والتظرف كانوا يمعنون في مهاداة من يتوقعون الخير منهم بالكتب ، وبذلك رحلت إلى الاستانة وغيرها أحمال من المخطوطات على هذا الوجه أيضا فعدت هذه الهدايا في جملة مصائب الخزائن.

خزائن اليوم وأهم ما حوت :

من أهم الخزائن في الشام خزانة المسجد الأقصى في القدس وفيها نصف مصحف قديم بخط كوفي كتب عليه «كتبه محمد بن الحسن بن الحسين ابن بنت رسول الله» وإحدى ثلاث نسخ من مصحف مجزإ ثلاثين جزءا كتبها بيده أحد ملوك المغرب ابن عبد الحق على رق وهي مجلدة على الطريقة المراكشية وموضوعة في صندوق مزخرف بالميناء على الطريقة الأندلسية. ومصاحف كبيرة جدا وصغيرة كتبت في عهد المماليك وملوك بني عثمان.

ومن كتبها «نشق الأزهار» لابن إياس و «حوادث الجو» لمؤلف مجهول و «كتاب المعرفة والتاريخ» رواية ابن درستويه عن ابن القطاف.

ومن خزائن القدس مكتبة القبر المقدس ودير الروم ومكتبة دير الدومنيكان ومكتبة الآباء البيض ومكتبة دير الفرنسيسكان ودير الأرمن وخزانة الآثار الأميركية والآثار الإنكليزية ومكتبة المجمع العلمي الأثري البرتستانتي والجامعة العبرية والمكتبة الحنبلية ومكتبة الشيخ الخليلي ومكتبة البديري ، وأهمها المكتبة الخالدية العمومية أنشأها في القدس راغب الخالدي من أعيان تلك المدينة بمشورة أستاذنا طاهر الجزائري ومعاونته وقد بلغت نحو أربعة آلاف مجلد ، منها نحو ثلثيها من المخطوط وزادت زيادات كثيرة بما أضيف إليها من خزانة الأسرة الخالدية. جعلت سنة (١٣١٨ ه‍ ١٩٠٠ م) على مقربة من المسجد الأقصى في مقبرة أحد الأمراء. ومن نوادرها «أنموذج العلم» للمولى شمس الدين محمد بن حمزة الفناري المتوفى سنة (٨٣٤ ه‍) ذكر فيه أصول مائة علم. «الطبقات السنية في تراجم الحنفية» عليه خط مؤلفه تقي الدين بن عبد القادر المضري التميمي الداري المتوفى سنة (١٠١٠ ه‍). «الشعور بالعور» للصلاح الصفدي المتوفى سنة (٧٦٤)

١٩٥

في ذكر العلماء الذين أصيبوا بفقد إحدى عينيهم. «منادح الممادح وروضة المآثر والمفاخر في خصاص الملك الناصر» وهو المعروف بالمدبجات لعبد المنعم الجلياني (٦١٣). «مختصر حياة الحيوان» لجلال الدين السيوطي (٩١١). «قهوة الإنشاء لابن حجة الحموي» (٨٣٨) وهو مجموع رسائله. «اختصار السيرة النبوية» لمحيي الدين بن عربي (٦٣٨). رواية ولده أبي سعيد وولده أبي بكر بن أبي المعالي محمد وابنته فاطمة عنه. «نزهة الناظرين في تاريخ من ولي مصر من الخلفاء والسلاطين» لمرعي الحنبلي (١٠٣٣). «رونق الحفاظ بمعجم الألفاظ» للحافظ يوسف سبط أحمد بن علي بن حجر وعليه خط الحافظ قاسم بن قطلوبغا (٨٧٩) وهو المجلد الثاني ويرجح أنه بخط مؤلفه. «مثير الغرام بفضائل القدس والشام» لسرور المقدسي (٧٦٥) وفي آخره حواش فيها أسماء بعض تواريخ القدس. «إتحاف الأخصا في فضائل المسجد الأقصى» لمحمد أبي شرف الشافعي المصري (٩٠٦). «شاناق في السموم والترياق» لشاناق الهندي نقله من لغته الهندية إلى الفارسية منكه الهندي نقل للمأمون على يد العباس بن سعيد الجوهري مولاه وهو في معرفة السموم والترياق وهي نسخة ملوكية. «الوسيط» للواحدي (٤٦٨) الجزء الثالث منه. «عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير» لابن سيد الناس اليعمري (٧٣٤). «أرجوزة محمد بن أحمد الباعوني» (٨٧١) في التاريخ وقعت في نحو ألف بيت من الهجرة إلى الملك برسباي. «تعاليق شهاب الدين أحمد بن الهائم» على الخصائص النبوية بخط أحمد الشهير بابن الهائم (٨١٥). «تقويم أصول الفقه وتحديد أدلة الشرع» للدبوسي (٤٣٠). «مجموعة رسائل لابن كمال باشا» (٩٤٠). «تأويل مشكل الأحاديث والرد على الملاحدة والمعطلة وأهل الأهواء المبتدعة» من إملاء أبي بكر محمد بن حسن بن فورك (٤٠٦). «إيضاح الإشكال في من أبهم اسمه من النساء والرجال» أي رواة الحديث للحافظ محمد بن المقدسي (٥٠٧). «كتاب الأربعين الأبدال التساعيات» للبخاري ومسلم للحافظ عبد المؤمن الدمياطي (٧١٧). «ارتياح الأكباد بأرباح فقد الأولاد» للسخاوي. «كتاب قصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام» لأحمد بن محمد بن عمر القدسي الشهير بابن زوجة أبي عذيبة.

