فالطهارة وإن صارت متعلقا لأنه يجب تحصيلها الاّ أنّ المكلف لو أتى بالطهارة وأوجدها سقط عنه الأمر ، فسقوط الأمر إذن معلق على الإتيان بالطهارة ويصير الإتيان بالطهارة موضوعا لزوال الأمر وسقوطه ـ اذ يصير المعنى : يسقط الأمر إن فرض حصول الطهارة ـ وبذلك يصح إجراء الاستصحاب في الطهارة.
ويرد على هذا التوجيه : ـ
أ ـ انّه لا يتم الاّ بعد تعميم الحكم لعدم الحكم ـ فإنّه في هذا التوجيه صار الإتيان بالطهارة موضوعا لعدم الوجوب ولسقوطه ـ مع أنّ ظاهر كلمة الحكم في الصيغة الثالثة القائلة بأنّه يشترط في المستصحب أن يكون حكما أو موضوعا لحكم هو الحكم بمعنى وجود الحكم لا بالمعنى الشامل لعدم الحكم.
ب ـ إنّا لا نسلم انّ الإتيان بالمتعلق موجب لسقوط الأمر ، فالإتيان بالصلاة مثلا لا يوجب سقوط وجوب الصلاة وإنّما يوجب سقوط فاعليته لا فعليته.
والوجه في ذلك : انّ الوجوب مثلا يرجع في روحه وجوهره الى حبّ الشيء ، والحبّ لا يزول عند الإتيان بالمحبوب ، فمن أحبّ الطعام واشتاق إليه لا يزول حبّه وشوقّه عند تحقق الطعام بل يبقى الطعام محبوبا حتى بعد تناوله غاية الأمر لا يكون الحبّ محركا الى تناول الطعام من جديد.
فالحب إذن بعد تناول الطعام يبقى فعليا إلاّ أنّه تسقط فاعليته وتاثيره (١).
وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في الحلقة الثانية عند البحث عن مسقطات
__________________
(١) لا يقال إنّ الوجوب ليس هو مجرد الحبّ بل هو اعتبار خاص زائد على الحب.
فإنّه يقال : هذا صحيح الاّ أنّ روح الحكم وجوهره هو الحب والشوق