جعله عليه السلام ما ذكر تمهيدا لوجوب الأخذ بما وافق الكتاب تنبيه على أن ما وافق كتاب الله حق وصواب ، وأن عليه حقيقة ونورا.
قوله ـ قدس سره ـ : ( فمساقه مساق قول القائل : أترك الأكل يوما خير من أن أمنع منه سنة ... ) (١).
اعلم أنه ذهب بعض النحاة إلى أن لفظة ( أفعل ) في مثل هذه الموارد ـ مما لم يكن المفضل عليه متصفا بالمبدإ أصلا ـ وصفي ، لا تفضيلي (٢).
لكن لا يخفى فساده ، نظرا إلى أنه إذا كان للوصف لا يجوز استعماله مع لفظة ( من ) باتفاق جميع أهل العربية ـ مع أنه مستعمل معها في تلك الموارد ـ فالحق أنه للتفضيل الفرضي ، فإن التفضيل قد يكون حقيقيا ، وهو فيما إذا كان المفضل عليه متصفا بالمبدإ ، وقد يكون فرضيا (٣) ، وذلك فيما لم يكن هو متصفا به ، لكن يفرض اتصافه به ، فيفضل غيره عليه على تقدير الاتصاف ، فيكون معنى هذا التفضيل أن هذا أفضل من ذاك على تقدير اتصاف ذلك بالمبدإ ، فمعنى ترك الأكل يوما خير من أن أمنع سنة : أنه على تقدير كون المنع من الأكل سنة مشتملا على صلاح وخير يكون ترك الأكل يوما خيرا منه ، ومعنى قوله ـ عليه السلام ـ : « الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة » (٤) أن الاقتحام في الهلكة لو فرض كونه حسنا يكون الوقوف عند الشبهة خيرا منه.
بل قد يكون اتصاف المفضل بالمبدإ ـ أيضا ـ فرضيا ، كما في قول القائل :
__________________
(١) فرائد الأصول ١ : ٣٤١.
(٢) راجع شرح التصريح على التوضيح ٢ : ١٠٥ ، وشرح ابن عقيل ٢ : ١٨٢ ـ ١٨٣.
(٣) سبقه إلى هذا المعنى الشيخ الرضي الأسترآبادي ( ره ) في شرح الكافية ٢ : ٢١٥.
(٤) الوسائل ١٨ : ١١٤ و ١٢٦ ـ ٩ و ٥٠ باب ١٢ من أبواب صفات القاضي ، بتفاوت يسير.