١٩٦

«كتاب التبيان في إعراب القرآن» لأبي البقاء العكبري (٦١٦). «دمية القصر وعصرة أهل العصر» للباخرزي (٤٦٧) ذيل يتيمة الدهر للثعالبي.

ومن الخزائن المهمة في غزة خزانة المفتي ، وفي يافا الخزانة الإسلامية وخزانة أبي نبوت وفي أرباض حيفا خزانة دير الكرمل وفيها صكوك قديمة لها علاقة بالدير. ومن الخزائن الخاصة في القدس خزانة عبد الله مخلص وفي عكا خزانة جامع الجزار وفي نابلس خزانة آل الجوهري وخزانة آل صوفان وفي صفد خزانة آل النحوي وفي جبل عامل خزانة آل خاتون وإبراهيم يحيى والشيخ زين الدين وآل الصغير وأحمد رضا.

وأهم خزائن لبنان خزانة آل أرسلان في عبيه وخزانة جرجس صفا في دير القمر وخزانة دير الشرفة ودير السير ودير المخلص ودير البلمند وعين تراز وقزحيا وبزمار واللويزة ومار أشعيا ودير يوحنا مارون بكفرحي. وكان في بعض أديار اليسوعيين في لبنان مخطوطات نقلوها إلى ديرهم في بيروت كما نقلت المخطوطات المهمة في القرون الماضية من أديار الموارنة في الجبل إلى رومية العظمى.

ومن خزائن بيروت الخزانة الشرقية للآباء اليسوعيين وخزانة الجامعة الأميركية معظمها بالإنكليزية ومجموعة دار الكتب الكبرى في بيروت قليلة المخطوطات كثيرة المطبوعات وكان في بيروت مجموعة البارودي من المخطوطات فبيعت كما بيعت مجموعة حيدر أحمد الشهابي ومجموعة جميل العظم ومجموعة رشيد الدحداح في بيروت وغيرها من مجاميع الأفراد التي بعثرت لقلة العناية بالعلم أو لأسباب مادية قاهرة أحيانا. ومن خزائن الساحل خزانة آل كرامة وآل الجسر وآل المغربي وآل السمين في طرابلس ، وخزانة آل الأزهري في اللاذقية وخزانة سليمان أحمد في جبل العلويين وخزائن بعض المدارس في أنطاكية. وأشهر الخزائن العامة في حلب خزائن المدرسة الأحمدية والمدرسة الخسروية والمدرسة العثمانية والمدرسة القرمانية وجامع الناصرية والخزانة المارونية والأرثوذكسية والكاثوليكية وخزائن آل الكواكبي والغزي والملاح والزرقا والكتخدا ومنش والأنطاكي والعينتابي وقطر أغاسي ومجموعة سباط. وفي الخزانة الأحمدية بحلب «المباحث المشرقية» للفخر الرازي. و «الوافي» للصفدي و «مختصر

