ثانيا : أنّ هذه القصة تتنافى مع الاخبار القطعية التي بشر رسول الله صلىاللهعليهوآله بها المسلمين في ضوء ما نزل عليه من آيات.
فهو صلىاللهعليهوآله قبل أن يواجه المسلمون قريشا قال لأصحابه الذين خرجوا معه من المدينة وعدهم إحدى الطائفتين ، أي إما الظفر بقافلة قريش التجارية قطعا ، أو الانتصار على الجيش المكي حتما ويقينا إذ قال الله تعالى :
« وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ » (١).
وإنما اقدم على بناء العريش لرسول الله ـ بناء على رواية الطبري ـ في الوقت الذي كانت قافلة قريش قد أفلتت وهربت من أيدى المسلمين ، ولم يبق الاّ الجماعة المسلحة التي خرجت لحماية القافلة ، وكان المسلمون يعلمون ـ طبقا لذلك الوعد الإلهي القاطع ـ أنهم سينتصرون على تلك الجماعة الكافرة : « ويقطع دابر الكافرين » فلم يكن المجال مجال تردد وشك.
وبهذا يكون حديث هزيمة المسلمين في هذه المواجهة ولزوم بناء عريش لحماية النبيّ واعداد ابل سريعة السير عند العريش لينجو صلىاللهعليهوآله عليها بنفسه حديثا باطلا لا مبرّر له ، ولا مسوّغ.
يقول ابن سعد نقلا عن عمر بن الخطاب قال : لما نزلت « سيهزم الجمع ويولّون الدبر » قلت : وأي جمع يهزم ومن يغلب؟ فلما كان يوم بدر نظرت الى رسول الله صلىاللهعليهوآله يثب في الدرع وثبا وهو يقول : « سيهزم الجمع ويولّون الدبر » فعلمت ان الله تبارك وتعالى سيهزمهم (٢).
ومع هذا هل يحتمل أن يدور في خلد النبيّ صلىاللهعليهوآله وأصحابه شيء حول الهزيمة أو يحدثوا أنفسهم بالفرار؟
ثالثا : أن النبيّ الذي يصف الامام عليّ عليهالسلام موقفه وحالته عند اشتداد ضراوة القتال لا تنسجم أبدا ولا تلائم هذا التكتيك الذي لا يتسم
__________________
(١) الأنفال : ٧.
(٢) الطبقات الكبرى : ج ٢ ص ٢٥.