كل منهما على الأوصاف المعتبرة في الاعتبار على نحو اشتمال الآخر عليها وكون كل منهما مندرجين في العنوان الّذي دل الدليل على اعتباره لشرائطه ، وهو خبر العدل الضابط مثلا ، وقد علمنا من جهة تنافي مدلوليهما كذب واحد منهما حيث أنه يمتنع صدق المتنافيين ، لكنه ليس واحدا معينا في الواقع مجهول في الظاهر ، بل هو أحدهما بلا عنوان معين له ، لأن معينه الواقعي إما وصف الكذب وإما العلم بالكذب ، وإما غيرهما ، لا سبيل إلى شيء منهما.
أما الأول : فلفرض احتمال الكذب في كليهما ، إذ من المعلوم أنه على تقدير كذبهما جميعا لا يعقل أن يكون الكذب معينا لأحدهما ، لفرض عدم اختصاصه بواحد منهما.
وأما الثاني : فلأنه لا يعقل اعتباره في متعلقه ، لأنه من جعل الشيء موضوعا لنفسه.
وأما الثالث : فالمفروض كون المتعارضين فيه سواء واقعا من غير اختصاص له بأحدهما حتى يصلح لكونه معينا ، فإذا كان الّذي علم كذبه أحدهما بلا عنوان معين فغير الحجة منهما إنما هو أحدهما بلا عنوان ، كما أن الحجة منهما إنما هو أحدهما كذلك.
هذا مع أن الكذب لا يعقل أخذه واعتباره غاية ، لعدم الحجية ، لاستلزامه لأخذ وصف المصادفة شرطا في الحجية.
والحاصل أن الّذي علم من ملاحظة تنافي مدلوليهما إنما هو كذب أحدهما بلا عنوان ، فأحدهما بلا عنوان غير حجة في مداليله مطلقا ، وأحدهما كذلك حجة في مداليله مطلقا ، لفرض بقاء احتمال (١) صدقه مع اشتماله على شرائط الحجية إلا أنه لما لم يكن له عنوان ما مر فيكون تعيينه في خصوص أحدهما تعيينا بلا
__________________
(١) في النسخة الأصلية ( احتماله ) والصحيح ما أثبتناه في المتن.