المطلب يخالف الحقيقة ، وأن الرواة اختلقوا هذا الترتيب لدوافع وأغراض سياسية لا مجال لذكرها ، وبيانها هنا ، وقد تبعهم في ذلك كتّاب السيرة وادرجوه في كتبهم من دون تمحيص وتحقيق.
والعجب أن ابن هشام الذي نقل كل هذه الابيات والقصائد قال : ان جعفر كان المعاون الأول لزيد بن حارثة ، وليس القائد الأعلى للجيش ، وهو كما ترى تناقض مكشوف (١).
كانت « الروم » قد اصيبت يومذاك ـ نتيجة الحروب العديدة والطويلة مع منافستها ايران ـ بالفوضى ، والهرج والمرج الشديدين.
فمع ان قادة الروم كانوا سكارى من نشوة الانتصار على ايران إلاّ أنهم قد بلغهم شيء كثير عن شجاعة المسلمين وبسالتهم النابعة من إيمانهم والتي كسبوا عن طريقها أمجادا عظيمة ، وكانوا يراقبون على الدوام تحرك جنود الاسلام ونشاطاتهم العسكرية.
ولهذا لما بلغ هرقل قيصر الروم بموعد توجه جنود الاسلام الى ناحية الشام لتاديب عميله شرحبيل الغساني ، أرسل جيشا عظيما وقويا لمواجهة جنود الاسلام البالغ عددهم ثلاثة آلاف.
وقد اعدّ « شرحبيل » حاكم ارض الشام وحده مائة ألف فارس من مختلف القبائل القاطنة في الاراضي الشامية ووجهه الى حدود الشام لإيقاف تقدم الجيش الاسلامي ، وقد أعدّ قيصر قبل ذلك مائة ألف جندي رومي فنزل في منطقة تدعى « مآب » من مدن البلقاء ، واستقرّ هناك كقوة احتياطيّة تتدخل عند اللزوم (٢).
__________________
(١) السيرة النبوية : ج ٢ ص ٣٨٠.
(٢) المغازي : ج ٢ ص ٧٦٠ ، السيرة النبوية : ج ٢ ص ٣٧٥.