١٩٧

تاريخ الذهبي المسمى بالعيار» و «تاريخ الذهبي» في سبعة مجلدات و «در الحبب في تاريخ حلب» لابن خطيب الناصرية في مجلدين و «التفسير المهمل» للفيض الهندي و «مثير الغرام لزيارة القدس والشام» ، ومن مخطوطات المدرسة العثمانية المعروفة بالضيائية بحلب «عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ» للحلبي السمين و «المقدمة السنية للصفدي» و «الدر الثمين في أسماء البنات والبنين» و «الحدائق الأنسية في الحقائق الأندلسية». وكتاب «الناسخ والمنسوخ للحازمي ، وفي خزانة المولوية بحلب «اختلاف الفقهاء» للوزير ابن هبيرة المسمى بشرح معاني الصحاح. وخزانة الجامع الكبير بحلب غنية بالكتب الفلكية وآلات علم الفلك وكان واقفها محمود الجزار وأبوه من علماء هذا الفن. وفي المدرسة البهائية «عيون السير» لابن سيد الناس في السيرة النبوية وحاشية عليه في ثلاثة أجزاء لإبراهيم بن محمد بن خليل سبط ابن العجمي الحلبي. وفي بعض المدارس الحلبية الأخرى كتب متفرقة لكنها غير ذات بال. وفي الكنيس الكبير في حلب توراة مخطوطة قديمة الخط جدا. وفي حماة خزانة نوري الكيلاني في جامع الشيخ إبراهيم ومجاميع الكيلاني. وفي حمص مجاميع آل الأتاسي وخزانة القديس اليان الحمصي وخزانة الخوري عيسى أسعد وخزانة بني الجندي وكامل لوقا. وفي المعرة مجموعة آل الحراكي.

وكان في دمشق عدة خزائن بعثرت منها خزانة آل حمزة ، وخزانة الحضرة وآل الحسني وخزانة آل عبد القادر الحسني هدت أسرته كثيرا منها للمجمع العلمي فجعلها في الخزانة الظاهرية. وحرقت خزانة بدر الدين الحسني وخزانة الشمعة وآل مردم بك وخزانة آل القوتلي. وتشتتت خزائن آل الحسيبي والعطار والحلبي والغزي وبايزيد والأيوبي. وخزانة آل السقطي وزعت ، وإلى اليوم لا تزال محفوظة خزانة كل من آل الأسطواني وكان أحرق قسم مهم منها في دار سعيد الأسطواني وذلك في حريق سوق الحميدية ، وحفظت خزائن كتب آل البيطار وآل القاسمي وعابدين والمبارك وآل النابلسي وآل المنير وآل المرادي ودخل قسم مهم من كتب المنيّر والمرادي إلى دار الكتب الظاهرية. وحملت خزانة طاهر الجزائري وكان فيها الأمهات المحررة إلى مصر فأباعها من دار الكتب المصرية والخزانتين التيمورية

١٩٨

والزكية. ومما حفظ من المجاميع مجموعة البطريركية الأرثوذكسية ومجموعة كنيسة السريان وهما مجموعتان جديدتان جمعتا بعد فتنة سنة (١٨٦٠) التي ذهبت فيها مجاميع الكنائس والأديار في دمشق وبعض لبنان ولا سيما زحلة. وفي بعض البيوت القديمة في دمشق وحلب والقدس بل في معظم المدن القديمة مجاميع قليلة يحتفظون بها ورثوها من أجدادهم ومنهم من لا يرجعون إليها ولا عرفوا مضامينها ويتغالون بحفظها ويتنوقون في رصفها كأنها بعض الآنية اللطيفة والعروض التي يتنافس فيها ونعم الهوى هواها. وأهم الخزائن العامة في الشام خزانة دار الكتب الظاهرية وليست مكانتها منبعثة من كثرة أعداد كتبها بل من النوادر المحفوظة فيها وربما كانت مجموعتها أندر مجموعة في الشام ، فيها بضعة آلاف كتاب ورسالة وفيها ما هو بخط مؤلفيه أو مقروء عليهم ومنها القديم جدا بل فيها أقدم كتاب في الشام من القرن الثالث. أنشئت هذه الخزانة سنة (١٢٩٦) بمساعي طاهر الجزائري وسليم البخاري ومعاونة غيرهما من العلماء وكان؟؟؟ لدحت باشا وحمدي باشا واليي سورية يد في جمعها ، وأهم رجل من عمال الدولة عطف على هذا المشروع وساعده مساعدة فعلية بهاء بك مدير ديوان الرسائل في ولاية سورية. فجمع ما تفرّق من الأسفار في الخزانة العامة التي أبقت عليها الأيام وبعد ممانعات شديدة ممن يرومون كتم العلم وإبقاء الناس في عماية جمعوا مقدارا من الكتب جعلوها في شطر من مدرسة الملك الظاهر بيبرس قبالة العادلية الكبرى ونصبوا عليها قواما ووضعوا لها مثل شرائط المكاتب الكبرى فجاءت مؤلفة من ٢٤٥٣ كتابا منوعة عدا الدشت والكراريس والأوراق المتفرقة. أخذت من عشر خزائن وهي :

