لا يخفى أنه فعل المستنبط ، وهو في حد ذاته واحد لا تعدد فيه.
نعم يمكن اعتبار تعدده باعتبار تكثر موارده ، فإن كل تقديم وترجيح ـ في مورد لمزية ـ شخص مغاير لتقديم في مورد آخر لمزية أخرى أو بتلك المزية أيضا ، فيرتفع به منافاة الجمعية ، فيكون احتماله أقرب لكونه على تقديره إطلاقا حقيقيا ، بخلافه على جنس المزية أو جزئياتها.
قوله ـ قدس سره ـ : ( وغلب في الاصطلاح على تنافي الدليلين وتمانعهما باعتبار مدلولهما ) (١).
وجه التسمية : أن الدليلين المتعارضين كأن كلا منهما يظهر نفسه لصاحبه ، ويبارزه ليدفعه ، فيكون إطلاقه عليه من باب المجاز بعلاقة المشابهة.
قوله ـ قدس سره ـ : ( ولذا ذكروا أن التعارض تنافي مدلولي الدليلين ) (٢).
ما ذكره ـ قدس سره ـ في تعريف التعارض أحسن مما ذكروه ، إذ من المعلوم أن التعارض عنده وصف للدليلين لا لمدلولهما.
نعم منشأ تعارضهما وتنافيهما إنما هو كون مدلولهما على وجه يمتنع الجمع بينهما ، فيلزمه تنافي الدليلين الدالين عليهما وتدافعهما ، فالتدافع وصف قائم بالدليلين ناشئ عن وصف امتناع الاجتماع الحاصل في مدلولهما.
ثم إن النزاع في هذه المسألة : إنما هو بعد الفراغ عن ثبوت التعارض بين الدليلين ، فيكون كبرويا ، إلا أنه قد يقع الاشتباه في بعض الموارد الخاصة من حيث دخوله في تلك الكبرى وعدمه ، مع عدم تعرضهم له أصلا ، كما تعرضوا لخصوص الأمر والنهي ـ في مسألة اجتماع الأمر والنهي ـ فلم يكن بأس
__________________
(١) فرائد الأصول ٢ : ٧٥٠.
(٢) فرائد الأصول ٢ : ٧٥٠.