كسائر المفاهيم صدقها على ما ينطبق عليها قهري ، وعلى ما لا ينطبق عليها ممتنع ، فعلى تقدير عدم اختلاف الأخبار في ترتيب المزايا المذكورة ـ أيضا ـ لا حجية فيها علينا في إثبات وجوب الترتيب بينها ، لرجوعه إلى التعبد بمصداقية ما قدمت عند الاجتماع لتلك المزية الكلية ، وهي ليست حكما شرعيا يتطرق إليه التعبد ، فلا تكون أدلة اعتبار الخبر مقتضية للتعبد به ، بل لا يعقل إرادته به منها ، فيكون تشخيص مصاديقها موكولا إلى نظر المستنبط ، فاتضح بذلك عدم منافاة الوجه الثاني لذلك القول ـ أيضا ـ.
هذا كله مضافا إلى عدم تمامية شيء من الوجهين في نفسه أيضا.
أما أولهما : فلأنه غير مستلزم للتسامح في بيان الواجب على تقدير وجوب الأخذ بجميع تلك المرجحات المنصوصة ، فإن التسامح حينئذ إنما يتحقق بعدم بيان بعض منها أصلا ، وأما إذا كان المفروض بيان الجميع في مجموع تلك الأخبار وإن لم يكون في بعضها فلا.
وأما ثانيهما : فلأن أكثر الأخبار الآمرة بالترجيح قد اقتصر في كل منهما على ذكر بعض المرجحات ، فلا منافاة بينها من حيث الترتيب ، حتى يقدح بالقول الأول ، وإنما المذكور فيها جميع تلك المرجحات اثنان ، أحدهما مقبولة عمر بن حنظلة ، وثانيهما مرفوعة زرارة ، والاختلاف في الترتيب إنما هو بين تينك من جهة أن أول ما ذكر منها في المقبولة إنما هي صفات الراوي ، وفي المرفوعة إنما هي الشهرة ، وغاية ما يلزم أصحاب ذلك القول إنما هو العلاج بينهما ، وسيأتي إمكان العلاج بينهما إما بحمل تقديم الترجيح بصفات الراوي على الترجيح بين الحكمين من حيث أنهما حكمان ، كما هو ظاهر صدر المقبولة ، وإما بتحكيم المرفوعة على المقبولة على النحو الّذي يأتي بيانه إن شاء الله تعالى ، فلم ينهض الوجهان حجتين على أولئك أيضا.
وأما ثالث الوجوه المتقدمة ، ففيه أن المراد بموافقة الكتاب إنما هو موافقة