(١) خزانة المدرسة العمرية بالصالحية وهي قديمة العهد وقفها بعض أهل الخير ولكن كان الناظر قد سرق جانبا عظيما منها لا تزال عند أبنائه ومنها ما في الظاهرية الجزء الأول أو الثاني والتتمة أو الأول في دار السارق.

(٢) خزانة مدرسة عبد الله باشا العظم وقفها سنة (١٢١١) وضم إليها كتبا وقفها والده محمد باشا العظم سنة (١١٩٠). (٣) خزانة سليمان باشا العظم وقفها سنة (١١٩٦) كانت بمدرسته بباب البريد. (٤) خزانة الملا عثمان الكردي

١٩٩

كانت بمدرسة السليمانية أيضا. (٥) خزانة مدرسة الخياطين وقفها أسعد باشا العظم بعد سنة (١١٦٥) وكان مقرها بمدرسة والده إسماعيل باشا العظم.

(٦) خزانة المرادية بمدرسة مراد المرادي. (٧) مدرسة السميساطية وهي قديمة وقفها بعض أهل الخير. (٨) خزانة الياغوشية كانت موضوعة في مدرسة سياوش باشا بالشاغور. (٩) خزانة الأوقاف وهي مؤلفة من عدة خزائن حفظت بقاياها. (١٠) خزانة بيت الخطابة كانت بحجرة الخطابة بالجامع الأموي. ومن كتب أخرى موقوفة.

وفي زمن رءوف باشا والي دمشق أوائل هذا القرن جمع لها نحو خمسمائة ليرة وابتاع لها مقدارا من الكتب المطبوعة في الغرب وغيرها وجلد بعض كتبها حتى إذا كانت سنة (١٩١٩ م) وتألف المجمع العلمي العربي على يد كاتب هذه السطور بذلت العناية بابتياع أو استهداء الكتب المخطوطة والمطبوعة وقليل منها بغير اللغة العربية فناهز عدد الكتب المخطوطة الأربعة آلاف كتاب عدا المجاميع ، وعدد المطبوعة الأربعين ألفا عدا الخزانة التي أعدها المجمع لأعماله في الفروع التي يبحث فيها وهي تربو على أربعة آلاف ، وحصلت الفائدة من تنوع الأسفار والمجلات والصحف حتى قدر معدل الداخلين للاستفادة منها كل يوم بمئة إنسان وما زالت عناية المجمع بتكثير كتبها متوفرة ، ومن الكتب المخطوطة التي حفظت في دار الكتب الظاهرية «الكواكب الدراري» لابن عروة الحنبلي وهو في أكثر من مئة وعشرين مجلدا في فن التفسير والحديث والفقه وعلم الكلام والرد على الفلاسفة وأسماء الرجال وعلوم شتى والموجود منه ٤٢ جزءا. و «الغريب في الحديث» كثير منها أجوبة الإمام أحمد عن أسئلة أبي داود السجستاني كتب سنة مائتين وست وثمانين وهو أقدم كتاب عرف في الديار الشامية. و «البحر المحيط» في أصول الفقه للبدر الزركشي في خمس مجلدات والجزء الأول من «التذكرة» لأميرك من علماء المعتزلة في علم الكلام. والأول أيضا من «الاشارات الإلهية» لأبي حيان التوحيدي في مخاطبة النفس. والأول من «سر الصناعة» لابن جني في أسرار العربية و «شعب الإيمان» في التصوف والأخلاق لعبد الجليل الأندلسي. و «الرسالة الجامعة» من جمع أصحاب

٢٠٠