هو الوجوب ومؤدى الآخر هي الحرمة ، إذ اللازم على هذا التقدير حرمة المخالفة العملية للأخبار المختصة بما إذا كانت متضمنة لحكم إلزامي دون الالتزامية ، لكن يمكن إثبات التخيير في غير تلك الصورة ـ حينئذ ـ بأخبار التخيير وإن لم يمكن إثباته بها لمطلق المتزاحمين المحتمل أهمية كل منهما ، لورودها في خصوص الخبرين المتعارضين ، لكن لا حاجة إليها في غيرهما من الواجبات المتزاحمة ، لجريان الوجه الأول فيها ، وإنما الإشكال في جريانه في خصوص الخبرين.
وتوضيح إثبات التخيير بين الخبرين في غير تلك الصورة بأخبار التخيير ـ بناء على اعتبار الأخبار على وجه السببية على المعنى الثاني ـ أن المأخوذ في موضوع تلك الأخبار إنما هو التحير في المراد من الخبرين المتعارضين ، على تقدير صدورهما ، بحيث لا يعلم المراد من واحد منهما إلا ببيان آخر ، وهذا حاصل في كل خبرين متعارضين ، ولو كان مؤدى أحدهما أو كليهما حكما غير إلزامي ، وغاية ما ثبت إنما هي تقييدها بغير صورة وجود مزية لأحدهما راجعة إلى قوة جهة طريقية ذيها مع العلم بموردها ، وفي الحقيقة خروج صورة وجود المزية المذكورة لأحدهما على الوجه المذكور انما هو من باب الاختصاص ، لا التخصيص ، لعدم صدق موضوع تلك الأخبار عليها بعد اعتبار الشارع لتلك المزية في تعيين المنع من المتعارضين ، إذ معه لا يبقى تحير في مراده في مرحلة الظاهر ، فإن الراجح منهما حينئذ محكوم بكون مؤداه هو المراد له ، وإنما كان التحير حاصلا في تلك الصورة مع قطع النّظر عن اعتبار الشارع لتلك المزية ، لعدم صلاحية دليل اعتبارهما لتعيين أحدهما ، لغرض دخول كليهما فيه على حد سواء وإلا لم يكونا متعارضين ، ومن المعلوم ـ أيضا ـ أن اعتبارهما من باب السببية لا يرفع هذا التحير ، فيدخل
__________________
التخيير بين نفس الخبرين ، بمعنى جواز التمسك بأيهما شاء ، وجعله دليلا في مؤداه.
وبعبارة أخرى : إنه راجع إلى التخيير في العمل من حيث العمل والترك ، دون الاستدلال بالخبرين ، فلا تغفل لمحرّره عفا الله عنه.