وبعد اتضاح مسلك حكومة دليل الامارة على دليل الاصل ناخذ بمناقشته بما يلي : انّ حكومة دليل على دليل تتوقف على نظر الحاكم إلى المحكوم. ودليل حجّية الامارة حيث انّه غير ناظر إلى دليل الأصل فلا يمكن ان يكون حاكما عليه. امّا لماذا لم يكن دليل الامارة ناظرا إلى دليل الأصل؟
الوجه في ذلك : انا لو اخذنا المصداق المهم للامارة ـ وهو خبر الثقة أو الظهور ـ لرأينا انّ اقوى دليل على حجّيته هو احد أمرين : السيرة العقلائية وسيرة أصحاب الائمة عليهمالسلام. وكلا هذين الدليلين ليس ناظرا إلى موضوع دليل الأصل (١) ، أي ليس ناظرا إلى تنزيل الامارة منزله القطع الموضوعي ـ الذي هو موضوع الأصل ـ ليكون حاكما عليه.
امّا انّ سيرة العقلاء ليست ناظرة إلى تنزيل الامارة منزلة القطع الموضوعي فلأنّ القطع الموضوعي لا وجود له في حياة العقلاء لتكون سيرتهم الجارية على حجّية الخبر أو الظهور ناظرة إليه ومنزّلة للخبر منزلته ، فانا لم نعهد لحدّ الآن ولو حكما واحدا لدى العقلاء يكون القطع ماخوذا في موضوعه بحيث عند عدم حصول القطع لا يكون الحكم ثابتا واقعا وانّما المتداول بينهم القطع الطريقي ـ أي القطع الملحوظ بما هو طريق إلى الواقع وكمنجز له أو معذّر ـ وهم
__________________
(١) موضوع دليل الاصل هو عدم العلم ، أو بكلمة اخرى : هو العلم نفيا ، فاليقين بالنفي الماخوذ في موضوع الأصل يقين موضوعي ، أي هو يقين ماخوذ في موضوع الأصل.